ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ يعني اليهود والنصارى.﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾. يعني مشركي العرب، وذلك أن الكفار كانوا جنسين:
أحدهما: أهل الكتاب [الفرق] (٣) اليهود، والنصارى (٤) كانوا كفارًا (٥) بإحداثهم في دينهم مَا كفروا به كقولهم: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠]، و ﴿(٦) الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠].
(٢) فيها قولان: أحدهما: أنها مدنية. والآخر: أنها مكية.
"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٧، "زاد المسير" ٨/ ٢٨٨، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٣٨، "لباب التأويل" ٤/ ٤٩٨، "روح المعاني" ٣٠/ ٢٠٠.
(٣) في النسختين (لفرق)، وأثبت ما جاء في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٣٩ لاستقامة الكلام به.
(٤) بياض في (ع).
(٥) بياض في: (ع).
(٦) في (أ): (هو).
وقوله: ﴿مُنْفَكِّينَ﴾. قال أبو عبيدة (٣)، والأخفش (٤)، والمبرد (٥): زائلين.
وأنشد أبو عبيدة (٦) لذي الرمة:
حَراجِيجُ لا تنْفكُّ إلاَّ مُناخَةً على | الخَسْفِ أو نرمي بها بَلَدًا قَفْرا (٧) (٨) |
(٢) ما جاء في تفسير ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ قد نقله الفخر بنصه في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٣٩، ٤٠.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٦.
(٤) "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٥٨ (فك).
(٥) لم أعثر على مصدر لفوله.
(٦) لم أجده في: "مجاز القرآن"، وهو من شواهد الفراء في معانيه ٣/ ٢٨١.
(٧) (أو نرمي به بلداً قفرًا): غير مقروءة في: (ع).
(٨) ورد البيت في: "ديوانه" ٣/ ١٤١٩، "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٥٩ (فك)، "لسان العرب" ١٠/ ٤٧٧ (فك)، وكلاهما برواية: قلائص بدلاً من حراجيج، "الصحاح" ٤/ ١٦٠٣ (فكك) برواية (ما تنفك) بدلاً من (لا تنفك)، "تاج العروس" ٧/ ١٦٩ برواية (قلائص) بدلاً من (حراجيج). "معاني القرآن" الفراء ٣/ ٢٨١، "كتاب سيبويه" ٣/ ٤٨، "مغنى اللبيب" ١/ ١٣١ ش: ١٠٧، "شرح المفصل" ٧/ ١٠٦ (ما تنفك) بدلاً من (لا تنفك)، "الهمع" ١/ ١٢٠ ط. دار المعرفة، "إعراب القرآن" للنحاس: ٥/ ٢٧٢.
معنى البيت: حراججع: الطوال، جمع حرجوج: يقول: لا تفارق هذه الأبل السير إلا في حال إناختها. الخسف: الإذلال: وهو أيضًا المبيت على غير علف، كتاب =
ولم تنفكك مما على من يكيده | غبار (٢) أثارته السنابك أصهب (٣) |
أحدهما: الانفكاك الذي هو الانفصَال والبينونة من الشيء بعد الملابسة والاجتماع، تقول: قد انفككت منك، وانفك الشيء من الشيء (٥).
(والثاني بمعنى: ما زال (٦)، ولا يزال، يقول: مَا انفك يفعل كذا، ولا ينفك يفعل كذا، وإذا استعمل بهذا المعنى فلا بد من أن يكون معه جحد (٧)، يقول: ما انفككت (٨) أذكرك (٩). تريد: مَازلت أذكرك، وأصله هذا
يقول ما ينفصل عن جهد ومشقة إلا في حال اناختها على الخسف، وَرَمْي البلد القفر بها، أي تنتقل من شدة إلى شدة شرح أبيات "معاني القرآن" ص ١٣٠.
(١) في (ع): (بياض).
(٢) في (أ): (غبارًا).
(٣) لم أعثر عليه في ديوانه.
(٤) ما بين القوسين من قول الليث؛ نقله عن الواحدي من: "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٥٧ - ٤٥٨ (فكك).
