البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٥٥
المالقي بغرناطة فسألني قراءة من تقرأ اليوم على الشيخ أبي جعفر بن الطباغ؟ فقلت : قراءة عاصم، فأنشدني :
لعاصم قراءة لغيرها مخالفه
إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفه
وقرأ باقي السبعة : إن تعف تعذب طائفة، مبنيا للمفعول. وقرأ الجحدري : أن يعف يعذب مبنيا للفاعل فيهما، أي : إن يعف اللّه. وقرأ مجاهد : إن تعف بالتاء مبنيا للمفعول، تعذب مبنيا للمفعول بالتاء أيضا. قال ابن عطية : على تقدير إن تعف هذه الذنوب. وقال الزمخشري : الوجه التذكير لأنّ المسند إليه الظرف كما تقول : سير بالدابة، ولا تقول سيرت بالدابة، ولكنه ذهب إلى المعنى كأنه قيل : إن ترحم طائفة فأنث لذلك، وهو غريب. والجيد قراءة العامة إن تعف عن طائفة بالتذكير، وتعذب طائفة بالتأنيث انتهى.
مجرمين : مصرين على النفاق غير تائبين.
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ : بيّن تعالى أن ذكورهم وإناثهم ليسوا من المؤمنين كما قال تعالى : وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ «١» بل بعضهم من بعض في الحكم والمنزلة والنفاق، فهم على دين واحد. وليس المعنى على التبعيض حقيقة لأن ذلك معلوم ووصفهم بخلاف ما عليه المؤمنون من أنهم يأمرون بالمنكر وهو الكفر وعبادة غير اللّه والمعاصي، وينهون عن المعروف، لأن الذين نزلت فيهم لم يكونوا أهل قدرة ولا أفعال ظاهرة، وذلك بظهور الإسلام وعزته. وقبض الأيدي عبارة عن عدم الإنفاق في سبيل اللّه قاله الحسن. وقال قتادة : عن كل خير. وقال ابن زيد : عن الجهاد وحمل السلاح في قتال أعداء الدين. وقال سفيان : عن الرفع في الدعاء. وقيل ذلك كناية عن الشح في النفقات في المبار والواجبات، والنسيان هنا الترك. قال قتادة : تركوا طاعة اللّه وطاعة رسوله فنسيهم، أي : تركهم من الخير، أما من الشر فلم ينسهم. وقال الزمخشري : أغفلوا ذكره فنسيهم تركهم من رحمته وفضله، ويعبر بالنسيان عن الترك مبالغة في أنه لا يخطر ذلك ببال. هم الفاسقون أي : هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرد في