ﰡ
«تسمعُ لِلحَلْي وسْواساً إِذا انصرفت»... ﴿الخناس﴾ الذي عادته أن يخنس أي يتوارى ويختفي ويتأخر يقال: خنس الظبي إِذا اختفى، وسمي الشيطان خناساً لأنه يتوارى ويختفي إِذا ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن ذكر الله عاد فوسوس له والخنوس: التأخر ﴿الجنة﴾ بكسر الجيم الجنُّ جمع جني، وبضم الجيم الوقاية وفي الحديث «الصوم جُنة» أي وقاية من عذاب الله.
التفسِير: ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾ أي قل يا محمد أعتصم وألتجىء وأستجير ﴿بِرَبِّ الناس﴾ أي بخالق الناس ومربيهم ومدبر شئونهم، الذي أحياهم وأوجدهم من العدم، وأنعم عليهم بأنواع النعم قال المفسرون: إِنما خصَّ الناس بالذكر وإِن كان جلت عظمته رب جميع الخلائق تشريفاً وتكريماً لهم، من حيث إنه تعالى سخَّر لهم ما في الكون، وأمدهم بالعقل والعلم، وأسجد لهم ملائكة قدسه، فهم أفضل المخلوقات على الإِطلاق ﴿مَلِكِ الناس﴾ أي مالك جميع الخلق حاكمين
لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيء | نغَّص الموتُ ذا الغِنَى والفقيرا |
« ﴿الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس﴾ أي الذي يلقي لشدة خبثه في قلوب البشر صنوف الوساوس والأوهام قال القرطبي: ووسوستُه هو الدعاء لطاعته بكلام خفي يصل مفهومه الى القلب من غير سماع صوت ﴿مِنَ الجنة والناس﴾ ﴿مِنَ﴾ بيانية أي هذا الذي يوسوس في صدور الناس، هو من شياطين الجن والإِنس كقوله تعالى ﴿شَيَاطِينَ الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢] فالآية استعاذة من شر الإِنس والجن جميعاً، ولا شك أن شياطين الإِنس، أشدُّ فتكاً وخطراً من شياطين الجن، فإِن شيطان الجن يخنس بالاستعاذة، وشيطان الإِنس يزين له الفواحش ويغريه بالمنكرات، ويثنيه عن عزمه شيء، والمعصوم من عصمه الله.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
١ - الإِضافة للتشريف والتكريم ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ الناس﴾ وفي الآيتين بعدها.
٢ - الأطناب بتكرار الاسم ﴿رَبِّ الناس مَلِكِ الناس﴾ زيادة في التعظيم لهم، والاعتناء بشأنهم، ولو قال (ملكهم، إِلههَم) لما كان لهم هذا الشأن العظيم.
٣ - الطباق بين ﴿الجنة﴾ و ﴿الناس﴾.
٤ -
تنبيه: عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت:» كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أوى إِلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ [الإِخلاص: ١] والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثاً «.