تفسير سورة عبس

تفسير ابن كثير ط العلمية
تفسير سورة سورة عبس من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير ط العلمية .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ

الشَّمْسِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقْتُ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِ الْقَوْمِ حِينَ عَايَنُوا الْآخِرَةَ «١».
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّازِعَاتِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
تَفْسِيرُ
سُورَةِ عَبَسَ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١ الى ١٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦)
ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أن رسول الله ﷺ كَانَ يَوْمًا يُخَاطِبُ بَعْضَ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ وَقَدْ طَمَعَ فِي إِسْلَامِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُخَاطِبُهُ وَيُنَاجِيهُ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا، فَجَعَلَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ وَيُلِحُّ عَلَيْهِ، وَوَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَوْ كَفَّ سَاعَتَهُ تِلْكَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَاطَبَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ طَمَعًا وَرَغْبَةً فِي هِدَايَتِهِ. وَعَبَسَ فِي وَجْهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَعْرَضَ عَنْهُ وأقبل على الآخر فأنزل الله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَيْ يَحْصُلُ لَهُ زَكَاةٌ وَطَهَارَةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَيْ يَحْصُلُ لَهُ اتِّعَاظٌ وَانْزِجَارٌ عَنِ الْمَحَارِمِ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى أَيْ أَمَّا الْغَنِيُّ فَأَنْتَ تَتَعَرَّضُ لَهُ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي.
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أَيْ مَا أَنْتَ بِمُطَالَبٍ بِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ زَكَاةٌ وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى أَيْ يَقْصِدُكَ وَيَؤُمُّكَ لِيَهْتَدِيَ بِمَا تَقُولُ لَهُ: فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أَيْ تَتَشَاغَلُ، وَمِنْ هَاهُنَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا يَخُصَّ بِالْإِنْذَارِ أَحَدًا، بَلْ يُسَاوِي فِيهِ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالضَّعِيفِ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالسَّادَةِ وَالْعَبِيدِ وَالرِّجَالِ والنساء والصغار والكبار، ثم الله تعالى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه في قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُكَلِّمُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى فَكَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يكرمه.
قال قتادة: أخبرني أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قال:
(١) انظر تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٢.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٣.
320
هذا ما عرضنا على هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ أَرْشِدْنِي، قَالَتْ وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَتْ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟» فَيَقُولُ: لَا! فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى «١» وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قُلْتُ: كَذَلِكَ هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ.
ثُمَّ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «٢» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ يَتَصَدَّى لَهُمْ كَثِيرًا وَيَحْرِصُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أعمى يقال له عبد الله ابن أُمِّ مَكْتُومٍ يَمْشِي وَهُوَ يُنَاجِيهِمْ، فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْتَقْرِئُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَسَ فِي وَجْهِهِ وَتَوَلَّى وَكَرِهَ كَلَامَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخَرِينَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْوَاهُ وَأَخَذَ يَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ أَمَسَكَ الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى.
فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِ مَا نَزَلَ أَكْرَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَهُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما حَاجَتُكَ؟ هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟ - وَإِذَا ذَهَبَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ- هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟» وَذَلِكَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى فِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حدثني يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فِيهِ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَكَانَ يُؤَذِّنُ مَعَ بِلَالٍ، قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمْ يَكْ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ حِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى بُزُوغِ الْفَجْرِ أَذِّنْ. وَهَكَذَا ذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو مَالِكٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الله ويقال عمرو، والله أعلم.
(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٨٠، باب ١، ومالك في القرآن حديث ٨.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٣.
