تفسير سورة الأنعام

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْأَنْعَامِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِرَبِّهِمْ) : الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِـ «يَعْدِلُونَ» ؛ أَيِ: الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْدِلُونَ بِرَبِّهِمْ غَيْرَهُ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا مُبْتَدَأٌ، وَيَعْدِلُونَ الْخَبَرُ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ.
وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ، فَلَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ مَفْعُولٌ مَحْذُوفٌ، بَلْ يَكُونُ يَعْدِلُونَ لَازِمًا؛ أَيْ: يَعْدِلُونَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِكَفَرُوا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: الَّذِينَ جَحَدُوا رَبَّهُمْ مَائِلُونَ عَنِ الْهُدَى.
قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ مُضَافٌ؛ أَيْ: خَلَقَ أَصْلَكُمْ، وَمِنْ طِينٍ مُتَعَلِّقٍ بِخَلَقَ، وَمِنْ هُنَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: خَلَقَ أَصْلَكُمْ كَائِنًا مِنْ طِينٍ.
(وَأَجَلٌ مُسَمًّى) : مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ، وَ (عِنْدَهُ) : الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) (٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ اللَّهُ) : وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَاللَّهُ الْخَبَرُ. وَ (فِي السَّمَاوَاتِ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِـ «يَعْلَمُ» ؛ أَيْ: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَهُمَا ظَرْفَانِ لِلْعِلْمِ. فَيَعْلَمُ عَلَى هَذَا خَبَرٌ ثَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ بَدَلًا مِنْ هُوَ، وَيَعْلَمُ الْخَبَرُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ «فِي» بَاسِمِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ؛ أَيْ: وَهُوَ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ عَلَى هَذَا خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْمَعْبُودِ، أَوْ مُسْتَأْنَفٌ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ «فِي» بِاسْمِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالتَّغْيِيرِ الَّذِي دَخَلَهُ كَالْعَلَمِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مَرْيَمَ: ٦٥] وَقِيلَ: قَدْ تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ «فِي السَّمَاوَاتِ». وَ «فِي الْأَرْضِ» يَتَعَلَّقُ بِـ «يَعْلَمُ» ؛ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَعْبُودٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلَا اخْتِصَاصَ لِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ بِأَحَدِ الظَّرْفَيْنِ.
وَ (سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) : مَصْدَرَانِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولَيْنِ؛ أَيْ: مَسْرُورَكُمْ وَمَجْهُورَكُمْ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النَّحْلِ: ١٩] ؛ أَيِ: الَّذِي... وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا عَلَى بَابِهِمَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) (٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ آيَةٍ) : مَوْضِعُهُ رَفْعٌ بِتَأْتِي، وَمِنْ زَائِدَةٌ.
وَ (مِنْ آيَاتِ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِآيَةٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى مَوْضِعِ آيَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمَّا جَاءَهُمْ) :«لَمَّا» ظَرْفٌ لِكَذَّبُوا، وَهَذَا قَدْ عَمِلَ فِيهَا، وَهُوَ قَبْلَهَا وَمِثْلُهُ «إِذَا» وَ (بِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِـ «يَسْتَهْزِئُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) (٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمْ أَهْلَكْنَا) : كَمِ: اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يَعْمَلُ فِيهَا يَرَوْا، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَهْلَكْنَا، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَمْ مَفْعُولًا بِهِ، وَيَكُونُ «مِنْ قَرْنٍ» تَبْيِينًا لَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا، «وَمِنْ قَرْنٍ» مَفْعُولُ أَهْلَكْنَا. وَمِنْ زَائِدَةٌ؛ أَيْ: كَمْ أَزْمِنَةً أَهْلَكْنَا فِيهَا مِنْ قَبْلِهِمْ قُرُونًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمْ مَصْدَرًا؛ أَيْ: كَمْ مَرَّةً وَكَمْ إِهْلَاكًا، وَهَذَا يَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا. (مَكَّنَّاهُمْ) : فِي مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةِ الْقَرْنِ، وَجُمِعَ عَلَى الْمَعْنَى.
(مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) : رَجَعَ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: «أَلَمْ يَرَوْا» إِلَى الْخِطَابِ فِي لَكُمْ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ لَكَانَ جَائِزًا.
وَ (مَا) : نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: شَيْئًا لَمْ نُمَكِّنْهُ لَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» مَصْدَرِيَّةً، وَالزَّمَانُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: مُدَّةَ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ؛ أَيْ: مُدَّةُ تَمَكُّنِهِمْ أَطْوَلُ مِنْ مُدَّتِكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» مَفْعُولُ نُمَكِّنُ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَعْطَيْنَاهُمْ مَا لَمْ نُعْطِكُمْ.
وَ (مِدْرَارًا) : حَالٌ مِنَ السَّمَاءِ. وَ (تَجْرِي) : الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلْنَا، أَوْ حَالٌ مِنَ الْأَنْهَارِ إِذَا جَعَلْتَ «جَعَلَ» مُتَعَدِّيَةً إِلَى وَاحِدٍ. وَ (مِنْ تَحْتِهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِتَجْرِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَجْرِي؛ أَيْ: وَهِيَ مِنْ تَحْتِهِمْ.
481
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْتِهِمْ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِجَعَلَ، أَوْ حَالًا مِنَ الْأَنْهَارِ، وَتَجْرِي فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ؛ أَيْ: وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ مِنْ تَحْتِهِمْ جَارِيَةً؛ أَيِ: اسْتَقَرَّتْ جَارِيَةً وَ (مِنْ بَعْدِهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِأَنْشَأْنَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ قَرْنٍ لِأَنَّهُ ظَرْفُ زَمَانٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي قِرْطَاسٍ) : نَعْتٌ لِكِتَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِكِتَابٍ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ. وَالْكِتَابُ هُنَا: الْمَكْتُوبُ فِي الصَّحِيفَةِ لَا نَفْسُ الصَّحِيفَةِ.
وَالْقِرْطَاسُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
وَالْهَاءُ فِي «لَمَسُوهُ» يَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى قِرْطَاسٍ، وَأَنْ تَرْجِعَ عَلَى كِتَابٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا يَلْبِسُونَ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَهِيَ مَفْعُولُ: لَبَسْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (١٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهُ أَتْبَعَ حَرَكَتَهَا حَرَكَةَ التَّاءِ؛ لِضَعْفِ الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا. وَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ فَاعِلُ حَاقَ. وَ (بِهِ) : يَتَعَلَّقُ بِـ «يَسْتَهْزِئُونَ».
وَ (مِنْهُمْ) : الضَّمِيرُ لِلرُّسُلِ، فَيَكُونُ مِنْهُمْ مُتَعَلِّقًا بِسَخِرُوا لِقَوْلِهِ: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ.
482
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْتِهِمْ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِجَعَلَ، أَوْ حَالًا مِنَ الْأَنْهَارِ، وَتَجْرِي فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ؛ أَيْ: وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ مِنْ تَحْتِهِمْ جَارِيَةً؛ أَيِ: اسْتَقَرَّتْ جَارِيَةً وَ (مِنْ بَعْدِهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِأَنْشَأْنَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ قَرْنٍ لِأَنَّهُ ظَرْفُ زَمَانٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي قِرْطَاسٍ) : نَعْتٌ لِكِتَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِكِتَابٍ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ. وَالْكِتَابُ هُنَا: الْمَكْتُوبُ فِي الصَّحِيفَةِ لَا نَفْسُ الصَّحِيفَةِ.
وَالْقِرْطَاسُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
وَالْهَاءُ فِي «لَمَسُوهُ» يَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى قِرْطَاسٍ، وَأَنْ تَرْجِعَ عَلَى كِتَابٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا يَلْبِسُونَ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَهِيَ مَفْعُولُ: لَبَسْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (١٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهُ أَتْبَعَ حَرَكَتَهَا حَرَكَةَ التَّاءِ؛ لِضَعْفِ الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا. وَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ فَاعِلُ حَاقَ. وَ (بِهِ) : يَتَعَلَّقُ بِـ «يَسْتَهْزِئُونَ».
وَ (مِنْهُمْ) : الضَّمِيرُ لِلرُّسُلِ، فَيَكُونُ مِنْهُمْ مُتَعَلِّقًا بِسَخِرُوا لِقَوْلِهِ: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ.
وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ سَخِرْتُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ، فَيَكُونُ مِنْهُمْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي سَخِرُوا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ كَانَ) : كَيْفَ خَبَرُ كَانَ. وَ (عَاقِبَةُ) : اسْمُهَا، وَلَمْ يُؤَنَّثِ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ بِمَعْنَى الْمَعَادِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَلِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (١٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِمَنْ) :«مَنِ» اسْتِفْهَامٌ، وَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ، وَلِمَنْ خَبَرُهُ. (قُلْ لِلَّهِ) : أَيْ: قُلْ هُوَ لِلَّهِ. (لَيَجْمَعْنَّكُمْ) : قِيلَ: مَوْضِعُهُ نَصْبٌ بَدَلًا مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: لَا مَوْضِعَ لَهُ؛ بَلْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ، وَاللَّامُ فِيهِ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَقَعَ «كَتَبَ» مَوْقِعَهُ.
(لَا رَيْبَ فِيهِ) : قَدْ ذُكِرَ فِي آلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ.
(الَّذِينَ خَسِرُوا) : مُبْتَدَأٌ «فَهُمْ» مُبْتَدَأٌ ثَانٍ. وَ (لَا يُؤْمِنُونَ) : خَبَرُهُ. وَالثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْأَوَّلِ؛ وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي الَّذِينَ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: لِلَّذِينِ خَسِرُوا بَدَلٌ مِنَ الْمَنْصُوبِ فِي لَيَجْمَعَنَّكُمْ؛ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ لَا يُبْدَلُ مِنْهُمَا لِوُضُوحِهِمَا غَايَةَ الْوُضُوحِ، وَغَيْرُهُمَا دُونَهُمَا فِي ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَغَيْرَ اللَّهِ) : مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِـ «أَتَّخِذُ» وَ «وَلِيًّا» الثَّانِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «أَتَّخِذُ» مُتَعَدِّيًا إِلَى وَاحِدٍ، وَهُوَ «وَلِيًّا»، وَ «غَيْرَ اللَّهِ» صِفَةٌ لَهُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، فَصَارَتْ حَالًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرُ هُنَا اسْتِثْنَاءً.
(فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ) : يُقْرَأُ بِالْجَرِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَجَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ، وَقُرِئَ شَاذًّا بِالنَّصْبِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ وَلِيٍّ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَجَعَلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ غَيْرَ اللَّهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَوَلِيٍّ، وَالتَّنْوِينُ مُرَادٌ، وَهُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ؛ أَيْ: فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ.
(وَهُوَ يُطْعِمُ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ؛ «وَلَا يُطْعَمُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُقْرَأُ «وَلَا يَطْعَمُ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى اللَّهِ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ: «وَهُوَ يَطْعَمُ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ، وَلَا يُطْعِمُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْوَلِيِّ الَّذِي هُوَ غَيْرُ اللَّهِ. (مَنْ أَسْلَمَ) : أَيْ أَوَّلِ فَرِيقٍ أَسْلَمَ.
(وَلَا تَكُونَنَّ) : أَيْ: وَقِيلَ لِي: لَا تَكُونَنَّ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَقَالَ وَأَنْ لَا أَكُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (١٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَفِي الْقَائِمِ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا:: يَوْمَئِذٍ؛ أَيْ: مَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ عَذَابُ يَوْمِئِذٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، وَيَوْمَئِذٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُضْمَرًا فِي «يُصْرَفُ» يَرْجِعُ إِلَى الْعَذَابِ، فَيَكُونُ يَوْمَئِذٍ ظَرْفًا لِـ «يُصْرَفْ»، أَوْ لِلْعَذَابِ، أَوْ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ؛ أَيْ: مَنْ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ، فَمَنْ عَلَى هَذَا مُبْتَدَأٌ؛ وَالْعَائِدُ عَلَيْهِ الْهَاءُ فِي عَنْهُ. وَفِي «رَحِمَهُ»، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْعَذَابُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ «يَوْمَئِذٍ» أَيْ: عَذَابَ يَوْمِئِذٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: مَنْ يُكْرَمْ يَصْرِفِ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ، فَجُعِلَتْ «يُصْرَفْ» تَفْسِيرًا لِلْمَحْذُوفِ، وَمِثْلُهُ (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [الْبَقَرَةِ: ٤٠]، وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ مَنْ يُصْرَفْ، وَتُجْعَلُ الْهَاءُ فِي عَنْهُ لِلْعَذَابِ؛ أَيْ: أَيَّ إِنْسَانٍ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ فَقَدْ رَحِمَهُ، فَأَمَّا «مَنْ» عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْهَاءُ فِي عَنْهُ يَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى «مَنْ» وَأَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْعَذَابِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا كَاشِفَ لَهُ) :«لَهُ» خَبَرُ كَاشِفٍ. (إِلَّا هُوَ) : بَدَلٌ مِنْ مَوْضِعِ «لَا كَاشِفَ» أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِكَاشِفٍ، وَلَا بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِيهِ؛ لِأَنَّكَ فِي الْحَالَيْنِ تُعْمِلُ اسْمَ «لَا» وَمَتَى أَعْمَلْتَهُ ظَاهِرًا نَوَّنْتَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (١٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) : هُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْقَاهِرُ خَبَرُهُ وَفِي «فَوْقَ» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْقَاهِرِ؛ أَيْ: وَهُوَ الْقَاهِرُ مُسْتَعْلِيًا أَوْ غَالِبًا.
وَالثَّانِي: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الْقَاهِرِ أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيُّ شَيْءٍ) : مُبْتَدَأٌ. وَ (أَكْبَرُ) : خَبَرُهُ. (شَهَادَةً) : تَمْيِيزٌ.
وَ (أَيُّ) : بَعْضُ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ، فَإِذْ كَانَتِ اسْتِفْهَامًا اقْتَضَى الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهَا مُسَمًّى بِاسْمِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ «أَيُّ». وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ شَيْئًا؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: «قُلِ اللَّهُ» جَوَابًا، وَاللَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: أَكْبَرُ شَهَادَةً. وَقَوْلُهُ: «شَهِيدٌ» خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (اللَّهُ) مُبْتَدَأً، وَشَهِيدٌ خَبَرَهُ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى جَوَابٍ؛ أَيْ: مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى. وَ (بَيْنَكُمْ) : تَكْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَصْلُ شَهِيدٌ بَيْنَنَا.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ «بَيْنَ» ظَرْفًا يَعْمَلُ فِيهِ شَهِيدٌ، وَأَنْ تَجْعَلَهُ صِفَةٌ لِشَهِيدٍ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. (وَمَنْ بَلَغَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الْمَفْعُولِ فِي «أُنْذِرَكُمْ»، وَهُوَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْقُرْآنِ؛ أَيْ: وَأُنْذِرَ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ.
(قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ كَافَّةٌ لِأَنَّ عَنِ الْعَمَلِ؛ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَإِلَهٌ خَبَرُهُ، وَوَاحِدٌ صِفَةٌ مُبَيِّنَةٌ، وَقَدْ ذُكِرَ مَشْرُوحًا فِي الْبَقَرَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِنَّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَإِلَهٌ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ الَّذِي وَوَاحِدٌ خَبَرُ إِنَّ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِمَا قَبْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (٢٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ.
وَ (يَعْرِفُونَهُ) : الْخَبَرُ، وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: ضَمِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) : مِثْلُ الْأُولَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٢٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) : هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَاذْكُرْ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ. وَ (جَمِيعًا) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ؛ وَمَفْعُولًا «تَزْعُمُونَ» مَحْذُوفَانِ؛ أَيْ: تَزْعُمُونَهُمْ شُرَكَاءَكُمْ، وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ، وَرَفْعُ الْفِتْنَةِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ.
وَ (أَنْ قَالُوا) : الْخَبَرُ. وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالْيَاءِ؛ لِأَنَّ تَأْنِيثَ الْفِتْنَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَلِأَنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْقَوْلِ، وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ، وَنَصْبُ الْفِتْنَةِ عَلَى أَنَّ اسْمَ كَانَ «أَنْ قَالُوا» وَ «فِتْنَتَهُمْ» الْخَبَرُ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ عَلَى مَعْنَى أَنْ قَالُوا؛ لِأَنَّ أَنْ قَالُوا بِمَعْنَى الْقَوْلِ وَالْمَقَالَةِ وَالْفِتْنَةِ. (رَبِّنَا) : يُقْرَأُ بِالْجَرِّ صِفَةً لِاسْمِ اللَّهِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي، وَهُوَ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ: مَا كُنَّا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ يَسْتَمِعُ) : وُحِّدَ الضَّمِيرُ فِي الْفِعْلِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ «مَنْ» وَمَا جَاءَ مِنْهُ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ، فَعَلَى مَعْنَى «مَنْ» ؛ نَحْوُ: (مَنْ يَسْتَمِعُونَ) [يُونُسَ: ٤٢] وَ (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٢].