وانظر: "الصحاح" ٤/ ١٦٥٣ (فكك)، و"لسان العرب" ١٠/ ٤٧٥ (فكك).
(٥) بياض في: ع.
(٦) في (أ): (وأزال).
(٧) أي: (نقي).
(٨) في (أ): (انفككت).
(٩) في (أ): (أذكر).
ومن هذا قول طرفة:
فآلَيَت (٢) لا يَنْفَك كَشْحي بِطانَةً | لِعَضْبٍ رَقيِقِ الشَّفْرَتيِنِ مُهَنّدِ (٣) |
وكذلك قول الكميت الذي أنشدناه، فأما قول ذي الرمة: لا ينفك إلا مناخة. فجعله الفراء من الانفكاك الذي هو الانفصَال، قال: لأنك لا تقول: مَازلت إلا قائمًا، ودخول (إلا) في قوله: (إلا مناخة) يدل على قوله أنه لم يرد لا ينفك: لا يزال.
وجعله غيره (٤) بمعنى: لا تَزال (٥)، وتكون (لا) صلة (٦) للضرورة، أو تحقيقًا لحالتيها من الإناخة على الخسف، أو السير عليها.
(٢) في (أ): (ماليت).
(٣) ورد البيت في: "ديوانه" ص ٣٧، ط. المؤسسة العربية، "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٢/ أبرواية "الرقيق"، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٠.
معنى البيت: لا ينفك: لا يزال. وما انفك: ما زال. البطانة: نقيض الظهارة. العضب: السيف القاطع. شفرتا السيف: حداه، والجمع: الشفرات والشفار. يقول: ولقد حلفت أن لا يزال كشحي لسيف قاطع رقيق الحدين طبعته الهند منزلة البطانة للظهارة. "ديوانه" ص ٣٧.
(٤) كالمازني، وأبي جعفر. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٥/ ٢٧٢، و"شرح المفصل" ٧/ ١٠٦ - ١٠٧.
(٥) في (ع): (ما زال).
(٦) أي: (زائدة).
قال عطاء (٢)، والكلبي (٣) عن ابن عباس: لم يكونوا منتهين عن كفرهم بالله وعبادتهم غير الله
(وهو قول قتادة (٤)، ومقاتل (٥)) (٦).
قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ قال ابن عرفة: أي حتى أتتهم (٧)، لفظه لفظ المضارع، ومعناه الماضي (٨).
وهذا كقوله: ﴿مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] أي مَا تلت، وقد مر بيانه.
وقوله: ﴿الْبَيِّنَةُ﴾ هو قال ابن عبا لهم س: يريد محمدًا -صلى الله عليه وسلم- (٩)، وهو قول مقاتل؛ قال: يعني محمدًا مبين لهم ضلالتهم وشركهم (١٠).
ومعنى ﴿الْبَيِّنَةُ﴾: الحجة الظاهرة التي يتميز بها الحق من الباطل،
(٢) "الوسيط" ٤/ ٥٣٩.
(٣) المرجع السابق.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٧، "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٢، "ابن كثير" ٤/ ٥٧٤، "الدر المنثور" ٨/ ٥٨٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٤٦ أ.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) غير واضحة في: (ع).
(٨) "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٥٨ (فك)، وانظر: "لسان العرب" ١٠/ ٤٧٧ (فكك).
(٩) "الوسيط" ٤/ ٥٣٩، "مجموع الفتاوى" ٥/ ٨٩، وقال بمثله قتادة في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٩٨.
(١٠) "الوسيط" المرجع السابق، وانظر: "مجموع الفتاوى" ١٥/ ٨٩ وعبارته: وإنها البيان.
ويقول زيد: بيني على هذا الأمر، إذا كان شهد لك في دعواك (٢).
ومعنى الآية: إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لم (٣) ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد -صلى الله عليه وسلم- (بالقرآن) (٤)، فبين لهم ضلالتهم (٥)، وجهالتهم، ودعَاهم إلى الإيمان" فآمنوا، ولم يكونوا مؤمنين منفصلين عن كفرهم (٦) قبل بعثه (٧).
وهذا بيان عن النعمة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- والإنقاذ (٨) به من الجهل والضلالة.
والآية فيمن آمن من الفريقين، وهذه الآية من أصعب (٩) ما في القرآن
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) في (أ): (لن).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) بياض في: (ع).
(٦) بياض في: (ع).
(٧) وقد رجح الإمام الطبري هذا المعنى للآية الكريمة في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٢، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٢/ أ، وذهب إلى ترجيحه أيضًا البغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٣، وابن الجوزي في: "زاد المسير" ٨/ ٢٨٩، وقال ابن تيمية عن هذا القول: إنه الأشهر عند المفسرين. "مجموع الفتاوى" ١٦/ ٤٨٩، على أنه رجح قولاً آخر وهو: المراد أنهم لم يكونوا متروكين حتى يرسل إليهم رسول: ١٦/: ٤٩٤، وهناك أقوال أخرى ذكرت فيما ذكرت من مراجع في هذا الشأن، وقد فندها ابن تيمية في "مجموعه": ١٦/ ٤٨٠ وما بعدها، بالإضافة إلى ذكرها في: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٨١، و"النكت والعيون" ٦/ ٣١٥، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٧.
(٨) في (أ): (الاعاد).
(٩) في (أ): (أضعف).
والوجه في تفسيرها: ما أخبرناك به، فأحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال (١) ويدل على هذا المراد بالبينة محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه أبدل منها فقال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾.
قال أبو إسحاق: رسول: رفع على البدل من البينة، والتفسير لها (٢).
ثم قال: (وأنا أقول: وجه الإشكال أن تقدير الآية: لم يكن الذين كفروا منفكين حتى تأتيهم البينة، التي هي الرسول، ثم إنه تعالى لم يذكر أنهم منفكون عن ماذا؛ لكنه معلوم إذ المراد هو الكفر الذي كانوا عليه، فصار التقدير: لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول، ثم إن كلمة (حتى) لانتهاء الغاية، فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول، ثم قال بعد ذلك: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾، وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرسول، (فحينئذ يحصل بين الآية الأولى، والآية الثانية مناقضة في الظاهر. هذا منتهى الإشكال فيما أظن. والجواب عنه من وجوه: أولها، وأهمها الوجه الذي لخصه صاحب الكشاف، وهو أن الكفار من الفريقين: أهل الكتاب، وعبدة الأوثان كانوا يقولون قبل مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم-: لا ننفك عما نحن عليه من ديننا، ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه، ثم قال: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق، ولا أفرهم على الكفر إلا مجيء الرسول). "التفسير الكبير" ٣٢/ ٣٨ - ٣٩، وانظر: "الكشاف" ٤/ ٢٢٦.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٩.
هذا من نعت الرسول، والصحف جمع صحيفة، وهي ظرف للمكتوب.
والمعنى يتلو (٥) ما يتضمن الصحف من المكتوب فيها، يدل ذلك على أنه كان يتلو (٦) على ظهر قلبه، لا عن كتاب، لأنه كان أميًا لا يكتب (٧).
وقوله: ﴿مُطَهَّرَةً﴾ وقال ابن عباس: يريد من الكذب، والزور، والشك، والنفاق، والضلال، والشبهات (٨). (وقال مقاتل: من الكفر، والشرك (٩)) (١٠). وقال أبو إسحاق: أي هي مطهرة من الباطل (١١). يدل على
(٢) في (ع): (وقوله).
(٣) ساقط من (ع).
(٤) ساقط من (ع).
(٥) (يتلوا): هكذا في النسختين.
(٦) في: (أ)، (ع): (يتلوا).
(٧) نقله الفخر عن الواحدي: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٤٢، والشوكاني: "فتح القدير" ٥/ ٤٧٥ وعزاه إلى الواحدي.
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٢ من غير ذكر الكذب والشبهات.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٩.
٣ - قوله تعالى: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾. قال عطاء: يريد مستقيمة (٢). وقال الكلبي: صَادقة (٣).
وقال (٤) (مقاتل: كتب مستقيمة ليس فيها عوج ولا اختلاف، قال:) (٥) وإنما سميت كتبًا؛ لأن فيها أمورًا شتى كثيرة مِمَّا ذكر الله في القرآن (٦).
(وقال أبو إسحاق: كتب مستقيمة غير ذات عوج؛ تبين الحق من الباطل على الاستواء (٧)) (٨).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) في (أ): (قال) بغير واو.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٤٦ ب، وانظر: "زاد المسير" ٨/ ٢٨٩ من غير عزو.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥٠ بيسير من التصرف.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
وذكرنا تفسير القيم عند قوله: ﴿دِينًا قِيَمًا﴾ (٢)، وهو من قام يقوم كالسيد والميت (٣).
قال صاحب النظم: (قيمة) مستوية محكمة؛ من قام يقوم إذا استوى، وصح من قولهم: قام الدليل على كذا، إذا أُظهِر (٤) واستقام، ويجوز أن تكون (القيمة) بمعنى القائمة، ما (٥) يراد منها من الحجة (٦) من قولهم: قام فلان بالأمر يقوم به، إذا أجراه على وجهه، ومنه يقال: للقائم بأمر القوم: القيم.
وفي الحديث: "ما أفلح قوم قيمتهم امرأة" (٧)، فيكون المعنى: كتب قيمة بالأحكام والحجج.
والقول الأول أظهر، وهو قول المفسرين (٨)؛ لأن هذا الثاني لا
(٢) سورة الأنعام: ١٦١، ومما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿قِيَمًا﴾: "قال ابن عباس: يريد مستقيمًا، ويجوز ذلك، قال الأخفش، والزجاج في القيم: وهو من باب الميت والصيب ونحوه".
(٣) بياض في (ع).
(٤) في (ع): (قام).
(٥) في (ع): (مما)
(٦) بياض في (ع).
(٧) أخرجه أحمد في "المسند" ٥/ ٥٠ بلفظ: (ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة" من طريق عبد الرحمن بن أبي بكرة).
(٨) قال به الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٣، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٩٩، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٢ أ، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٢.
ومعنى الكتب في قوله: ﴿كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ هو الآيات المكتوبة في الصحف.
قال صَاحب النظم: وتكون كتب بمعنى حكم، كقوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ﴾ [المجادلة: ٢١] أي حَكَم الله.
ومنه حديث العسيف (١): "لأقضين بينكما بكتاب الله" (٢): أي بحكم
(٢) أخرجه البخاري في "الجامع الصحيح" ٢/ ٢٦٦ - ٢٦٧، ح ٢٩٦٥، ٢٦٩٦: كتاب الصلح: باب ٥، من طريق أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله اقضِ بيننا بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق اقضِ بيننا بكتاب الله، فقال الأعرابي: إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، فقالوا لي: على ابنك الرجم، ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لأقضين بينكم بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. وأما أنت يا أنيس لِرجل فاغدُ على امرأة هذا فارجمها"، فغدا عليها أنيس فرجمها.
وفي البخاري أيضًا ٢/ ٢٧٦، ح ٢٧٢٤، ٢٧٢٥: كتاب الشروط: باب ٩، وفي ٤/ ٢٥٦، ح ٦٨٢٧، ٦٨٢٨: كتاب الحدود: باب ٣٠، وفي ٤/ ٢٥٩، ح ٦٨٣٥، ٦٨٣٦: كتاب الحدود: باب ٣٤، وفي ٤/ ٢٦١، ح ٦٨٤٢، ٦٨٤٢: كتاب الحدود: باب ٣٨، وفي ٤/ ٢٦٤، ح ٦٨٥٩، ٦٨٦٠: كتاب الحدود: باب ٤٦، وفي ٤/ ٣٤١، ح ٧١٩٣، ٧١٩٤: كتاب الأحكام: باب ٣٩، وفي ٤/ ٣٥٥، ح ٧٢٦٠: كتاب الآحاد: باب ١، وفي ٤/ ٣٥٥، ح ٧٢٦٠: كتاب الاعتصام: باب ٢، وفي ٤/ ٣٥٩، ح ٧٢٧٨، ٧٢٧٩: كتاب الاعتصام: باب ٢.
ومسلم في "صحيحه" ٣/ ١٣٢٤، ح ٢٥: كتاب الحدود: باب ٤.
وأبو داود في "السنن" ٢/ ٥٠٥: كتاب الحدود: باب في المرأة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- =
٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾.
قال المفسرون: لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد -صلى الله عليه وسلم-، لأن نعته معهم، فلما بعثه الله تفرقوا في أمره، واختلفوا، فآمن به بعضهم، وكفر آخرون (٢).
وهذا المعنى مذكور في مواضع من التنزيل كثير (٣).
(١) ورد قول صاحب النظم في "فتح القدير" ٥/ ٤٧٥، ومن غير عزو في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٣.
(٢) حكاه عن الأكثرين: البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ٢٨٩، والشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٤٧٥، وقال به الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٦٣، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٩.
(٣) نحو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الشوري: ١٤].
ثم ذكر بماذا كانوا أمروا في كتبهم فقال:
٥ - (قوله) (٥): ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.
قال ابن عباس: يريد وما أمروا في التوراة والإنجيل (٦).
وقال مقاتل: يقول: وما أمرهم محمد إلا ليعبدوا الله؛ يعني أنه لم
(٢) آية: ١ من هذه السورة.
(٣) من أول السورة إلى قوله: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين. ومن قوله: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ حكمه فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب والمشركين بعد قيام الحجج. "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٢ ب.
(٤) المراد بالجزية: الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً وصغاراً، واسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغاراً، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقاً.
"أحكام أهل الذمة" لابن قيم الجوزية ١/ ٢٢، "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" للماوردي ١٨١. وقد أجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس. "أحكام أهل الذمة" ١/ ١.
(٥) ساقط من (ع).
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٤، "لباب التأويل" ٤/ ٣٩٩، كما ورد بمثله من غير عزو في: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٤٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٤.
وقال الفراء في قوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ العرب تجعل (اللام) في موضع (أن) في الأمر والإرادة كثيرًا (٢)، من ذلك قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦]، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا﴾ [الصف: ٨] قال في الأمر: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ﴾ [الأنعام: ٧١]، وهي (٣) من قراءة عبد الله: وما أمروا إلا أن يعبدوا الله (٤) (٥).
وقوله: ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ قال أبو إسحاق: أي يعبدونه موحدين له، لا يعبدون معه غيره (٦)، ويدل على هذا قوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [التوبة: ٣١]
وقوله: ﴿حُنَفَاءَ﴾ قال ابن عباس: على دين إبراهيم (٧).
وذكرنا معنى الحنيف والحنفاء فيما تقدم (٨).
(٢) في (أ): (كثير).
(٣) في (أ): (وفي).
(٤) قراءة عبد الله شاذة السند لعدم ورودها في كتب التواتر، وهي من باب البيان، وليست القراءة القرآنية.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٢.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥٠ بنصه.
(٧) "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٤، وورد بمثله عن مجاهد في: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٤٦، كما ورد من غير عزو في: "زاد المسير" ٨/ ٢٩٠، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٩.
(٨) جاء ذلك في مواضع عدة منها: سورة البقرة: ١٥٣، سورة النساء: ١٣٥، سورة الأنعام: ٧٩، ومما جاء في تفسير آية ١٣٥ البقرة: ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ وأما معنى الحنيف قال ابن دريد: الحنيف العادل عن دين إلى دين، وبه سمي =
﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ عند محلها.
قال أبو إسحاق: المعنى أنهم أمروا مع التوحيد بالإيمان مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإقامة شرائعه (١).
ثم ذكر أن ذلك هو الإخلاص فقال (٢): ﴿وَذَلِك﴾ أي ذلك الذي أمروا.
﴿دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ قال ابن عباس: يريد الدين المستقيم (٣).
قال المبرد (٤)، (وأبو العباس (٥)) (٦)، وأبو إسحاق: وذلك دين الملة
وعن أبي زيد أنه قال: الحنيف: المستقيم. وهذا القول اختيار ابن قتيبة، والرياشي قالا: الحنيفية: الاستقامة على دين إبراهيم.
