تفسير سورة الفجر

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
تحتوي السورة تذكيراً بعذاب الله الذي حل بالطغاة المتمردين من الأمم السابقة كعاد وثمود وفرعون وإنذارا لأمثالهم، وتنديداً بحب المال والاستغراق فيه، واستباحة البغي والظلم في سبيله، وعدم البر باليتيم والمسكين، ودحضا لظن أن اليسر والعسر في الرزق اختصاص من الله بقصد التكريم والإهانة. وفيها تصوير مشهد ما يكون من مصير البغاة يوم القيامة وحسرتهم، وتنويه بالمؤمنين ذوي النفوس المطمئنة وبشرى لهم برضاء الله وجنته. وأسلوب السورة عام العرض والتوجيه مما يدل على تبكيرها بالنزول، وفصولها وآياتها منسجمة مما يدل على نزول جملة واحدة أو متتابعة.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


١- ليال عشر : قيل إنها العشر الأخيرة من رمضان، وقيل إنها العشر الأولى من المحرم، وقيل إنها العشر الأولى من ذي الحجة. وكل من هذه العشرات مبارك في الآثار والتقاليد الإسلامية. ومما قيل : إنها العشر الأولى من كل شهر حيث يبدو في أولها الهلال ثم يكبر ثم يكبر كما يبدو الفجر خيطاً من نور ثم يتسع. وفي ذلك توافق بين الفجر والهلال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- الشفع : كل شيء مزدوج من اثنين ومضاعفاتهما. وقيل : إن المقصود هو يوم النحر ؛ لأنه عاشر أيام ذي الحجة وهو شفع.
- الوتر : كل شيء مفرد غير قابل للقسمة على اثنتين، وقيل : إن المقصود هو يوم عرفات ؛ لأنه التاسع من ذي الحجة وهو وتر. ومما قيل في المقصود من الشفع والوتر هو الله سبحانه الوتر، وجميع الأحياء هم شفع لأنهم من زوجين ذكر وأنثى. ومما قيل كذلك أن المقصود هم جميع الخلق الذين منهم الشفع ومنهم الوتر. وروى الترمذي إلى هذا حديثاً عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال :( هي الصلاة بعضها شفعٌ وبعضها وترٌ )١.
١ - التاج ج ٤ ص ٢٥٨..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- يسري : يمضي أو يدبر أو يجزي نحو الانتهاء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- ذي حجر : ذي عقل. وجملة ﴿ هل في ذلك قسم لذي حجر ﴾ هي بمعنى أليس فيما تقدم من الأقسام كفاية ومقنع لمن لديه عقل على ما ذكره جمهور المفسرين.
والآية الخامسة توكيد رباني بأن فيما فعله الله في الأولين وفي قسمه بأنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين مقنعاً لذوي العقول والبصائر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


٦ - عاد : قبائل عربية قديمة كانت تسكن في القسم الجنوبي من جزيرة العرب الذي كان يسمى بالأحقاف أيضا. وقد وردت هذه التسمية في سورة الأحقاف في صدد الإشارة إلى قوم عاد. والأحقاف هي : أكثبة الرمل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- إرم : قيل إنها اسم جدّ عاد الأقدم. وقيل : إنها اسم مدينة قوم عاد.
- ذات العماد : ذات الأعمدة. قيل إنها وصف لمدينة إرم. وقيل : إنها وصف لمساكن قبائل عاد بن إرم التي كانت خياما تقوم على أعمدة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- جابوا : قطعوا : ولعلها بمعنى نحتوا الصخر واتخذوه منازل. وقد ذكر ذلك عن ثمود في مواضع قرآنية أخرى مثل آية سورة الشعراء وهي :﴿ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين( ١٤٩ ) ﴾ التي جاءت في سلسلة قصة ثمود ونبيهم صالح عليه السلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- ذي الأوتاد : صاحب المنشآت العظيمة التي تشبه الجبال ؛ حيث وصفت الجبال في القرآن بالأوتاد كما جاء في آية سورة النبأ هذه :﴿ ألم نجعل الأرض مهادا( ٦ ) والجبال أوتادا( ٧ ) ﴾ ولعلها تعني الأهرام أو أن الأهرام بعضها ؛ لأن الكلمة جاءت وصفا لفرعون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- سوط : أصل معناه العصا التي يضرب بها أو ما يقوم مقامها. واستعملت هنا مجازاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْفَجْرِ( ١ ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ١ ( ٢ ) وَالشَّفْعِ٢ وَالْوَتْرِ ٣( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ٤( ٤ ) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ٥( ٥ ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ٦ ( ٦ ) إِرَمَ ٧ ذَاتِ الْعِمَادِ ٨( ٧ ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( ٨ )وَثَمُودَ ٩الَّذِينَ جَابُوا ١٠الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( ٩ ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ١١ ( ١٠ ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( ١١ ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ( ١٢ ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ ١٢عَذَابٍ ( ١٣ )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٣( ١٤ ) ﴾ ( ١- ١٤ ).
في الآيات الأربع الأولى أقسام ربانية بالفجر والليل الذي يجري حتى ينتهي إلى الفجر والنهار وبالليال العشر المباركة وبالشفع والوتر. أما جواب القسم فقيل : إنه في جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ حيث يعني : أن الله يقسم إنه بالمرصاد للطغاة الجاحدين كما فعل بأمثالهم السابقين المذكورين. وقيل : إنه محذوف مقدر بأن ما يسمعه الناس من الإنذار حقّ لا ريب فيه أو بأن الله الذي هو بالمرصاد للطغاة الجاحدين ليعذبنهم أو ليقتصن منهم كما فعل بأمثالهم١.
١ - انظر تفسير السورة في تفسير مجمع البيان للطبرسي مثلا..


- بالمرصاد : محل الرصد والترصد. والمقصود من جملة ﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ أن الله مترصد للطغاة لينكل بهم١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على قصص الأقوام
المذكورة في السورة
والأسلوب الاستفهامي الذي جاءت فيه الآية السادسة وما بعدها يلهم أن أخبار عاد وثمود وفرعون وآثارهم والعذاب الرباني الذي حل فيهم غير مجهول عند سامعي القرآن، كما يلهم أن ذكرهم هو في معرض التذكير والإنذار والموعظة. وبهذا يستحكم جواب القسم والإنذار الذي انطوى فيه، وهذا وذاك هو هدف القصص القرآنية.
ولقد وردت إشارة خاطفة إلى فرعون في سورة المزمل. وأسلوبها يلهم ذينك الأمرين معا. وحكمة ذلك ظاهرة. فالسامع يتأثر بالقصص التي يعرفها أو يعرف عنها شيئا أكثر مما لا يعرفه. وقصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى مفصلة في سفر الخروج من أسفار التوراة. ولا بد من أن العرب كانوا يعرفون كثيراً منها من طريق الكتابيين الذين كانوا بينهم، والذين كانت هذه الأسفار متداولة عندهم. ولقد رجحنا أن الأوتاد هي الأهرام المصرية ؛ لأنها جاءت مع ذكر فرعون. ولقد كان تجار الحجاز يصلون في رحلاتهم التجارية إلى مصر بطريق شرق الأردن وفلسطين على ما تلهم آيات في سورة الصافات التي تذكر الحجازيين بما رأوه من آثار تدمير الله سدوم وعمورة بلدي لوط في غور أريحا، وهي هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين( ١٣٣ ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( ١٣٤ ) إلا عجوزاً في الغابرين( ١٣٥ ) ثم دمرنا الآخرين( ١٣٦ ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين( ١٣٧ ) وبالليل أفلا تعقلون( ١٣٨ ) ﴾ ولقد ذكرت الروايات٢اسم عمرو بن العاص من جملة من زاروا مصر قبل إسلامه. والمتبادر أن الأهرام وهولها ومماثلتها للجبال مما كان يتحدث به الزوار.
أما قصص عاد وثمود فليست واردة في أسفار أهل الكتاب المتداولة. وهي في صدد قومين عربيين قديمين. وأسلوب الآيات يلهم أن السامعين لا يجهلونها وإنها وصلت إليهم منقولة من جيل إلى جيل. وفي سورة العنكبوت آية قد يكون فيها دليل على أن من سامعي القرآن من زار مساكن عاد وثمود، ورأى أطلالها وخرائبها، وسمع أن الله تعالى قد دمرها بعذابه بسبب تكذيبه أهليها لرسوليهم هود وصالح عليهما السلام وهي هذه :﴿ وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين( ٣٨ ) ﴾ وبلاد عاد هي في جنوب اليمن مما يعرف اليوم ببلاد حضر موت وبلاد ثمود هي في شمال الجزيرة العربية وعلى طريق بلاد الشام مما يعرف اليوم ببلاد : مداين صالح. وكانت القوافل الحجازية التجارية تمرّ بمداين صالح في طريقها إلى بلاد الشام ومصر كما تصل إلى بلاد حضرموت في رحلتها الشتوية إلى اليمن.
ولقد تكررت قصص فرعون وثمود وعاد في القرآن مراراً، مسهبة حينا ومقتضبة حينا، حسب حكمة التنزيل بسبب تكرر المناسبات والمواقف على ما شرحناه في سورة القلم.
وفي سورة القصص الواردة في السور الأخرى بيانات كثيرة عنهم وعن أنبيائهم ومواقفهم منهم ونكال الله عليهم. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول حيث يفيد هذا أن الحديث في هذه القصص مما كان يجري في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره متصلاً بالأجيال السابقة. ومما يؤيد القول بمعرفة أهل هذه البيئة والعصر أشياء كثيرة منها.
ونكتفي الآن بما قلناه على أن نعلق بما يقتضي في المناسبات الآتية إن شاء الله.
والمتبادر أن ما احتوته الآيات هنا عنهم هو بسبيل التنويه بما كانوا عليه من قوة وبسطة، وبسبيل تقرير أنهم لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا فصبّ عليهم عذابه ونكّل بهم، وبسبيل البرهنة على قدرته على كل من يسير في طريقهم من التجبر والطغيان والتمرد على الله، وكل هذا متصل بأهداف القصص القرآنية كما هو واضح.
هذا، والآيات لا تحتوي إشارة إلى موقف معين للمكذبين والجاحدين ؛ ولذلك يصح أن يقال : إنها بسبيل الإنذار والتذكير والتحذير من الطغيان والفساد والتمرد على الله ودعوته بصورة عامة. وفي هذا ما هو واضح من التلقين الجليل المستمر المدى.


١ - انظر معاني الكلمات في تفسير السورة في تفسير الطبري والزمخشري والطبرسي وابن كثير والبغوي والنيسابوري..
- ابتلاه : اختبره وامتحنه
- أكرمني : هنا بمعنى : رفع قدري وعُني بي.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ١ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ٢ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ٣ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ٤ ( ١٦ ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( ١٧ ) وَلَا تَحَاضُّونَ ٥ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ١٨ ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ٦ أَكْلًا لَّمًّا ٧( ١٩ ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( ٢٠ ) ﴾ [ ١٥- ٢٠ ].

في الآيتين الأوليين :


١-
عرض لصورة من تفكير الإنسان وتلقيه في حالتي الغنى والفقر والنعيم والبؤس. ففي الأولى يظن أن الله إنما يسّر له ذلك عناية به ورفعا لقدرة واهتماما لشأنه. وفي الثانية يظن أن الله إنما اختصه بذلك حطّاً من قدره وإهانة له في نظر الناس.

٢-
تقرير بأن ذلك ليس كما يظن الإنسان في حاليه. ونفي ردعي لهذا الظن. وإنما هو امتحان رباني، ليظهر موقفه من الله والناس في حالتي اليسر والعسر والنعيم والبؤس.
ويلمح أن الآيات الأربع الأخيرة قد جاءت على أسلوب الحكيم، فالآيتان السابقتان لها تعرضان إلى الخطأ في تفكير الناس في حالتي السعة والضيق واليسر والعسر، مع تقريرهما أن ذلك امتحان رباني. فجاءت الآيات تلفت نظرهم إلى خطيئات أخرى هم واقعون فيها وتندد بهم من أجلها وتكذبهم في أقوالهم وتعليلاتهم.
وقد روى بعض المفسرين١ : أن الآيات أو القسم الأول منها نزل في أمية بن خلف أحد زعماء قريش مع أن أسلوبها عام مطلق كسابقاتها، وهي منسجمة مع بعضها انسجاماً قوياً. وكلام الطبري شيخ المفسرين يفيد أنها عرض عام لظنون المنحرفين من الناس وسلوكهم بصورة مطلقة.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى. فالمرء ينبغي ألاّ تبطره النعمة واليسار فيخرج عن حده بالخيلاء والغرور، وزعم اختصاص الله إياه بالحظوة، كما أنه لا ينبغي أنه يداخله غم ويأس إذا ما حل فيه ضيق وعسر فيعتبر ذلك نقمة وإهانة اختصه الله بهما. فكثيراً ما يكون في الثورة والرخاء بلاء وكثيراً ما يكون في الفقر والخصاصة راحة نفس وسلامة دين وعرض. ومن الواجب أن يرى كل من الفريقين كذلك أنهما إزاء واختبار رباني ؛ وأن على الميسور أن يشكر الله ويقوم بواجبه نحوه ونحو الناس وخاصة ضعفاءهم وذوي الحاجة منهم وأن على المعسر أن يصبر ويصابر. ومن تلقينات تقرير كون الغنى والفقر عرضين تابعين لنواميس الكون ومن جملتها قابليات الناس وظروفهم التي لا تبقى على وتيرة واحدة. ولا يصح أن يظن ظانّ أنهما اختصاص رباني بقصد التكريم والإهانة ورفع القدر أو حطه.
ومن تلقيناتها كذلك : أن جعل المال أكبر الهمّ وقصارى المطلب واستباحة البغي والظلم في سبيل الحصول عليه وحرمان المحتاجين والضعفاء من المساعدة والعطف والبر بتأثير حب المال من الأخلاق الذميمة التي يجب على الإنسان وعلى المسلم من باب أولى اجتنابها والترفع عنها. ويلفت النظر بخاصة إلى الآيات ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما( ١٩ ) وتحبون المال حبا جما( ٢٠ ) ﴾ التي جاءت بعد الآيات :﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ( ١٧ ) ولا تحاضون على طعام المسكين( ١٨ ) ﴾ [ ١٧- ١٨ ]التي تنطوي على تنديد لاذع لمن يفعل ما جاء فيها ؛ حيث يلمح فيها إيذان قرآني بكراهية الاستكثار من حيازة المال والحرص الشديد عليه وعدم إنفاقه على المحتاجين والفقراء. ولهذا دلالة خطيرة المدى ولاسيما أنه بدأ منذ أوائل التنزيل القرآني واستمر يتكرر إلى آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه آيات سورة التوبة هذه التي كانت من أواخر ما نزل :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٣٤ ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٤- ٣٥ ].
وهناك أحاديث كثيرة تتساوى في التلقين المنطوي في الآيات بالنسبة للأمر الأخير بخاصته. منها حديث رواه البخاري عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينَه وشمالَه وبين يديه ووراءه وعملَ فيه خيراً )٢. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تَعسَ عبد الدينار والدّرهم والقطيفَة والخَميصَة إن أعطيَ رضيَ وإن لم يُعطَ لم يرضَ )٣. وحديث رواه الترمذي ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله. وفي رواية طوبَى لمن هُديَ إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقَنعَ )٤. وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )٥وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :( قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وانتظر بعض الصحابة فقال رسول الله لهم : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطَتْ على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسوها، وتهلِكَكم كما أهلكَتهُم )٦. وحديث رواه الترمذي عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن لكل أمّة فتنةً وفتنةُ أمتي المال )٧. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لي مثلُ أُحُد ذهباً لسرّني ألا تمرَّ بي ثلاث ليال وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أرصده لدين )٨. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوبُ الله على من تابَ )٩. وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد جاء فيه :( إنّ هذا المالَ حُلوةٌ من أخذَهُ بحقّه ووضعَه في حقّه فنعم المعونةُ هو، ومَن أخذَه بغير حقه كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ )١٠.
- قدر عليه رزقه : بمعنى ضيقه عليه.
-أهانني : هنا بمعنى وضع قدري وتقصد ضرري وإهانتي، وفي الآيات الأربع التالية تأنيب ردعي وتكذيبي.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ١ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ٢ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ٣ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ٤ ( ١٦ ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( ١٧ ) وَلَا تَحَاضُّونَ ٥ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ١٨ ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ٦ أَكْلًا لَّمًّا ٧( ١٩ ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( ٢٠ ) ﴾ [ ١٥- ٢٠ ].

