«توطئة»
نحمدك اللهم حمد الشاكرين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
وصلاة وسلاما دائمين متلازمين على نبينا محمد عبد الله ورسوله، خير من قرأ كتاب الله، وخير من فسره، وخير من عمل به.
وبعد:
فإن علم التفسير من خير العلوم قاطبة، وشرف العلم من شرف المعلوم، وقدر المرء قدر ما يحسنه، ولا شك أن الاشتغال بكتاب الله تعالى وتفسيره شرف عظيم، ف «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: ٥٧].
وهذا الشفاء لن يتحصل عليه إلا من التزم بشرطه، وشرطه التدبر، قال تعالى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: ٢٩].
ولما كانت حاجة الأمة ماسّة إلى معرفة تفسير كتاب ربها، والوقوف على أسراره- قمنا بإخراج أحد هذه التفاسير المباركة ليكون تبصرة للمسلمين، وعونا لهم على فهم كتاب الله العزيز.
وها نحن أولاء نقدم للأمة الإسلامية تفسير «الجواهر الحسان» للإمام العلامة أبي زيد الثعالبي رحمه الله تعالى.
وقد جاء هذا الكتاب في قسمين:
القسم الأول: الدراسة. وجاء في ثلاثة مباحث:
5
المبحث الأول: نبذة عن حياة أبي زيد الثعالبي.
ويشمل: اسمه، كنيته، لقبه، مولده، نشأته، شيوخه، تلاميذه، مصنفاته، ثناء الناس عليه، ثم وفاته.
المبحث الثّاني: في الحديث عن التفسير قبل أبي زيد الثعالبي.
وفيه ذكرنا معنى التفسير والتأويل، والفرق بينهما، ثم ذكرنا حاجة الناس إلى تفسير الكتاب العزيز، ثم الحديث عن فهم أصحاب النبي ﷺ للقرآن الكريم، ثم ذكرنا أشهر مفسري القرآن من الصحابة فمن بعدهم، وبيّنا كذلك قيمة التفسير بالمأثور.
ثم عرضنا لأهم مدارس التفسير، وكانت كما يلي:
١- مدرسة ابن عباس ب «مكّة»، وكان أشهر تلاميذه من التابعين:
- سعيد بن جبير.
- مجاهد بن جبر.
- عكرمة.
- طاوس.
- عطاء بن أبي رباح.
٢- مدرسة أبي بن كعب ب «المدينة النبوية»، وأشهر تلاميذه:
- أبو العالية.
- محمد بن كعب القرظي.
- زيد بن أسلم.
٣- مدرسة عبد الله بن مسعود ب «العراق»، وأشهر تلاميذه:
- علقمة.
- مسروق.
- عامر الشعبي.
- الحسن البصري.
- قتادة.
6
ثم تحدثنا عن قيمة التفسير المأثور عن التابعين، واختلاف أهل العلم من بعدهم في الاحتجاج بأقوالهم.
وكذلك خضنا في ذكر سمات التفسير في تلك المرحلة من مثل: اعتماده على التّلقّي والرواية، والخلاف المذهبي الناشئ، وغير ذلك مما هو مسطور في موضعه.
وانتقل بنا الحديث إلى الكلام عن التفسير في عصر التدوين، وتحديد هذا العصر تاريخيّا، وكيف سار هذا التفسير سيره حتى بلغ تابعي التابعين. ثم تدرّجنا إلى تبيان اتجاهات التفسير الموجودة بين المفسرين، وكانت:
- الاتجاه الأثري: وذكرنا من أعلامه «يحيى بن سلام»، ثم «محمد بن جرير الطّبريّ».
- الاتجاه اللّغوي: وبيّنّا تاريخ بدايته، وبعض أعلامه، مثل «أبي عبيدة معمر بن المثنى».
- الاتجاه البيانيّ: وأوضحنا جذوره، وبعض أمثلته.
المبحث الثالث: الكلام على تفسير أبي زيد.
وتحدثنا فيه عن مصادر الشيخ الثعالبي في تفسيره، والكتب التي استقى منها مادّته، وبنى عليها مصنفه.
ثم تطرّقنا إلى بيان منهجه في بناء تفسيره من احتجاج بمأثور، ورأي، وكيف أنه مزج بينهما، ففسر كتاب الله بعضه ببعض، ثم بالسّنّة، ثم بتفسير الصحابة والتابعين، واحتجاجه باللغة والأصول، وحديثه عن التوحيد، والرقائق، وعلوم الآخرة، وغير ذلك.
وتحدثنا عن الإسرائيليات في تفسيره، وكيف أنه أقلّ منها، ولم يعتمد عليها.
ثم تحدثنا عن المنهج اللّغويّ في تفسير أبي زيد، وكذلك المنهج البياني، ثم علوم القرآن في تفسير «الجواهر الحسان»، وهي:
- المكّي والمدني.
- القراءات المتواترة والشّاذّة.
- الناسخ والمنسوخ.
- الأحكام الفقهية المأخوذة من آيات الأحكام.
7
القسم الثاني: وهو قسم تحقيق النّصّ:
وقد كان عملنا في الكتاب مرتبا على النحو التالي:
أولا: إخراج النّص سليما خاليا من الأخطاء النحوية والإملائية، وقد اقتضى ذلك من الموازنة بين النسخ التي تحت أيدينا، فآثرنا النص الأصوب والأرقّ دون اعتماد على نسخة بعينها.
ثانيا: إثبات فروق النّسخ، وتركنا الكثير منها حيث لا جدوى من ذكرها.
ثالثا: تخريج الأحاديث الواردة في النص.
رابعا: عزو الآثار إلى مصادرها.
خامسا: توضيح الغريب من الألفاظ الواردة في النّصّ معتمدين في ذلك على المعاجم اللغوية والفقهية.
سادسا: ترجمة الأعلام الواردة أسماؤهم في النص.
سابعا: عزو القراءات إلى مصادرها، والتعليق على بعضها حسبما احتاج النص مع بيان كل قراءة.
ثامنا: توضيح بعض المصطلحات الفقهية والأصولية الواردة في النص.
تاسعا: التعليق على بعض الموضوعات التي أشار إليها المصنف.
عاشرا: وضع آيات القرآن الكريم ضمن هلالين مزهرين تيسيرا على القارئ، وتخريج آيات الشواهد.
8
المبحث الأول نبذة عن حياة الثعالبي
اسمه، وكنيته، ولقبه:
هو عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف «١»، يكنى أبا زيد، ويلقب ب «الثعالبي»«٢».
الجزائري «٣»، المغربي، المالكي.
مولده:
ذكر صاحبا «شجرة النور الزّكيّة»، و «الأعلام» أنه ولد سنة ٧٨٦ هـ- جزما، بينما حكى صاحب «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» الشك في سنة ميلاده بين ستا وثمانين، وسبع وثمانين.
نشأته:
لم تذكر المصادر المترجمة لهذا الإمام شيئا عن نشأته إلا أن الظن بحال من حاله كالإمام يؤكد أن نشأته في بيت علم وفضل، ولا يبعد وجود أهل صلاح في أسرته، كما أن الظن بمثله أن يكون درج على طلب العلم، كما يطلبه أهله من قراءة كتاب الله وحفظه في
(١) ينظر ترجمته في: «الضوء اللامع» (٤/ ١٥٢)، و «شجرة النور الزكية» (٢٦٥) ت (٩٧٦)، و «فهرس الفهارس» (٢/ ١٣١)، و «هدية العارفين» (٥٣٢)، و «ديوان الإسلام» (٢/ ٥٦) ت (٦٣٧)، و «نيل الابتهاج» (٢٥٧) ت (٣٠٦)، و «الأعلام» (٣/ ٣٣١). والملاحظ اتفاقها على ذكر اسمه وكنيته ولقبه، بلا زيادة على ما تقدم.
(٢) هذه النسبة إلى خياطة جلود الثعالب، وعمل الفراء. وفرق بينها وبين «الثعلبي» حيث إن الأخيرة نسبة إلى القبائل وإلى الموضع، فأما المنتسب إلى القبائل، فإلى ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، منهم أسامة بن شريك الثعلبي، وابن أخيه زياد بن علاقة بن مالك الثعلبي، والنسبة إلى ثعلبة بن ثور بن هدبة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة، بطن من «مزينة»، وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. ويقال: الثعالبي، المفسر المشهور النيسابوري. وثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، بطن كبير من تميم. وثعلبة بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء، بطن مشهور من طيء، منهم مسعود بن علبة بن حارثة بن ربيع بن عمرو بن عكوة بن ثعلبة الشاعر. ينظر: «الأنساب» (١/ ٥٠٥)، و «اللباب» (١/ ٢٣٧- ٢٣٩)، و «الإكمال» (١/ ٥٢٩) و «لب الألباب» (١/ ١٨٥).
(٣) نسبة الى البلدة المعروفة ب «الجزائر» إحدى أقطار المغرب العربي.
9
الصغر، واطّلاعه على كتب التاريخ، والتفسير، والحديث، والأصول، والكلام، والأدب، واللغة، والنحو، والصرف، والعروض، وغيرها.
رحلاته وشيوخه:
مما لا شكّ فيه أن حاجة العلماء إلى الرحلة عظيمة جدّا سعيا في تحصيل العلم، والسّماع من الأشياخ لأن في الرّحلة إليهم، والالتقاء بهم تثقيفا للعقول، وتنقيحا للعلوم، وتمحيصا للمحفوظ. ولقد كانت الرّحلة سنّة العلماء من لدن سيدنا محمد- عليه الصلاة والسلام- إلى أن وقع النّاس فريسة للتخلّف والتكاسل، فقعد بهم ذلك عن طلب العلم، والسّعي في تحصيله.
ولقد كان بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا تناءت به الدّار، يركب إلى «المدينة»، فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
واستمر ذلك السّعي والتّرحال بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم. ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلاميّة بعد الفتوحات العظيمة، نجد أن الرّحلة شاعت، وانتشر أمرها، لتفرّق العلماء في شتّى بلدان الدولة الإسلامية.
ولقد ضحّى سلفنا الصّالح بكل غال ورخيص، ودفعوا المال والجهد، وتكبّدوا العناء والمشاقّ، في سبيل طلب الحديث وجمعه، والعناية بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا الصّحابي الجليل أبو أيوب الأنصاريّ يرحل من «المدينة» قاصدا عقبة بن عامر ب «مصر» ليسأله عن حديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا وصل إلى منزل عقبة بن عامر، خرج إليه عقبة فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله ﷺ لم يبق أحد سمعه منه غيري وغيرك، في ستر المؤمن. قال عقبة: نعم، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من ستر مؤمنا في الدّنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة».
فقال أبو أيوب: صدقت.
ثم انصرف أبو أيوب من توّه إلى راحلته، راجعا إلى «المدينة»، متحمّلا مشقّة السفر، ووعثاء الطريق، وأخطار المفاوز والقفار.
ويقول سعيد بن المسيّب: إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد.
وذات مرّة قال عمرو بن أبي سلمة للأوزاعيّ: يا أبا عمرو أنا ألزمك منذ أربعة أيام،
10
ولم أسمع منك إلّا ثلاثين حديثا! قال: وتستقلّ ثلاثين حديثا في أربعة أيّام؟ لقد سار جابر بن عبد الله إلى «مصر»، واشترى راحلة فركبها، حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد، وانصرف إلى «المدينة»، وأنت تستقلّ ثلاثين حديثا في أربعة أيام؟ «١».
مما سبق يتبيّن أن للرحلة أثرا ملحوظا في تمحيص العلوم، وتنقيحها، وتثبيتها في أذهان العلماء، وأن طلاب العلم نزحوا من قطر إلى قطر، تحملهم ظهور الفيافي والقفار، تنقيبا عن الحديث، أو المسألة الفقهية، أو السّماع من شيخ مشهور، أو التّلمذة على يد عالم إمام.
ولم يكن الإمام الثعالبي بدعا في هذا الشّأن، بل سار على درب أسلافه من العلماء، وأقرانه من طلّاب العلم في السّعي والسّفر رغبة في تحصيل العلم، وطلب مسائله وقضاياه.
وقد عرفنا الثعالبي نفسه أنه قد رحل في طلب العلم، وسمع من أهل العلم في مختلف الأقطار، فنراه يقول:
رحلت في طلب العلم من ناحية «الجزائر» في آخر القرن الثامن، فدخلت «بجاية» عام اثنين وثمانمائة، فلقيت بها الأئمة المقتدى بهم في العلم والدين والورع، أصحاب الفقيه الزاهد الورع عبد الرحمن الوغليسي، وأصحاب الشيخ أبي العباس أحمد بن إدريس متوافرون يومئذ، أصحاب ورع ووقوف مع الحد لا يعرفون الأمراء، ولا يخالطونهم، وسلك أتباعهم مسلكهم، كشيخنا الإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عثمان المكلاتي، وشيخنا الولي الفقيه المحقّق أبي الربيع سليمان بن الحسن، وأبي الحسن علي بن محمد البليليتي، وعلي بن موسى، والإمام العلامة أبي العباس النقاوسي، حضرت مجالسهم، وعمدتي على الأولين، ثم دخلت «تونس» عام تسعة أوائل عشرة وأصحاب ابن عرفة متوافرون، فأخذت عنهم، كشيخنا واحد زمانه أبي مهدي عيسى الغبريني، وشيخنا الجامع بين علمي المنقول والمعقول أبي عبد الله الأبي، وأبي القاسم البرزلي، وأبي يوسف يعقوب الزغبي، وغيرهم، وأكثر عمدتي على الأبي، ثم رحلت للمشرق، وسمعت «البخاري» ب «مصر» على البلالي، وكثيرا من اختصار «الإحياء» له، وحضرت مجلس شيخ المالكية بها أبي عبد الله البساطي، وحضرت كثيرا عند شيخ المحدثين بها ولي الدين العراقي، وأخذت عنه علوماً جَمَّةً، مُعْظَمُهَا عِلْمُ الحديث، وفتح لي فتحا عظيما وأجازني،
(١) روى هذه الآثار الحاكم في «علوم الحديث» ص ٧، ٨.
11
ثم رجعت ل «تونس» فإذا في موضع الغبريني الشيخ أبو عبد الله القلشاني خلفه فيه عند موته، فلازمته، وأخذت البخاري إلا يسيرا عن البرزلي، ولم يكن ب «تونس» يومئذ من يفوقني في علم الحديث، إذا تكلمت أنصتوا، وقبلوا ما أرويه، تواضعا منهم، وإنصافا واعترافا لحق، وكان بعض فضلاء المغاربة يقول لي لما قدمت من المشرق: كنت آية في علم الحديث، وحضرت أيضا شيخنا الأبي وأجازني، ثم قدم «تونس» شيخنا ابن مرزوق عام تسعة عشر، فأقام بها نحو سنة، فأخذت عنه كثيرا، وسمعت عليه «الموطأ» بقراءة الفقيه أبي حفص عمر القلشاني ابن شيخنا أبي عبد الله وغير شيء، وأجازني وأذن لي هو والأبي في الإقراء، وأخذت عن غيرهم- اهـ-.
مما سبق يتضح أن الثعالبي قد ذكر أنه سمع في رحلته من شيوخ كثيرين، سمى منهم أربعة عشر شيخا، وسنوردهم فيما يلي مع ذكر البلد التي سمع فيها:
١- محمد بن خلفة بن عمر التونسي الوشتاني «١» الشهير ب «الأبي» :
الإمام، العلامة، المحقق، المدقق، البارع، الحافظ، الحاج، الرّحلة، أخذ عن الإمام ابن عرفة، ولازمه، واشتهر في حياته بالمهارة والتقدم في الفنون، وكان من أعيان أصحابه ومحققيهم، «وأبة»«٢»، بضم الهمزة، قرية من «تونس».
قال السّخاويّ: كان سليم الصدر، ذكر ذلك جماعة عنه مع مزيد تقدم في الفنون، له «إكمال الإكمال» في شرح مسلم في ثلاثة مجلدات، جمع فيه بين المازري، وعياض، والقرطبي، والنووي مع زيادات مفيدة من كلام ابن عرفة شيخه وغيره.
وله «شرح المدوّنة» أيضا، وله نظم، وكثر انتقاده لشيخه مشافهة، وربما رجع عليه سيما في تعريفه الطهارة. ووصفه ابن حجر في المثبتة بالأصولي، عالم المغرب بالمعقول.
وقال: إنه سكن «تونس» وسمّى والده خلفا.
وأما شرحه لمسلم، ففي غاية الجودة ملأه بتحقيقات بارعة، وزيادة حسنة نافعة سيما أوائله. قال الثعالبي: حضرت عليه قراءة بحث وتحقيق وتدقيق من أوله إلى «الطهارة» متواليا، وكثيرا من «الطهارة» وأكثر «كتاب الصلاة»، وكثيرا من أواخر مسلم أو كله، ومن
(١) ينظر ترجمته في: «شجرة النور الزكية» (٢٤٤)، و «نيل الابتهاج» (٤٨٧).
(٢) أبة: اسم مدينة بإفريقية، بينها وبين القيروان ثلاثة أيام، وهي من ناحية الأربس، موصوفة بكثرة الفواكه وإنبات الزعفران. ينظر: «معجم البلدان» (١/ ١٠٨).
12
«المدونة» و «الرسالة» و «ابن الحاجب» كلها قراءة بحث وتحقيق، وأكثر «إرشاد» أبي المعالي وتفسير القرآن، وأذن لي في إقرائها كلها سنة تسعة عشر وثمانمائة- اهـ- ملخصا.
وسمعت والدي الفقيه أحمد- رحمه الله- يحدث عن بعض المشارقة أنه رأى له تفسير القرآن في ثمان مجلدات- اهـ.
قال التنبكي: قرأت بخط سيّدي يخلفتين حفيد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي أن وفاته سنة ثمان وعشرين وثمانمائة- اهـ. ويذكر أن الإمام ابن عرفة ليم على كثرة الاجتهاد، وتعبه نفسه في النظر، فقال: كيف أنام وأنا بين أسدين الأبي بفهمه وعقله، والبرزلي بحفظه ونقله- اهـ.
ووصفه أبو عبد الله المشذالي بالفقيه، المحقق، العالم. وأخذ عنه جماعة من الأئمة كالقاضي عمر القلشاني، وأبي القاسم بن ناجي، وعبد الرحمن الجدولي، والثعالبي، والشريف العجيسي، وغيرهم، وقال الثعالبي فيه: شيخنا، مولاي، الإمام، الحجة، الثقة، إمام المحققين، الجامع بين حقيقتي المنقول والمعقول، ذو التصانيف الفائقة البارعة، والحجج السّاطعة اللامعة- اهـ. توفي، فيما قيل، سنة سبع وعشرين، و «خلفة» بكسر المعجمة وفتحها ثم لام ساكنة بعدها فاء.
وقد سمع الثعالبي من شيخه الأبي ببلدة «تونس».
٢- وليّ الدين العراقي «١» :
وهو أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، الإمام الحافظ الفقيه، المصنف، قاضي القضاة وليّ الدين أبو زرعة ابن الإمام العلامة الحافظ زين الدين أبي الفضل، العراقي الأصل، المصري. ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكر به أبوه، فأحضره عند أبي الحرم القلانسي خاتمة المسندين بالقاهرة، واستجاز له من أبي الحسن الفرضي، ثم رحل به إلى «الشام» سنة خمس وستين، فأحضره في الثالثة على جماعة من أصحاب الفخر ابن البخاري، ثم رجع، وأسمعه ب «القاهرة» من جماعة من المسندين، ثم طلب بنفسه وهو شاب، فقرأ الكثير، ودأب على الشيوخ، ثم رحل إلى «الشام» صحبه صهره الحافظ نور الدين الهيثمي بعد الثمانين، فسمع الكثير ثم رجع، وهو
(١) ينظر ترجمته في: «إنباء الغمر في أبناء العمر» (٨/ ٢١)، و «البدر الطالع» (١/ ٧٢)، و «طبقات ابن قاضي شهبة» (٤/ ٨٠).
13
مع ذلك ملازم للاشتغال بالفقه، والعربية، والفنون، حتى مهر واشتهر، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني، وحفظ، وكتب عنه الكثير، وأخذ عن علماء عصره. قال الحافظ قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر: ونشأ صيّنا، ديّنا، خيّرا، مع جمال الصورة، وطيب النعمة والتودّد إلى الناس، وناب في الحكم، ودرس في عدة أماكن، ثم استقر في جهات والده بعد وفاته، وعقد مجلس الإملاء بعده، واشتهر صيته وصنف التصانيف، وخرج التخاريج، وولي مشيخة «الجمالية».
ومن تصانيفه: «تحرير الفتاوى» على التنبيه، و «المنهاج»، و «الحاوي»، أخذ نكت النشائي، والتوشيح، ونكت ابن النقيب على المنهاج، ونكت الحاوي لابن الملقن، وشحن الكتاب بفوائد الشيخ سراج الدين البلقيني، وبسبب ذلك اشتهر الكتاب، واجتمع شمل فوائد الشيخ، وجمع حواشي الشيخ على «الروضة» في مجلدين، واختصر «المهمات»، وجمع بينها وبين حواشي «الروضة» في مجلدين، وشرح «بهجة» ابن الوردي في مجلدين، وشرح «جمع الجوامع» للسبكي في مجلدة، وله وفيّات ابتدأ فيها من سنة مولده- رحمه الله تعالى- قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر: وشرح منظومة أبيه في الأصول، وشرع في شرح «سنن» أبي داود، فكتب نحو السدس منه في سبع مجلدات.
مات في شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة وله ثلاث وستون سنة وثمانية أشهر.
وسمع منه الإمام الثعالبي ب «مصر».
٣- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني «١» :
الإمام المشهور، العلّامة، الحجّة، الحافظ، المحقّق الكبير، الثقة الثبت، المطلع النظار، المصنف، التقي، الصالح، الزاهد، الورع، البركة، الخاشي لله، الخاشع الأوّاب، القدوة النبيه، الفقيه المجتهد، الأبرع، الأصوليّ المفسر المحدث، الحافظ المسند الراوية، الأستاذ المقرئ المجوّد، النحوي اللغوي البياني العروضي، الصوفي المسلك المتخلق، الولي الصالح العارف بالله، الآخذ من كل فنّ بأوفر نصيب.
أخذ العلم عن جماعة، كالسّيد الشريف العلامة أبي محمد عبد الله بن الإمام العلم الشريف التلمساني، والإمام عالم المغرب سعيد العقباني، والولي الصالح أبي إسحاق
المصمودي، أفرد ترجمته بتأليف، والعلامة أبي الحسن الأشهب العماري، وعن أبيه وعمّه ابني الخطيب ابن مرزوق، وبتونس عن الإمام ابن عرفة، وأبي العباس القصار، وبفأس عن الأستاذ النحوي ابن حياتي الإمام، والشيخ الصالح أبي زيد المكودي، والحافظ محمد بن مسعود الصنهاجي الفيلالي في جماعة، وبمصر عن الأئمة السراج البلقيني، والحافظ أبي الفضل العراقي، والسراج ابن الملقن، والشمس الغماري، والمجد الفيروزآبادىّ صاحب «القاموس»، والإمام محبّ الدين بن هشام ولد صاحب «المغني»، والنور النويري، والولي ابن خلدون، والقاضي العلامة ناصر الدين التنسي، وغيرهم.
وأجازه من «الأندلس» الأئمة كابن الخشّاب، وأبي عبد الله القيجاطي، والمحدث الحفار، والحافظ ابن علاق، وأبي محمد ابن جزي، وغيرهم، وأخذ عنه جماعة من السادات كالشيخ الثعالبي، وقاضي الجماعة عمر القلشاني، والإمام محمد بن العباس، والعلامة نصر الزواوي، وولي الله الحسن أبركان، وأبي البركات الغماري، والعلّامة أبي الفضل المشذالي، والسيد الشريف قاضي الجماعة بغرناطة أبي العباس بن أبي يحيى الشريف، وأخيه أبي الفرج، وإبراهيم بن فائد الزواوي، وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن الندرومي، والعلّامة علي بن ثابت، والشهاب ابن كحيل التجاني، وولد العالم محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف، والعلامة أحمد بن يونس القسنطيني، والعالم يحيى بن بدير، وأبي الحسن القلصادي، والشيخ عيسى بن سلامة البكري، والعلامة يحيى المازوني، والحافظ التنسي، والإمام ابن زكري. في خلق كثيرين من الأجلّاء.
وقال الحافظ السّخاوي: هو أبو عبد الله حفيد ابن مرزوق، ويقال له أيضا «ابن مرزوق»، تلا بنافع على عثمان الزروالي، وانتفع في الفقه بابن عرفة، وأجازه ابن الخشّاب والحفار والقيجاطي. وحج قديما سنة تسعين وسبعمائة رفيقا لابن عرفة، وسمع من البهاء الدماميني، والنور العقيلي بمكة، وقرأ بها البخاري على ابن صديق، ولازم المحب ابن هشام في العربية، ثم حج سنة تسعة عشر وثمانمائة، ولقيه رضوان الزيني بمكة، وكذا لقيه ابن حجر- اهـ.
وأما تآليفه، فكثيرة منها: شروحه الثلاثة على «البردة» : الأكبر المسمى «إظهار صدق المودة في شرح البردة» استوفي فيه غاية الاستيفاء، ضمنه سبعة فنون في كل بيت، و «الأوسط» و «الأصغر» المسمى «بالاستيعاب لما فيها من البيان والإعراب» و «المفاتيح القرطاسية في شرح الشقراطيسية»، و «المفاتيح المرزوقية في استخراج رموز الخزرجية»، ورجزان في علوم الحديث، الكبير سماه «الروضة» جمع فيه بين ألفيتي ابن ليون والعراقي،
15
و «مختصر الحديقة» اختصر فيه ألفية العراقي، وأرجوزة في الميقات سماه «المقنع الشافي» في ألف وسبعمائة بيت، وأرجوزة ألفية في محاداة «الشاطبية»، وأرجوزة نظم «تلخيص المفتاح»، وأرجوزة نظم «تلخيص ابن البنا» وأرجوزة نظم «جمل» الخونجي، وأرجوزة في اختصار «ألفية ابن مالك»، و «نهاية الأمل» في شرح جمل الخونجي، و «اغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة»، وهو أجوبة على مسائل في الفقه والتفسير وغيرهما، وردت عليه من عالم قفصة أبي يحيى بن عقيبة فأجابه عنها، و «المعراج إلى استمطار فوائد الأستاذ ابن سراج» أجاب فيه العالم قاضي الجماعة بغرناطة ابن سراج عن مسائل نحوية ومنطقية، و «نور اليقين في شرح أولياء الله المتقين» تأليف ألفه في شأن البدلاء تكلم فيه على حديث في أول «الحلية»، و «الدليل المؤمى في ترجيح طهارة الكاغذ الرومي»، و «النصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل للناقص» في سبعة كراريس، ألفه في الرد على عصريه وبلديه الإمام قاسم العقباني في فتواه في مسألة الفقراء الصوفية في أشياء صوّب العقباني صنيعهم فيها، فخالفه ابن مرزوق، و «مختصر الحاوي في الفتاوى» لابن عبد النور التونسي، و «الروض البهيج في مسألة الخليج» في أوراق نصف كراس، و «أنوار الدراري في مكررات البخاري»، وتأليف في مناقب شيخه الزاهد الولي إبراهيم المصمودي في مقدار كراس، و «تفسير سورة الإخلاص على طريقة الحكماء»، وهذه كلها تامة.
وأما ما لم يكمل من تآليفه، «فالمتجر الربيح والسعي الرحب الفسيح في شرح الجامع الصحيح» صحيح البخاري، و «روضة الأديب في شرح التهذيب»، و «المنزع النبيل في شرح مختصر خليل» شرح منه الطهارة في مجلدين، ومن الأقضية لآخره في سفرين في غاية الإتقان، و «التحرير والاستيفاء والتنزيل لألفاظ الكتاب والنقول» لا نظير له أصلا، لخصه العلامة الراعي، و «إيضاح المسالك في ألفية ابن مالك» انتهى إلى اسم الإشارة والموصول، مجلد في غاية الإتقان، ومجلد في شرح شواهد شراحها إلى باب كان وأخواتها، وله خطب عجيبة، وأما أجوبته وفتاويه على المسائل المنوعة، فقد سارت بها الركبان شرقا وغربا، بدوا وحضرا. ذكر المازوني والونشريسي منها جملة وافرة في كتابيهما، وله أيضا عقيدته المسماة «عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة التقليد»، وعلى منحاه بنى السنوسي عقيدته الصغرى، و «الآيات الواضحات في وجه دلالة المعجزات»، و «الدليل الواضح المعلوم في طهارة كاغد الروم»، و «إسماع الصّم في إثبات الشرف من قبل الأم».
وذكر السخاوي أن من تأليفه شرح فرعي ابن الحاجب، وشرح التسهيل، والله أعلم.
16
ومولده، كما ذكره هو في شرحه على البردة، ليلة الاثنين رابع عشر ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة.
وقال تلميذه الإمام الثعالبي: وقدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد الله بن مرزوق، فأقام بها وأخذت عنه كثيرا، وسمعت عليه جميع «الموطأ» بقراءة صاحبنا أبي حفص عمر ابن شيخنا محمد القلشاني، وختمت عليه «أربعينيات النووي» قراءة عليه في منزلة قراءة تفهم، فكان كلما قرأت عليه حديثا يعلوه خشوع وخضوع، ثم أخذ في البكاء، فلم أزل أقرأ وهو يبكي حتى ختمت الكتاب، وهو من أولياء الله تعالى الذين إذا رأوا ذكر الله.
وأجمع الناس على فضله من «المغرب» إلى الديار المصرية، واشتهر فضله في البلاد، فكان بذكره تطرز المجالس، جعل الله حبه في قلوب العامة والخاصة، فلا يذكر في مجلس إلا والنفوس متشوقة لما يحكى عنه، وكان في التواضع والإنصاف والاعتراف بالحق في الغاية وفوق النهاية، لا أعلم له نظيرا في ذلك في وقته فيما علمته.
وقال أيضا في موضع آخر: هو سيدي الشيخ الإمام، الحبر الهمام، حجة أهل الفضل في وقتنا وخاتمتهم، ورحلة النقاد وخلاصتهم، ورئيس المحققين.
توفي يوم الخميس عصر رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة، وصلّى عليه بالجامع الأعظم بعد صلاة الجمعة، حضر جنازته السلطان فمن دونه، لم أر مثله قبله، وأسف الناس لفقده، وآخر بيت سمع منه عند موته: [البسيط]
إن كان سفك دمي أقصى مرادكم
فما غلت نظرة منكم بسفك دمي
وقد سمع الثعالبي منه بعد عودته من رحلته إلى تونس.
٤- أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي، القيرواني، ثم التونسي، الشهير بالبرزلي، الإمام المشهور «١»، نزيل «تونس» :
مفتيها، وفقيهها، وحافظها، العلّامة، أحد الأئمة في المذهب المالكي صاحب «الديوان» في الفقه والنوازل، من كتب المذهب الأجلة، أجاد فيه ما شاء، كان- رحمه الله- إماما علامة، بارعا، حافظا للفقه متفقها فيه، بحاثا نظارا مستحضرا للفقه، أخذ عن جماعة، وفي بعض إجازاته ما ملخصه أنه قرأ على الفقيه المحدث الراوية الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق شيئا من الصحيحين، والشاطبيتين، وتكملة القيجاطي، والدرر
اللّوامع، يرويهما عن مؤلفهما، والعمدة وغيرها، وعلى الفقيه المحدث الراوية المسن الصالح أبي الحسن البطروني القراءة السبعة، وكتبا كثيرة، وأحزاب الشاذلي عن الشيخ ماضي عنه، وعلى الإمام المؤلف الفقيه الصّالح المتفنن العلم أبي عبد الله بن عرفة، لازمه ما ينيف على ثلاثين سنة، وقرأ عليه بعض مسلم، وسمع جميعه عليه وجميع البخاري، و «الموطأ»، و «الشفاء»، و «علوم الحديث» لابن الصلاح، وجميع «التهذيب» مرارا، وابن الحاجب الفرعي، وكثيرا من الأصلي، و «معالم» التلمساني الفقيه، و «جمل» الخونجي، وكثيرا من «المحصل»، وإلقاء التفسير مرارا، وقرأ عليه مختصره المنطقي وفي الأصلين وأكثر مختصره الفقهي، وأجازه بالجميع وغيرها، وكتب له بخطه مرارا، وقرأ عليه الفقيه المقرئ الراوية أحمد بن مسعود البلنسي، (عرف بابن الحاجة) القراءات السبعة وغيرها، وعلى الفقيه الصالح الراوية المتفنن أبي محمد الشبيبي القراءات السبعة وغيرها، و «التهذيب»، و «الجلاب»، و «الرسالة» وغيرها، و «الموطأ»، ومسلما، وعلم النحو، والحساب، والفرائض، والتنجيم، ولازمه من حدود ستين وسبعمائة إلى عام سبعين، وعلى الفقيه الصالح القاضي العدل الحافظ أحمد بن حيدرة التوزري، لازمه كثيرا، وأخذ عنه مسائل كثيرة، وقرأ على الفقيه الصالح العدل أبي العباس المومناني الصحيحين، و «الشفاء»، وغيرها، وكذا أخوه الفقيه الصالح القاضي العدل أبو زيد عبد الرحمن، وقرأ عليه شيئا من أصلي ابن الحاجب، وأذن له في إقرائه، وعلى الفقيه المحدث الراوية برهان الدين الشامي، قرأ عليه أبعاضا من البخاري، والترمذي، والشفاء، والشاطبية، وغيرها، وناوله فهرسته، وعلى الرواية المحدث المعمر أبي إسحاق بن صديق الرسام.
وذكر في فتاويه أنه لازم ابن عرفة نحو أربعين عاما، فأخذ هديه وعلمه وطريقته، وجالس غيره كثيرا في الفقه والرواية في الحديث وغيره، وحصل بذلك علما كثيرا.
وقال السّخاويّ: كان البرزلي أحد أئمة المالكية ببلاده «المغرب»، وصاحب الفتاوى المتداولة، قدم «القاهرة» حاجا سنة ست وثمانمائة، وأجاز لشيخنا (يعني: ابن حجر) أخذ عنه غير واحد ممن لقيناهم، كأحمد بن يونس. توفي بتونس سنة أربع وأربعين، على ما قيل، أو سنة ثلاث، عن مائة وثلاث سنين، وحينئذ فهو آخر من في القسم الأول من معجم الحافظ ابن حجر، وكان موصوفا بشيخ الإسلام- اهـ. وقد سمع الثعالبي منه ب «تونس».
وكانت وفاته سنة اثنين وأربعين، ومولده (على ما قال السخاوي) في حدود أربعين وسبعمائة، وممن أخذ عنه الشيخ أبو القاسم بن ناجي، والرصاع، والشيخ حلولو،
18
وغيرهم.
٥- علي بن عثمان المنجلاتي «١»، الزواوي، البجائي:
من علماء المالكية وفقهائها الجلة، أخذ عن الشيخ عبد الرحمن الوغليسي وغيره، وهو والد العلامة أبي منصور مفتي «بجاية»، قال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في حقّه:
شيخنا أبو الحسن، الإمام الحافظ، وعليه كانت عمدة قراءتي ببجاية- اهـ. وله فتاوى نقل بعضها في «المازونية» و «المعيار».
وقد سمع منه الثعالبي أثناء رحلته ب «بجاية».
٦- أحمد النقاوسي البجاني «٢»، العلامة:
قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي: هو شيخنا الإمام المحقق الجامع بين علمي المنقول والمعقول، ذو الأخلاق المرضية، والأحوال الصالحة السنية- اهـ.
وقد سمع منه الثعالبي ب «بجاية».
٧- عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد الغبريني، أبو مهدي التونسي «٣» :
قاضي الجماعة ب «تونس» وعالمها وصالحها، وحافظها وخطيبها، قال الشيخ الثعالبي: شيخنا أوحد زمانه علما ودينا- اهـ.
ووصفه تلميذه أبو القاسم بن ناجي بأنه ممن يظن به حفظ المذهب بلا مطالعة، وبالغ في الثناء عليه في غير موضع، بل نقل عنه عصريه أبو القاسم البرزلي في ديوانه في غير موضع. قال السّخاويّ في «تاريخ أهل المائة التاسعة» فيه: قاضي «تونس» وعالمها، أخذ عنه أحمد القلشاني، والشرف العجيسي وغيرهما، مات عام ستة عشر وثمانمائة- اهـ.
قال أحمد التنبكي في «نيل الابتهاج» : بل أخذ عنه غالب تلاميذ ابن عرفة المتأخرة وغيرهم، كالبسيلي، وأبي يحيى بن عقبة، وعمر القلشاني، وأبي القاسم القسنطيني، وأبي الحسن علي بن عصفور، وابن ناجي، والزلديوي في خلق كثير، قال ابن ناجي: ما رأيت أصح منه نقلا، ولا أحسن منه ذهنا، ولا أنصف منه، مع كمال الرئاسة، وشاهدت بعض
(١) وقع في «شجرة النور الزكية» هكذا: المنكلاتي. وفي غيره «المكلاتي». وهو هنا كما في «نيل الابتهاج» (٣٣٢).
(٢) ينظر ترجمته في: «نيل الابتهاج» (١١١).
(٣) ينظر ترجمته في: «شجرة النور الزكية» (٢٤٣)، و «نيل الابتهاج» (٢٩٧).
19
جهّال الطلبة، وكان مؤدبا تلقّاه لما قام في مجلسه، وسجد بين يديه مشتكيا له بإنسان، فصاح عليه وانتهره، وهرب منه، وغضب لمخالفته السنة، وحلف له لا أسمع منه الآن كلمة واحدة- اهـ.
وقال تلميذه الأمير أبو عبد الله المدعو الحسن بن السلطان أبي العباس: شيخنا ابن عرفة وشيخنا الغبريني ممن يجتهد في المذهب، ولا يحتاج للدليل على ذلك إذ العيان شاهد بتلك- اهـ.
وقال أبو العباس القلشاني: استناب ابن عرفة وقت سفره للحج تلميذه القاضي الجليل أبا مهدي الغبريني على إمامة جامع «الزيتونة»، وهو المشار إليه في كلامه، وتلميذه حينئذ قاضي الجماعة، ثم استقل بالإمامة المذكورة بعد وفاته، وبقي عليها حتى توفي ليلة السبت سابع عشرين من ربيع الثاني عام خمسة عشر وثمانمائة- اهـ.
وقد سمع منه الثعالبي ب «تونس».
٨- سليمان بن الحسن البوزيدي، الشريف التلمساني، أبو الربيع «١» :
الإمام العالم، المحصّل، السيد، قال الشيخ أبو البركات التالي: شيخنا الفقيه المحقق، كان قائما على «المدونة» و «ابن الحاجب»، مستحضرا لفقه ابن عبد السلام، وأبحاثه نصب عينيه- اهـ.
قال القلصادي في رحلته: حضرت مجلس سيّدي سليمان البوزيدي، وكان فقيها إماما عالما بمذهب مالك- اهـ.
وذكر ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياغلي، أن من شيوخه صاحب الترجمة، وأنه وصف بالشريف، الحسيب النسيب، الفقيه العالم، المحقق الأفضل- اهـ.
قال الونشريسي: شيخ شيوخنا، الفقيه المحصّل المحقّق، له إشكالات وجهها لعالم تونس أبي عبد الله بن عقاب، فأجابه عنها- اهـ.
وقال في وفياته: توفي شيخ شيوخنا، الحافظ الذاكر، شيخ الفروع أبو الربيع سليمان الشريف عام خمسة وأربعين وثمانمائة.
وسمع منه الثعالبي ب «بجاية».
(١) تنظر ترجمته في: «نيل الابتهاج» (١٨٥).
20
٩- محمد بن علي بن جعفر الشمس، العجلوني، ثم القاهري، الشافعي الصوفي، ويعرف بالبلالي «١» - بكسر الموحدة ثم لام خفيفة-:
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، واشتغل بتلك البلاد قليلا، ولازم أبا بكر الموصلي، فانتفع به وبغيره، وتميز في التصوف، ولازم النظر في «الإحياء» بحيث كاد يأتي عليه حفظا، وصارت له به ملكة قوية بحيث اختصره اختصارا حسنا جدا. وكان بالنسبة لأصله كالحاوي مع الرافعي، وانتفع به الناس وأقبلوا على تحصيله سيما المغاربة وقرىء عليه غير مرة، وربما استكثر عليه، وكذا صنف «السول في شيء من أحاديث الرسول»، واختصر «الروضة» ولكن لم يكملا، واختصر «الشفا»، وعمل مختصرا بديعا في الفروع، وقرض السيرة النبوية لابن ناهض. وعرف بالخير والصلاح قديما، واشتهر بالتعظيم في الآفاق، وحسنت عقيدة الناس فيه، واستقدمه سودون الشيخوني نائب السّلطنة في حدود التسعين، وولاه مشيخة سعيد السعداء، فدام بها نحو ثلاثين سنة لم يزل عنها إلا مرة بخادمها خضر لقيام تمراز نائب الغيبة في الأيام الناصرية فرج ولم يمض سوى عشرة أيام، ثم جيء بالقبض عليه، وعد ذلك من كرامات البلالي، ثم أعيد. وكان كثير التواضع إلى الغاية منطرح النفس جدا، مشهورا بذلك، كثير البذل لما في يده، شديد الحياء، كثير العبادة والتلاوة والذكر، سليم الباطن جدّا بحيث كان كثير من الناس يتكلم فيه بسبب ما له من المباشرات بالخانقات وتؤثر عنه كرامات وخوارق. ذكره ابن حجر في معجمه بما هذا حاصله، قال: وكان يودني كثيرا، وأجاز في استدعاء ابني محمد، وذكر أنه ضاع منه مسموعاته. وكذا ذكره في «الإنباء» باختصار، وأنه استقر في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة مع التّواضع الكامل، والخلق الحسن وإكرام الوارد. واختصر «الإحياء» فأجاد، وطار اسمه في الآفاق، ورحل إليه بسببه، ثم صنف تصانيف أخرى. وكانت له مقامات وأوراد، وله محبون معتقدون، ومبغضون منتقدون. ونحوه قول المقريزي: كان معتقدا وله شهرة طارت في الآفاق، وللناس فيه اعتقاد، وعليه انتقاد. مات في يوم الأربعاء رابع عشر شوال سنة عشرين، ودفن بمقابر الصوفية بعد شهود ابن حجر الصلاة عليه، وقد جاز السبعين. وهو في عقود المقريزي، وقال: كان كثير الذكر، متواضعا إلى الغاية بحيث لما اجتمعت به قبل يدي مرارا، وقدم إليّ نعلي لما انصرفت عنه، وهذه سيرته مع كل أحد، وحضرت عنده وظيفة الذكر بعد العشاء بالخانقاه، وكان يرى رفع الصوت به ويعلل ذلك،
(١) ينظر: «الضوء اللامع» (٨/ ١٧٨). [.....]
21
كثير الحياء يديم التلاوة مع سلامة الباطن، وله محبون يؤثرون عنه كرامات وخوارق رحمه الله.
وسمع منه الثعالبي ب «مصر».
١٠- عمر بن محمد القلشاني «١» - بفتح القاف وسكون اللام ثم معجمة أو جيم- المغربي، التونسي، الباجي الأصل- «باجة تونس» لا «الأندلس» فتلك منها شارح «الموطأ» - المالكي والد قاضي الجماعة محمد وأخو أحمد. أخذ عن أبيه وغيره، وولي قضاء الجماعة بتونس، واقرأ الفقه، والأصلين، والمنطق، والمعاني والبيان والعربية.
