هي إحدى عشر آية بلا خلاف، وهي مدنية
قال القرطبي : في قول الجميع، قال ابن عباس : نزلت بالمدينة، وعن ابن الزبير مثله.
" وعن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة، فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين، " أخرجه سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط قال السيوطي : بسند حسن، وأخرج البراز والطبراني عن أبي عتبة الخولاني مرفوعا نحوه.
ﰡ
ولقد علمت لتأتين منيتي | إن المنايا لا تطيش سهامها |
(فصدوا عن سبيل الله) أي منعوا الناس عن الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة، بسبب ما يصدر منهم من التشكيك، والقدح في النبوة، وهذا معنى الصد الذي بمعنى الصرف، ويجوز أن يكون بمعنى الصدود، أي أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه (إنهم ساء ما كانوا يعملون) من النفاق والصد، و (ساء) هذه هي الجارية مجرى بئس، في إفادة الذم، ومع ذلك ففيها معنى التعجيب، وتعظيم أمرهم عند السامعين.
(فطبع على قلوبهم) أي ختم عليها بسبب كفرهم، قرأ الجمهور طبع مبنياً للمفعول، وقرىء مبنياً للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه،
(وإن يقولوا) أي يتكلموا في مجلسك (تسمع لقولهم) أي تستمع وتصغي وتميل، فلذلك عُدي باللام، والمعنى لتحسب أن قولهم حق وصدق لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم، قال الكلبي: المراد عبد الله بن أبيّ وجد بن قيس ومعتب بن قشير، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لكل من يصلح له، ويدل عليه قراءة يسمع على البناء للمفعول.
وجملة (كأنهم خشب مسندة) خبر مبتدأ مضمر، أي هم كأنهم، أو مستأنفة لتقرير ما تقدم من أن أجسامهم تعجب الرائي وتروق الناظر، قالها الزمخشري أو في محل نصب على الحال، وصاحب الحال الضمير في قولهم، قاله أبو البقاء شبهوا في جلوسهم في مجالس النبي ﷺ مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط، التي لا تفهم ولا تعلم، وهم كذلك لخلوهم عن الفهم النافع، والعلم الذي ينتفع به صاحبه، قال الزجاج: وصفهم بتمام الصور، ثم أعلم أنهم في ترك الفهم والاستبصار، وعظم الأجسام، بمنزلة الخشب قرأ الجمهور خشب بضمتين، وقرىء بإسكان الشين لأن واحدتها خشبة كبدنة وبدن، وهما سبعيتان، وقرىء بفتحتين.
ومعنى مسندة أنها أسندت إلى غيرها، من قولهم: أسندت كذا إلى كذا والتشديد للتكثير، قال ابن عباس في الآية: كأنهم نخل قيام، وقيل: إنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما " عن زيد بن أرقم قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفر
وأخرجه عنه بأطول من هذا ابن سعد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي، ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال:
(يحسبون كل صيحة) يسمعونها واقعة (عليهم) نازلة بهم لفرط جبنهم ورعب قلوبهم، وفي المفعول الثاني للحسبان وجهان:
أولهما أنه عليهم، ويكون جملة: (هم العدو) مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة لكونهم يظهرون غير ما يبطنون.
والوجه الثاني أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله: (هم العدو)، ويكون قوله: (عليهم) متعلقاً بصيحة وإنما جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر، وكان حقه أن يقال: هو العدو، والوجه الأول أولى قال مقاتل والسدي: أي نادى مناد في العسكر، أو انفلتت دابة، أو أنشدت ضالة، ظنوا أنهم المرادون لما في قلوبهم من الرعب، وقيل: كان المنافقون على وجل من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم، ويبيح دماءهم وأموالهم.
ثم أمر الله سبحانه رسوله ﷺ بأن يأخذ حذره منهم فقال: (فاحذرهم) أن يتمكنوا من فرصة منك، أو يطلعوا على شيء من أسرارك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، قال أبو السعود: الفاء لترتيب الأمر بالحذر على كونهم أعدى الأعداء، وعلى هذا جعل قوله: (هم العدو) مفعولاً ثانياً مما لا يساعده النظم الكريم أصلاً، ثم دعا عليهم بقوله:
_________
(١) رواه البخاري.
(ورأيتهم يصدون) أي يعرضون عن قول من قال لهم تعالوا إلخ، أو يعرضون عن رسول الله ﷺ وجملة: (وهم مستكبرون) في محل نصب على الحال من فاعل الحال الأولى، وهي يصدون لأن الرؤية بصرية، فيصدون في محل نصب على الحال، والمعنى رأيتهم صادين مستكبرين عن الاعتذار والإستغفار، ولما كان رسول الله ﷺ يحب صلاحهم، وأن يستغفر لهم، وربما ندبه إلى ذلك بعض أقاربهم، قال تعالى منبهاً له على أنهم ليسوا بأهل للاستغفار لأنهم لا يؤمنون:
(ولن يغفر الله لهم) أي ما داموا على النفاق (إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) أي الكاملين في الخروج عن الطاعة، والانهماك في معاصي الله.
ويدخل فيهم المنافقون دخولاً أولياً ثم ذكر سبحانه بعض قبائحهم فقال:
(لا تنفقوا على من عند رسول الله) الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه، لأنهم منافقون مقرون برسالته ظاهراً؛ ولا حاجة إلى أنهم قالوه تهكماً أو لغلبته عليه حتى صار كالعلم كما قيل، ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة فغيرها الله إجلالاً لنبيه صلى الله عليه وسلم.
(حتى ينفضوا) أي لأجل أن يتفرقوا عنه بأن يذهب كل واحد منهم إلى أهله وشغله الذي كان له قبل ذلك، يعنون بذلك فقراء المهاجرين، قرأ الجمهور ينفضوا من الانفضاض وهو التفرق، وقرىء ينفضوا من انفض القوم إذا فنيت أزوادهم، يقال: نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفض، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عسيف لعمر بن الخطاب، وقرأ زيد بن أرقم
(ولله خزائن السموات والأرض) أي أنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين وغيرهم، لأن خزائن الرزق له، فيعطي من شاء ما شاء، ويمنع من شاء ما شاء، لا بأيديهم، وهذا رد وإبطال لما زعموا من أن عدم إنقاقهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله، والجملة حالية، أي قالوا ما ذكر، والحال أن الرزق بيده تعالى، لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك، لا مما في يده، ولا مما في يد غيره (ولكن المنافقين لا يفقهون) ذلك، ولا يعلمون أن خزائن الأرزاق بيد الله عز وجل، وأنه الباسط القابض، المعطي المانع.
ثم ذكر سبحانه مقالة شنعاء قالوها فقال:
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما.
" عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي ﷺ في غزاة، قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمع ذلك النبي ﷺ فقال: ما بال دعوة الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار، فقال النبي
(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) الجملة حالية أي قالوا ما ذكر، والحال أن كل من له نوع بصيرة يعلم أن القوة والغلبة لله وحده، ولمن أفاضها عليه من رسله، وصالحي عباده، وعزة الله قهره وغلبته لأعدائه، وعزة رسوله إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم، عن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه، والغنى الذي لا فقر معه؟ وعن الحسن بن علي أن رجلاً قال له: إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً، قال: ليس بتيه ولكنه عزة، وتلا هذه الآية اللهم كما جعلت العزة للمؤمنين على المنافقين، فاجعل العزة للعادلين من عبادك، وأنزل الذلة على الجائرين الظالمين.
(ولكن المنافقين لا يعلمون) بما فيه النفع فيفعلونه، وبما فيه الضر فيجتنبونه، بل هم كالأنعام لفرط جهلهم، ومزيد حيرتهم، والطبع على قلوبهم، ختم هذه الآية بلا يعلمون، وما قبلها بلا يفقهون. لأن الأول متصل بقوله: (ولله خزائن السموات والأرض)، وفي معرفتها غموض يحتاج إلى فطنة وفقه، فناسب نفي الفقه عنهم، والثاني متصل بقوله: (ولله العزة) الخ وفي معرفتها غموض زائد يحتاج إلى علم فناسب نفي العلم عنهم، فالمعنى لا يعلمون أن الله معز أولياءه ومذل أعداءه، قال الكرخي: والحاصل أنه لما أثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة أثبت الله
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
وفي شرح جمع الجوامع: ومن قوادح العلة القول بالموجب بفتح الجيم، وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع بأن يظهر المعترض عدم استلزام الدليل لمحل النزاع، وشاهده: (ولله العزة ولرسوله) في جواب (ليخرجن الأعز منها الأذل) ولما ذكر سبحانه قبائح المنافقين، رجع إلى خطاب المؤمنين مرغباً لهم في ذكره فقال:
" وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عمية وسلم في الآية قال: هم عباد من أمتي الصالحون منهم، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وعن الصلوات الخمس المفروضة " أخرجه ابن مردويه.
(ومن يفعل ذلك) أي يَلْتَهِ بالدنيا عن الدين، ويشتغل بها عما ذكر (فأولئك هم الخاسرون) أي الكاملو الخسران في تجارتهم، حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
" وهو عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا ملعونة: وملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالم ومتعلم "، أخرجه الترمذي.
(من قبل أن يأتي أحدكم الموت) بأن تنزل عليه مقدماته وأسبابه وأماراته، ويشاهد حضور علاماته ودلائله، ويتعذر عليه الإنفاق، وقدم المفعول على الفاعل للإهتمام (فيقول رب لولا أخرتني) أي يقول عند نزول ما نزل به منادياً لربه: هلا أمهلتني وأخرت موتي، فلولا بمعنى هلا التي معناها التحضيض وتختص بما لفظه ماض، وهو في تأويل المضارع كما هنا، إذ لا معنى لطلب التأخير في الزمن الماضي، أو لا زائدة، ولولا للتمني، وقضية كلام الكشاف أن لولا بمعنى هل الاستفهامية والأولى أولى.
(إلى أجل) أي زمن واحد (قريب) قصير قليل بقدر ما أستدرك فيه ما فاتني (فأصدق) أي فأتصدق بمالي، أو بالزكاة، قرأ الجمهور بإدغام التاء في الصاد، وانتصابه على أنه جواب التمني، وقيل: إن لا في لولا زائدة، والأصل لو أخرتني، وقرىء فأتصدق بدون إدغام على الأصل (وأكن) قرأ الجمهور بالجزم على محل فأصدق، كأنه قيل: إن أخرتني أصدق وأكن، قال الزجاج: معناه هلا أخرتني؟ وجزم أكن على موضع فأصدق، لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم، وقال سيبويه حاكياً عن الخليل: إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى | ولا سابق شيئاًً إذا كان جائياً |
(من الصالحين) أي من المؤمنين، قال ابن عباس: أحج، وقال الضحاك: لا ينزل الموت بأحد لم يحج ولم يؤد زكاة إلا سأل الرجعة، وقرأ هذه الآية.
" وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له مال يبلغه حج بيت الله، أو تجب عليه فيه الزكاة، فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت فقال له رجل: يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الكافر فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآناً: يا أيها الذين آمنوا إلى آخر السورة " أخرجه الترمذي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحسن ابن أبي الحسن في كتاب منهاج الدين إلى قوله الموت مرفوعاً ثم أجاب الله عن هذا المتمني فقال:
واعلم أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم وطالت ذيوله وتشعبت أبحاثه في التعارض بين ما ورد من أن القضاء الأزلي من الله عز وجل لا يتغير ولا يتبدل، وهو المعبر عنه بأم الكتاب، وبقوله: تعالى: (لا معقب لحكمه) وقوله: (ما يبدل القول لدي) وبين ما ورد من الإرشاد إلى الأدعية وطلب الخير من الله عز وجل وسؤاله أن يدفع الضر ويرفع الضر، وسائر المطالب التي يطلبها العباد من ربهم سبحانه.
" كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في
ومثله حديث ثوبان مرفوعاً بلفظ: لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
" وكقوله ﷺ لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار والطبراني في الأوسط والخطيب قال الحاكم: صحيح الإِسناد من حديث عائشة مرفوعاً وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة وقد ضعف هذا الحديث بزكريا بن منصور كما ذكره الشوكاني في شرحه للعدة.
ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان وصححه " عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً " وأخرجه أيضاًً الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وله شاهد صحيح ثم رواه من " حديث أنس مرفوعاً: إن ربكم رحيم حي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيراً " وأخرجه الطبراني وأبو يعلى ومن ذلك:
" قوله صلى الله عليه وسلم: لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد " أخرجه ابن حبان من حديث أنس والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد والضياء في المختارة وقد رد الشوكاني في شرحه للعمدة على من ضعفه.
ومن ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة والحاكم في المستدرك
" من حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض " (١) وأخرجه أبو يعلى.
" من حديث علي قال: قال رسول الله ﷺ ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم؟ تدعون الله في ليلكم ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن " (٢).
وأخرج أحمد في المسند من " حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم ينصب وجهه لله في مسألة إلا أعطاه إياها إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له " (٣) قال المنذري في الترغيب والترهيب: لا بأس بإسناده وأخرجه البخاري في الأدب المفرد والحاكم وشهد لمعناه ما أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى قال المنذري: بأسانيد جيدة.
" من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " (٤).
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان " قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الدعاء هو العبادة ثم تلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) " الآية وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم في المستدرك.
_________
(١) رواه الحاكم.
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه أحمد.
(٤) رواه أحمد.
" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه " (٢) وفي لفظ: من لم يدع الله يغضب عليه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والحاكم في المستدرك وصححه. ومن ذلك.
" استعاذته ﷺ من سوء القضاء " كما في صحيح مسلم وغيره.
" ومن ذلك ما ثبت في قنوت الوتر عنه ﷺ أنه قال فيه: وقني شر ما قضيت "، وهو حديث صحيح، وإن لم يخرجه الشيخان، وفيهما الاستعاذة من القضاء المشتمل على الشر والسوء ومن ذلك الأحاديث الواردة في صلة الرحم وأنها تزيد في العمر وهي أحاديث صحيحة ومن ذلك الأحاديث الواردة في إجابة دعاء المظلوم على ظالمه والأحاديث الواردة في دعاء الوالدين لولدهما والأحاديث الواردة في دعوة الإمام العادل والأحاديث الواردة في إجابة دعوة من دعا ربه باسمه الأعظم وغير ذلك كثير.
وجميع ذلك على اختلاف دلالته متواتر فليت شعري كيف ذهب جماعة من أهل العلم إلى مخالفة ذلك كله، وقالوا: إن أحكام الله وقضاءه في سابق علمه لا تغير أصلاً فإن استدلوا بمثل قوله تعالى: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)، وما ورد في اللوح المحفوظ، وما كتب فيه، وأنه قد جف القضاء، ونحو ذلك، فأي فائدة في مثل قوله عز وجل: (أدعوني أستجب لكم)؟ فإن هذا أمر منه عز وجل لعباده بدعائه، وأي فائدة في أمر رسول الله ﷺ بأن يخبر عباده أنه قريب مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه؟ وأي فائدة في قوله عز وجل، مخبراً لعباده (يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم
_________
(١) رواه الحاكم.
(٢) رواه الحاكم.
" وحكى لنا رسول الله ﷺ كما ثبت في الصحيح أن الله عز وجل قال عند هذه الدعوات: قد فعلت "، وكذلك سائر ما قصه الله علينا في كتابه من إجابته لدعوة أنبيائه كما في قوله: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)، وفي مثل: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وما شابه ذلك من الآيات، وما شوهد من نبينا ﷺ من إجابة دعواته في مواطن يتعسر إحصاؤها، وما شوهد من صالحي هذه الأمة في كل قرن من القرون من إجابة دعواتهم في الحال.
ومن جهل هذا أو بعضه نظر في مثل حلية الأولياء، ومثل رسالة القشيري، ومثل صفوة الصفوة لابن الجوزي، وغير ذلك مما يكثر تعداده، بل ينظر في الدعوات المجابة من الصحابة رضي الله عنهم، وكما وقع من جماعة كثيرة من السلف رحمهم الله تعالى أنهم كانوا يقولون في أدعيتهم: اللهم إن كنت قد كتبتني في ديوان الأشقياء فانقلني إلى ديوان السعداء بعبارات مختلفة هذه إحداها، وبالجملة فالكتاب العزيز والسنة المتواترة ترد عليهم رداً أوضح من شمس النهار.
وطائفة قالت: إن الأقضية نوعان مطلقة ومقيدة، فالمطلقة ما لم تكن مشروطة بشروط واقعة، وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مردوداً مثل الأول إلا أنه أقل مفسدة منه، وإن كان رأياً بحتاً ليس عليه دليل، وبالجملة فالبحث يطول فلنقتصر على هذا المقدار، والحمد لله أولاً وآخراً، واستنبط بعضهم من هذه الآية عمر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السورة رأس ثلاث وستين سورة، وعقبت بالتغابن إشارة لظهور التغابن بوفاته صلى الله عليه وسلم، ذكره الكرخي، وليس هذا من تفسير الكتاب في شيء، بل من لطائف الكلام وتفنن المرام.
(هي ثماني عشرة آية بالاتفاق، وهي مدنية في قول الأكثر)
وقال الضحاك، هي مكية، وقال الكلبي: هي مدنية ومكيّة، وقال ابن عباس: نزلت بالمدينة، وعن ابن الزبير مثله، وعن ابن عباس أيضاً قال: نزلت بمكة إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي شكا إلى رسول الله - ﷺ - جفاء أهله وولده، فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) إلى آخر السورة، وعن عطاء ابن يسار نحوه.
أخرج البخاري في تاريخه.
عن عبد الله بن عمرو قال: " ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من أول سورة التغابن "، وأخرجه ابن حبان في الضعفاء والطبراني وابن مردويه وابن عساكر مرفوعاً عنه، قال ابن كثير: وهو غريب جداً بل منكر.
بسم الله الرحمن الرحيم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧)