تفسير سورة الأنعام

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الأنعام مكية كلها، إلا هذه الآيات، نزلت بالمدينة، ونزلت ليلا
وهي خمس وستون ومائة آية كوفى
والآيات المدنية هي :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم... ﴾ إلى قوله ﴿... لعلكم تعقلون ﴾، وهي الآيات المحكمات.
وقوله :﴿ وما قدروا الله حق قدره... ﴾ إلى آخر الآية.
وقوله :﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي... ﴾ نزلت في مسيلمة، ﴿ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله... ﴾، نزلت في عهد عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وقوله :﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت... ﴾.
وقوله :﴿ والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق... ﴾، ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ﴾.
هذه الآيات مدنيات، وسائرها مكي، نزل بها جبريل، عليه السلام، ومعه سبعون ألف ملك، طبقوا ما بين السماء والأرض، لهم زجل بالتسبيح والتمجيد والتحميد، حتى كادت الأرض أن ترتج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"سبحان الله العظيم وبحمده"، وخر النبي ساجدا، فيها خصومة مشركي العرب وأهل الكتاب، وذلك أن قريشا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : من ربك ؟ فقال :"ربي الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"، فقالوا : أنت كذاب، ما اختصك الله بشيء، وما أنت عليه بأكرم منا فأنزل الله عز وجل : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الحمد لله ﴾.

﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ﴾، فحمد نفسه ودل بصنعه على توحيده.
﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾، لم يخلقهما باطلاً، خلقهما لأمر هو كائن.
﴿ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ ﴾، يعني الليل والنهار، ثم رجع إلى أهل مكة، فقال: ﴿ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة.
﴿ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [آية: ١]، يعني يشركون.﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ﴾، يعني آدم، عليه السلام؛ لأنكم من ذريته.
﴿ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً ﴾، يعني أجل ابن آدم من يوم ولد إلى أن يموت.
﴿ وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ﴾، يعني البرزخ منذ يوم ولد إلى يوم يموت، إلى يوم القيامة.
﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [آية: ٢]، يعني تشكون في البعث، يعني كفار مكة.﴿ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ أنه واحد.
﴿ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ﴾، يعني سر أعمالكم وجهرها.
﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٣]، يعني ما تعملون من الخير والشر.﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾، يعني انشقاق القمر.
﴿ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [آية: ٤]، فلم يتفكرون فيها، فيعتبروا في توحيد الله.﴿ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾، يعني القرآن حين جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، استهزءوا بالقرآن بأنه ليس من الله، يعني كفار مكة، منهم: أبو جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، ومنبه نبيه ابنا الحجاج، والعاص بن وائل السهمي، وأبى بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعبدالله بن أبي أمية، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البحتري بن هشام بن أسد، والحارث بن عامر بن نوفل، ومخرمة بن نوفل، وهشام بن عمرو بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وسهل بن عمرو، وعمير بن وهب بن خلف، والحارث بن قيس، وعدي بن قيس، وعامر بن خالد الجمحى، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، ومطعم بن عدى، وقرط بن عبد عمرو بن نوفل، والأخنس بن شريق، وحويطب بن عبد العزى، وأمية بن خلف، كلهم من قريش، يقول الله عز وجل: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ ﴾، يعني حديث.
﴿ مَا كَانُواْ بِهِ ﴾ بالعذاب ﴿ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [آية: ٥] بأنه غير نازل بهم، ونظيرها في الشعراء، فنزل بهم العذاب ببدر.
ثم وعظهم ليخافوا، فقال: ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم ﴾، كفار مكة.
﴿ مِّن قَرْنٍ ﴾ من أمة.
﴿ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ﴾، يقول: أعطيناهم من الخير والتمكين فى البلاد ما لم نعطكم يا أهل مكة.
﴿ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً ﴾ بالمطر، يعني متتابعاً.
﴿ وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾، يعني فعذبناهم.
﴿ بِذُنُوبِهِمْ ﴾، يعني بتكذيبهم رسلهم.
﴿ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ [آية: ٦]، يقول: وخلقنا من بعد هلاكهم قوماً آخرين.﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ﴾، ما صدقوا به، و ﴿ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة.
﴿ إِنْ هَـٰذَآ ﴾، يقول: ما هذا القرآن.
﴿ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٧]، يعني بين.﴿ وَقَالُواْ لَوْلاۤ ﴾، يعنى هلا.
﴿ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ﴾، يعينه ويصدقه بما أرسل به، نظيرها فى الفرقان، نزلت فى النضر بن الحارث، وعبدالله بن أمية بن المغيرة، ونوفل بن خويلد، كلهم من قريش، يقول الله: ﴿ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً ﴾ فعاينوه.
﴿ لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾، يعنى لنزل العذاب بهم.
﴿ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ﴾ [آية: ٨]، يعنى ثم لا يناظر بهم حتى يعذبوا؛ لأن الرسل إذا كُذبت جاءت الملائكة بالعذاب. يقول الله: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ ﴾، هذا الرسول.
﴿ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ﴾، يعنى فى صورة رجل حتى يطيقوا النظر إليه؛ لأن الناس لا يطيقون النظر إلى صورة الملائكة، ثم قال: ﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم ﴾، يعنى ولشبهنا عليهم.
﴿ مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ [آية: ٩]، يعنى ما يشبهون على أنفسهم بأن يقولوا: ما هذا إلا بشر مثلكم.﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾، وذلك أن مكذبى الأمم الخالية، أخبرتهم رسلهم بالعذاب فكذبوهم، بأن العذاب ليس بنازل بهم، فلما كذب كفار مكة النبى صلى الله عليه وسلم بالعذاب حين أوعدهم استهزءوا منه، فأنزل الله يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: ﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ يا محمد كما استهزئ بك فى أمر العذاب.
﴿ فَحَاقَ ﴾، يعنى فدار ﴿ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ ﴾، يعنى من الرسل.
﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ ﴾، يعنى بالعذاب.
﴿ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [آية: ١٠] بأنه غير نازل بهم. ثم وعظهم ليخافوا، فقال: ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آية: ١١] بالعذاب كان عاقبتهم الهلاك يحذر كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية.
﴿ قُل ﴾ لكفار مكة ﴿ لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ من الخلق، فردوا عليه فى الرعد، قالوا: الله، فى قراءة أبى بن كعب، وابن مسعود فى تكذيبهم بالبعث، قالوا: الله ﴿ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ﴾ فى تأخير العذاب عنهم، فأنزل الله فى تكذيبهم بالبعث.
﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أنتم والأمم الخالية.
﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾، يعنى لا شك فيه، يعنى فى البعث بأنه كائن، ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ ﴾، يعنى غبنوا.
﴿ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٢]، يعنى لا يصدقون بالبعث بأنه كائن.
ثم عظم نفسه لكى يوحد، فقال: ﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ ﴾، يعنى ما استقر.
﴿ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ من الدواب والطير فى البر والبحر، فمنها ما يستقر بالنهار وينتشر ليلاً، ومنها ما يستقر بالليل وينتشر نهاراً، ثم قال: ﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لما سألوا من العذاب.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ١٣] به.﴿ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ ﴾، وذلك أن كفار قريش قالوا: يا محمد، ما يحملك على ما أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك عبدالله وملة جدك عبد المطلب وإلى سادات قومك يعبدون اللات والعزى ومناة، فتأخذ به، وتدع ما أنت عليه، وما يحملك على ذلك إلا الحاجة، فنحن نجمع لك من أموالنا، وأمره بترك عبادة الله، فأنزل الله: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ ﴾ ﴿ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، فعظم نفسه ليعرف توحيده بصنعه.
﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ﴾، وهو يرزق ولا يرزق، لقولهم: نجمع لك من أموالنا ما يغنيك.
﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ، يعنى أول من أخلص من أهل مكة بالتوحيد، ثم أوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ ﴾ [آية: ١٤]، لقولهم للنبى، عليه السلام: ارجع إلى ملة آبائك.﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد.
﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ﴾، إن رجعت إلى ملة آبائى.
﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٥]، يعنى بالعظيم الشديد يوم القيامة، وقد نسخت:﴿ إِنَّا فَتَحْنَا ﴾[الفتح: ١].
﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾، يعنى الشديد يوم القيامة.﴿ مَّن يُصْرَفْ ﴾ الله ﴿ عَنْهُ ﴾ العذاب ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ يوم القيامة.
﴿ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ﴾ الصرف، يعنى صرف العذاب.
﴿ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ١٦]، يعنى النجاة العظيمة المبينة. ثم خوف النبى صلى الله عليه وسلم ليتمسك بدين الله تعالى، فقال: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ ﴾، يعنى يصبك الله بضر، يعنى بلاء وشدة.
﴿ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ﴾، يقول: لا يقدر أحد من الآلهة ولا غيرهم كشف الضر إلا الله.
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ﴾، يعنى يصبك بفضل وعافية.
﴿ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾ [آية: ١٧] من ضر وخير. وأنزل الله فى قولهم: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى يعبدون من دون الله من الآلهة.
﴿ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ ﴾ فى ترك دين الله.
﴿ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ﴾، إن اتبعت دينكم.
﴿ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾، يعنى من المرشدين، و ﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ﴾، يعنى على بيان من ربى، وأنزل الله فى ذلك: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً... ﴾ إلى آخر السورة.
﴿ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ ﴾ لخلقه.
﴿ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾، قد علاهم وقهرهم.
﴿ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ﴾ فى أمره ﴿ ٱلْخَبِيرُ ﴾ [آية: ١٨] بخلقه.
﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً ﴾، وذلك أن كفار قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: أما وجد الله رسولاً غيرك ما نرى أحداً يصدقك بما تقول، وقد سألنا عنك أهل الكتاب، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فمن يشهد لك أن الله هو الذى أرسلك؟ فقال الله للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُل ﴾ لهم ﴿ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً ﴾، قالوا: الله أكبر شهادة من غيره، فقال الله: ﴿ قُلِ ﴾ لهم يا محمد ﴿ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ بأنى رسول.
﴿ وَ ﴾ أنه ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ ﴾ من عند الله.
﴿ لأُنذِرَكُمْ بِهِ ﴾، يعنى لكى أنذركم بالقرآن يا أهل مكة.
﴿ وَمَن بَلَغَ ﴾ القرآن من الجن والإنس، فهو نذير لهم، يعنى القرآن إلى يوم القيامة، ثم قال: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ﴾؟ قالوا: نعم نشهد، قال الله للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ لاَّ أَشْهَدُ ﴾ بما شهدتم، ولكن أشهد.
﴿ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ﴾، قل لهم: ﴿ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ١٩] به غيره. وأنزل فى قولهم: لقد سألنا عنك أهل الكتاب، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ ﴾، أى صفة محمد صلى الله عليه وسلم فى كتبهم ﴿ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ﴾.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، قال: إن عبد الله بن سلام، قال: لأنا أعرف بمحمد، عليه السلام، منى بابنى؛ لأنى لا أعلم ما أحدثت فيه أمه، ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾، يعنى غبنوا أنفسهم.
﴿ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٢٠]، يعنى لا يصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، بأنه رسول الله، وأنزل الله فى قولهم أيضاً:﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ﴾يعنى القرآن،﴿ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ﴾[الأنعام: ١١٤]، يعنى من الشاكين بأن القرآن جاء من الله، نظيرها فى يونس: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، يقول: فلا أحد أظلم.
﴿ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ بأن معه شريكاً لقولهم: إن مع الله آلهة أخرى، ثم قال: ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾، يعنى بالقرآن أنه ليس من الله.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٢١]، يعنى المشركين فى الآخرة يعيبهم، نظيرها فى يونس.
﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ﴾، وذلك أن المشركين فى الآخرة لما رأوا كيف يتجاوز الله عن أهل التوحيد، فقال بعضهم لبعض: إذا سئلنا قولوا: كنا موحدين، فلما جمعهم الله وشركاءهم، قال لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [آية: ٢٢] فى الدنيا بأن مع الله شريكاً.﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾، يعنى معذرتهم إلا الكذب حين سئلوا فتبرأوا من ذلك، فقالوا: ﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٢٣]، قال الله: ﴿ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ﴾ فى الآخرة.
﴿ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٢٤] من الشرك فى الدنيا، فختم على ألسنتهم، وشهدت الجوارح بالكذب عليهم والشرك.
﴿ وَمِنْهُمْ ﴾، يعنى كفار مكة.
﴿ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ﴾ وانت تتلو القرآن، يعنى النضر بن الحارث، إلى آخر الآية.
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾، يعنى الغطاء عن القلب؛ لئلا يفقهوا القرآن.
﴿ وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾، يعنى ثقلاً، فلا يسمعوا، يعنى النضر، ثم قال: ﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ﴾، يعنى انشقاق القمر، والدخان، فلا يصدقوا بأنها من الله عز وجل.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ ﴾ فى القرآن بأنه ليس من الله.
﴿ يَقُولُ ﴾ الله: قال: ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾، يعنى النضر: ﴿ إِنْ هَـٰذَآ ﴾ القرآن ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٢٥]، يعنى أحاديث الأولين، حديث رستم واسفندياز.﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عند أبى طالب بن عبد المطلب، يدعوه إلى الإسلام، فاجتمعت قريش إلى أبى طالب ليريدوا بالنبى، عليه السلام، سوءاً، فسألوا أبا طالب أن يدفعه إليهم فيقتلوه، فقال أبو طالب: ما لى عنه صبر، قالوا: ندفع إليك من سبايانا من شئت مكان ابن أخيك، فقال أبو طالب: حين تروح الإبل، فإن جاءت ناقة إلى غير فصيلها دفعت إليكم، وإن كانت الناقة لا تحن إلا إلى فصيلها، فأنا أحق من الناقة، فلما أبى عليهم، اجتمع منهم سبعة عشر رجلاً من أشرافهم ورؤسائهم، فكتبوا بينهم كتاباً ألا يبايعوا بنى عبد المطلب، ولا يناكحوهم، ولا يخالطوهم، ولا يؤاكلوهم، حتى يدفعوا إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم فيقتلوه، فاجتمعوا فى دار شيبة بن عثمان صاحب الكعبة، وكان هو أشد الناس على النبى صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طالب: والله لن يصلوا إليك بجمعهم   حتى أغيب فى التراب دفيناًفانفذ لأمرك ما عليك غضاضة   أبشر وقر بذاك منك عوناًودعوتنى وزعمت أنك ناصحى   فلقد صدقت وكنت قدماً أميناًوعرضت ديناً قد علمت بأنه   من خير أديان البرية ديناًلولا الدمامة أو أخادن سبة   لوجدتنى سمحاً بذاك مبيناًفأنزل الله فى أبى طالب، واسمه: عبد مناف بن شيبة، وهو عبد المطلب: ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾، كان ينهى قريش عن أذى النبى صلى الله عليه وسلم، ويتباعد هو عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يتبعه على دينه.
﴿ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٢٦]، يعنى أبا طالب.﴿ وَلَوْ تَرَىٰ ﴾ يا محمد ﴿ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ ﴾، يعنى كفار قريش هؤلاء الرؤساء تمنوا.
﴿ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ﴾، يعنى القرآن بأنه من الله.
﴿ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢٧]، يعنى المصدقين بالقرآن فى قولهم: ﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ﴾، وذلك أنهم حين قالوا: ﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾، أوحى الله إلى الجوارح، فشهدت عليهم بما كتموا من الشرك، فذلك قوله: ﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ ﴾، يعنى ظهر لهم من الجوارح ﴿ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ﴾ بألسنتهم من قبل أن تنطق الجوارح بالشرك، فتمنوا عند ذلك الرجعة إلى الدنيا.
﴿ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا... ﴾ إلى آخر الآية، فأخبر الله عنهم، فقال: ﴿ وَلَوْ رُدُّواْ ﴾ إلى الدنيا كما تمنوا وعمروا فيها.
﴿ لَعَادُواْ لِمَا ﴾، يعنى لرجعوا لما ﴿ نُهُواْ عَنْهُ ﴾ من الشرك والتكذيب.
﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ٢٨] فى قولهم حين قالوا: ﴿ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾، بالقرآن. لما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم كفار مكة بالبعث كذبوه.
﴿ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [آية: ٢٩] بعد الموت، فأخبر الله بمنزلتهم فى الآخرة، فقال: ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ ﴾ يا محمد ﴿ إِذْ وُقِفُواْ ﴾، يعنى عرضوا ﴿ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا ﴾ إنه الحق.
﴿ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٣٠] بالعذاب بأنه غير كائن، نظيرها فى الأحقاف.
﴿ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى بالبعث.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾، يعنى يوم القيامة بغتة، يعنى فجأة.
﴿ قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا ﴾، يعنى كفار قريش.
﴿ عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ﴾، يقولون: يا ندامتنا على ما ضيعنا فى الدنيا من ذكر الله، ثم قال: ﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [آية: ٣١]، وذلك أن الكافر إذا بعث فى الآخرة، أتاه عمله الخبيث فى صورة حبشى، أشوه، منتن الريح، كريه المنظر، فيقول له الكافر: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، قد كنت أحملك فى الدنيا بالشهوات واللذات، فاحملنى اليوم، فيقول: وكيف أطيق حملك؟ فيقول: كما حملتك، فيركب ظهره، فذلك قوله: ﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾، يعنى ألا بئس ما يحملون.﴿ وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ ﴾، يعنى إلا باطل.
﴿ وَلَهْوٌ ﴾ يكون فى الدنيا.
﴿ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ ﴾، يثنى عل الجنة، يقول: ولدار الجنة أفضل من الدنيا.
﴿ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ الشرك.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعنى فهلا ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٣٢] أن الدار الآخرة أفضل من الدنيا؛ لأنها بعد دار الدنيا، وإنما سميت الدنيا؛ لأنها أدنى إلينا من دار الآخرة.﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ ﴾، نزلت فى الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى، كان الحارث يكذب النبى صلى الله عليه وسلم فى العلانية، فإذا خلا مع أهل ثقته، قال: ما محمد من أهل الكذب، وإنى لأحسبه صادقاً، وكان إذا لقى النبى صلى الله عليه وسلم، قال: إنا لنعلم أن هذا الذى تقول حق، وإنه لا يمنعنا أن نتبع الهدى معك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس، يعنى العرب، من أرضنا إن خرجنا، فإنما نحن أكلة رأس، ولا طاقة لنا بهم، نظيرها فى القصص:﴿ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ﴾[القصص: ٥٧]، فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ ﴾ فى العلانية بأنك كذاب مفتر.
﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ﴾ فى السر بما تقول بأنك نبى رسول، بل يعلمون أنك صادق، وقد جربوا منك الصدق فيما مضى.
﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [آية: ٣٣]، يعنى بالقرآن بعد المعرفة.﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾، وذلك قبل كفار مكة؛ لأن كفار مكة، قالوا: يا محمد، ما يمنعك أن تأتينا بآية كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم، فإن فعلت صدقناك، وإلا فأنت كاذب، فأنزل الله يعز نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه، وأن يقتدى بالرسل قبله: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ ﴿ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ فى هلاك قومهم، وأهل مكة بمنزلتهم، فذلك قوله: ﴿ وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى لا تبديل لقول الله بأنه ناصر محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وقوله حق كما نصر الأنبياء قبله.
﴿ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ﴾، يعنى من حديث ﴿ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٣٤] حين كذبوا وأوذوا ثم نصروا.﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ ﴾، يعنى ثقل عليك.
﴿ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ عن الهدى، ولم تصبر على تكذيبهم إياك.
﴿ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعنى سرباً.
﴿ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾، أى فإن لم تستطع فأت بسلم ترقى فيه إلى السماء.
﴿ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ﴾ فافعل إن استطعت، ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم، فقال: ﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ [آية: ٣٥]، فإن الله لو شاء لجعلهم مهتدين.
ثم ذكر إيمان المؤمنين، فقال: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾ الهدى، يعنى القرآن، ثم قال: ﴿ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ﴾، يعنى كفار مكة يبعثهم الله فى الآخرة.
﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٣٦]، يعنى يردون فيجزيهم. ﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ ﴾، يعنى هلا ﴿ نُزِّلَ عَلَيْهِ ﴾ محمد كما أنزل على الأنبياء ﴿ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ للكفار.
﴿ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٧] بأن الله قادر على أن ينزلها.﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، ولا فى بر، ولا فى بحر.
﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾، يعنى خلقاً أصنافاً مصنفة تعرف بأسمائهم.
﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ ﴾، يعنى ما ضيعنا فى اللوح المحفوظ.
﴿ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [آية: ٣٨] فى الآخرة، ثم يصيرون من بعد ما يقتص بعضهم من بعض تراباً، يقال لهم: كونوا تراباً.﴿ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعنى القرآن.
﴿ صُمٌّ ﴾ لا يسمعون الهدى.
﴿ وَبُكْمٌ ﴾ لا يتكلمون به.
﴿ فِي ٱلظُّلُمَاتِ ﴾، يعنى الشرك.
﴿ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ ﴾ عن الهدى، نزلت فى بنى عبد الدار بن قصى.
﴿ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٣٩]، يعنى على دين الإسلام، منهم: على بن أبى طالب، والعباس، وحمزة، وجعفر. ثم خوفهم، فقال للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ ﴾ فى الدنيا كما أتى الأمم الخالية.
﴿ أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ ﴾، ثم رجع إلى عذاب الدنيا، فقال: ﴿ أَغَيْرَ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة.
﴿ تَدْعُونَ ﴾ أن يكشف عنكم العذاب فى الدنيا.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٤٠] بأنه معه آلهة. ثم رجع إلى نفسه، فقال: ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ ﴾، يعنى وتتركون ﴿ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٤١] بالله من الآلهة، فلا تدعونهم أن يكشفوا عنكم ولكنكم تدعون الله.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ ﴾ الرسل ﴿ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾، فكذب بهم قومهم كما كذب بك كفار مكة.
﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ ﴾ لكى ﴿ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [آية: ٤٢] إلى ربهم فيتوبون إليه.
يقول: ﴿ فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا ﴾، يعنى الشدة والبلاء.
﴿ تَضَرَّعُواْ ﴾ إلى الله وتابوا إليه لكشف ما نزل بهم من البلاء.
﴿ وَلَـٰكِن قَسَتْ ﴾، يعنى جفت ﴿ قُلُوبُهُمْ ﴾، فلم تلن.
﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٤٣] من الشرك والتكذيب.
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ﴾، يعنى فلما تركوا ما أمروا به، يعنى وعظوا به، يعنى الأمم الخالية مما دعاهم الرسل فكذبوهم، فـ ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ﴾، يعنى أرسلنا عليهم ﴿ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، يعنى أنواع الخير من كل شىء بعد الضر الذى كان نزل بهم، نظيرها فى الأعراف.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ ﴾، يعنى بما أعطوا من أنواع الخير وأعجبهم ما هم فيه.
﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾، يعنى أصبناهم بالعذاب بغتة، يعنى فجأة أعز ما كانوا.
﴿ فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾ [آية: ٤٤]، يعنى فإذا هم مرتهنون آيسون من كل خير.﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ﴾، يعنى أصل القوم.
﴿ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعنى أشركوا، فلم يبق منهم أحد.