321
وقوله تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ أَيْ هَذِهِ السُّورَةُ أَوِ الْوَصِيَّةُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي إِبْلَاغِ الْعِلْمِ مِنْ شَرِيفِهِمْ وَوَضِيعِهِمْ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ يَعْنِي الْقُرْآنَ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ أَيْ هَذِهِ السُّورَةُ أَوِ الْعِظَةُ وَكِلَاهُمَا مُتَلَازِمٌ بَلْ جَمِيعُ الْقُرْآنِ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أَيْ مُعَظَّمَةٍ مُوَقَّرَةٍ مَرْفُوعَةٍ أَيْ عَالِيَةِ الْقَدْرِ مُطَهَّرَةٍ أَيْ مِنَ الدنس والزيادة والنقص. وقوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْقُرَّاءُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: السَّفَرَةُ بِالنَّبَطِيَّةِ الْقُرَّاءُ، وقال ابن جرير «١» : والصحيح أَنَّ السَّفَرَةَ الْمَلَائِكَةُ وَالسَّفَرَةُ يَعْنِي بَيْنَ اللَّهِ تعالى وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ السَّفِيرُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الصُّلْحِ وَالْخَيْرِ كَمَا قَالَ الشاعر: [الوافر]
وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي وَمَا أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشَيْتُ «٢»
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٣» : سَفَرَةٌ: الْمَلَائِكَةُ، سَفَرَتْ أَصْلَحَتْ بَيْنَهُمْ وَجَعَلَتِ الْمَلَائِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بوحي الله تعالى وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ. وَقَوْلُهُ تعالى: كِرامٍ بَرَرَةٍ أَيْ خُلُقُهُمْ كَرِيمٌ حَسَنٌ شَرِيفٌ وَأَخْلَاقُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ بَارَّةٌ طَاهِرَةٌ كَامِلَةٌ وَمِنْ هَاهُنَا يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ عَلَى السَّدَادِ وَالرَّشَادِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ» «٥» أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طريق قتادة به.
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٦.
(٢) البيت بلا نسبة في تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٦، وتفسير البحر المحيط ٨/ ٤١٧، وفتح القدير ٥/ ٣٨٣.
(٣) كتاب التفسير، تفسير سورة ٨٠، في الترجمة.
(٤) المسند ٦/ ٤٨، ٩٤، ٩٨، ١١٠، ١٧٠، ١٩٢، ٢٣٩، ٢٦٦.
(٥) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٨٠، ومسلم في المسافرين حديث ٢٤٤، وأبو داود في الوتر باب ١٤، والترمذي في ثواب القرآن باب ١٣، وابن ماجة في الأدب باب ٥٢، والدارمي في فضائل القرآن باب ١١. [.....]
322

[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٧ الى ٣٢]

قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢)
يَقُولُ تَعَالَى ذَامًّا لِمَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ وَالنُّشُورَ مِنْ بَنِي آدَمَ قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُتِلَ الْإِنْسانُ لُعِنَ الْإِنْسَانُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو مَالِكٍ: وَهَذَا لِجِنْسِ الْإِنْسَانِ الْمُكَذِّبِ لِكَثْرَةِ تَكْذِيبِهِ بِلَا مُسْتَنَدٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْعَادِ وعدم العلم، قال ابن جريج ما أَكْفَرَهُ أي مَا أَشَدَّ كُفْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ كَافِرًا أي ما حمله على التكذيب بالمعاد. وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي وقال قتادة مَا أَكْفَرَهُ مَا أَلْعَنَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى لَهُ كَيْفَ خَلَقَهُ مِنَ الشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَأَنَّهُ قادر على إعادته كما بدأه فقال تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ أَيْ قَدَّرَ أَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ يَسَّرَ عَلَيْهِ خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو صَالِحٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وقال مجاهد:
هذه كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان: ٣] أي بيناه له وأوضحناه وسهلنا عليه عمله، وكذا قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَحُ والله أعلم. وقوله تعالى: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ أَيْ إِنَّهُ بَعْدَ خَلْقِهِ لَهُ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ أَيْ جَعَلَهُ ذَا قَبْرٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَبَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا وَلِيَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَقْبَرَهُ اللَّهُ، وَعَضَبْتُ قَرْنَ الثَّوْرِ وَأَعْضَبَهُ اللَّهُ وَبَتَرْتُ ذَنَبَ الْبَعِيرِ وَأَبْتَرَهُ اللَّهُ، وَطَرَدْتُ عَنِّي فُلَانًا وَأَطْرَدَهُ اللَّهُ، أَيْ جَعَلَهُ طَرِيدًا، قال الأعشى: [السريع]
لو أسندت ميتا إلى صدرها عاش ولم ينقل إلى قابر «٢»
وقوله تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ أَيْ بَعَثَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الرُّومِ: ٢٠]، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً [الْبَقَرَةِ: ٢٥٩] وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنْ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْكُلُ التُّرَابُ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ» قِيلَ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مثل حبة خردل منه تنشؤون» «٣» وهذا الحديث ثابت في الصحيحين مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَفْظُهُ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى إِلَّا عَجْبُ الذَّنَبِ مِنْهُ خلق وفيه يركب» «٤».