وحدث بالبخاري عن أبي عبد الله بن مرزوق، وشرح «الطوالع» شرحا حسنا لم يكمل انتهى منه أكثر من مجلد إلى الإلهيات، وأخذ عنه خلق، منهم ولده، وإبراهيم الأخضري، وغالب الأعيان، وأبو عبد الله التريكي وآخرون ممن لقيناهم كابن زغدان، وكانت ولايته أولا قضاء الأنكحة ببلده كأبيه، ثم قضاء الجماعة بعد موت أبي القاسم القسنطيني، وكان يكون بينهما ما بين الأقران فدام به قليلا حتى مات في سنة ثمان وأربعين. وهناك من أرخه في سنة سبع وسمى جده عبد الله، وكان أبو القاسم قام على أخيه أحمد بسبب ما وقع منه من نقل كلام بعض المفسرين في قصة آدم عليه السلام وأفتى بقتله، بل أفتى أخوه أيضا بذلك قبل علمه به، فلما تبين أنه أخوه قام في الدفع عنه، وكان فصيحا في التقرير بحيث يستفيد منه من يكون بمجلسه من الأعلى والأدنى، ولا يمكن كبير أحد من الكلام، وقد قيل: إن سبب دخوله في القضاء أن عمه أحمد لم يسر سير ابن عقارب الذي كان قبله، فعز على الملك، واقتضى رأيه صرفه بابن أخيه هذا، وحصل لعمه نكاية عظيمة ولكن أعطوه إمامة جامع «الزيتونة»، واستمر حتى مات، فالله أعلم.
وسمع منه الثعالبي بعد رجعته إلى «تونس».
١١- علي بن موسى البجائي، أحد شيوخ عبد الرحمن الثعالبي ابن عبد الله بن محمد بن هيدور التادلي «٢» :
كان إماما في الفرائض والحساب، حسن الخط كثير التقييد، له مسائل في فنون، شرح تلخيص ابن البناء، وقيد على رفع الحجابلة، توفي عام ستة عشر وثمانمائة.
وسمع منه الثعالبي ب «بجاية».
١٢- البساطي «١» - محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم البساطي شمس الدين أبو يوسف القاضي المصري المالكي ولد سنة (٧٥٦) وتوفي سنة (٨٤٢) اثنتين وأربعين وثمانمائة. من تصانيفه: توضيح المعقول وتحرير المنقول في شرح منتهى السول والأمل لابن الحاجب، حاشية على شرح المواقف، حاشية على شرح لوامع الأسرار للتحتاني في المنطق والحكمة، حاشية على المطول، الرد الوافر على ابن الناصر، روضة المجالس وأنس الجالس، شرح الألفية لابن مالك، شرح البديعية لابن حجة، شرح التائية لابن الفارض، شرح قصيدة البردة، شفاء العليل شرح مختصر الشيخ الخليل في الفروع قصة الخضر عليه السلام، محاضرات خواص البرية في ألغاز الفقهية، المغني في الفروع، المفاخرة بين الدمشق والقاهرة، مقدمة في الأصول، مقدمة في الكلام، نكت على طوالع الأنوار للبيضاوي في الكلام.
وسمع منه الثعالبي أثناء رحلته، وذلك ب «مصر» حرسها الله!! ١٣- أبو الحسن علي بن محمد البليليتي «٢» :
وسمع منه الثعالبي ب «بجاية».
١٤- أبو يوسف يعقوب الزغبي «٣» :
وسمع منه ب «تونس».
وأما شيوخه الذين لم يذكرهم في رحلته، فقد ذكر التنبكي في «نيل الابتهاج» منهم ثلاثة، وهم:
١- عبد الله بن مسعود التونسي «٤» :
شهر بابن قرشية، قال ابن حجر: أخذ عن والده، وقرأت بخطه أن من شيوخه الإمام ابن عرفة، وقاضي الجماعة أحمد بن محمد بن حيدرة، وأحمد بن إدريس الزواوي، وأبا الحسن محمد بن أحمد البطروني، وأبا العباس أحمد بن مسعود بن غالب القيسي، وتوفي
سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
٢- عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي «١» :
الإمام الحافظ الفقيه المحدث العلامة الجليل، حامل لواء المذهب والحفظ في وقته، أبو القاسم شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام أبي عمران العبدوسي الفاسي نزيل «تونس»، أخذ عن أبيه وغيره، ووصل في قوة الحافظة الدرجة العظمى، قال القاضي أبو عبد الله بن الأزرق: كتب إليّ الشيخ الفقيه الجليل أحد المفتيين بتونس أبو عبد الله الزلديوي يعرفني حاله بالحفظ فيما يقضي منه العجب من الغرابة، قال: ورد علينا في أخريات عام سبعة عشر وثمانمائة الفقيه العالم الحافظ أبو القاسم ابن الشيخ الإمام أبي عمران موسى العبدوسي بكتاب في يده من قبل الإمام أبي عبد الله محمد بن مرزوق، ويقول لنا فيه: يرد عليكم حافظ المغرب الآن، فقلنا: لعل ذلك من تعسيل الإخوان لإخوانهم في الوصيّة بهم، فلما اجتمعنا به، وأقام عندنا أزيد من عام رأينا منه العجب العجاب من حفظ لا نتوهّم يكون لأحد لما رأينا في بلادنا إفريقيا ومجالس أشياخنا بتونس وبجاية، كان عندنا بتونس الشيخ أبو القاسم البرزلي له أهل زماننا في حفظ الفقه، وأشياخ المدونة والناس دونه في ذلك، وببجاية الشيخ الفقيه أبو القاسم المشذالي حضرنا مجالسهم، فما رأينا ولا سمعنا من يشبه العبدوسي في حفظه، وعلمنا صدق ابن مرزوق فيما وصفه به، وأن من ورعه ألا يذكر ولا يكتب إلا بما تحقق كما قال الشاعر: [الطويل] فلمّا التقينا صدّق الخبر الخبر وقال الآخر: [منهوك الرجز] بل صغّر الخبر الخبر وقال الونشريسي في تحليته: إنه الفقيه الحافظ المدرس المحدث الصدر الراوية المعتبر الأرفع الأفضل- اهـ.
وقال الشيخ الرصاع: شيخنا الإمام العلامة المحدث الصالح الرباني يقال: اجتمع ليلة في جهاز بالشيخ أبي القاسم البرزلي، وهو أعمى، ولما تكلم العبدوسي قال له البرزلي:
أهلا بواعظ بلدنا، فقال له العبدوسي: قل وفقيهها، فسكت البرزلي، فعد ذلك من رجلة العبدوسي وسرعة جوابه، رحمهم الله تعالى- اهـ.
ونقل عنه ابن ناجي في «شرح المدونة»، والشيخ الثعالبي في شرح ابن الحاجب، وذكر عنه أنه قال: لا يلزم البراذعي مما تعقب به إلا حيث خالف ما في روايته من الأمهات عن موسى بن عقبة. وذكر الونشريسي في وفياته أنه توفي بتونس في التاسع والعشرين في ذي القعدة عام سبعة وثلاثين وثمانمائة.
٣- عبد الواحد الغرياني «١» :
تلاميذه:
أخذ عن الإمام الثعالبي جماعة من أهل العلم منهم:
١- محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب، الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق «٢».
العجيسي التلمساني، عرف بالكفيف، ولد الإمام أبي الفضل قطب المغرب الحفيد ابن مرزوق شارح «المختصر»، كان ولده صاحب الترجمة إماما عالما علامة، وصفه ابن داود البلوي بشيخنا الإمام، علم الأعلام، فخر خطباء الإسلام، سلالة الأولياء وخلف الأتقياء، المسند الراوية المحدث، العلامة القدوة الحافل الكامل، أبو عبد الله ابن سيدنا شيخ الإسلام، خاتمة العلماء الأعلام، الحبر البحر، الناقد النافذ النّحرير، المشاور العمدة الكبير، ذي التصانيف العديدة، والأنظار السديدة، أبي عبد الله بن مرزوق.
أخذ العلم عن جماعة منهم: أبو شيخ الإسلام، قرأ عليه «الصحيح»، و «الموطأ» وغير كتاب من تآليفه وغيرها، وتفقه عليه وأجازه ما يجوز له وعنه روايته. والإمام العالم، النظار الحجة، أبو الفضل ابن الإمام، والإمام العلامة قاضي الجماعة المعمر المشاور أبو الفضل قاسم العقباني، والأستاذ المقرئ العالم أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي الفاسي، والإمام العالم والولي الصالح المحدث عبد الرحمن الثعالبي، والإمام العالم الفقيه النظار أبو عبد الله محمد بن قاسم المشذالي، والإمام قاضي الجماعة العالم المحقق أبو عبد الله بن عقاب الجذامي التونسي، والإمام العالم الراوية الرحال، قاضي الأنكحة أبو محمد عبد الله بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي. قرأ وسمع عليهم، وأجازوه عامة، وأجازه مكاتبة من شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر مع أولاد مرزوق عام تسعة وعشرين،
ومولده ليلة الثلاثاء غرة ذي القعدة عام أربع وعشرين وثمانمائة.
قال التنبكي: ومن شيوخه الإمام ابن العبّاس، قال السخاوي: قدم صاحب الترجمة «مكة» فعرض عليه ظهيرة، وأخذ عنه في الفقه وأصوله، والعربية والمنطق في سنة إحدى وستين، وسمعت في إحدى وسبعين أنه حي- اهـ.
وفي «وفيات الونشريسي» أن وفاته عام أحد وتسعمائة، ووصفه بالفقيه الحافظ المصقع. وأخذ عنه الخطيب ابن مرزوق ابن أخته، وابن العباس الصغير، ووصفه بشيخنا علم الأعلام وحجة الإسلام آخر حفاظ «المغرب»، قرأت عليه الصحيحين وبعض مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي، وحضرت عليه جملة من «التهذيب» و «الخونجي» وغيرها.
وبالإجازة ابن غازي نقل عنه في «المازونية».
٢- محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي «١» :
وبه اشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب، الحسني، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، قاله تلميذه الملالي في تأليفه التلمساني، عالمها، وصالحها، وزاهدها، وكبير علمائها، الشيخ، العلامة المتفنن، الصالح الزاهد العابد، الأستاذ المحقّق المقرئ، الخاشع: أبو يعقوب يوسف.
نشأ خيرا مباركا فاضلا صالحا، أخذ (كما قال تلميذه الملالي) عن جماعة، منهم:
والده المذكور، والشيخ العلامة نصر الزواوي، والعلامة محمد بن توزت، والسيد الشريف أبو الحجاج يوسف بن أبي العباس بن محمد الشريف الحسني، أخذ عنه القراءات، وعن العالم المعدل أبي عبد الله الحباب علم الأسطرلاب، وعن الإمام محمد بن العباس الأصول والمنطق، وعن الفقيه الجلاب الفقه، وعن الولي الكبير الصالح الحسن أبركان الراشدي حضر عنده كثيرا، وانتفع به وببركته، وكان يحبه ويؤثره ويدعو له، فحقق الله فيه فراسته ودعوته، وعن الفقيه الحافظ أبي الحسن التالوتي أخيه لأمه «الرسالة»، وعن الإمام الورع الصالح أبي القاسم الكنابشي «إرشاد» أبي المعالي والتوحيد، وعن الإمام الحجة الورع الصالح أبي زيد الثعالبي «الصحيحين» وغيرهما من كتب الحديث، وأجازه ما يجوز له وعنه، وعن الإمام العالم العلامة الولي الزاهد الناصح إبراهيم التازي، وروى عنه أشياء
(١) ينظر ترجمته في: «نيل الابتهاج» (٥٦٣).
26
كثيرة من المسلسلات وغيرها. وعن العالم الأجلّ الصالح أبي الحسن القلصادي الأندلسي الفرائض والحساب، وأجازه جميع ما يرويه وغيرهم. وكان آية في علمه وهديه، وصلاحه وسيرته، وزهده وورعه وتوقيه.
جمع تلميذه الملالي في أحواله وسيره وفوائده تأليفا كبيرا في نحو ستة عشر كراسا من القالب الكبير.
وكان حليما، كثير الصبر، ربما يسمع ما يكره فيتعامى عنه ولا يؤثر فيه، بل يتبسم، وهذا شأنه في كل ما يغضبه ولا يلقي له بالا، ولا يحقد على أحد، ولا يعبس في وجهه، يفاتح من تكلم في عرضه بكلام طيب وإعظام حتى يعتقد أنه صديقه، وقع له ممن يدعي أنه أعلم أهل الأرض كلام ينقصه، فما بالى به، ولما ألّف بعض عقائده أنكر عليه كثير من علماء أهل وقته، وتكلموا بما لا يليق، فتغير لذلك كثيرا وحزن أياما، ثم رأى في منامه عمر بن الخطاب واقفا على رأسه بيده سيف أو عصا، فهزها على رأسه وهدده بها، وكأنه قال: ما هذا الخوف من الناس. فأصبح قد زال حزنه، واشتدّ قلبه على المنكرين فخرست حينئذ ألسنتهم، فحلم عنهم وسمح، فأقروا بفضله.
وكان من عاداته أنه إذا صلى الصبح في مسجده وفرغ من ورده، أقرأ العلم إلى وقت الفطور المعتاد، ثم خرج ووقف مع الناس ساعة بباب داره ثم دخل وصلى الضحى قدر قراءة عشرة أحزاب، ثم اشتغل بالمطالعة في وقت طول النهار، وإلا ربما زالت الشمس وهو في الضحى، وخرج بعد الزوال للخلوات، فلا يرجع إلا للغروب، أو يبقى في بيته فيتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم خرج لمسجده وصلى بالناس الظهر وتنفل أربعا، ويقرىء ثم يتنفل وقت العصر أربعا، ويصلي العصر ويقرأ، أو يخرج لداره. واشتغل بالورد إلى الغروب، ثم خرج للمغرب وتنفل بست ركعات، ويبقى هناك حتى يصلي العشاء، ويقرأ ما تيسر ورجع لداره ونام ساعة، ثم اشتغل بالنظر أو النسخ ساعة وتوضأ، ويصلي باقيا فيها، أو في ذكر لطلوع الفجر، هذا أكثر حاله.
وأما وعظه، فكان يقرع الأسماع، وتقشعر منه الجلود، كل من حضر يقول: معي يتكلم، وإياي يعني، جله في الخوف والمراقبة وأحوال الآخرة، لا تخلو مجالسه منه مع حلاوة له، لا توجد في كلام غيره، يعظ كل أحد بحسب حاله، ما رؤي قط إلا وشفتاه متحركتان بالذكر، وربما يكلمه إنسان وهو يذكر الله تعالى، وتسمع لقلبه أنينا من شدة خوفه ومراقبته على الدوام، كان يقول: حقيقة العبودية امتثال الأمر، واجتناب النهي مع كمال الذلة والخضوع.
27
وكان- رحمه الله- أورع زمانه، يبغض الاجتماع بأهل الدنيا والنظر إليهم وقربهم، وأتاه في مرضه بعض من يذمه من علماء عصره، فطلب منه أن يسمح له، فغفر له ودعا له، ولما مات بكى عليه هذا العالم شديدا وتألم، ومتى ذكره بكى ويقول: فقدت الدنيا بفقده، كان يثني كثيرا على رجلين من علماء عصره ممن يذمونه ويسيئون إليه، وكان يصلح بين الخصام، ويقضي الحوائج، ذكر أنه كتب يوما ثلاثين كتابا بلا فترة، قال: «كلفني بها إنسان لم أقدر على ردها». ولو كان إنسان ينسخ مثل هذا في كل يوم لظفر بعدة أسفار، وهذه مصائب ابتلينا بها.
ومن صبره كثرة وقوفه مع الخلق، ولا يفارق الرجل حتى ينصرف. وهذا كله مع إدامة الطاعات وسواء الطريقة وشدة التّحرّز والإسراع بوفاء حقوق العباد قبل استحقاقها، إذا أعار كتابا رده في أقرب مدة قبل طلب صاحبه، وربما كان سفرا ضخما لا يمكن مطالعته إلا في ثلاثة أيام، فيطالعه يوما واحدا ويرده.
وكان يأمر أهله بالصّدقة سيما وقت الجوع ويقول: من أحب الجنة فليكثر الصدقة خصوصا في الغلاء، كثير التصدق بيده، ويكثر الخروج للخلوات ومواضع الخرب الباقية آثارها للاعتبار، وإذا رأى ما كان منها متقنا ذكر حديث: «رحم الله عبدا صنع شيئا فأتقنه» ويقول: أين سكانها؟ وكيف يتنعمون؟.
وأما تآليفه فقال الملالي: منها شرحه الكبير على «الحوفية» المسمى «المقرب المستوفى» كبير الجرم، كثير العلم، ألفه وهو ابن تسعة عشر عاما، ولما وقف عليه شيخه الحسن أبركان تعجب منه، وأمر بإخفائه حتى يكمل سنه أربعين سنة لئلا يصاب بالعين، ويقول له: لا نظير له فيما أعلم، ودعا لمؤلفه، وعقيدته الكبرى سماها «عقيدة التوحيد» في كراريس من القالب الرباعي، أول ما صنفه في الفن، ثم شرحها، ثم الوسطى وشرحها في ثلاثة عشر كراسا، ثم الصغرى وشرحها في ست، وهي من أجل العقائد لا تعادلها عقيدة، كما أشار إليه هو. حدثني بعضهم أنه مات قريبه وكان صالحا، فرآه في النوم.
فسأله عن حاله فقال: دخلت الجنة فرأيت إبراهيم الخليل (عليه السلام) يقرىء صبيانا عقيدة السنوسي، يدرسونها في الألواح يجهرون بقراءتها- اهـ.
قال الشيخ: لا شك أنه لا نظير لها فيما علمت، تكفي من اقتصر عليها عن سائر العقائد، وقد نظم سيدي محمد بن يحبش التازي في مدحها أبياتا، وعقيدته المختصرة أصغر من الصغرى، وشرحها أربع كراريس، وفيه فوائد ونكت، والمقدمات المبينة لعقيدته الصغرى قريبة منها جرما، وشرحها خمس كراريس، وشرح الأسماء الحسنى في كراريس،
28
وشرحه الكبير على الجزيرية فيه نكت نفيسة، ومختصر الأبي على مسلم في سفرين فيه نكت حسنة، وشرح «ايسا غوجي» في المنطق، تأليف البرهان البقاعي كثير العلم، ومختصره العجيب فيه زوائد على «الخونجي» وشرحه الحسن جدا، وشرح قصيدة الحباك في الأسطرلاب شرح جليل، وشرح أبيات الإمام الاليري في التصوف، وشرح الأبيات التي أولها: تطهر بماء الغيب، وشرحه العجيب على البخاري وصل فيه إلى باب «من استبرأ لدينه»، وشرح مشكلات البخاري في كراسين، ومختصر الزركشي على البخاري.
ومنها عقيدة أخرى فيها دلائل قطعية على من أثبت تأثير الأسباب العادية، كتبها لبعض الصالحين، ومختصر «حاشية التفتازاني» على «الكشاف»، و «شرح مقدمة الجبر والمقابلة» لابن الياسمين، وشرح «جمل» الخونجي في المنطق، و «شرح مختصر ابن عرفة»، فيه حل صعوبته، وقال لي: إن كلامه صعب سيما هذا المختصر تعبت كثيرا في حله لصعوبته إلى الغاية، لا أستعين عليها إلا بالخلوة.
ومنها شرح رجز ابن سينا في الطب لم يكمل، ومختصر في القراءات السبع، وشرح «الشاطبية» الكبرى لم يكمل، وشرح «الوغليسية» في الفقه لم يكمل، ونظم في الفرائض، واختصار «رعاية» المحاسبي، ومختصر «الرّوض الأنف» للسهيلي لم يكمل، ومختصر «بغية السالك في أشرف المسالك» للساحلي، وشرح «المرشدة» و «الدر المنظوم» في شرح «الجرومية»، وشرح «جواهر العلوم» للعضد في علم الكلام على طريقة الحكماء، وهو كتاب عجيب جدا في ذلك، إلا أنه صعب متعسّر على الفهم جدا، وتفسير القرآن إلى قوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في ثلاثة كراريس، ولم يمكن له التفرغ له، وتفسير سورة «ص» وما بعدها، فهذا ما علمت من تآليفه مع ما له من الفتاوى والوصايا والرسائل والمواعظ، مع كثرة الأوراد وقضاء الحوائج والإقراء- اهـ.
وقد أخذ عنه أعلام كابن صعد، وأبي القاسم الزواوي، وابن أبي مدين، والشيخ يحيى بن محمد، وابن الحاج البيدري، وابن العباس الصغير، وولي الله محمد القلعي ريحانة زمانه، وإبراهيم الوجديجي وابن ملوكة، وغيرهم من الفضلاء.
وتوفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة، وشم الناس المسك بنفس موته، رحمه الله. مولده بعد الثلاثين وثمانمائة.
٣- أبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي «١»، الشيخ الإمام الفاضل،
(١) ينظر ترجمته في: «شجرة النور الزكية» (٢٦٥).
29
العالم العامل، الولي الصالح الكامل. أخذ عن أبي زيد الثعالبي وغيره، وعنه الشيخ زروق وغيره. ألف اللامية المشهورة في العقائد، شرحها الشيخ السنوسي، وأثنى على ناظمها بالعلم والصّلاح. توفي سنة ٨٨٤ هـ.
٤- محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي «١» :
التلمساني خاتمة المحققين، الإمام العالم، العلامة الفهامة، القدوة الصالح السني، أحد الأذكياء، ممن له بسطة في الفهم والتقدم، متمكن المحبة في السنة وبغض أعداء الدين، وقع له بسبب ذلك أمور مع فقهاء وقته حين قام على يهود «توات»، وألزمهم الذل، بل قتلهم وهدم كنائسهم، ونازعه في ذلك الفقيه عبد الله العصنوني قاضي «توات»، وراسلوا في ذلك علماء «فاس» و «تونس» و «تلمسان»، فكتب في ذلك الحافظ التنسي كتابة مطولة، بصواب رأي صاحب الترجمة، ووافقه عليها الإمام السنوسي.
دخل بلاد «أهر» وبلاد «تكدة»، واجتمع بصاحبها، وأقرأ أهلها وانتفعوا به، ثم دخل بلاد «كنو وكشن» من بلاد السودان، واجتمع بصاحب «كنو» واستفاد عليه، وكتب رسالة في أمور السلطنة يحضه على اتباع الشرع، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقرر لهم أحكام الشرع وقواعده.
ثم رحل لبلاد «التكرور»، فوصل إلى بلدة «كاغو»، واجتمع بسلطانها ساسكي محمد الحاج، وجرى على طريقته من الأمر بالمعروف، وألف له تأليفا أجابه فيه عن مسائل، وبلغه هناك قتل ولده بتوات من جهة اليهود، فانزعج لذلك، وطلب من السلطان قبض أهل توات الذين بكاغو حينئذ، فقبض عليهم، وأنكر عليه أبو المحاسن محمود بن عمر إذ لم يفعلوا شيئا، فرجع عن ذلك، وأمر بإطلاقهم، ورحل لتوات فأدركته المنية بها، فتوفي هناك سنة تسع وتسعمائة.
ويقال: إن بعض ملاعين اليهود أو غيرهم مشى لقبره فبال عليه فعمي مكانه، وكان- رحمه الله- مقداما على الأمور، جسورا جريء القلب، فصيح اللسان، محبا في السنة جدليا نظارا محققا.
له تآليف منها: «البدر المنير في علوم التفسير»، و «مصباح الأرواح في أصول الفلاح» كتاب عجيب في كراسين أرسله للسنوسي، وابن غازي، فقرظاه، وشرح «مختصر
خليل» سماه «مغني النبيل»، اختصر فيه جدا، وصل فيه للقسم بين الزوجات، وله عليه قطع أخر من البيوعات وغيرها، بل قيل: إنه شرح ثلاثة أرباع المختصر، وحاشية عليه سماها «إكليل المغني»، وشرح بيوع الآجال من ابن الحاجب، فبحث فيه مع ابن عبد السلام وخليل، وتأليف في المنهيات، ومختصر «تلخيص المفتاح» وشرحه، و «مفتاح النظر» في علم الحديث، فيه أبحاث مع النووي في تقريبه، وشرح «الجمل» في المنطق، ومقدمة فيه، ومنظومة فيه سماها «منح الوهاب»، وثلاثة شروح عليها.
وله أيضا «تنبيه الغافلين عن مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين»، وشرح خطبة المختصر، ومقدمة في العربية، وكتاب «الفتح المبين»، وفهرسة مروياته، وعدة قصائد، كالميمية على وزن البردة ورويّها في مدحه صلى الله عليه وسلم.
أخذ عن الإمام عبد الرحمن الثعالبي، والشيخ يحيى بن بدير، وغيرهما، وأخذ عنه جماعة، كالفقيه أيد أحمد، والشيخ العاقب الأنصمني، ومحمد بن عبد الجبار الفيجي وغيرهم.
ووقع له مراسلة مع الجلال السيوطي في علم المنطق، فمما كتب للسيوطي فيه قوله:
[من الطويل]
سمعت بأمر ما سمعت بمثله
وكلّ حديث حكمه حكم أصله
أيمكن أنّ المرء في العلم حجّة
وينهى عن الفرقان في بعض قوله
هل المنطق المعنيّ إلّا عبارة
عن الحقّ أو تحقيقه حين جهله
معانيه في كلّ الكلام وهل ترى
دليلا صحيحا لا يردّ لشكله
أرنّي هداك الله منه قضيّة
على غير هذا تنفها عن محلّه
ودع عنك أبداه كفور وذمّة
رجال وإن أثبتّ صحّة نقله
خذ الحقّ حتّى من كفور ولا تقم
دليلا على شخص بمذهب مثله
عرفناهم بالحقّ لا العكس فاستبن
به لا بهم إذ هم هداة لأجله
لئن صحّ عنهم ما ذكرت فكم هم
وكم عالم بالشّرع باح بضلّه
... في أبيات أخرى، فأجابه السيوطيّ بقوله: [من الطويل]
حمدت إله العرش شكرا لفضله
وأهدي صلاة للنّبيّ وأهله
عجيب لنظم ما سمعت بمثله
أتاني عن حبر أقرّ بنبله
31
تعجّب منّي حين ألّفت مبدعا
كتابا جموعا فيه جمّ ب
نقله أقرّر فيه النّهي عن علم منطق
لما قاله الأعلام من ذمّ
شكله وسمّاه بالفرقان يا ليت لم يقل
فذا وصف قرآن كريم ل
فضله وقال فيه فيما يقرر رأيه
مقالا عجيبا نائيا عن مح
لّه:
ودع عنك أبداه كفور وبعد ذا
خذ الحقّ حتّى من كفور ب
ختله وقد جاءت الآثار في ذمّ من حوى
علوم يهود أو نصارى ل
أجله يعزّز به علما لديه وأنّه
يعذّب تعذيبا يليق ب
فعله وقد منع المختار فاروق صحبه
وقد خطّ لوحا بعد توراة
أهله وقد جاء من نهي اتّباع لكافر
وإنّ كان ذاك الأمر حقّا ب
أصله أقمت دليلا بالحديث ولم أقم
دليلا على شخص بمذهب
مثله سلام على هذا الإمام فكم له
لديّ ثناء واعتراف بفضله- اهـ-
٥- علي بن محمد التالوتي الأنصاري أخو الإمام محمد بن يوسف السنوسي لأمه «١» :
قال تلميذه الملالي: شيخنا، الفقيه، الحافظ، المتقن، العالم، المتفنن، الصالح، أبو الحسن، كان محقّقا متقنا حافظا يحفظ كتاب ابن الحاجب، ويستحضره بين عينيه، قل أن ترى مثله حافظا، قرأ عليه أخوه محمد السنوسي «الرسالة» في صغره، وكان من أكابر أصحاب الحسن أبركان، ما رأيته قط مشتغلا بما لا يعنيه، بل إما ذاكرا أو قارئا للقرآن أو مشتغلا بمطالعة أو نحوه، يحفظ «الرسالة» و «ابن الحاجب»، و «التسهيل» لابن مالك، وغيرها، جعل له وردا كل يوم، قرأت عليه «ابن الحاجب» قراءة بحث وإفادة، وسألته عن وضع الكتاب في الأرض، فقال: حكى شيخنا الحسن أبركان فيه قولين لمتأخري أهل «تونس» و «بجاية» جوازا ومنعا، وسألته عن مستند الناس في عادتهم من عدم أخذ الرجل المقص من صاحبه بل يضعه على الأرض فيأخذه حينئذ، فقال: سألت عنه شيخنا الحسن أبركان فقال: هكذا رأينا شيوخنا يفعلون، ثم قال سيدي علي: ولعلّه علم نسبي- اهـ.
قال التنبكي: وقد ذكر السيد الشريف السمهودي الشافعي في كتابه «جواهر العقدين» حكمة منعه عن بعض شيوخه فانظره فيه، قال الملالي: وسألته عن الوتر جالسا قال: فيه قولان بالجواز وعدمه، وذكر أخوه السنوسي أنه يؤخذ جوازه جالسا من قول «المدونة» : أنه
يوتر في سفره على الدّابّة- اه.
وهذا الأخذ نقله ابن ناجي عن بعض الشيوخ، قال الملالي: رأيت بخطّه عن بعض الصالحين أن من نزل منزلا وجمع أثقاله وخط على حواليها خطّا وهو في داخل الخط، ويقول في داخله ثلاثا: الله الله ربي لا شريك له، لم يضره لصّ ولا عدوّ ولا غيره، ويكون مع ثقله في حرز الله، وهو مجرب- اهـ. وتوفي في صفر عام خمسة وتسعين وثمانمائة، ورأى أخوه السنوسي قبل موته في المنام دارا عظيمة فيها فرش مرتفع فقيل له:
هي لأخيك عليّ يدخل فيها عروسا- اهـ. - من الملالي.
٦- علي بن عبّاد التّستريّ البكري الفاسي المغربي: «١» أخذ عن أبي بكر البرجي الفقه، وأسئلة كثيرة عن محمد القوري، وسمع الحديث على عبد الرحمن الثعالبي، ومن تآليفه «لطائف الإشارات في مراتب الأنبياء في السموات»، ولد سنة ثلاثين وثمانمائة.
قال التنبكي: وتأليفه المذكور في كراسة ذكر في آخره أنه فرغ منه في ذي الحجة عام ثمانين وثمانمائة.
٧- أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق «٢» :
الإمام العالم الفقيه، المحدث، الصوفي، الولي، الصالح الزاهد، القطب الغوث العارف بالله، الحاج الرحلة المشهورة شرقا وغربا، ذو التصانيف العديدة، والمناقب الحميدة، والفوائد العتيدة، قد عرف بنفسه وأحواله وشيوخه في كناشته وغيرها، فقال:
ولدت يوم الخميس طلوع الشمس ثامن وعشرين من المحرم سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتوفيت أمي يوم السبت بعده وأبي يوم الثلاثاء بعده كلاهما في سابعي، فبقيت بعين الله بين جدتي الفقيهة أم البنين، فكفلتني حتى بلغت العشر، وحفظت القرآن، وتعلمت صناعة الخرز، ثم نقلني الله بعد بلوغي سادس عشر إلى القراءة، فقرأت «الرسالة» على الشيخين:
على السطي، وعبد الله الفخار قراءة بحث وتحقيق، و «القرآن» على جماعة منهم:
القوري، والزرهوني، وكان رجلا صالحا، والمجاصي، والأستاذ الصغير بحرف نافع، واشتغلت بالتصوف والتوحيد، فأخذت «الرسالة القدسية»، و «عقائد الطوسي» على الشيخ
عبد الرحمن المجدولي، وهو من تلاميذ الأبي، وبعض «التنوير» على القوري، وسمعت عليه البخاري كثيرا، وتفقهت عليه في كل «أحكام عبد الحق الصغرى»، و «جامع الترمذي»، وصحبت جماعة من المباركين لا تحصى كثرة بين قفيه وفقير.
وقال فيه الشيخ ابن غازيّ: صاحبنا الأود الخلاصة الصفي، الفقيه المحدث، الفقير، الصوفي البرنسي، و «برنس»، بنون مضمومة بعد الراء، نسبة إلى عرب بالمغرب، انتهت فهرسته. وقال الحافظ السخاوي: أخذ على القوري، وكتب على «حكم ابن عطاء الله»، وعلى «القرطبية» في الفقه، ونظم «فصول السلمي» - اهـ.
قال التنبكي: ومن شيوخه، كما ذكره هو، الشيخ الإمام عبد الرحمن الثعالبي، والولي إبراهيم التازي، والمشذالي، والشيخ حلولو، والسراج الصغير، والرصاع، وأحمد بن سعيد الحباك، والحافظ التنسي، والإمام السنوسي، وابن زكري، وأبو مهدي عيسى المواسي، وبالمشرق عن جماعة كالنور السنهوري، والحافظ الدميري، والحافظ السخاوي، والقطب أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي، وولي الله الشهاب الأنشيطي في جماعة آخرين. وأما تآليفه: فكثيرة يميل إلى الاختصار مع التحرير، ولا يخلو شيء منها عن فوائد غزيرة، وتحقيقات مفيدة سيما في التصوف، فقد انفرد بمعرفته وجودة التأليف فيه، فمنها شرحان على «الرسالة»، وشرح «إرشاد ابن عسكر»، وشرح «مختصر خليل»، رأيت مواضع منه بخطه عن الأنكحة والبيوع وغيرها، وشرح «الوغليسية»، وشرح «القرطبية»، وشرح «الغافقية»، وشرح «العقيدة القدسية» للغزالي، ونيف وعشرون شرحا على الحكم، وقفت على الخامس عشر والسابع عشر منها، وأخبرني والدي- رحمه الله تعالى- أن بعض المكيين أخبره، أن له عليها أربعا وعشرين شرحا، وشرحان على «حزب البحر»، وشرح «الحزب الكبير» لأبي الحسن الشاذلي، وشرح مشكلاته، وشرح «الحقائق والدقائق» للمقري، وشرح قطع الششتري وشرح «الأسماء الحسنى»، وشرح «المراصد» في التصوف لشيخه ابن عقبة، و «النصيحة الكافية لمن خصّه الله بالعافية». واختصره.
و «إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين»، وكتاب «القواعد في التصوف»، وهذه الثلاثة في غاية النبل والحسن، سيما الأخير لا نظير له. وكتاب «النصح الأنفع والجنة للمعتصم من البدع بالسنة»، وكتاب «عدة المريد الصادق من أسباب المقت في بيان الطريق وذكر حوادث الوقت» كتاب جليل فيه مائة فصل بين فيه البدع التي يفعلها فقراء الصّوفية، وله تعليق لطيف على «البخاري» قدر عشرين كراسا اقتصر فيه على ضبط الألفاظ وتفسيرها، وجزء صغير في علم الحديث، وله رسائل كثيرة لأصحابه مشتملة على حكم
34
ومواعظ وآداب ولطائف التصوف مع الاختصار قلّ أن توجد لغيره، وبالجملة فقدره فوق ما يذكر، ومن تفرغ فذكر حاله وفوائده وحكمه ورسائله جمع منها مجلدا.
وهو آخر أئمة الصوفية المحققين الجامعين لعلمي الحقيقة والشريعة، له كرامات عديدة، وحجّ مرات، وأخذ عنه جماعة من الأئمة، كالشمس اللقاني، والعالم محمد بن عبد الرحمن الحطّاب، والزين طاهر القسنطيني، وغيرهم، وقد أجازني سيدي الشيخ الصوفي أحمد بن أبي القاسم الهروي التادلي ما أجازه شيخه العريف الخروبي تلميذ زروق عنه. توفي ب «تكرين» من عمل «طرابلس»«١» في صفر عام تسعة وتسعين وثمانمائة، ووجدت منسوبا إليه من نظمه قوله: [الطويل]
ألا قد هجرت الخلق طرّا بأسرهم
لعلّي أرى محبوب قلبي بمقلتي
وخلّفت أصحابي وأهلي وجيرتي
وتيّمت نجلي واعتزلت عشيرتي
ووجّهت وجهي للّذي فطر السّما
وأعرضت عن أفلاكها المستنيرة
وعلّقت قلبي بالمعالي تهمّسا
وكوشفت بالتّحقيق من غير مرية
وقلّدت سيف العزّ في مجمع الوغى
وصرت إمام الوقت صاحب رفعة
وملّكت أرض الغرب طرّا بأسرها
وكلّ بلاد الشّرق في طيّ قبضتي
فملّكنيها بعض من كان عارفا
وخلّفني فيها بأحسن سيرتي
فأرفع قدرا ثمّ أخفض رتبة
لأرفع مقدارا بأرفع حكمتي
وأعزل قوما ثمّ أولي سواهم
وأعلي منار البعض فوق المنصّة
وأجبر مكسورا وأشهر خاملا
وأرفع مقدارا بأرفع همّتي
وأقهر جبّارا وأدحض ظالما
وأنظر مظلوما بسلطان سطوتي
وألهمت أسرارا وأعطيت حكمة
وحزت مقامات العلا المستنيرة
أنا لمريدي جامع لشتاته
إذا ما سطا جور الزّمان بنكبة
وإن كنت في كرب وضيق ووحشة
فناد أيا زروق، آت بسرعة
فكم كربة تجلى بمكنون عزّنا
وكم طرفة تجنى بأفراد صحبتى
(١) طرابلس الغرب: بلدة على جانب البحر. ينظر: «مراصد الاطلاع» (٨٨٢).
35
مصنّفات الثّعالبيّ:
لم تحظ أمة من الأمم بمثل ما حظيت به هذه الأمة الإسلامية من تراث تليد، وأثر حميد، ذلك أن علماءها قد ملئوا مكتباتها بكتب وأسفار تحمل في صفحاتها وصحيفاتها كل علم نافع، سواء في الدنيا أو في الآخرة.
ولقد درج الثعالبي- رحمه الله- نفسه ضمن تلك السلسلة المباركة، من شيوخ هذه الأمة، فأخرج لنا نفائس الكتب في مختلف العلوم، إلا أن الذي ذكر لنا في تراجمه لم يكن بالعدد الضخم الذي يبلغ المائة، ولا ما يزيد، مثل ما كان عدد مصنفات ابن الجوزيّ مثلا، فقد قال ابن تيمية عنه: «عددت له ألف مصنف، ثم رأيت بعد ذلك ما لم أر».
وكانت مصنّفات الثعالبي كما يلي:
أولا: في التفسير:
- الجواهر الحسان في تفسير القرآن، وهو هذا الكتاب.
ثانيا: في الفقه:
١- روضة الأنوار، جمعه من نحو من ستين من أمهات الدواوين المعتمدة.
٢- جامع الأمهات في أحكام العبادات.
ثالثا: في الحديث:
١- أربعون حديثا مختارة.
٢- المختار من الجوامع.
رابعا: الرقائق وعلوم الآخرة:
١- الأنوار المضيئة في الجمع بين الشريعة والحقيقة.
٢- العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة.
٣- كتاب النّصائح.
٤- جامع الفوائد.
٥- الدر الفائق في الأذكار.
36
٦- الإرشاد في مصالح العباد.
خامسا: في القراءات:
- شرح منظومة ابن بريّ في قراءة نافع.
سادسا: تهذيب النّفس:
- إرشاد السالك.
سابعا: إعراب القرآن وغريبه:
١- تحفة الأقران في إعراب بعض آي القرآن.
٢- الذهب الإبريز في غريب القرآن العزيز.
ثامنا: في الخصائص النبوية:
- كتاب في معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وقد أثنى العلماء على مصنّفات الثعالبي، فقال السخاوي: «كان إماما علامة، مصنفا... ». ، وفي شجرة النور: له تآليف كثيرة مفيدة.
وبالجملة، فهذا تقييم لأحد مترجمي الإمام الثعالبي، ذكر فيه كتبه وحجمها، ومادتها. قال التنبكي:
وأما تآليفه فكثيرة كتفسيره «الجواهر الحسان» في غاية الحسن، اختصر فيه «ابن عطية» مع فوائد وزوائد كثيرة، و «روضة الأنوار، ونزهة الأخيار»، وهو قدر «المدونة»، فيه لباب من نحو ستين من أمهات الدواوين المعتمدة، وهو خزانة كتب لمن حصله قال:
وجمعته في سنين كثيرة، فيه بساتين وروضات- اهـ.
وكتاب «الأنوار في معجزات النبي المختار» صلى الله عليه وسلم، و «الأنوار المضيئة الجامع بين الحقيقة» في جزء، و «رياض الصالحين» جزء، وكتاب «التقاط الدرر»، وكتاب «الدر الفائق في الأذكار والدعوات»، و «العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة» مجلد ضخم، وشرح «ابن الحاجب» الفرعي في سفرين، جمع فيه نخب كلام ابن رشد وابن عبد السلام وابن هارون وخليل وغرر ابن عرفة مع جواهر «المدونة» وعيون مسائلها في سفرين، وفي آخره جامع كبير نحو عشرة كراريس من القالب الكبير فيه فوائد، و «إرشاد السالك» جزء صغير،
37
و «الأربعون حديثا مختارة»، و «المختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع»، وكتاب «جامع الفوائد»، وكتاب «جامع الأمهات في أحكام العبادات»، وكتاب «النصائح»، وكتاب «تحفة الإخوان في إعراب بعض آي القرآن»، و «الذهب الإبريز في غرائب القرآن العزيز»، وكتاب «الإرشاد في مصالح العباد»، ذكر جميعها في فهرسته.
ثناء العلماء عليه:
نال الإمام الثعالبي ثناء عطرا من أهل العلم، والله (سبحانه) يعلي ذكر المرء في الأمم والأعصار على قدر إخلاصه ونيته.
قال الإمام السخاوي: «وكان إماما مصنفا... وعمل في الوعظ والرقائق وغير ذلك».
وفي «نيل الابتهاج» قال التنبكي: «الشيخ، الإمام، الحجة، العامل، الزاهد، الورع، ولي الله الناصح الصالح، العارف بالله، أبو زيد، شهر بالثعالبي، صاحب التصانيف المفيدة، كان من أولياء الله المعرضين عن الدنيا وأهلها، ومن خيار عباد الله الصالحين، قال السخاوي: كان إماما علامة مصنفا، اختصر تفسير ابن عطية في جزءين، وشرح «ابن الحاجب» الفرعي في جزءين، وعمل في الوعظ والرقائق وغيرها- اهـ.
قال الشيخ زروق: شيخنا الفقيه الصالح والديا عليه أغلب من العلم، يتحرى في النقل أتم التحري، وكان لا يستوفيه في بعض المواضع- اهـ.
قال ابن سلامة البكري: كان شيخنا الثعالبي رجلا صالحا زاهدا عالما عارفا وليا من أكابر العلماء، له تآليف جمة أعطاني نسخة من تفسير «الجواهر» لا بشراء ولا عوض، عاوضه الله بالجنة، وقال غيره: سيدنا ووسيلتنا لربنا الإمام الولي العارف بالله- اهـ.
قلت: وهو ممن اتفق النّاس على صلاحه وإمامته، أثنى عليه جماعة من شيوخه بالقلم والدين والصلاح، كالإمام الأبي، والوليّ العراقي، والإمام الحفيد ابن مرزوق.
وقال في «شجرة النور الزكية» :«الإمام، علم الأعلام، الفقيه، المفسر، المحدث، الراوية، العمدة، الفهامة، الهمام، الصالح، الفاضل، العارف بالله، الواصل. أثنى عليه جماعة بالعلم والصّلاح والدين المتين».
وقال الغزي في «ديوان الإسلام» :«الإمام، الحبر، العلامة».
38
وقال الذّهبيّ في «التفسير والمفسرون» :«الإمام الحجة، العالم العامل، الزاهد، الورع، ولي الله الصالح، العارف بالله، كان من أولياء الله المعرضين عن الدنيا وأهلها، ومن خيار عباد الله الصالحين».
وفاته:
كانت وفاة الثعالبي سنة خمس وسبعين وثمانمائة، كما ذكر تلميذه زروق، وذكره السخاوي في «الضوء اللامع». إلا أن صاحب «شجرة النور الزكية» حكاها على الشّكّ، بين خمس وست وسبعين. رحمه الله رحمة واسعة!!
39
المبحث الثاني التفسير قبل أبي زيد الثعالبي التّفسير والتّأويل
التّفسير لغة:
التفسير في اللغة: الإيضاح والتبيين ومنه قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان: ٣٣] أي: بيانا وتفصيلا، وهو مأخوذ من الفسر، وهو:
الإبانة والكشف.
قال الفيروزآباديّ «١» : «الفسر: الإبانة وكشف المغطى كالتفسير، والفعل كضرب ونصر».
وقال ابن منظور «٢» : «الفسر: البيان، فسر الشيء يفسره- بالكسر- ويفسره- بالضم- فسرا، وفسّره:
أبانه، والتفسير: مثله... والفسر: كشف المغطّى، والتفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل».
وقال أبو حيان «٣» : «... ويطلق التفسير أيضا على التّعرية للانطلاق قال ثعلب: «تقول: فسّرت الفرس: عريته لينطلق في حصره، وهو راجع لمعنى الكشف، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري».