(أَنْ يَفْقَهُوهُ) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ؛ أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ.
وَ (وَقْرًا) : مَعْطُوفٌ عَلَى أَكِنَّةٍ، وَلَا يُعَدُّ الْفَصْلُ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ بِالظَّرْفِ فَصْلًا؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ أَحَدُ الْمَفَاعِيلِ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ، وَوَحَّدَ الْوَقْرَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَقَدِ اسْتَوْفَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. (حَتَّى إِذَا) : إِذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِجَوَابِهَا، وَهُوَ يَقُولُ؛ وَلَيْسَ لِحَتَّى هُنَا عَمَلٌ، وَإِنَّمَا أَفَادَتْ مَعْنَى الْغَايَةِ، كَمَا لَا تَعْمَلُ فِي الْجُمَلِ. وَ (يُجَادِلُونَكَ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي جَاءُوكَ.
وَالْأَسَاطِيرُ جَمْعٌ، وَاخْتُلِفَ فِي وَاحِدِهِ، فَقِيلَ: هُوَ أُسْطُورَةٌ، وَقِيلَ: وَاحِدُهَا أَسْطَارٌ، وَالْأَسْطَارُ جَمْعُ سَطَرٍ بِتَحْرِيكِ الطَّاءِ، فَيَكُونُ أَسَاطِيرُ جَمْعَ الْجَمْعِ، فَأَمَّا سَطْرٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ فَجَمْعُهُ سُطُورٌ وَأَسْطُرٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (٢٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَنْأَوْنَ) : يُقْرَأُ بِسُكُونِ النُّونِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ، وَبِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى النُّونِ وَحَذْفِهَا، فَيَصِيرُ اللَّفْظُ بِهَا يُنَوَّنُ بِفَتْحِ النُّونِ، وَوَاوٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا. وَ (أَنْفُسَهُمْ) : مَفْعُولُ يُهْلِكُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ تَرَى) : جَوَابُ «لَوْ» مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: لَشَاهَدْتَ أَمْرًا عَظِيمًا.
وَوُقِفَ مُتَعَدٍّ، وَأُوقِفَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ، وَمِنْهُ وُقِفُوا، فَبِنَاؤُهُ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَمِنْهُ «وَقِفُوهُمْ». «وَلَا نُكَذِّبَ»، «وَنَكُونَ» : يُقْرَآنِ بِالرَّفْعِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نُرَدُّ، فَيَكُونُ عَدَمُ التَّكْذِيبِ وَالْكَوْنُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مُتَمَنَّيْنِ أَيْضًا كَالرَّدِّ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَنَحْنُ لَا نُكَذِّبُ، وَفِي الْمَعْنَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُتَمَنًّى أَيْضًا، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «نُرَدُّ».
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ ضَمِنُوا أَنْ لَا يَكْذِبُوا بَعْدَ الرَّدِّ، فَلَا يَكُونُ لِلْجُمْلَةِ مَوْضِعٌ، وَيُقْرَآنِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ التَّمَنِّي، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي التَّمَنِّي، وَالْوَاوُ فِي هَذَا كَالْفَاءِ.
وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ رَفَعَ الْأَوَّلَ، وَنَصَبَ الثَّانِيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ، وَوَجْهُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ هِيَ إِلَّا) : هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَيَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْقِصَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ) : أَيْ عَلَى سُؤَالِ رَبِّهِمْ، أَوْ عَلَى مُلْكِ رَبِّهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (٣١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَغْتَةً) : مَصْدَرٌ فِي وَضْعِ الْحَالِ؛ أَيْ: بَاغِتَةً.
وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: تَبْغَتُهُمْ بَغْتَةً.
وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ بِجَاءَتْهُمْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ.
(يَاحَسْرَتَنَا) : نِدَاءُ الْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ عَلَى الْمَجَازِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَا حَسْرَةً احْضُرِي؛ فَهَذَا أَوَانُكِ، وَالْمَعْنَى تَنْبِيهُ أَنْفُسِهِمْ لِتَذْكُرَ أَسْبَابَ الْحَسْرَةِ.
وَ (عَلَى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِالْحَسْرَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي «فِيهَا» يُعُودُ عَلَى السَّاعَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: فِي عَمَلِ السَّاعَةِ.
وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا صَرِيحُ ذِكْرٍ، وَلَكِنْ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا.
(أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) :«سَاءَ» بِمَعْنَى بِئْسَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِعْرَابُهُ فِي مَوَاضِعَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَاءَ عَلَى بَابِهَا، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَوْ بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَاعِلُ سَاءَ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا سَاءَهُمْ وِزْرُهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (٣٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) : يُقْرَأُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَرَفْعُ الْآخِرَةِ عَلَى الصِّفَةِ؛ وَالْخَبَرُ «خَيْرٌ».
وَيُقْرَأُ «وَلَدَارُ الْآخِرَةِ» عَلَى الْإِضَافَةِ؛ أَيْ: دَارُ السَّاعَةِ الْآخِرَةِ، وَلَيْسَتِ الدَّارُ مُضَافَةً إِلَى صِفَتِهَا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفُ فِي الْمَعْنَى، وَالشَّيْءُ لَا يُضَافُ إِلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ أَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ.
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ نَعْلَمُ) : أَيْ قَدْ عَلِمْنَا، فَالْمُسْتَقْبَلُ بِمَعْنَى الْمَاضِي.
(لَا يُكَذِّبُونَكَ) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَعْنَى لَا يَنْسِبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ؛ أَيْ: قَبْلَ دَعْوَاكَ النُّبُوَّةَ، بَلْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ، وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ فِي مَعْنَى الْمُشَدَّدِ، يُقَالُ أَكْذَبْتُهُ وَكَذَّبْتُهُ، إِذَا نَسَبْتُهُ إِلَى الْكَذِبِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجِدُونَكَ كَذَّابًا؛ يُقَالُ: أَكْذَبْتُهُ؛ إِذَا أَصَبْتُهُ كَذَلِكَ؛ كَقَوْلِكَ: أَحْمَدْتُهُ إِذَا أَصَبْتُهُ مَحْمُودًا. (بِآيَاتِ اللَّهِ) : الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِـ (يَجْحَدُونَ). وَقِيلَ: تَتَعَلَّقُ بِالظَّالِمِينَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا) [الْإِسْرَاءِ: ٥٩].
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ قَبْلِكَ) : لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِرُسُلٍ؛ لِأَنَّهُ زَمَانٌ؛ وَالْجَنَّةُ لَا تُوصَفُ بِالزَّمَانِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُذِّبَتْ. (وَأُوذُوا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى كُذِّبُوا، فَتَكُونُ «حَتَّى» مُتَعَلِّقَةً بِصَبَرُوا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ تَمَّ عَلَى كُذِّبُوا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، فَقَالَ: وَأُوذُوا، فَتَتَعَلَّقُ حَتَّى بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى. (
وَلَقَدْ جَاءَكَ) : فَاعِلُ جَاءَكَ مُضْمَرٌ فِيهِ. قِيلَ: الْمُضْمَرُ الْمَجِيءُ، وَقِيلَ: الْمُضْمَرُ النَّبَأُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الرُّسُلِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الرَّسُولِ الرِّسَالَةَ، وَهِيَ نَبَأٌ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ «مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ» حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ جِنْسِ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ.
وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ أَنْ تَكُونَ مِنْ زَائِدَةً، وَالْفَاعِلُ نَبَأُ الْمُرْسَلِينَ، وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ زِيَادَتَهَا فِي الْوَاجِبِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِفَةٍ لِمَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يُحْذَفُ وَحَرْفُ الْجَرِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ زَائِدًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ يُعَدِّي، وَكُلُّ فِعْلٍ يَعْمَلُ فِي الْفَاعِلِ بِغَيْرِ مُعَدٍّ، وَ (نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) : بِمَعْنَى إِنْبَائِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ) [هُودٍ: ١٢٠].
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (٣٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ) : جَوَابُ «إِنْ» هَذِهِ (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) ؛ فَالشَّرْطُ الثَّانِي جَوَابُ الْأَوَّلِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَافْعَلْ، وَحُذِفَ لِظُهُورِ مَعْنَاهُ وَطُولِ الْكَلَامِ. (فِي الْأَرْضِ) : صِفَةٌ لِنَفَقٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَبْتَغِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ؛ أَيْ: وَأَنْتَ فِي الْأَرْضِ، وَمِثْلُهُ: «فِي السَّمَاءِ».
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) : فِي الْمَوْتَى وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَيَبْعَثُ اللَّهُ الْمَوْتَى، وَهَذَا أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ قَدْ عُطِفَ عَلَى اسْمٍ عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ، وَيَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى يُجِيبُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (٣٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ رَبِّهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِآيَةٍ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِنُزِّلَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الْأَرْضِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِدَابَّةٍ، وَفِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لَهَا أَيْضًا عَلَى الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ. (وَلَا طَائِرٍ) : مَعْطُوفٌ عَلَى لَفْظِ دَابَّةٍ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِعِ. (بِجَنَاحَيْهِ) : يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِيَطِيرُ، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا، وَهُوَ تَوْكِيدٌ، وَفِيهِ رَفْعُ مَجَازٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الطَّائِرِ قَدْ يُقَالُ فِيهِ طَارَ إِذَا أَسْرَعَ. (مِنْ شَيْءٍ) :«مِنْ» زَائِدَةٌ؛ «وَشَيْءٌ» هُنَا وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ؛ أَيْ: تَفْرِيطًا، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَبْقَى فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْكِتَابَ يَحْتَوِي عَلَى ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ صَرِيحًا.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ (لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) : أَيْ ضَرَرًا وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ نَظَائِرَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «شَيْئًا» مَفْعُولًا بِهِ؛ لِأَنَّ فَرَّطْنَا لَا تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا بَلْ بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَقَدْ عُدِّيَتْ بِفِي إِلَى الْكِتَابِ فَلَا تَتَعَدَّى بِحَرْفٍ آخَرَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَا تَرَكْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى خِلَافِهِ؛ فَبَانَ أَنَّ التَّأْوِيلَ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) : مُبْتَدَأٌ، وَ (صُمٌّ وَبُكْمٌ) : الْخَبَرُ، مِثْلُ: حُلْوٌ حَامِضٌ، وَالْوَاوُ لَا تَمْنَعُ ذَلِكَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «صُمٌّ» خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: بَعْضُهُمْ صُمٌّ، وَبَعْضُهُمْ بُكْمٌ.
(فِي الظُّلُمَاتِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُقَدَّرِ فِي الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: ضَالُّونَ فِي الظُّلُمَاتِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الظُّلُمَاتِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: هُمْ فِي الظُّلُمَاتِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِبُكْمٍ؛ أَيْ: كَائِنُونَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِصُمٍّ أَوْ بُكْمٍ، أَوْ لِمَا يَنُوبُ عَنْهُمَا مِنَ الْفِعْلِ.
(مَنْ يَشَأِ اللَّهُ) : مَنْ فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ، وَالْجَوَابُ الْخَبَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ إِضْلَالَهُ أَوْ عَذَابَهُ، فَالْمَنْصُوبُ بِـ «يَشَأْ» مِنْ سَبَبِ «مَنْ»، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: مَنْ يُعَذِّبْ أَوْ مَنْ يُضْلِلْ، وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (٤٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) : يُقْرَأُ بِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ؛ فَتَنْفَتِحُ اللَّامُ، وَتُحْذَفُ الْهَمْزَةُ، وَهُوَ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّخْفِيفُ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّحْقِيقِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا الْهَمْزَةُ الَّتِي بَعْدَ الرَّاءِ فَتُحَقَّقُ عَلَى الْأَصْلِ، وَتَلِينُ لِلتَّخْفِيفِ، وَتُحْذَفُ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ تُقْلَبَ يَاءً، وَتُسَكَّنَ، ثُمَّ تُحْذَفَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، قَرَّبَ ذَلِكَ فِيهَا حَذْفُهَا فِي مُسْتَقْبَلِ هَذَا الْفِعْلِ.
فَأَمَّا مَفْعُولُ أَرَأَيْتَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَحْذُوفٌ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ؛ تَقْدِيرُهُ: أَرَأَيْتَكُمْ عِبَادَتَكُمُ الْأَصْنَامَ، هَلْ تَنْفَعُكُمْ عِنْدَ مَجِيءِ السَّاعَةِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ».
وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَحْتَاجُ هَذَا إِلَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ قَدْ حَصَّلَ مَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَأَمَّا جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: «إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ» فَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: «أَغَيْرَ اللَّهِ» تَقْدِيرُهُ: إِنْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ دَعَوْتُمُ اللَّهَ.
«وَغَيْرَ» مَنْصُوبٌ بِـ: «تَدْعُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (٤١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْ إِيَّاهُ) : هُوَ مَفْعُولُ «تَدْعُونَ» الَّذِي بَعْدَهُ.
(إِلَيْهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَدْعُونَ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِيَكْشِفُ؛ أَيْ: يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ.
وَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَلَيْسَتْ مَصْدَرِيَّةً إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهَا مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) : فَعْلَاءُ فِيهِمَا مُؤَنَّثٌ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْهُ مُذَكَّرٌ، لَمْ يَقُولُوا: بَأْسٌ وَبَأْسَاءٌ، وَضُرٌّ وَضَرَّاءُ، كَمَا قَالُوا: أَحْمَرُ وَحَمْرَاءُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَوْلَا إِذْ) :«إِذْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبِ ظَرْفٍ لِـ «تَضَرَّعُوا» ؛ أَيْ: فَلَوْلَا تَضَرَّعُوا إِذْ. (وَلَكِنْ) : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ: مَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَغْتَةً) : مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ؛ أَيْ: مُبَاغِتِينَ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ مَبْغُوتِينَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ أَخَذْنَاهُمْ بِمَعْنَى بَغَتْنَاهُمْ.
(فَإِذَا هُمْ) : إِذَا هُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ، وَهِيَ ظَرْفُ مَكَانٍ، وَهُمْ مُبْتَدَأٌ، وَ (مُبْلِسُونَ) : خَبَرُهُ، وَهُوَ الْعَامِلُ فِي إِذَا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (٤٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ) : قَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ فِي إِفْرَادِ السَّمْعِ مَعَ جَمْعِ الْأَبْصَارِ وَالْقُلُوبِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. (مَنْ) : اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ: (إِلَهٌ) : خَبَرُهُ، وَ (غَيْرُ اللَّهِ) : صِفَةُ الْخَبَرِ. وَ (يَأْتِيَكُمُ) : فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ أَيْضًا، وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ.
وَالْهَاءُ فِي «بِهِ» تَعُودُ عَلَى السَّمْعِ، لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا. وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْمَأْخُوذِ وَالْمَحْتُومِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ أُفْرِدَ. «كَيْفَ» حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا «نُصَرِّفُ».
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَلْ يُهْلَكُ) : الِاسْتِفْهَامُ هُنَا بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ، فَلِذَلِكَ نَابَ عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ؛ أَيْ: إِنْ أَتَاكُمْ هَلَكْتُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) : حَالَانِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
(فَمَنْ آمَنَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَهِيَ مُبْتَدَأٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ عَلَى نَظَائِرِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (٤٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ؛ أَيْ: بِفِسْقِهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْغَدَاةِ) : أَصْلُهَا غَدْوَةٌ، فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهِيَ نَكِرَةٌ، وَيُقْرَأُ «بِالْغُدْوَةِ» بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَوَاوٌ بَعْدَهَا، وَقَدْ عَرَّفَهَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ مَعْرِفَةً عَلَمًا، وَقَدْ عَرَّفَهَا هُنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.
وَأَمَّا (الْعَشِيُّ) : فَقِيلَ: هُوَ مُفْرَدٌ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ عَشِيَّةٍ.
وَ (يُرِيدُونَ) : حَالٌ. (
مِنْ شَيْءٍ) : مِنْ زَائِدَةٌ، وَمَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَعَلَيْكَ الْخَبَرُ، وَمِنْ حِسَابِهِمْ صِفَةٌ لِشَيْءٍ، قَدَّمَ عَلَيْهِ فَصَارَ حَالًا، وَكَذَلِكَ الَّذِي بَعْدَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ «مِنْ حِسَابِكَ» عَلَى عَلَيْهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مِنْ حِسَابِهِمْ، وَعَلَيْكَ صِفَةٌ لِشَيْءِ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ.
