تفسير سورة قريش

معاني القرآن
تفسير سورة سورة قريش من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾.
يقول القائل : كيف ابتدئ الكلام بلام خافضة ليس بعدها شيء يرتفع بها ؟ فالقول في ذلك على وجهين :
قال بعضهم :[ ١٤٩/ب ] كانت موصلة ب﴿ ألم تر كيف فعل ربك ﴾، وذلك أنه ذكَّر أهل مكة عظيم النعمة عليهم فيما صنع بالحبشة، ثم قال :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيشٍ ﴾ أيضاً، كأنه قال : ذلك إلى نعمته عليهم في رحلة الشتاء والصيف، فتقول : نعمة إلى نعمة، ونعمة لنعمة، سواء في المعنى.
ويقال : إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال : اعجب يا محمد لنعم الله تبارك وتعالى على قريش في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، ثم قال : فلا يتشاغلُن بذلك عن اتباعك وعن الإيمان بالله. ﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ﴾ و«الإيلاف » قرأ عاصم والأعمش بالياء بعد الهمزة، وقرأه بعض أهل المدينة «إلا فِهم » مقصورة في الحرفين جميعا، وقرأ بعض القراء :( إلْفِهم ). وكل صواب. ولم يختلفوا في نصب الرحلة بإيقاع الإيلاف عليها، ولو خفضها خافض يجعل الرحلة هي الإيلاف كقولك : العجبُ لرحلتهم شتاء وصيفا. ولو نصب إيلافَهم أو إلفَهم على أن تجعله مصدرًا ولا تكرُّه على أول الكلام كان صوابا ؛ كأنك قلت : العجب لدخولك دخولا دارَنا يكون الإيلاف، وهو مضاف مثل هذا المعنى كما قال :﴿ إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَها ﴾.
وقوله عز وجل :﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾.
بعد السنين التي أصابتهم، فأكلوا الجيف والميتة، فأخصبت الشام، فحملوا إلى الأبطح، فأخصبت اليمن فحُمِلت إلى جُدَّة. يقول : فقد أتاهم الله بالرزق من جهتين، وكفاهم الرحلتين، فإن اتبعوك ولزموا البيت كفاهم الله الرحلتين أيضا كما كفاهم.
وقوله عز وجل :﴿ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾.
يقال : إنها بلدة آمنة، ويقال : من الخوف : من الجذام، فكفوا ذلك، فلم يكن بها حينئذ جذام. وكانت رحلة الشتاء [ ١٥٠/ا ] إلى الشام، ورحلة الصيف إلى اليمن، ومن قرأ :«إلفهم » فقد يكون مِن : يُؤلَفون، وأجود من ذلك أن يكون من [ يألفون رحلة الشتاء ورحلة الصيف. والإيلاف ] من : يؤلِفون، أي : أنهم يهيئون ويجهزون.
Icon