تفسير سورة النّاس

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الناس من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة الناس
أهداف سورة الناس
( سورة الناس مكية، وآياتها ٦ آيات، نزلت بعد سورة الفلق )
وهي سورة يلجأ فيها المؤمن إلى الله سبحانه وتعالى، ويعتصم به من وساوس الشيطان، الذي يوسوس في صدور الناس خفية وسرا، وهو أنواع، منه شياطين الأنس ومنه وشياطين الجن.
مع آيات السورة
١- قل أعوذ بربّ الناس. ألجأ وأتحصن بالله خالق الخلق، والمتفضل عليهم بالنعم والجود.
٢- ملك الناس. فهو ملكهم وآخذ ناصيتهم بيده، وهو الخالق الرازق، مرسل الرسل، ومنزل الشرائع، والحاكم المتصرف الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
٣- إله الناس. هو معبودكم بحق، وملاذهم إذا ضاق الأمر.
من شر الوسواس الخنّاس. أصل الوسوسة : الصوت الخفي، وقد قيل لأصوات الحلى عند الحركة : وسوسة، والوسواس الخنّاس. هو الشيطان الذي يوحي بالشر، ويهمس بالإثم.
والخنوس : الاختفاء والرجوع. والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس. أي : نعوذ بالله من وسوسة الشيطان الذي يغري بالمعاصي والمفاسد، ويلقي بالشرور في قلوب الغافلين، ويغري بانتهاك الحرمات عن طريق الشهوات.
٥- الذي يوسوس في صدور الناس. أي : يجول في الصدور، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، وخصّ الصدور بالوسوسة لأنها محل القلوب، والقلوب مجال الخواطر والهواجس، وإن ذلك الشيطان الذي يجثم على قلب ابن آدم ويتسلط عليه إذا أصابته الغفلة، هو من الضعف بمكان، فإذا ذكرت الله خنس ورجع، وإذا حكّمت عقلك وانتصرت للحق ضعف كيد الشيطان.
قال تعالى : إن كيد الشيطان كان ضعيفا. ( النساء : ٧٦ ).
وقال تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون. ( الأعراف : ٢٠١ ).
وقال تعالى : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكّلون* إنما سلطانه على الذين يتولّونه والذين هم به مشركون. ( النحل : ٩٩، ١٠٠ ).
٦- من الجنّة والناس. هذا الوسواس الذي يغري بالشر قسمان :
القسم الأول : الجنة الخفية تخطر للإنسان في صورة خواطر، توعز بالشر وتغري بالإثم، وتزين الخطيئة.
القسم الثاني : الناس الذين يتدسّسون إلى الصدور تدسّس الجنة، ويوسوسون وسوسة الشيطان، ومنهم : رفيق السوء الذي يجر رفيقه إلى الانحراف ويغريه بالفساد.
وحاشية الشر : التي توسوس لكل ذي سلطان، حتى تتركه جبارا طاغيا مفسدا ظالما.
والنمّام الواشي : الذي يزين الكلام ويزيفه، حتى يبدو كأنه الحق الصراح.
وبائع الشهوات : الذي يتدسس من منافذ الغريزة، في إغراء لا تدفعه إلا يقظة القلب وعون الله.
وعشرات من الموسوسين الخنّاسين الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها، وهم شر من الجنة وأخفى منهم دبيبا.
والإنسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفية، ومن ثم يدلّه الله على عدّته وجنّته وسلاحه في هذه المعركة الرهيبة. والمؤمن يستمد قوته من يقينه بربه، وثقته بقدرته، وتحصنه بحماه، واستعاذته بالله من شر الوسواس الخناس، الذي يخنس ويضعف أمام قوة الإيمان والاستعانة بالرحمان.
قال تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين. ( الحجر : ٤٢ ).