وعلى ذلك: فالمادة تدور حول معنيين «٤» :
الكشف المادّيّ المحسوس، والكشف المعنويّ المعقول.
(١) «القاموس المحيط»«فسر».
(٢) «اللسان» : مادة «فسر».
(٣) «البحر المحيط» ١/ ١٣.
(٤) «التفسير» : معالم حياته- منهجه اليوم- أمين الخولي ص ٥، و «التفسير والمفسرون» / للذهبي ج ١/ ١٥.
40
وقيل: إن أصل الكلمة من التّفسرة، وهي الدليل من الماء ينظر فيه الطّبيب فيكشف عن علّة المريض كما يكشف المفسّر عن شأن الآية وقصّتها «١».
التفسير اصطلاحا:
عرفه السّيوطيّ قائلا «٢» : «هو علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكّيّها ومدنيّها، وبيان محكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصّها وعامّها، ومطلقها ومقيّدها، ومجملها ومفسّرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها، ونحو ذلك».
وعرّفه أبو حيان فقال «٣» : «هو علم يبحث فيه عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفراديّة والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التّركيب وتتمّات ذلك... » وفيه قصور وغموض «٤»...
وتعريف الزركشي أوضح من التعريفين السابقين إذ يقول «٥» : «التفسير: علم يفهم به كتاب الله المنزّل على نبيّه محمّد ﷺ وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة، والنّحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النّزول، والناسخ والمنسوخ».
وهناك تعريفات أخرى- غير ما ذكرنا «٦» - وكلها تتفق «على أن علم التفسير علم يبحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية فهو شامل لكلّ ما يتوقّف عليه فهم المعنى، وبيان المراد»«٧».
(١) «الإتقان في علوم القرآن» / للسيوطي ٢/ ٢٩٤، و «تفسير البغوي» ١/ ١٨ ط المنار، و «اللسان» : فسر.
(٢) «الإتقان» ٢/ ١٧٤.
(٣) «البحر المحيط» ج ١ أو ما بعدها.
(٤) راجع: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير أبو شهبة ص ٤١.
(٥) «البرهان» ج ١/ ٣٣.
(٦) راجع مثلا: «مناهل العرفان في علوم القرآن» ١/ ٤٠٦ ط أولى، و «منهج الفرقان في علوم القرآن» ج ٢/ ٦، «التيسير في قواعد التفسير» / الكافيجي ص ٣، ١١ وغيرها.
(٧) «التفسير والمفسرون» ١/ ١٧.
41
التأويل لغة:
أصله: «من الأول، وهو الرّجوع».
قال الفيروزآباديّ «١» : «آل إليه أولا ومآلا: رجع- وعنه ارتدّ... وأوّل الكلام تأويلا، وتأوّله: دبّره وقدّره وفسّره، والتأويل عبارة الرّؤيا».
وقال ابن منظور «٢» : «الأول: الرّجوع: آل الشّيء يؤول أولا ومآلا: رجع، وأوّل الشّيء: رجعه، وألت عن الشّيء: ارتددت» وفي الحديث: «من صام الدّهر، فلا صام ولا آل» أي: لا رجع إلى خير... وأوّل الكلام وتأوّله: دبّره وقدّره، وأوّله وتأوّله: فسّره».
وعليه:
فالتأويل: إرجاع الكلام إلى ما يحتمله من المعاني.
وقيل: التأويل مأخوذ من الإيالة، وهي السّياسة، فكأنّ المؤوّل ساس الكلام ووضعه في موضعه قال الزمخشري «٣» : «آل الرّعيّة يؤولها إيالة حسنة، وهو حسن الإيالة، وائتالها، وهو مؤتال لقومه مقتال عليهم، أي: سائس محتكم قال زياد في خطبته: قد ألنا وإيل علينا، أي: سسنا وسسنا... ».
وقد ورد لفظ التأويل في القرآن الكريم على معان مختلفة:
من ذلك قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ... [آل عمران: ٧]. بمعنى: التفسير والتعيين.
وقوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: ٥٩] بمعنى: العاقبة والمصير.
وقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ... [الأعراف: ٥٣] وقوله
تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ... [يونس: ٣٩] بمعنى:
وقوع المخبر به.
ومن آيات سورة يوسف «١» أريد بها: نفس مدلول الرؤيا.
ومن آيتي سورة الكهف «٢» بمعنى بيان حقيقة الأعمال الّتي عملها العبد الصالح، وليس تأويل الأقوال «٣».
التأويل اصطلاحا:
التأويل عند السلف له معنيان:
أحدهما: تفسير الكلام وبيان معناه، وبذلك يكون التأويل والتفسير مترادفين، وهذا ما يعنيه «ابن جرير الطبري» في تفسيره حين يقول: «القول في تأويل قوله تعالى... »
وكذا قوله: «اختلف أهل التأويل في هذه الآية... ». فالتفسير والتأويل كلاهما بمعنى.
ثانيهما: هو نفس المراد بالكلام فإن كان الكلام طلبا، كان تأويله نفس الفعل المطلوب، وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به وعليه:
فالتأويل هنا نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أم مستقبلة، فإذا قيل: طلعت الشّمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، وهذا في نظر «ابن تيميّة» هو لغة القرآن التي نزل بها وعلى هذا فيمكن إرجاع كلّ ما جاء في القرآن من لفظ التأويل إلى هذا المعنى الثاني «٤».
أما التأويل عند المتأخّرين من الأصوليين والكلاميّين وغيرهم:
فهو: «صرف اللّفظ عن المعنى الرّاجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به»، وهذا هو التأويل الذي يتكلّمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف «٥».
قال في «جمع الجوامع»«٦» :
«التأويل: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح، فإن حمل عليه لدليل- فصحيح، أو لما يظنّ دليلا من الواقع- ففاسد، أو لا لشيء- فلعب لا تأويل».
الفرق بين التّفسير والتّأويل
اختلف علماء «التفسير» في بيان الفرق بين التفسير والتأويل، ولعل منشأ هذا الخلاف «هو استعمال القرآن لكلمة «التأويل»، ثم ذهاب الأصوليين إلى اصطلاح خاصّ فيها، مع شيوع الكلمة على ألسنة المتكلمين من أصحاب المقالات والمذاهب» «١».
- ومن العلماء من ذهب إلى أنهما بمعنى واحد، ومن هؤلاء: «أبو عبيد القاسم بن سلّام»، وطائفة معه «٢».
- ومنهم من فرق بينهما:
يقول الراغب الأصفهانيّ «٣» : «التفسير أعمّ من التّأويل، وأكثر ما يستعمل التّفسير من الألفاظ، والتأويل في المعاني كتأويل الرؤيا.
والتأويل يستعمل أكثره في الكتب الإلهيّة، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
والتفسير أكثره يستعمل في مفردات الألفاظ، والتّأويل أكثره يستعمل في الجمل فالتفسير: إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ: «كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة»، أو في تبيين المراد وشرحه كقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [البقرة: ٤٣]، وإما في كلام مضمّن بقصّة لا يمكن تصوّره إلا بمعرفتها نحو قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة: ٣٧]، وقوله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها [البقرة: ١٨٩].
وأما التأويل: فإنه يستعمل مرة عامّا، ومرة خاصّا نحو «الكفر» المستعمل تارة في
(١) «التفسير» : معالم حياة- ص ٦.
(٢) «الإتقان» ٢/ ١٧٣، «التفسير والمفسرون» ١/ ٢١ و «الإسرائيليات والموضوعات» ٤٣.
(٣) «التفسير والمفسرون» ١/ ٢١، «نشأة التفسير في الكتب المقدسة والقرآن» / السيد خليل ص ٢٩، نقلا عن: مقدمة التفسير للراغب ص ٤٠٢- ٤٠٣ آخر كتاب «تنزيه القرآن عن المطاعن» للقاضي عبد الجبار.
44
الجحود المطلق، وتارة في جحود الباري خاصّة- و «الإيمان» المستعمل في التصديق المطلق تارة، وفي تصديق دين الحقّ تارة، وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة، نحو لفظ «وجد» المستعمل في الجدّ والوجد والوجود».
وقال أبو طالب الثّعلبيّ «١» : «التفسير: بيان وضع اللفظ إمّا حقيقة أو مجازا كتفسير الصراط بالطّريق، والصّيّب بالمطر، والتأويل: تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول، وهو الرجوع لعاقبة الأمر فالتأويل: إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير: إخبار عن دليل المراد لأنّ اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل، مثال قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الفجر: ١٤] تفسيره:
أنه من الرّصد يقال: رصدته إذا رقبته، والمرصاد: مفعال منه، وتأويله: التّحذير من التهاون بأمر الله، والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه».
وقال البغويّ «٢» : «التأويل: هو صرف الآية إلى معنى محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط.
والتفسير: هو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصّتها».
وقيل: التفسير: ما يتعلق بالرواية، والتأويل: ما يتعلق بالدراية» «٣» يقول الكافيجيّ «٤» : «... إن علم التفسير علم يبحث فيه عن أحوال كلام الله المجيد، من حيث إنه يدلّ على المراد بحسب الطاقة البشرية، وينقسم إلى قسمين:
تفسير: وهو ما لا يدرك إلا بالنّقل أو السماع، أو بمشاهدة النّزول وأسبابه، فهو ما يتعلّق بالرواية ولهذا قيل: إن التفسير للصحابة.
وتأويل: وهو ما يمكن إدراكه بقواعد العربيّة، فهو ما يتعلّق بالدراية ولهذا قيل: إن التأويل للفقهاء، فالقول من الأوّل بلا نقل أو سماع خطأ وكذا القول من الثاني بمجرّد
التشهّي، وأما استنباط المعاني على قانون اللّغة فمما يعدّ فضلا وكمالا».
وقد رجّح المرحوم الدكتور الذهبي هذا الرأي، وعلّل ذلك بقوله «١» : «وذلك لأن التّفسير معناه: الكشف والبيان، والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله ﷺ أو عن بعض أصحابه، الذين شهدوا نزول الوحي، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله ﷺ ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.
«وأما التأويل: فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللّفظ بالدليل، والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويتوصّل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب، واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربيّة، واستنباط المعاني من كلّ ذلك».
وهذا هو ما نميل إليه.
حاجة النّاس إلى التّفسير
نزل القرآن الكريم لغرضين أساسيّين:
أولهما: ليكون معجزة فلا يقدر البشر على أن يأتوا بمثله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: ٨٨]، ولا بسورة من مثله: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس: ٣٨].
ثانيهما: ليكون منهج حياة، ودستورا للمسلمين، فيه صلاحهم وفلاحهم إذ تكفّل بكلّ حاجاتهم من أمور الدين والدنيا: عقائد، وأخلاق، وعبادات، ومعاملات... إلخ.
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: ٥٧].
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الاسراء: ٨٢]، ففي اتباعه الهداية، وفي الإعراض عنه الشقاء والضّنك فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
(١) «التفسير والمفسرون» ١/ ٢٣.
46
ْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى
[طه: ١٢٣- ١٢٦].
وبه مخرج الأمّة من أزماتها، ونجاتها من الفتن يقول علي- كرم الله وجهه-:
قلت: يا رسول الله، ستكون فتن، فما المخرج منها؟.
قال صلى الله عليه وسلم: «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، هو حبل الله المتين، والذّكر الحكيم، والصّراط المستقيم، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرّدّ، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به أفلح، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم».
- ولكي يكون معجزا ويتأتّى تحدّيه للبشر.
- ولكي يتأتّى اتخاذه دستورا ومنهج حياة..
- ولكي يتدبّر المؤمنون آياته... «١».
ولكي يستطيع المسلمون العرب الانطلاق بالدعوة «٢».. لكلّ هذا جاء القرآن عربيّا.
وكان القوم- «عند نزوله- سواء من هو حجّة له من المؤمنين الصادقين، ومن هو حجّة عليه من الكافرين الجاحدين- يفهمونه ويحيطون بمعانيه إفرادا وتركيبا فيتلقّون دعوته، ويدركون مواعظه، ويعون تحدّيه بالإعجاز بين مذعنين، يقولون: آمنّا به، ومعاندين يلحدون في آياته، ويمعنون في معارضته كيدا وليّا بألسنتهم وطعنا في الدين.
«فما كان منهم من تعذّر عليه فهمه، ولا من خفيت عليه مقاصده ومعانيه، بل كان وضوح معانيه، ويسر فهمه، هو الأصل فيما قام حوله من صراع بين مؤمن يجد فيه شفاء نفسه، وانشراح صدره، وكافر ينقبض لقوارع آياته فلا يزال يدفعها بالإعراض والمعارضة، والدفاع والمقارعة، وكان ذلك هو الأصل أيضا في تكوّن الأمّة المحمّدية، وتولّد التاريخ الإسلاميّ»«٣».
(١) قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ....
(٢) قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ....
(٣) «التفسير ورجاله» / محمد الفاضل بن عاشور ص ٧- ٨.
47
يقول ابن خلدون «١» : «إنّ القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلّهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه».
وقد سبقه أبو عبيدة معمر بن المثنّى حين قال «٢» : «إنما نزل القرآن بلسان عربيّ مبين فلم يحتج السلف، ولا الذين أدركوا وحيه، إلى النبيّ ﷺ أن يسألوا عن معانيه لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص».
إلا أن هذا الإطلاق يعارضه قول عمر بن الخطّاب للرسول ﷺ «٣» : «يا رسول الله، إنّك تأتينا بكلام من كلام العرب، وما نعرفه، ولنحن العرب حقّا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ ربّي علّمني فتعلّمت، وأدّبني فتأدّبت».
كما يعارضه صريح القرآن إذ يقول تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤].
نعم.. إن هناك ألفاظا لم تستطع بعض القبائل العربيّة معرفتها، ربّما لعدم استعمالهم لها، أو لاحتمال اللفظ عدّة معان، وكذا بعض آيات أشكل عليهم فهم معناها وذلك كسؤالهم النبيّ ﷺ لما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: ٨٢]، فقالوا: وأيّنا لم يظلم؟ وفزعوا إلى النبيّ ﷺ فبيّن لهم أنّ المراد بالظّلم الشرك واستدلّ عليه بقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٤» [لقمان: ١٣].
ولو صح ما ذهب إليه ابن خلدون وأبو عبيدة، لما كانت حاجة الصحابة إلى تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم. لكنّ تفسير الرسول للقرآن، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة، بيانا لمعنى
(١) المقدمة ص ٣٦٧ ط الأزهرية سنة ١٩٣٠.
(٢) «مجاز القرآن» - ط ثانية- دار الفكر.
(٣) «البرهان في علوم القرآن» للزركشي ١/ ٢٨٤ ط الحلبي تحقيق أبو الفضل إبراهيم، وقال الصيرفي:
ولست أعرف إسناد هذا الحديث، وإن صح، فقد دل على أن النبي ﷺ قد عرف ألسنة العرب.
(٤) «الإتقان» للسيوطي ٢/ ٣٣٠ و «البرهان» للزركشي ١/ ١٤.
48
لفظ، أو توضيحا لمشكل، أو تأكيدا لحكم، أو تفصيلا لمجمل، أو تخصيصا لعامّ، أو تقييدا لمطلق... إلخ.
وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- حراصا على حفظ القرآن، وفهم معانيه، وفقه أحكامه...
قال أبو عبد الرحمن السّلميّ: «حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي ﷺ عشر آيات، لم يتجاوزوها حتّى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن، والعلم، والعمل جميعا».
وإذا كان العرب الخلّص الذين لم تعكّر عربيّتهم عجمة- يحتاجون إلى التّفسير، فنحن أولى وأحوج، بل وأشدّ حاجة إلى تفسير القرآن الكريم إذ صار البون بعيدا بين العرب والفصحى.
يقول السّيوطيّ «١» : «ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه، وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم، فنحن أشدّ احتياجا إلى التفسير».
والحاجة إلى التفسير «إنّما هي حاجة عارضة نشأت من سببين:
السبب الأول: هو أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما كان نزوله وتبليغه في ظرف زمنيّ متسع جدّا قدره أكثر من عشرين عاما، فكان ينزل منجّما على أجزاء مع فواصل زمنيّة متراخية بين تلك الأجزاء، وكان نزوله في تقدم بعض أجزائه وتأخّر البعض الآخر، على ترتيب يختلف عن ترتيبه التعبّديّ لأنّ ترتيب تاريخ النزول كان منظورا فيه إلى مناسبة الظروف والوقائع، مناسبة ترجع إلى ركن من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وترتيب التلاوة أو الترتيب التعبدي، كان منظورا فيه إلى تسلسل المعاني وتناسب أجزاء الكلام بعضها مع بعض،... والترتيب الأوّل مؤقّت زائل بزوال ملابساته من الوقائع والأزمنة والأمكنة.
(١) «الإتقان» ٢/ ٢٩٦- ٢٩٧.
49
أما ترتيب التلاوة التعبديّ فباق لأنه في ذات الكلام، يدركه كلّ واقف عليه وتال له من الأجيال المتعاقبة، بينما الترتيب التاريخيّ لا يدركه إلا شاهد العيان لتلك الملابسات من الجيل الذي كان معاصرا لنزول القرآن... وكان انقراض تلك الملابسات الوقتية محوجا إلى معرفتها معرفة نقلية تصوّرية، ليتمكّن الآتون من استعمال القرائن والأحوال، التي اهتدى بها إلى معاني التراكيب القرآنية سابقوهم.
وأما السبب الثاني: فهو أنّ دلالات القرآن الأصليّة، التي هي واضحة بوضوح ما يقتضيه من الألفاظ والتراكيب- تتبعها معان تكون دلالة التراكيب عليها محلّ إجمال أو محلّ إبهام إذ يكون الترتيب صالحا على الترديد لمعان متباينة، يتصوّر فيها معناه الأصليّ ولا يتبيّن المراد منها، كأن يقع التعبير عن ذات بإحدى صفاتها، أو يكنى عن حقيقة بإحدى خواصّها، أو أحد لوازمها... فينشأ عن ذلك إجمال يتطلّب بيانا، أو إبهام يتطلّب تعيينا... ولما كان الذين اتصلوا أوّلا بتلك المجملات أو المبهمات أو المطلقات قد رجعوا إلى المبلّغ ﷺ في طلب بيانها أو تعيينها أو تقييدها فتلقّوا عند ما أفادهم فاطلعوا بأن الذين أتوا بعدهم احتاجوا إلى معرفة تلك الأمور المأثورة عن النبيّ ﷺ لتتّضح لهم تلك المعاني كما اتضحت لمن قبلهم... » «١».
وبذا تبيّن أن التفسير نشأ منذ بدء الوحي إذ احتاج إليه الصحابة، ثم زادت حاجة التابعين إلى التفسير، ولا سيّما ما رآه الصحابة وسمعوه من الرسول ﷺ ولم يتمكّنوا هم من رؤيته ولا سماعه... ثم اشتدّت حاجة تابعي التابعين.
وهكذا كلّما بعد الناس عن عصر نزوله، زادت الحاجة إلى التفسير بمقدار ما زاد من غموض «٢»...
فهم الصّحابة للقرآن الكريم
نزل القرآن عربيّا على رسول عربيّ، وقوم عرب هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ... [الجمعة: ٢]، فكانوا أخبر بلغتهم، وفهموا القرآن حقّ فهمه، وقد يشكل عليهم فهم آية منه فيرجعون إلى القرآن نفسه، فقد يجدون فيه توضيحا أو تفصيلا، وإلا رجعوا إلى النبيّ ﷺ ليفسّر لهم ما أشكل عليهم...
وكان الصحابة يجتهدون في فهم القرآن الكريم مستعينين على ذلك ب «١» :
١- معرفة أوضاع اللّغة وأسرارها.
٢- معرفة عادات العرب.
٣- معرفة أحوال اليهود والنصارى في الجزيرة وقت نزول القرآن.
٤- قوّة الفهم، وسعة الإدراك.
وبدهيّ أن يتفاوت الصحابة في توافر هذه الأدوات عندهم. وبالتّالي في فهم القرآن الكريم فلم يكونوا جميعا في مرتبة واحدة، ومن هنا كان الاختلاف اليسير بينهم في تفسير القرآن الكريم.
ومن ذلك:
- ما روي «من أن الصحابة فرحوا حين نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] لظنّهم أنها مجرّد إخبار وبشرى بكمال الدين، ولكنّ عمر بكى وقال: ما بعد الكمال إلّا النّقص، مستشعرا نعي النبيّ ﷺ وقد كان مصيبا في ذلك إذ لم يعش النبيّ ﷺ بعدها إلا واحدا وثمانين يوما كما روي»«٢».
- وفيه ما رواه البخاريّ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال «٣» : «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر. فكأنّ بعضهم وجد في نفسه، وقال: لم يدخل هذا معنا، وإنّ لنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من أعلمكم، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر: ١] ؟
فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذ نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم، ولم يقل شيئا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟
فقلت: لا، فقال: ما تقول؟
قلت: هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله له، قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
(١) راجع «التفسير والمفسرون» ١/ ٥٩ وما بعدها.
(٢) «الموافقات» للشاطبي ج ٣/ ٣٨٤، «التفسير والمفسرون» ١/ ٦١، ٦٢. [.....]
(٣) «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» ٨/ ٥١٩، / باب التفسير، وكذا «أسد الغابة».
51
[النصر: ١] فذلك علامة أجلك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر: ٣] فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول».
- وقال ابن عباس «١» : «كنت لا أدري ما فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: ١]، حتّى أتاني أعرابيّان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها يقول: أنا ابتدأتها».
أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة
عدّ السّيوطيّ عددا من مفسّري القرآن من الصحابة ذكر منهم:
الخلفاء الأربعة، وابن عبّاس، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعريّ، وعبد الله بن الزّبير رضي الله عنهم.
أما الخلفاء الثلاثة الأول، فالرواية عنهم في التفسير قليلة جدّا وذلك بسبب تقدّم وفاتهم، ولا نشغالهم بمهامّ الخلافة «٢».
١- عليّ بن أبي طالب:
وأما عليّ- كرّم الله وجهه- فهو أكثرهم تفسيرا للقرآن وذلك لأنه لم يشغل بالخلافة، وإنما كان متفرّغا للعلم حتّى نهاية عصر عثمان...
