ﰡ
٥٦٠- قال أبو على الفارسي في الإيضاح : " جعل بمعنى : فعل، نحو قوله تعالى :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾. ( الأمنية في إدراك النية مطبوع مع كتاب " الإمام القرافي وأثره في الفقه الإسلامي " د. عبد الله إبراهيم. ص : ٤٩٦ )
وأما المضارع فيكون حالا بنفسه، تقول : " جاءني زيد يضحك " فلذلك تعين هاهنا أن يكون هذا الماضي عبر به عن المضارع، لأنه في موضع نصب على الحال مستثنى من الأحوال، تقديره :" إلا كائنين في الإعراض ". فكان واسمها وخبرها في موضع نصب على الحال. ( الاستغناء في الاستثناء : ٥٤١ )
٥٦٢- لو قال :﴿ ما تأتيهم آية ﴾ بحذف " من " لم يحصل العموم. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٨٢ والعقد المنظوم : ١/٥٣٢ )
وفي أسئلة : لم اختلفت القراءة هاهنا أكثر مما في قوله تعالى :﴿ وما كان قولهم إلا أن قالوا ﴾١ ؟ وكيف يكون هذا القول فتنة مع أنه في الدار الآخرة والاختيار إنما يكون في الدنيا ؟ وأي القراءة أرجح ؟ وما المستثنى منه في الآية ؟.
والجواب : أن هناك فعل ماض، وهنا فعل مضارع تدخله التاء الدالة على تأنيث الاسم، والياء الدالة على تذكيره، والفتنة مؤنثة، فإن نطقنا بالفعل المضارع مع التاء المنقوطة من فوق يتعين أن تكون الفتنة هي الاسم، فيتعين فيها الرفع، وبالياء المنقوطة من أسفل لا يتعين أن تكون الفتنة هي اسم كان بخلاف تلك الآية قابلة لجميع ذلك. فلذلك اختصت هذه الآية بنوع من القراءات ليست هنالك. فقرأ ابن كثير وعاصم :﴿ تكن فتنة ﴾ بالرفع على أن ﴿ أن قالوا ﴾ في موضع نصب على الخبر، لأن التاء المنقوطة من فوق تتقاضى ذلك، لأن اسم كان بمنزلة اسم الفاعل، والفاعل المؤنث تظهر علامة التأنيث في فعله. وعن نافع وأبي عمرو :﴿ فتنتهم ﴾ بالنصب، وأن ﴿ أن قالوا ﴾ في موضع رفع اسم كان، لأنه أعرف. ومن ذلك قوله تعالى :﴿ فله عشر أمثالها ﴾٢، فأنث الأمثال لما كانت هي الحسنات في المعنى. وعن حمزة :﴿ يكن ﴾ بالياء المنقوطة من أسفل، و﴿ فتنتهم ﴾ بالنصب، واسم كان ﴿ إلا أن قالوا ﴾. وهو متجه، لأن الياء تناسب التذكير وأن المؤنث هو الخبر.
وقرأت فرقة :﴿ يكن فتنتهم ﴾ بالياء المنقوطة من أسفل ورفع الفتنة، لأن الفتنة هاهنا الاختبار والموادة للشيء. فهذا سبب مخالفة هذه الآية لتلك، وهو الفرق بينهما.
وأما كون هذا القول فتنة في الدار الآخرة مع أنها لا اختبار فيها، فلأن الفتنة مشتركة في اللفظ بين أمور : أحدها : الاختبار، كقولهم : " فتنت الذهب بالنار : إذا اختبرته ". وثانيهما : حب الشيء ومودته، ومنه قولهم : " فتنت بحبه "، وهو يحسن هاهنا على وجه التبكيت للكفار، أي : " ما كان ودهم للكفار إلا أن تبرؤوا منهم ". كما تقول : " ما كان حبك لفلان إلا أن شتمته وعاديته " على جهة التوبيخ. ويصح أن يسمى الواقع في يوم القيامة اختبارا لتصوره بصورة الاختبار.
وأما ترجيح القراءات، فالنصب مع الياء المنقوطة من أسفل أرجح لإشعارها بالتذكير فيكون الاسم ﴿ إلا أن قالوا ﴾ ومع التاء المنقوطة من فوق الرفع في الفتنة أرجح لعلامة التأنيث. وعكس هاتين القراءتين مرجوح من حيث اللغة.