في الآيتين الأوليين :


١-
عرض لصورة من تفكير الإنسان وتلقيه في حالتي الغنى والفقر والنعيم والبؤس. ففي الأولى يظن أن الله إنما يسّر له ذلك عناية به ورفعا لقدرة واهتماما لشأنه. وفي الثانية يظن أن الله إنما اختصه بذلك حطّاً من قدره وإهانة له في نظر الناس.

٢-
تقرير بأن ذلك ليس كما يظن الإنسان في حاليه. ونفي ردعي لهذا الظن. وإنما هو امتحان رباني، ليظهر موقفه من الله والناس في حالتي اليسر والعسر والنعيم والبؤس.
ويلمح أن الآيات الأربع الأخيرة قد جاءت على أسلوب الحكيم، فالآيتان السابقتان لها تعرضان إلى الخطأ في تفكير الناس في حالتي السعة والضيق واليسر والعسر، مع تقريرهما أن ذلك امتحان رباني. فجاءت الآيات تلفت نظرهم إلى خطيئات أخرى هم واقعون فيها وتندد بهم من أجلها وتكذبهم في أقوالهم وتعليلاتهم.
وقد روى بعض المفسرين١ : أن الآيات أو القسم الأول منها نزل في أمية بن خلف أحد زعماء قريش مع أن أسلوبها عام مطلق كسابقاتها، وهي منسجمة مع بعضها انسجاماً قوياً. وكلام الطبري شيخ المفسرين يفيد أنها عرض عام لظنون المنحرفين من الناس وسلوكهم بصورة مطلقة.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى. فالمرء ينبغي ألاّ تبطره النعمة واليسار فيخرج عن حده بالخيلاء والغرور، وزعم اختصاص الله إياه بالحظوة، كما أنه لا ينبغي أنه يداخله غم ويأس إذا ما حل فيه ضيق وعسر فيعتبر ذلك نقمة وإهانة اختصه الله بهما. فكثيراً ما يكون في الثورة والرخاء بلاء وكثيراً ما يكون في الفقر والخصاصة راحة نفس وسلامة دين وعرض. ومن الواجب أن يرى كل من الفريقين كذلك أنهما إزاء واختبار رباني ؛ وأن على الميسور أن يشكر الله ويقوم بواجبه نحوه ونحو الناس وخاصة ضعفاءهم وذوي الحاجة منهم وأن على المعسر أن يصبر ويصابر. ومن تلقينات تقرير كون الغنى والفقر عرضين تابعين لنواميس الكون ومن جملتها قابليات الناس وظروفهم التي لا تبقى على وتيرة واحدة. ولا يصح أن يظن ظانّ أنهما اختصاص رباني بقصد التكريم والإهانة ورفع القدر أو حطه.
ومن تلقيناتها كذلك : أن جعل المال أكبر الهمّ وقصارى المطلب واستباحة البغي والظلم في سبيل الحصول عليه وحرمان المحتاجين والضعفاء من المساعدة والعطف والبر بتأثير حب المال من الأخلاق الذميمة التي يجب على الإنسان وعلى المسلم من باب أولى اجتنابها والترفع عنها. ويلفت النظر بخاصة إلى الآيات ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما( ١٩ ) وتحبون المال حبا جما( ٢٠ ) ﴾ التي جاءت بعد الآيات :﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ( ١٧ ) ولا تحاضون على طعام المسكين( ١٨ ) ﴾ [ ١٧- ١٨ ]التي تنطوي على تنديد لاذع لمن يفعل ما جاء فيها ؛ حيث يلمح فيها إيذان قرآني بكراهية الاستكثار من حيازة المال والحرص الشديد عليه وعدم إنفاقه على المحتاجين والفقراء. ولهذا دلالة خطيرة المدى ولاسيما أنه بدأ منذ أوائل التنزيل القرآني واستمر يتكرر إلى آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه آيات سورة التوبة هذه التي كانت من أواخر ما نزل :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٣٤ ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٤- ٣٥ ].
وهناك أحاديث كثيرة تتساوى في التلقين المنطوي في الآيات بالنسبة للأمر الأخير بخاصته. منها حديث رواه البخاري عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينَه وشمالَه وبين يديه ووراءه وعملَ فيه خيراً )٢. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تَعسَ عبد الدينار والدّرهم والقطيفَة والخَميصَة إن أعطيَ رضيَ وإن لم يُعطَ لم يرضَ )٣. وحديث رواه الترمذي ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله. وفي رواية طوبَى لمن هُديَ إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقَنعَ )٤. وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )٥وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :( قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وانتظر بعض الصحابة فقال رسول الله لهم : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطَتْ على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسوها، وتهلِكَكم كما أهلكَتهُم )٦. وحديث رواه الترمذي عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن لكل أمّة فتنةً وفتنةُ أمتي المال )٧. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لي مثلُ أُحُد ذهباً لسرّني ألا تمرَّ بي ثلاث ليال وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أرصده لدين )٨. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوبُ الله على من تابَ )٩. وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد جاء فيه :( إنّ هذا المالَ حُلوةٌ من أخذَهُ بحقّه ووضعَه في حقّه فنعم المعونةُ هو، ومَن أخذَه بغير حقه كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ )١٠.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ١ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ٢ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ٣ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ٤ ( ١٦ ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( ١٧ ) وَلَا تَحَاضُّونَ ٥ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ١٨ ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ٦ أَكْلًا لَّمًّا ٧( ١٩ ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( ٢٠ ) ﴾ [ ١٥- ٢٠ ].

في الآيتين الأوليين :


١-
عرض لصورة من تفكير الإنسان وتلقيه في حالتي الغنى والفقر والنعيم والبؤس. ففي الأولى يظن أن الله إنما يسّر له ذلك عناية به ورفعا لقدرة واهتماما لشأنه. وفي الثانية يظن أن الله إنما اختصه بذلك حطّاً من قدره وإهانة له في نظر الناس.

٢-
تقرير بأن ذلك ليس كما يظن الإنسان في حاليه. ونفي ردعي لهذا الظن. وإنما هو امتحان رباني، ليظهر موقفه من الله والناس في حالتي اليسر والعسر والنعيم والبؤس.
ويلمح أن الآيات الأربع الأخيرة قد جاءت على أسلوب الحكيم، فالآيتان السابقتان لها تعرضان إلى الخطأ في تفكير الناس في حالتي السعة والضيق واليسر والعسر، مع تقريرهما أن ذلك امتحان رباني. فجاءت الآيات تلفت نظرهم إلى خطيئات أخرى هم واقعون فيها وتندد بهم من أجلها وتكذبهم في أقوالهم وتعليلاتهم.
وقد روى بعض المفسرين١ : أن الآيات أو القسم الأول منها نزل في أمية بن خلف أحد زعماء قريش مع أن أسلوبها عام مطلق كسابقاتها، وهي منسجمة مع بعضها انسجاماً قوياً. وكلام الطبري شيخ المفسرين يفيد أنها عرض عام لظنون المنحرفين من الناس وسلوكهم بصورة مطلقة.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى. فالمرء ينبغي ألاّ تبطره النعمة واليسار فيخرج عن حده بالخيلاء والغرور، وزعم اختصاص الله إياه بالحظوة، كما أنه لا ينبغي أنه يداخله غم ويأس إذا ما حل فيه ضيق وعسر فيعتبر ذلك نقمة وإهانة اختصه الله بهما. فكثيراً ما يكون في الثورة والرخاء بلاء وكثيراً ما يكون في الفقر والخصاصة راحة نفس وسلامة دين وعرض. ومن الواجب أن يرى كل من الفريقين كذلك أنهما إزاء واختبار رباني ؛ وأن على الميسور أن يشكر الله ويقوم بواجبه نحوه ونحو الناس وخاصة ضعفاءهم وذوي الحاجة منهم وأن على المعسر أن يصبر ويصابر. ومن تلقينات تقرير كون الغنى والفقر عرضين تابعين لنواميس الكون ومن جملتها قابليات الناس وظروفهم التي لا تبقى على وتيرة واحدة. ولا يصح أن يظن ظانّ أنهما اختصاص رباني بقصد التكريم والإهانة ورفع القدر أو حطه.
ومن تلقيناتها كذلك : أن جعل المال أكبر الهمّ وقصارى المطلب واستباحة البغي والظلم في سبيل الحصول عليه وحرمان المحتاجين والضعفاء من المساعدة والعطف والبر بتأثير حب المال من الأخلاق الذميمة التي يجب على الإنسان وعلى المسلم من باب أولى اجتنابها والترفع عنها. ويلفت النظر بخاصة إلى الآيات ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما( ١٩ ) وتحبون المال حبا جما( ٢٠ ) ﴾ التي جاءت بعد الآيات :﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ( ١٧ ) ولا تحاضون على طعام المسكين( ١٨ ) ﴾ [ ١٧- ١٨ ]التي تنطوي على تنديد لاذع لمن يفعل ما جاء فيها ؛ حيث يلمح فيها إيذان قرآني بكراهية الاستكثار من حيازة المال والحرص الشديد عليه وعدم إنفاقه على المحتاجين والفقراء. ولهذا دلالة خطيرة المدى ولاسيما أنه بدأ منذ أوائل التنزيل القرآني واستمر يتكرر إلى آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه آيات سورة التوبة هذه التي كانت من أواخر ما نزل :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٣٤ ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٤- ٣٥ ].
وهناك أحاديث كثيرة تتساوى في التلقين المنطوي في الآيات بالنسبة للأمر الأخير بخاصته. منها حديث رواه البخاري عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينَه وشمالَه وبين يديه ووراءه وعملَ فيه خيراً )٢. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تَعسَ عبد الدينار والدّرهم والقطيفَة والخَميصَة إن أعطيَ رضيَ وإن لم يُعطَ لم يرضَ )٣. وحديث رواه الترمذي ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله. وفي رواية طوبَى لمن هُديَ إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقَنعَ )٤. وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )٥وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :( قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وانتظر بعض الصحابة فقال رسول الله لهم : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطَتْ على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسوها، وتهلِكَكم كما أهلكَتهُم )٦. وحديث رواه الترمذي عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن لكل أمّة فتنةً وفتنةُ أمتي المال )٧. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لي مثلُ أُحُد ذهباً لسرّني ألا تمرَّ بي ثلاث ليال وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أرصده لدين )٨. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوبُ الله على من تابَ )٩. وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد جاء فيه :( إنّ هذا المالَ حُلوةٌ من أخذَهُ بحقّه ووضعَه في حقّه فنعم المعونةُ هو، ومَن أخذَه بغير حقه كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ )١٠.
تعليق على ما أولاه القرآن
من العناية باليتيم
وبمناسبة التنديد في الآية [ ١٧ ] بالذين لا يكرمون اليتيم نقول إن القرآن المكي والمدني معاً قد احتوى آيات كثيرة بلغ عددها اثنتين وعشرين في صدد العناية باليتيم وتكريمه وحفظ ماله وإعطائه حقه وعدم معاملته بالعنف والقسوة والنهي عن أكل ماله وأذيته والتحايل عليه. والإنفاق والتصدق على فقراء اليتامى وتخصيص نصيب لهؤلاء في موارد الدولة الإسلامية الرسمية، وبعبارة أخرى جعل ذلك من واجبات هذه الدولة أسوة بالمسكين ولأنه على الأرجح من نوعه لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه، حيث يدل هذا على عظم عناية حكمة التنزيل به طيلة زمن التنزيل في مكة والمدينة. نورد منها الأمثلة الآتية :
١-﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ( ١ ) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ( ٢ ) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ٣ ) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ( ٤ ) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ( ٥ ) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ( ٦ ) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ( ٧ ) ﴾ الماعون[ ١-٧ ].
٢- ﴿ فأما اليتيم فلا تقهر( ٩ ) ﴾ الضحى[ ٩ ].
٣- ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( ١١ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ( ١٢ ) فَكُّ رَقَبَةٍ( ١٣ ) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ( ١٤ ) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ( ١٥ ) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ( ١٦ ) ﴾ البلد :[ ١١- ١٦ ].
٤- ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ الإسراء [ ٣٤ ].
٥- ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ٣٨ ) ﴾ الروم :[ ٣٨ ].
٦- ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ( ٢١٥ ) ﴾البقرة :[ ٢١٥ ]
٧- ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ الأنفال :[ ٤١ ].
٨- ﴿ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا( ٢ ) ﴾النساء :[ ٢ ].
٩- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا( ١٠ ) ﴾ النساء :[ ١٠ ].
١٠- ﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ الحشر :[ ١٠ ].
ولما كان اليتيم على الأكثر ضعيفا فاقد المعين والكافل والمنفق فالعناية القرآنية به متسقة مع روح البرّ والحق والعدل التي انطوت في المبادئ القرآنية والدعوة الإسلامية منذ البدء، كما هو شأن البر بالمساكين على ما مر شرحه في سياق سورة المدثر.
ولعل في كثرة ما جاء في حق اليتيم صورة لما كان اليتيم معرضاً له قبل البعثة من صنوف الهضم والأذى والإهمال والحرمان. وفي آيات الإسراء المكية والنساء المدنية ما يفيد أنه كان الذين يترك لهم آباؤهم مالاً منهم معرضين لضياع إرثهم وأكله من قبل الأوصياء والأولياء، فاقتضت حكمة التنزيل أن توالى الحث والنهي والإنذار في شأنه بأساليب متنوعة وأحياناً بأساليب قارعة. ولقد أثرت أحاديث نبوية عديدة في البر والعناية باليتيم. منها حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أنا وكافلُ اليتيم في الجنّةِ هكذا وقال بإصبَعه السّبابة والوسطَى )١. وحديث رواه الشيخان عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات. قيل : يا رسول الله وما هنّ ؟ قال الشركُ بالله والسّحرُ وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكلُ الربا وأكلُ اليتيم والتولّي يوم الزحف وقذفُ المحصَناتِ الغافلات المؤمنَاتِ )٢. وحديث رواه الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قبضَ يتيماً من بين مُسلمينَ إلى طَعامِه وشرَابِهِ أدخله الله الجنة ألبتة إلا أن يعمل ذنباً لا يُغفرَ له )٣.
وهناك حديث أورده ابن كثير في سياق الآية [ ١٠ ] من سورة النساء أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة أسريَ بك ؟ قال : انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير، رجالٌ كل رجل منهم له مشفرانِ كمشفَرَي البعير. وهو موكّل بهم رجالٌ يفكون لحاء أحدهم ثم يُجاء بصخرة من نار فتقذف في أحدهم حتى تخرج من أسفله. ولهم جُؤار وصُراخ. قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ). وحديث آخر أورده المفسر نفسه في صحيح ابن حبان عن أبي حرزة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث يوم القيامة قومٌ من قبورهم تأجّج أفواههم ناراً. قيل يا رسول الله من هم قال ألم تر إلى أن الله قال :﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً ﴾ النساء :[ ١٠ ] حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو في كل أمر آخر.
وفي الآيات تنديد بمن لا يحض على طعام المسكين. ولقد سبق مثل هذا في آية سورة المدثر وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.
١ - التاج ج ٥ ص ١٣..
٢ - المصدر نفسه ج ٣ ص ٤- ٥..
٣ - المصدر السابق نفسه..
تحاضون : تتحاضون أي تحضون بعضكم بعضا.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ١ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ٢ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ٣ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ٤ ( ١٦ ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( ١٧ ) وَلَا تَحَاضُّونَ ٥ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ١٨ ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ٦ أَكْلًا لَّمًّا ٧( ١٩ ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( ٢٠ ) ﴾ [ ١٥- ٢٠ ].

في الآيتين الأوليين :


١-
عرض لصورة من تفكير الإنسان وتلقيه في حالتي الغنى والفقر والنعيم والبؤس. ففي الأولى يظن أن الله إنما يسّر له ذلك عناية به ورفعا لقدرة واهتماما لشأنه. وفي الثانية يظن أن الله إنما اختصه بذلك حطّاً من قدره وإهانة له في نظر الناس.

٢-
تقرير بأن ذلك ليس كما يظن الإنسان في حاليه. ونفي ردعي لهذا الظن. وإنما هو امتحان رباني، ليظهر موقفه من الله والناس في حالتي اليسر والعسر والنعيم والبؤس.
ويلمح أن الآيات الأربع الأخيرة قد جاءت على أسلوب الحكيم، فالآيتان السابقتان لها تعرضان إلى الخطأ في تفكير الناس في حالتي السعة والضيق واليسر والعسر، مع تقريرهما أن ذلك امتحان رباني. فجاءت الآيات تلفت نظرهم إلى خطيئات أخرى هم واقعون فيها وتندد بهم من أجلها وتكذبهم في أقوالهم وتعليلاتهم.
وقد روى بعض المفسرين١ : أن الآيات أو القسم الأول منها نزل في أمية بن خلف أحد زعماء قريش مع أن أسلوبها عام مطلق كسابقاتها، وهي منسجمة مع بعضها انسجاماً قوياً. وكلام الطبري شيخ المفسرين يفيد أنها عرض عام لظنون المنحرفين من الناس وسلوكهم بصورة مطلقة.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى. فالمرء ينبغي ألاّ تبطره النعمة واليسار فيخرج عن حده بالخيلاء والغرور، وزعم اختصاص الله إياه بالحظوة، كما أنه لا ينبغي أنه يداخله غم ويأس إذا ما حل فيه ضيق وعسر فيعتبر ذلك نقمة وإهانة اختصه الله بهما. فكثيراً ما يكون في الثورة والرخاء بلاء وكثيراً ما يكون في الفقر والخصاصة راحة نفس وسلامة دين وعرض. ومن الواجب أن يرى كل من الفريقين كذلك أنهما إزاء واختبار رباني ؛ وأن على الميسور أن يشكر الله ويقوم بواجبه نحوه ونحو الناس وخاصة ضعفاءهم وذوي الحاجة منهم وأن على المعسر أن يصبر ويصابر. ومن تلقينات تقرير كون الغنى والفقر عرضين تابعين لنواميس الكون ومن جملتها قابليات الناس وظروفهم التي لا تبقى على وتيرة واحدة. ولا يصح أن يظن ظانّ أنهما اختصاص رباني بقصد التكريم والإهانة ورفع القدر أو حطه.
ومن تلقيناتها كذلك : أن جعل المال أكبر الهمّ وقصارى المطلب واستباحة البغي والظلم في سبيل الحصول عليه وحرمان المحتاجين والضعفاء من المساعدة والعطف والبر بتأثير حب المال من الأخلاق الذميمة التي يجب على الإنسان وعلى المسلم من باب أولى اجتنابها والترفع عنها. ويلفت النظر بخاصة إلى الآيات ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما( ١٩ ) وتحبون المال حبا جما( ٢٠ ) ﴾ التي جاءت بعد الآيات :﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ( ١٧ ) ولا تحاضون على طعام المسكين( ١٨ ) ﴾ [ ١٧- ١٨ ]التي تنطوي على تنديد لاذع لمن يفعل ما جاء فيها ؛ حيث يلمح فيها إيذان قرآني بكراهية الاستكثار من حيازة المال والحرص الشديد عليه وعدم إنفاقه على المحتاجين والفقراء. ولهذا دلالة خطيرة المدى ولاسيما أنه بدأ منذ أوائل التنزيل القرآني واستمر يتكرر إلى آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه آيات سورة التوبة هذه التي كانت من أواخر ما نزل :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٣٤ ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٤- ٣٥ ].
وهناك أحاديث كثيرة تتساوى في التلقين المنطوي في الآيات بالنسبة للأمر الأخير بخاصته. منها حديث رواه البخاري عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينَه وشمالَه وبين يديه ووراءه وعملَ فيه خيراً )٢. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تَعسَ عبد الدينار والدّرهم والقطيفَة والخَميصَة إن أعطيَ رضيَ وإن لم يُعطَ لم يرضَ )٣. وحديث رواه الترمذي ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله. وفي رواية طوبَى لمن هُديَ إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقَنعَ )٤. وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )٥وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :( قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وانتظر بعض الصحابة فقال رسول الله لهم : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطَتْ على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسوها، وتهلِكَكم كما أهلكَتهُم )٦. وحديث رواه الترمذي عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن لكل أمّة فتنةً وفتنةُ أمتي المال )٧. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لي مثلُ أُحُد ذهباً لسرّني ألا تمرَّ بي ثلاث ليال وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أرصده لدين )٨. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوبُ الله على من تابَ )٩. وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد جاء فيه :( إنّ هذا المالَ حُلوةٌ من أخذَهُ بحقّه ووضعَه في حقّه فنعم المعونةُ هو، ومَن أخذَه بغير حقه كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ )١٠.
- التراث : الميراث.
- لمّاً : جمعاً والقصد أكل الميراث جميعه بدون تفريق بين حق وباطل.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ١ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ٢ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ٣ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ٤ ( ١٦ ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( ١٧ ) وَلَا تَحَاضُّونَ ٥ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ١٨ ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ٦ أَكْلًا لَّمًّا ٧( ١٩ ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( ٢٠ ) ﴾ [ ١٥- ٢٠ ].

في الآيتين الأوليين :


١-
عرض لصورة من تفكير الإنسان وتلقيه في حالتي الغنى والفقر والنعيم والبؤس. ففي الأولى يظن أن الله إنما يسّر له ذلك عناية به ورفعا لقدرة واهتماما لشأنه. وفي الثانية يظن أن الله إنما اختصه بذلك حطّاً من قدره وإهانة له في نظر الناس.

٢-
تقرير بأن ذلك ليس كما يظن الإنسان في حاليه. ونفي ردعي لهذا الظن. وإنما هو امتحان رباني، ليظهر موقفه من الله والناس في حالتي اليسر والعسر والنعيم والبؤس.
ويلمح أن الآيات الأربع الأخيرة قد جاءت على أسلوب الحكيم، فالآيتان السابقتان لها تعرضان إلى الخطأ في تفكير الناس في حالتي السعة والضيق واليسر والعسر، مع تقريرهما أن ذلك امتحان رباني. فجاءت الآيات تلفت نظرهم إلى خطيئات أخرى هم واقعون فيها وتندد بهم من أجلها وتكذبهم في أقوالهم وتعليلاتهم.
وقد روى بعض المفسرين١ : أن الآيات أو القسم الأول منها نزل في أمية بن خلف أحد زعماء قريش مع أن أسلوبها عام مطلق كسابقاتها، وهي منسجمة مع بعضها انسجاماً قوياً. وكلام الطبري شيخ المفسرين يفيد أنها عرض عام لظنون المنحرفين من الناس وسلوكهم بصورة مطلقة.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى. فالمرء ينبغي ألاّ تبطره النعمة واليسار فيخرج عن حده بالخيلاء والغرور، وزعم اختصاص الله إياه بالحظوة، كما أنه لا ينبغي أنه يداخله غم ويأس إذا ما حل فيه ضيق وعسر فيعتبر ذلك نقمة وإهانة اختصه الله بهما. فكثيراً ما يكون في الثورة والرخاء بلاء وكثيراً ما يكون في الفقر والخصاصة راحة نفس وسلامة دين وعرض. ومن الواجب أن يرى كل من الفريقين كذلك أنهما إزاء واختبار رباني ؛ وأن على الميسور أن يشكر الله ويقوم بواجبه نحوه ونحو الناس وخاصة ضعفاءهم وذوي الحاجة منهم وأن على المعسر أن يصبر ويصابر. ومن تلقينات تقرير كون الغنى والفقر عرضين تابعين لنواميس الكون ومن جملتها قابليات الناس وظروفهم التي لا تبقى على وتيرة واحدة. ولا يصح أن يظن ظانّ أنهما اختصاص رباني بقصد التكريم والإهانة ورفع القدر أو حطه.
ومن تلقيناتها كذلك : أن جعل المال أكبر الهمّ وقصارى المطلب واستباحة البغي والظلم في سبيل الحصول عليه وحرمان المحتاجين والضعفاء من المساعدة والعطف والبر بتأثير حب المال من الأخلاق الذميمة التي يجب على الإنسان وعلى المسلم من باب أولى اجتنابها والترفع عنها. ويلفت النظر بخاصة إلى الآيات ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما( ١٩ ) وتحبون المال حبا جما( ٢٠ ) ﴾ التي جاءت بعد الآيات :﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ( ١٧ ) ولا تحاضون على طعام المسكين( ١٨ ) ﴾ [ ١٧- ١٨ ]التي تنطوي على تنديد لاذع لمن يفعل ما جاء فيها ؛ حيث يلمح فيها إيذان قرآني بكراهية الاستكثار من حيازة المال والحرص الشديد عليه وعدم إنفاقه على المحتاجين والفقراء. ولهذا دلالة خطيرة المدى ولاسيما أنه بدأ منذ أوائل التنزيل القرآني واستمر يتكرر إلى آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه آيات سورة التوبة هذه التي كانت من أواخر ما نزل :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٣٤ ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٤- ٣٥ ].
وهناك أحاديث كثيرة تتساوى في التلقين المنطوي في الآيات بالنسبة للأمر الأخير بخاصته. منها حديث رواه البخاري عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينَه وشمالَه وبين يديه ووراءه وعملَ فيه خيراً )٢. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تَعسَ عبد الدينار والدّرهم والقطيفَة والخَميصَة إن أعطيَ رضيَ وإن لم يُعطَ لم يرضَ )٣. وحديث رواه الترمذي ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله. وفي رواية طوبَى لمن هُديَ إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقَنعَ )٤. وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )٥وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :( قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وانتظر بعض الصحابة فقال رسول الله لهم : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطَتْ على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسوها، وتهلِكَكم كما أهلكَتهُم )٦. وحديث رواه الترمذي عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن لكل أمّة فتنةً وفتنةُ أمتي المال )٧. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لي مثلُ أُحُد ذهباً لسرّني ألا تمرَّ بي ثلاث ليال وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أرصده لدين )٨. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوبُ الله على من تابَ )٩. وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد جاء فيه :( إنّ هذا المالَ حُلوةٌ من أخذَهُ بحقّه ووضعَه في حقّه فنعم المعونةُ هو، ومَن أخذَه بغير حقه كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ )١٠.
جمّا : كثيراً.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ١ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ٢ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ٣ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ٤ ( ١٦ ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( ١٧ ) وَلَا تَحَاضُّونَ ٥ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( ١٨ ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ٦ أَكْلًا لَّمًّا ٧( ١٩ ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( ٢٠ ) ﴾ [ ١٥- ٢٠ ].

في الآيتين الأوليين :


١-
عرض لصورة من تفكير الإنسان وتلقيه في حالتي الغنى والفقر والنعيم والبؤس. ففي الأولى يظن أن الله إنما يسّر له ذلك عناية به ورفعا لقدرة واهتماما لشأنه. وفي الثانية يظن أن الله إنما اختصه بذلك حطّاً من قدره وإهانة له في نظر الناس.

٢-
تقرير بأن ذلك ليس كما يظن الإنسان في حاليه. ونفي ردعي لهذا الظن. وإنما هو امتحان رباني، ليظهر موقفه من الله والناس في حالتي اليسر والعسر والنعيم والبؤس.
ويلمح أن الآيات الأربع الأخيرة قد جاءت على أسلوب الحكيم، فالآيتان السابقتان لها تعرضان إلى الخطأ في تفكير الناس في حالتي السعة والضيق واليسر والعسر، مع تقريرهما أن ذلك امتحان رباني. فجاءت الآيات تلفت نظرهم إلى خطيئات أخرى هم واقعون فيها وتندد بهم من أجلها وتكذبهم في أقوالهم وتعليلاتهم.
وقد روى بعض المفسرين١ : أن الآيات أو القسم الأول منها نزل في أمية بن خلف أحد زعماء قريش مع أن أسلوبها عام مطلق كسابقاتها، وهي منسجمة مع بعضها انسجاماً قوياً. وكلام الطبري شيخ المفسرين يفيد أنها عرض عام لظنون المنحرفين من الناس وسلوكهم بصورة مطلقة.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى. فالمرء ينبغي ألاّ تبطره النعمة واليسار فيخرج عن حده بالخيلاء والغرور، وزعم اختصاص الله إياه بالحظوة، كما أنه لا ينبغي أنه يداخله غم ويأس إذا ما حل فيه ضيق وعسر فيعتبر ذلك نقمة وإهانة اختصه الله بهما. فكثيراً ما يكون في الثورة والرخاء بلاء وكثيراً ما يكون في الفقر والخصاصة راحة نفس وسلامة دين وعرض. ومن الواجب أن يرى كل من الفريقين كذلك أنهما إزاء واختبار رباني ؛ وأن على الميسور أن يشكر الله ويقوم بواجبه نحوه ونحو الناس وخاصة ضعفاءهم وذوي الحاجة منهم وأن على المعسر أن يصبر ويصابر. ومن تلقينات تقرير كون الغنى والفقر عرضين تابعين لنواميس الكون ومن جملتها قابليات الناس وظروفهم التي لا تبقى على وتيرة واحدة. ولا يصح أن يظن ظانّ أنهما اختصاص رباني بقصد التكريم والإهانة ورفع القدر أو حطه.
ومن تلقيناتها كذلك : أن جعل المال أكبر الهمّ وقصارى المطلب واستباحة البغي والظلم في سبيل الحصول عليه وحرمان المحتاجين والضعفاء من المساعدة والعطف والبر بتأثير حب المال من الأخلاق الذميمة التي يجب على الإنسان وعلى المسلم من باب أولى اجتنابها والترفع عنها. ويلفت النظر بخاصة إلى الآيات ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما( ١٩ ) وتحبون المال حبا جما( ٢٠ ) ﴾ التي جاءت بعد الآيات :﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم ( ١٧ ) ولا تحاضون على طعام المسكين( ١٨ ) ﴾ [ ١٧- ١٨ ]التي تنطوي على تنديد لاذع لمن يفعل ما جاء فيها ؛ حيث يلمح فيها إيذان قرآني بكراهية الاستكثار من حيازة المال والحرص الشديد عليه وعدم إنفاقه على المحتاجين والفقراء. ولهذا دلالة خطيرة المدى ولاسيما أنه بدأ منذ أوائل التنزيل القرآني واستمر يتكرر إلى آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه آيات سورة التوبة هذه التي كانت من أواخر ما نزل :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٣٤ ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٤- ٣٥ ].
وهناك أحاديث كثيرة تتساوى في التلقين المنطوي في الآيات بالنسبة للأمر الأخير بخاصته. منها حديث رواه البخاري عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينَه وشمالَه وبين يديه ووراءه وعملَ فيه خيراً )٢. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تَعسَ عبد الدينار والدّرهم والقطيفَة والخَميصَة إن أعطيَ رضيَ وإن لم يُعطَ لم يرضَ )٣. وحديث رواه الترمذي ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله. وفي رواية طوبَى لمن هُديَ إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقَنعَ )٤. وحديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )٥وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال :( قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وانتظر بعض الصحابة فقال رسول الله لهم : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطَتْ على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسوها، وتهلِكَكم كما أهلكَتهُم )٦. وحديث رواه الترمذي عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن لكل أمّة فتنةً وفتنةُ أمتي المال )٧. وحديث رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لي مثلُ أُحُد ذهباً لسرّني ألا تمرَّ بي ثلاث ليال وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أرصده لدين )٨. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوبُ الله على من تابَ )٩. وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد جاء فيه :( إنّ هذا المالَ حُلوةٌ من أخذَهُ بحقّه ووضعَه في حقّه فنعم المعونةُ هو، ومَن أخذَه بغير حقه كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ )١٠.
١- دكاً دكاً : القصد من ذلك وصف شدة الانهيار والتدمير الذي يحلّ في الأرض يوم القيامة، أو وصف هول اليوم وأثره في الأرض.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
- جهنّم : الوادي أو البئر العميق الموحش. ويقال : بئر جهنام أيضا بنفس المعنى. ثم صارت علماً قرآنياً على الحفرة الهائلة النارية التي يُلقى فيها الكفار والمجرمون يوم القيامة. وتعبير -ayah text-primary">﴿ وجيء يومئذ بجهنم ﴾ تعبير أسلوبي بمعنى : هيئت.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
- لا يعذب عذابه أحد : يحتمل أن تكون الجملة بمعنى لا يعذب مكانه أحد غيره، كما يحتمل أن تكون بمعنى لا يعذب مثل عذابه أحد بسبيل وصف شدة عذابه-note text-primary mx-٢" href="#foonote-١">١. والأول أوجه فيما نرى لأن العذاب لكل إنسان استحقه.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
١ انظر تفسيرها في تفسير الطبري والنيسابوري والآلوسي..
- لا يوثق وثاقه أحد : الوثاق هو الغل والحبل الذي يقيد به الشيء. والجملة تحتمل الاحتمالين المذكورين آنفا. والأول أوجه فيما يرى للسبب نفسه. وقد ذكرت آيات عديدة أن المستحقين للعذاب يوم القيامة يقيدون بالأغلال.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ١ ( ٢١ ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( ٢٢ ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ٢ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى( ٢٣ ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( ٢٤ ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٣ ( ٢٥ ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٤ ( ٢٦ ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ( ٢٧ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً( ٢٨ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( ٢٩ ) وَادْخُلِي جَنَّتِي( ٣٠ ) ﴾ [ ٢١- ٣٠ ].
وفي الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكاً شديداً، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفاً، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بدليل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة ؛ حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
ولقد تكررت في القرآن كثيراً حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين ؛ لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلاً من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة ﴿ وجاء يومئذ بجهنم ﴾ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر وروداً من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيراً. وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها و روحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة النفس وما سوف يلقاه صاحبها من التكريم والرضاء عند الله. ولعل مما تنطوي عليه ويتصل بموضوع الآيات السابقة وخاصة الآيتين [ ١٥- ١٦ ] تلقين التخلق بخلق الاطمئنان والرضى وعدم الاضطراب بتبدل ظروف الحياة عسراً ويسراً، وكون هذا هو ما يجب أن يكون عليه الإنسان العاقل في حالتي العسر واليسر. وهذا الخلق من أقوى المشجعات على مواجهة أحداث الحياة بقلب قوي ونفس رضية والتغلب على صعابها. ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وصار جديراً بهذا النداء الرباني المحبب النافذ إلى الأعماق. وواضح أن الآيات تلهم أن مثل هذا الخلق وأثره لا يكون إلا فيمن شع في نفسه الإيمان واستشعر بعظمة الله وقدرته الشاملة، وأسلم النفس والأمر إليه، ولم يتوان مع ذلك في القيام بواجبه نحوه ونحو الناس على كل حال.
وآيات السورة وأسلوبها كما قلنا لا تحتوي مواقف جدل مع أشخاص بأعيانهم، وهي بسبيل إنذار عام وتوجيه عام ونقد عام حيث يصح أن يقال عنها ما قلناه عن سورة الفاتحة والأعلى والليل.
تفسير الشيخ محيي الدين بن عربي للآية الأخيرة من السورة واستطراد خاطف إلى تفسيرات الصوفية وتعليق عليها
هذا، وفي الجزء الثالث من كتاب التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبي تفسير مروي عن الشيخ محيي الدين بن عربي الصوفي المشهور للآية ﴿ وادخلي جنتي ﴾ جاء فيه :( وادخلي جنتي التي هي ستري وليست جنتي سواك. فأنت تسترني بذاتك الإنسانية فلا أعرف إلاّ بك كما أنك لا تكون إلاّ بي، فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف، فإذا دخلت جنة دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث أنت ومعرفة بك من حيث هو لا من حيث أنت. فأنت عبد رأيت رباً وأنت رب لمن له فيه أنت عبد وأنت رب وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد... )١.
والشطح في هذا التفسير ظاهر ؛ حيث تفسر كلمات القرآن الواضحة المعنى والمدى بتأويلات رمزية لا تتصل بهدف القرآن الذي هو دعوة الناس إلى الإيمان بالله وحده واليوم الآخر وبرسالة رسوله وبما جاء في كتابه وسنة رسوله والالتزام به والوقوف عنده ؛ لأنه في ذلك صلاح بني الإنسان ونجاتهم في الدنيا والآخرة. وفي حين أن العبارات القرآنية قطعية الدلالة على أن خلق الله هو غير الله تعالى، فإن الشيخ في شطحه حين يفسر الآية التي نحن في صددها يجعل الله تعالى وتنزه وخلقه شيئاً واحداً، متعدد الصور فلا يتورع من القول إن العبد رب للرب والرب عبد للعبد مما يقال له : وحدة الوجود التي يستغرق فيها الصوفيون فيعمدون إلى تفسير آيات القرآن وفاقاً لها مهما كانت المناسبة مفقودة ومهما كانت العبارات واضحة صريحة. ومهما كان فيما يقولونه شطح وشطط ومفارقة لغوية أو سبكية أو نظمية. بل ومهما كان فيه كفر بواح. ولهم شعار خاص بهم أسوة بشعار غلاة الشيعة والباطنية فهؤلاء يعمدون إلى تغطية هذياناتهم وشطحاتهم بالقول إن لكل آية وجملة قرآنية ظاهراً وباطناً وإن الجوهري المهم هو الباطن الذي يمكن أن تتعدد وجوهه وأن لا يكون منطبقاً على سياق أو مناسبة أو حاضر أو مستقبل أو لغة كما شرحنا ذلك قبل.
والصوفيون يعمدون إلى تغطية هذياناتهم وشطحاتهم بالقول : إن للجمل القرآنية معنى حقيقياً، ومعنى ظاهرا تشريعياً ويقولون : إن الجوهري هو الحقيقة وإن الشريعة فيه هي شؤون ظاهرة تناسب عقول البسطاء من المسلمين، وإن من السائغ أن لا يكون بين الحقيقة والشريعة توافق في المدى والمحتوى والمناسبات وسائر الوجوه والمجالات. وسنورد أمثلة أخرى من تفسيراتهم لتوكيد الصورة بقصد تنبيه المسلمين إلى نموذج آخر من النماذج الشاذة في تفسير كتاب الله تعالى، وهو التفسير الصوفي، وتحذيرهم من هذا النحو الذي لا سند له من عقل ونقل، والذي يعمد إليه أفراد شاذون في خيالهم وعقولهم يزعمون لأنفسهم الإلهام والوحي، أو يزعم لهم ذلك في حين أن الله تعالى قد أنزل الكتاب على رسوله ليكون للعالمين نذيراً وليخرج الناس من الظلمات إلى النور وليكون فيه هدى ورحمة لقوم يؤمنون وليهديهم به إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين كما علمنا الله أن ندعوه وله الحمد أولاً وآخراً.
ولقد تصدى لابن عربي وأمثاله المتصوفة القائلين بوحدة الوجود وكون كل ما في الكون من خلق وكل ما يفعله الخلق هي صور لله كثير من العلماء في مختلف الحقب والبلاد الإسلامية، ويندّدون بأقوالهم ويبينون ما فيها من تحريف وانحراف بل دسائس على الإسلام لما فيه من شطح وهذيان، ثم لما تؤدي إليه من إسقاط تكاليف الإسلام وإباحة كل محرم والتسوية بين الله والأوثان وبين المتقين والمجرمين والزناة واللصوص، وبين الخير والشر والهدى والضلال والانحراف والاستقامة وإنكار لليوم الآخر وحسابه وثوابه وعقابه " انظر كتاب مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، وتحذير العباد من أهل العناد، تأليف العلامة برهان الدين البقاعي، تحقيق وتعليق عبد الرحمن الوكيل، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة ١٣٧٣ ه - ١٩٥٣م ).
١ - ص ٨ والمؤلف يعزو تفسير الآية هذا إلى كتاب للشيخ محيي الدين اسمه فصوص الحكم. وقد اطلعنا على هذا الكتاب وفيه سبعة وعشرون فصلا عقد كل فصل على نبي أو شخص من أنبياء وأشخاص القرآن، وفسر في كل فصل لبعض آيات الله وقصص الأنبياء والأشخاص تفسيراً من نوع هذا التفسير وفيه العجيب الغريب من الشطح إن لم نقل من الهذيان. ويعزى لهذا الشيخ تفسير اسمه الفتوحات المكية فيه مثل ذلك من الشطح على ما يستفاد من النبذ المنسوبة إليه..
Icon