وأما التفسير فروي عن ابن عباس أنه قال: الحنيف المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام. وقال مجاهد: الحنيفية: اتباع الحق، وروي عنه أيضًا: الحنيفية اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماماً للناس بعده من الحج. وقيل: الحنيفية: إخلاص الدين لله وحده "البسيط" ١/ ٩ أباختصار.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥٠ بتصرف.
(٢) في (أ): (يقال).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٤٧.
(٥) ويراد به أحمد بن يحيي ثعلب، وقد ورد قوله في "مجالس ثعلب" ١/ ٥٩، وعبارته: الأمة القيمة.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
قال أبو إسحاق: يجوز أن يكون المعنى: ذلك دين الأمة القيمة بالحق (٣).
وفي القيمة هاهنا قولان: ذكرناهما في قوله: ﴿كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾:
أحدهما: دين الملة القيمة، أي المستقيمة، والآخر ما ذكره أبو إسحاق.
وقال الفراء في قوله: ﴿دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ هو مما (٤) يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه (٥) (٦).
وهذا لا يجوز عند البصريين (٧) على أنه لو كان على ما قال لقيل: دين القيم كما قال: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (٨).
ثم ذكر مَاَل الفريقين فقال:
٦ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥٠.
(٣) المرجع السابق.
(٤) في (أ): (ما).
(٥) في (أ): (لفظه).
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٢.
(٧) واحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا بأنه لا يجوز لأن الإضافة إنما يراد بها التعريف، والتخصيص، والشيء لا يتعرف بنفسه، لأنه لو كان فيه تعريف كان مستغنياً عن الإضافة، وإن لم يكن له تعريف كان بإضافته إلى اسمه أبعد من التعريف؛ إذ يستحيل أن يصير شيئاً آخر بإضافتة الله إلى اسمه، فوجب أن لا يجوز؛ كما لو كان لفظهما مُتفقاً. "الإنصاف" ٢/ ٤٣٧ - ٤٣٨.
(٨) سورة التوبة: ٣٦، سورة يوسف: ٤٠، سورة الروم: ٣٠.
وقال مقاتل: يعني شر الخليقة من أهل الأرض (٢).
(وقراءة البرية، بغير همز (٣)، وهو من برأ الله الخلق، والقياس فيها الهمز إلا أنه مما ترك همزه: كالنبيّ، والذرية، والخابية، والهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال، كما أن من همز صَار النبيء كان كذلك، وترك الهمز فيه أجود، وإن كان الهمز الأصل، لأنه لما تُرك همزه صار همزه كردّه إلى الأصول المرفوضة مثل هَتَنُوا وما أشبهه (٤) من الأصول التي لا تستعمل، وهمزُ من هَمَزَ (البرية) يدل على فساد قول من قال إنه من البر الذي هو التراب، ألا ترى أنه لو كان كذلك (٥) لم يجز قول من همزه على حال إلا على وجه الغلط، كما حكوا استلأمْتُ (٦) الحجر، ونحو ذلك من الغلط الذي لا وجه له في الهمزة (٧)) (٨).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٦ ب، وورد بمثله من غير عزو في: "فتح القدير" ٥/ ٤٧٦.
(٣) قرأ: نافع، وابن عامر: (خير البريئة)، و (شر البريئة)، مهموزتين، وقرأ هشام بن عمار عن ابن عامر بغير همز.
وقرأ الباقون: (شر البرية)، و (خير البرية) بلا همز مع تشديد اليائين.
انظر: و"السبعة في القراءات" ٦٩٣، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٨٩، و"الحجة" ٦/ ٤٢٨، و"المبسوط" ٤١٣، و"حجة القراءات" ٧٦٩، و"المهذب" ٢/ ٣٢٩.
(٤) في (أ): (ما اسمه).
(٥) في (أ): (ذلك).
(٦) في (أ): (السلامة).
(٧) في (أ): (بالهمزة).
(٨) ما بين القوسين نقله بيسير من التصرف عن "الحجة" ٦/ ٤٢٨.
٧ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وهو ظاهر التفسير إلى قوله: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.
في الدنيا وتناهى (١) عن معاصيه.