﴿ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٤٥] فى هلاك أعدائه، يخوف كفار مكة.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة يا محمد: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ﴾، فلم تسمعوا شيئاً.
﴿ وَخَتَمَ ﴾، يعنى وطبع ﴿ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ ﴾، فلم تعقلوا شيئاً.
﴿ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾، يعنى هل أحد يرده إليكم دون الله.
﴿ ٱنْظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ﴾، يعنى العلامات فى أمور شتى فيما ذكر من تخويفهم من أخذ السمع والأبصار والقلوب، وما صنع بالأمم الخالية.
﴿ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [آية: ٤٦]، يعنى يعرضون، فلا يعتبرون. ثم قال يعنيهم: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً ﴾، يعنى فجأة لا تشعرون حتى ينزل بكم.
﴿ أَوْ جَهْرَةً ﴾، أو معاينة ترونه حين ينزل بكم القتل ببدر.
﴿ هَلْ يُهْلَكُ ﴾ بذلك العذاب.
﴿ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٤٧]، يعنى المشركون.﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ ﴾ بالجنة.
﴿ وَمُنذِرِينَ ﴾ من النار.
﴿ فَمَنْ آمَنَ ﴾، يعنى فمن صدق.
﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ العمل.
﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آية: ٤٨]، نظيرها فى الأعراف.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعنى بالقرآن، يعنى كفار مكة.
﴿ يَمَسُّهُمُ ﴾، يعنى يصيبهم ﴿ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ [آية: ٤٩]، يعنى يعصون، فلما خوفهم النبى صلى الله عليه وسلم بالعذاب، سألوه العذاب استهزاء وتكذيباً: إلى متى يكون هذا العذاب الذى تعدنا به إن كنت من الصادقين؟ فقال الله للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ ﴾، يعنى مفاتيح الله بنزول العذاب.
﴿ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ ﴾، يعنى غيب نزول العذاب متى ينزل بكم.
﴿ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾؛ لقولهم فى حم السجدة:﴿ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً ﴾[فصلت: ١٤] رسلاً فتؤمن بهم، فأما أنت يا محمد، فلا نصدقك فيما تقول.
﴿ إِنْ أَتَّبِعُ ﴾، يقول: ما أتبع.
﴿ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ﴾ من القرآن.
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ ﴾ بالهدى فلا يبصره، وهو الكافر.
﴿ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ بالهدى، وهو المؤمن.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعنى فهلا ﴿ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٥٠] فتعلمون أنهما لا يستويان. ثم قال: ﴿ وَأَنذِرْ بِهِ ﴾، يعنى بالقرآن.
﴿ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾، يعنى يعلمون.
﴿ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾، يعنى الموالى وفقراء العرب، ويعلمون أنه ﴿ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ ﴾، يعنى من دون الله ﴿ وَلِيٌّ ﴾، يعنى قريب ينفعهم.
﴿ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ فى الآخرة يشفع لهم إن عصوا الله.
﴿ لَّعَلَّهُمْ ﴾، يعنى لكى ﴿ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٥١] المعاصى، نزلت فى الموالى عمارة، وأبى ذر الغفارى، وسالم، ومهجع، والنمر بن قاسط، وعامر بن فهيرة، وابن مسعود، وأبى هريرة، ونحوهم، وذلك أن أبا جهل وأصحابه، قالوا: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمداً من موالينا وأعرابنا رذالة كل حى وسفلتهم، يعنون الموالى، ولو كان لا يقبل إلا سادات الحى وسراة الموالى تابعناه، وذكروا ذلك لأبى طالب، فقالوا: قل لابن أخيك أن يطرد هؤلاء الغرباء والسفلة، حتى يجيبه سادات قومه وأشرافهم.
قال أبو طالب للنبى صلى الله عليه وسلم: لو طردت هؤلاء عنك، لعل سراة قومك يتبعونك، فأنزل الله: ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾، يعنى الصلاة له.
﴿ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ ﴾ طرفى النهار.
﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾، يعنى يبتغون بصلاتهم وجه ربهم.
﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٥٢]، قال: وكانت الصلاة يومئذ ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك.﴿ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾، يقول: هكذا ابتلينا فقراء المسلمين من العرب والموالى بالعرب من المشركين: أبى جهل، والوليد، وعتبة، وأمية، وسهل بن عمرو، ونحوهم.
﴿ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم ﴾، يعنى أنعم الله عليهم بالإسلام.
﴿ مِّن بَيْنِنَآ ﴾، يقول الله: ﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ٥٣]، يعنى بالموحدين منكم من غيره، وفيهم نزلت فى الفرقان:﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً... ﴾[الفرقان: ٢٠]، إلى آخر الآية. ثم قال يعنيهم: ﴿ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا ﴾، يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله.
﴿ فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾، يقول: مغفرة الله عليكم،" كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقال: " الحمد لله الذى جعل فى أمتى من أمرت أن أصبر معهم وأسلم عليهم "، وقال: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ ﴾، نزلت فى عمر بن الخطاب، تاب من بعد السوء، يعنى الشرك.
﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ العمل.
﴿ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٥٤].
﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾، يعنى نبين الآيات، يعنى هكذا نبين أمر الدين.
﴿ وَلِتَسْتَبِينَ ﴾، يعنى وليتبين لكم ﴿ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٥٥]، يعنى طريق الكافرين من المؤمنين حتى يعرفهم، يعنى هؤلاء النفر أبا جهل وأصحابه.
﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة.
﴿ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [آية: ٥٦] إن اتبعت أهواءكم، وذلك حين دعى إلى دين آبائه. قوله: ﴿ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ﴾، يعنى بيان من ربى بما أمرنى من عبادته وترك عبادة الأصنام، حين قالوا له: ائتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين.
﴿ وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾، يعنى بالعذاب، فقال لهم، عليه السلام: ﴿ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ من العذاب، يعنى كفار مكة.
﴿ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ ﴾، يعنى ما القضاء إلا لله فى نزول العذاب بكم فى الدنيا.
﴿ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ ﴾، يعنى يقول الحق، ومن قرأها: " يقضى الحق "، يعنى يأتى بالعذاب ولا يؤخره إذا جاء.
﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَاصِلِينَ ﴾ [آية: ٥٧] بينى وبينكم، يعنى خير الحاكمين فى نزول العذاب بهم.﴿ قُل ﴾ لهم ﴿ لَّوْ أَنَّ عِندِي ﴾، يعنى بيدى.
﴿ مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ من العذاب.
﴿ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾، يعنى أمر العذاب.
﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾، وليس ذلك بيدى.
﴿ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٥٨].
﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ ﴾، يعنى وعند الله خزائن العذاب، متى ينزله بكم.
﴿ لاَ يَعْلَمُهَآ ﴾ أحد ﴿ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ ﴾ من شجرة.
﴿ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ ﴾ كلها.
﴿ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٥٩]، يقول: هو بين فى اللوح المحفوظ.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ ﴾، يعنى يميتكم بالليل.
﴿ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ﴾، يعنى ما كسبتم من خير أو شر بالنهار.
﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾، يقول: يبعثكم من منامكم بالنهار.
﴿ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مّسَمًّى ﴾، يعنى منتهياً إليه.
﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ فى الآخرة.
﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٦٠ ] فى الدنيا من خير أو شر، هذا وعيد. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ ﴾ لخلقه.
﴿ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾، قد علاهم.
﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ﴾ من الملائكة، يعنى الكرام الكاتبين يحفظون أعمال بنى آدم.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ ﴾ عند منتهى الأجل.
﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾، يعنى ملك الموت وحده، عليه السلام.
﴿ وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ [آية: ٦١]، يعنى لا يضيعون ما أمروا به، يعنى ملك الموت وحده. ثم قال: ﴿ ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ ﴾، ثم ردوا من الموت إلى الله فى الآخرة، فيها تقديم.
﴿ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ ﴾، يعنى القضاء.
﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ ﴾ [آية: ٦٢]، يقول: هو أسرع حساباً من غيره، وذلك قوله:﴿ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾[الأنبياء: ٤٧].
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لكفار مكة: ﴿ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ﴾، يعنى الظلل والظلمة والموج.
﴿ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً ﴾، يعنى مستكينين.
﴿ وَخُفْيَةً ﴾، يعنى فى خفض وسكون.
﴿ لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ ﴾ الأهوال.
﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ٦٣] لله فى هذه النعم، فيوحدوه.
﴿ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ﴾، يعنى من أهوال كل كرب، يعنى من كل شدة.
﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٦٤] فى الرخاء.﴿ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ ﴾، يعنى الحصب بالحجارة كما فعل بقوم لوط، فلا يبقى منكم أحد.
﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾، يعنى الخسف كما فعل بقارون ومن معه، ثم قال: ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾، يعنى فرقاً أحزاباً أهواء مختلفة كفعله بالأمم الخالية.
﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾، يقول: يقتل بعضكم بعضاً، فلا يبقى منكم أحد إلا قليل،" فقال النبى صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه، وذلك بالليل، وهو يقول: " لئن أرسل الله على أمتى عذاباً من فوقهم ليهلكنهم، أو من تحت أرجلهم، فلا يبقى منهم أحد "، فقام صلى الله عليه وسلم فصلى ودعا ربه أن يكشف ذلك عنهم، فأعطاه الله ا ثنتين الحصب والخسف، كشفهما عن أمته، ومنعه اثنتين الفرقة والقتل، فقال: " أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ بمعافاتك من غضبك، وأعوذ بك منك، جل وجهك، لا أبلغ مدحتك والثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". قال: فجاءه جبريل، عليه السلام، فقال: إن الله قد استجاب لك وكشف عن أمتك اثنتين ومنعوا اثنتين.
﴿ ٱنْظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ﴾، يعنى العلامات فى أمور شتى من ألوان العذاب.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يقول: لكى.
﴿ يَفْقَهُونَ ﴾ [آية: ٦٥] عن الله فيخافوه ويوحدوه.
﴿ وَكَذَّبَ بِهِ ﴾ بالقرآن ﴿ قَوْمُكَ ﴾ خاصة.
﴿ وَهُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ جاء من الله.
﴿ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [آية: ٦٦]، يقول بمسيطر، نسختها آية السيف.
﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ﴾، يقول: لكل حديث حقيقة ومنتهى، يعنى العذاب منه فى الدنيا، وهو القتل ببدر، ومنه فى الآخرة نار جهنم، وذلك قوله: ﴿ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٧]، أوعدهم العذاب، مثلها فى اقتربت.
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ﴾، يعنى سمعت يا محمد.
﴿ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا ﴾، يعنى يستهزءون بالقرآن، وقالوا ما لا يصح، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾، يعنى فقم عنهم لا تجالسهم حتى يكون حديثهم فى غير أمر الله وذكره.
﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾، يقول: فإن أنساك الشيطان فجالستهم بعد النهى.
﴿ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾، يقول: إذا ذكرت فلا تقعد.
﴿ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٦٨]، يعنى المشركين. فقال المؤمنين عند ذلك: لو قمنا عنهم إذا خاضوا واستهزءوا، فإنا نخشى الإثم فى مجالستهم، يعنى حين لا نغير عليهم، فأنزل الله: ﴿ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾، يعنى يوحدون الرب.
﴿ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾، يعنى من مجازاة عقوبة خوضهم واستهزائهم من شىء، ثم قال: ﴿ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٦٩] إذا قمتم عنهم منعهم من الخوض والاستهزاء الحياء منكم والرغبة في مجالستكم، فيذكرون قيامكم عنهم، ويتركون الخوض والاستهزاء، ثم نسختها الآية التى فى النساء:﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ... ﴾[النساء: ١٤٠] الآية.﴿ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ ﴾ الإسلام ﴿ لَعِباً ﴾، يعنى باطلاً.
