تفسير سورة الأنعام

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(٦) سورة الأنعام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)
١- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ:
جَعَلَ يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى: أحدث وأنشأ، كما هنا، وإلى مفعولين إذا كان بمعنى: صير.
والفرق بين الخلق والجعل، أن الخلق فيه معنى التقدير، وفى الجعل معنى: التضمين، كإنشاء شىء من شىء، أو تصير شىء شيئا، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن الأول هذه الآية.
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على قوله قبل الْحَمْدُ لِلَّهِ على معنى: أن الله حقيق بالحمد على ما خلق، لأنه ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته.
وإما عطف على قوله خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شىء منه.
٢- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ:
ثُمَّ قَضى أَجَلًا أجل الموت.
وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ أجل القيامة. وجاز تقديم المبتدأ النكرة، وهو واجب التأخير، إذا كان خبره ظرفا لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣ الى ٥]

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥)
٣- وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ:
فِي السَّماواتِ متعلق بمعنى اسم الله، كأنه قيل: وهو المعبود فيها، أو هو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها، أو هو الذي يقال له: الله فيها لا يشرك به فى هذا الاسم.
ويجوز أن يكون اللَّهُ فِي السَّماواتِ خبرا بعد خبر، على معنى:
أنه الله، وأنه فى السماوات والأرض. بمعنى أنه عالم بما فيهما لا يخفى عليه منه شىء، كأن ذاته فيهما.
يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ إن أردت أنه المتوحد بالإلهية كان هذا تقريرا له، لأن الذي استوى فى علمه السر والعلانية هو الله وحده.
وكذا إذا جعلت فِي السَّماواتِ خبرا بعد خبر.
وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم.
وقد يكون خبرا ثالثا.
وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ من الخير والشر، ويثيب عليه ويعاقب.
٤- وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ:
مِنْ آيَةٍ من، للاستغراق.
مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ من، للتبعيض.
أي: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال إلا كانوا عنه معرضين، تاركين للنظر، لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأسا، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب.
٥- فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ:
فَقَدْ كَذَّبُوا مردود على كلام محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها، وهو الحق.
لَمَّا جاءَهُمْ يعنى القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم فى الفصاحة فعجزوا عنه.
فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الشيء الذي كانوا به يستهزئون، وهو القرآن، أي أخباره وأحواله.
والمعنى: سيعلمون بأى شىء استهزءوا، وسيظهر لهم أنه لم يكن موضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم فى الدنيا، أو يوم القيامة.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦ الى ٧]
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
٦- أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ:
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ جعلنا لهم مكانا فيها.
ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ أي لم نعط أهل مكة ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة فى الأجسام، والسعة فى الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا.
وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً مغزارا.
قَرْناً آخَرِينَ أي لا يتعاظمه أن يهلك قرنا، وأنه قادر على أن ينشىء مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده.
٧- وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ:
كِتاباً مكتوبا.
فِي قِرْطاسٍ فى ورق.
فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ولم يقتصر بهم على الرؤية لئلا يقولوا: سكرت أبصارنا، ولا تبقى لهم علة.
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨ الى ٩]

وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)
٨- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ:
لَقُضِيَ الْأَمْرُ أمر إهلاكهم.
ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ بعد نزوله طرفة عين.
إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فى صورته، وهى آية لا شىء أبين منها وأيقن، ثم لا يؤمنون، كان لا بد من إهلاكهم.
وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة، فيجب إهلاكهم.
وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكا فى صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
ومعنى ثُمَّ بعد ما بين الأمرين: قضاء الأمر، وعدم الإنظار، جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر، لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة.
٩- وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ:
وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا.
لَجَعَلْناهُ رَجُلًا لأرسلناه فى صورة رجل كما كان ينزل جبريل فى أعم الأحوال فى صورة وصية، لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة فى صورهم.
وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك فى صورة إنسان: هذا إنسان وليس بملك. فإن قال لهم: الدليل على أنى ملك أنى جئت بالقرآن المعجز، وهو ناطق بأنى ملك لا بشر كذبوا، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن، فهو لبس الله عليهم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠ الى ١٣]

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)
١٠- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مما كان يلقى من قومه.
فَحاقَ فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق، حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به.
١١- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ:
انْظُرُوا أي سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين.
١٢- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ سؤال تبكيت.
قُلْ لِلَّهِ تقرير لهم، أي هو الله، لا خلاف بينى وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره.
كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجبها على ذاته فى هدايتكم إلى معرفته، ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السماوات والأرض، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شىء بقوله:
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فيجازيكم على إشراككم.
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ نصب على الذم، أو رفع، أي: أريد الذين خسروا أنفسهم، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم.
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي الذين خسروا أنفسهم فى علم الله، لاختيارهم الكفر، فهم لا يؤمنون.
١٣- وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
وَلَهُ عطف على لفظ (الله).
ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من السكنى.
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم، فلا يخفى عليه شىء مما يشتمل عليه الملوان.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤ الى ١٧]
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)
١٤- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
أَغَيْرَ اللَّهِ جاءت همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو أَتَّخِذُ لأن الإنكار فى اتخاذ غير الله وليا لا فى اتخاذه الولي، فكان أولى بالتقديم.
فاطِرِ السَّماواتِ بالجر صفة لله. وقرىء بالرفع على المدح.
وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ وهو يرزق ولا يرزق.
أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم سابق أمته فى الإسلام.
وَلا تَكُونَنَّ وقيل لى: لا تكونن.
مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك.
١٥- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ:
قل: إنى أخاف إن أخلفت أمر ربى وعصيته، عذاب يوم شديد.
١٦- مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ:
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ العذاب.
يَوْمَئِذٍ يوم الحساب.
فَقَدْ رَحِمَهُ لله الرحمة العظمى، وهى النجاة.
١٧- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
بِضُرٍّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من البلاء، فلا قادر على كشفه إلا هو.
بِخَيْرٍ من غنى أو صحة.
فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على إدامته أو إزالته.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
١٨- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ:
فَوْقَ عِبادِهِ تصوير للقهر والعلو بالغلبة والقدرة.
١٩- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ:
أَكْبَرُ شَهادَةً أي: أي شهيد أكبر شهادة، فوضع شيئا مقام شهيد ليبالغ فى التعميم.
قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يحتمل أن يكون تمام الجواب عند قوله قُلِ اللَّهُ بمعنى: الله أكبر شهادة، ثم ابتدئ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أي هو شهيد بينى وبينكم، كما يحتمل أن اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وهو الجواب، لدلالته على أن الله عز وجل إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شىء شهادة شهيد له.
وَمَنْ بَلَغَ عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة، أي: لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم.
أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ تقرير لهم مع إنكار واستبعاد.
قُلْ لا أَشْهَدُ شهادتكم.
٢٠- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اليهود والنصارى يعرفون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بحليته ونعمه الثابتة فى الكتابين معرفة خالصة.
كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم.
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين.
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ به جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة والبرهان الصحيح.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢١ الى ٢٥]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥)
٢١- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ:
وليس أحد أشد ظلما لنفسه وللحق ممن افترى على الله الكذب، وادعى أن له ولدا أو شريكا، أو نسب إليه ما لا يليق، أو أنكر أدلته الدالة على وحدانيته وصدق رسله. إن الظالمين لا يفوزون بخير فى الدنيا والآخرة.
٢٢- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ:
وَيَوْمَ ناصبه محذوف، تقديره: ويوم نحشرهم كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل فى التخويف.
أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله.
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي: تزعمونهم شركاء، فحذف المفعولان.
٢٣- ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ:
فِتْنَتُهُمْ كفرهم.
والمعنى: ثم لم تكن عاقبة كفرهم- الذي لزموه أعمارهم، وقاتلوا عليه، وافتخروا به، وقالوا دين آبائنا- إلا جحوده والتبرؤ منه.
٢٤- انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ:
وَضَلَّ عَنْهُمْ وغاب عنهم.
ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي يفترون إلهيته وشفاعته.
٢٥- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تتلو القرآن.
عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أغطية تحجب عنهم الإدراك الصحيح.
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما يحول دون سماع آيات القرآن.
آيَةٍ دليل.
إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فيجعلون كلام الله وأصدق الحديث خرافات وأكاذيب، وهى الغاية فى التكذيب.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧)
٢٦- وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ:
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ الناس عن القرآن، أو عن الرسول، صلّى الله عليه وآله وسلم وأتباعه، ويثبطونهم عن الإيمان به.
وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ بأنفسهم فيضلون ويضلون.
وَإِنْ يُهْلِكُونَ بذلك.
إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ولا يتعداهم الضرر إلى غيرهم، وإن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
٢٧- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
وَلَوْ تَرى جوابه محذوف، تقديره: ولو ترى لرأيت أمرا شنيعا.
وُقِفُوا عَلَى النَّارِ أروها حتى يعاينوها، أو اطلعوا عليها اطلاعا وهى تحتهم، أو أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها.
يا لَيْتَنا نُرَدُّ تم تمنيهم، ثم ابتدءوا:
وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ واعدين
الإيمان، كأنهم قالوا: ونحن لا نكذب ونتوب على وجه الإثبات، أشبه بقولك: دعنى ولا أعود، أي دعنى وأنا لا أعود، تركتنى أو لم تتركنى.
ويجوز أن يكون معطوفا على نُرَدُّ.
أو حالا، على معنى: يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين، فيدخل تحت حكم التمني.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨) وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠)
٢٨- بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ من قبائحهم وفضائحهم فى صحفهم وبشهادة جوارحهم عليهم فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجرا، لا أنهم عازمون على أنهم لو ردوا لآمنوا.
وَلَوْ رُدُّوا إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار.
لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر والمعاصي.
وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما وعدوا من أنفسهم لا يفون به.
٢٩- وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ:
وَقالُوا عطف على لَعادُوا. أي لو ردوا لكفروا ولقالوا:
إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة.
ويجوز أن يعطف على قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ على معنى: وإنهم لقوم كاذبون فى كل شىء، وهم الذين قالوا: إن هى إلا حياتنا الدنيا، وكفى به دليلا على كذبهم.
٣٠- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ:
وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال.
قالَ مردود على قول قائل قال: ماذا قال ربهم إذ وقفوا عليه؟
فقيل: قال:
أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ وهذا تعيين من الله تعالى لهم على التكذيب، وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث والجزاء- ما هو بحق وما هو إلا باطل.
بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بكفركم بلقاء الله ببلوغ الآخرة وما يتصل بها.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)
٣١- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ:
حَتَّى غاية لقوله كَذَّبُوا لا لقوله خَسِرَ، لأن خسرانهم لا غاية له، أي ما زال بهم التكذيب إلى حسرتهم وقت مجىء الساعة.
بَغْتَةً فجأة، وانتصابها على الحال بمعنى: باغتة، أو على المصدر كأنه قيل: بغتتهم الساعة بغتة.
عَلى ما فَرَّطْنا فِيها الضمير للحياة الدنيا، جىء بضميرها وإن لم يجر لها ذكر لكونها معلومة. أو للساعة، على معنى: قصرنا فى شأنها وفى الإيمان بها.
وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور.
ساءَ ما يَزِرُونَ أي بئس شيئا يزرون وزرهم.
٣٢- وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
جعل أعمال الدنيا لعبا ولهوا واشتغالا بما لا يعنى ولا يعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة.
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو.
٣٣- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ:
قَدْ نَعْلَمُ قد، بمعنى: ربما، الذي يجىء لزيادة الفعل وكثرته.
إِنَّهُ الهاء ضمير الشأن.
الَّذِي يَقُولُونَ وهو قولهم ساحر كذاب.
لا يُكَذِّبُونَكَ أي إن تكذيبك أمر راجع إلى الله، لأنك رسول الله المصدق بالمعجزات، فهم لا يكذبونك فى الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)
٣٤- وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ:
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين.
٣٥- وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ:
وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ كان يكبر على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به.
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ منفذا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها.
أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ منها.
بِآيَةٍ فافعل. يعنى إنك لا تستطيع ذلك.
والمراد بيان حرصه صلى الله عليه وآله وسلم على إسلام قومه وتهالكه عليه، وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى بأن يأتيهم بآية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ من الذين يجهلون ذلك ويرومون خلافه.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)
٣٦- إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون:
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعنى أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع.
وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة.
ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ للجزاء، فكان قادرا على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان وأنت لا تقدر على ذلك.
وقيل: معناه: وهؤلاء الموتى- يعنى الكفرة- يبعثهم الله، ثم إليه يرجعون، فحينئذ يسمعون. وأما ما قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم.
٣٧- وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ذكر الفعل والفاعل مؤنث لأن تأنيث آيَةٌ غير حقيقى.
قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً تضطرهم إلى الإيمان.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية، وأن صارفا من الحكمة يصرفه عن إنزالها.
٣٨- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ:
أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم.
ما فَرَّطْنا ما تركنا وما أغفلنا.
فِي الْكِتابِ فى اللوح المحفوظ.
مِنْ شَيْءٍ من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت مما يختص به.
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعنى الأمم كلها من الدواب والطير.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١)
٣٩- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي المكذبون.
صُمٌّ لا يسمعون كلام المنبه.
بُكْمٌ لا ينطقون بالحق.
فِي الظُّلُماتِ خابطون فى ظلمات الكفر، فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه.
مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ أي يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به، لأنه ليس من أهل اللطف.
وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي يلطف به لأن اللطف يجدى عليه.
٤٠- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
أَرَأَيْتَكُمْ أخبرونى.
أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ من تدعون.
أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ تبكيت. أي أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر، أم تدعون الله دونها.
٤١- بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ:
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة.
فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ أي ما تدعونه إلى كشفه.
إِنْ شاءَ إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة.
وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ وتتركون آلهتكم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)
٤٢- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ:
بِالْبَأْساءِ بالقحط والجوع.
وَالضَّرَّاءِ المرض ونقصان الأموال والأنفس.
والمعنى: ولقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم.
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم.
٤٣- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا معناه: نفى التضرع، كأنه قيل: فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا، ولكنه جاء بالحرف لولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر فى ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم.
٤٤- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ:
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ من البأساء والضراء، أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم.
فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من الصحة والسعة وصنوف المتعة ليزاوج عليهم بين نوبتى الضراء والسراء.
حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من الخير والنعم.
أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ واجمون متحسرون آيسون.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨)
٤٥- فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ:
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ آخرهم لم يترك منهم أحد قد استؤصلت شأفتهم.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة.
٤٦- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ:
إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ بأن يصمكم ويعميكم.
وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بأن يغطى عليها ما يذهب عنده فهمكم وعقلكم.
يَأْتِيكُمْ بِهِ أي يأتيكم بذاك، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة، أو بما أخذ وحكم عليه.
يَصْدِفُونَ يعرضون عن الآيات بعد ظهورها.
٤٧- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ:
بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً لما كانت البغتة أن يقع الأمر من غير أن يشعر به وتظهر أماراته قيل: بغتة أو جهرة.
هَلْ يُهْلَكُ أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الظالمون.
٤٨- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
مُبَشِّرِينَ من آمن بهم وبما جاءوا به وأطاعهم.
وَمُنْذِرِينَ من كذبهم وعصاهم.
وَأَصْلَحَ ما يجب عليه إصلاحه.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٩ الى ٥١]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩) قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١)
٤٩- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ:
يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ جعل العذاب ماسا يفعل بهم ما يريد من الآلام.
٥٠- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ:
أي لا أدعى ما يستبعد فى القول:
أن يكون لبشر من ملك خزائن الله، وهى قسمة بين الخلق وإرزاقه، وعلم الغيب.
وأنى من الملائكة.
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وإنما أدعى ما كان مثله لكثير من البشر، وهو النبوة.
هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل للضال والمهتدى.
أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فلا تكونوا ضالين أشباه العميان.
٥١- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:
وَأَنْذِرْ بِهِ الضمير راجع إلى قوله ما يُوحى إِلَيَّ.
الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إما قوم داخلون فى الإسلام مقرون بالبعث إلا أنهم مفرطون فى العمل فينذرهم بما يوحى إليه.
وإما أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث.
وإما ناس من المشركين علم من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقا فيهلكوا فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الانذار، دون المتمردين منهم فأمر أن ينذر هؤلاء.
لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ فى موضع الحال من أَنْ يُحْشَرُوا بمعنى: يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم.
ولا بد من هذه الحال، لأن كلا محشور، فالمخوف إنما هو الحشر على هذه الحال.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يدخلون فى زمرة المتقين المسلمين.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٢]
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)
٥٢- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ذكر غير المتقين من المسلمين وأمر بإنذارهم ليتقوا، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم وأمره بتقريبهم وإكرامهم.