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٧، ولفظه: وفي قوله أَكْفَرَهُ وجهان: أحدهما: التعجب من كفره، مع إحسان الله إليه، وأيادنه عنده، والآخر: ما الذي أكفره، أي أيّ شيء أكفره؟.
(٢) البيت في ديوان الأعشى ص ١٨٩، ومقاييس اللغة ٥/ ٤٧، وتفسير البحر المحيط ٨/ ٤٢٠، وتفسير الطبري ١٢/ ٤٤٨.
(٣) أخرجه مسلم في الفتن حديث ١٤٢، في المسند في الجنائز باب ١١٧، وأحمد في المسند ٢/ ٤٢٨، ٣/ ٢٨.
(٤) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٩، باب ٣، وأبو داود في السنة باب ٢٢، ومالك في الجنائز حديث ٤٩.
323
وقوله تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ قَالَ ابْنُ جرير «١» : يقول جل ثناؤه كَلَّا لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَذَا الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ يَقُولُ: لَمْ يُؤَدِّ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الْفَرَائِضِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَوَى هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أبي نجيح عن مجاهد قوله تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ قَالَ: لَا يقضي أحدا أَبَدًا كُلَّ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا، وَلَمْ أَجِدْ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا سِوَى هَذَا، وَالَّذِي يَقَعُ لِي فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْمَعْنَى ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ أَيْ بَعَثَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ أَيْ لَا يَفْعَلُهُ الْآنَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ وَيَفْرَغَ القدر من بني آدم ممن كتب الله لَهُ أَنْ سَيُوجَدُ مِنْهُمْ وَيُخْرَجُ إِلَى الدُّنْيَا، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ تَعَالَى كَوْنًا وَقَدَرًا فَإِذَا تَنَاهَى ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَنْشَرَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ وَأَعَادَهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: قَالَ عُزَيْرٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي فَإِنَّ الْقُبُورَ هِيَ بَطْنُ الْأَرْضِ، وَإِنَّ الْأَرْضَ هِيَ أُمُّ الْخَلْقِ فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ مَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ وَتَمَّتْ هَذِهِ الْقُبُورُ الَّتِي مَدَّ اللَّهُ لَهَا انْقَطَعَتِ الدُّنْيَا وَمَاتَ مَنْ عَلَيْهَا وَلَفَظَتِ الْأَرْضُ مَا فِي جَوْفِهَا وَأَخْرَجَتِ القبور ما فيها، وهذا شبيه بما قلناه مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بالصواب.
وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ فِيهِ امْتِنَانٌ وَفِيهِ اسْتِدْلَالٌ بِإِحْيَاءِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ الْهَامِدَةِ عَلَى إحياء الأجسام بعد ما كَانَتْ عَظَامًا بَالِيَةً وَتُرَابًا مُتَمَزِّقًا أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا أَيْ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا أَيْ أَسْكَنَاهُ فِيهَا فَدَخَلَ فِي تُخُومِهَا وَتَخَلَّلَ فِي أَجْزَاءِ الْحَبِّ الْمُودَعِ فِيهَا فَنَبَتَ وَارْتَفَعَ وَظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً فَالْحَبُّ كُلُّ مَا يُذْكَرُ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْعِنَبُ مَعْرُوفٌ وَالْقَضْبُ هُوَ الْفَصْفَصَةُ الَّتِي تَأْكُلُهَا الدَّوَابُّ رطبة، ويقال لها القت أيضا، وقال ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْقَضْبُ الْعَلَفُ.
وَزَيْتُوناً وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أُدْمٌ وَعَصِيرُهُ أُدْمٌ وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ وَيُدَّهَنُ به وَنَخْلًا يؤكل بلحا وبسرا وَرُطَبًا وَتَمْرًا وَنِيئًا وَمَطْبُوخًا وَيُعْتَصَرُ مِنْهُ رُبٌّ وَخَلٌّ وَحَدائِقَ غُلْباً أَيْ بَسَاتِينُ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: غُلْباً نَخْلٌ غِلَاظٌ كِرَامٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْحَدَائِقُ كُلُّ مَا الْتَفَّ وَاجْتَمَعَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: غُلْباً الشَّجَرُ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدائِقَ غُلْباً أَيْ طِوَالٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: غُلْبًا أَيْ غِلَاظُ الْأَوْسَاطِ. وَفِي رِوَايَةٍ غِلَاظُ الرِّقَابِ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّجُلِ إِذَا كَانَ غَلِيظَ الرَّقَبَةِ قِيلَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لأغلب، رواه ابن أبي حاتم
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٨.
324
وأنشد ابن جرير للفرزدق: [الوافر]
عَوَى فَأَثَارَ أَغْلَبَ ضَيْغَمِيًا فَوَيْلَ ابْنَ الْمَرَاغَةِ ما استثار «١»
وقوله تعالى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا أما الفاكهة فكل مَا يَتَفَكَّهُ بِهِ مِنَ الثِّمَارِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
الْفَاكِهَةُ كُلُّ مَا أُكِلَ رَطْبًا، وَالْأَبُّ، مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِمَّا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ وَلَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ، وَفِي رِوَايَةِ عَنْهُ: هُوَ الْحَشِيشُ لِلْبَهَائِمِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مَالِكٍ: الْأَبُّ الْكَلَأُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ: الْأَبُّ لِلْبَهَائِمِ كَالْفَاكِهَةِ لِبَنِي آدَمَ، وَعَنْ عَطَاءٍ: كُلُّ شَيْءٍ نَبَتَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ أَبٌّ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كُلُّ شَيْءٍ أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو الأب.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَبُّ نَبْتُ الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: عَدَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: الْأَبُّ مَا أَنْبَتَتِ الأرض للأنعام وهذا لفظ حديث أبي كريب. وقال أبو السائب في حديثه. مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَتَأْكُلُ الْأَنْعَامُ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَبُّ الْكَلَأُ وَالْمَرْعَى، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِنْ قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ، وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصديق رضي الله عنه.
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه عَبَسَ وَتَوَلَّى فَلَمَّا أَتَيَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَفاكِهَةً وَأَبًّا قال: قد عرفنا الْفَاكِهَةُ فَمَا الْأَبُّ؟ فَقَالَ: لَعَمْرُكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ فَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ أَنَسٍ بِهِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ شَكْلَهُ وَجِنْسَهُ وَعَيْنَهُ وَإِلَّا فَهُوَ وَكُلُّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ لِقَوْلِهِ:
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا وقوله تعالى: مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ أَيْ عِيشَةً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ في هذه الدار إلى يوم القيامة.
(١) البيت في ديوان الفرزدق ص ٣٥٥، وتفسير الطبري ١٢/ ٤٥٠.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٤٥١.
325

[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٣٣ الى ٤٢]

فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّاخَّةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَظَّمَهُ اللَّهُ وَحَذَّرَهُ عباده، وقال ابْنُ جَرِيرٍ «١» : لَعَلَّهُ اسْمٌ لِلنَّفْخَةِ فِي الصُّورِ وقال البغوي: الصاخة يعني صيحة يوم الْقِيَامَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَصُخُّ الْأَسْمَاعَ أَيْ تُبَالِغُ فِي إِسْمَاعِهَا حَتَّى تَكَادَ تُصِمُّهَا يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ أَيْ يَرَاهُمْ وَيَفِرُّ مِنْهُمْ وَيَبْتَعِدُ عَنْهُمْ لِأَنَّ الْهَوْلَ عَظِيمٌ وَالْخَطْبَ جَلِيلٌ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: يَلْقَى الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فَيَقُولُ لَهَا: يَا هَذِهِ أَيُّ بَعْلٍ كُنْتُ لَكِ؟ فَتَقُولُ: نِعْمَ الْبَعْلُ كُنْتَ وَتُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَتْ فَيَقُولُ لَهَا: فَإِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكِ الْيَوْمَ حَسَنَةً وَاحِدَةً تَهَبِينَهَا لِي لَعَلِّي أَنْجُو مِمَّا تَرَيْنَ، فَتَقُولُ لَهُ: مَا أَيْسَرَ مَا طَلَبْتَ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَخَافُ. قَالَ: وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَلْقَى ابْنَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ أَيُّ وَالِدٍ كُنْتُ لَكَ؟ فَيُثْنِي بِخَيْرٍ.
فَيَقُولُ لَهُ: يَا بُنَيَّ إِنِّي احْتَجْتُ إِلَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَاتِكَ لَعَلِّي أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرَى. فَيَقُولُ وَلَدُهُ: يَا أَبَتِ مَا أَيْسَرَ مَا طَلَبْتَ وَلَكِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَتَخَوَّفُ فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي أَمْرِ الشَّفَاعَةِ أَنَّهُ إِذَا طُلِبَ إِلَى كُلٍّ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْخَلَائِقِ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، حَتَّى إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَقُولُ لَا أَسْأَلُهُ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي لَا أَسْأَلُهُ مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ قَالَ قَتَادَةُ: الْأَحَبُّ فَالْأَحَبُّ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أَيْ هُوَ فِي شُغُلٍ شَاغِلٍ عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ أَبُو زَيْدٍ الْعَبَّادَانِيُّ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا» قال: فقالت زوجته يا رسول الله ننظر أو يرى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟ قَالَ: «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ- أَوْ قَالَ: مَا أَشْغَلَهُ عَنِ النَّظَرِ-» «٢».
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَارِمٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو زَيْدٍ الْأَحْوَلُ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَيُبْصِرُ أَوْ يَرَى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟ قَالَ: يَا فُلَانَةُ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ثم قال الترمذي:
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٥٣.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٨٠، باب ٢، والنسائي في الجنائز باب ١١٨.
326
وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالْعَوْرَاتِ؟ فَقَالَ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ انْفَرَدَ بِهِ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا الفضل بن موسى عن عائذ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سألت عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي ساءلتك عن حديث فتخبرني أنت به قال: «إِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ» قَالَتْ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الرِّجَالُ؟ قَالَ «حُفَاةً عراة» ثم انتظرت ساعة فقالت: يا رسول اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ النِّسَاءُ؟ قَالَ: كَذَلِكَ حُفَاةً عراة» قالت: وا سوأتاه مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ: «وَعَنْ أَيِّ ذَلِكَ تَسْأَلِينَ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ آيَةٌ لَا يَضُرُّكِ كَانَ عَلَيْكِ ثِيَابٌ أَوْ لَا يَكُونُ».
قَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ هِيَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم الشريحي أنبأنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذان، فقلت يا رسول الله: وا سوأتاه يَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: «قَدْ شُغِلَ النَّاسُ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ جِدًّا وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى بِهِ وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عائذ بن شريح ضعيف وفي حديثه ضعف.
وقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ أَيْ يَكُونُ الناس هنالك فريقين وجوه مُسْفِرَةٌ أَيْ مُسْتَنِيرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ أَيْ مَسْرُورَةٌ فرحة من السرور في قُلُوبِهِمْ قَدْ ظَهَرَ الْبِشْرُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَهَؤُلَاءِ هم أَهْلُ الْجَنَّةِ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أَيْ يَعْلُوهَا وَيَغْشَاهَا قَتَرَةٌ أَيْ سَوَادٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدٌ مَوْلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُلْجِمُ الْكَافِرَ الْعَرَقُ ثُمَّ تَقَعُ الْغَبَرَةُ عَلَى وجوههم» قال فهو قوله تعالى:
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أَيْ يَغْشَاهَا سَوَادُ الْوُجُوهِ وَقَوْلُهُ تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ أَيِ الْكَفَرَةُ قُلُوبُهُمْ الْفَجَرَةُ فِي أَعْمَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نُوحٍ: ٢٧]. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ عَبَسَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
327
Icon