﴿ وَلَهْواً ﴾، يعنى لهواً عنه.
﴿ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا ﴾، عن دينهم الإسلام.
﴿ وَذَكِّرْ بِهِ ﴾، يعنى وعظ بالقرآن.
﴿ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ ﴾، يعنى لئلا تبسل نفس.
﴿ بِمَا كَسَبَتْ ﴾، يعنى بما عملت من الشرك والتكذيب، فترتهن بعملها فى النار.
﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ ﴾، يعنى قريباً ينفعهم.
﴿ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ فى الآخرة يشفع لهم.
﴿ وَإِن تَعْدِلْ ﴾، يعنى فتفتدى هذه النفس المرتهنة، بعملها.
﴿ كُلَّ عَدْلٍ ﴾، فتعطى كل فداء ملء الأرض ذهباً.
﴿ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾، يعنى لا يقبل منها.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ يعنيهم.
﴿ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ ﴾، يعنى حبسوا فى النار.
﴿ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴾، يعنى النار التى قد انتهى حرها.
﴿ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، يعنى وجيع.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٧٠].
﴿ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا ﴾، وذلك أن كفار مكة عذبوا نفراً من المسلمين على الإسلام، وأرادوهم على الكفر، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾من آلهة، يعنى الأوثان،﴿ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ﴾[المائدة: ٧٦] فى الآخرة، ولا يملك لنا ضراً فى الدنيا.
﴿ وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا ﴾، يعنى ونرجع إلى الشرك.
﴿ بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ ﴾ إلى دينه الإسلام، فهذا قول المسلمين للكفار حين قالوا لهم: اتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوا ديننا، يقول الله للمؤمنين: ردوا عليهم: فإن مثلنا إن اتبعناكم وتركنا ديننا، كان مثلنا ﴿ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾ وأصحابه على الطريق يدعونه إلى الهدى: أن ائتنا، فإنا على الطريق، فأبى ذلك الرجل أن يأتيهم، فذلك مثلنا لإن تركنا دين محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن على طريق الإسلام، وأما الذى استهوته الشياطين، يعنى أضلته.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ ﴾، لا يدرى أين يتوجه، فإنه عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، أضلته الشياطين عن الهدى، فهو حيران.
﴿ لَهُ أَصْحَابٌ ﴾ مهتدون.
﴿ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ﴾، يعنى أبويه، قالا له: ﴿ ٱئْتِنَا ﴾، فإنا على الهدى، وفيه نزلت، والذى قال لوالديه:﴿ أُفٍّ لكُمْ ﴾[الأنبياء: ٦٧]، فذلك قوله: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ ﴾، يعنى الإسلام هو الهدى، والضلال الذى تدعونا الشياطين إليه هو الذى أنتم عليه، قل لهم: ﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ ﴾، يعنى لنخلص.
﴿ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٧١]، فقد فعلنا.
ثم أمرهم بالعمل، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ ﴾ لمواقيتها، يخبرهم أنه لا تنفعهم الصلاة إلا مع الإخلاص.
﴿ وَٱتَّقُوهُ ﴾، يعنى وحدوه.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آية: ٧٢].
ثم خوفهم، فقال: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ﴾، يعنى بأنه لم يخلقها باطلاً لغير شىء، ولكن خلقهما لأمر هو كائن.
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ ﴾ الله للبعث مرة واحدة: ﴿ كُن فَيَكُونُ ﴾، لا يثنى الرب القول مرتين.
﴿ قَوْلُهُ ﴾ فى البعث ﴿ ٱلْحَقُّ ﴾، يعنى الصدق، وأنه كائن.
﴿ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ ﴾، أى ينفخ إسرافيل.
﴿ فِي ٱلصُّوَرِ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ ﴾، يعلم غيب ما كان وما يكون، ثم قال: ﴿ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾، يعنى شاهد كل نجوى وكل شئ.
﴿ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ﴾، يعنى حكم البعث.
﴿ ٱلْخَبِيرُ ﴾ [آية: ٧٣] بالبعث متى يبعثهم.﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ ﴾، اسمه بكلام قومه: تارح: ﴿ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٧٤]، وولد إبراهيم بكوتى، وذلك أن الكهنة قالوا لنمروذ الجبار: إنه يولد فى هذه السنة غلام يفسد آلهة أهل الأرض، ويدعو إلى غير آلهتكم، ويكون هلاك ملكك وهلاك أهل بيتك بسببه، فقال نمروذ: إن دواء هذا لهين، نعزل الرجال عن النساء، ونعمد إلى كل غلام يولد فى هذه السنة فنقتله إلى أن تنقضى السنة، فقالوا: إن فعلت ذلك، وإلا كان الذى قلنا لك. فعمد نمروذ فجعل على كل عشرة رجال رجلاً، وقال لهم: إذا طهرت المرأة فحولوا بينها وبين زوجها إلى أن تحيض، ثم يرجع إلى امرأته إلى أن تطهر، ثم يحال بينهما، فرجع آزر إلى امرأته، فجامعها على طهر فحملت، قالت الكهنة: قد حمل به الليلة، قال نمروذ: انظروا إلى كل امرأة استبان حملها، فخلوا سبيلها، وانظروا بقيتهن، فلما دنا مخاض أم إبراهيم، عليه السلام، دنت إلى نهر يابس، فولدت فيه، ثم لفته فى خرقة، فوضعته فى حلفاً، ثم رجعت إلى بيتها، فأخبرت زوجها بمكانه، فعمد أبوه فحفر له سرباً فى الأرض، ثم جعله فيه وسد عليه بصخرة مخافة السباع، فكانت أمه تختلف إليه وترضعه حتى فطمته وعقل، وكان ينبت فى اليوم نبات شهر، وفى الشهر نبات سنة، وفى السنة نبات سنتين، فقال لأمه: من ربى؟ قالت: أنا، قال: من ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن رب أبى؟ فضربته، وقالت له: اسكت، فسكت الصبى. ورجعت إلى زوجها، فقالت: أرأيت الغلام الذى كنا نخبر أنه يغير دين أهل الأرض؟ فهو ابنك، وأخبرته الخبر، فأتاه أبوه وهو فى السرب، فقال: يا أبت، من ربى؟ قال: أمك، قال: فمن رب أمى؟ قال: أنا، قال: فمن ربك؟ فضربه، وقال له: اسكت.
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، يعنى هكذا.
﴿ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ﴾، يعنى خلق ﴿ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، وما بينهما من الآيات.
﴿ وَلِيَكُونَ ﴾ إبراهيم ﴿ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ ﴾ [آية: ٧٥] بالرب أنه واحد لا شريك له. وذلك أن إبراهيم سأل ربه أن يريه ملكوت السموات والأرض، فأمر الله جبريل، عليه السلام، فرفعه إلى الملكوت ينظر إلى أعمال العباد، فرأى رجلاً على معصية، فقال: يا رب، ما أقبح أن يأتى هذا العبد، اللهم اخسف به، ورأى آخر فأعاد الكلام، قال: فأمر الله جبريل، عليه السلام، أن يرده إلى الأرض، فأوحى الله إليه: مهلاً يا إبراهيم، فلا تدع على عبادى، فإنى من عبادى على إحدى خصلتين: إما أن يتوب إلىّ قبل موته فأتوب عليه، وإما أن يموت فيدع خلفاً صالحاً فيستغفر لأبيه فأغفر لهما بدعائه.﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ ﴾، دنا من باب السرب، وذلك فى آخر الشهر، فرأى الزهرة أول الليل من خلال السرب ومن وراء الصخرة، والزهرة أحسن الكواكب.
﴿ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ ﴾، يعنى غاب.
﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ ﴾ [آية: ٧٦]، يعنى الغائبين الذاهبين، وربى لا يذهب ولا يغيب.﴿ فَلَمَّآ ﴾ كان آخر الليل.
﴿ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً ﴾، يعنى طالعاً أعظم وأضوأ من الكواكب.
﴿ قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ﴾، وهو ينظر إليه.
﴿ فَلَمَّآ أَفَلَ ﴾، يعنى غاب.
﴿ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي ﴾ لدينه ﴿ لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ ﴾ [آية: ٧٧] عن الهدى.﴿ فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً ﴾، يعنى طالعة فى أول ما رآها ملأت كل شئ ضوءاً.
﴿ قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ ﴾، يعنى أعظم من الزهرة والقمر.
﴿ فَلَمَّآ أَفَلَتْ ﴾، يعنى غابت، عرف أن الذى خلق هذه الأشياء دائم باق، ورفع الصخرة، ثم خرج فرأى قومه يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد ما ترى.
﴿ قَالَ يٰقَوْمِ ﴾، عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب كثيرة، و ﴿ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٧٨] بالله من الآلهة، قالوا: فمن تعبد يا إبراهيم؟ قال: أعبد الله الذى خلق السموات والأرض حنيفاً، يعنى مخلصاً لعبادته، وما أنا من المشركين، وذلك قوله: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ﴾، يعنى دينى ﴿ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً ﴾، يعنى مخلصاً.
﴿ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٧٩].
ثم إن نمروذ بن كنعان الجبار خاصم إبراهيم، فقال: من ربك؟ قال إبراهيم: ربى الذى يحيى ويميت، وهو قوله: ﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ﴾، فعمد نمروذ إلى إنسان فقتله، وجاء بآخر فتركه، فقال: أنا أحييت هذا وأمت ذلك، قال إبراهيم: فإن الله يأتى بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فبهت الذى كفر، يعنى نمروذ، قوله: ﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ﴾، وذلك أنهم لما سمعوا إبراهيم، عليه السلام، عاب آلهتهم وبرئ منها، قالوا: لإبراهيم: إن لم تؤمن بآلهتنا، فإنا نخاف أن تخبلك وتفسدك فتهلك، فذلك قوله: ﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ﴾، يعنى وخاصمه قومه.
﴿ قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ﴾ لدينه.
﴿ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ﴾، يعنى بالله من الآلهة، وهى لا تسمع ولا تبصر شيئاً، ولا تنفع ولا تضر، وتنحتونها بأيديكم.
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً ﴾، فيضلنى عن الهدى، فأخاف آلهتكم أن تصيبنى بسوء.
﴿ وَسِعَ ﴾، يعنى ملأ ﴿ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾، فعلمه.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعنى فهلا ﴿ تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٨٠] فتعتبرون. ثم قال لهم: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ ﴾ بالله من الآلهة.
﴿ وَلاَ تَخَافُونَ ﴾ أنتم بـ ﴿ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ ﴾ غيره.
﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً ﴾، يعنى كتاباً فيه حجتكم بأن معه شريكاً، ثم قال لهم: ﴿ فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ ﴾، أنا أو أنتم؟ ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨١] من عبد إلهاً واحداً أحق بالأمن أم من عبد أرباباً شتى، يعنى آلهة صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، فكيف لا يخاف من الكبير إذا سوى بالصغير؟ وكيف لا يخاف من الذكر إذا سوى بالأنثى؟ أخبرونى أى الفريقين أحق بالأمن من الشر إن كنتم تعلمون.
فرد عليه قومه، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ برب واحد.
﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾، يعنى ولم خلطوا تصديقهم بشرك، فلم يعبدوا غيره.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٨٢] من الضلالة، فأقروا بقول إبراهيم، وفلح عليهم، فذلك قوله: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ﴾ فى أمره ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٨٣] بخلقه. ثم قال: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾، يعنى إبراهيم.
﴿ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا ﴾ للإيمان.
﴿ وَنُوحاً هَدَيْنَا ﴾ إلى الإسلام ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ إبراهيم.
﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ ﴾، يعنى من ذرية نوح.
﴿ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ ﴾، يعنى هكذا.
﴿ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٨٤]، يعنى هؤلاء الذين ذكرهم الله.
﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٨٥].
﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا ﴾ بالنبوة من الجن والإنس ﴿ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٨٦].
﴿ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ ﴾، يعنى واستخلصناهم بالنبوة.
﴿ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٨٧]، يعنى الإسلام.
﴿ ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ ﴾، يعنى ثمانية عشر نبياً.
﴿ مِنْ عِبَادِهِ ﴾، فيعطيه النبوة.
﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ ﴾ بالله.
﴿ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨٨].
ثم ذكر ما أعطى النبيين، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعنى أعطيناهم الكتاب، يعنى كتاب إبراهيم، والتوراة، والزبور، والإنجيل.
﴿ وَٱلْحُكْمَ ﴾، يعنى العلم والفهم.
﴿ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ من أهل مكة بما أعطى الله النبيين من الكتب.
﴿ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا ﴾، يعنى بالكتب.
﴿ قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٨٩]، يعنى أهل المدينة من الأنصار. ثم ذكر النبيين الثمانية عشر، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ﴾ لدينه.
﴿ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ ﴾، يقول للنبى صلى الله عليه وسلم: فبسنتهم اقتد.
﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾، يعنى على الإيمان بالقرآن.
﴿ أَجْراً ﴾، يعنى جميلاً.
﴿ إِنْ هُوَ ﴾، يعنى ما القرآن ﴿ إِلاَّ ذِكْرَىٰ ﴾، يعنى تذكرة ﴿ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٩٠].
﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾، يعني ما عظموا الله حق عظمته.
﴿ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ﴾، يقول: على رسول من كتاب، فما عظموه حين كذبوا بأنه لم ينزل كتاباً على الرسل، نزلت في مالك بن الضيف اليهودى حين خاصمه عمر بن الخطاب في النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكتوب في التوراة، فغضب مالك، فقال: ما أنزل الله على أحد كتاباً ربانياً في اليهود، فعزلته اليهود عن الربانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً ﴾، يعني ضياء من الظلمة.
﴿ وَهُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ من الضلالة.
﴿ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ ﴾، يعني صحفاً ليس فيها شىء.
﴿ تُبْدُونَهَا ﴾ تعلنونها.
﴿ وَتُخْفُونَ ﴾، يعني وتسرون.
﴿ كَثِيراً ﴾، فكان مما أخفوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الرجم في التوراة.
﴿ وَعُلِّمْتُمْ ﴾ في التوراة ﴿ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ﴾ ولم يعلمه ﴿ آبَاؤُكُمْ ﴾، ثم قال في التقديم: ﴿ قُلِ ٱللَّهُ ﴾ أنزل على موسى، عليه السلام.
﴿ ثُمَّ ذَرْهُمْ ﴾، يعني خل عنهم إن لم يصدقوك.
﴿ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [آية: ٩١]، في باطلهم يلهون، يعني اليهود، نزلت هذه الآية بالمدينة، ثم إن مالك بن الضيف تاب من قوله، فلم يقبلوا منه، وجعلوا مكانه رجلاً في الربانية.﴿ وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ على محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ مُبَارَكٌ ﴾ لمن عمل به، وهو ﴿ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾، يقول: يصدق لما قبله من الكتب التى أنزلها الله عز وجل على الأنبياء.
﴿ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ ﴾، يعني لكى تنذر بالقرآن أصل القرى، يعني مكة، وإنما سميت أم القرى؛ لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة.
﴿ وَ ﴾ تنذر بالقرآن ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾، يعني حول مكة، يعني قرى الأرض كلها.
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعني يصدقون بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال.
﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾، يعني يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل، ثم نعتهم، فقال: ﴿ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [آية: ٩٢] عليها في مواقيتها لا يتركونها.﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، هذه الآية مدنية، فلا أحد أظلم.
﴿ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ﴾، نزلت في مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفى، حيث زعم أن الله أوحى إليه النبوة،" وكان مسيلمة أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: " أتشهدان أن مسيلمة نبى؟ "، قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما "، ثم قال: ﴿ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ ﴾، فلا أحد أيضاً أظلم منه، نزلت في عبدالله بن سعد بن أبي سرح القرشى، من بنى عامر بن لؤى، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، كان يتكلم بالإسلام، وكتب للنبى صلى الله عليه وسلم يوماً سورة النساء، فإذا أملى عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾، كتب: ﴿ عَلِيما حَكِيماً ﴾، وإذا أملى عليه: ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ كتب: ﴿ سَمِيعاً عَلِيماً ﴾، فقال لقوم من المنافقين: كتبت غير الذي أملى عليَّ، وهو ينظر إليه فلم يغيره، فشك عبدالله بن سعد في إيمانه، فلحق بمكة كافراً، فقال لهم: لئن كان محمد صادقاً فيما يقول: لقد أنزل عليَّ كما أنزل عليه، ولئن كان كاذباً، لقد قلت كما قال، وإنما شك لسكوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إليه، فلم يغير ذلك، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب. ثم قال: ﴿ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ ﴾، يعني مشركي مكة.
﴿ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ ﴾، يعني في سكرات الموت، إذ قتلوا ببدر.
﴿ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ ﴾ عند الموت تضرب الوجوه والأدبار، يعني ملك الموت وحده، وهو يقول: ﴿ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ﴾، يعني أرواحكم، منهم: أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأبو قيس بن الفاكه، والوليد بن المغيرة، وقريباً من سبعين قتيلاً، فلما بعثوا في الآخرة، وصاروا في النار، قالت لهم خزنة جهنم: ﴿ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ ﴾، يعني الهوان بغير رأفة ولا رحمة، نظيرها في الأنفال.
﴿ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ في الدنيا.
﴿ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ﴾ بأن معه شريكاً.
﴿ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [آية: ٩٣]، يعني وكنتم تتكبرون عن الإيمان بالقرآن.﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا ﴾ في الآخرة.
﴿ فُرَادَىٰ ﴾، ليس معكم من الدنيا شىء.
﴿ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ حين ولدوا وليس لهم شيء.
﴿ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ ﴾ في الدنيا ﴿ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾، يعني ما أعطيناكم من الخير من بعدكم في الدنيا.
﴿ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ﴾ من الملائكة.
﴿ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ ﴾ في الدنيا.
﴿ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ ﴾، يعني أنهم لكم شفعاء عند الله، لقولهم في يونس:﴿ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ ﴾[يونس: ١٨]، يعني الملائكة، ثم قال: ﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ وبين شركاءكم، يعني من الملائكة من المودة والتواصل.
﴿ وَضَلَّ عَنكُم ﴾ في الآخرة ﴿ مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [آية: ٩٤] في الدنيا بأن مع الله شريكاً.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ ﴾، يعني خالق الحب، يعني البر، والشعير، والذرة، والحبوب كلها، ثم قال: ﴿ وَٱلنَّوَىٰ ﴾، يعني كل ثمرة لها نوى: الخوخ، والنبق، والمشمش، والعنب، والإجاص، وكل ما كان من الثمار له نوى، ثم قال: ﴿ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ ﴾، يقول: أخرج الناس والدواب من النطف وهي ميتة، ويخرج الطير كلها من البيضة وهي ميتة، ثم قال: ﴿ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ﴾، يعني النطف والبيض من الحي، يعني الحيوانات كلها.
﴿ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ ﴾ الذى ذكر في هذه الآية من صنعه وحده يدل على توحيده بصنعه، ثم قال: ﴿ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ [آية: ٩٥]، يقول: أنى يكذبون بأن الله وحده لا شريك له. ثم ذكر أيضاً في هذه من صنعه ليدل على توحيده بصنعه، فقال: ﴿ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ ﴾، يعني خالق النهار من حين يبدوا أوله.
﴿ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً ﴾ لخلقه يسكنون فيه لراحة أجسادهم.
﴿ وَ ﴾ جعل ﴿ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ﴾، يقول: جعلهما في مسيرهما كالحسبان في الفلك، يقول: لتعلموا عدد السنين والحساب، وذلك أن الله قدر لهما منازلهما في السماء الدنيا، فذلك قوله: ﴿ ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ﴾ في ملكه يصنع ما أراد.
﴿ ٱلْعَلِيمِ ﴾ [آية: ٩٦] بما قدر من خلقه، نظيرها في يونس. ثم قال: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ ﴾ نوراً.
﴿ لِتَهْتَدُواْ بِهَا ﴾ بالكواكب ليلاً، يقول: لتعرفوا الطريق إذا سرتم.
﴿ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٩٧] بأن الله واحد لا شريك له، ثم أخبر عن صنعه، فقال: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾، يعني خلقكم من نفس واحدة، يعني آدم وحده.
﴿ فَمُسْتَقَرٌّ ﴾ في أرحام النساء.
﴿ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ في أصلاب الرجال مما لم يخلقه وهو خالقه.
﴿ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ ﴾، يعني قد بينا الآيات.
﴿ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [آية: ٩٨] عن الله عز وجل. ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده، فقال: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾، يعني المطر.
﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾، يعني بالمطر.
﴿ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، يعني الثمار والحبوب وألوان النبات.
﴿ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً ﴾، يعني أول النبات.
﴿ نُّخْرِجُ مِنْهُ ﴾، يعني من الماء.
﴿ حَبّاً مُّتَرَاكِباً ﴾، يعني السنبل قد ركب بعضه بعضاً.
﴿ وَ ﴾ أخرجنا بالماء ﴿ وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا ﴾، يعني من ثمرها.
﴿ قِنْوَانٌ ﴾، يعني قصار النخل.
﴿ دَانِيَةٌ ﴾، يعني ملتصقة بالأرض تجنى باليد.
﴿ وَ ﴾ أخرجنا بالماء ﴿ وَجَنَّاتٍ ﴾، يعني البساتين، ثم نعت البساتين، فقال: ﴿ مِّنْ ﴾ نخيل و ﴿ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً ﴾، ورقها في المنظر يشبه ورق الزيتون وورق الرمان، ثم قال: ﴿ وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾ في اللون مختلف في الطعم.
﴿ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ ﴾ حين يبدو غضاً أوله صيصاً.
﴿ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ ﴾، يعني إن في هذا الذى ذكر من صنعه وعجائبه لعبرة.
﴿ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٩٩]، يعني يصدقون بالتوحيد.
﴿ وَجَعَلُواْ ﴾ يعني وصفوا ﴿ للَّهِ ﴾ الذي خلقهم فى التقديم ﴿ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ ﴾ من الملائكة، وذلك أن جهينة، وبنى سلمة، وخزاعة وغيرهم، قالوا: إن حياً من الملائكة يقال لهم: الجن بنات الرحمن، فقال الله: ﴿ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ ﴾، يعني وتخرصوا، يعني يخلقوا لله ﴿ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعلمونه أن له بنين وبنات، وذلك أن اليهود، قالوا: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت العرب: الملائكة بنات الله، يقول الله: ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ نزه نفسه عما قالوا من البهتان، ثم عظم نفسه، فقال: ﴿ وَتَعَالَىٰ ﴾، يعني وارتفع ﴿ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [آية: ١٠٠]، يعني يقولون من الكذب. فعظم نفسه وأخبر عن قدرته، فقال: ﴿ بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، لم يكونا فابتدع خلقهما، ثم قال: ﴿ أَنَّىٰ ﴾، يعني من أين ﴿ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ ﴾، يعني زوجة.
﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، يعني من الملائكة، وعزير، وعيسى، وغيرهم فهم خلقه وعباده وفى ملكه، ثم قال: ﴿ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٠١].