وأما المستثنى من هاهنا فهو أفراد الاختبار أو أفراد المودة والمحبة على ما هو المراد هنا بالفتنة. ( الاستغناء : ١٨٥ إلى ١٨٨ )
٢ - سورة الأنعام: ١٦٠..
٥٦٦- قال الواحدي١ في تفسيره : " يجب الوقف عند قوله تعالى :﴿ ولا يابس ﴾، ويكون التقدير : " هو في كتاب مبين "، ولو كان الاستثناء متصلا لفسد المعنى، لأن الكتاب لا يمكن أن يكون علم الله تعالى فيه ولا الموجودات من الرطب واليابس فيه، بل ذكره فقط في كتاب مبين، ويصير المعنى : " يعلمها في كتاب " وهي ما هي في الكتاب. وإن قلنا : " يعلم ذكرها " تبقى هي غير معلومة. ( نفسه : ٥٤٢ )
" فأن " مع الفعل بتأويل المصدر، والمصدر في تأويل اسم المفعول المنصوب على الحال والاستثناء، تقديره : " لا أخافهم إلا مشوءا ضري منهم "، فتكون الحال من الفاعل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. ولك أن تجعله حالا من المفعول الذي هو " ما " الموصولة. ( الاستغناء : ٥٤٢ )
٥٧١- إن اليهود لما قالت : " ما أنزل الله على بشر من شيء " قال الله تعالى في الرد عليهم :﴿ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ﴾. وإنما أورد الله تعالى هذا الكلام نقضا عليهم، وهو إثبات جزئي، فدل ذلك على أن كلامهم سلب كلي، وهو للعموم المطلوب. ( العقد : ١/٥٣٢ )
" فأن " مع الفعل بتأويل المصدر، والمصدر في تأويل اسم المفعول المنصوب، تقديره : " لا يؤمنون إلا مشيئين بالإيمان أو مشوءا إيمانهم ". ويكون استثناء من الأحوال غير منطوق بها عن أعم العام استثناء متصلا. ( الاستغناء : ٥٤٤ )
والجواب : اختلف في " مثواكم "، فقال أبو علي الفارسي، كما نقله الواحدي وابن عطية وغيرهما عنه : " إنه اسم مصدر حتى يستقيم عمله في " خالدين "، فإن اسم المكان لا يمكن أن يعمل. يكون التقدير : " النار موضع مثواكم " ١.
وقيل : اسم مكان، ويضمر " خالدين " فعل يعمل فيه.
وأما الاستثناء " فقيل. " ما " عبر بها عمن يعقل، التقدير :" إلا من شاء الله منكم بأن يؤمن ".
وقيل : هي بمعنى : سوى. قال ابن عطية عن الزجاج : " أي : سوى ما شاء الله من عذاب غير الخلود في النار " ٢.
وحكى الطبري عن الفراء : أنه استثناء من المدة، لأن لهم إقامة في المحشر وثواء ليس في النار٣. وكأن ظاهر اللفظ عنده يقتضي حصر ثوائهم في النار من جهة أن المبتدأ يكون محصورا في خبره، ويتخيل أن الثاني هو المبتدأ لقرينة الحال، كقوله الشاعر٤ :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا***بنوهن أبناء الرجال الأباعد.
فوقع الاستثناء من الحصر. ( الاستغناء : ٣٣٤-٣٣٥ )
٢ - نفسه: ٢/ ٣٤٥. وقد عدت إلى "معاني القرآن" للزجاج: ٢/٢٩١-٢٩٢. فلم أعثر على هذا التفسير. وقد نقله ابن عطية عن الفراء أيضا..
٣ - لم ينسب الطبري هذا التفسير إلى الفراء، وإنما قال: "يعني: إلا ما شاء الله من قدر مدة ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم". جامع البيان: ٥/٣٤٥..
٤ - قال محي الدين عبد الحميد في "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل": نسب جماعة هذا البيت للفرزدق. وقال قوم: لا يعلم قائله، مع شهرته في كتب النحاة وأهل المعاني والفرضيين". ن: شرح ابن عقيل: ١/٢٣٣..
