تفسير سورة التحريم

نيل المرام تفسير آيات الأحكام
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب نيل المرام من تفسير آيات الأحكام المعروف بـنيل المرام تفسير آيات الأحكام .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ

سورة التحريم اثنتا عشرة آية
وهي مدنيّة، قال القرطبي «١» : في قول الجميع.
وتسمى سورة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[الآيتان: الأولى والثانية]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢).
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ: اختلف في سبب نزول الآية على أقوال:
الأول: قول أكثر المفسرين، قال الواحدي: قال المفسرون: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت حفصة فزارت أباها، فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلم تدخل حتى خرجت مارية، ثم دخلت. فلما رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها: «لا تخبري عائشة ولك عليّ أن لا أقربها أبدا» فأخبرت حفصة عائشة- وكانتا متصافيتين- فغضبت عائشة، ولم تزل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى حلف أن لا يقرب ماريّة، فأنزل الله هذه السورة «٢».
(١) انظر: تفسيره (١٨/ ١٧٧).
(٢) ضعيف: رواه ابن جرير (٢٨/ ١٠٧)، والطبراني في «الأوسط» (٧/ ١٢٦، ١٢٧ مجمع)، والدارقطني (٢/ ٤١، ٤٢)، عن ابن عباس، وعمر وأبي هريرة. وأورده السيوطي في «الدر» (٨/ ٢١٤، ٢١٥، ٢١٦). وقال الحافظ (٨/ ٦٥٧) :«وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا»...
457
قال القرطبي «١» : أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة وذكر القصة.
وقيل: السبب أنه كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فتواطأت عائشة وحفصة أن يقولا له إذا دخل عليهما: إنا نجد منك ريح مغافير «٢».
وقيل: السبب المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسنده ضعيف «٣».
والجمع ممكن بوقوع القصتين: قصة العسل وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعا.
تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ: ومرضاة اسم مصدر وهو الرضا.
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) : لما فرط منك من تحريم ما أحل الله لك.
قيل: وكان ذلك ذنبا من الصغائر، فلذا عاتبه الله عليه، وقيل: إنها معاتبة على ترك الأولى.
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ: أي شرع لكم تحليلها وبين لكم ذلك، فكان اليمين عقد والكفارة حل، لأنها تحل للحالف ما حرمه على نفسه.
قال مقاتل: المعنى قد بين الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة، أمر الله نبيه أن يكفر يمينه ويراجع وليدته فأعتق رقبة.
قال الزجاج: وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله.
قلت: وهذا هو الحق، إن تحريم ما أحل الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه، فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره، ومعاتبته نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك، والبحث طويل والمذاهب فيه كثيرة والمقالات فيه طويلة، وقد حققه الشوكاني رحمه الله تعالى في مؤلفاته بما يشفي.
واختلف العلماء هل مجرد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا؟ وفي ذلك خلاف وليس في الآية ما يدل على أنه يمين لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله الله له،
(١) انظره في «تفسيره» (١٨/ ١٧٧، ١٧٩).
(٢) المغافير: بقلة متغيرة الرائحة.
(٣) أورده السيوطي في «الدر» (٨/ ٢١٧)، وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا.
وضعّفه القرطبي في «تفسيره» (١٨/ ١٧٩).
458
ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية «١» أنه حرم أولا، ثم حلف ثانيا كما قدمنا.
وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ: أي وليكم وناصركم والمتولي لأموركم.
وَهُوَ الْعَلِيمُ: بما فيه صلاحكم وفلاحكم.
الْحَكِيمُ (٢) : في أقواله وأفعاله «٢».
(١) حديث صحيح: رواه البخاري (١١/ ٢٩٣)، (١٤/ ٣٨٥)، ومسلم (١٠/ ٧٥)، وأبو داود (٣/ ٣٨٦)، والنسائي (٦/ ١٢٣)، (٧/ ١٣)، وابن سعد في «طبقاته» (٨/ ٧٦ ق ١)، وأبو نعيم في «الحلية» (٣/ ٢٧٦)، عن عائشة مرفوعا مختصرا وتاما.
ورواه النسائي كما في «تفسير ابن كثير (٤/ ٣٨٦)، والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٤٩٣) وصححه وأقرّه الذهبي عن أنس مرفوعا.
وصححه الحافظ في «الفتح» (١١/ ٣٩٢).
(٢) انظر في تفسير هذه الآية: الفرّاء (٣/ ١٦٥)، النكت (٤/ ٢٦٠)، زاد المسير (٨/ ٣٠٢)، القرطبي (١٨/ ١٧٧، ١٨٤)، ابن كثير (٤/ ٣٨٦)، اللباب (٢١٧)، ابن قتيبة (٤٧٢).
459
Icon