إن الصراع بين الخير والشر مستمر في هذه الحياة، وهناك جنود للرحمان هي المعونة والتثبيت، وشرح الصدر للإيمان واليقين، والعزيمة الصادقة، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وهناك طريق للشيطان، يتولى بها على الضعفاء، وستظل هذه المعركة ما بقيت السماوات والأرض.
يحاول الشيطان أن يضل الناس ويوسوس لهم، وينصب الله للناس أدلة الهدى والرشاد من العقل والحكمة، والرسالات السماوية، وأئمة الحق، والدعاء والهداة.
وقد ذكر القرآن ذلك في كثير من الآيات.
قال تعالى : يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون. ( الأعراف : ٢٧ ).
وقال تعالى : إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. ( فاطر : ٦ ).
وقال تعالى : قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم* قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين. ( ص : ٧٩ -٨٣ ).
وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشيطان ومن يتّبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر... ( النور : ٢١ ).
وقال جل ذكره : إن الشيطان كان للإنسان عدوّا مبينا. ( الإسراء : ٥٣ ).
وقال سبحانه : ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا. ( النساء : ٣٨ ).
وقال تعالى : ومن يتخذ الشيطان وليّا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا* يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. ( النساء : ١١٩، ١٢٠ ).
مقاصد سورة النساء
١- التحصن بجلال الله وقدرته والاعتصام به : ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. ( آل عمران : ١٠١ ).
٢- الشيطان يوجه همّته وجنوده لإغراء بني آدم.
٣- رفقاء السوء ودعاة الشر هم أعوان الشيطان.

بسم الله الرحمان الرحيم
{ قل أعوذ بربّ الناس ١ ملك الناس ٢ إله الناس ٣ من شر الوسواس الخنّاس ٤ الذي يوسوس في صدور الناس ٥ من الجنّة والناس ٦ )
المفردات :
أعوذ : ألجأ وأسجير.
الرب : هو المربي والموجه والراعي والحامي.
التفسير :
١- قل أعوذ بربّ الناس.
هذه السورة نزلت بعد سورة الفلق، وقد ورد في الصحيح فضل السور الثلاث : قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، والسور الثلاث لم ير مثلهن، كما في صحيح مسلم، أي أنهم التجاء وتحصّن بالله تعالى وقدرته.
والآية الأولى أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مؤمن أن يلجأ ويتحصّن ويستعين بربّ بالناس. أي : مربيهم ومالك أمورهم بإفاضة الخير عليهم ودفع ما يضرّهم.
المفردات :
ملك : هو الملك الحاكم المتصرف.
التفسير :
٢- ملك الناس.
إن الملوك يملكون بعض شئون الأرض، والله تعالى هو الملك الدائم الملك، صاحب التصرف الكامل والقهر والسلطان.
المفردات :
الإله : هو المستعلي المستولي المتسلط، المعبود بحق.
التفسير :
٣- إله الناس.
إنه الخالق المتصرف، وهو المستعلي المستولي المتسلط، فهو سبحانه رب كل شيء، وملك كل شيء، وإله كل شيء، ولكن الناس هنا يجعلهم يدركون القربى والانتماء، والاعتماد والتحصّن برب كل شيء ومليكه وإلهه، فالله تعالى يوجّه عباده إلى التحصن به سبحانه.
المفردات :
الوسواس : الشيطان يوسوس للناس ويزين لهم الشر والمعصية.
الخناس : صفة الشيطان، من الخنس وهو الابتعاد والاختفاء عند ذكر الله.
التفسير :
٤- من شر الوسواس الخنّاس.
والوسوسة : الصوت الخفيّ.
والخنوس : الرجوع والاختباء والنكوص.
والخنّاس : هو الذي من طبعه كثرة الخنوس.
وقد ذكر البخاري، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله تعالى خنس، وإذا غفل وسوس ).
إن السورة تعليم لنا أن نتحصّن بالله من شر الشيطان الذي يوسوس لنا بالشر، ويزيّن لنا المعاصي، ويغرينا بالمخالفة، فإذا ذكرنا الله تعالى ضعف هذا الشيطان وخنس ورجع وتصاغر، وأيس من الإنسان.