(فَتَطْرُدَهُمْ) : جَوَابٌ لِمَا النَّافِيَةِ، فَلِذَلِكَ نُصِبَ.
(فَتَكُونَ) : جَوَابُ النَّهْيِ؛ وَهُوَ «لَا تَطْرُدْ».
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيَقُولُوا) اللَّامُ: مُتَعَلِّقَةٌ بِفَتَنَّا؛ أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُمْ لِيَقُولُوا، فَنُعَاقِبُهُمْ بِقَوْلِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَامَ الْعَاقِبَةِ.
وَ (هَؤُلَاءِ) : مُبْتَدَأٌ. وَ (مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) : الْخَبَرُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْقَوْلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ فَسَّرَهُ مَا بَعْدَهُ تَقْدِيرُهُ: أَخُصُّ هَؤُلَاءِ، أَوْ فَضَّلَ. وَ (مِنْ) : مُتَعَلِّقَةٌ بِمَنَّ؛ أَيْ: مَيَّزَهُمْ عَلَيْنَا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ عَلَيْهِمْ مُنْفَرِدِينَ.
(بِالشَّاكِرِينَ) : يَتَعَلَّقُ بِأَعْلَمَ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ، وَالظَّرْفُ يَعْمَلُ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْمَفْعُولِ؛ فَإِنَّ أَفْعَلَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا جَاءَكَ) : الْعَامِلُ فِي إِذَا مَعْنَى الْجَوَابِ؛ أَيْ: إِذَا جَاءَكَ سَلِّمْ عَلَيْهِمْ. وَ (سْلَامٌ) : مُبْتَدَأٌ، وَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ.
وَالْوَجْهُ أَنْ تَكُونَ «أَنَّ» خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: فَشَأْنُهُ أَنَّهُ غَفُورٌ لَهُ، أَوْ يَكُونُ الْمَحْذُوفُ ظَرْفًا؛ أَيْ: عَلَيْهِ أَنَّهُ، فَتَكُونُ أَنَّ إِمَّا مُبْتَدَأً، وَإِمَّا فَاعِلًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ) : الْكَافُ وَصْفٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: نُفَصِّلُ الْآيَاتِ تَفْصِيلًا
مِثْلُ ذَلِكَ: «وَلِيَسْتَبِينَ» : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ، وَ «سَبِيلُ» فَاعِلٌ؛ أَيْ: «يَتَبَيَّنَ»، وَذَكَرَ السَّبِيلَ، وَهُوَ لُغَةٌ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) [الْأَعْرَافِ: ١٤٦].
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّ تَأْنِيثَ السَّبِيلِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ، وَالسَّبِيلُ فَاعِلٌ مُؤَنَّثٌ، وَهُوَ لُغَةٌ فِيهِ، وَمِنْهُ (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) [يُوسُفَ: ١٠٨].
وَيُقْرَأُ بِنَصْبِ السَّبِيلِ، وَالْفَاعِلُ الْمُخَاطَبُ، وَاللَّامُ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ؛ أَيْ: لِتَسْتَبِينَ فَصَّلْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (٥٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَّبْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا، وَقَدْ مَعَهُ مُرَادَةٌ، وَالْهَاءُ فِي «بِهِ» يَعُودُ عَلَى رَبِّي.
وَيَجُوزُ أَنْ تَعُودَ عَلَى مَعْنَى الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبُرْهَانِ، وَالدَّلِيلِ.
(يَقْضِي الْحَقَّ) : يُقْرَأُ بِالضَّادِ مِنَ الْقَضَاءِ، وَبِالصَّادِ مِنَ الْقَصَصِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِخَاتِمَةِ الْآيَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (٥٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَفَاتِحُ) : هُوَ جَمْعُ مَفْتَحٍ، وَالْمَفْتَحُ الْخِزَانَةُ؛ فَأَمَّا مَا يُفْتَحُ بِهِ فَهُوَ مِفْتَاحٌ، وَجَمْعُهُ مَفَاتِيحُ، وَقَدْ قِيلَ: مِفْتَحٌ أَيْضًا.
(لَا يَعْلَمُهَا) : حَالٌ مِنْ مَفَاتِحَ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَا تَعَلَّقَ بِهِ الظَّرْفُ، أَوْ نَفْسُ الظَّرْفِ، إِنْ رُفِعَتْ بِهِ مَفَاتِحُ. وَ (مِنْ وَرَقَةٍ) : فَاعِلٌ. (وَلَا حَبَّةٍ) : مَعْطُوفٌ عَلَى لَفْظِ وَرَقَةٍ، وَلَوْ رُفِعَ عَلَى الْمَوْضِعِ جَازَ.
(وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ) : مِثْلُهُ. وَقَدْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِعِ.
(إِلَّا فِي كِتَابٍ) : أَيْ إِلَّا هُوَ فِي كِتَابٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً يَعْمَلُ فِيهِ «يَعْلَمُهَا» لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا إِلَّا فِي كِتَابٍ، فَيَنْقَلِبُ مَعْنَاهُ إِلَى الْإِثْبَاتِ؛ أَيْ: لَا يَعْلَمُهَا فِي كِتَابٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي كِتَابٍ، وَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهَا فِي الْكِتَابِ، فَإِذًا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي بَدَلًا مِنَ الْأَوَّلِ؛ أَيْ: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا هِيَ فِي كِتَابٍ وَمَا يَعْلَمُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِاللَّيْلِ) : الْبَاءُ هُنَا بِمَعْنَى فِي، وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، وَالْمُلَاصِقُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ حَاصِلٌ فِيهِمَا.
(لِيُقْضَى أَجَلٌ) : عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَيُقْرَأُ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَأَجَلًا نُصِبَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) (٦١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ) : يَحْتَمِلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ «يَتَوَفَّاكُمْ» وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُضَارَعَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْقَاهِرِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ فِي مَعْنَى يَفْعَلُ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: الطَّائِرُ الذُّبَابُ فَيَغْضَبُ زَيْدٌ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَهُوَ يُرْسِلُ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا، إِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْقَاهِرِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، وَعَلَيْكُمْ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بَيُرْسِلُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي نِيَّةِ التَّأْخِيرِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ «حَفَظَةً» وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: يُرْسِلُ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِحَفَظَةٍ قُدِّمَتْ فَصَارَ حَالًا.
(تَوَفَّتْهُ) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى تَأْنِيثِ الْجَمَاعَةِ، وَبِأَلِفٍ مُمَالَةٍ عَلَى إِرَادَةِ الْجَمْعِ.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا: «تَتَوَفَّاهُ» عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. (
يُفَرِّطُونَ) : بِالتَّشْدِيدِ؛ أَيْ: يَنْقُصُونَ مِمَّا أُمِرُوا.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِالتَّخْفِيفِ؛ أَيْ: يَزِيدُونَ عَلَى مَا أُمِرُوا.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (٦٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ رُدُّوا) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِّ الْأُولَى مَحْذُوفَةٌ؛ لِيَصْلُحَ الْإِدْغَامُ، وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى نَقْلِ كَسْرَةِ الدَّالِ الْأُولَى إِلَى الرَّاءِ.
(مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ) : صِفَتَانِ، وَقُرِئَ الْحَقَّ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيِ: الرَّدَّ الْحَقَّ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُنَجِّيكُمْ) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، وَالْمَاضِي أَنْجَا وَنَجَّى، وَالْهَمْزَةُ وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّعْدِيَةِ.
(تَدْعُونَهُ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي «يُنَجِّيكُمْ».
(تَضَرُّعًا) : مَصْدَرٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ تَدْعُونَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ «خُفْيَةً».
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقُرِئَ «وَخِيفَةً»، مِنَ الْخَوْفِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً) [الْأَعْرَافِ: ٢٠٥]. (لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا) : عَلَى الْخِطَابِ؛ أَيْ: يَقُولُونَ: لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا.
وَيُقْرَأُ (لَئِنْ أَنْجَانَا) عَلَى الْغَيْبَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ يَدْعُونَهُ.
(مِنْ هَذِهِ) : أَيْ مِنْ هَذِهِ الظُّلْمَةِ وَالْكُرْبَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ فَوْقِكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلْعَذَابِ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِيَبْعَثَ، وَكَذَلِكَ (مِنْ تَحْتِ). (أَوْ يَلْبِسَكُمْ) : الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ؛ أَيْ: يَلْبِسَ عَلَيْكُمْ أُمُورَكُمْ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ وَالْمَفْعُولِ، وَالْجَيِّدُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: يَلْبِسَ أُمُورَكُمْ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ؛ أَيْ: يَعُمَّكُمْ بِالِاخْتِلَافِ.
وَ (شِيَعًا) : جَمْعُ شِيعَةٍ، وَهُوَ حَالٌ.
وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ «يَلْبِسَكُمْ» مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ.
وَيَجُوزُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْضًا؛ أَيْ: مُخْتَلِفِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَسْتُ عَلَيْكُمْ) : عَلَى مُتَعَلِّقٌ بِـ «وَكِيلٍ».
وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «وَكِيلٍ» عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ تَقْدِيمَ الْحَالِ عَلَى حَرْفِ الْجَرِّ.
قَالَ تَعَالَى: (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٦٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُسْتَقَرٌّ) : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ الظَّرْفُ قَبْلَهُ، أَوْ فَاعِلٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الظَّرْفُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَكَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (غَيْرِهِ) : إِنَّمَا ذَكَرَ الْهَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهَا عَلَى مَعْنَى الْآيَاتِ؛ لِأَنَّهَا حَدِيثٌ
وَقُرْآنٌ (يُنْسِيَنَّكَ) : يُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَمَاضِيهِ نَسِيَ وَأَنْسَى، وَالْهَمْزَةُ وَالتَّشْدِيدُ لِتَعْدِيَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَهُوَ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: يُنْسِينَّكَ الذِّكْرَ أَوِ الْحَقَّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٦٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ شَيْءٍ) : مِنْ زَائِدَةٌ، وَمِنْ حِسَابِهِمْ حَالٌ، وَالتَّقْدِيرُ: شَيْءٌ مِنْ حِسَابِهِمْ. (وَلَكِنْ ذِكْرَى) : أَيْ: وَلَكِنْ نُذَكِّرُهُمْ ذِكْرَى، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ أَيْ هَذَا ذِكْرَى أَوْ عَلَيْهِمْ ذِكْرَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تُبْسَلَ) : مَفْعُولٌ لَهُ؛ أَيْ: مَخَافَةَ أَنْ تُبْسَلَ. (لَيْسَ لَهَا) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِنَفْسٍ، وَأَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ حَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ فِي كَسَبَتْ، وَأَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً. (
مِنْ دُونِ اللَّهِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: لَيْسَ لَهَا وَلِيٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِنْ دُونِ اللَّهِ» خَبَرُ لَيْسَ، وَلَهَا تَبْيِينٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثَالَهُ.
(كُلَّ عَدْلٍ) : انْتِصَابُ «كُلَّ» عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ.
(أُولَئِكَ الَّذِينَ) : جَمْعٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَأُولَئِكَ مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِينَ أُبْسِلُوا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ (لَهُمْ شَرَابٌ) فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أُبْسِلُوا. وَالثَّانِي: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ..
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ لَهُمْ شَرَابٌ، وَالَّذِينَ أُبْسِلُوا بَدَلٌ مِنْ أُولَئِكَ أَوْ نَعْتٌ، أَوْ يَكُونَ خَبَرًا أَيْضًا، وَلَهُمْ شَرَابٌ خَبَرًا ثَانِيًا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (٧١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَدْعُو) : الِاسْتِفْهَامُ بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ.
وَ
(مَا) : بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. وَ (مِنْ دُونِ اللَّهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِنَدْعُو، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي (يَنْفَعُنَا)، وَلَا مَفْعُولًا لِيَنْفَعُنَا، لِتَقَدُّمِهِ عَلَى «مَا» وَالصِّلَةُ وَالصِّفَةُ لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَ الْمَوْصُولِ وَالْمَوْصُوفِ. (وَنُرَدُّ) : مَعْطُوفٌ عَلَى نَدْعُو، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: وَنَحْنُ نُرَدُّ.
وَ (عَلَى أَعْقَابِنَا) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي نُرَدُّ؛ أَيْ: نُرَدُّ مُنْقَلِبِينَ، أَوْ مُتَأَخِّرِينَ.
(كَالَّذِي) : فِي الْكَافِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي نُرَدُّ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ: «عَلَى أَعْقَابِنَا» ؛ أَيْ: مُشْبِهِينَ لِلَّذِي «اسْتَهْوَتْهُ». وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: رَدًّا مِثْلَ رَدِّ الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ.
507
يُقْرَأُ اسْتَهْوَتْهُ، وَاسْتَهْوَاهُ مِثْلُ تَوَفَّتْهُ، وَتَوَفَّاهُ. وَقَدْ ذُكِرَ.
وَ «الَّذِي» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مُفْرَدًا؛ أَيْ: كَالرَّجُلِ الَّذِي، أَوْ كَالْفَرِيقِ الَّذِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا، وَالْمُرَادُ الَّذِينَ. (فِي الْأَرْضِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِاسْتَهْوَتْهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «حَيْرَانَ» ؛ أَيْ: حَيْرَانَ كَائِنًا فِي الْأَرْضِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي حَيْرَانَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي اسْتَهْوَتْهُ.
وَ (حَيْرَانَ) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ؛ لِأَنَّ مُؤَنَّثَهُ حَيْرَى. (لَهُ أَصْحَابٌ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي حَيْرَانَ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، أَوْ بَدَلًا مِنَ الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(ائْتِنَا) : أَيْ: يَقُولُونَ ائْتِنَا. (لِنُسْلِمَ) : أَيْ أُمِرْنَا بِذَلِكَ لِنُسْلِمَ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ؛ أَيْ: أَنْ نُسْلِمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٧٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ) : أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى لِنُسْلِمَ، وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ)، وَالتَّقْدِيرُ: وَقُلْ أَنْ أَقِيمُوا، وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ: قِيلَ: لَنَا أَسْلِمُوا وَأَنْ أَقِيمُوا.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (٧٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَقُولُ) : فِيهِ جُمْلَةُ أَوْجُهٍ:
508
يُقْرَأُ اسْتَهْوَتْهُ، وَاسْتَهْوَاهُ مِثْلُ تَوَفَّتْهُ، وَتَوَفَّاهُ. وَقَدْ ذُكِرَ.
وَ «الَّذِي» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مُفْرَدًا؛ أَيْ: كَالرَّجُلِ الَّذِي، أَوْ كَالْفَرِيقِ الَّذِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا، وَالْمُرَادُ الَّذِينَ. (فِي الْأَرْضِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِاسْتَهْوَتْهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «حَيْرَانَ» ؛ أَيْ: حَيْرَانَ كَائِنًا فِي الْأَرْضِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي حَيْرَانَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي اسْتَهْوَتْهُ.
وَ (حَيْرَانَ) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ؛ لِأَنَّ مُؤَنَّثَهُ حَيْرَى. (لَهُ أَصْحَابٌ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي حَيْرَانَ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، أَوْ بَدَلًا مِنَ الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(ائْتِنَا) : أَيْ: يَقُولُونَ ائْتِنَا. (لِنُسْلِمَ) : أَيْ أُمِرْنَا بِذَلِكَ لِنُسْلِمَ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ؛ أَيْ: أَنْ نُسْلِمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٧٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ) : أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى لِنُسْلِمَ، وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ)، وَالتَّقْدِيرُ: وَقُلْ أَنْ أَقِيمُوا، وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ: قِيلَ: لَنَا أَسْلِمُوا وَأَنْ أَقِيمُوا.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (٧٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَقُولُ) : فِيهِ جُمْلَةُ أَوْجُهٍ:
وَقُرِئَ بِالْجَرِّ بَدَلًا مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ مِنَ الْهَاءِ فِي لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (٧٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ) : إِذْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَاذْكُرُوا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَقِيمُوا. وَ (آزَرَ) : يُقْرَأُ بِالْمَدِّ، وَوَزْنُهُ «أَفْعَلَ»، وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْتَقَّهُ مِنَ الْأَزْرِ أَوِ الْوِزْرِ، وَمَنِ اشْتَقَّهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ: هُوَ عَرَبِيٌّ، وَلَمْ يَصْرِفْهُ لِلتَّعْرِيفِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَبِيهِ، وَبِالضَّمِّ عَلَى النِّدَاءِ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتَنْوِينِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ، وَالْأَزْرُ الْخَلْقُ مِثْلَ الْأَسْرِ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ فَاءُ الْكَلِمَةِ، وَلَيْسَتْ بَدَلًا، وَمَعْنَاهَا النَّقْلُ.
وَالثَّانِي: هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، قَالَ: وَأَصْلُهَا وَزَرَ؛ كَمَا قَالُوا وِعَاءٌ وَإِعَاءٌ، وَوِسَادَةٌ وَإِسَادَةٌ. وَالْهَمْزَةُ الْأُولَى عَلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ لِلِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، وَلَا هَمْزَةَ فِي تَتَّخِذُ، وَفِي انْتِصَابِهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ؛ أَيْ: لِتَحَيُّرِكَ، وَاعْوِجَاجِ دِينِكَ تَتَّخِذُ.
وَالثَّانِي: هُوَ صِفَةٌ لِأَصْنَامٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعَامِلِ فِيهَا فَصَارَتْ حَالًا؛ أَيْ: أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا مَلْعُونَةً أَوْ مُعْوَجَّةً. وَ (أَصْنَامًا) : مَفْعُولٌ أَوَّلٌ.
وَ (آلِهَةً) : ثَانٍ. وَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ نَكِرَةً لِحُصُولِ الْفَائِدَةِ مِنَ الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ يَسْهُلُ فِي الْمَفَاعِيلِ مَا لَا يَسْهُلُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٧٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ) : فِي مَوْضِعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ نَصْبٌ عَلَى إِضْمَارِ وَأَرَيْنَاهُ، تَقْدِيرُهُ: وَكَمَا رَأَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أَرَيْنَاهُ ذَلِكَ؛ أَيْ: مَا رَآهُ صَوَابًا بِإِطْلَاعِنَا إِيَّاهُ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِـ «نَرَى» الَّتِي بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: نُرِيهِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رُؤْيَةً كَرُؤْيَتِهِ ضَلَالَ أَبِيهِ.
وَقِيلَ: الْكَافُ بِمَعْنَى اللَّامِ؛ أَيْ: وَلِذَلِكَ نُرِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: كَمَا رَآهُ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِيَكُونَ) : أَيْ: وَلِيَكُونَ «مِنَ الْمُوقِنِينَ» أَرَيْنَاهُ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لِيَسْتَدِلَّ وَلِيَكُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٧٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَأَى كَوْكَبًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ وَالتَّفْخِيمِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِالْإِمَالَةِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ؛ كَقَوْلِكَ رَأَيْتُ رُؤْيَةً، وَيُقْرَأُ بِجَعْلِ الْهَمْزَتَيْنِ بَيْنَ بَيْنَ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْإِمَالَةِ.
وَيُقْرَأُ بِجَعْلِ الرَّاءِ كَذَلِكَ، إِتْبَاعًا لِلْهَمْزَةِ، وَيُقْرَأُ بِكَسْرِهِمَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَسَرَ الْهَمْزَةَ لِلْإِمَالَةِ، ثُمَّ أَتْبَعُهَا الرَّاءَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَصْلَ الْهَمْزَةِ الْكَسْرُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ: يَرَى؛ أَيْ: يَرْأَى، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ كَمَا تَقُولُ: وَسِعَ يَسَعُ، ثُمَّ كُسِرَ الْحَرْفُ الْأَوَّلُ فِي الْمَاضِي إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ الْهَمْزَةِ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَلِفَ سَاكِنٌ مِثْلُ: رَأَى الشَّمْسَ، فَقَدْ قُرِئَ بِفَتْحِهِمَا عَلَى الْأَصْلِ، وَبِكَسْرِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَبِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ سَقَطَتْ مِنَ اللَّفْظِ؛ لِأَجْلِ السَّاكِنِ بَعْدَهَا، وَالْمَحْذُوفُ هُنَا فِي تَقْدِيرِ الثَّابِتِ، وَكَانَ كَسْرُ الرَّاءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ كَسْرُ الْهَمْزَةِ، وَأَنَّ فَتْحَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْأَلِفِ الْمَحْذُوفَةِ.
(هَذَا رَبِّي) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ تَقْدِيرُهُ: أَهَذَا رَبِّي؟ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْخَبَرِ؛ أَيْ: هُوَ غَيْرُ اسْتِفْهَامٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٧٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَازِغَةً) : هُوَ حَالٌ مِنَ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا قَالَ لِلشَّمْسِ هَذَا عَلَى التَّذْكِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْكَوْكَبَ، أَوِ الطَّالِعَ، أَوِ الشَّخْصَ، أَوِ الضَّوْءَ، أَوِ الشَّيْءَ، أَوْ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ) : أَوْ لِعِبَادَتِهِ أَوْ لِرِضَاهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) (٨٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتُحَاجُّونِّي) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى إِدْغَامِ نُونِ الرَّفْعِ فِي نُونِ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «عِلْمًا» عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: مَصْدَرًا لِمَعْنَى وَسِعَ؛ لِأَنَّ مَا يَسَعُ الشَّيْءَ فَقَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ مُحِيطٌ بِعِلْمِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَيْفَ أَخَافُ) : كَيْفَ حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا أَخَافُ، وَقَدْ ذُكِرَ.
وَ (مَا أَشْرَكْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَالْعَائِدُ
مَحْذُوفٌ؛ وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً. (مَا لَمْ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي؛، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَشْرَكْتُمْ.
وَ (عَلَيْكُمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِـ «يُنَزِّلْ». وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ سُلْطَانٍ؛ أَيْ: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ حُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَالسُّلْطَانُ مِثْلُ الرِّضْوَانِ وَالْكُفْرَانِ. وَقَدْ قُرِئَ بِضَمِّ اللَّامِ، وَهِيَ لُغَةٌ أُتْبِعَ فِيهَا الضَّمُّ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: هُمُ الَّذِينَ. وَالثَّانِي: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَ (أُولَئِكَ) : بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ.
(لَهُمُ الْأَمْنُ) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْنُ مَرْفُوعًا بِالْجَارِّ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٨٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتِلْكَ) : هُوَ مُبْتَدَأٌ. وَفِي (حُجَّتُنَا) : وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ بَدَلٌ مِنْ تِلْكَ.
وَفِي (آتَيْنَاهَا) : وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ. وَ (عَلَى قَوْمِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ؛ أَيْ: آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ حُجَّةً عَلَى قَوْمِهِ، أَوْ دَلِيلًا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حُجَّتُنَا خَبَرَ تِلْكَ، وَآتَيْنَاهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْحُجَّةِ، وَالْعَامِلُ مَعْنَى الْإِشَارَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَى بِحُجَّتِنَا؛ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ، وَآتَيْنَاهَا خَبَرٌ، أَوْ حَالٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ الْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ.
(نَرْفَعُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ «آتَيْنَاهَا»، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَيُقْرَأُ بِالنُّونِ وَالْيَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي نَشَاءُ، وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ.
(دَرَجَاتٍ) : يُقْرَأُ بِالْإِضَافَةِ، وَهُوَ مَفْعُولُ نَرْفَعُ، وَرَفْعُ دَرَجَةِ الْإِنْسَانِ رَفْعٌ لَهُ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ. وَ (مَنْ) : عَلَى هَذَا مَفْعُولُ نَرْفَعُ، وَ «دَرَجَاتٍ» ظَرْفٌ، أَوْ حَرْفُ الْجَرِّ مَحْذُوفٌ مِنْهَا؛ أَيْ: إِلَى دَرَجَاتٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (٨٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلًّا هَدَيْنَا) : كُلًّا مَنْصُوبٌ بِهَدَيْنَا، وَالتَّقْدِيرُ: كُلًّا مِنْهُمَا.
(وَنُوحًا هَدَيْنَا) : أَيْ وَهَدَيْنَا نُوحًا، وَالْهَاءُ فِي (ذُرِّيَّتِهِ) تَعُودُ عَلَى نُوحٍ، وَالْمَذْكُورُونَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذُرِّيَّةُ نُوحٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَهَدَيْنَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هَؤُلَاءِ.
وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ لُوطًا، وَلَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ.
(وَكَذَلِكَ نَجْزِي) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَنَجْزِي الْمُحْسِنِينَ جَزَاءً مِثْلَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا (عِيسَى) : فَقِيلَ: هُوَ أَعْجَمِيٌّ لَا يُعْرَفُ لَهُ اشْتِقَاقٌ، وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الَعَيَسِ وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَقِيلَ: مِنَ الْعَيْسِ، وَهُوَ مَاءُ الْفَحْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ عَاسَ يَعُوسُ إِذَا أَصْلَحَ؛ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْيَاءُ مُنْقَلِبَةً عَنْ وَاوٍ.
وَأَمَّا «الْيَسَعُ» فَيُقْرَأُ بِلَامٍ سَاكِنَةٍ خَفِيفَةٍ، وَيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ عَلَمٌ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ زَائِدَةٌ، كَمَا زِيدَتْ فِي النَّسْرِ، وَهُوَ الصَّنَمُ؛ لِأَنَّهُ صَنَمٌ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي عُمَرَ وَالْعُمَرِ، وَكَذَلِكَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَهُوَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ سُمِّي بِهِ، وَلَا ضَمِيرَ فِيهِ، فَأُعْرِبَ ثُمَّ نُكِّرَ، ثُمَّ عُرِفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ؛ وَقِيلَ: اللَّامُ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ أَيْضًا.
وَيَسَعُ: أَصْلُهُ يُوسِعُ بِكَسْرِ السِّينِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْوَاوُ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ، ثُمَّ فُتِحَتِ السِّينُ مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ، وَلَمْ تَرِدِ الْوَاوُ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَةَ عَارِضَةٌ. وَمِثْلُهُ يَطَأُ، وَيَقَعُ، وَيَدَعُ. (وَكُلًّا) : مَنْصُوبٌ بِفَضَّلْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٨٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنْ آبَائِهِمْ) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «وَكُلًّا» ؛ أَيْ: وَفَضَّلْنَا كُلًّا مِنْ آبَائِهِمْ، أَوْ وَهَدَيْنَا كُلًّا مِنْ آبَائِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) (٨٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ (هُدَى اللَّهِ) : خَبَرُهُ. وَ (يَهْدِي بِهِ) : حَالٌ مِنَ الْهُدَى، وَالْعَامِلُ فِيهِ الْإِشَارَةُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُدَى اللَّهِ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، وَ «يَهْدِي بِهِ» الْخَبَرُ.
وَ (مِنْ عِبَادِهِ) : حَالٌ مِنْ «مَنْ» أَوْ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ.
وَالْبَاءُ فِي «بِهَا» الْأَخِيرَةِ تَتَعَلَّقُ بِـ «كَافِرِينَ» وَالْبَاءُ فِي بِكَافِرِينَ زَائِدَةٌ؛ أَيْ: لَيْسُوا كَافِرِينَ بِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (٩٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اقْتَدِهِ) : يُقْرَأُ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَإِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْفِ دُونَ الْوَصْلِ، وَهِيَ عَلَى هَذَا هَاءُ السَّكْتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهَا فِي الْوَصْلِ أَيْضًا، لِشَبَهِهَا بِهَاءِ الْإِضْمَارِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ هَاءُ السَّكْتِ أَيْضًا شُبِّهَتْ بِهَاءِ الضَّمِيرِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَالثَّانِي: هِيَ هَاءُ الضَّمِيرِ وَالْمُضْمَرُ الْمَصْدَرُ؛ أَيِ: اقْتَدِ الِاقْتِدَاءَ وَمِثْلُهُ: هَذَا سُرَاقَةُ لِلْقُرْآنِ يَدْرُسُهُ وَالْمَرْءُ عِنْدَ الرُّشَا إِنْ يَلْقَهَا ذِيبُ.
فَالْهَاءُ ضَمِيرُ الدَّرْسِ لَا مَفْعُولٌ؛ لِأَنَّ يَدْرُسُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى الْقُرْآنِ.
وَقِيلَ: مَنْ سَكَّنَ الْهَاءَ جَعَلَهَا هَاءَ الضَّمِيرِ، وَأَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَالْهَاءُ فِي (عَلَيْهِ) ضَمِيرُ الْقُرْآنِ وَالتَّبْلِيغِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَقَّ قَدْرِهِ) : حَقَّ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ؛ أَيْ: قَدْرِهِ الْحَقِّ، وَوَصْفُ الْمَصْدَرِ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ يَنْتَصِبُ نَصْبَ الْمَصْدَرِ.
وَيُقْرَأُ (قَدْرِهِ) : بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا. وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لَقَدَرُوا. وَ (مِنْ شَيْءٍ) : مَفْعُولُ أَنْزَلَ، وَمِنْ زَائِدَةٌ.
(نُورًا) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي «بِهِ» أَوْ مِنَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا. وَ (تَجْعَلُونَهُ) : مُسْتَأْنَفٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَ (قَرَاطِيسَ) : أَيْ: فِي قَرَاطِيسَ، وَقِيلَ: ذَا قَرَاطِيسَ.
وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَةَ الْقَرَاطِيسِ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ.
وَ (تُبْدُونَهَا) : وَصْفٌ لِلْقَرَاطِيسِ. «وَتُخْفُونَ» كَذَلِكَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَتُخْفُونَ كَثِيرًا مِنْهَا.
وَيُقْرَأُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ حَمْلًا عَلَى مَا قَبْلَهَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَبِالتَّاءِ عَلَى
518
الْخِطَابِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: «وَعُلِّمْتُمْ» ؛ أَيْ: وَقَدْ عُلِّمْتُمْ. وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَجْعَلُونَهُ عَلَى قِرَاءَةِ التَّاءِ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعُلِّمْتُمْ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ رَجَعَ مَعَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ. وَ (قُلِ اللَّهُ) : جَوَابُ «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ» وَارْتِفَاعُهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هُوَ اللَّهُ، أَوِ الْمُنْزِلُ اللَّهُ، أَوِ اللَّهُ أَنْزَلَهُ.
(فِي خَوْضِهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَرْهُمْ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: ذَرْهُمْ خَائِضِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ «يَلْعَبُونَ».
(وَيَلْعَبُونَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِي ذَرْهُمْ، إِذَا لَمْ يُجْعَلْ فِي خَوْضِهِمْ حَالًا مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ حَالًا مِنْهُ كَانَ الْحَالُ الثَّانِيَةُ مِنْ ضَمِيرِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْحَالِ الْأُولَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي خَوْضِهِمْ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ الْمَصْدَرَ، وَالْمَجْرُورُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (٩٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْزَلْنَاهُ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِكِتَابٍ. وَ (مُبَارَكٌ) : صِفَةٌ أُخْرَى، وَقَدْ قُدِّمَ الْوَصْفُ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ. وَ (مُصَدِّقُ الَّذِي) : التَّنْوِينُ فِي تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ غَيْرُ مَحْضَةٍ.
(وَلِتُنْذِرَ) : بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْيَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ
519
الْخِطَابِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: «وَعُلِّمْتُمْ» ؛ أَيْ: وَقَدْ عُلِّمْتُمْ. وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَجْعَلُونَهُ عَلَى قِرَاءَةِ التَّاءِ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعُلِّمْتُمْ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ رَجَعَ مَعَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ. وَ (قُلِ اللَّهُ) : جَوَابُ «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ» وَارْتِفَاعُهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هُوَ اللَّهُ، أَوِ الْمُنْزِلُ اللَّهُ، أَوِ اللَّهُ أَنْزَلَهُ.
(فِي خَوْضِهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَرْهُمْ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: ذَرْهُمْ خَائِضِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ «يَلْعَبُونَ».
(وَيَلْعَبُونَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِي ذَرْهُمْ، إِذَا لَمْ يُجْعَلْ فِي خَوْضِهِمْ حَالًا مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ حَالًا مِنْهُ كَانَ الْحَالُ الثَّانِيَةُ مِنْ ضَمِيرِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْحَالِ الْأُولَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي خَوْضِهِمْ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ الْمَصْدَرَ، وَالْمَجْرُورُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (٩٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْزَلْنَاهُ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِكِتَابٍ. وَ (مُبَارَكٌ) : صِفَةٌ أُخْرَى، وَقَدْ قُدِّمَ الْوَصْفُ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ. وَ (مُصَدِّقُ الَّذِي) : التَّنْوِينُ فِي تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ غَيْرُ مَحْضَةٍ.
(وَلِتُنْذِرَ) : بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْيَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ
519
الْكِتَابُ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: لِيُؤْمِنُوا وَلِتُنْذِرَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ لِتُنْذِرَ «أُمَّ الْقُرَى» أَنْزَلْنَاهُ.
(وَمَنْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى «أُمَّ» وَالتَّقْدِيرُ: وَلِتُنْذِرَ أَهْلَ أَمِّ.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ: «يُؤْمِنُونَ بِهِ» الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى أُمِّ الْقُرَى، فَيَكُونُ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَالًا. وَ (عَلَى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «يُحَافِظُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٩٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «كَذِبًا» مَفْعُولَ افْتَرَى، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيِ: افْتِرَاءً، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
(أَوْ قَالَ) : عَطْفٌ عَلَى افْتَرَى، وَ (إِلَيَّ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْحَى الْوَحْيَ أَوِ الْإِيحَاءَ.
(وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَالَ، أَوِ الْيَاءِ فِي إِلَيَّ. (وَمَنْ قَالَ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى مَنِ افْتَرَى؛ أَيْ: وَمِمَّنْ قَالَ.
وَ (مِثْلَ مَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ سَأُنْزِلُ، وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَتَكُونُ مَا مَصْدَرِيَّةً.
وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لِتَرَى، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلَوْ تَرَى الْكُفَّارَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
520
الْكِتَابُ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: لِيُؤْمِنُوا وَلِتُنْذِرَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ لِتُنْذِرَ «أُمَّ الْقُرَى» أَنْزَلْنَاهُ.
(وَمَنْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى «أُمَّ» وَالتَّقْدِيرُ: وَلِتُنْذِرَ أَهْلَ أَمِّ.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ: «يُؤْمِنُونَ بِهِ» الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى أُمِّ الْقُرَى، فَيَكُونُ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَالًا. وَ (عَلَى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «يُحَافِظُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٩٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «كَذِبًا» مَفْعُولَ افْتَرَى، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيِ: افْتِرَاءً، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
(أَوْ قَالَ) : عَطْفٌ عَلَى افْتَرَى، وَ (إِلَيَّ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْحَى الْوَحْيَ أَوِ الْإِيحَاءَ.
(وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَالَ، أَوِ الْيَاءِ فِي إِلَيَّ. (وَمَنْ قَالَ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى مَنِ افْتَرَى؛ أَيْ: وَمِمَّنْ قَالَ.
وَ (مِثْلَ مَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ سَأُنْزِلُ، وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَتَكُونُ مَا مَصْدَرِيَّةً.
وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لِتَرَى، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلَوْ تَرَى الْكُفَّارَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
520
وَ (الظَّالِمُونَ) : مُبْتَدَأٌ، وَالظَّرْفُ بَعْدَهُ خَبَرٌ عَنْهُ، وَالْمَلَائِكَةُ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ قَبْلَهُ.
وَ (بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ) : فِي تَقْدِيرِ التَّنْوِينِ؛ أَيْ: بَاسِطُونَ أَيْدِيهِمْ. (أَخْرِجُوا) : أَيْ: يَقُولُونَ: أَخْرِجُوا، وَالْمَحْذُوفُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «بَاسِطُو».
وَ (الْيَوْمَ) : ظَرْفٌ لَأَخْرِجُوا، فَيَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِـ «تُجْزَوْنَ» فَيَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى «أَنْفُسِكُمْ».
(غَيْرَ الْحَقِّ) : مَفْعُولُ تَقُولُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: قَوْلًا غَيْرَ الْحَقِّ.
(وَكُنْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى «كُنْتُمْ» الْأُولَى؛ أَيْ: وَبِمَا كُنْتُمْ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فُرَادَى) : هُوَ جَمْعُ فَرْدٍ، وَالْأَلِفُ لِلتَّأْنِيثِ، مِثْلُ كُسَالَى.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ صَحِيحٌ. وَيُقَالُ فِي الرَّفْعِ فُرَادٌ مِثْلُ تُوَامٍ وَرُخَالٍ، وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْرِفُهُ، يَجْعَلُهُ مَعْدُولًا مِثْلَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ.
521
وَ (الظَّالِمُونَ) : مُبْتَدَأٌ، وَالظَّرْفُ بَعْدَهُ خَبَرٌ عَنْهُ، وَالْمَلَائِكَةُ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ قَبْلَهُ.
وَ (بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ) : فِي تَقْدِيرِ التَّنْوِينِ؛ أَيْ: بَاسِطُونَ أَيْدِيهِمْ. (أَخْرِجُوا) : أَيْ: يَقُولُونَ: أَخْرِجُوا، وَالْمَحْذُوفُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «بَاسِطُو».
وَ (الْيَوْمَ) : ظَرْفٌ لَأَخْرِجُوا، فَيَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِـ «تُجْزَوْنَ» فَيَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى «أَنْفُسِكُمْ».
(غَيْرَ الْحَقِّ) : مَفْعُولُ تَقُولُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: قَوْلًا غَيْرَ الْحَقِّ.
(وَكُنْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى «كُنْتُمْ» الْأُولَى؛ أَيْ: وَبِمَا كُنْتُمْ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فُرَادَى) : هُوَ جَمْعُ فَرْدٍ، وَالْأَلِفُ لِلتَّأْنِيثِ، مِثْلُ كُسَالَى.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ صَحِيحٌ. وَيُقَالُ فِي الرَّفْعِ فُرَادٌ مِثْلُ تُوَامٍ وَرُخَالٍ، وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْرِفُهُ، يَجْعَلُهُ مَعْدُولًا مِثْلَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ.
521
(كَمَا خَلَقْنَاكُمْ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فُرَادَى، وَقِيلَ: هِيَ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: مَجِيئًا كَمَجِيئِكُمْ يَوْمَ خَلَقْنَاكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي فُرَادَى؛ أَيْ: مُشْبِهِينَ ابْتِدَاءَ خَلْقِكُمْ.
وَ (أَوَّلَ) : ظَرْفٌ لَخَلَقْنَاكُمْ. وَ «الْمَرَّةُ» فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ مَرَّ يَمُرُّ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ظَرْفًا اتِّسَاعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ شَبَهِ الزَّمَانِ بِالْفِعْلِ. (وَتَرَكْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: وَقَدْ تَرَكْتُمْ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
(وَمَا نَرَى) : لَفَظُهُ لَفَظُ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهِيَ حِكَايَةُ حَالٍ. وَ (مَعَكُمْ) : مَعْمُولُ نَرَى، وَهِيَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الشُّفَعَاءِ، إِذِ الْمَعْنَى يَصِيرُ أَنَّ شُفَعَاءَهُمْ مَعَهُمْ، وَلَا نَرَاهُمْ.
وَإِنْ جَعَلْتَهَا بِمَعْنَى نَعْلَمُ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى اثْنَيْنِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَكُمْ مَفْعُولًا ثَانِيًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْمَعْنَى. (بَيْنَكُمْ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ ظَرْفٌ لِـ «تَقَطَّعَ»، وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ؛ أَيْ: تَقَطَّعَ الْوَصْلُ بَيْنَكُمْ، وَدَلَّ عَلَيْهِ «شُرَكَاءُ». وَالثَّانِي: هُوَ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ شَيْءٌ بَيْنَكُمْ، أَوْ وَصْلٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْمَنْصُوبَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَجَازَ ذَلِكَ حَمْلًا عَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِ الظَّرْفِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَمِثْلُهُ: (مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) [الْجِنِّ: ١١].
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ. وَالْبَيْنُ هُنَا الْوَصْلُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٩٦).
522
(كَمَا خَلَقْنَاكُمْ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فُرَادَى، وَقِيلَ: هِيَ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: مَجِيئًا كَمَجِيئِكُمْ يَوْمَ خَلَقْنَاكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي فُرَادَى؛ أَيْ: مُشْبِهِينَ ابْتِدَاءَ خَلْقِكُمْ.
وَ (أَوَّلَ) : ظَرْفٌ لَخَلَقْنَاكُمْ. وَ «الْمَرَّةُ» فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ مَرَّ يَمُرُّ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ظَرْفًا اتِّسَاعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ شَبَهِ الزَّمَانِ بِالْفِعْلِ. (وَتَرَكْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: وَقَدْ تَرَكْتُمْ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
(وَمَا نَرَى) : لَفَظُهُ لَفَظُ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهِيَ حِكَايَةُ حَالٍ. وَ (مَعَكُمْ) : مَعْمُولُ نَرَى، وَهِيَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الشُّفَعَاءِ، إِذِ الْمَعْنَى يَصِيرُ أَنَّ شُفَعَاءَهُمْ مَعَهُمْ، وَلَا نَرَاهُمْ.
وَإِنْ جَعَلْتَهَا بِمَعْنَى نَعْلَمُ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى اثْنَيْنِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَكُمْ مَفْعُولًا ثَانِيًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْمَعْنَى. (بَيْنَكُمْ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ ظَرْفٌ لِـ «تَقَطَّعَ»، وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ؛ أَيْ: تَقَطَّعَ الْوَصْلُ بَيْنَكُمْ، وَدَلَّ عَلَيْهِ «شُرَكَاءُ». وَالثَّانِي: هُوَ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ شَيْءٌ بَيْنَكُمْ، أَوْ وَصْلٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْمَنْصُوبَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَجَازَ ذَلِكَ حَمْلًا عَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِ الظَّرْفِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَمِثْلُهُ: (مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) [الْجِنِّ: ١١].
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ. وَالْبَيْنُ هُنَا الْوَصْلُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٩٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَالِقُ الْحَبِّ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْرِفَةً، لِأَنَّهُ مَاضٍ، وَأَنْ يَكُونَ نَكِرَةً عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ «فَلَقَ». وَ «الْإِصْبَاحِ» مَصْدَرُ أَصْبَحَ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ صُبْحٍ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ.
(وَجَاعِلُ اللَّيْلَ) : مِثْلُ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَ (سَكَنًا) : مَفْعُولُ جَاعِلُ إِذَا لَمْ تُعَرِّفْهُ، وَإِنْ عَرَّفْتَهُ كَانَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: جَعَلَهُ سَكَنًا، وَالسَّكَنُ مَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ وَنَحْوِهِمْ، فَجَعَلَ اللَّيْلَ بِمَنْزِلَةِ الْأَهْلِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: مَسْكُونًا فِيهِ، أَوْ ذَا سَكَنٍ.
وَ (الشَّمْسَ) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بِجَاعِلُ إِذَا لَمْ تُعَرِّفْهُ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِصْبَاحِ، أَوْ عَلَى اللَّيْلِ.
وَ (حُسْبَانًا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَمْعُ حُسْبَانَةٍ. وَالثَّانِي: هُوَ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْحَسْبِ، وَالْحِسَابِ، وَانْتِصَابُهُ كَانْتِصَابِ سَكَنًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمُسْتَقَرٌّ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرٌ وَرَفْعُهُ بِالِابْتِدَاءِ؛ أَيْ: فَلَكُمُ اسْتِقْرَارٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَيُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ؛ أَيْ: فَلَكُمْ مَكَانٌ تَسْتَقِرُّونَ فِيهِ، إِمَّا فِي الْبُطُونِ، وَإِمَّا فِي الْقُبُورِ، وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْقَافِ، فَيَكُونُ مَكَانًا يَسْتَقِرُّ لَكُمْ. وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ: فَمِنْكُمْ مُسْتَقِرٌّ.
وَأَمَّا (مُسْتَوْدَعٌ) : فَبِفَتْحِ الدَّالِ لَا غَيْرَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَكَانًا يُودَعُونَ فِيهِ، وَهُوَ إِمَّا الصُّلْبُ أَوِ الْقَبْرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الِاسْتِيدَاعِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٩٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا) : أَيْ: بِسَبَبِهِ، وَالْخَضِرُ بِمَعْنَى الْأَخْضَرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي مِنْهُ رَاجِعَةً عَلَى النَّبَاتِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ فَأَخْرَجْنَا بَدَلًا مِنْ أَخْرَجْنَا الْأُولَى.
(نُخْرِجُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةٍ لَخَضِرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَالْهَاءُ فِي (مِنْهَ) : تَعُودُ عَلَى الْخَضِرِ.
وَ (قِنْوَانٌ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا، وَالْوَاحِدُ قِنْوٌ، مِثْلُ: صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ، وَفِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَفِي خَبَرِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هُوَ: وَمِنَ النَّخْلِ، وَمِنْ طَلْعِهَا بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْخَافِضِ.
524
وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ «مِنْ طَلْعِهَا» وَفِي مَنِ النَّخْلِ ضَمِيرٌ تَقْدِيرُهُ: وَنَبَتَ مِنَ النَّخْلِ شَيْءٌ أَوْ ثَمَرٌ، فَيَكُونُ مِنْ طَلْعِهَا بَدَلًا مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَرْتَفِعَ قِنْوَانٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مِنْ طَلْعِهَا، فَيَكُونُ فِي مِنَ النَّخْلِ ضَمِيرٌ تَفْسِيرُهُ قِنْوَانٌ، وَإِنْ رَفَعْتَ قِنْوَانٌ بِقَوْلِهِ: «وَمِنَ النَّخْلِ» عَلَى قَوْلِ مَنْ أَعْمَلَ أَوَّلَ الْفِعْلَيْنِ جَازَ، وَكَانَ فِي مِنْ طَلْعِهَا ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ، وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ: قَنْوَانٌ بِفَتْحِ الْقَافِ؛ وَلَيْسَ بِجَمْعِ قِنْوٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَانًا لَا يَكُونُ جَمْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ كَالْبَاقِرِ.
(وَجَنَّاتٍ) : بِالنَّصْبِ: عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: «نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ» ؛ أَيْ: وَأَخْرَجْنَا بِهِ جَنَّاتٍ، وَمِثْلُهُ: «وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ».
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنَ الْكَرْمِ جَنَّاتٌ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قِنْوَانٍ؛ لِأَنَّ الْعِنَبَ لَا يَخْرُجُ مِنَ النَّخْلِ، وَ «مِنْ أَعْنَابٍ» صِفَةٌ لِجَنَّاتٍ. وَ: (مُشْتَبِهًا) : حَالٌ مِنَ الرُّمَّانِ، أَوْ مِنْ جَمِيعٍ.
وَ (إِذَا) : ظَرْفٌ لِانْظُرُوا.
وَ (ثَمَرِهِ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، جَمْعُ ثَمَرَةٍ، مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَهُوَ جِنْسٌ فِي التَّحْقِيقِ لَا جَمْعٌ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَهُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ مِثْلُ خَشَبَةٍ وَخُشُبٍ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ ثِمَارٍ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ، فَهُوَ جَمْعُ جَمْعٍ، فَأَمَّا الثِّمَارُ فَوَاحِدُهَا ثَمَرَةٌ مِثْلُ خَيْمَةٍ وَخِيَامٍ.
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ ثَمَرٍ.
525
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَهُوَ مُخَفَّفٌ مِنَ الْمَضْمُومِ.
(وَيَنْعِهِ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَكِلَاهُمَا مَصْدَرُ يَنَعَتِ الثَّمَرَةُ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَالْفِعْلُ أَيْنَعَتْ إِينَاعًا، وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ: «يَانِعِهِ» عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) (١٠٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا) : هِيَ بِمَعْنَى صَبَرُوا، وَمَفْعُولُهَا الْأَوَّلُ: «الْجِنَّ»، وَالثَّانِي: «شُرَكَاءَ». وَلِلَّهِ يَتَعَلَّقُ بِشُرَكَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِشُرَكَاءَ قُدِّمَ عَلَيْهِ فَصَارَ حَالًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ شُرَكَاءَ وَالْجِنُّ بَدَلًا مِنْهُ، وَلِلَّهِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي.
(وَخَلَقَهُمْ) : أَيْ: وَقَدْ خَلَقَهُمْ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ وَ «خَلْقَهُمْ» بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلُوا إِلَهَ خَلْقِهِمْ شُرَكَاءَ. (وَخَرَقُوا) : بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ.
(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ فِي خَرَقُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: خَرْقًا بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قَالَ تَعَالَى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٠١).
526
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَهُوَ مُخَفَّفٌ مِنَ الْمَضْمُومِ.
(وَيَنْعِهِ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَكِلَاهُمَا مَصْدَرُ يَنَعَتِ الثَّمَرَةُ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَالْفِعْلُ أَيْنَعَتْ إِينَاعًا، وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ: «يَانِعِهِ» عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) (١٠٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا) : هِيَ بِمَعْنَى صَبَرُوا، وَمَفْعُولُهَا الْأَوَّلُ: «الْجِنَّ»، وَالثَّانِي: «شُرَكَاءَ». وَلِلَّهِ يَتَعَلَّقُ بِشُرَكَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِشُرَكَاءَ قُدِّمَ عَلَيْهِ فَصَارَ حَالًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ شُرَكَاءَ وَالْجِنُّ بَدَلًا مِنْهُ، وَلِلَّهِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي.
(وَخَلَقَهُمْ) : أَيْ: وَقَدْ خَلَقَهُمْ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ وَ «خَلْقَهُمْ» بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلُوا إِلَهَ خَلْقِهِمْ شُرَكَاءَ. (وَخَرَقُوا) : بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ.