٥٧٧- " معشر "، كأنه مشتق من العشيرة التي هي بمعنى القبيلة. ( نفسه : ٢/١٣٨ )
٥٧٩- قد يكون اللفظ مبينا من وجه كقوله تعالى :﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾فإنه مبين في الحق مجمل في مقداره. ( الذخيرة : ١/١٠٣ )
٥٨٠- قوله عليه السلام : " فيما سقت السماء العشر " ١. وفي بيان قوله تعالى :﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾. ( شرح التنقيح : ٢٧٨ )
٥٨٢- الرجس في اللغة : القذر، كما أن العذرة لا تقبل التطهير فكذلك الخنزير، لأنه سوى بينه وبين الدم ولحم الميتة وهما لا يقبلان التطهير، فكذلك هو. ( نفسه : ١/١٦٥ )
٥٨٣- فائدة : الفسق في اللغة : الخروج، ومنه : فسقت النواة عن الثمرة، أي : خرجت عنها. وسمي العاصي فاسقا لخروجه عن طاعة الله. ( نفسه : ٣/٣١٤ )
٥٨٤- الدم المسفوح نجس إجماعا، وغير المسفوح طاهر على الأصح لقوله تعالى :﴿ أو دما مسفوحا ﴾ فمفهومه أن ما ليس بمسفوح مباح أكله، فيكون طاهرا. ( نفسه : ١/١٨٥ )
٥٨٥- قالت عائشة رضي الله عنها : " لولا قول الله تعالى :﴿ أو دما مسفوحا ﴾ لاتبع المسلمون ما في العروق كما اتبعه اليهود " ١. ( نفسه : ٤/١٠٦ )
٥٨٦- الحصر في هذه الأربعة يقتضي إباحة ما عداها، ومن جملتها السباع. وورد نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير٢. فقيل : ناسخ للإباحة. وقيل : ليس ناسخا٣.
والأكل مصدر أضيف للفاعل دون المفعول، وهو الأصل في إضافة المصدر بنص النحاة، فيكون الخبر مثل قوله تعالى :﴿ وما أكل السبع ﴾٤ ويكون حكمهما واحدا٥. ( شرح التنقيح : ١١٤ )
٥٨٧- استدل أهل الظاهر٦ بقوله تعالى :﴿ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه... ﴾ الآية نسخت بنهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع، وهو خبر واحد.
والجواب : أن الآية إنما اقتضت التحريم إلى تلك الغاية فلا ينافيها ورود التحريم بعدها، وإذا لم ينافها لا يكون ناسخا، لأن من شرط النسخ التنافي. ( نفسه : ٣١١ )
٥٨٨- في هذه الآية من المسائل : هل قوله :﴿ لا أجد ﴾ يتناول الماضي والمستقبل ؟ وهل ﴿ طاعم ﴾ هنا حقيقة أو مجاز ؟ وهل ﴿ يطعمه ﴾ كذلك أم لا ؟ وهل الحصر الواقع في هذه الآية يقتضي إباحة ما عدا المذكورات حتى يكون دليلا على إباحة السباع والحشرات وغيرها أم لا ؟ ولم عطف المنصوب على المرفوع في قوله تعالى :﴿ فإنه رجس أو فسقا ﴾ ؟ وما معنا ﴿ أهل لغير الله ﴾ ؟
والجواب :
إن الآية اجتمع فيها لفظان كل واحد منهما يقتضي أن الآخر مجاز، ويصرفه عن ظاهره لأن لفظ " لا " لنفي المستقبل، فيقتضي أن الكلام مستقبل٧.
وقوله تعالى :﴿ فيما أوحي إلي ﴾ فعل ماض، يقتضي ذلك أن الإخبار إنما هو عن الماضي فقط دون المستقبل، وأن المستقبل قابل لأن يرد تحريم آخر، فيتعين إما صرف " لا " لأوحي "، أو " أوحي " ل " لا ". أو يقال : لا يتعين ذلك، بل لا ينتفي أن يجد في الماضي من الوحي غير المذكور. لا شك أنه لا يجد في المستقبل فيما تقدم الوحي فيه إلى هذا التاريخ محرما سوى المذكورات، فبقي كل واحد على بابه : " لا " لنفي الوجدان في المستقبل، و " أوحي " لما تقدم وحيه ما يوحي به بعد ذلك.
وأما ﴿ طاعم يطعمه ﴾ فمجازان، فإن اسم الفاعل والفعل المضارع إنما يصدقان حقيقة على من لابس المصدر، والتحريم لا يثبت إلا قبل الملابسة، أما بعد الملابسة أو حال الملابسة فيمتنع التحريم، لأنه يصير العقل لا اختيار في فضله وتركه، والتكليف إنما يقع بالفعل المختار المقدور على فعله وتركه، والماضي والحاضر يتعذر فيه ذلك. وإنما يتصور ذلك في المستقبل خاصة. فحينئذ المراد ثبوت التحريم على من سيصير طاعما أو هو يطعم، فيكون اسم الفاعل مجازا قطعا، فإني ما أعلم خلافا أن اسم الفاعل مجازا باعتبار الاستقبال.
