تفسير سورة سورة القارعة من كتاب النكت والعيون
المعروف بـتفسير الماوردي
.
لمؤلفه
الماوردي
.
المتوفي سنة 450 هـ
سورة القارعة
مكية في قولهم جميعا.
بسم الله الرحمان الرحيم
مكية في قولهم جميعا.
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
ﭴ
ﰀ
﴿القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية﴾ قول تعالى ﴿القارِعَةُ ما القارِعَةُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنها العذاب، لأنها تقرع قلوب الناس بهولها. ويحتمل ثانياً: أنها الصيحة لقيام الساعة، لأنها تقرع بشدائدها. وقد تسمى بالقارعة كل داهية، كما قال تعالى: ﴿ولا يزالُ الذِّين كفروا تُصيبُهم بما صَنَعوا قارعةٌ﴾ [الرعد: ٣١] قال الشاعر:
﴿ما القارعة﴾ تعظيماً لها، كما قال تعالى: ﴿الحاقّة ما الحاقّة﴾.
(متى تُقْرَعْ بمرْوَتكم نَسُؤْكم | ولم تُوقَدْ لنا في القدْرِ نارُ) |
327
﴿يومَ يكونُ النّاسُ كالفَراشِ المبْثُوثِ﴾ وفي الفراش قولان: أحدهما: أنه الهمج الطائر من بعوض وغيره، ومنه الجراد، قاله الفراء، الثاني: أنه طير يتساقط في النار ليس ببعوض ولا ذباب، قاله أبو عبيدة وقتادة. وفي ﴿المبثوث﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: أنه المبسوط، قاله الحسن. الثاني: المتفرق، قاله أبو عبيدة. الثالث: أنه الذي يحول بعضه في بعض، قاله الكلبي. وإنما شبه الناس الكفار يوم القيامة بالفراش المبثوث لأنهم يتهافتون في النار كتهافت الفراش. ﴿وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ المنْفُوشِ﴾ والعِهن: الصوف ذو الألوان في قول أبي عبيدة، وقرأ ابن مسعود: (كالصوف). وقال ﴿كالْعِهْنِ المَنْفُوشِ﴾ لخفته، وضعفه، فشبه به الجبال لخفتها، وذهابها بعد شدَّتها وثباتها. ويحتمل أن يريد جبال النار تكون كالعهن لحمرتها وشدة لهبها، لأن جبال الأرض تسير ثم تنسف حتى يدك بها الأرض دكّا. ﴿فأمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُه﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات، قاله الحسن، قال أبو بكر رضي الله عنه: وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً. الثاني: الميزان هو الحساب، قاله مجاهد، ولذلك قيل: اللسان وزن الإنسان، وقال الشاعر:
أي كلام أعارضه به.
(قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّةٍ | عندي لكل مُخاصِمٍ مِيزانُه) |
328
الثالث: أن الموازين الحجج والدلائل، قاله عبد العزيز بن يحيى، واستشهد فيه بالشعر المتقدم. وفي الموازين وجهان: أحدهما: جمع ميزان. الثاني: أنه جمع موزون. ﴿فهو في عِيشةٍ راضِيةٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني في عيشة مرضية، قال قتادة: وهي الجنة. الثاني: في نعيم دائم، قاله الضحاك، فيكون على الوجه الأول من المعاش، وعلى الوجه الثاني من العيش. ﴿وأمّا مَنْ خَفّتْ مَوازِينُه فأمُّهُ هاويةٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الهاوية جهنم، سماها أُمَّا له لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أُمّه، قاله ابن زيد، ومنه قول أمية بن أبي الصلت.
وسميت النار هاوية لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها. الثاني: أنه أراد أُمّ رأسه يهوي عليها في نار جهنم، قاله عكرمة. وقال الشاعر:
(فالأرضُ مَعْقِلُنا وكانتْ أُمّنا | فيها مقابِرُنا وفيها نُولَدُ) |