وكثرة مرافقته للرسول صلى الله عليه وسلم، وسكناه معه، وزواجه من ابنته فاطمة إلى جانب ما حباه الله من الفطرة السليمة... كلّ ذلك أورثه العلم الغزير حتّى قالت عائشة رضي الله عنها «٣» : «أما إنّه لأعلم النّاس بالسّنّة» في زمن كان الصحابة- رضي الله عنهم- متوافرين.
وروى معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطّفيل قال: «شهدت عليّا يخطب، وهو يقول: سلوني فو الله، لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله فو الله، ما من آية إلّا أنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل».
وقيل لعطاء: أكان في أصحاب محمّد أعلم من عليّ؟
(١) «الإتقان» ٢/ ١١٣.
(٢) «الإسرائيليات والموضوعات في التفسير» ٨٤، و «التفسير والمفسرون» للذهبي ١/ ٦٤، ٦٥.
(٣) «الاستيعاب» ٣/ ١١٠٤، و «أسد الغابة» ٤/ ٢٩.
52
قال: لا، والله لا أعلمه.
وقال ابن مسعود: «إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظّاهر والباطن»«١».
نموذج من تفسير عليّ- رضي الله عنه- للقرآن:
قال في تفسير قوله تعالى: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً [التوبة: ١٢٤] : إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلّما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض، حتّى يبيضّ القلب كلّه، وإنّ النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلّما ازداد النفاق ازداد بذلك السّواد، حتّى يسودّ القلب كلّه، وايم الله، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتّموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتّموه أسود» «٢».
٢- عبد الله بن مسعود:
هو: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمح، وقيل «شمخ»... ينتهي نسبه إلى مضر، يكنى بأبي عبد الرحمن، وأمّه: أمّ عبد بنت عبد ودّ من هذيل، وكان يقال له: ابن أمّ عبد.
أسلم قديما قبل عمر بن الخطّاب، وكان سبب إسلامه: حين مرّ به رسول الله ﷺ وأبو بكر- رضي الله عنه- وهو يرعى غنما، فسألاه لبنا فقال: إنّي مؤتمن، قال: فأخذ رسول الله ﷺ عناقا لم ينز عليها الفحل، فاعتقلها، ثم حلب وشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضّرع: أقلص، فقلص، فقلت: علّمني من هذا الدّعاء، فقال: إنّك غلام معلّم...
الحديث «٣».
كان عبد الله من أحفظ الصحابة لكتاب الله وأقرئهم له، وكان ﷺ يطلب منه أن يقرأه عليه، فقال له يوما: اقرأ عليّ سورة النّساء، قال ابن مسعود: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري، يقول: فقرأت عليه، حتّى بلغت: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] ففاضت
عيناه ﷺ «١».
وكان ﷺ يقول: «من سرّه أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد»«٢» وكان ابن مسعود حريصا على فهم القرآن الكريم يروي الطبريّ وغيره عن ابن مسعود أنه قال: «كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ، وعن مسروق قال «٣» : قال عبد الله بن مسعود: «والّذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل لركبت إليه».
وطرق الرواية عن ابن مسعود متعدّدة، وأصحّ هذه الطرق ما جاء من «٤» :
١- طريق الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن ابن مسعود.
٢- طريق مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود.
٣- طريق الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
وهذه الطرق الثلاثة أخرج منها البخاريّ في صحيحه.
وهناك طرق أخرى ك:
١- طريق السّدّيّ الكبير عن مرّة الهمذانيّ عن ابن مسعود أخرج منها الحاكم في مستدركه، وابن جرير في تفسيره- كثيرا.
٢- طريق أبي روق عن الضّحّاك عن ابن مسعود، وهي طريق غير مرضيّة أخرج منها ابن جرير في تفسيره أيضا، وهي منقطعة لأن الضّحّاك لم يلق ابن مسعود.
وكان لابن مسعود تلاميذ كثير في الكوفة، وكان عمر- رضي الله عنه- لمّا ولّى عمّار بن ياسر على الكوفة سيّر معه عبد الله بن مسعود معلّما ووزيرا، فجلس الكوفيّون إليه وتعلّموا منه.
(١) «البداية والنهاية» ٧/ ١٦٩.
(٢) «مسند الإمام أحمد» ١/ ٧.
(٣) «صحيح البخاري» - كتاب الفضائل/ باب مناقب عبد الله بن مسعود.
(٤) «التفسير والمفسرون» للذهبي ١/ ٨٧، ٨٨.
54
ويقول العلماء:
إن ابن مسعود هو الذي وضع الأساس لطريقة الاستدلال، وقد أثرت هذه الطريقة في مدرسة التفسير، فكثر التفسير بالرأي والاجتهاد «١»، وسوف يأتي ذكر تلاميذه عند حديثنا عن تفسير التابعين.
٣- أبيّ بن كعب:
هو: أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجّار، سيّد القرّاء «٢»، كنيته: أبو المنذر أو أبو الطّفيل.
شهد بيعة العقبة مع السّبعين من الأنصار، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أحد المشهورين بحفظ القرآن من الصحابة، وبإقرائه قال فيه عمر بن الخطاب: «أبيّ أقرؤنا»«٣».
وهو أحد الذين تلمذ عليهم «ابن عبّاس» يقول ابن عباس «٤» : «ما حدّثني أحد قطّ حديثا فاستفهمته، فلقد كنت آتي باب أبيّ بن كعب، وهو نائم، فأقيل على بابه، ولو علم بمكاني لأحبّ أن يوقظ لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنّي أكره أن أملّه».
كان أبيّ يكتب في مصحفه أشياء ليست من القرآن الكريم مما يعدّ شرحا، أو تفسيرا، أو سببا لنزول، أو مما نسخ، وكان يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله ﷺ «٥»، فمن ذلك مثلا: دعاء القنوت «٦».
وكان من أعلم الصحابة بكتاب الله وذلك لعدّة عوامل:
أنه كان من كتّاب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم.
أنه كان حبرا من أحبار اليهود العارفين بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها.
(١) المصدر السابق ١/ ١٢٠.
(٢) «تهذيب التهذيب» ١/ ١٨٧، «غاية النهاية في طبقات القراء» ١/ ٣١. «أسد الغابة» ١/ ٤٩- ٥١.
(٣) رواه البخاري، وانظر «طبقات القراء للذهبي» ٦/ ٦٢٩ وكذا شهد له النبي صلى الله عليه وسلم. [.....]
(٤) «طبقات ابن سعد» ٢/ ٣٧١.
(٥) «تاريخ الإسلام» للذهبي ٢/ ٢٨.
(٦) راجع «الإتقان» ١/ ٦٦.
55
وقد تعدّدت طرق الرواية عنه، وأشهر هذه الطّرق:
١- طريق أبي جعفر الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنس، عن أبي العالية، عنّ أبيّ، وهي طريق صحيحة، أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا، وأخرج الحاكم منها في مستدركه، والإمام أحمد في مسنده.
٢- طريق وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل، عن الطّفيل بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده، وهي على شرط الحسن «١».
وتلاميذ أبيّ كثير منهم: أبو العالية، وزيد بن أسلم، ومحمّد بن كعب القرظيّ وغيرهم، ويعدّ أبيّ بن كعب أستاذ مدرسة التفسير في المدينة.
٤- عبد الله بن عبّاس «٢» : هو:
عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم
يلتقي مع الرسول ﷺ في الجدّ الأول (عبد المطلب)، فهو ابن عمّ رسول الله.
ولد إبّان المقاطعة الاقتصادية الّتي فرضتها قريش على بني المطّلب، أيّ: قبل الهجرة بثلاث سنوات.
لازم ابن عبّاس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنّ الرسول توفّي ولابن عباس من العمر ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة.
وقد حظي ابن عبّاس بدعوة رسول الله له حين قال صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ، علّمه الكتاب والحكمة».
وفي رواية: «اللهمّ، فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل».
واستجيبت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان عبد الله بن عبّاس «ترجمان القرآن» يقول ابن مسعود: «نعم ترجمان القرآن ابن عبّاس» وذلك لبراعته في التفسير، كما لقّب بالحبر لغزارة علمه، وبالبحر كذلك.
(١) راجع «التفسير والمفسرون» ١/ ٩٢، ٩٣.
(٢) بعض الكتب التي تترجم للمفسرين من الصحابة تقدم ابن عباس على سائر الصحابة لتفوقه في هذا العلم، وبعضها ترجئه بعد الثّلاثة السابقين لتقدمهم في السن عليه وحداثته بينهم.
56
وإذا كان ابن عبّاس قد فاته طول الصّحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد استعاض عن ذلك بملازمة كبار الصحابة، يسألهم، ويتعرّف أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك.
يقول ابن عبّاس «١» : «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطّاب عن المرأتين من أزواج النبيّ ﷺ اللّتين قال الله فيهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ [التحريم: ٤]، ولم أزل أتلطّف له حتّى عرفت أنهما حفصة وعائشة».
ويقول: «وجدت عامّة حديث رسول الله ﷺ عند الأنصار فإنّي كنت لآتي الرّجل، فأجده نائما، لو شئت أن يوقظ لي لأوقظ، فأجلس على بابه تسفي على وجهي الرّيح، حتّى يستيقظ متى ما استيقظ، وأسأله عمّا أريد ثمّ أنصرف».
لقد تلمذ ابن عبّاس على رسول الله ﷺ أوّلا، فكان الرسول يعلّمه ويربّيه، قال له يوما: «يا غُلاَمُ، إنِّي أُعَلِّمَكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهِ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّه، وإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، واعْلَم أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لم يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّه لَكَ، وإن اجْتَمَعُوا عَلَى أن يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف».
وفي خلافة عمر كان لابن عبّاس تقدير خاصّ عنده، فكان يدنيه من مجلسه، رغم حداثة سنّه- كما ذكرنا.
وقد أفاد ابن عبّاس من هؤلاء الذين يعدّون بمثابة شيوخه:
عمر بن الخطّاب، وأبيّ بن كعب، وعليّ بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، روى عبد الرزّاق عن معمر قال «٢» : «عامّة علم ابن عبّاس من ثلاثة: عمر وعليّ وأبيّ بن كعب».
وذكر ابن الأثير الجزريّ في ترجمة ابن عبّاس أنه «٣»«حفظ المحكم في زمن
النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم عرض القرآن على أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت، وقيل: إنّه قرأ على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه».
لقد أوتي ابن عبّاس علما غزيرا جعله أبرز المفسّرين، وأتمّهم اضطلاعا بالتفسير حتّى إنه «لم يبق عند منتصف القرن الأوّل من الهجرة من بين الصحابة وغيرهم إلّا مذعن لابن عبّاس، مسلّم له مقدرته الموفّقة، وموهبته العجيبة، وعلمه الواسع في تفسير القرآن»«١».
لقد امتلك ابن عبّاس أدوات المفسّر فكان عالما بأسرار العربيّة يحفظ الكثير من الشّعر القديم، ويحثّ النّاس على النّظر فيه قائلا «٢» : «إذا تعاجم شيء من القرآن، فانظروا في الشّعر فإنّ الشّعر عربيّ».
وهو القائل «٣» : «الشّعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الّذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا ذلك منه».
وقد ذكر السّيوطيّ بسنده حوارا دار بين نافع بن الأزرق وابن عبّاس فقال «٤» :
بينا عبد الله بن عبّاس جالس بفناء الكعبة، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر:
قم بنا إلى هذا الذي يجترىء على تفسير القرآن بما لا علم له به، فقاما إليه، فقالا:
إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسّرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب فإنّ الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربيّ مبين، فقال ابن عبّاس: سلاني عما بدا لكما، فقال نافع:
أخبرني عن قول الله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [المعارج: ٣٧].
قال: العزون: حلق الرّفاق.
(١) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ١٦.
(٢) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ١٧.
(٣) «الإتقان» ١/ ١١٩، «غاية النهاية في طبقات القراء» ٤٢٦.
(٤) «الإتقان» ١/ ١٢٠.
58
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول: [الوافر]
فجاءوا يهرعون إليه حتّى
يكونوا حول منبره عزينا
قال: أخبرني عن قوله: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة: ٣٥].
قال: الوسيلة: الحاجة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أما سمعت عنترة وهو يقول: [الكامل]
إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة
إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
إلى آخر المسائل وأجوبتها «١».
وهي إن دلّت فإنما تدلّ على سعة علمه بلغة العرب، وقوّة ذاكرته مما جعله إمام التّفسير في عهد الصحابة، ومرجع المفسّرين في الأعصر التالية لعصره، وهو إمام مدرسة التفسير في مكّة، وأوّل من ابتدع الطريقة اللّغويّة في تفسير القرآن.
طرق الرواية عن ابن عبّاس:
تعدّدت طرق الرواية عن ابن عباس، واختلفت تلك الطّرق وأشهر هذه الطّرق وأصحّها «٢» :
١- طريق الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاس، وتعدّ هذه الطريق من السلاسل الذهبيّة، وقد أخرج منها ابن جرير الطبريّ، وعبد الرّزاق في تفسيرهما.
٢- طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح- وعن عكرمة أحيانا- عن ابن عباس، وقد أخرج منها عبد الرّزّاق في تفسيره.
٣- طريق معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس... وقالوا:
(١) راجعها في «الإتقان» ١/ ١٢٠ وما بعدها.
(٢) راجع: «الإتقان» ٢/ ١٨٨، «التفسير والمفسرون» ١/ ٧٧، ٨٨، «حبر الأمة عبد الله بن عباس» ص ١٨٢. [.....]
59
إن هذه أجود الطّرق عنه، وفيها قال الإمام أحمد- رضي الله عنه- «إنّ بمصر صحيفة في التّفسير رواها عليّ بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا».
وقال الحافظ ابن حجر: «وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب اللّيث، رواها عن معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس، وهي عند البخاريّ عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه فيما يعلّقه عن ابن عباس».
٤- طريق عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس.
وهناك طرق أخرى تلي هذه الطّرق... «١».
وكان لابن عبّاس مدرسة في التفسير بمكّة، فكان يجلس لأصحابه من التابعين يفسّر لهم كتاب الله تعالى.
يقول الإمام ابن تيميّة. «أما التفسير، فأعلم النّاس به أهل مكّة لأنهم أصحاب ابن عبّاس كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وغيرهم من أصحاب ابن عبّاس كطاوس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وأمثالهم..»«٢».
قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة
بعض المحدّثين يعطي التفسير المأثور عن الصحابيّ حكم المرفوع ومن هؤلاء الإمام الحاكم في «مستدركه» إذ يقول «٣» : «ليعلم طالب الحديث أنّ تفسير الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل- عند الشيخين- حديث مسند».
ولكن قيد ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما هذا الإطلاق بما يرجع إلى أسباب النّزول، وما لا مجال للرّأي فيه.
(١) راجع: «حبر الأمة عبد الله بن عباس» ١٤٦ وما بعدها.
(٢) «مقدمة في أصول التفسير» ص ١٥.
(٣) راجع: «تدريب الراوي» ص ٦٤، «التفسير والمفسرون» للذهبي ١/ ٩٤.
60
يقول ابن الصّلاح «١» : «ما قيل من أنّ تفسير الصحابيّ حديث مسند، فإنما ذلك في تفسير يتعلّق بسبب نزول آية يخبر به الصّحابيّ، أو نحو ذلك مما لا يمكن أن يؤخذ إلّا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا مدخل للرأي فيه كقول جابر- رضي الله عنه-: كانت اليهود تقول:
من أتى امرأة من دبرها في قبلها، جاء الولد أحول فأنزل الله عزّ وجلّ:
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ... [البقرة: ٢٢٣] الآية، فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى الرسول ﷺ فمعدودة في الموقوفات».
وذكروا أن تفسير الصحابيّ له حكم المرفوع إذا لم يكن للرأي فيه مجال، وأما ما يكون للرأي فيه مجال، فله حكم الموقوف.
وما حكم عليه بالوقف:
قال بعض العلماء: لا يجب الأخذ به لأنه مجتهد فيه، وقد يصيب وقد يخطىء.
وقال بعضهم:
يجب الأخذ به لأنه: إما سمعه من الرسول، وإما فسّره برأيه، وهم أدرى النّاس بكتاب الله، وهم أهل اللسان، ولما شاهدوه من القرائن والأحوال، ولا سيّما ما ورد عن الأئمّة الأربعة وابن مسعود وابن عبّاس وغيرهم «٢».
يقول الزركشيّ «٣» : «اعلم أنّ القرآن قسمان: قسم ورد تفسيره بالنّقل، وقسم لم يرد، والأوّل: إما أن يرد عن النبيّ ﷺ أو الصحابة، أو رءوس التابعين، فالأوّل: يبحث فيه عن صحّة السّند، والثاني: ينظر فيه تفسير الصحابيّ: فإن فسّره من حيث اللغة، فهم أهل اللسان فلا شكّ في اعتماده، أو بما شاهدوه من الأسباب والقرائن فلا شكّ فيه... ».
ويقول الحافظ ابن كثير «٤» : «.. وحينئذ: إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السّنّة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصّحابة فإنّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصّوا بها، ولما لهم
(١) مقدمة «ابن الصلاح» ص ٢٤.
(٢) «التفسير والمفسرون» ص ٩٥ (بتصرف).
(٣) «البرهان» ٢/ ١٨٣.
(٤) مقدمة «تفسير ابن كثير» / الجزء الأول.
61
من الفهم التامّ والعلم الصحيح والعمل الصالح، ولا سيّما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمّة الأربعة، والخلفاء الراشدين، والأئمة المهديّين، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم».
مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس
١- سعيد بن جبير:
هو «١» : سعيد بن جبير بن هشام الأسديّ، مولى بني والبة، يكنى بأبي محمّد «٢» أو بأبي عبد الله «٣»، كان حبشيّ الأصل، أسود اللّون، أبيض الخصال «٤».
هو أحد كبار التابعين، وإمام من أئمّة الإسلام في التّفسير.
كان في أوّل أمره كاتبا لعبد الله بن عتبة بن مسعود، ثم لأبي بردة الأشعريّ، ثم تفرّغ للعلم حتّى صار إماما علما «٥».
أخذ العلم عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن مغفّل المزنيّ وغيرهم، وتخرّج من مدرسة ابن عبّاس «٦».
وكان ابن عباس يثق بعلمه، ويحيل عليه من يستفتيه، وكان يقول لأهل الكوفة إذا أتوه ليسألوه عن شيء: أليس فيكم ابن أمّ الدّهماء؟! يعني: سعيد بن جبير «٧».
وكان يحبّ أن يسمع منه، قال له مرّة: حدّث، فقال: أحدّث، وأنت هنا؟ فقال:
أليس من نعمة الله عليك أن تحدّث، وأنا شاهد فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علّمتك «٨» ؟!
(١) ترجمته في: «طبقات ابن سعد» ٦/ ٢٥٦، «تقريب التهذيب» ١/ ٢٩٢، و «فيات الأعيان» ١/ ٢٠٤، «تهذيب التهذيب» ٤/ ١١، «البداية والنهاية» ٩/ ١٠٣، «الأعلام» ٣/ ١٤٥.
(٢) «طبقات ابن سعد»، و «البداية والنهاية» وغيرهما.
(٣) «طبقات ابن سعد»، و «البداية والنهاية» وغيرهما.
(٤) «التفسير والمفسرون» ١/ ١٠٤.
(٥) «الإسرائيليات والموضوعات» ٩٥.
(٦) «الإسرائيليات والموضوعات» ٩٥.
(٧) «التفسير والمفسرون» ١/ ١٠٥. [.....]
(٨) «طبقات ابن سعد» ٦/ ٢٥٧، و «وفيات الأعيان» ١/ ٢٠٤.
62
مكانته في التّفسير: كان- رضي الله عنه- من أعلم التابعين بالقراءات يقول إسماعيل بن عبد الملك «١» :«كان سعيد بن جبير يؤمّنا في شهر رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت، وليلة بقراءة غيره، وهكذا أبدا».
وساعدته معرفته بالقراءات على معرفة معاني القرآن وأسراره، ومع ذلك كان يتورّع من القول في التفسير برأيه.
يروي ابن خلّكان «٢» :«أن رجلا سأل سعيدا أن يكتب له تفسير القرآن، فغضب، وقال: لأن يسقط شقّي أحبّ إليّ من ذلك».
وقد شهد له التابعون بتفوّقه في العلم، ولا سيّما التفسير قال قتادة «٣» :«وكان أعلم النّاس أربعة، كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتّفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسّير، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام».
وقال سفيان الثّوريّ «٤» :«خذوا التّفسير عن أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، والضّحّاك».
وقال خصيف «٥» :«كان من أعلم التابعين بالطّلاق سعيد بن المسيّب، وبالحجّ عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتّفسير أبو الحجّاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كلّه سعيد بن جبير».
نموذج من تفسيره: قال سعيد بن جبير: السّبع المثاني هي: البقرة وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس قال: وسمّيت بذلك لأنها بينت فيها الفرائض والحدود «٦».
قتله:
قتل- رضي الله عنه- سنة أربع وتسعين من الهجرة، قتله الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ
صبرا وذلك: أن سعيد بن جبير خرج على الخليفة مع ابن الأشعث، فلما قتل ابن الأشعث وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب سعيد، فلحق بمكّة، وكان واليها خالد بن عبد الله القسريّ، فأخذه وبعث به إلى الحجّاج، فقال له الحجّاج: ما أسمك؟ قال:
سعيد بن جبير.
قال: بل أنت شقيّ بن كسير، قال: بل أمّي كانت أعلم باسمي منك.
قال: شقيت أنت وشقيت أمّك، قال: الغيب يعلمه غيرك.
قال: لأبدّلنّك بالدّنيا نارا تلظّى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتّخذتك إلها.
قال: فما قولك في محمّد؟ قال: نبيّ الرحمة، وإمام الهدى.
قال: فما قولك في عليّ؟ أهو في الجنّة أو هو في النار؟ قال: لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها «١».
قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل.
قال: فأيّهم أعجب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقهم.
قال: وأيّهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم.
قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين، والطين تأكله النّار؟! قال: فما بالنا نضحك؟ قال: لم تستو القلوب.
ثم أمر الحجّاج باللّؤلؤ والزّبرجد والياقوت، فجمعه بين يديه، فقال سعيد:
إن كنت جمعت هذا لتتّقي به من فزع يوم القيامة، فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كلّ مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدّنيا إلّا ما طاب وزكا، ثمّ دعا الحجّاج بالعود والنّاي، فلمّا ضرب بالعود، ونفخ بالنّاي بكى سعيد.
فقال: ما يبكيك هو اللّعب؟
قال سعيد: هو الحزن: أما النفخ، فذكّرني يوما عظيما، يوم النّفخ في الصّور، وأما
(١) هذه رواية المحاجّة بين سعيد والحجاج، أمّا نحن فننزّه سعيدا عن هذا الرد، ونجزم بكون عليّ من أهل الجنة.
64
العود، فشجرة قطعت من غير حقّ، وأما الأوتار، فمن الشّاء تبعث معها يوم القيامة.
قال الحجّاج: ويلك يا سعيد! قال: لا ويل لمن زحرح عن النّار وأدخل الجنّة! قال الحجاج: اختر يا سعيد أيّ قتلة أقتلك.
قال: اختر لنفسك يا حجّاج فو الله، لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة! قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت، فلا براءة لك ولا عذر.
قال الحجّاج: اذهبوا به فاقتلوه، فلمّا خرج، ضحك، فأخبر الحجّاج بذلك فردّه، وقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلم الله عليك.
فأمر بالنّطع فبسط، وقال: اقتلوه! فقال سعيد: وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض، حنيفا وما أنا من المشركين.
قال: وجّهوا به لغير القبلة، قال سعيد: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة ١١٥].
قال: كبّوه لوجهه، قال سعيد: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [طه: ٥٥].
قال الحجّاج: اذبحوه! قال سعيد: أما إنّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خذها منّي حتّى تلقاني بها يوم القيامة، ثمّ دعي سعيد فقال: اللهمّ لا تسلّطه على أحد يقتله بعدي.
وكان الحجّاج إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه، ويقول: يا عدوّ الله، فيم قتلتني؟
فيقول الحجّاج: ما لي ولسعيد بن جبير؟! ما لي ولسعيد بن جبير؟ «١».
ذكر عن الإمام أحمد أنه قال «٢» :
قتل سعيد بن جبير، وما على وجه الأرض أحد إلّا وهو محتاج- أو قال: مفتقر- إلى علمه.
٢- مجاهد بن جبر:
هو: مجاهد بن جبر، أبو الحجّاج القرشيّ المخزوميّ، مولى السّائب بن أبي السّائب المخزوميّ، ولد سنة ٢١ هـ- في خلافة عمر بن الخطاب، وتوفي سنة ١٠٣ هـ «١».
أحد أئمّة التابعين والمفسّرين، وأحد أعلام القرّاء، ومن خاصّة أصحاب ابن عبّاس، اشتهر بقوّة حافظته حتى قال ابن عمر وهو آخذ بركابه: «وددت أنّ ابني سالما وغلامي يحفظان حفظك»«٢».
كان مجاهد شغوفا بالعلم، وخاصّة التفسير، روى الفضل بن ميمون عن مجاهد قال «٣» : عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة.
ويقول أيضا «٤» : عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات، أقف عند كلّ آية، أسأله، فيم نزلت، وكيف كانت؟
ولا تعارض بين الرّوايتين، فالأولى لتمام الضّبط والتجويد، والثانية للعلم والتفسير.
أسند مجاهد عن أعلام الصحابة وعلمائهم، عن ابن عمر، وابن عبّاس، وأبي هريرة، وابن عمرو، وأبي سعيد، ورافع بن خديج... وروى عنه خلق من التابعين «٥».
مكانته في التّفسير: كان مجاهد أقلّ أصحاب ابن عبّاس رواية عنه في التفسير، وكان أوثقهم.
قال سفيان الثّوريّ «٦» :«إذا جاءك التّفسير عن مجاهد، فحسبك به».
وقال ابن تيميّة «٧» :«ولذا يعتمد على تفسيره الشافعيّ والبخاريّ وغيرهما من أهل العلم» غير أن بعض العلماء كان لا يأخذ بتفسيره يقول أبو بكر بن عيّاش: قلت للأعمش، ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ أو: ما بالهم يتّقون تفسير مجاهد؟
قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب «١».
لكن هذا لا يقدح في صدقه وعدالته فقد «أجمعت الأمّة على إمامته والاحتجاج به، وقد أخرج له أصحاب الكتب السّتّة»«٢».
ثم إنّ سؤال أهل الكتاب أمر مباح- فيما لا يتعلّق بحكم تشريعيّ- أباحه الرسول ﷺ «٣».
كان مجاهد- رضي الله عنه- يعطي عقله حرّيّة واسعة في فهم بعض نصوص القرآن التي يبدو ظاهرها بعيدا فإذا ما مرّ بنصّ قرآنيّ من هذا القبيل، وجدناه ينزّله بكلّ صراحة ووضوح على التشبيه والتمثيل، وتلك الخطّة كانت فيما بعد مبدأ معترفا به، ومقرّرا لدى المعتزلة في تفسير القرآن بالنسبة لمثل هذه النصوص» «٤».
نموذج من تفسير مجاهد: روى ابن كثير أن مجاهدا قال في قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [لقمان: ٢٠]، قال: أما الظاهرة: فالإسلام والقرآن والرسول والرّزق، وأما الباطنة: فما ستر من العيوب والذنوب «٥».
وقال في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: ١١] قال:
من لم يتب إذا أصبح وإذا أمسى، فهو من الظّالمين «٦».
٣- عكرمة:
هو: عكرمة بن عبد الله البربريّ المدنيّ، مولى عبد الله بن عبّاس، يكنى بأبي عبد الله، أصله من البربر بالمغرب «٧».
سمع من مولاه «ابن عبّاس»، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدريّ، وغيرهم «٨».
(١) «طبقات ابن سعد» ٥/ ٤٦٦.
(٢) «سير أعلام النبلاء» ٤/ ٣٢٤.
(٣) يقول صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
(٤) «التفسير والمفسرون» ١/ ١٠٨.
(٥) «البداية والنهاية» ٩/ ٢٣٤.
(٦) «البداية والنهاية» ٩/ ٢٣٤.
(٧) «طبقات ابن سعد» ٥/ ٢٨٧، «وفيات الأعيان» ١/ ٣١٩، «البداية والنهاية» ٩/ ٢٥٤، «الأعلام» ٥/ ٤٣.
(٨) «طبقات ابن سعد» ٥/ ٢٨٧.
67
تلمذ على يدي عبد الله بن عبّاس، وكان ابن عبّاس لا يألو جهدا في تثقيفه وتعليمه، بل إنّه كان يقسو عليه حتّى يعلّمه، روى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال «١» : «كان ابن عبّاس يجعل في رجليّ الكبل يعلّمني القرآن والسّنّة».
وروى البخاريّ في صحيحه عن عكرمة أن ابن عباس قال له «٢» : «حدّث النّاس كلّ جمعة مرّة، فإن أبيت فمرّتين، فإن أكثرت فثلاث مرّات، ولا تملّ النّاس هذا القرآن، ولا ألفينّك تأتي القوم، وهم في حديث من حديثهم فتقصّ عليهم، فتقطع عليهم حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدّثهم، وهم يشتهونه، وانظر السّجع من الدّعاء فاجتنبه فإنّي عهدتّ رسول الله ﷺ وأصحابه لا يفعلون ذلك».
لقد اهتمّ ابن عبّاس بتلميذه هذا اهتماما كبيرا وكأنّه كان يعدّه ليكون خليفته في تفسير القرآن، وكان يكافئه إذا ما أحسن فهم آية أشكلت على ابن عبّاس.
روى داود بن أبي هند عن عكرمة قال:
قرأ ابن عبّاس هذه الآية: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً [الأعراف: ١٦٤] قال ابن عبّاس: لم أدر أنجا القوم أم هلكوا؟ قال: فما زلت أبيّن له حتّى عرف أنهم نجوا، فكساني حلّة «٣».
قال شهر بن حوشب: «عكرمة حبر هذه الأمّة»«٤».
وقد شهد له الأئمّة الأعلام بالثّقة والعدالة.
قال المروزيّ: قلت لأحمد: يحتجّ بحديث عكرمة؟ فقال: نعم، يحتجّ به «٥».
وقال ابن معين: إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وفي حمّاد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام «٦».
(١) «البداية والنهاية» ٩/ ٢٥٥، والكبل: القيد.
(٢) «ميزان الاعتدال» ٣/ ٩٣.
(٣) «طبقات ابن سعد» ٥/ ٢٨٨. [.....]
(٤) «ميزان الاعتدال» ٣/ ٩٣، مقدمة فتح الباري ص ٤٥٠.
(٥) «مقدمة فتح الباري» ص ٣٤٠.
(٦) «معجم الأدباء» ١٢/ ١٨٩.
68
وقال البخاريّ: ليس أحد من أصحابنا إلّا وهو يحتجّ بعكرمة «١».
وقد أخرج له: البخاريّ ومسلم وأبو داود والنّسائيّ.
علمه ومكانته في التّفسير: كان عكرمة على درجة كبيرة من العلم، فهو من أعلم النّاس بالسّير والمغازي.
قال سفيان عن عمرو قال «٢» :
كنت إذا سمعت عكرمة يحدّث عن المغازي كأنه مشرف عليهم ينظر كيف يصفّون ويقتتلون، وهو من علماء زمانه بالفقه والقرآن.
أما التفسير، فقد شهد له الأئمة بذلك، يقول الشّعبيّ: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة «٣».
وقال حبيب بن أبي ثابت:
اجتمع عندي خمسة: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء فأقبل مجاهد، وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلّا فسّرها لهما، فلمّا نفذ ما عندهما جعل يقول:
أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا «٤».
نموذج من تفسير عكرمة: قال عكرمة في قوله تعالى: وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي:
بالشهوات، وَتَرَبَّصْتُمْ بالتوبة، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ أي: التّسويف، حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: الموت، وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد: ١٤] : الشّيطان «٥».
وتوفّي عكرمة- رضي الله عنه- بالمدينة سنة سبع ومائة للهجرة، وقيل: سنة أربع ومائة «٦».
٤- طاوس:
هو: طاوس بن كيسان الخولانيّ، أبو عبد الرّحمن.
أوّل طبقة أهل اليمن من التابعين، وهو من أبناء الفرس الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن «١».
أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم، وروايته عن ابن عبّاس أكثر، وأخذه عنه في التفسير أكثر من غيره ولهذا عدّ من تلاميذ ابن عبّاس، وجاء ذكره في مدرسته بمكّة «٢».
روى عنه خلق من التابعين، منهم: مجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، وغيرهم «٣»، شهد له ابن عبّاس بالورع والتقوى، فقال: «إنّي لأظنّ طاوسا من أهل الجنّة»«٤». وطاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب السّتّة.
كان طاوس- رضي الله عنه- جريئا في الحقّ، لا يخشى فيه لومة لائم.
روى الزّهريّ «٥» :
أنّ سليمان رأى رجلا يطوف بالبيت، له جمال وكمال، فقال: من هذا يا زهريّ؟
فقلت: هذا طاوس، وقد أدرك عدّة من الصحابة، فأرسل إليه سليمان، فأتاه، فقال:
لو ما حدّثتنا!! فقال: حدّثني أبو موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أهون الخلق على الله عزّ وجلّ من ولي من أمور المسلمين شيئا فلم يعدل فيهم»، فتغيّر وجه سليمان، فأطرق طويلا، ثم رفع رأسه إليه، فقال: لو ما حدّثتنا!! فقال: حدّثني رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب: ظننت أنه أراد عليّا- قال: دعاني رسول الله ﷺ إلى طعام في مجلس من مجالس قريش، ثم قال:
إنّ لكم على قريش حقّا، ولهم على النّاس حقّ، ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا ائتمنوا أدّوا، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين،
لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا».
قال: فتغيّر وجه سليمان، وأطرق طويلا، ثم رفع رأسه إليه، وقال: لو ما حدّثتنا!! فقال: حدّثني ابن عبّاس أنّ آخر آية نزلت من كتاب الله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: ٢٨١].
علمه: بلغ طاوس من العلم مبلغا عظيما، وكان واثقا من علمه هذا...
أنكر عليه سعيد بن جبير قوله عن ابن عبّاس: «إنّ الخلع طلاق»، فلقيه مرّة فقال له: «لقد قرأت القرآن قبل أن تولد، ولقد سمعته وأنت إذ ذاك همّك لقم الثّريد».
وقال قيس بن سعد: «كان طاوس فينا مثل ابن سيرين فيكم».
والتفسير المأثور عنه قليل جدّا، ومعظمه يرويه عن ابن عباس، ولقلّة التفسير المأثور عنه وطول باعه في الفقه قالوا عنه: إنّه فقيه لا مفسّر، وعدّه علماء الفقه فقيها.
نموذج من تفسيره: قال في قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ... [الروم: ٣٩] الآية: «هو الرّجل يعطي العطيّة، ويهدي الهديّة، ليثاب أفضل من ذلك، ليس فيه أجر ولا وزر».
وقد توفّي طاوس- رضي الله عنه- يوم السابع من ذي الحجة سنة ١٠٦ هـ، ووافته منيته وهو يحجّ بيت الله الحرام، وصلّى عليه هشام بن عبد الملك، وهو خليفة.
٥- عطاء بن أبي رباح:
هو: عطاء بن أبي رباح، وأبو رباح هو: أسلم بن صفوان، مولى آل أبي ميسرة بن أبي حثيم الفهريّ «١».
سيّد التابعين علما وعملا وإتقانا في زمانه بمكّة «٢».
قال ابن سعد «٣» :
سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسود، أعور، أفطس، أشلّ، أعرج، ثمّ عمي بعد ذلك، وكان ثقة، فقيها، عالما، كثير الحديث.
قال أبو جعفر الباقر وغير واحد «١» :
ما بقي أحد في زمانه أعلم بالمناسك منه، وزاد بعضهم: وكان قد حجّ سبعين حجّة، وعمّر مائة سنة، وكان في آخر عمره يفطر في رمضان من الكبر والضّعف، ويفدي عن إفطاره.
روى عن عدد كثير من الصحابة، منهم: ابن عمر، وابن عمرو، وعبد الله بن الزّبير، وأبو هريرة، وغيرهم.
وسمع من ابن عبّاس التفسير وغيره، وروى عنه من التابعين عدّة، منهم: الزّهري، وعمرو بن دينار، وقتادة، والأعمش، وغيرهم «٢».
مكانته في التّفسير: كان ابن عبّاس يقول لأهل مكّة إذا جلسوا إليه: تجتمعون إليّ يأهل مكّة، وعندكم عطاء؟ «٣».
وقال قتادة «٤» :
كان أعلم التابعين أربعة: كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسّير، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام.
لم يكن عطاء مكثرا من رواية التّفسير عن ابن عبّاس فضلا عن تفسيره هو، ولعلّ إقلاله في التفسير يرجع إلى تحرّجه من القول بالرّأي «٥».
قال عبد العزيز بن رفيع «٦» : سئل عطاء عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ قال: إني أستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي.
لكنّه كان يدلي برأيه- أحيانا- في التفسير.
روى الطبرانيّ- بسنده- عن يحيى بن ربيعة الصّنعانيّ قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول في قوله تعالى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل: ٤٨] قال: كانوا يقرضون الدّراهم، قيل: كانوا يقصّون منها ويقطعونها «١».
وقيل لعطاء: إن هاهنا قوما يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقال: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: ١٧]، فما هذا الهدى الذي زادهم؟ قلت: ويزعمون أن الصلاة والزكاة ليستا من دين الله، فقال: قال تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥] فجعل ذلك دينا «٢».
وتوفّي- رضي الله عنه- سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة «٣».
وبعد:
فهذه هي مدرسة التّفسير بمكّة، تلك التي أسّسها حبر الأمّة عبد الله بن عبّاس، وهؤلاء أشهر شيوخها الذين تخرّجوا فيها على يدي ابن عبّاس، وفي نهاية مطافنا معها نرصد ما يلي:
كان لهذه المدرسة دور ضخم في نشر التفسير، وقد هيأ لها هذا الدّور: نبوغ شيوخها، بالإضافة إلى موطن المدرسة «مكّة» حيث البيت الحرام الذي يأتيه الناس من كلّ فجّ عميق.
لم يكتف شيوخ هذه المدرسة بنشر التفسير في مكّة، وإنما كان لهم دور بالغ الأهمية خارج مكّة فقد كان لسعيد بن جبير رحلة إلى الرّيّ نشر فيها الكثير من العلم «٤»، وكذلك كان لمجاهد رحلات خارج مكّة، واستقر طاوس باليمن ينشر هناك علم ابن عباس وتفسيره، وأما عكرمة فقد طاف البلاد الإسلاميّة شرقا وغربا إذ رحل إلى خراسان، واليمن، والعراق، والشّام، ومصر، والحرمين «٥».
(١، ٢) «البداية والنهاية» ٩/ ٣١٨، ٣١٩.
(٣) «المصدر نفسه» ٩/ ٣١٧.
(٤) راجع: «حبر الأمة عبد الله بن عباس» ص ١٤٥.
(٥) راجع: «وفيات الأعيان» ١/ ٣١٩، «معجم الأدباء» ١٢/ ١٨١، «البداية والنهاية» ٩/ ٢٥٤.
73
جزى الله هؤلاء الأعلام عن القرآن والمسلمين خير الجزاء.
مدرسة المدينة تلاميذ أبيّ بن كعب
قامت مدرسة المدينة في التفسير على الصحابيّ الجليل أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- فهو أستاذها وأشهر مفسّريها.
وكان بالمدينة كثير من الصحابة، أقاموا بها، فجلسوا إلى أبيّ يعلمهم كتاب الله وسنّته، ومن أشهر هؤلاء:
١- أبو العالية:
هو: زياد، وقيل: رفيع بن مهران الرّياحيّ، مولاهم «١».
مخضرم، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبيّ ﷺ بسنتين.
روى عن: عليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس. وابن عمر، وأبيّ بن كعب، وغيرهم.
كان من ثقات التابعين، وقد أجمع عليه أصحاب الكتب السّتّة.
كان يحفظ القرآن ويتقنه، قال: «قرأت القرآن بعد وفاة نبيّكم بعشر سنين».
وقال: «قرأت القرآن على عهد عمر ثلاث مرّات».
وقال فيه ابن أبي داود: «ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبي العالية».
رويت عنه نسخة كبيرة في التفسير، رواها أبو جعفر الرازيّ عن الرّبيع بن أنس عن أبي العالية عن أبيّ، وهو إسناد صحيح.
توفّي سنة تسعين من الهجرة، على أرجح الأقوال.
(١) راجع: «تهذيب التهذيب» ٣/ ٢٨٤- ٢٨٥، و «مقدمة فتح الباري» ص ٤٢٢، وانظر: «التفسير والمفسرون» ١/ ١١٦، ١١٧. [.....]
74
٢- محمّد بن كعب القرظيّ:
هو: محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرظيّ، المدنيّ، أبو حمزة، أو أبو عبد الله، له روايات كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم:
عليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس، وغيرهم، وروى عن أبيّ بن كعب بالواسطة «١».
قال فيه ابن سعد «٢» : كان ثقة، عالما، كثير الحديث، ورعا، وهو من رجال الكتب السّتّة.
قال فيه ابن عون «٣» :
ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظيّ:
نموذج من تفسيره «٤» : قال في قوله تعالى:... اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا... :
اصبروا: على دينكم، وصابروا: لوعدكم الذي وعدتم، ورابطوا عدوّكم الظاهر والباطن، وَاتَّقُوا اللَّهَ: فيما بيني وبينكم، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: ٢٠٠] إذا لقيتموني.
توفي سنة مائة وثمان من الهجرة «٥»، وقيل: بعد ذلك.
٣- زيد بن أسلم:
هو «٦» : زيد بن أسلم العدويّ، المدنيّ، الفقيه، المفسّر، أبو أسامة، أو أبو عبد الله.
كان أبوه مولى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
وكان زيد من كبار التّابعين الذين عرفوا القول بالتفسير.
قال فيه الإمام أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنّسائيّ: «ثقة»، وهو عند أصحاب الكتب السّتّة.
عرف بغزارة العلم، كان يقرأ القرآن برأيه، ولا يتحرّج من ذلك، إذ يرى جواز التّفسير بالرّأي.
وأشهر من أخذ التّفسير عن زيد بن أسلم من علماء المدينة: ابنه عبد الرّحمن بن زيد، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة.
وتوفّي سنة ستّ وثلاثين ومائة للهجرة، وقيل غير ذلك.
مدرسة العراق تلاميذ عبد الله بن مسعود
قامت هذه المدرسة على عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه عنه- وغيره، إلا أنّ ابن مسعود هو أشهر أساتذتها أو هو أستاذها الأوّل لطول باعه في هذا الميدان، بالإضافة إلى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حين ولّى عمّار بن ياسر على الكوفة، سيّر معه عبد الله بن مسعود، معلّما ووزيرا، فجلس إليه أهل الكوفة وأخذوا عنه أكثر من غيره.
ومن أهمّ سمات هذه المدرسة: شيوع طريقة الاستدلال فيها: نظرا إلى أنّ أهل العراق عرفوا بأنهم أهل الرّأيّ، وقد وضع حجر الأساس لهذه الطريقة عبد الله بن مسعود «١».
ومن أشهر رجال هذه المدرسة:
١- علقمة بن قيس:
هو: علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك، أبو شبل، النّخعيّ، الكوفيّ.
كان من أكابر أصحاب ابن مسعود وعلمائهم، وكان يشبّه بابن مسعود، وكان أعلم أصحابه بعلم ابن مسعود «٢».
قال عثمان بن سعيد: «قلت لابن معين: علقمة أحبّ إليك أم عبيدة؟ فلم يخيّر، قال عثمان: كلاهما ثقة، وعلقمة أعلم بعبد الله».
وروى عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: ما أقرأ شيئا ولا أعلمه إلّا علقمة
يقرؤه ويعلمه.