وأما المضارع فيتخرج كونه مجازا على الخلاف بين النحاة، هل هو موضوع للحال أو للاستقبال أو مشترك بينهما ؟ ثلاثة أقوال : فعلى القول بأنه خاص بالحال يكون مجازا، أو على القولين الآخرين يكون حقيقة.
فهذا تلخيص هذا الموضوع ووجه الفرق بين " طاعم " و " يطعم ".
ويظهر بهذا التقرير المتقدم أن الحصر لا يقتضي إباحة ما عدا هذه المذكورات إلا إلى تلك الغاية التي وقع الإخبار فيها، أما أنه وقع بعدها تحريم أو لا فلا حجة فيه بالأصل الباقي للتحريم.
فإن قلت : المحرمات كثيرة غير الأمور المذكورة، فالحصر ليس بواقع، وليس مرادا. وأيضا فقد دل الدليل على مخالفة الأصل، وهو ما ورد في مسلم وغيره من نهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير، والثبوت الخاص تقدم على النفي العام.
قلت : الجواب عن الأول : أن المراد ما هو من قبيل المطعوم، وهو محصور فيما ذكر. وأما الغصب والربا والسرقة وغير ذلك فليس من باب المأكول، أعني : ليس المحرم فيه الأكل بل الأخذ أو غير ذلك من الأفعال دون الأكل. والآية إنما تعرضت لنفي التحريم وحصره في المأكول أو المطعوم خاصة.
وأما الحديث، فالجواب عنه : أن الأصل عند النحاة في المصدر إذا دار بين أن يكون مضافا للفاعل أو المفعول أن يكون مضافا للفاعل، كقولنا : " أعجبني إكرام موسى عيسى " الظاهر أن موسى هو فاعل الإكرام. وكذلك إذا قلت : " أعجبني ضرب زيد " الظاهر أنه الفاعل بهذا الضرب لا أنه المضروب. فهذه قاعدة مشهورة لا أعلم فيها خلافا. فنهيه عليه السلام عن أكل ذي ناب، الأكل : مصدر. وكل ذي ناب : مضاف إليه. فوجب أن يكون ذو الناب هو الفاعل بهذا الأكل عملا بالقاعدة، فيصير معنى الكلام : النهي عن مأكول السبع لا عن أن يؤكل السبع. وتصير الآية– التي هي قوله تعالى :﴿ وما أكل السبع ﴾- هي وهذا الخبر سواء. ولا يلزم التعارض بين الكتاب والسنة.
ولا مخالفة القاعدة. ولا رفع الأصل. وعند الشافعي : المصدر مصاف للمفعول، وهو خلاف القاعدة النحوية العربية.
فإن قلت : التعبير بالأكل عن المأكول مجازا لأصل عدمه، والآدمي لا ينهى عن فعل السبع، فيتعين التعبير عن المأكول بالأكل، وعلى قول الشافعي لا يلزم ذلك، بل عبر بالأكل عن الأكل نفسه، فلا يلزم المجاز، فيكون أولى.
قلت : هذا الكلام حق، وما ذكرته من القاعدة حق، فيلزم التعارض بين هاتين القاعدتين، أحدهما أولى من الآخر، بل الأصل عدم الترجيح، فيلزم اتفاق الدلالة بالحديث ويصير لا دلالة فيه ويسلم الأصل الذي هو براءة الذمة عن المعارض، وهو المطلوب.
وإنما تعديت القاعدة في البحث عن الاستثناء إلى هذا البحث الفقهي لأني رأيت الشافعية والمالكية يستعظمون وجه دلالة هذا الحديث، ويعتقدون أنه لا يقال فيه، فأردت أن أبين لك فيه مقالا بمقتضى القواعد، وهو مقال صحيح غريب حسن.
وأما قوله تعالى :﴿ أو فسقا ﴾ فليس معطوفا على قوله تعالى :﴿ أو رجس ﴾ بل المتقدم في صدور الكلام وهو " ميتة " المنصوب بأنه خبر كان، فهو داخل في خبر كان.