وقد ورد في الصحيح أن الشيطان يهرب عند سماع الأذان والإقامةi، ثم يعود يوسوس للإنسان في صلاته، يقوله له : اذكر كذا، اذكر كذا، حتى ينتهي من صلاته.
وتجارب الحياة وأوامر الدين ترشدنا إلى أن الصلاة تحتاج إلى مشارطة ومراقبة ومحاسبة، ومعاتبة ومعاقبة، شأنها شأن الحياة، فأنت تشرط على نفسك أن تلتزم بطاعة الله، ثم تراقبها وتحاسبها، وإذا أخطأت تعاتبها، وإذا تكرر الخطأ تعاقبها، وكذلك في الصلاة تقول لنفسك : أريد الإخلاص في الصلاة والخشوع، والتأمل في قراءة الفاتحة والسورة، وتسبيح الركوع والسجود، وحضور القلب، وكلما انصرفت تلوم نفسك، وتجدد الشرط ومراقبة لنفسك، حتى تصبح لك عادة، هي حضور القلب في الصلاة، والتركيز أثناء الصلاة، وترك سائر شئون الدنيا، ويعينك على ذلك أن تذكر أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن متاع الدنيا قليل، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن تقرأ : قل هو الله أحد والمعوذتين.
المفردات :
يوسوس في صدور الناس : بالإغراء بالمعاصي، والحض على الشر.
التفسير :
٥- الذي يوسوس في صدور الناس.
تلك وظيفة الشيطان، أن يتحسّس ويتدسّس إلى صدرك بصوت خفي، وإغراء بأمور تصرفك عن الصلاة، أو تزيّن لك الشر، فهو عدو مبين، أخرج أباك من الجنة، ويريد أن يخرجك عن طاعة الرحمان إلى طاعة الشيطان.
الشيطان ابتلاء واختبار، ورغبة في إغواء بني آدم، وأنت أيها الإنسان تملك قهره وزجره، والاستعاذة بالله منه، فلا تضعف ولا تستسلم، بل قاوم الشيطان بالإيمان وذكر الله.
قال تعالى : إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا إنما يدعوا حزبه ليكنوا من أصحاب السعير. ( فاطر : ٦ ).
وفي يوم القيامة يقف الشيطان خطيبا في أهل جهنم، فيلقى عليهم اللّوم ويبين أنه لم يجبرهم على الكفر أو ارتكاب المعاصي، إنما زين لهم فقط، لكنهم استجابوا وأهملوا عقولهم، وأطاعوا نزواتهم وشهواتهم، فاللّوم عليهم.
قال تعالى : وقال الشيطان لمّا قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم... ( إبراهيم : ٢٢ ).
المفردات :
من الجنة والناس : أي : من شياطين الجن والإنس.
التفسير :
٦- من الجنّة والناس.
أي : إن الذي يوسوس في صدور الناس صنفان :
الأول : الجنة، وهم شياطين الجن، ومهمتهم الوسوسة والإغراء والتزيين.
الثاني : شياطين الإنس، الذين يزيّنون المعاصي للكبير والصغير والمرأة والرجل، وهم قرناء السوء، ورفقاء الشرّ، ومن الواجب أن نستعيذ بالله منهم، وأن نحذرهم، وأن نتخير الرفيق الصالح الذي إذا ذكرت الله أعانك، وإذا نسيت ذكّرك.
ومن رفقاء السوء النمّام الواشي المفسد للعلاقات، ومن رفقاء السوء بائع الهوى والشهوات، وذو الوجهين والمنافق.
قال تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا... ( الأنعام : ١١٢ ).
تلك سورة الناس، ذكر الله تعالى فيها الناس ثلاث مرات، في ثلاث آيات تنتهي بحرف السين، وهو حرف مهموس، يناسب الصبيّ الصغير في النطق، وييسّر عليه الحفظ.
Icon