وهذا أن رؤساء المشركين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: لو طردت عنا هؤلاء الأعبد، يعنون فقراء المسلمين.
فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: ما أنا بطارد المؤمنين. فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا، فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت.
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ أي يواصلون دعاء ربهم، أي عبادته، ويواظبون عليها، والمراد بذكر الغداة والعشى الدوام.
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ يسمهم بالإخلاص فى عبادتهم. والوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته.
ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وذلك أنهم طعنوا فى دينهم وإخلاصهم، أي إن كان الأمر على ما يقولون عند الله فما يلزمك إلا اعتبار والاتسام بسيمة المتقين، وإن كان لهم باطن غير مرضى فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك.
وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]

وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)
٥٣- وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ:
وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الفتن العظيم.
فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فتنا بعض الناس ببعض، أي ابتليناهم بهم.
أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أي أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحق، ولما يسعدهم عنده من دوننا، ونحن المقدمون والرؤساء، وهم العبيد والفقراء، إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحق وممنونا عليهم من بينهم بالخير.
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ أي الله أعلم بأن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان ومن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق.
٥٤- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ إما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم وتطييبا لقلوبهم، وإما أن يكون أمرا بتبليغ سلام الله إليهم.
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ من جملة ما أمر أن يقوله لهم ليسرهم ويبشرهم بسعة رحمة الله وقبوله التوبة منهم.
أَنَّهُ بالفتح على الإبدال من الرحمة. وقرىء بالكسر على الاستئناف، كأن الرحمة استفسرت. فقيل أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ.
بِجَهالَةٍ فى موضع الحال، أي عمله وهو جاهل.
أي إنه فاعل فعل الجهلة، لأن من عمل ما يؤدى إلى الضرر فى العاقبة، وهو عالم بذلك أو ظان، فهو من أهل السفه والجهل، لا من أهل الحكمة والتدبير.
أو أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة، ومن حق الحكيم أنه لا يقدم على شىء حتى يعلم حاله وكيفيته.
فَأَنَّهُ وقرىء بالكسر على الاستئناف.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧)
٥٥- وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ:
وَلِتَسْتَبِينَ وقرىء: وليستبين، بالياء، لأن السبيل يذكر ويؤنث.
٥٦- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ:
نُهِيتُ صرفت وزجرت، بما ركب فى من أدلة العقل، وبما أوتيت من أدلة السمع عن عبادة ما تعبدون.
مِنْ دُونِ اللَّهِ فيه استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا فيه على غير بصيرة.
قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ أي لا أجرى فى طريقتكم التي سلكتموها فى دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل.
قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال، وما أنا من الهدى فى شىء.
٥٧- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ:
قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي إنى من معرفة ربى وأنه لا معبود سواه على حجة واضحة وشاهد صدق.
وقيل: على حجة من جهة ربى، وهى القرآن.
وَكَذَّبْتُمْ بِهِ أنتم حيث أشركتم به غيره. وقيل: أي بالبينة.
وذكر الضمير على تأويل: البيان أو القرآن.
ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعنى العذاب الذي استعجلوه فى قولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ.
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فى تأخير عذابكم.
يَقُصُّ الْحَقَّ أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره.
وقرىء (يقض بالحق) أي القضاء الحق فى كل ما يقضى به من التأخير والتعجيل فى أقسامه.
ونصب لأنه صفة لمصدر: يقضى، أي يقضى القضاء الحق.
وقيل: هو مفعول به، من قولهم: قضى الدرع، إذا صنعها. أي يصنع الحق ويدبره.
وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ أي القاضين.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)
٥٨- قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ:
لَوْ أَنَّ عِنْدِي أي فى قدرتى وإمكانى.
ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب.
لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ لأهلكتم عاجلا غضبا وامتعاضا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ وبما يجب فى الحكمة من كنه عقابهم.
٥٩- وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ:
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة.
وَلا حَبَّةٍ عطف على: ورقة، وداخل فى حكمها.
وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ عطف على: ورقة وداخل فى حكمها.
إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ كالتكرير لقوله إِلَّا يَعْلَمُها إذ معناهما واحد.
٦٠- وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ الخطاب للكفرة، أي أنتم منسدحون ومنسطحون على القفا الليل كله كالجيف.
وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ما كسبتم من الآثام فيه.
ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ من القبور فى شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل، وكسب الآثام بالنهار، ومن أجله.
لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم.
ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ وهو المرجع إلى موقف الحساب.
ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فى ليلكم ونهاركم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣)
٦١- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ:
حَفَظَةً ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون.
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا أي استوفت روحه، وهم ملك الموت وأعوانه.
وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ من التفريط، وهو التواني والتأخير عن الحد.
٦٢- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ:
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ أي حكمه وجزائه.
مَوْلاهُمُ مالكهم الذي يلى عليهم أمورهم.
الْحَقِّ العدل الذي لا يحكم إلا بالحق.
أَلا لَهُ الْحُكْمُ يومئذ لا حكم لغيره.
وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ لا يشغله حساب عن حساب.
٦٣- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ:
ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما.
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً فى تضرع ظاهر وباطن.
لَئِنْ أَنْجانا على إرادة القول.
مِنْ هذِهِ من هذه الظلمة الشديدة.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٤ الى ٦٦]
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦)
٦٤- قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ:
قُلِ اللَّهُ وحده.
يُنَجِّيكُمْ مِنْها ينقذكم من هذه الأهوال.
وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ومن كل شدة أخرى.
ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ثم أنتم مع ذلك تشركون معه فى العبادة غيره مما لا يدفع شرا ولا يجلب خيرا.
٦٥- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ:
قُلْ هُوَ الْقادِرُ هو الذي عرفتموه قادرا وهو الكامل القدرة.
عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ كما أمطر على قوم لوط، وعلى أصحاب الفيل، الحجارة، وأرسل على قوم نوح الطوفان. أو من أكابركم وسلاطينكم.
أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ كما أغرق فرعون وخسف بقارون، أو من قبل سفلتكم وعبيدكم.
أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة منكم مشايعة لإمام.
٦٦- وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ:
وَكَذَّبَ بِهِ أي بالعذاب.
وَهُوَ الْحَقُّ أي لا بد أن ينزل بهم.
قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ، وكل إلى أمركم، أمنعكم من التكذيب إجبارا، وإنما أنا منذر.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]
لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)
٦٧- لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ:
لِكُلِّ نَبَإٍ لكل شىء ينبأ به. يعنى إنباءهم بأنهم يعذبون، وإيعادهم به.
مُسْتَقَرٌّ وقت استقرار وحصول لا بد منه.
٦٨- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:
يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فى الاستهزاء بها والطعن فيها. وكانت قريش فى أنديتهم يفعلون ذلك.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فلا تجالسهم وقم عنهم.
حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فلا بأس أن تجالسهم حينئذ.
وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهى عن مجالستهم.
فَلا تَقْعُدْ معهم.
بَعْدَ الذِّكْرى بعد أن تذكر النهى.
وقيل: فلا تقعد بعد أن ذكرناك قبحها ونهيناك عليه معهم.
٦٩- وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:
وَلكِنْ عليهم أن يذكروهم ذكرى إذا سمعوهم يخوضون، بالقيام عنهم وإظهار الكرامة لهم وموعظتهم.
ذِكْرى نصب على: ولكنهم يذكرونهم ذكرى، أي تذكيرا.
أو رفع على: ولكن عليهم ذكرى.
ولا يجوز أن يكون عطفا على محل مِنْ شَيْءٍ لأن قوله مِنْ حِسابِهِمْ يأبى ذلك.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٠ الى ٧١]
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١)
٧٠- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ:
اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به، لعبا ولهوا، وذلك أن عبدة الأصنام وما كانوا عليه من تحريم البحائر والسوائب وغير ذلك، من باب اللعب واللهو واتباع هوى النفس والعمل بالشهوة ومن جنس الهزل دون الجد.
وَذَكِّرْ بِهِ أي بالقرآن.
أَنْ تُبْسَلَ مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها، وأصل الإبسال: المنع، لأن المسلم إليه يمنع المسلم.
وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها وإن تفد كل فداء. والعدل:
الفدية، لأن الفادي يعدل المفدى بمثله.
وكُلَّ عَدْلٍ نصب على المصدر.
وفاعل لا يُؤْخَذْ قوله مِنْها لا ضمير العدل، لأن العدل هاهنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ.
أُولئِكَ إشارة إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا.
٧١- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى
أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ
أَنَدْعُوا أنعبد.
مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يقدر على نفعنا ومضرتنا.
وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا راجعين إلى الشرك بعد إذ أنقذنا الله منه وهدانا للإسلام.
كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ طلبت هويه وحرصت عليه. والكاف فى محل نصب من الحال من الضمير فى نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا أي: أننكص مشبهين من استهوته الشياطين.
وَأُمِرْنا فى محل النصب عطفا على محل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى على أنهما مقولان، كأنه قيل: قل هذا القول وقل أمرنا لنسلم.
لِنُسْلِمَ تعليل للأمر، بمعنى: أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣)
٧٢- وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ:
وَأَنْ أَقِيمُوا عطف على موضع لِنُسْلِمَ كأنه قيل: وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا، أي للإسلام ولإقامة الصلاة.
٧٣- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ:
وَيَوْمَ يَقُولُ خبر مقدم، وانتصابه بمعنى الاستقراء. واليوم، بمعنى: الحين.
قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ مؤخر.
والمعنى: أنه خلق السموات والأرض قائما بالحق والحكمة وحين يقول لشىء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء، قوله الحق والحكمة.
أي لا يكون شيئا من السموات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب.
وانتصاب اليوم بمحذوف دل عليه قوله بِالْحَقِّ كأنه قيل: وحين يكون ويقدر يقوم بالحق.
ويجوز أن يكون قَوْلُهُ الْحَقُّ فاعل فَيَكُونُ على معنى: وحين يقول لقوله الحق، أي لقضائه الحق كُنْ فيكون قوله الحق.
يَوْمَ يُنْفَخُ ظرف لقوله وَلَهُ الْمُلْكُ.
عالِمُ الْغَيْبِ أي هو عالم الغيب، وارتفاعه على المدح.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)
٧٤- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
آزَرَ اسم أبى إبراهيم، عليه السلام، وهو عطف بيان لقوله لِأَبِيهِ.
وقرىء (آزر) بالضم على النداء.
وقيل آزَرَ اسم صنم، وكأنه نبز به للزومه عبادته، أو أريد:
عابد آزر.
٧٥- وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ:
نُرِي حكاية حال ماضية.
مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى الربوبية والإلهية، ونوفقه لمعرفتها ونرشده بما شرحنا صدره وحددنا نظره وهديناه لطريق الاستدلال.
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فعلنا ذلك.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٦ الى ٧٨]
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨)
٧٦- فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ:
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ عطف على قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ، وقوله وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ جملة معترض بها بين المعطوف والمعطوف عليه.
والمعنى: ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف ابراهيم ونبصره.
وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها، لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدثا أحداثها، وصانعا صنعها، ومدبرا دبر طلوعها وأقوالها وانتقالها وسيرها وسائر أحوالها.
هذا رَبِّي قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه، لأن ذلك أدعى الى الحق وأنحى من الشغب، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة.
لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال الى حال، المتنقلين من مكان الى مكان، المحتجبين بستر، فان ذلك من صفات الأجرام.
٧٧- فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ:
بازِغاً مبتدئا فى الطلوع.
لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها، وهو نظير الكواكب فى الأرض فى الأفول، فهو ضال، وأن الهداية الى الحق بتوفيق الله ولطفه.
٧٨- فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ:
هذا أَكْبَرُ من باب استعمال النصفة أيضا مع خصومه.
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١)
٧٩- إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ أي للذى دلت هذه المحدثات عليه، وعلى أنه مبتدئها ومبدعها.
٨٠- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ:
وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وكانوا حاجوه فى توحيد الله ونفى الشركاء عنه منكرين ذلك.
وَقَدْ هَدانِ يعنى إلى التوحيد.
وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ وقد خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي إلا وقت مشيئة ربى شيئا يخاف، فحذف الوقت. يعنى: لا أخاف معبوداتكم فى وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربى أن يصيبنى بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه، مثل أن يرجمنى بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر، أو بجعلها قادرة على مضرتى.
وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون فى علمه إنزال المخوف بي من جهتها.
أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز.
٨١- وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
وَكَيْفَ أَخافُ فتخويفكم شيئا مأمون الخوف لا يتعلق به ضرر بوجه.
وَلا تَخافُونَ وأنتم لا تخافون ما يتعلق به كل مخوف وهو إشراككم بالله.
ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ بإشراكه.
سُلْطاناً حجة، لأن الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة.
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أي وما لكم تنكرون على الأمن فى موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن فى موضع الخوف.
ولم يقل: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ احترازا من تزكية نفسه، فعدل عنه إلى قوله فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ، يعنى فريقى المشركين والموحدين.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨٢ الى ٨٤]
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)
٨٢- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ:
الَّذِينَ آمَنُوا استئناف الجواب عن السؤال.
وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أي ولم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم.
٨٣- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ:
وَتِلْكَ حُجَّتُنا إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السّلام على قومه.
آتَيْناها أرشدناه إليها ووفقناه لها.
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يعنى فى العلم والحكمة.
٨٤- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ:
مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الضمير لنوح، أو لإبراهيم.
داوُدَ عطف على قوله وَنُوحاً أي وهدينا داود.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨٥ الى ٨٩]
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩)
٨٥- وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ:
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ وهدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس.
كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ كل واحد من هؤلاء من عبادنا الصالحين.
٨٦- وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ:
وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وهدينا إسماعيل واليسع ويونس ولوطا.
وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ وفضلنا كل واحد من هؤلاء جميعا على العالمين فى زمانه بالهداية والنبوة.
٨٧- وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:
وَمِنْ آبائِهِمْ فى موضع النصب عطفا على قوله كلًّا بمعنى:
وفضلنا بعض آبائهم.
٨٨- ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
وَلَوْ أَشْرَكُوا مع فضلهم وتقدمهم، وما رفع لهم من الدرجات، لكانوا كغيرهم فى هبوط.
٨٩- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريد الجنس.
فَإِنْ يَكْفُرْ بِها بالكتاب والحكمة والنبوة.
هؤُلاءِ يعنى أهل مكة.
قَوْماً هم الأنبياء، المذكورون ومن تابعهم.
بِها صلة لقوله بِكافِرِينَ.
بِكافِرِينَ الباء لتأكيد النفي.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٩٠ الى ٩١]

أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)
٩٠- أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ:
فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فاختص هداهم بالاقتداء، ولا تقتدوا إلا بهم.
والهاء فى اقْتَدِهْ للوقف تسقط فى الدرج. واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء فى المصحف.
٩١- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وما عرفوه حق معرفته فى الرحمة على عباده واللطف بهم حين أنكروا بعثة الرسل والوحى إليهم، ذلك من أجل رحمته وأعظم نعمته.
أو ما عرفوه حق معرفته فى سخطه على الكافرين وشدة بطشه بهم، ولم يخافوه حين جسروا على تلك المقالة العظيمة من إنكار النبوة.
والقائلون هم اليهود، بدليل قوله بعد تَجْعَلُونَهُ، وكذلك تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ.
وإنما قالوا ذلك مبالغة فى إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فألزموا ما لا بد لهم الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام.
ثم أدرج تحت الإلزام توبيخهم، وأن نعى عليهم سوء جهلهم لكتابهم وتحريفهم إياه وإبداء بعضه وإخفاء بعضه.
وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ الخطاب لليهود، أي علمتم على لسان محمد صلّى الله عليه وآله وسلم مما أوحى إليه ما لم تعلموا أنتم، وأنتم حملة التوراة، ولم يعلمه آباؤكم الأقدمون، الذين كانوا أعلم منكم.
وقيل: الخطاب لمن آمن من قريش.
قُلِ اللَّهُ أي أنزله الله، فإنهم لا يقدرون أن يناكروك.
ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ ثم دعهم فى باطلهم الذي يخوضون فيه، ولا عليك بعد إلزام الحجة.
يَلْعَبُونَ حال من ذَرْهُمْ أو من خَوْضِهِمْ.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)
٩٢- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ:
مُبارَكٌ كثير المنافع والفوائد.
وَلِتُنْذِرَ معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب، كأنه قيل:
أو أنزلناه للبركات، وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار.
أُمَّ الْقُرى مكة، لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلهم ومحجهم.
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يصدقون بالعاقبة ويخافونها.
يُؤْمِنُونَ بِهِ بهذا الكتاب، وذلك أن أصل الدين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن.
وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ خص الصلاة لأنها عماد الدين، ومن حافظ عليها كانت لطفا فى المحافظة على أخواتها.
٩٣- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ:
افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً اختلق فزعم أن الله بعثه نبيا.
أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وهو مسيلمة الحنفي الكذاب، أو الأسود العنسي كذاب صنعاء.
447
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وهو عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشي، كان يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فكان إذا أملى عليه (سميعا عليما) كتب هو (عليما حكيما)، وإذا قال (عليما حكيما) كتب (غفورا رحيما). فلما نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ إلى آخر الآية، عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان، فقال فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ
فقال عليه الصلاة والسلام: اكتبها، فكذلك نزلت،
فشك عبد الله وقال: لئن كان محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم صادقا لقد أوحى إلى مثل ما أوحى إليه، ولئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال. فارتد عن الإسلام ولحق بمكة، ثم رجع مسلما قبل فتح مكة.
وقيل: هو النضر بن الحارث، والمستهزءون.
وَلَوْ تَرى جوابه محذوف، أي لرأيت أمرا عظيما.
إِذِ الظَّالِمُونَ يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة، فتكون اللام للعهد. ويجوز أن تكون اللام للجنس فيدخل فيه هؤلاء، لاشتماله عليهم.
فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ فى شدائده وسكراته. وأصل الغمرة: ما يغمر من الماء، فاستعيرت للشدة الغالبة.
باسِطُوا أَيْدِيهِمْ يبسطون إليهم أيديهم يقولون: هاتوا أرواحكم اخرجوا إلينا من أجسادكم، أي يفعلون بهم فعل الغريم المسلط يبسط يده إلى من عليه الحق، ويعنف عليه فى المطالبة ولا يمهله، ويقول:
لا أريم مكانى حتى أنزعه من أحداقك.
وقيل معناه: باسطو أيديهم عليهم بالعذاب.
أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ خلصوها من أيدينا، أي لا تقدرون على الخلاص.
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ أي وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة الفزع.
وقيل: الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب فى البرزخ والقيامة.
448
عَذابَ الْهُونِ الهون: الهوان الشديد، وإضافة العذاب إليه، مثل قولك: رجل سوء، يريد العراقة فى الهوان والتمكن فيه.
عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فلا تؤمنون بها.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤) إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥)
٩٤- وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ:
فُرادى منفردين عن أموالكم وأولادكم وما حرصتم عليه وآثرتموه من دنياكم.
كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ على الهيئة التي ولدتم عليها فى الانفراد.
وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ ما تفضلنا به عليكم فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة.
وَراءَ ظُهُورِكُمْ لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيرا ولا قدمتموه لأنفسكم.
فِيكُمْ شُرَكاءُ فى استعبادكم، لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها فقد جعلوها لله شركاء فيهم وفى استعبادهم.
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وقع التقطع بينكم.
٩٥- إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ:
فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى بالنبات والشجر.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أي الحيوان والناس من النطف. وموقع الجملة المبينة لقوله فالِقُ الْحَبِّ لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت، لأن النامي فى حكم الحيوان.
وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ هذه الأشياء الميتة من الحيوان والناس.
وهذا عطف على قوله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى لا على الفعل.
ذلِكُمُ اللَّهُ أي ذلكم المحيي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية.
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٦]
فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)
٩٦- فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ:
الْإِصْباحِ مصدر، سمى به الصبح. وفالق الإصباح، أي فالق ظلمة الإصباح، وهى الغبش فى آخر الليل ومنقضاه الذي يلى الصبح.
أو فالق الإصباح، الذي هو عمود الفجر عن بياض النهار وإسفاره.
وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً يسكن إليه ويطمأن به.
وقرىء (فالق الإصباح وجاعل الليل) بالنصب على المدح.
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قرئا بالحركات الثلاث:
فالنصب، على إضمار فعل دل عليه (جاعل الليل)، أي: وجعل الشمس والقمر حسبانا.
والجر، عطف على لفظ اللَّيْلَ.
والرفع، على الابتداء، والخبر محذوف، تقديره: والشمس والقمر مجعولان حسبانا، أو محسوبان حسبانا.
حُسْباناً أي على حسبان، لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما.
ذلِكَ إشارة إلى جعلهما حسبانا، أي ذلك التسيير المعلوم.
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسخرهما.
الْعَلِيمِ بتدبيرهما وتدويرهما.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٩٧ الى ٩٩]
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)
٩٧- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فى ظلمات الليل بالبر والبحر، وأضافهما إليهما لملابستهما لهما.
٩٨- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ:
فَمُسْتَقَرٌّ فى الرحم، أو فوق الأرض.
وَمُسْتَوْدَعٌ فى الصلب، أو تحت الأرض.
أو: فمنكم مستقر ومنكم مستودع.
يَفْقَهُونَ له فطنة وتدقيق نظر.
٩٩- وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
فَأَخْرَجْنا بِهِ بالماء.
نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ نبت كل صنف من أصناف الناس، يعنى أن السبب واحد وهو الماء، والمسببات صنوف مفتنة.
فَأَخْرَجْنا مِنْهُ من النبات.
خَضِراً شيئا غضا أخضر.
نُخْرِجُ مِنْهُ من الخضر.
حَبًّا مُتَراكِباً هو السنبل.
قِنْوانٌ عراجين، الواحد: قنو. رفع بالابتداء، ومِنَ النَّخْلِ خبره. ومِنْ طَلْعِها بدل منه.
دانِيَةٌ سهلة المجتنى معرضة للقاطف.
وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ بالنصب، عطفا على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ أي وأخرجنا به جنات من أعناب، وكذلك قوله وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ.
وقرىء: جنات، بالرفع. ثم جنات من أعناب، أي من نبات أعناب، والأحسن أن ينتصبا على الاختصاص.
أو هو معطوف على قِنْوانٌ على معنى: وحاصلة، أو ومخرجة من النخل قنوان وجنات من أعناب.
مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ أي والزيتون متشابه وغيره متشابه، والرمان كذلك.
والمعنى: بعضه متشابها وبعضه غير متشابه فى القدر واللون والطعم.
انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به، وانظروا إلى حال ينعه ونضجه كيف يعود شيئا جامعا لمنافع وملاذ.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٠]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠)
١٠٠- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ:
لِلَّهِ شُرَكاءَ مفعولا الفعل جَعَلُوا.
الْجِنَّ بدل من شُرَكاءَ.
ويصح أن يكون شُرَكاءَ الْجِنَّ مفعولين، قدم ثانيهما على الأول.
وَخَلَقَهُمْ وخلق الجاعلين لله شركاء.
والمعنى: وعلموا أن الله خالقهم دون الجن، ولم يمنعهم علمهم أن يتخذوا من لا يخلق شريكا للخالق.
وَخَرَقُوا لَهُ وخلقوا له، أي افتعلوا له.
بَنِينَ وَبَناتٍ هو قول أهل الكتابين فى المسيح وعزير، وقول قريش فى الملائكة.
بِغَيْرِ عِلْمٍ من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)
١٠١- بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
بَدِيعُ السَّماواتِ من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها. أو هو بديع فى السموات والأرض.
أي عديم النظير والمثل فيها.
وقيل: البديع، بمعنى المبدع.
وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف.
أو هو مبتدأ، وخبره أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ.
وقرىء بالجر، ردا على قوله وَجَعَلُوا لِلَّهِ.
كما قرىء بالنصب على المدح.
١٠٢- ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ:
ذلِكُمُ إشارة إلى الموصوف بما تقدم من الصفات، وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة.
اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أي ذلكم الجامع لهذه الصفات.
فَاعْبُدُوهُ سبب عن مضمون الجملة، على معنى: أن من استجمعت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه.
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي وهو مع تلك الصفات مالك لكل شىء من الأرزاق والآجال، رقيب على الأعمال.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٥]
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥)
١٠٣- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أي إن الأبصار لا تدركه ولا تتعلق به، لأن الأبصار إنما تتعلق بما كان فى جهة أصلا أو تابعا.
وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وهو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة التي لا يدركها مدرك.
وَهُوَ اللَّطِيفُ يلطف عن أن تدركه الأبصار.
الْخَبِيرُ بكل لطيف فهو يدرك الأبصار.
١٠٤- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ:
قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وارد على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
والبصيرة: نور القلب الذي به يستبصر.
فَمَنْ أَبْصَرَ الحق وآمن.
فَلِنَفْسِهِ أبصر وإياها نفع.
وَمَنْ عَمِيَ عنه فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى.
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها، إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم.
١٠٥- وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
وَلِيَقُولُوا جوابه محذوف، تقديره: وليقولوا درست تصرفها.
دَرَسْتَ قرأت وتعلمت.
وقرىء: دارست، أي دارست العلماء.
وَلِنُبَيِّنَهُ أي الآيات، لأنها فى معنى القرآن.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٦ الى ١٠٨]
اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)
١٠٦- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ:
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحى، لا محل لها من الإعراب.
ويجوز أن يكون حالا مؤكدة من رَبِّكَ.
١٠٧- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا ولو أراد الله أن يعبدوه وحده لقهرهم على ذلك بقدرته وقوته ولكنه تركه لاختيارهم.
وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وما جعلناك رقيبا على أعمالهم.
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ وما أنت بمكلف أن تقوم عنهم بتدبير شئونهم وإصلاح أمرهم.
١٠٨- وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ:
وَلا تَسُبُّوا أيها المؤمنون.
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أصنام المشركين التي يعبدونها من دون الله.
فَيَسُبُّوا اللَّهَ فيحملهم الغضب لها على إغاظتكم بسب الله.
عَدْواً تعديا وسفها.
بِغَيْرِ عِلْمٍ على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به.
كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ مثل ما زينا لهؤلاء حب أصنامهم يكون لكل أمة عملها حسب استعدادها.
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ ثم يكون مصير الجميع إلى الله وحده يوم القيامة.
فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فيخبرهم بأعمالهم ويجازيهم عليها.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)
١٠٩- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ وأقسم المشركون بأقصى أيمانهم.
لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم.
لَيُؤْمِنُنَّ بِها ليكونن ذلك سببا فى إيمانهم.
قُلْ أيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ إن هذه الآيات من عند الله، فهو وحده القادر عليها وليس لى يد فيها.
وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ إنكم أيها المؤمنون لا تدرون ما سبق به علمى من أنهم إذا جاءتهم هذه الآيات لا يؤمنون.
١١٠- وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَنَذَرُهُمْ عطف على يُؤْمِنُونَ داخل فى حكم وَما يُشْعِرُكُمْ بمعنى وما يشعركم أنهم لا يؤمنون، وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم.
أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا، أو لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم،
وما يشعركم أنا نذرهم فى طغيانهم، أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١١ الى ١١٢]
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢)
١١١- وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ:
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ كما قالوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ.
وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى كما قالوا فَأْتُوا بِآبائِنا.
وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا كما قالوا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا.
وقبلا، كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا.
أو جماعات.
وقيل: مقابلة، أي عيانا.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ منهم اختيار الإيمان.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات. أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم فيطمعون فى إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة.
١١٢- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ:
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا وكما خلينا بينك وبين أعدائك، كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم لم نمنعهم العداوة، لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات وكثرة الصواب والأجر.
شَياطِينَ منصوب على البدل من قوله عَدُوًّا أو على أنهما مفعولان.
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس، وكذلك بعض الجن إلى بعض، وبعض الإنس إلى بعض.
زُخْرُفَ الْقَوْلِ ما يزينه القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ويموهه.
غُرُوراً خدعا وأخذا على غرة.
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ ما فعلوا ذلك، أي ما عادوك، أو ما أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول، بأن يكفهم ولا يخليهم وشأنهم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]
وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤)
١١٣- وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ:
وَلِتَصْغى جوابه محذوف، تقديره: وليكون ذلك جعلنا لكل نبى عدوا، على أن اللام لام الصيرورة، وتحقيقها ما ذكر.
إِلَيْهِ الضمير يرجع إلى ما رجع إليه الضمير فى قوله فَعَلُوهُ فى الآية السابقة، أي والتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين.
أَفْئِدَةُ الكفار.
وَلِيَرْضَوْهُ لأنفسهم.
وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ من الآثام.
١١٤- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ:
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً على إرادة القول، أي: قل يا محمد:
أفغير الله أطلب حاكما يحكم بينى وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل.
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ المعجز.
مُفَصَّلًا مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل، والشهادة لى بالصدق وعليكم بالافتراء.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ من باب التهييج والإلهاب.
أو فلا تكونن من الممترين فى أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق، ولا يريبك جحود أكثرهم وكفرهم به.
وقد يكون فَلا تَكُونَنَّ خطابا لكل أحد، على معنى أنه إذا تعاضدت الأدلة على صحته وصدقه فما ينبغى أن يمترى أحد ويشك.
وقيل: الخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خطاب لأمته.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٥ الى ١١٦]
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦)
١١٥- وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أي تم كل ما أخبر به، وأمر ونهى، ووعد وأوعد.
وقرىء (وتمت كلمة ربك) أي ما تكلم به، وقيل: هو القرآن.
صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا أحد يبدل شيئا من ذلك مما هو أصدق وأعدل، وصِدْقاً وَعَدْلًا نصبا على الحال.
١١٦- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ:
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أي من الناس، أضلوك، لأن الأكثر فى غالب الأمر يتبعون هواهم.
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم.
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يقدرون أنهم على شىء.
أو يكذبون فى أن الله حرم كذا وأحل كذا.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٧ الى ١٢٠]

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)
١١٧- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ:
يَضِلُّ وقرىء: يضل، بضم الياء، أي يضله الله.
١١٨- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ:
فَكُلُوا سبب عن إنكار اتباع المضلين، الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال.
مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم، أو مات حتف أنفه.
وما ذكر اسم الله عليه هو المذكى ببسم الله.
١١٩- وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ:
وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا وأي غرض لكم فى أن لا تأكلوا.
وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ وقد بين لكم.
ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرم، وهو قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.
إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ مما حرم عليكم فإنه حلال لكم فى حال الضرورة.
وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ قرىء بفتح الياء وضمها، أي يضلون فيحرمون ويحللون.
بِأَهْوائِهِمْ بشهواتهم من غير تعلق بشريعة.
١٢٠- وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ:
ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ما أعلنتم منه وما أسررتم.
وقيل: ما عملتم وما نويتم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢]
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)
١٢١- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ:
وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهى، يعنى: وإن الأكل منه لفسق.
أو إلى الموصول، على: وإن أكله لفسق، أو جعل ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا.
لَيُوحُونَ ليوسوسون.
إِلى أَوْلِيائِهِمْ من المشركين.
لِيُجادِلُوكُمْ بقولهم: ولا تأكلوا مما قتله الله، وبهذا يرجع تأويل من تأوله بالميتة.
إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ لأن من اتبع غير الله تعالى فى دينه فقد أشرك به، ومن حق ذى البصيرة فى دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان.
١٢٢- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ مثل الذي هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل والمهتدى والضال، بمن كان ميتا فأحياه الله، وجعل له نورا يمشى به فى الناس مستضيئا به، فيميز بعضهم عن بعض.
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ كمن صفته هذه.
زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ أي زينه الشيطان.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٣ الى ١٢٥]

وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)
١٢٣- وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ:
وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها أي: وكما جعلنا فى مكة صناديدها، كذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها لذلك. والمعنى:
خليناهم ليمكروا، وما كففناهم عن المكر. وخص الأكابر لأنهم هم الحاملون على الضلال، والماكرون بالناس.
وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لأن مكرهم يحيق بهم.
١٢٤- وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ:
اللَّهُ أَعْلَمُ كلام مستأنف للإنكار عليهم.
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وأن لا يصطفى للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها، وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم.
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا من أكابرها.
صَغارٌ وقماءة بعد كبرهم وعظمتهم.
وَعَذابٌ شَدِيدٌ فى الدارين من الأسر والقتل وعذاب النار.
١٢٥- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ أن يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف.
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يلطف به حتى يرغب فى الإسلام وتسكن إليه نفسه ويحب الدخول فيه.
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ أن يخذله ويخليه وشأنه، وهو الذي لا لطف له.
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً يمنعه ألطافه، حتى يقسو قلبه، وينبو عن قبول الحق، ويفسد فلا يدخله الإيمان.
كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كأنما يزاول أمرا غير ممكن، لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة وتضيق عنه المقدرة.
يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ يعنى الخذلان ومنع التوفيق، وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب. أو أراد الفعل المؤدى إلى الرجس، وهو العذاب، من الارتجاس، وهو الاضطراب.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٨]
وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨)
١٢٦- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ:
مُسْتَقِيماً عادلا مطردا، وانتصابه على أنه حال مؤكدة.
١٢٧- لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ:
لَهُمْ لقوم يذكرون.
دارُ السَّلامِ دار الله، يعنى الجنة، أضافها إلى نفسه تعظيما لها.
أو دار السلامة من كل آفة وكدر.
عِنْدَ رَبِّهِمْ فى ضمانه.
وَهُوَ وَلِيُّهُمْ مواليهم ومحبهم، أو ناصرهم على أعدائهم.
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بسبب أعمالهم، أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون.
١٢٨- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا
أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ منصوب بمحذوف، أي واذكر يوم يحشرهم، أو يوم نحشرهم قلنا: يا معشر الجن، أو يوم نحشرهم وقلنا يا معشر الجن كان ما لا يوصف لفظاعته. والضمير لمن يحشر، من الثقلين وغيرهم.
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ الجن، هم الشياطين.
قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ أضللتم منهم كثيرا، أو جعلتموهم أتباعكم فحشر معكم منهم الجم الغفير.
وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم.
رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ أي انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها، وانتفع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم وشهوتهم فى إغوائهم.
وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعنون يوم البعث.
إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ إلا يفعل شيئا لا بموجب الحكمة.
عَلِيمٌ بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٠]
وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠)
١٢٩- وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضا كما فعل الشياطين وغواة الإنس، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا فى الدنيا.
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.
١٣٠-امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ.
لُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
حكاية لتصديقهم وإيجابهم قوله لَمْ يَأْتِكُمْ.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣١ الى ١٣٣]
ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣)
١٣١- ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ:
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر ذلك.
أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى تعليل. أي الأمر ما قصصناه عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم، على (أن) هى التي تنصب الأفعال.
ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، على معنى: لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم. ولك أن تجعلها بدلا من ذلِكَ.
١٣٢- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ:
دَرَجاتٌ منازل.
مِمَّا عَمِلُوا من جزاء أعمالهم.
وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بساه عنه يخفى عليه مقاديره وأحواله وما يستحق عليه من الأجر.
١٣٣- وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ:
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن عباده وعن عبادتهم.
ذُو الرَّحْمَةِ يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة.
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها العصاة.
وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ من الخلق المطيع.
كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ من أولاد قوم آخرين سبقوكم يكونون على مثل صفتكم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٦]

إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦)
١٣٤- إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ:
إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ إن الذي ينذركم به من عقاب، ويبشركم به من ثواب، بعد البعث والجمع والحساب، آت لا محالة.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وما أنتم بمعجزين من يطلبكم يومئذ، فلا قدرة لكم على الامتناع عن الجمع والحساب.
١٣٥- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ:
مَكانَتِكُمْ المكانة تكون مصدرا، وبمعنى المكان. واعملوا على مكانتكم، أي اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها.
إِنِّي عامِلٌ أي عامل على مكانتى التي أنا عليها.
والمعنى: اثبتوا على كفركم وعداوتكم لى، فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أينا تكون له العاقبة المحمودة.
١٣٦- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ:
مِمَّا ذَرَأَ مما خلق وأنشأ. وفيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي، لأنه هو ذرأه وزكاه، ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكية.
بِزَعْمِهِمْ أي قد زعموا أنه لله، والله لم يأمرهم بذلك، ولا شرع لهم تلك القسمة التي هى من الشرك، لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم فى القربة.
فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين.
فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ من إنفاق عليها بذبح النسائك عندها، والإجراء على سدنتها وغير ذلك.
ساءَ ما يَحْكُمُونَ فى إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٧ الى ١٣٨]
وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨)
١٣٧- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ:
وَكَذلِكَ ومثل ذلك التزيين، وهو تزيين الشرك فى قسمة القربان بين الله تعالى والآلهة، أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي هو علم من الشياطين.
والمعنى: أن شركاءهم من الشياطين، أو من سدنة الأصنام زينوا لهم قتل أولادهم بالوأد أو بنحرهم للآلهة، فلقد كان الرجل فى الجاهلية يحلف لئن ولد له كذا لينحرن أحدهم.
لِيُرْدُوهُمْ ليهلكوهم بالإغواء.
وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وليخلطوه عليهم ويشبهوه. ودينهم ما كانوا عليهم من دين إسماعيل عليه السّلام حتى زلوا عنه إلى الشرك.
ما فَعَلُوهُ ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل، أو لما فعل الشياطين أو السدنة للتزيين أو الإرداء أو اللبس أو جميع ذلك.
وَما يَفْتَرُونَ أو ما يفترونه من الإفك، أو افتراؤهم.
١٣٨- وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ:
حِجْرٌ فعل، بمعنى مفعول، ويستوى به المذكر والمؤنث والواحد والجمع، أي ممنوع.
لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء.
وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وهى البحائر والسوائب والحوامي.
وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فى الذبح وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام.
أي إنهم قسموا أنعامهم، فقالوا: هذه أنعام حجر، وأنعام محرمة الظهور، وهذه أنعام لا يذكر عليها اسم الله، فجعلوها أجناسا بهواهم، ونسبوا ذلك التجنيس إلى الله.
افْتِراءً عَلَيْهِ أي فعلوا ذلك كله على وجه الافتراء.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٩ الى ١٤٠]
وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)
١٣٩- وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ:
خالِصَةٌ حمل على المعنى لأن ما فى معنى الأجنة. ويجوز أن تكون التاء للمبالغة وأن تكون مصدرا وقع موقع (الخالص).
مُحَرَّمٌ ذكر حملا على اللفظ.
وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً وإن يكن ما فى بطونها ميتة.
فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ذكر لأن الميتة لكل ميت ذكر أو أنثى، كأنه قيل:
وان يكن ميت فهم فيه شركاء.
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ أي جزاء وصفهم الكذب على الله فى التحليل والتحريم.
١٤٠- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ:
نزلت فى ربيعة ومضر والعرب الذين كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر.
سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ لخفة أحلامهم وجهلهم بأن الله هو رازق أولادهم لا هم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤١ الى ١٤٣]
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣)
١٤١- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ:
أَنْشَأَ جَنَّاتٍ من الكروم.
مَعْرُوشاتٍ مسموكات.
وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ متروكات على وجه الأرض لم تعرش.
مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ فى اللون والطعم والحجم والرائحة.
إِذا أَثْمَرَ إذا أينع ثمره.
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ المراد ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد، فالآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة.
وَلا تُسْرِفُوا فى الصدقة.
١٤٢- وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
حَمُولَةً وَفَرْشاً عطف على جنات. أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش.
وقيل: الحمولة: الكبار التي تصلح للحمل. والفرش: الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض للطافة أجرامها، مثل الفرش المفروش عليها.
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ فى التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعل أهل الجاهلية.
١٤٣- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ
حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حَمُولَةً وَفَرْشاً.
اثْنَيْنِ زوجين اثنين، يريد الذكر والأنثى. والواحد إذا كان وحده فهو فرد، فإذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا، وهما زوجان.
آلذَّكَرَيْنِ للإنكار، والمراد بالذكرين: الذكر من الضأن والذكر من المعز.
الْأُنْثَيَيْنِ الأنثى من الضأن والأنثى من المعز.
والمعنى: إنكار أن يحرم الله تعالى من جنس الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعى ذكورها وإناثها.
نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ أخبرونى بأمر معلوم من جهة الله تعالى يدل على تحريم ما حرمتم.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى أن الله حرمه.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٤]
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤)
١٤٤- وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ بل كنتم شهداء. ومعنى الهمزة الإنكار.
يعنى: أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فنسب إليه تحريم ما لم يحرم.
لِيُضِلَّ النَّاسَ وهو عمرو بن لحى بن قمعة الذي بحر البحائر وسيب السوائب.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٥ الى ١٤٦]

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦)
١٤٥- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
فِي ما أُوحِيَ تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي الله تعالى وشرعه لا بهوى الأنفس.
مُحَرَّماً طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة.
أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أي مصبوبا سائلا، كالدم فى العروق، لا كالكبد والطحال.
أَوْ فِسْقاً عطف على المنصوب قبله، سمى ما أهل به لغير الله فسقا لتوغله فى باب الفسق.
أُهِلَّ عطف على يَكُونَ.
بِهِ الضمير يرجع إليه الضمير المستكن فى يَكُونَ.
فَمَنِ اضْطُرَّ فمن دعته الضرورة إلى أكل شىء من هذه المحرمات.
غَيْرَ باغٍ على مضطر مثله تارك لمواساته.
وَلا عادٍ متجاوز قدر حاجته من تناوله.
فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه.
١٤٦- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ:
كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ذو الظفر: ما له إصبع من دابة أو طائر، وكان بعض ذات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا حرم ذلك عليهم، فعم التحريم كل ذى ظفر.
وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما أريد بالإضافة زيادة
الربط. والمعنى: أنه حرم عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه، وكل شىء منه، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة، وهى الثروب وشحوم الكلى.
إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعنى إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحفة، وهى الشحمة الملتزمة بالجلد على الظهر من الكتف إلى الورك.
أَوِ الْحَوايا أو اشتمل على الأمعاء.
أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهو شحم الألية.
ذلِكَ الجزاء.
جَزَيْناهُمْ وهو تحريم الطيبات.
بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم.
وَإِنَّا لَصادِقُونَ فيما أوعدنا به العصاة.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٧ الى ١٤٨]
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨)
١٤٧- فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ:
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فى ذلك وزعموا أن الله واسع الرحمة، وأنه لا يؤاخذ بالبغي ويخلف الوعيد جودا وكرما.
فَقُلْ لهم.
رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ لأهل طاعته.
وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ مع سعة رحمته.
عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ فلا تغتر برجاء رحمته عن خوف نقمته.
١٤٨- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ:
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إخبار بما سوف يقولونه ولما قالوه.
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أي إن شركهم وشرك آبائهم، وتحريمهم ما أحل الله، بمشيئة الله وإرادته، ولولا مشيئته لم يكن شىء من ذلك.
كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي جاءوا بالتكذيب المطلق، لأن الله عز وجل ركب فى العقول وأنزل فى الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها، والرسل أخبروا بذلك، فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله، وهو تكذيب الله وكتبه ورسله.
حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم.
قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم.
فَتُخْرِجُوهُ لَنا وهذا من التهكم، والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة.
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ فى قولكم هذا.
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ مقدرون الأمر كما تزعمون، أو تكذبون.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠)
١٤٩- قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ:
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ يعنى فإن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة البالغة عليكم على قود مذهبكم وطبقه.
فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ منكم ومن مخالفيكم فى الدين، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه.
١٥٠- قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ:
هَلُمَّ يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، عند الحجازيين، وبنو تميم تؤنث وتجمع. أي هاتوا شهداءكم وقربوهم.
فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أي فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم.
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من وضع الظاهر موضع المضمر، للدلالة على أن من كذب بآيات الله، وعدل به عن غيره، فهو متبع للهوى لا غير.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥١ الى ١٥٢]
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢)
١٥١- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ:
تَعالَوْا من الخاص الذي صار عاما، وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم كثر واتسع فيه حتى عم.
ما حَرَّمَ منصوب بفعل التلاوة، أي اتل الذي حرمه ربكم، أو يحرم، بمعنى: أقل أي شىء حرم ربكم لأن التلاوة من القول.
أَلَّا تُشْرِكُوا أن، مفسرة، ولا ناهية.
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
مِنْ إِمْلاقٍ من أجل فقر ومن خشيته.
إِلَّا بِالْحَقِّ كالقصاص، والقتل على الردة، والرجم.
١٥٢- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إلا بالخصلة التي هى أحسن ما يفعل بمال اليتيم، وهى حفظه وتثميره.
والمعنى: احفظوه حتى يبلغ أشده فادفعوه إليه.
بِالْقِسْطِ
بالسوية والعدل.
لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
إلا ما يسعها ولا تعجز عنه.
وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
ولو كان المقول له أو عليه فى شهادة أو غيرها من أهل قرابة القاتل، فما ينبغى أن يزيد فى القول أو ينقص.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٥]
وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)
١٥٣- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
وَأَنَّ هذا صِراطِي أي وإنه هذا صراطى مستقيما، على أن الهاء ضمير الشأن والحديث.
وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الطرق المختلفة فى الدين.
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ فتفرقكم أيادى سبأ.
عَنْ سَبِيلِهِ عن صراط الله المستقيم، وهو دين الإسلام.
١٥٤- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ:
ثُمَّ أعظم من ذلك أنا:
آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وأنزلنا هذا الكتاب المبارك، وقيل هو معطوف على ما تقدم وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ.
تَماماً تماما للكرامة والنعمة.
عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ على من كان محسنا صالحا، يريد جنس المحسنين.
١٥٥- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ:
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ وهذا القرآن كتاب أنزلناه.
مُبارَكٌ مشتمل على الخير الإلهي والمنافع الدينية والدنيوية.
وَاتَّقُوا واتقوا مخالفته.
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ليرحمكم ربكم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٧]
أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧)
١٥٦- أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ:
أَنْ تَقُولُوا كراهة أن تقولوا.
عَلى طائِفَتَيْنِ يريد أهل التوراة وأهل الإنجيل.
وَإِنْ كُنَّا إن، هى المخففة من الثقيلة، واللام هى الفارقة بينها وبين النافية. والأصل: وانه كنا عن دراستهم غافلين، على أن الهاء ضمير الشأن.
عَنْ دِراسَتِهِمْ عن قراءتهم.
١٥٧- أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ:
لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا.
فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ تبكيت لهم. والمعنى: أن صدقتم فبما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم بينة من ربكم، فحذف الشرط.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ بعد ما عرف صحتها وصدقها، أو تمكن من معرفة ذلك.
وَصَدَفَ عَنْها الناس فضل وأضل.
سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ سنجزى الذين يعرضون عن آياتنا العذاب المبالغ فى غايته فى الإيلام، بسبب اعراضهم وعدم تدبرهم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٨ الى ١٦٠]

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠)
١٥٨- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ:
الْمَلائِكَةُ ملائكة الموت، أو العذاب.
أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أو يأتى كل آيات ربك. يريد آيات القيامة والهلاك الكلى.
بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ بعض الآيات: أشراط الساعة.
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صفة لقوله نَفْساً.
أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عطف على قوله آمَنَتْ.
والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت، وهى آيات ملجئة مضطرة، ذهب أو ان التكليف عندها فلم ينفع الايمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها من قبل ظهور الآيات.
قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد.
١٥٩- إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ:
فَرَّقُوا دِينَهُمْ اختلفوا فيه كما اختلف اليهود والنصارى.
وَكانُوا شِيَعاً فرقا كل فرقة تشيع اماما لها.
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم. وقيل من عقابهم.
١٦٠- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:
عَشْرُ أَمْثالِها على اقامة صفة الجنس المميز مقام الموصوف، تقديره: عشر حسنات أمثالها.
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد على عقابهم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٦١ الى ١٦٥]

قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)
١٦١- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
دِيناً نصب على البدل من محل إِلى صِراطٍ لأن معناه: هدانى صراطا.
قِيَماً قيل من: قام، كسيد من ساد، وهو أبلغ من القائم.
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان.
حَنِيفاً حال من إِبْراهِيمَ.
١٦٢- قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وعبادتى وتقربى كله. وقيل: صلاتى وحجى من مناسك الحج.
وَمَحْيايَ وَمَماتِي وما آتيه فى حياتى، وما أموت عليه من الايمان والعمل الصالح.
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ خالصة لوجهه.
١٦٣- لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ:
وَبِذلِكَ من الإخلاص.
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لأن اسلام كل نبى متقدم لاسلام أمته.
١٦٤- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ:
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا جواب عن دعائهم له الى عبادته آلهتهم.
والهمزة للانكار. أي منكر أن أبغى ربا غيره.
وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها جواب عن قولهم اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ.
١٦٥- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ
478
بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ لأن محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم، أو جعلهم يخلف بعضهم بعضا.
أو هم خلفاء الله فى أرضه يملكونها ويتصرفون فيها.
وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فى الشرف والرزق.
لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من نعمة المال والجاه، كيف تشكرون تلك النعمة وكيف يصنع الشريف بالوضيع، والحر بالعبد، والغنى بالفقير.
إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لمن كفر نعمته. ووصف العقاب بالسرعة لأن ما هو آت قريب.
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن قام بشكرها.
479
Icon