(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ فِي خَرَقُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: خَرْقًا بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قَالَ تَعَالَى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٠١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ) : فِي رَفْعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ فَاعِلُ «تَعَالَى». وَالثَّانِي: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: هُوَ بَدِيعُ.
وَالثَّالِثُ: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ «أَنَّى يَكُونُ لَهُ» وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ.
وَ (أَنَّى) : بِمَعْنَى كَيْفَ، أَوْ مِنْ أَيْنَ، وَمَوْضِعُهُ حَالٌ، وَصَاحِبُ الْحَالِ «وَلَدٌ» ؛ وَالْعَامِلُ يَكُونُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَامَّةً، وَأَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً.
: (وَلَمْ تَكُنْ) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى تَأْنِيثِ الصَّاحِبَةِ.
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لِلصَّاحِبَةِ، وَلَكِنْ جَازَ التَّذْكِيرُ لَمَّا فُصِلَ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ اسْمَ كَانَ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنْهُ؛ أَيْ: وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لَهُ صَاحِبَتُهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ اسْمَ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٠٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: هُوَ: «اللَّهُ» وَ (رَبُّكُمُ) : خَبَرٌ ثَانٍ. وَ «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» ثَالِثٌ، وَ «خَالِقُ كُلِّ» رَابِعٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ «اللَّهُ» وَمَا بَعْدَهُ إِبْدَالٌ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ «اللَّهُ» بَدَلٌ مِنْ ذَلِكُمْ، وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (١٠٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ) : لَمْ يَلْحَقِ الْفِعْلَ تَاءُ التَّأْنِيثِ؛ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمَفْعُولِ، وَلِأَنَّ تَأْنِيثَ الْفَاعِلِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
وَ (مِنْ) : مُتَعَلِّقَةٌ بِجَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِلْبَصَائِرِ، فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ.
(فَمَنْ أَبْصَرَ) : مَنْ مُبْتَدَأٌ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا، فَيَكُونُ الْخَبَرُ أَبْصَرَ، وَجَوَابُ مَنْ «فَعَلَيْهَا».
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَمَا بَعْدَ الْفَاءِ الْخَبَرُ، وَالْمُبْتَدَأُ فِيهِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: فَإِبْصَارُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا».
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١٠٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: «نُصَرِّفُ الْآيَاتِ» تَصْرِيفًا مِثْلَ مَا تَلَوْنَاهَا عَلَيْكَ. (وَلِيَقُولُوا) : أَيْ: وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ صَرَّفْنَا؛ وَاللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ؛ أَيْ: إِنَّ أَمْرَهُمْ يَصِيرُ إِلَى هَذَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ قَصَدَ بِالتَّصْرِيفِ أَنْ يَقُولُوا «دَرَسْتَ» عُقُوبَةً لَهُمْ.
(دَارَسْتَ) : يُقْرَأُ بِالْأَلِفِ وَفَتْحِ التَّاءِ؛ أَيْ: دَارَسْتَ أَهْلَ الْكِتَابِ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ؛ أَيْ: دَرَسْتَ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْمَعْنَى كَالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الدَّالِ مُشَدَّدًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
وَيُقْرَأُ: «دُورِسْتَ» بِالتَّخْفِيفِ وَالْوَاوِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالْوَاوُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْأَلِفِ فِي دَارَسْتَ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ وَسُكُونِ التَّاءِ؛ أَيِ: انْقَطَعَتِ الْآيَاتُ وَانْمَحَتْ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَيُقْرَأُ دَرَسَ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ، وَالْفَاعِلُ النَّبِيُّ، وَقِيلَ: الْكِتَابُ لِقَوْلِهِ: «وَلِنُبَيِّنَهُ».
قَالَ تَعَالَى: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ رَبِّكَ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِأُوحِيَ، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَفْعُولِ الْمَرْفُوعِ فِي أُوحِيَ، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ «مَا».
(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ رَبِّكَ؛ أَيْ: مِنْ رَبِّكَ مُنْفَرِدًا، وَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ) : الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ.
وَ (جَعَلْنَاكَ) : مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَ (حَفِيظًا) : الثَّانِي. وَ (عَلَيْهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِحَفِيظًا، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَمَا صَيَّرْنَاكَ تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ سِيبَوَيْهِ فِي إِعْمَالِ فَعِيلٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١٠٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ دُونِ اللَّهِ) : حَالٌ مِنَ «الَّذِينَ» أَوْ مِنَ الْعَائِدِ عَلَيْهَا.
(فَيَسُبُّوا) : مَنْصُوبٌ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ، وَقِيلَ: هُوَ مَجْزُومٌ عَلَى الْعَطْفِ، كَقَوْلِهِمْ: لَا تُمَدِّدْهَا فَتُشَقِّقْهَا.
وَ (عَدْوًا) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَفِي انْتِصَابِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ. وَالثَّانِي: مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ السَّبَّ عُدْوَانٌ فِي الْمَعْنَى.
وَالثَّالِثُ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ عَلَى فُعُولٍ كَالْجُلُوسِ وَالْقُعُودِ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ؛ أَيْ: أَعْدَاءً، وَهُوَ حَالٌ.
: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : حَالٌ أَيْضًا مُؤَكِّدَةٌ. (كَذَلِكَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: كَمَا زَيَّنَا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ زَيَّنَا لِهَؤُلَاءِ عَمَلَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْمَائِدَةِ.
(وَمَا يُشْعِرُكُمْ) :«مَا» اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَيُشْعِرُكُمُ الْخَبَرُ، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ.
(أَنَّهَا) : يُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ.
تَقْدِيرُهُ: وَمَا يُشْعِرُكُمْ إِيمَانُهُمْ.
وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ «أَنَّ» بِمَعْنَى «لَعَلَّ» حَكَاهُ الْخَلِيلُ عَنِ الْعَرَبِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي أَيْضًا مَحْذُوفًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ «لَا» زَائِدَةٌ، فَتَكُونُ «أَنَّ» وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ «أَنَّ» عَلَى بَابِهَا، وَ «لَا» غَيْرُ زَائِدَةٍ، وَالْمَعْنَى وَمَا يُدْرِيكُمْ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ، وَهَذَا جَوَابٌ لِمَنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ أَبَدًا، وَيُئِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا) :«مَا» مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْكَافُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: تَقْلِيبًا كَكُفْرِهِمْ؛ أَيْ: عُقُوبَةً مُسَاوِيَةً لِمَعْصِيَتِهِمْ.
وَ (أَوَّلَ مَرَّةٍ) : ظَرْفُ زَمَانٍ؛ وَقَدْ ذُكِرَ. (وَنَذَرُهُمْ) : يُقْرَأُ بِالنُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْيَاءِ كَذَلِكَ، وَالْمَعْنَى مَفْهُومٌ.
وَيُقْرَأُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُكِّنَ لِثِقَلِ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلَى يُؤْمِنُوا، وَالْمَعْنَى جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَذَرْهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (١١١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُبُلًا) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَمْعُ قَبِيلٍ مِثْلُ قَلِيبٍ وَقَلْبٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُفْرَدٌ كَقُبُلِ الْإِنْسَانِ وَدُبُرِهِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ حَالٌ مِنْ «كُلَّ»، وَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ.
وَيُقْرَأُ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْبَاءِ عَلَى تَخْفِيفِ الضَّمَّةِ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: هُوَ ظَرْفٌ، كَقَوْلِكَ لِي قِبَلَهُ حَقٌّ. وَالثَّانِي: مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: عَيَانًا أَوْ مُعَايَنَةً.
(إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ، وَالْمَعْنَى: مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (١١٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ) : هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَ (جَعَلْنَا) : مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَفِي الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ «عَدُوًّا». وَالثَّانِي: «لِكُلِّ نَبِيٍّ» وَ «شَيَاطِينَ» بَدَلٌ مِنْ عَدُوٍّ.
وَالثَّانِي: الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ شَيَاطِينَ، وَعَدُوًّا الْمَفْعُولُ الثَّانِي مُقَدَّمٌ، وَلِكُلِّ نَبِيٍّ صِفَةٌ لِعَدُوٍّ، قُدِّمَتْ فَصَارَتْ حَالًا.
(يُوحِي) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ شَيَاطِينَ، وَأَنْ يَكُونَ صِلَةً لِعَدُوٍّ، وَعَدُوٌّ فِي مَوْضِعِ أَعْدَاءٍ. (غُرُورًا) : مَفْعُولٌ لَهُ، وَقِيلَ: مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ،
532
وَالْهَاءِ فِي (فَعَلُوهُ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ضَمِيرَ الْإِيحَاءِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ يُوحَى، وَأَنْ تَكُونَ ضَمِيرَ الزُّخْرُفِ أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الْغُرُورِ.
(وَمَا يَفْتَرُونَ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الْمَفْعُولِ قَبْلَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى «مَعَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (١١٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِتَصْغَى) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «غُرُورًا» ؛ أَيْ: لِيَغُرُّوا وَلِتَصْغَى.
وَقِيلَ: هِيَ لَامُ الْقَسَمِ كُسِرَتْ لَمَّا لَمْ يُؤَكَّدِ الْفِعْلُ بِالنُّونِ.
وَقُرِئَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ لِتَوَالِي الْحَرَكَاتِ، وَلَيْسَتْ لَامَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْزَمِ الْفِعْلُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي: «وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا».
وَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلِيَقْتَرِفُوا الَّذِي هُمْ مُقْتَرِفُوهُ، وَأُثْبِتَ النُّونُ لَمَّا حُذِفَ الْهَاءُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولُ أَبْتَغِي، وَ «حَكَمًا» حَالٌ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَكَمًا مَفْعُولُ أَبْتَغِي، وَ «غَيْرَ» حَالٌ مِنْ حَكَمًا مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: حَكَمًا تَمْيِيزٌ.
533
وَالْهَاءِ فِي (فَعَلُوهُ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ضَمِيرَ الْإِيحَاءِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ يُوحَى، وَأَنْ تَكُونَ ضَمِيرَ الزُّخْرُفِ أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الْغُرُورِ.
(وَمَا يَفْتَرُونَ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الْمَفْعُولِ قَبْلَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى «مَعَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (١١٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِتَصْغَى) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «غُرُورًا» ؛ أَيْ: لِيَغُرُّوا وَلِتَصْغَى.
وَقِيلَ: هِيَ لَامُ الْقَسَمِ كُسِرَتْ لَمَّا لَمْ يُؤَكَّدِ الْفِعْلُ بِالنُّونِ.
وَقُرِئَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ لِتَوَالِي الْحَرَكَاتِ، وَلَيْسَتْ لَامَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْزَمِ الْفِعْلُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي: «وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا».
وَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلِيَقْتَرِفُوا الَّذِي هُمْ مُقْتَرِفُوهُ، وَأُثْبِتَ النُّونُ لَمَّا حُذِفَ الْهَاءُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولُ أَبْتَغِي، وَ «حَكَمًا» حَالٌ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَكَمًا مَفْعُولُ أَبْتَغِي، وَ «غَيْرَ» حَالٌ مِنْ حَكَمًا مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: حَكَمًا تَمْيِيزٌ.
وَ (مُفَصَّلًا) : حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ. وَ (بِالْحَقِّ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي «مُنَزَّلٌ».
قَالَ تَعَالَى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١١٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (صِدْقًا وَعَدْلًا) : مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
(لَا مُبَدِّلَ) : مُسْتَأْنَفٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ رَبِّكَ؛ لِئَلَّا يُفْصَلَ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا بِالْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «صِدْقًا وَعَدْلًا»، إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ «صِدْقًا وَعَدْلًا» حَالَيْنِ مِنْ رَبِّكَ لَا مِنَ الْكَلِمَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١١٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ) فِي «مَنْ» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، بِمَعْنَى فَرِيقٍ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ «أَعْلَمُ» لَا بِنَفْسِ «أَعْلَمُ» ؛ لِأَنَّ أَفْعَلُ لَا يَعْمَلُ فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ النَّصْبَ، وَالتَّقْدِيرُ: يَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِالْإِضَافَةِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَ الْيَاءَ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّقْدِيرُ: هُوَ أَعْلَمُ الضَّالِّينَ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ ضَالًّا، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
وَمَنْ قَرَأَ بِضَمِّ الْيَاءِ فَمَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ أَيْ: يَعْلَمُ الْمُضِلِّينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، إِمَّا عَلَى مَعْنَى هُوَ أَعْلَمُ الْمُضَلِّينَ؛ أَيْ: مَنْ يَجِدُ الضَّلَالَ، وَهُوَ مِنْ أَضْلَلْتُهُ؛ أَيْ: وَجَدْتُهُ ضَالًّا، مِثْلَ: أَحْمَدْتُهُ، وَجَدْتُهُ مَحْمُودًا، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضِلُّ عَنِ الْهُدَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «مَنْ» اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ، وَ «يَضِلُّ» الْخَبَرُ، وَمَوْضِعُ الْجُمْلَةِ نَصْبٌ بِـ «يَعْلَمُ» الْمُقَدَّرَةِ، وَمِثْلُهُ: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى) [الْكَهْفِ: ١٢].
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (١١٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا لَكُمْ) :«مَا» اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ «لَكُمْ» الْخَبَرُ.
وَ (أَلَّا تَأْكُلُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: حَرْفُ الْجَرِّ مُرَادٌ مَعَهُ؛ أَيْ: فِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا، وَلَمَّا حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ كَانَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: وَأَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ تَارِكِينَ الْأَكْلَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ «أَنْ» تُمَحِّضُ الْفِعْلَ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَتَجْعَلُهُ مَصْدَرًا، فَيَمْتَنِعُ الْحَالُ إِلَّا أَنْ تُقَدِّرَ حَذْفَ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: وَمَا لَكُمْ ذَوِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا. وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
(وَقَدْ فَصَّلَ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ؛ وَيُقْرَأُ بِالضَّمِّ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَبِالْفَتْحِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَبِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ.
(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ) :«مَا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجِنْسِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ وَبَّخَهُمْ بِتَرْكِ الْأَكْلِ مِمَّا سُمِّيَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ إِبَاحَةَ الْأَكْلِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» ؛ أَيْ: فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، وَذَلِكَ حَلَالٌ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١٢١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) : حُذِفَ الْفَاءُ مِنْ جَوَابِ الشَّرْطِ، وَهُوَ حَسَنٌ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (١٢٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوَمَنْ كَانَ) :«مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ.
وَ (يَمْشِي بِهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةً لِنُورٍ، وَ (كَمَنْ) : خَبَرُ الِابْتِدَاءِ، وَ (مَثَلُهُ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «فِي الظُّلُمَاتِ» خَبَرُهُ.
وَ (لَيْسَ بِخَارِجٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي «مَثَلُهُ»، لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَالِ بِالْخَبَرِ.
(كَذَلِكَ زُيِّنَ) وَ (كَذَلِكَ جَعَلْنَا) : قَدْ سَبَقَ إِعْرَابُهُمَا.
وَجَعَلْنَا بِمَعْنَى صَيَّرْنَا. وَ (أَكَابِرَ) : الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَفِي كُلِّ قَرْيَةٍ الثَّانِي.
وَ (مُجْرِمِيهَا) : بَدَلٌ مِنْ أَكَابِرَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «فِي» ظَرْفًا، وَمُجْرِمِيهَا الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَ «أَكَابِرَ» مَفْعُولٌ ثَانٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «أَكَابِرَ» مُضَافًا إِلَى «مُجْرِمِيهَا»، وَ «فِي كُلِّ» الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا «مَكَّنَّا»، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(لِيَمْكُرُوا) : اللَّامُ لَامُ كَيْ أَوْ لَامُ الصَّيْرُورَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ) (١٢٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَيْثُ يَجْعَلُ) : حَيْثُ هُنَا مَفْعُولٌ بِهِ، وَالْعَامِلُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: يَعْلَمُ مَوْضِعَ رِسَالَاتِهِ، وَلَيْسَ ظَرْفًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: يَعْلَمُ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَذَا وَكَذَا. وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ «حَيْثَ» بِفَتْحِ الثَّاءِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: هِيَ فَتْحَةُ إِعْرَابٍ.
(عِنْدَ اللَّهِ) : ظَرْفٌ لِـ «يُصِيبُ»، أَوْ صِفَةٌ لِصَغَارٌ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (١٢٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ) : هُوَ مِثْلُ: (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ) [الْأَنْعَامِ: ٣٩]، وَقَدْ
ذُكِرَ. (ضَيِّقًا) : مَفْعُولٌ ثَانٍ لِـ «يَجْعَلْ»، فَمَنْ شَدَّدَ الْيَاءَ جَعَلَهُ وَصْفًا، وَمَنْ خَفَّفَهَا جَازَ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا، كَمَيِّتٍ وَمَيْتٍ، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا؛ أَيْ: ذَا ضِيقٍ. (حَرَجًا) : بِكَسْرِ الرَّاءِ صِفَةٌ لِضَيِّقٍ، أَوْ مَفْعُولٌ ثَالِثٌ، كَمَا جَازَ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنْ تُخْبِرَ عَنْهُ بَعْدَهُ أَخْبَارًا، وَيَكُونُ الْجَمِيعُ فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ وَاحِدٍ، كَـ «حُلْوٌ حَامِضٌ»، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ هُوَ مُؤَكِّدٌ لِلْمَعْنَى، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ؛ أَيْ: ذَا حَرَجٍ؛ وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ حَرَجَةٍ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبٍ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ. (
537
كَأَنَّمَا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرٍ آخَرَ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي حَرَجٍ، أَوْ ضَيِّقٍ.
(يَصَّعَّدُ) : وَيَصَّاعَدُ - بِتَشْدِيدِ الصَّادِ فِيهِمَا؛ أَيْ: يَتَصَعَّدُ. وَيُقْرَأُ: «يَصْعَدُ» بِالتَّخْفِيفِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُسْتَقِيمًا) : حَالٌ مِنْ صِرَاطِ رَبِّكَ، وَالْعَامِلُ فِيهَا التَّنْبِيهُ أَوِ الْإِشَارَةُ.
قَالَ تَعَالَى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١٢٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِقَوْمٍ، وَأَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَذَّكَّرُونَ».
(عِنْدَ رَبِّهِمْ) : حَالٌ مِنْ دَارِ السَّلَامِ، أَوْ ظَرْفٌ لِلِاسْتِقْرَارِ فِي «لَهُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٢٨).
قَوْلُهُ
تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) : أَيْ: وَاذْكُرْ يَوْمَ. أَوْ: وَنَقُولُ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ». وَ (مِنَ الْإِنْسِ) : حَالٌ مِنْ «أَوْلِيَاؤُهُمْ». وَقُرِئَ «آجَالَنَا» عَلَى الْجَمْعِ. «الَّذِي» عَلَى التَّذْكِيرِ وَالْإِفْرَادِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هُوَ جِنْسٌ أَوْقَعَ الَّذِي مَوْقِعَ الَّتِي.
(خَالِدِينَ فِيهَا) : حَالٌ، وَفِي الْعَامِلِ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَثْوَى عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الثَّوَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: النَّارُ ذَاتُ ثَوَائِكُمْ.
وَالثَّانِي: الْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ، وَمَثْوَاكُمْ مَكَانٌ، وَالْمَكَانُ لَا يَعْمَلُ.
(إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.
538
كَأَنَّمَا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرٍ آخَرَ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي حَرَجٍ، أَوْ ضَيِّقٍ.
(يَصَّعَّدُ) : وَيَصَّاعَدُ - بِتَشْدِيدِ الصَّادِ فِيهِمَا؛ أَيْ: يَتَصَعَّدُ. وَيُقْرَأُ: «يَصْعَدُ» بِالتَّخْفِيفِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُسْتَقِيمًا) : حَالٌ مِنْ صِرَاطِ رَبِّكَ، وَالْعَامِلُ فِيهَا التَّنْبِيهُ أَوِ الْإِشَارَةُ.
قَالَ تَعَالَى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١٢٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِقَوْمٍ، وَأَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَذَّكَّرُونَ».
(عِنْدَ رَبِّهِمْ) : حَالٌ مِنْ دَارِ السَّلَامِ، أَوْ ظَرْفٌ لِلِاسْتِقْرَارِ فِي «لَهُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٢٨).
قَوْلُهُ
تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) : أَيْ: وَاذْكُرْ يَوْمَ. أَوْ: وَنَقُولُ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ». وَ (مِنَ الْإِنْسِ) : حَالٌ مِنْ «أَوْلِيَاؤُهُمْ». وَقُرِئَ «آجَالَنَا» عَلَى الْجَمْعِ. «الَّذِي» عَلَى التَّذْكِيرِ وَالْإِفْرَادِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هُوَ جِنْسٌ أَوْقَعَ الَّذِي مَوْقِعَ الَّتِي.
(خَالِدِينَ فِيهَا) : حَالٌ، وَفِي الْعَامِلِ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَثْوَى عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الثَّوَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: النَّارُ ذَاتُ ثَوَائِكُمْ.
وَالثَّانِي: الْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ، وَمَثْوَاكُمْ مَكَانٌ، وَالْمَكَانُ لَا يَعْمَلُ.
(إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجِنْسِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الزَّمَانِ، وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُلُودَ يَدُلُّ عَلَى الْأَبَدِ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: خَالِدِينَ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ؛ أَيْ: إِلَّا زَمَنَ مَشِيئَةِ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ: «مَا» بِمَعْنَى «مَنْ».
قَالَ تَعَالَى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (١٣٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَقُصُّونَ) فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِرُسُلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مِنْكُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (١٣١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ) : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيِ: الْأَمْرُ ذَلِكَ.
(أَنْ لَمْ) : أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ مَحْذُوفَةٌ؛ أَيْ: ؛ لِأَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ، وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ، أَوْ جَرٌّ عَلَى الْخِلَافِ. (بِظُلْمٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِمُهْلِكٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٣٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِكُلٍّ) : أَيْ: وَلِكُلِّ أَحَدٍ. (مِمَّا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِدَرَجَاتٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (١٣٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا أَنْشَأَكُمْ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيِ: اسْتِخْلَافًا كَمَا.
وَ (مِنْ ذُرِّيَّةِ) : لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى الْبَدَلِ؛ أَيْ: كَمَا أَنْشَأَكُمْ بَدَلًا مِنْ ذُرِّيَّةِ «قَوْمٍ».
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (١٣٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ) : مَا بِمَعْنَى الَّذِي. وَ «لَآتٍ» خَبَرُ إِنَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» هَاهُنَا كَافَّةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِآتٍ يَمْنَعُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١٣٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ تَكُونُ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي، وَأَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامًا مِثْلَ قَوْلِهِ: «أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ».
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (١٣٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِمَّا ذَرَأَ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِجَعَلَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ نَصِيبٍ.
وَ (مِنَ الْحَرْثِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِذَرَأَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «مَا» أَوْ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (١٣٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْيَاءِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ:
شُرَكَاؤُهُمْ، وَالْمَفْعُولُ «قَتْلَ»، وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الزَّايِ، وَكَسْرِ الْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَ «قَتْلُ» بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَ «أَوْلَادَهُمْ» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الْقَتْلِ، وَ «شُرَكَائِهِمْ» بِالْجَرِّ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَقَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَفْعُولِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِجَرِّ أَوْلَادِهِمْ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَ «شُرَكَائِهِمْ» بِالْجَرِّ أَيْضًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَعَيْشِهِمْ وَغَيْرِهِمَا.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِرَفْعِ الشُّرَكَاءِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَيَّنَهُ؟، فَقَالَ: شُرَكَاؤُهُمْ؛ أَيْ: زَيَّنَهُ شُرَكَاؤُهُمْ، وَالْقَتْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَرْتَفِعَ شُرَكَاؤُهُمْ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الشُّرَكَاءَ تُثِيرُ بَيْنَهُمُ الْقَتْلَ قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ يَقَعُ مِنْهُمْ حَقِيقَةً. (وَلِيَلْبِسُوا) : بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِفَتْحِ الْبَاءِ فِي الْمَاضِي إِذَا شَبَّهْتُهُ.
وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ قِيلَ: إِنَّهَا لُغَةٌ. وَقِيلَ: جَعَلَ الدِّينَ لَهُمْ كَاللِّبَاسِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (١٣٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَطْعَمُهَا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ كَالَّذِي قَبْلَهُ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْحَاءِ فِي «حِجْرٌ» وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّهِمَا وَضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَمَعْنَاهُ مُحَرَّمٌ، وَالْقِرَاءَاتُ لُغَاتٌ فِيهَا.
وَيُقْرَأُ: «حِرْجٌ» بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الْجِيمِ، وَأَصْلُهُ حَرِجٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَلَكِنَّهُ خُفِّفَ، وَنُقِلَ مِثْلُ فَخْذٍ وَفَخِذٍ.
541
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ مِثْلُ عَمِيقٍ وَمَعِيقٍ. (بِزَعْمِهِمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِقَالُوا، وَيَجُوزُ فَتْحُ الزَّايِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا، وَهِيَ لُغَاتٌ.
(افْتِرَاءً) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمُ الْمَحْكِيَّ بِمَعْنَى افْتَرَوْا.
وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِنْ نَصَبْتَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ كَانَ قَوْلُهُ: «عَلَيْهِ» مُتَعَلِّقًا بِقَالُوا لَا بِنَفْسِ الْمَصْدَرِ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ عَلَّقْتَهُ بِنَفْسِ الْمَصْدَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِافْتِرَاءٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٣٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا فِي بُطُونِ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ (خَالِصَةً) : خَبَرُهُ، وَأُنِّثَ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبُطُونِ أَنْعَامٌ.
وَقِيلَ: التَّأْنِيثُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ.
وَ (لِذُكُورِنَا) : مُتَعَلِّقٌ بِخَالِصَةٍ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِخَالِصَةٍ.
(وَمُحَرَّمٌ) : جَاءَ عَلَى التَّذْكِيرِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ «مَا» وَيُقْرَأُ «خَالِصٌ» بِغَيْرِ تَاءٍ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُقْرَأُ «خَالِصَةً» بِالتَّأْنِيثِ وَالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِل فِيهَا مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَالْخَبَرُ لِذُكُورِنَا، وَلَا يَعْمَلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ. وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ.
وَيُقْرَأُ «خَالِصَةٌ» بِالرَّفْعِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى هَاءِ الضَّمِيرِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَلِلذُّكُورِ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ «مَا». (يَكُنْ مَيْتَةً) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ؛ وَنَصْبُ «مَيْتَةً»، أَيْ: إِنْ تَكُنِ الْأَنْعَامُ مَيْتَةً.
542
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ مِثْلُ عَمِيقٍ وَمَعِيقٍ. (بِزَعْمِهِمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِقَالُوا، وَيَجُوزُ فَتْحُ الزَّايِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا، وَهِيَ لُغَاتٌ.
(افْتِرَاءً) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمُ الْمَحْكِيَّ بِمَعْنَى افْتَرَوْا.
وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِنْ نَصَبْتَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ كَانَ قَوْلُهُ: «عَلَيْهِ» مُتَعَلِّقًا بِقَالُوا لَا بِنَفْسِ الْمَصْدَرِ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ عَلَّقْتَهُ بِنَفْسِ الْمَصْدَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِافْتِرَاءٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٣٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا فِي بُطُونِ) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ (خَالِصَةً) : خَبَرُهُ، وَأُنِّثَ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبُطُونِ أَنْعَامٌ.
وَقِيلَ: التَّأْنِيثُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ.
وَ (لِذُكُورِنَا) : مُتَعَلِّقٌ بِخَالِصَةٍ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِخَالِصَةٍ.
(وَمُحَرَّمٌ) : جَاءَ عَلَى التَّذْكِيرِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ «مَا» وَيُقْرَأُ «خَالِصٌ» بِغَيْرِ تَاءٍ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُقْرَأُ «خَالِصَةً» بِالتَّأْنِيثِ وَالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِل فِيهَا مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَالْخَبَرُ لِذُكُورِنَا، وَلَا يَعْمَلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ. وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ.
وَيُقْرَأُ «خَالِصَةٌ» بِالرَّفْعِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى هَاءِ الضَّمِيرِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَلِلذُّكُورِ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ «مَا». (يَكُنْ مَيْتَةً) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ؛ وَنَصْبُ «مَيْتَةً»، أَيْ: إِنْ تَكُنِ الْأَنْعَامُ مَيْتَةً.
542
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ «مَا». وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ، وَرَفْعُ «مَيْتَةٌ» عَلَى أَنَّ «كَانَ» هِيَ التَّامَّةُ.
(فَهُمْ فِيهِ) : ذُكِّرَ الضَّمِيرُ حَمْلًا عَلَى «مَا».
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ) : يُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ.
وَ: (سَفَهًا) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ. (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَ (افْتِرَاءً) : مِثْلُ الْأَوَّلِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ) : مُخْتَلِفًا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ وَقْتَ خُرُوجِهِ لَا أَكْلَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ مُخْتَلِفًا أَوْ مُتَّفِقًا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا بِهِ غَدًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: «ثَمَرُ النَّخْلِ وَحَبَّ الزَّرْعِ» ؛ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْحَالُ مُقَارَنَةً. وَ (مُتَشَابِهًا) : حَالٌ أَيْضًا. وَ (حَصَادِهِ) : يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) (١٤٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَمُولَةً وَفَرْشًا) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَنَّاتٍ؛ أَيْ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً.
543
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ «مَا». وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ، وَرَفْعُ «مَيْتَةٌ» عَلَى أَنَّ «كَانَ» هِيَ التَّامَّةُ.
(فَهُمْ فِيهِ) : ذُكِّرَ الضَّمِيرُ حَمْلًا عَلَى «مَا».
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ) : يُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ.
وَ: (سَفَهًا) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ. (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَ (افْتِرَاءً) : مِثْلُ الْأَوَّلِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ) : مُخْتَلِفًا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ وَقْتَ خُرُوجِهِ لَا أَكْلَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ مُخْتَلِفًا أَوْ مُتَّفِقًا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا بِهِ غَدًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: «ثَمَرُ النَّخْلِ وَحَبَّ الزَّرْعِ» ؛ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْحَالُ مُقَارَنَةً. وَ (مُتَشَابِهًا) : حَالٌ أَيْضًا. وَ (حَصَادِهِ) : يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) (١٤٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَمُولَةً وَفَرْشًا) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَنَّاتٍ؛ أَيْ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً.
قَالَ تَعَالَى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (١٤٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) : فِي نَصْبِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَنَّاتٍ؛ أَيْ: وَأَنْشَأَ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ، وَحُذِفَ الْفِعْلُ، وَحَرْفُ الْعَطْفِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ تَقْدِيرَهُ: كُلُوا ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ.
وَالثَّالِثُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِكُلُوا، تَقْدِيرُهُ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ، وَلَا تُسْرِفُوا مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا. وَالرَّابِعُ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ «حَمُولَةً وَفَرْشًا». وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ حَالٌ تَقْدِيرُهُ: مُخْتَلِفَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً.
(مِنَ الضَّأْنِ) : يُقْرَأُ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَ (اثْنَيْنِ) : بَدَلٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَقَدْ عُطِفَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الثَّمَانِيَةِ. وَ (الْمَعْزِ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ، قَدْ قُرِئَ بِهِمَا. (آلذَّكَرَيْنِ) : هُوَ مَنْصُوبٌ بِـ «حَرَّمَ»، وَكَذَلِكَ «أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ» ؛ أَيْ: أَمْ حَرَّمَ الْأُنْثَيَيْنِ. (أَمَّا اشْتَمَلَتْ) : أَيْ أَمْ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٤٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ) : أَمْ مُنْقَطِعَةٌ؛ أَيْ: بَلْ أَكُنْتُمْ.
وَ (إِذْ) : مَعْمُولُ «شُهَدَاءَ».
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَطْعَمُهُ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِطَاعِمٍ،
وَيُقْرَأُ: «يَطَّعِمُهُ» بِالتَّشْدِيدِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَالْأَصْلُ يَتَطَعَّمُهُ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً، وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الْأُولَى.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ) : اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ، وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ؛ أَيْ: لَا أَجِدُ مُحَرَّمًا إِلَّا الْمِيتَةَ، وَيُقْرَأُ يَكُونُ بِالْيَاءِ، وَ (مَيْتَةً) : بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ مَيْتَةً أَوْ ذَلِكَ...
وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَأْكُولَةُ مَيْتَةً.
وَيُقْرَأُ بِرَفْعِ الْمَيْتَةِ عَلَى أَنْ «تَكُونَ» تَامَّةً، إِلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ مَنْصُوبٌ.
(أَوْ فِسْقًا) : عُطِفَ عَلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ.
وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ، وَقَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُ رِجْسٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (١٤٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ، وَيُقْرَأُ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الظَّاءِ وَالْإِسْكَانِ. (وَمِنَ الْبَقَرِ) : مَعْطُوفٌ عَلَى «كُلَّ»، وَجُعِلَ (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) : تَبْيِينًا لِلْمُحَرَّمِ مِنَ الْبَقَرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِنَ الْبَقَرِ» مُتَعَلِّقًا بِحَرَّمْنَا الثَّانِيَةِ.
(إِلَّا مَا حَمَلَتْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ اسْتِثْنَاءً مِنَ الشُّحُومِ.
545
(أَوِ الْحَوَايَا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى «مَا».
وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الشُّحُومِ، فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً أَيْضًا، وَوَاحِدَةُ الْحَوَايَا حَوِيَّةٌ، أَوْ حَاوِيَةٌ، أَوْ حَاوِيَاءٌ. وَ «أَوْ» هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَوْ لِتَفْصِيلِ مَذَاهِبِهِمْ، لِاخْتِلَافِ أَمَاكِنِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: (كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) [الْبَقَرَةِ: ١٣٥].
(ذَلِكَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «جَزَيْنَاهُمْ» وَقِيلَ: مُبْتَدَأٌ وَالتَّقْدِيرُ: جَزَيْنَاهُمُوهُ. وَقِيلَ: هُوَ خَبَرُ الْمَحْذُوفِ؛ أَيِ: الْأَمْرُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١٤٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) : شَرْطٌ وَجَوَابُهُ «فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ» وَالتَّقْدِيرُ: فَقُلْ يَصْفَحُ عَنْكُمْ بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا آبَاؤُنَا) : عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَشْرَكْنَا، وَأَغْنَتْ زِيَادَةُ «لَا» عَنْ
تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ. وَقِيلَ: ذَلِكَ لَا يُغْنِي؛ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَا بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ. (مِنْ شَيْءٍ) : مِنْ زَائِدَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١٥٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ هَلُمَّ) : لِلْعَرَبِ فِيهَا لُغَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: تَكُونُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي الْوَاحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ؛ فَعَلَى هَذَا هِيَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَبُنِيَتْ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ الْأَمْرِ الْمَبْنِيِّ، وَمَعْنَاهَا أَحْضِرُوا شُهَدَاءَكُمْ.
546
(أَوِ الْحَوَايَا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى «مَا».
وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الشُّحُومِ، فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً أَيْضًا، وَوَاحِدَةُ الْحَوَايَا حَوِيَّةٌ، أَوْ حَاوِيَةٌ، أَوْ حَاوِيَاءٌ. وَ «أَوْ» هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَوْ لِتَفْصِيلِ مَذَاهِبِهِمْ، لِاخْتِلَافِ أَمَاكِنِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: (كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) [الْبَقَرَةِ: ١٣٥].
(ذَلِكَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «جَزَيْنَاهُمْ» وَقِيلَ: مُبْتَدَأٌ وَالتَّقْدِيرُ: جَزَيْنَاهُمُوهُ. وَقِيلَ: هُوَ خَبَرُ الْمَحْذُوفِ؛ أَيِ: الْأَمْرُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١٤٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) : شَرْطٌ وَجَوَابُهُ «فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ» وَالتَّقْدِيرُ: فَقُلْ يَصْفَحُ عَنْكُمْ بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا آبَاؤُنَا) : عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَشْرَكْنَا، وَأَغْنَتْ زِيَادَةُ «لَا» عَنْ
تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ. وَقِيلَ: ذَلِكَ لَا يُغْنِي؛ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَا بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ. (مِنْ شَيْءٍ) : مِنْ زَائِدَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١٥٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ هَلُمَّ) : لِلْعَرَبِ فِيهَا لُغَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: تَكُونُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي الْوَاحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ؛ فَعَلَى هَذَا هِيَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَبُنِيَتْ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ الْأَمْرِ الْمَبْنِيِّ، وَمَعْنَاهَا أَحْضِرُوا شُهَدَاءَكُمْ.
وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ: تَخْتَلِفُ؛ فَتَقُولُ هَلُمَّا، وَهَلُمُّوا، وَهَلُمِّي، وَهَلْمُمْنَ، فَعَلَى هَذَا هِيَ فِعْلٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهَا؛ فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: أَصْلُهَا هَا الْمُمْ؛ أَيِ: اقْصُدْ، فَأُدْغِمَتِ الْمِيمُ فِي الْمِيمِ، وَتَحَرَّكَتِ اللَّامُ، فَاسْتَغْنَى عَنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ، فَبَقِيَ لَمْ، ثُمَّ حُذِفَتْ أَلِفُ «هَا» الَّتِي هِيَ لِلتَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي لَمْ فِي تَقْدِيرِ السَّاكِنَةِ إِذْ كَانَتْ حَرَكَتُهَا عَارِضَةً، وَلَحِقَ حِرَفُ التَّنْبِيهِ مِثَالَ الْأَمْرِ كَمَا يَلْحَقُ غَيْرُهُ مِنَ الْمِثْلِ.
فَأَمَّا فَتْحَةُ الْمِيمِ فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا حُرِّكَتْ بِهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَمْ يَجُزِ الضَّمُّ وَلَا الْكَسْرُ، كَمَا جَازَ فِي رُدَّ، وَرَدُّ، وَرَدِّ، لِطُولِ الْكَلِمَةِ بِوَصْلِ «هَا» بِهَا، وَأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَعَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا فُتِحَتْ مِنْ أَجْلِ التَّرْكِيبِ كَمَا، فُتِحَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَبَابُهَا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهَا هَلْ أَمْ فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ، وَحُذِفَتْ، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَمْرٌ. وَ «هَلْ» إِنْ كَانَتِ اسْتِفْهَامًا فَلَا مَعْنَى لِدُخُولِهِ عَلَى الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى قَدْ، فَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَتْ «هَلْ» اسْمًا لِلزَّجْرِ، فَتِلْكَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ، ثُمَّ لَا مَعْنَى لَهَا هَاهُنَا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٥١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا حَرَّمَ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: حَرَّمَهُ.
وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ.
547
(أَلَّا تُشْرِكُوا) : فِي «أَنْ» وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى أَيْ، فَتَكُونُ لَا عَلَى هَذَا نَهْيًا.
وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، وَفِي مَوْضِعِهَا وَجْهَانِ:
- أَحَدُهُمَا: هى مَنْصُوبَة وفى ذَلِك وَجْهَان (أَحدهمَا هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ مِنْ «مَا»، وَ «لَا» زَائِدَةٌ؛ أَيْ: حَرَّمَ رَبُّكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا عَلَيْكُمْ، وَالْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَ عَلَى؛ أَيِ: الْزَمُوا تَرْكَ الشِّرْكِ).
- وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: الْمَتْلُوُّ أَنْ لَا تُشْرِكُوا، أَوِ الْمُحَرَّمُ أَنْ تُشْرِكُوا. «وَلَا» زَائِدَةٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.
وَ (شَيْئًا) : مَفْعُولُ تُشْرِكُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ؛ أَيْ: إِشْرَاكًا. وَ (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ. (مِنْ إِمْلَاقٍ) : أَيْ مِنْ أَجْلِ الْفَقْرِ. (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) : بَدَلَانِ مِنَ الْفَوَاحِشِ، بَدَلُ الِاشْتِمَالِ، وَمِنْهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ. وَ (بِالْحَقِّ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. (ذَلِكُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «وَصَّاكُمْ بِهِ» الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ: أَلْزَمَكُمْ ذَلِكُمْ، وَوَصَّاكُمْ: تَفْسِيرٌ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : أَيْ إِلَّا بِالْخَصْلَةِ.
548
(أَلَّا تُشْرِكُوا) : فِي «أَنْ» وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى أَيْ، فَتَكُونُ لَا عَلَى هَذَا نَهْيًا.
وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، وَفِي مَوْضِعِهَا وَجْهَانِ:
- أَحَدُهُمَا: هى مَنْصُوبَة وفى ذَلِك وَجْهَان (أَحدهمَا هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ مِنْ «مَا»، وَ «لَا» زَائِدَةٌ؛ أَيْ: حَرَّمَ رَبُّكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا عَلَيْكُمْ، وَالْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَ عَلَى؛ أَيِ: الْزَمُوا تَرْكَ الشِّرْكِ).
- وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: الْمَتْلُوُّ أَنْ لَا تُشْرِكُوا، أَوِ الْمُحَرَّمُ أَنْ تُشْرِكُوا. «وَلَا» زَائِدَةٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.
وَ (شَيْئًا) : مَفْعُولُ تُشْرِكُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ؛ أَيْ: إِشْرَاكًا. وَ (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ. (مِنْ إِمْلَاقٍ) : أَيْ مِنْ أَجْلِ الْفَقْرِ. (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) : بَدَلَانِ مِنَ الْفَوَاحِشِ، بَدَلُ الِاشْتِمَالِ، وَمِنْهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ. وَ (بِالْحَقِّ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. (ذَلِكُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «وَصَّاكُمْ بِهِ» الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ: أَلْزَمَكُمْ ذَلِكُمْ، وَوَصَّاكُمْ: تَفْسِيرٌ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : أَيْ إِلَّا بِالْخَصْلَةِ.
548
وَ (بِالْقِسْطِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُقْسِطِينَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: أَوْفُوا الْكَيْلَ تَامًّا.
وَالْكَيْلُ هَاهُنَا مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ، وَالْمِيزَانُ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: «مَكِيلَ الْكَيْلِ»، وَ «مَوْزُونَ الْمِيزَانِ». (لَا نُكَلِّفُ) : مُسْتَأْنَفٌ.
(وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) : أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ، أَوْ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٥٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَذَا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: تَقْدِيرُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: فَاتَّبِعُوهُ؛ أَيْ: وَلِأَجْلِ اسْتِقَامَتِهِ اتَّبِعُوهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْوَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: «كَمَا أَرْسَلْنَا».
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا حَرَّمَ؛ أَيْ: وَاتْلُو عَلَيْكُمْ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي.
وَالثَّالِثُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي وَصَّاكُمْ بِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَصَّاكُمْ بِاسْتِقَامَةِ الصِّرَاطِ؛ وَهُوَ فَاسِدٌ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، وَهِيَ كَالْمُشَدَّدَةِ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَمُسْتَقِيمًا حَالٌ. وَالْعَامِلُ فِيهِ هَذَا.
(فَتَفَرَّقَ) : جَوَابُ النَّهْيِ، وَالْأَصْلُ فَتَفَرَّقَ. وَ (بِكُمْ) : فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: فَتُفَرِّقُكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: فَتَتَفَرَّقُ وَأَنْتُمْ مَعَهَا.
549
وَ (بِالْقِسْطِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُقْسِطِينَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: أَوْفُوا الْكَيْلَ تَامًّا.
وَالْكَيْلُ هَاهُنَا مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ، وَالْمِيزَانُ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: «مَكِيلَ الْكَيْلِ»، وَ «مَوْزُونَ الْمِيزَانِ». (لَا نُكَلِّفُ) : مُسْتَأْنَفٌ.
(وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) : أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ، أَوْ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٥٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَذَا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: تَقْدِيرُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: فَاتَّبِعُوهُ؛ أَيْ: وَلِأَجْلِ اسْتِقَامَتِهِ اتَّبِعُوهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْوَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: «كَمَا أَرْسَلْنَا».
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا حَرَّمَ؛ أَيْ: وَاتْلُو عَلَيْكُمْ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي.
وَالثَّالِثُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي وَصَّاكُمْ بِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَصَّاكُمْ بِاسْتِقَامَةِ الصِّرَاطِ؛ وَهُوَ فَاسِدٌ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، وَهِيَ كَالْمُشَدَّدَةِ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَمُسْتَقِيمًا حَالٌ. وَالْعَامِلُ فِيهِ هَذَا.
(فَتَفَرَّقَ) : جَوَابُ النَّهْيِ، وَالْأَصْلُ فَتَفَرَّقَ. وَ (بِكُمْ) : فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: فَتُفَرِّقُكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: فَتَتَفَرَّقُ وَأَنْتُمْ مَعَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) (١٥٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَمَامًا) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ مَصْدَرٌ؛ أَيْ: أَتْمَمْنَاهُ إِتْمَامًا؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكِتَابِ. (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، وَفِي فَاعِلِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ، وَالْهَاءُ مَحْذُوفَةٌ؛ أَيْ: عَلَى الَّذِي أَحْسَنَهُ اللَّهُ؛ أَيْ: أَحْسَنَ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ مُوسَى.
وَالثَّانِي: هُوَ ضَمِيرُ مُوسَى؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ فِي فِعْلِهِ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ النُّونِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ، وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ الْعَائِدُ عَلَى الَّذِي؛ أَيْ: عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَنَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَحْسَنَ بِفَتْحِ النُّونِ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِلَّذِي وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِلَةٍ.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٥٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهَذَا) : مُبْتَدَأٌ وَ «كِتَابٌ» خَبَرُهُ وَ «أَنْزَلْنَاهُ» صِفَةٌ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ. وَ «مُبَارَكٌ» صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، أَوْ خَبَرٌ ثَالِثٌ، وَلَوْ كَانَ قُرِئَ «مُبَارَكًا» بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ جَازَ.
قَالَ تَعَالَى: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) (١٥٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَقُولُوا) : أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولُوا.
(أَوْ تَقُولُوا) : مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كُنَّا) : إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ فِي «لَغَافِلِينَ» عِوَضٌ، أَوْ فَارِقَةٌ بَيْنَ إِنَّ وَمَا.
قَالَ تَعَالَى: (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ) (١٥٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِمَّنْ كَذَّبَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى التَّشْدِيدِ، وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُشَدَّدِ، فَيَكُونُ: بِآيَاتِ اللَّهِ مَفْعُولًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: كَذَّبَ وَمَعَهُ آيَاتُ اللَّهِ.
(يَصْدِفُونَ) : يُقْرَأُ بِالصَّادِ الْخَالِصَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَبِإِشْمَامِ الصَّادِ زَايًا، وَبِإِخْلَاصِهَا زَايًا لِتَقْرُبَ مِنَ الدَّالِ، وَسَوَّغَ ذَلِكَ فِيهَا سُكُونُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يَأْتِي) : الْجُمْهُورُ عَلَى النَّصْبِ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ «لَا يَنْفَعُ». وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ، وَالْخَبَرُ لَا يَنْفَعُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: لَا يَنْفَعُ «نَفْسًا إِيمَانُهَا» فِيهِ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْيَاءِ فِي يَنْفَعُ. وَقُرِئَ بِالتَّاءِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَنَّثَ الْمَصْدَرَ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْعَقِيدَةَ بِمَعْنًى، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ جَاءَتْهُ كِتَابِي فَاحْتَقَرَهَا؛ أَيْ: صَحِيفَتِي أَوْ رِسَالَتِي.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَسُنَ التَّأْنِيثُ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ.
(لَمْ تَكُنْ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَالثَّانِي: هِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ، أَوْ عَلَى الصِّفَةِ لِنَفْسٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَبِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُشَدَّدِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَصَلُوهُ عَنِ الدِّينِ الْحَقِّ، وَيُقْرَأُ فَارَقُوا؛ أَيْ: تَرَكُوا.
(لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) : أَيْ: لَسْتَ فِي شَيْءٍ كَائِنٍ مِنْهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (١٦٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) : يُقْرَأُ بِالْإِضَافَةِ؛ أَيْ: فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالُهَا، فَاكْتَفَى بِالصِّفَةِ.
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى تَقْدِيرِ فَلَهُ حَسَنَاتٌ عَشْرٌ أَمْثَالُهَا، وَحَذَفَ التَّاءَ مِنْ عَشْرٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْثَالَ فِي الْمَعْنَى مُؤَنَّثَةٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الْحَسَنَةِ حَسَنَةٌ.
وَقِيلَ: أَنَّثَ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى الْمُؤَنَّثِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٦١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دِينَا) : فِي نَصْبِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ الصِّرَاطِ عَلَى الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَدَانِي وَعَرَّفَنِي وَاحِدٌ. وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ؛ أَيْ: عَرَّفَنِي دِينًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَفْعُولُ هَدَانِي، وَهَدَى يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَ «قَيِّمًا» : بِالتَّشْدِيدِ صِفَةٌ لِدِينٍ، وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ. وَ (مِلَّةَ) : بَدَلٌ مِنْ دِينٍ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي. وَ (حَنِيفًا) : حَالٌ أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (١٦٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَحْيَايَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ، وَأَصْلُهَا الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهَا حَرْفٌ مُضْمَرٌ، فَهِيَ كَالْكَافِ فِي رَأَيْتُكَ، وَالتَّاءُ فِي قُمْتُ، وَقُرِئَ بِإِسْكَانِهَا كَمَا تُسَكَّنُ فِي أَيْ
وَنَحْوِهِ، وَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ تَفْصِلُ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ قُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِكَسْرِ الْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مُضْمَرٌ كُسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. (لِلَّهِ) : أَيْ: ذَلِكَ كُلُّهُ لِلَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) [الْأَنْعَامِ: ١٦٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ) : هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ) [آلِ عِمْرَانَ: ٨٥] وَقَدْ ذُكِرَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دَرَجَاتٍ) : قَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) [الْأَنْعَامِ: ٨٣].
Icon