وأما معنى الإهلال فالمراد به هاهنا : رفع الصوت بذكر الصنم عند الذبيحة فيقولون : " هذا لهبل أو للعزى " فلا يجوز أكله. ومنه : استهل الجنين بعد الوضع، أي : رفع صوته بالبكاء. ومنه : الهلال على أحد التأويلين، لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته. وقيل : بل من التحسين ومنه سمي " مهلهل " لأنه أول من حسن الشعر، والهلال يحسن في العيون لمجيئه بعد الغيبة. ( الاستغناء : ٣٢٤ إلى ٣٢٧ )
٥٨٩- يكره أكل ما ذبحه الكتابي لكنيسة أو عيد من غير تحريم لقوله تعالى :﴿ أو فسقا أهل لغير الله به ﴾. ( الذخيرة : ٤/١٢٢ )
٢ - خرجه مسلم في كتاب الصيد من صحيحه، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع. والبخاري في صحيحه، كتاب الذبائح، الباب: ٢٨. وأحمد في مسنده: ١/٢٤٤ و٢/٢٣٦..
٣ - سبب الاختلاف يعود إلى مستند النسخ، فمن العلماء من قال: إنها منسوخة بالآية (٣) من سورة المائدة. ومنهم من ذهب إلى القول بأنها منسوخة بالحديث المذكور. ن: النسخ في القرآن. د. مصطفى زيد: ٢/٧٣٠- ٧٣١..
٤ - سورة المائدة: ٤..
٥ - أي أن التحريم يتعلق بذي الناب وبما أكله معا، يقول الإمام القرافي: "إضافة المصدر إلى الفاعل أولى من المفعول، فيكون ذو الناب هو الأكل فيحرم علينا ما افترسه" ن: الذخيرة: ٤/١٠١..
٦ - أي استدلوا بجواز نسخ الكتاب بخبر الآحاد..
٧ - يقول القرافي: "إن (لا) لنفي المستقبل دون الماضي، فليس صرفها للماضي بأولى من صرف الماضي الذي هو أرجى إلى الحالة المستمرة المشتملة على الماضي والحال والاستقبال، بل هذا أولى لأن التصرف في الفعل أولى من الحرف" ن: الذخيرة: ٤/١٠٠..
٥٩٢- كل نفس محرمة القتل، وكذلك جميع النفوس في جميع الأحكام بمقتضى الوضع خاص بصيغة العموم. ( العقد المنظوم : ١/٣٤٩ )
٥٩٣- يكون معنى الكلام على هذا التقدير : " لا تقتلوا مجموع النفوس " فعلى هذا قتلنا بعضهم لا نأثم، فإن الله تعالى إنما حرم قتل المجموع، ولا يلزم من تحريم المجموع تحريم أجزائه، فإن المقصود إنما هو اجتناب ماهية المجموع.
وإذا قلنا : النهي عن كل فرد من أفراد النفوس لا نخرج عن العهدة إلا بترك كل نفس، أما إذا قتلنا نفسا فإنا نكون مخالفين لمقتضى النهي. ( الاستغناء : ٤٦٢ )
وعلى هذا قال بعض العلماء : " نحن معزولون عن قرب مال اليتيم بغير هذا السبب١، وإذا كان كذلك في ولاية اليتيم، فأولى في ولاية أمور المسلمين التي هي أعظم خطرا " وهذا كلام حسن. ( الاستغناء : ٥٠٠ )
٥٩٥- مفهوم الآية : أن ما ليس بأحسن لا يجوز، وما هو أحسن يجوز. ( الذخيرة : ٧/١٧١ )
٥٩٦- قال ابن عباس : الأشد : " ثمانية عشرة سنة " ٢ ومثل هذا لا يقال إلا عن توقيف. ( نفسه : ٨/٢٣٩ )
* "لا تجوز هبة الوصي شقص اليتيم إلا لنظر كبيعه لربعه لغبطة في الثمن أو لأن غلته لا تكفيه أو لوجه نظر، لقوله تعالى: ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن﴾ الذخيرة: ٧/٣١٠.
* "لا يتصرف الولي إلا بما تقتضيه المصلحة لقوله تعالى: ﴿ولا تقربوا مال... الآية﴾ فهو معزول بظاهر النص عن غير التي هي أحسن" نفسه: ٨/٢٤٠.