ثم دل على نفسه بصنعه ليوحدوه، فقال: ﴿ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ الذي ابتدع خلقهما وخلق كل شيء ولم يكن له صاحبة ولا ولد، ثم وحد نفسه إذ لم يوحده كفار مكة، فقال: ﴿ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ ﴾، يعني فوحدوه.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [آية: ١٠٢]، وهو رب كل شىء ذكر من بنين وبنات وغيرهم. ثم عظم نفسه، فقال: ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ ﴾، يقول: لا يراه الخلق فى الدنيا.
﴿ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ ﴾، وهو يرى الخلق فى الدنيا.
﴿ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ﴾ لطف علمه وقدرته حين يراهم فى السموات والأرض.
﴿ ٱلْخَبِيرُ ﴾ [آية: ١٠٣] بمكانهم.﴿ قَدْ جَآءَكُمْ ﴾ يا أهل مكة.
﴿ بَصَآئِرُ ﴾، يعني بيان ﴿ مِن رَّبِّكُمْ ﴾، يعني القرآن، نظيرها فى الأعراف.
﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ ﴾ إيماناً بالقرآن.
﴿ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ ﴾ عن إيمان بالقرآن.
﴿ فَعَلَيْهَا ﴾، يعني فعلى نفسه.
﴿ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [آية: ١٠٤]، يعني برقيب، يعني محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعني وهكذا ﴿ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ﴾ فى أمور شتى، يعني ما ذكر.
﴿ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ ﴾، يعني قابلت ودرست، يعني تعلمت من غيرك يا محمد، فأنزل الله: ﴿ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ﴾؛ لئلا يقولوا: درست وقرأت من غيرك.
﴿ وَلِنُبَيِّنَهُ ﴾، يعني القرآن.
﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٠٥].
﴿ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾، وذلك حين دُعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ ﴿ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ١٠٦]، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: أعرض عنهم إذا أشركوا.﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ ﴾، يقول: ولو شاء الله لمنعهم من الشرك.
﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾، يعني رقيباً إن لم يوحدوا.
﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ [آية: ١٠٧]، يعني بمسيطر، فنسختها آية السيف.﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يذكرون أوثان أهل مكة بسوء، فقالوا: لينتهين محمد عن شتم آلهتنا أو لنسبن ربه، فنهى الله المؤمنين عن شتم آلهتهم فيسبوا ربهم؛ لأنهم جهلة بالله، وأنزل الله: ﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يعني يعبدون من دون الله من الآلهة ﴿ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعلمونه أنهم يسبون الله، يعني أهل مكة.
﴿ كَذَلِكَ ﴾، يعني هكذا ﴿ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾، يعني ضلالتهم.
﴿ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ ﴾ في الآخرة.
﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٠٨].
فلما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" لا تسبوا ربكم "فأمسك المسلمون عند ذلك عن شتم آلهتهم.
﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾، فمن حلف بالله فقد اجتهد في اليمين، وذلك أن كفار مكة حلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ ﴾ كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم.
﴿ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ﴾ ليؤمنن بالآية، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾، إن شاء أرسلها وليست بيدي.
﴿ وَمَا يُشْعِرُكُمْ ﴾ وما يدريكم ﴿ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٠٩]، يعني لا يصدقون، لما سبق في علم الله من الشقاء.﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ﴾، يعني قلوبهم.
﴿ وَأَبْصَارَهُمْ ﴾ عن الإيمان.
﴿ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، يقول: كما لم يؤمن بها أوائلهم من الأمم الخالية بما سألوا من الآيات قبلها، فكذلك كفار أهل مكة لا يصدقون بها إن جاءتهم آية، ثم قال: ﴿ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [آية: ١١٠]، يعني في ضلالتهم يترددون، لا نخرجهم منها أبداً.
ثم أخبر عما علمه فيهم، فقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ ﴾، وأخبروهم أن محمداً رسول كما سألوا، لقولهم في الفرقان:﴿ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾[الفرقان: ٢١]، يعني المستهزئين من قريش، أبا جهل وأصحابه، ثم قال: ﴿ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾، لقولهم: ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا، فنسألهم عما أمامهم مما تحدثنا أنه يكون بعد الموت أحق هو؟ ثم قال: ﴿ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ﴾، يعني عياناً، قال أبو محمد: ومن قرأه: " قَبلا "، أراد قبيلاً قبيلاً، رواه عن ثعلب، فعاينوه كله، فلو فعلت هذا كله، فأخبروهم بأن الذي يقول محمد حق.
﴿ مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ ﴾، يعني ليصدقوا.
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾ لهم الإيمان.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ أكثر أهل مكة ﴿ يَجْهَلُونَ ﴾ [آية: ١١١].
ثم قال: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، يعني وهكذا.
﴿ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً ﴾ من قومه، يعني أبا جهل عدواً للنبي صلى الله عليه وسلم، كقولهم في الفرقان:﴿ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ... ﴾[الفرقان: ٧] إلى آخر الآية، قوله: ﴿ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ﴾، وذلك أن إبليس وكل شياطين بالإنس يضلونهم، ووكل شياطين بالجن يضلونهم، فإذا التقى شيطان الإنس مع شيطان الجن، قال أحدهما لصاحبه: إنى أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضلل أنت صاحبك بكذا وكذا، فذلك قوله: ﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ﴾، يقول: يزين بعضهم ﴿ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً ﴾، يقول: ذلك التزيين بالقول باطل، يغرون به الإنس والجن، ثم قال: ﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾، يقول: لو شاء الله لمنعهم عن ذلك، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَذَرْهُمْ ﴾، يعني خل عنهم، يعني كفار مكة.
﴿ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ١١٢] من الكذب.﴿ وَلِتَصْغَيۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعني ولتميل إلى ذلك الزخرف والغرور قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، يعني الذين لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ وَلِيَرْضَوْهُ ﴾، يعني وليحبوه.
﴿ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ﴾ [آية: ١١٣]، يعني ليعملوا من المعاصي ما هم عاملون.﴿ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً ﴾، فليس أحد أحسن قضاء من الله في نزول العذاب ببدر.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً ﴾، يعني القرآن حلاله وحرامه، وكل شيء مفصلاً، يعني مبيناً فيه أمره ونهيه.
﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ﴾ [آية: ١١٤].
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ بأنه ناصر محمد صلى الله عليه وسلم، ومعذب قومه ببدر، فحكمه عدل في ذلك، فذلك قوله: ﴿ صِدْقاً ﴾ فيما وعد.
﴿ وَعَدْلاً ﴾ فيما حكم.
﴿ لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ﴾، يعني لا تبديل لقوله في نصر محمد صلى الله عليه وسلم، وأن قوله حق.
﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ بما سألوا من العذاب.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ١١٥] به حين سألوا،﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[الشعراء: ١٨٧]، يعني جانباً من السماء.﴿ وَإِن تُطِعْ ﴾ يا محمد ﴿ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعني أهل مكة حين دعوه إلى ملة آبائه.
﴿ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعني يستنزلوك عن دين الإسلام.
﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ ﴾، يعني وما هم ﴿ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ [آية: ١١٦] الكذب.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ يعني عن دينه الإسلام.
﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [آية: ١١٧].
﴿ فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١١٨]، يعنى بالقرآن مصدقين، وذلك أن كفار مكة حين سمعوا أن الله حرم الميتة، قالوا للمسلمين: أتزعمون أنكم تتبعون مرضاة ربكم؟ ألا تحدثونا عما قتلتم أنتم بأيديكم أهو أفضل؟ أو ما قتل الله؟ فقال المسلمون: بل الله أفضل صنعاً، فقالوا لهم: فما لكم تأكلون مما ذبحتم بأيديكم، وما ذبح الله فلا تأكلونه، وهو عندكم ميتة؟ فأنزل الله: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾، يعنى وقد بين لكم ما حرم عليكم، يعنى الميتة، والدم، ولحم الخنزير، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ مما نهيتم عن أكله.
﴿ وَإِنَّ كَثِيراً ﴾ من الناس، يعنى سادة قريش.
﴿ لَّيُضِلُّونَ ﴾ أهل مكة.
﴿ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعلمونه فى أمر الذبائح.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [آية: ١١٩].
﴿ وَذَرُواْ ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ ﴾، يعنى واتركوا ظاهر الإثم.
﴿ وَبَاطِنَهُ ﴾، يعنى الزنا فى السر والعلانية، وذلك أن قريشاَ كانوا ينكرون الزنا فى العلانية، ولا يرون به بأساً سراً.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ ﴾، يعنى الشرك.
﴿ سَيُجْزَوْنَ ﴾ فى الآخرة ﴿ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ﴾ [آية: ١٢٠]، يعنى يكسبون. وأنزل الله فى قولهم: ما قتل الله فلا تأكلوه: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾، يعنى إن أكل الميتة لمعصية.
﴿ وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ ﴾ من المشركين.
﴿ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ فى أمر الذبائح.
﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ﴾ باستحلالكم الميتة.
﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ١٢١] مثلهم، وفيهم نزلت:﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ ﴾[الحج: ٦٧]، يعنى أمر الذبائح.
﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾، يعنى أو من كان ضالاً فهديناه، نزلت فى النبى صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً ﴾، يعنى إيماناً ﴿ يَمْشِي بِهِ ﴾، يعنى يهتدى به ﴿ فِي ٱلنَّاسِ ﴾، أهو ﴿ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَاتِ ﴾، يعنى كشبه من هو فى الشرك، يعنى أبا جهل.
﴿ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾، يعنى من الشرك، يعنى ليس بمهتد، هو فهيا متحير لا يجد منفذاً، ليسا بسواء.
﴿ كَذَلِكَ ﴾، يعنى هكذا.
﴿ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ ﴾، يعنى للمشركين.
﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٢٢]، يعنى أبا جهل، وذلك أنه قال: زحمتنا بنو عبد مناف فى الشرف، حتى إذا صرنا كفرسى رهان، قالوا: منا نبى يوحى إليه، فمن يدرك هذا والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبداً، أو يأتينا وحى كما يأتيه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ... ﴾ إلى آخر الآية.﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعنى وهكذا.
﴿ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ﴾ خلت، يعنى عصت.
﴿ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا ﴾، يعنى جبابرتها وكبراءها، جعلنا بمكة المستهزئين من قريش.
﴿ لِيَمْكُرُواْ فِيهَا ﴾، يعنى فى القرية بالمعاصى حين أجلسوا فى كل طريق أربعة منهم، يقول الله: ﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾، وما معصيتهم إلا على أنفسهم.
﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١٢٣].
﴿ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ ﴾، يعنى انشقاق القمر، والدخان.
﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ﴾، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وحده، يقول الله: ﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾، الله أعلم حيث يختص بنبوته من يشاء.
﴿ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ يعني مذلة.
﴿ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ﴾ [آية: ١٢٤]، يعنى يقولون، لقولهم: لو كان هذا القرآن حقاً، لنزل على الوليد ابن المغيرة، أو على أبى مسعود الثقفى، وذلك قولهم:﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾[الزخرف: ٣١].
﴿ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ ﴾ لدينه.
﴿ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾، نزلت فى النبى صلى الله عليه وسلم، يعنى يوسع قلبه.
﴿ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ ﴾ عن دينه.
﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً ﴾ بالتوحيد، يعنى أبا جهل، حتى لا يجد التوحيد من الضيق مجازاً، ثم قال: ﴿ حَرَجاً ﴾ شكاً.
﴿ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾، يقول: هو بمنزلة المتكلف الصعود إلى السماء لا يقدر عليه.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعنى هكذا.
﴿ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ ﴾، يقول: الشر.
﴿ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٢٥] بالتوحيد.﴿ وَهَـٰذَا ﴾ التوحيد ﴿ صِرَاطُ رَبِّكَ ﴾، يعنى دين ربك.