* "قاعدة: كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ولي من أمور أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام" رواه مسلم في الإمارة عن إسحاق وابن المثنى بنحوه، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان": ٦/١٤ بلفظ آخر عن عبد الرحمان بن سمرة موقوفا)، ولقوله تعالى: ﴿ولا تقربوا مال اليتيم... الآية﴾، الذخيرة: ١٠/٤٣. وزاد في "الفروق": "فقد حجر الله تعالى على الأوصياء التصرف فيما هو ليس بأحسن مع قلة الفائت من المصلحة في ولايتهم لخستها بالنسبة إلى الولاة والقضاة فأولى أن يحجر على الولاة والقضاة في ذلك. بمقتضى هذه النصوص أن يكون الجميع معزولين عن المفسدة الراجحة، والمصلحة المرجوحة، والمساوية، وما لا مفسدة ولا مصلحة، لأن هذه الأقسام الأربعة ليست من باب ما هو أحسن، وبكون الولاية إنما تتناول جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة، ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحة، فأربعة معتبرة، وأربعة ساقطة" الفروق: ٤/٣٩..
٢ - قال ابن رشد: "اختلف في "الأشد" اختلافا كثيرا، فقيل: الحلم، وهو الذي ذهب إليه مالك... وقيل: إنه عشرون. وقيل: إنه ما بين ثمانية إلى ثلاثين، وقيل أيضا: ما بين سبعة عشر إلى أربعين. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: الأشد ثلاثة وثلاثون، والاستواء أربعون، والعمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة" ن: البيان والتحصيل: ١٨/٣٥٨..
والجواب : أن هذه الآية ما يعلم هذا الاستثناء فيها ومعناه إلا من جهة العلم بسببها، خرّج المفسرون أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد، ارجع إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتحمل عنك كل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك، فنزلت الآية ردا عليهم.
فيكون معناه يتقرر بطريقتين :
أحدهما : أن يكون معناه : " ولا تكسب كل نفس شرا أو إثما إلا عليها لا يتعداها إلى غيرها، فما ذكرتموه من التحمل لا يفيد " كقوله تعالى :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾٢ أي : لا تحمل نفس حاملة نفس أخرى : لأن الوزر هو الثقل، ومنه قوله تعالى :﴿ حتى تضع الحرب أوزارها ﴾٣ أي أثقالها. وقوله تعالى :﴿ ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ﴾٤ أي : " ثقلك الذي فوق ظهرك "، وهو طلبه قبل البعثة شريعة يتقرب بها إلى الله تعالى فلم يجدها حتى جاءه الوحي. ومنه الوزارة لأن الوزير يتحمل أثقال الدولة. وتحتمل الوزارة معنى آخر، وهي أن تكون مأخوذة من الوزر بتحريك الزاي المنقوطة، وهو الملجأ. ومنه قوله تعالى :﴿ كلا لا وزر ﴾٥ أي : لا ملجأ.
وتحتمل الآية معنى آخر وهو أن يكون ﴿ تكسب كل نفس ﴾ مضمنا معنى تجني، أي : " ما تجني كل نفس إلا عليها ".
وعلى التقديرين استقام حصره فيما هو عليها، وظهر وجه الجمع بينه وبين الآية الأخرى، فإن الآية الأخرى أشارت إلى القسمين : الخير والشر، وهذه ليس فيها إلا الشر خاصة.
وأما " كسب " و " اكتسب " فالفرق بينهما في لغة العرب أن التاء تدل التكلف والمشقة والشرور ومواطن الحرج، فلذلك جيء فيها بالتاء، فقيل : اكتسب، ويجوز " كسب " أيضا نظرا لعموم الكسب، وهو الفعل والاختراع والتحصيل.
وكانت تلك الآية أولى بذكر اكتسب لأن مقصودها ذكر القسمين المتضادين : الخير والشر، فذكر كل واحد منهما بما هو أخص به من اللفظ. وهاهنا لم يذكر إلا قسما واحدا وهو الشر، وقد عرض عن التاء لفظ " على " في قوله :﴿ عليها ﴾، وهي مشعرة بالمكروه، تقول : " شهد له وشهد عليه " فاللام للنفع و " على " لشهادة المضرة.
وأما المستثنى والمستثنى منه في هذه الآية، فهو المفاعيل الذين هم مجني عليهم مثل المنطوق به. ( الاستغناء : ١٨٩- إلى ١٩١ )
٢ - سورة الأنعام: ١٦٦..
٣ - سورة محمد: ٤..
٤ - سورة الشرح: ٢-٣..
٥ - سورة القيامة: ١١..