﴿ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ ﴾، يعنى قد بينا الآيات فى أمر القلوب فى الهدى والضلالة، يعنى الذى يشرح صدره للإسلام، والذى جعله ضيقاً حرجاً.
﴿ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [آية: ١٢٦] بتوحيد الله ثم ذكر ما أعد للموحدين، فقال: ﴿ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ ﴾، يعنى جنة الله.
﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ فى الآخرة.
﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ﴾، يقول: الله وليهم فى الآخرة.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٢٧] له فى الدنيا، يعنى يوحدون ربهم.﴿ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ ﴾، يعنى كفار الإنس والشياطين والجن، يقول: ويوم نجمعهم.
﴿ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ ﴾، ثم يقول للشياطين: ﴿ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ ﴾، يعنى من ضلال الإنس فيما أضللتم منهم، وذلك أن كفار الإنس كانوا تولوا الجن وأعاذوا بهم.
﴿ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ ﴾، يعنى أولياء الجن من كفار الإنس.
﴿ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾، كاستمتاع الإنس بالجن، وذلك أن الرجل كان إذا سافر فأدركه الليل بأرض القفر خاف، فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادى من سفهاء قومه، فيبيت فى جواره آمناً، وكان استمتاع الجن بالإنس أن يقولوا: لقد سودتنا الإنس حين فزعوا إلينا، فيزدادوا بذلك شرفاً.
﴿ وَ ﴾ قالت: ﴿ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ﴾ الموت ﴿ ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ فى الدنيا، فرد الله عليهم: ﴿ قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ ﴾، ومثوى الكافرين.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ ﴾ أبداً.
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾، واستثنى أهل التوحيد، أنهم لا يخلدون فيها.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ﴾، يعنى حكم النار لمن عصاه.
﴿ عَليمٌ ﴾ [آية: ١٢٨]، يقول: عالم بمن لا يعصيه.
قوله: ﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعنى وهكذا.
﴿ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً ﴾، فولى الله ظلمة الإنس ظلمة الجن، وولى ظلمة الجن ظلمة الإنس بأعمالهم الخبيثة، فذلك قوله: ﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ١٢٩]، يعنى يعملون من الشرك. ثم قال لهم عند ذلك: ﴿ يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ ﴾، يعنى كفار الجن وكفار الإنس، ولا يعني به الشياطين، لأن الشياطين هم أغروا كفار الجن وكفار الإنس، وبعث الله رسولاً من الجن إلى الجن، ومن الإنس إلى الإنس يقصون، فذلك قوله: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ ﴾، يعنى من أنفسكم الجن إلى الجن، والإنس إلى الإنس.
﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ﴾، يعنى آيات القرآن.
﴿ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ﴾، يعنى يوم القيامة.
﴿ قَالُواْ ﴾، يعنى قالت الإنس والجن: ﴿ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا ﴾ بذلك أنا كفرنا بما قالت الرسل فى الدنيا، قال الله للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا ﴾ عن دينهم الإسلام، ويقول الله للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ﴾ فى الآخرة ﴿ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴾ [آية: ١٣٠] فى الدنيا، وذلك حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك والكفر فى الدنيا، ثم قال الخازن، فى التقديم: فـ ﴿ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ ﴾، يعنى مأواكم.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ ﴾ لا يموتون، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ ﴾، حكم عليهم حقاً بذلك الهلاك، كفعله بالأمم الخالية فى سورة أخرى.
﴿ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ ﴾، يعنى معذب أهل القرى ﴿ بِظُلْمٍ ﴾ بغير ذنب فى الدنيا.
﴿ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾ [آية: ١٣١] عن العذاب حتى يبعث فى أمها رسولاً ينذرهم بالعذاب حجة عليهم.﴿ وَلِكُلٍّ ﴾، يعنى كفار الجن والإنس.
﴿ دَرَجَاتٌ ﴾، يعنى فضائل من العذاب فى الآخرة.
﴿ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾ فى الدنيا.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٣٢]، هذا وعيد، نظيرها فى الأحقاف. وقوله: ﴿ وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ﴾ عن عبادة خلقه.
﴿ ذُو ٱلرَّحْمَةِ ﴾، يعنى النعمة، فلا تعجل عليهم بالعذاب، يعنى كفار مكة.
﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾ بهلاك.
﴿ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ ﴾ خلقاً من غيركم بعد هلاككم ﴿ مَّا يَشَآءُ ﴾، إن شاء مثلكم، وإن شاء أمثل وأطوع لله منكم.
﴿ كَمَآ أَنشَأَكُمْ ﴾، يعنى كما خلقكم ﴿ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ [آية: ١٣٣]، يعنى ذرية أهل سفينة نوح.
﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ ﴾ من العذاب فى الدنيا ﴿ لآتٍ ﴾، يعنى لكائن.
﴿ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ [آية: ١٣٤]، يعنى بسابقى الله بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها.
قوله: ﴿ قُلْ يَاقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ ﴾، يعنى جديلتكم، يعنى كفار مكة.
﴿ إِنَّي عَامِلٌ ﴾، على جديلتى التى أمرنى بها ربى.
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ ﴾، يعنى الجنة، أنحن أم أنتم، ثم قال للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ﴾، يعنى لا يسعد ﴿ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ١٣٥] فى الآخرة، يعنى المشركين، نظيرها فى القصص.﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ ﴾، يعنى وصفوا لله ﴿ مِمَّا ذَرَأَ ﴾، يعنى مما خلق.
﴿ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ﴾، يعنى النصيب لآلهتهم مثل ذلك، فما أخرج الله من بطون الأنعام وظهورها من الحرث، قالوا: هذا لله، فيتصدقون به على المساكين، وما أخرج الله من نصيب الآلهة أنفقوه عليها، فإن زكا نصيب الآلهة ولم يزك نصيب الله تركوه للآلهة، وقالوا: لو شاء الله لأزكى نصيبه، وإن زكا نصيب الله ولم يزك نصيب الآلهة، خدجت أنعامهم وأجدبت أرضهم، وقالوا: ليس لآلهتنا بد من نفقة، فأخذوا نصيب الله فقسموه بين المساكين والآلهة نصفين، فذلك قوله: ﴿ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ ﴾، يعنى لآلهتهم مما خرج من الحرث والأنعام.
﴿ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ ﴾، يعنى إلى المساكين.
﴿ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ ﴾، يعنى آلهتهم، يقول الله: ﴿ سَآءَ ﴾، يعني بئس ﴿ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [آية: ١٣٦]، يقول: لو كان معى شريك كما يقولون، ما عدلوا فى القسمة أن يأخذوا منى ولا يعطونى. ثم انقطع الكلام، فقال: ﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعنى وهكذا.
﴿ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾، كما زينوا لهم تحريم الحرث والأنعام، يعنى دفن البنات وهن أحياء.
﴿ لِيُرْدُوهُمْ ﴾، يعنى ليهلكوهم.
﴿ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ ﴾، يعنى وليخلطوا عليهم.
﴿ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ﴾، يقول: لو شاء الله لمنعهم من ذلك.
﴿ فَذَرْهُمْ ﴾، يعنى فخل عنهم.
﴿ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ١٣٧] من الكذب، لقولهم فى الأعراف:﴿ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾[الأعراف: ٢٨].
﴿ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ﴾، يعنى حرام.
﴿ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ ﴾، يعنى الرجال دون النساء، وكانت مشيئتهم أنهم جعلوا اللحوم والألبان للرجال دون النساء.
﴿ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا ﴾، يعنى الحام.
﴿ وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ﴾، يعنى البحيرة أن نتجوها أو نحروها لم يذكروا اسم الله عليها.
﴿ ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ ﴾، على الله، يعنى كذباً على الله.
﴿ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ١٣٨] حين زعموا أن الله أمرهم بتحريمه، حين قالوا فى الأعراف:﴿ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾[الأعراف: ٢٨].
ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا ﴾، يعنى من الولد والألبان.
﴿ وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ﴾، يعنى البحيرة، والسائبة، والوصيلة، فكانوا إذا أنتجوه حياً ذبحوه فأكله الرجال دون النساء، وكذلك الألبان، وإن وضعته ميتاً اشترك فى أكله الرجال والنساء، فذلك قوله: ﴿ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ ﴾ الله العذاب فى الآخرة.
﴿ وَصْفَهُمْ ﴾، ذلك بالتحليل والتحريم، أى جزاءه.
﴿ إِنَّهُ حِكِيمٌ ﴾ حكم عليهم العذاب.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٣٩] به.
ثم عابهم بقتل أولادهم وتحريم الحرث والأنعام، فقال: ﴿ قَدْ خَسِرَ ﴾ في الآخرة.
﴿ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلاَدَهُمْ ﴾، يعني دفن البنات أحياء.
﴿ سَفَهاً ﴾، يعني جهلاً.
﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ من الحرث والأنعام.
﴿ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ ﴾ الكذب حين زعموا أن الله أمرهم بهذا، يعني بتحريمه، يقول الله: ﴿ قَدْ ضَلُّواْ ﴾ عن الهدى.
﴿ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ [آية: ١٤٠]، وكانت ربيعة ومضر يدفنون البنات وهن أحياء، غير بنى كنانة، كانوا لا يفعلون ذلك. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ ﴾، يعني الكروم وما يعرش.
﴿ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ﴾، يعني قائمة على أصولها.
﴿ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ ﴾، يعني طعمه، منه الجيد، ومنه الدون، ثم قال: ﴿ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً ﴾، ورقها في النظير يشبه ورق الزيتون ورق الرمان.
﴿ وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾ ثمرها وطعمها، وهما متشابها في اللون، مختلفان في الطعم، يقول الله: ﴿ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ ﴾، حين يكون غضاً، ثم قال: ﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ [آية: ١٤١]، يقول: ولا تشركوا الآلهة في تحريم الحرث والأنعام.﴿ وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ حَمُولَةً ﴾، يعني الإبل والبقر.
﴿ وَفَرْشاً ﴾، والفرش الغنم الصغار مما لا يحمل عليها.
﴿ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ من الأنعام والحرث حلالاً طيباً.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾، يعني تزيين الشيطان فتحرمونه.
﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٤٢]، كلم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عوف بن مالك الجشمي، يكنى أبا الأحوص. ثم قال: أنزل ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ قبل خلق آدم، عليه السلام.
﴿ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾، يعني ذكراً وأنثى.
﴿ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ ﴾ ذكراً وأنثى. ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى، ونسب ذلك إلى الله: ﴿ ءَآلذَّكَرَيْنِ ﴾ من الضأن والمعز ﴿ حَرَّمَ ﴾ الله عليكم؟ ﴿ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ ﴾ منهما؟ ﴿ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ ﴾؟ ذكراً كان أو أنثى؟ ﴿ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ ﴾ عن كيفية تحريم ذلك.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ١٤٣] فيه. المعنى من أين جاء التحريم، فإن كان من قبل الذكورة، فجميع الذكور حرام، أو الأنوثة، فجميع الإناث، أو اشتمال الرحم فالزوجان، فمن أين التخصيص؟ والاستفهام للاستنكار.﴿ وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ ﴾ ذكراً وأنثى.
﴿ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ ﴾ ذكر وأنثى.
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ ﴾، يعني من أين تحريم الأنعام من قبل الذكرين أم من قبل الأنثيين؟ ﴿ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ ﴾، يقول: على ما اشتمل، ما يشتمل الرحم إلا ذكراً أو أنثى، فأين هذا الذي جاء التحريم من قبله، وما اشتمل الرحم إلا على مثلها. يقول: ما تلد الغنم إلا الغنم، وما تلد الناقة إلا مثلها، يعني أن الغنم لا تلد البقر، ولا البقر تلد الغنم، فإن قالوا: حرم الأنثيين، خصوا ولم يجز لهم أن يأكلوا الإناث من الأنعام، وإن قالوا: الذكرين، لم يجز لهم أن يأكلوا ذكور الأنعام، فسكتوا، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: ﴿ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ بأن الله حرم هذا، ثم قال: ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا ﴾ التحريم، فسكتوا فلم يجيبوه، إلا أنهم قالوا: حرمها آباؤنا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن أين حرمه آباؤكم؟ "، قالوا: الله أمرهم بتحريمه، فأنزل الله: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، يقول: فلا أحد أظلم ﴿ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٤٤].
قالوا يا محمد، فمن أين حرمه آباؤنا؟ فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾، يعني على أكل يأكله.
﴿ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً ﴾، يعني يسيل.
﴿ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾، يعني إثماً.
﴿ أَوْ فِسْقاً ﴾، يعني معصية.
﴿ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ ﴾، يعني ذبح لغير الله.
﴿ فَمَنِ ٱضْطُرَّ ﴾ إلى شيء مما حرمت عليه.
﴿ غَيْرَ بَاغٍ ﴾ ليستحله في دينه.
﴿ وَلاَ عَادٍ ﴾، يعني ولا معتدياً لم يضطر إليه فأكله.
﴿ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ ﴾ لأكله الحرام.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ١٤٥] به إذا رخص له في الحرام في الاضطرار. ثم بين ما حرم على اليهود، فقال: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾، يعني الإبل، والنعامة، والوز، والبط، وكل شىء له خف وظفر من الدواب والطير، فهو عليهم حرام.
﴿ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ ﴾، وحرم عليهم الشحوم من البقر والغنم، ثم استثنى ما أحل لهم من الشحوم، فقال: ﴿ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ﴾، يعني ظهور البقر والغنم والأكتاف والإلية.
﴿ أَوِ ٱلْحَوَايَآ ﴾، يعني المعى.
﴿ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ ﴾ من الشحم ﴿ بِعَظْمٍ ﴾، فكل هذا حلال لهم، وحرم عليهم شحوم الكليتين والثروب.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ التحريم.
﴿ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ﴾، يعني عقوبة بقتلهم الأنبياء وبصدهم عن سبيل الله، وبأكلهم الربا، واستحلالهم أموال الناس بالباطل، فهذا البغى.
﴿ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [آية: ١٤٦] بذلك، وهذا ما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه محرم، منه على المسلمين، ومنه على اليهود. فقال كفار العرب للنبي صلى الله عليه وسلم: فإنك لم تصب، يقول الله: ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ ﴾ بما تقول من التحريم.
﴿ فَقُلْ ﴾ لكفار مكة.
﴿ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ ملأت رحمته كل شيء، لا يعجل عليكم بالعقوبة.
﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ ﴾، يقول: عذابه إذا جاء الوقت على من كذب بما يقول.
﴿ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١٤٧]، يعني كفار العرب.
﴿ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ﴾ مع الله آلهة، يعني مشركي العرب.
﴿ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ ﴾ أشرك ﴿ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ﴾، يعني الحرث، والأنعام، ولكن الله أمر بتحريمه.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعني هكذا ﴿ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم ﴾ من الأمم الخالية رسلهم، كما كذب كفار مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا ﴾ يعني عذابنا.
﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ ﴾، يعني بياناً من الله بتحريمه فتبينوه لنا، يقول الله: ﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾ [آية: ١٤٨] الكذب.﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد: ﴿ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١٤٩] لدينه.
﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا ﴾ الحرث والأنعام.
﴿ فَإِن شَهِدُواْ ﴾ أن الله حرمه.
﴿ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ ﴾ يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يصدق قولهم.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني القرآن الذي فيه تحليل ما حرموا.
﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ وَ ﴾ الذين ﴿ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [آية: ١٥٠] يعني يشركون.
﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾، يقول: تعالوا حتى أقرأ ما حرم عليكم.
﴿ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ﴾ من خلقه.
﴿ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾، يعني براً بهما.
﴿ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ ﴾، يعني دفن البنات وهن أحياء.
﴿ مِّنْ إمْلاَقٍ ﴾، يعني خشية الفقر.
﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ ﴾، يعني الزنا.
﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾، يعني السفاح علانية.
﴿ وَمَا بَطَنَ ﴾، يعني الزنا في السر تتخذ الخليل، فيأتيها في السر.
﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾ قتلها ﴿ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ﴾، يعني بالقصاص والثيب الزاني بالرجم، والمرتد عن الإسلام، فهذا الحق.
﴿ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعني والثيب لكي ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٥١] أنه لم يحرم إلا ما ذكر في هذه الآيات الثلاث، ولم يحرم البحيرة، والسائبة والوصيلة، والحام.﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾، إلا ليثمر لليتيم ماله بالأرباح.
﴿ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾، يعني ثماني عشرة سنة.
﴿ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ ﴾، يعني بالعدل.
﴿ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾، يقول: لا نكلفها من العمل إلا طاقتها.
﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾، يعني أولي قربى إذا تكلمتم فقولوا الحق، وإن كان ذو قرابتك فقل فيه الحق.
﴿ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ﴾ فيما بينكم وبين الناس.
﴿ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ١٥٢] في أمره ونهيه.
﴿ وَأَنَّ هَـٰذَا ﴾ الذي ذكر في هذه الآيات من أمر الله ونهيه.
﴿ صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾، يعني ديناً مستقيماً.
﴿ فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ ﴾، يعني طرق الضلالة فيما حرموا.
﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾، يعني فيضلكم عن دينه.
﴿ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعني لكى.
﴿ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٥٣]، فهذه الآيات المحكمات لم ينسخهن شىء من جميع الكتب، وهن محكمات على بنى آدم كلهم.﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ ﴾، يعني أعطيناه التوراة.
﴿ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ ﴾، يقول: تمت الكرامة على من أحسن منهم في الدنيا والآخرة، فتمم الله لبني إسرائيل ما وعدهم من قوله:﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ... ﴾إلى آيتين [القصص: ٥، ٦].
ثم قال: ﴿ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ والتوراة ﴿ وَهُدًى ﴾ من الضلالة.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من العذاب.
﴿ لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٥٤]، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.﴿ وَهَـٰذَا ﴾ القرآن ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾، فهو بركة لمن آمن به.
﴿ فَٱتَّبِعُوهُ ﴾، فاقتدوا به.
﴿ وَٱتَّقُواْ ﴾ الله ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ تُرْحَمُونَ ﴾ [آية: ١٥٥] فلا تعذبوا.
﴿ أَن تَقُولُوۤاْ ﴾، يعني لئلا تقولوا: ﴿ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا ﴾، يعني اليهود والنصارى.
﴿ وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ﴾ [آية: ١٥٦]، وذلك أن كفار مكة قالوا: قاتل الله اليهود والنصارى، كيف كذبوا أنبياءهم، فوالله لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم، فنزلت هذه الآية فيهم: ﴿ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ﴾، يعني اليهود والنصارى، يقول الله لكفار مكة: ﴿ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ يعني بيان من ربكم القرآن.
﴿ وَ ﴾ هو ﴿ وَهُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ من العذاب لقوم يؤمنون، فكذبوا به، فنزلت: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعني بالقرآن.
﴿ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾، يعني وأعرض عن آيات القرآن، فلم يؤمن بها، ثم أوعدهم الله، فقال: ﴿ سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا ﴾، يعني يعرضون عن الإيمان بالقرآن.
﴿ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ ﴾، يعني شدة العذاب.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ﴾ [آية: ١٥٧]، يعني بما كانوا يعرضون عن الإيمان بالقرآن.
ثم وعدهم، فقال: ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ ﴾، يعني ما ينتظر كفار مكة بالإيمان ﴿ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ﴾، يعني ملك الموت وحده بالموت.
﴿ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ يوم القيامة فى ظلل من الغمام.
﴿ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾، يعني طلوع الشمس من مغربها، ثم قال: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾، يعني طلوع الشمس من المغرب.
﴿ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا ﴾، يعني نفساً كافرة حين لم تؤمن قبل أن تجيء هذه الآية.
﴿ لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ ﴾، يقول: لم تكن صدقت من قبل طلوع الشمس من مغربها.
﴿ أَوْ ﴾ لم تكن ﴿ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾، يقول: لم تكن هذه النفس عملت قبل طلوع الشمس من مغربها، ولم يقبل منها بعد طلوعها، ومن كان يقبل منه عمله قبل طلوع الشمس من مغربها، فإنه يتقبل منه بعد طلوعها، ثم أوعدهم العذاب، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ ﴾ العذاب ﴿ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ [آية: ١٥٨] بكم العذاب.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ ﴾ الإسلام الذى أمروا به، ودخلوا في غيره، يعني اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَكَانُواْ شِيَعاً ﴾، يعني أحزاباً يهود، ونصارى، وصابئين، وغيرهم.
﴿ لَّسْتَ مِنْهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ١٥٩]، فنسختها آية براءة:﴿ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ... ﴾إلى قوله:﴿ صَاغِرُونَ ﴾[التوبة: ٢٩].
﴿ مَن جَآءَ ﴾ في الآخرة ﴿ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ بالتوحيد والعمل الصالح.
﴿ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ فى الأضعاف.
﴿ وَمَن جَآءَ ﴾ في الآخرة ﴿ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾، يعني الشرك.
﴿ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ في العظم، فجزاء الشرك أعظم الذنوب، والنار أعظم العقوبة، وذلك قوله:﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾[النبأ: ٢٦] وافق الجزاء العمل.
﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٦٠] كلا الفريقين جميعاً.
﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، يعني الإسلام.
﴿ دِيناً قِيَماً ﴾ مستقيماً لا عوج فيه.
﴿ مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾، يعني مخلصاً.
﴿ وَمَا كَانَ ﴾ إبراهيم ﴿ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ١٦١] من اليهود والنصارى.
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنَّ صَلاَتِي ﴾ الخمس.
﴿ وَنُسُكِي ﴾، يعني وذبحي.
﴿ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٦٢].
﴿ لاَ شَرِيكَ لَهُ ﴾، يقول: ليس معه شريك.
﴿ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ١٦٣]، يعني المخلصين من أهل مكة.
﴿ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً ﴾، وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ارجع عن هذا الأمر، فنحن لك كفلاء بما أصابك من تبعة، فأنزل الله: ﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً ﴾، يعنى أتخذ رباً.
﴿ وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ فى السموات والأرض.
﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ﴾، يعني إلا على نفسها.
﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾، يعني لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى؛ لقولهم للنبى صلى الله عليه وسلم: نحن لك الكفلاء بما أصابك من تبعة.
﴿ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ ﴾ في الدين أنتم وكل قبيلة في الدين ﴿ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آية: ١٦٤] أنتم وكفار مكة، نظيرها في الروم.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ ﴾، يعني من بعد هلاك الأمم الخالية.
﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ ﴾، يعني بالدرجات الفضائل والرزق؛ لقولهم للنبى صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على الذي أتيتنا به إلا الحاجة، فنحن نجمع لك من أموالنا، فنزلت: ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ ﴾، يعني ليبتليكم فيما أعطاكم، يقول: يبتلي بعض المؤمنين الموسر بالغنى، ويبتلى بعض المؤمنين المعسر بالفاقة.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ ﴾ لمن عصاه في فاقة أو غنى، يخوفهم كأنه قد جاء ذلك اليوم.
﴿ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ١٦٥] بعد التوبة. قوله: ﴿ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾، يعني كبشاً ونعجة.﴿ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ ﴾، يعني تيساً وشاة.﴿ وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ ﴾، يعني جملاً وناقة.﴿ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ ﴾، يعني ثوراً وبقرة.
Icon