قال فيه الإمام أحمد: ثقة من أهل الخير، وهو عند أصحاب الكتب الستّة.
مات سنة إحدى وستين، وقيل: سنة اثنتين وستّين عن تسعين سنة «١».
٢- مسروق:
هو: مسروق بن الأجدع بن مالك بن أميّة الهمدانيّ، الكوفيّ، العابد، أبو عائشة.
سأله عمر يوما عن اسمه، فقال له: اسمي مسروق بن الأجدع، فقال عمر: الأجدع شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن «٢».
روى عن الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وغيرهم.
وكان أعلم أصحاب ابن مسعود، وأكثرهم أخذا منه، قال عليّ بن المدينيّ: ما أقدّم على مسروق أحدا من أصحاب عبد الله، يعني: ابن مسعود.
وقال الشّعبيّ: ما رأيت أطلب للعلم منه.
وقد وثّقه علماء الجرح والتّعديل فقال ابن معين:
ثقة، لا يسأل عن مثله، وقال ابن سعد: «كان ثقة، وله أحاديث صالحة»، وقد أخرج له الستة.
توفّي- رضي الله عنه- سنة ثلاث وستّين من الهجرة على الأشهر «٣».
٣- عامر الشّعبيّ:
هو: عامر بن شراحيل الشّعبيّ، الحميريّ، الكوفيّ، التّابعيّ الجليل أبو عمرو.
قاضي الكوفة «٤».
كان علّامة أهل الكوفة، إماما حافظا، ذا فنون.
وقد أدرك خلقا من الصحابة وروى عنهم، ومنهم: عمر، وعليّ، وابن مسعود، وإن لم يسمع منهم، وروى عن أبي هريرة، وعائشة، وابن عبّاس، وأبي موسى الأشعريّ، وغيرهم.
قال الشّعبيّ: أدركت خمسمائة من الصحابة.
والشّعبيّ ثقة، فهو عند أصحاب الكتب السّتّة، وقال ابن حبّان في الثقات: كان فقيها شاعرا.
وعن سليمان بن أبي مجلز قال: ما رأيت أحدا أفقه من الشّعبيّ، لا سعيد بن المسيّب، ولا طاوس، ولا عطاء، ولا الحسن، ولا ابن سيرين.
وقال ابن سيرين:
قدمت الكوفة، وللشّعبيّ حلقة، وأصحاب رسول الله ﷺ يومئذ كثير «١».
ومع أنه قد أوتي هذا الحظّ الوافر من العلم، لم يكن جريئا على كتاب الله حتّى يقول فيه برأيه قال ابن عطية «٢» :
كان جلّة من السلف كسعيد بن المسيّب، وعامر الشّعبيّ يعظّمون تفسير القرآن، ويتوقّفون عنه تورّعا واحتياطا لأنفسهم، مع إدراكهم وتقدّمهم.
توفّي سنة أربع ومائة من الهجرة «٣»، وقيل: سنة تسع ومائة.
٤- الحسن البصريّ:
هو: الحسن بن أبي الحسن يسار البصريّ، أبو سعيد، مولى الأنصار، وأمّه خيرة مولاة أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، ربّي في حجرها، وأرضعته بلبانها، فعادت عليه بركة النّبوّة «٤».
(١) راجع لهذه الأقوال: «تهذيب التهذيب»، «البداية والنهاية»، و «التفسير والمفسرون».
(٢) «مقدمة تفسير القرطبي» ١/ ٣٤. [.....]
(٣) «البداية والنهاية» ٩/ ٢٣٩.
(٤) «تهذيب التهذيب» ٢/ ٢٦٣- ٢٧٠، «البداية والنهاية» ٩/ ٢٨٠، «الحسن البصري» للإمام أبي الفرج بن الجوزي- هدية مجلة الأزهر/ محرم ١٤٠٨ هـ.
78
ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطّاب.
وهو أحد كبار التابعين الأجلّاء علما وعملا وإخلاصا، شهد له بالعلم خلق كثير.
قال أنس بن مالك: «سلوا الحسن فإنّه حفظ ونسينا»، وقال سليمان التّيميّ: «الحسن شيخ أهل البصرة»، وروى أبو عوانة عن قتادة أنه قال: «ما جالست فقيها قطّ إلّا رأيت فضل الحسن عليه».
وكان أبو جعفر الباقر يقول عنه: «ذلك الّذي يشبه كلامه كلام الأنبياء»«١».
وقد التزم الحسن البصريّ بمنهجه السّلفيّ في تفسير الآيات المتعلّقة بالله وصفاته، ولم يمنعه هذا الالتزام من حرّيّة العقل حين تعرّض لغيرها يقول في تفسير قوله تعالى:
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر: ٤٩]، قدّر الله لكلّ شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له، وهذه هي عقيدة السّلف التي بنوها على ما تعلّق بالآية من سبب لنزولها، فعن أبي هريرة قال:
جاءت مشركو قريش إلى النبيّ ﷺ يخاصمونه في القدر، فنزلت هذه الآية: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر: ٤٩] «٢».
وكان الحسن يعمل عقله وفكره في فهم القرآن وتفسيره يقول في قوله تعالى:
لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً [النبأ: ٢٣] : «إنّ الله لم يجعل لأهل النّار مدّة، بل قال: لابثين فيها أحقابا، فو الله، ما هو إلّا أنّه إذا مضى حقب دخل آخر ثمّ آخر إلى الأبد، فليس للأحقاب عدّة إلّا الخلود»«٣».
وتوفّي- رحمه الله- سنة عشر ومائة من الهجرة عن ثمان وثمانين سنة.
٥- قتادة:
هو: قتادة بن دعامة السّدوسيّ: الأكمه، أبو الخطّاب، عربيّ الأصل، كان يسكن البصرة.
أحد علماء التّابعين، والأئمّة العاملين، روى عن أنس بن مالك وجماعة من التابعين، منهم: سعيد بن المسيّب، وأبو العالية، وزرارة بن أوفى، وعطاء، ومجاهد، وابن سيرين، ومسروق، وأبو مجلز، وغيرهم «١».
وحدّث عنه جماعات من الكبار كالأعمش، وشعبة، والأوزاعيّ، وغيرهم.
وكان قويّ الحافظة، واسع الاطّلاع في الشّعر العربيّ، بصيرا بأيّام العرب.
كان قتادة على مبلغ عظيم من العلم، فضلا عما اشتهر به من معرفته لتفسير كتاب الله تعالى، وقد شهد له بذلك كبار التّابعين والعلماء.
قال فيه سعيد بن المسيّب: «ما أتاني عراقيّ أحسن من قتادة».
وقد استخدم قتادة معرفته باللّغة العربية في التفسير، وأعمل فكره في تفهّم الآيات، بجانب روايته عن السّلف.
وقد توفّي- رضي الله عنه- سنة سبع عشرة ومائة من الهجرة، عن ستّ وخمسين سنة على المشهور، وقيل: سنة خمس عشرة ومائة «٢».
وبعد:
فهذه هي مدارس التفسير المشهورة في عصر التابعين، الذين تلقّوا غالب أقوالهم في التفسير عن الصحابة، وبعضهم استعان بأهل الكتاب، ثم اجتهدوا مستعينين على ذلك بما بلغوا من العلم ودقّة الفهم، وقرب عهدهم من الرسول صلى الله عليه وسلم، والعرب الخلّص، فلم تفسد سليقتهم.
وهناك مدارس أخرى غير هذه المدارس الثّلاث، ولكنّها لم ترق لشهرة هذه الثلاث، ومن هذه: مدرسة مصر التي اشتهر من شيوخها:
يزيد بن حبيب الأزديّ، وأبو الخير مرثد بن عبد الله، وغيرهما.
ومدرسة اليمن التي أرسى دعائمها طاوس بن كيسان، وكان من أشهر شيوخها:
وهب بن منبّه الصّنعانيّ.
وهكذا بذل هؤلاء التابعون جهدا ضخما في حمل الأمانة عن الصحابة، ثم جاء تابعو التّابعين ليكملوا المسيرة، وظلّت تتوارث حتّى وصلت إلينا، فجزى الله كلّ من أسهم في هذا العلم خير الجزاء، ونفعنا الله بالقرآن وعلومه!!
قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين
تفسير التّابعيّ: إما أن يكون مأثورا عن النبيّ ﷺ أو عن صحابته، أو لا، فإن كان مأثورا عن النبيّ، يأخذ حكم تفسيره صلى الله عليه وسلم، وكذلك إن كان مأثورا عن الصحابة.
وإن لم يكن مأثورا عن النبيّ ولا عن الصحابة، فقد اختلف العلماء في الرّجوع إليه والأخذ بأقوال التابعين فيه.
فقد نقل عن أبي حنيفة أنّه قال «١» :
ما جاء عن رسول الله ﷺ فعلى الرّأس والعين، وما جاء عن الصّحابة تخيّرنا، وما جاء عن التّابعين فهم رجال، ونحن رجال.
ونقلوا عن الإمام أحمد روايتين، إحداهما: بالقبول، والأخرى: بعدم القبول «٢».
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤخذ بتفسير التابعين لأنهم لم يسمعوا من النبيّ ﷺ بخلاف تفسير الصّحابة الذين سمعوا من النبيّ ﷺ وشاهدوا القرائن والأحوال.
وأكثر المفسّرين على الأخذ بأقوال التابعين لأنهم تلقوا على أيدي الصحابة كما سبق أن ذكرنا.
والرّأي الذي نرجّحه، ونميل إليه هو ما ذكره ابن تيميّة، قال «٣» : «قال شعبة بن الحجّاج وغيره: أقوال التابعين ليست حجّة، فكيف تكون حجّة في التفسير!! يعني أنها لا تكون حجّة على غيرهم ممّن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجّة، فإن اختلفوا، فلا يكون قول بعضهم حجّة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك».
(١) راجع: «التفسير والمفسرون» للذهبي ١/ ١٢٩.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) «مقدمة في أصول التفسير» ابن تيمية ٢٨- ٢٩، «الإتقان في علوم القرآن» ٢/ ١٧٩.
81
سمات التّفسير في تلك المرحلة
أتّسم التفسير في تلك المرحلة بعدّة سمات، من أبرزها «١» :
أنه اعتمد على التلقّي والرواية، وغلب على التلقّي والرواية طابع الاختصاص، فكان لكلّ بلد مدرسته وأستاذه، فمكّة: أستاذها ابن عبّاس، والمدينة: أستاذها أبيّ بن كعب، والعراق: أستاذه ابن مسعود، وهكذا.
دخول أهل الكتاب في الإسلام كان سببا في تسلّل الدّخيل إلى علم التفسير، وقد تساهل التابعون في النّقل عنهم- فيما لا يتعلّق بالأحكام الشرعية- بدون تحرّ ونقد، وأكثر من روي عنه في ذلك من مسلمي أهل الكتاب:
عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبّه، وغيرهم.
كان بدهيّا أن يختلف التابعون في التفسير نظرا لتعدّدهم وكثرتهم، واختلاف مدارسهم التي تخرّجوا فيها، ولكنه خلاف ليس بالكثير إذا ما قيس بالعصور اللاحقة.
كما ظهرت نواة الخلاف المذهبيّ إذ ظهرت بعض التفسيرات تحمل في طيّاتها بذورا لتلك المذاهب.
التّفسير في عصر التّدوين
تبدأ هذه المرحلة في أواخر العصر الأمويّ وأوائل العصر العباسيّ إذ انتشر التدوين بصورة واسعة، وعني العرب «بتدوين كلّ ما يتّصل بدينهم الحنيف، فقد تأسّست في كلّ بلدة إسلامية مدرسة دينية عنيت بتفسير الذّكر الحكيم، ورواية الحديث النبويّ، وتلقين الناس الفقه وشئون التشريع، وكان كثير من المتعلّمين في هذه المدارس يحرصون على تدوين ما يسمعونه... »«٢».
تدوين التّفسير: اختلف في أوّل من ألّف تفسيرا «مكتوبا»، فبعضهم يذكر أن عبد الملك بن جريج «٣» (ت ١٤٩ هـ.) هو أوّل من ألّف تفسيرا مكتوبا.
(١) راجع: «التفسير والمفسرون» ١/ ١٣١، ١٣٢.
(٢) «تاريخ الأدب العربي» / العصر الإسلامي د. شوقي ضيف ٤٥٢.
(٣) هو عبد الملك عبد العزيز بن جريج، أبو خالد، أو أبو الوليد، مولاهم، من علماء مكة ومحدثيها، ولد سنة ٨٠ هـ، توفي سنة ١٤٩ هـ، أول من صنف بالحجاز الكتب، نقل عنه ابن جرير في تفسيره.
راجع «طبقات ابن سعد».
82
وذكر ابن النّديم: أن أبا العبّاس ثعلبا قال: كان السّبب في إملاء كتاب الفرّاء في المعاني أنّ عمر بن بكير كان من أصحابه، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل، فكتب إلى الفرّاء: إنّ الأمير الحسن بن سهل، ربّما سألني عن الشّيء بعد الشّيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا، أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه، فعلت، فقال الفرّاء لأصحابه: اجتمعوا حتّى أملي عليكم كتابا في القرآن... فقال الفرّاء لرجل: اقرأ بفاتحة الكتاب نفسّرها، ثم نوفي الكتاب كلّه، فقرأ الرجل وفسّر الفرّاء، قال أبو العبّاس: «لم يعمل أحد قبله مثله، ولا أحسب أنّ أحدا يزيد عليه»«١».
وبذلك يكون ابن النّديم قد عدّ «الفرّاء» أوّل من ألّف تفسيرا للقرآن مدوّنا.
ولكن ابن حجر يذكر أن التفسير المدوّن كان قبل الفرّاء وقبل ابن جريج إذ يقول «٢» : «وكان عبد الملك بن مروان (ت ٨٦ هـ.) سأل سعيد بن جبير (ت ٩٥ هـ.) أن يكتب إليه بتفسير القرآن فكتب سعيد بهذا التفسير، فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير.
ويبدو أنه من الصّعب تحديد أوّل من فسّر القرآن تفسيرا مدوّنا على تتابع آياته وسوره كما في المصحف.
أقسام التّفسير
وظل الخلف يحمل رسالة السّلف جيلا بعد جيل، حتّى وصلت مسيرة التفسير إلى تابعي التابعين، وهنا تعدّدت اتجاهات التفسير إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:
أوّلا- الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :
والمأثور: اسم مفعول من أثرت الحديث أثرا: نقلته، والأثر: اسم منه، وحديث مأثور، أي: منقول «٣».
وعلى ذلك، فهو يشمل المنقول عن الله تبارك وتعالى- في القرآن الكريم،
والمنقول عن النبيّ ﷺ والمنقول عن الصّحابة، والمنقول عن التّابعين.
وجلّ الذين يكتبون عن تاريخ التفسير ويتحدّثون عن الاتجاه الأثريّ يبدأونه بالطبريّ، «فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطوّر في الأوضاع التفسيريّة بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة حلقة من تلك السلسلة التي تمثّل منهج التفسير في القرن الثّاني لأن تفسير ابن جرير الطبريّ ألّف في أواخر القرن الثالث، وصاحبه توفّي في أوائل القرن الرّابع، وبالوقوف على هذه الحلقة- وهي إفريقيّة تونسيّة- يتّضح كيف تطوّر فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبريّ، ويتضح لمن كان الطبريّ مدينا له بذلك المنهج الأثريّ النظريّ الذي درج عليه في تفسيره العظيم.
«ذلك التفسير هو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق، ويعدّ صاحبه مؤسّس طريقة التفسير النقديّ، أو الأثريّ النظريّ الذي صار بعده «ابن جرير الطبريّ» واشتهر بها.
ذلك هو تفسير «يحيى بن سلّام» التميميّ البصريّ المتوفّى سنة ٢٠٠ هـ، ويقع في ثلاث مجلّدات ضخمة، وقد بناه على إيراد الأخبار مسندة، ثم تعقّبها بالنقد والاختيار، وكان يبني اختياره على المعنى اللّغويّ والتخريج الإعرابيّ، وتوجد من هذا التفسير نسخة بتونس «١».
ويعدّ ابن جرير الطبريّ ربيب تلك الطريقة، طريقة يحيى بن سلّام، وثمرة غرسه، وقد ذكر السّيوطيّ عددا من مفسّري هذا الاتجاه الأثريّ منهم:
يزيد بن هارون ت ١١٧ هـ.
شعبة بن الحجّاج ت ١٦٠ هـ.
وكيع بن الجرّاح ت ١٩٧ هـ.
سفيان بن عيينة ت ١٩٨ هـ، وغيرهم.
-«ابن جرير الطّبريّ»«٢» :
لكنّ التفسير حين انتهى إلى الطبريّ في أوائل القرن الثالث الهجريّ «كان نهرا مزبدا،
(١) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ٢٧.
(٢) هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، الإمام أبو جعفر الطبري، ولد سنة ٢٢٤ هـ، وتوفي سنة ٣١٠ هـ. وقد جاوز الثمانين بخمس أو ست سنين.
84
ذا ركام ورواسب، قد انصبّ إلى بحر خضمّ عباب، فامتزج بمائه، وتشرّب من عناصره، وصفا إليه من زبده، وتطهّر لديه من ركامه ورواسبه» «١». «وابن جرير» فقيه، عالم تبحّر في فنون شتّى من العلم، فهو أحد المشاهير من رجال التّاريخ، ويعدّ كتابه «تاريخ الأمم والملوك» فيه مرجع المراجع، وبه صار إمام المؤرّخين غير منازع.
وقد شهد له بذلك كثير من الأعلام يقول الخطيب البغداديّ «٢» : «جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات كلّها، بصيرا بالمعاني، فقيها في الأحكام، عالما بالسّنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتّابعين ومن بعدهم، عارفا بأيّام النّاس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير لم يصنّف أحد مثله... ».
لقد امتلك الطبريّ أدوات التّفسير فاستخدمها بمهارة وحذق، ومن هنا عدّ تفسيره «ذا أوّليّة بين كتب التفسير، أولية زمنية، وأولية من ناحية الفنّيّة والصياغة، أما أوليته الزمنية: فلأنه أقدم كتاب في التفسير وصل إلينا وما سبقه من المحاولات التفسيريّة، ذهبت بمرور الزّمن، ولم يصل إلينا شيء منها، اللهمّ، إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذي نحن بصدده». «وأما أوليته من ناحية الفنّ والصياغة، فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة الّتي سلكها فيه مؤلّفه، حتّى أخرجه للنّاس كتابا له قيمته ومكانته»«٤».
طريقة الطّبريّ في التّفسير:
حين يفسّر الطبريّ آية يضع لها عنوانا هكذا «القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه... » ثم يقول: «يعني تعالى بذلك... » ويستشهد على التفسير بما يرويه بسنده إلى الصّحابة أو
(١) «التفسير ورجاله» ص ٣٠.
(٢) «البداية والنهاية» لابن كثير ١١/ ١٥٦.
(٣) هذا على اعتبار فقد تفسير «يحيى بن سلام» الذي أشرت إليه آنفا، أما وقد ذكر الإمام الفاضل بن عاشور أن نسخة من الكتاب موجودة في تونس فإن تفسير الطبري لا يعد ذا أولية زمنية.
(٤) «التفسير والمفسرون» ١/ ٢٠٥.
85
التابعين، عارضا المعاني الحقيقة والمجازية في استعمالات العرب، مستشهدا بالشّعر العربيّ على ما يثبت استعمال اللفظ في المعنى الذي حمله عليه.
وقد يعرض أقوال الصحابة والتابعين إذا تعدّدت في الآية الواحدة، ثم لا يكتفي بمجرّد العرض، وإنما يرجح رأيا على رأي بقوله «١» : «وأولى الأقوال عندي بالصّواب... » أو «وقال أبو جعفر: والصّواب من القول في هذه الآية... »، أو «وأولى التأويلات بالآية... »، ثم يويّد رأيه بقوله: «وبمثل الذي قلنا قال أهل التّأويل... » أو بعرض حجج وأدلة قائلا: «وإنّما رأينا أنّ ذلك أولى التأويلات بالآية لأنّ... »، وقد عني ابن جرير بالقراءات عناية كبيرة، ولا غرو، فهو من علماء القراءات المشهورين، وله فيها مؤلّف، إلا أنه ضاع ضمن ما ضاع من التراث العربيّ القديم.
كما اهتم الطبريّ بالشعر القديم، يستشهد به على الغريب، وهو في ذلك تابع لابن عباس كما كانت له عناية بالمذاهب النحويّة البصريّة والكوفيّة، يورد الرّأي ويوجّهه.
ويورد بعض الأحكام الفقهيّة في تفسيره، مختارا لأحد الآراء، مؤيّدا اختياره بالأدلّة العلميّة القيّمة... «٢».
رحم الله الطبري وجزاه عن القرآن وتفسيره خير الجزاء.
ثانيا- الاتّجاه اللّغويّ:
وقد بدا هذا الاتجاه واضحا في أواخر القرن الثاني الهجريّ وأوائل القرن الثّالث إذ نشأ علم النّحو، ونضجت علوم اللغة على أيدي الرّوّاد أمثال أبي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، والخليل بن أحمد الفراهيديّ، وغيرهم.
وكان الغرض الأسمى من تأصيل هذه العلوم وتقعيدها خدمة القرآن الكريم صيانة له من اللّحن، ولا سيما بعد اتصال العرب بالعجم.
وقد أثّرت هذه الدراسات في تفسير القرآن تأثيرا كبيرا إذ اشتغل اللغويّون أنفسهم بالقرآن ولغته، وكان من أشهر هؤلاء العلماء «أبو عبيدة معمر بن المثنّى» المتوفّى سنة
٢٠٨ هـ. أو ٢١٥ هـ، وقد ألف كتابه «مجاز القرآن» سنة ١٨٨ هـ «١»، ويعدّ هذا الكتاب أقدم مؤلّف في معاني القرآن وصل إلينا.
وأبو عبيدة موسوعة علمية له مؤلّفات في مجالات شتّى، وقد «أوتي لسانا صارما جلب على نفسه عداوات كثيرة، ثم تنفّس به العمر قرابة قرن كامل زامل فيه أعلاما كبارا، وجادل خصوما كثارا، وشهد تلاميذه ومن في طبقتهم يجادلون عنه، ويجادلون فيه، فقرّب وباعد، وواصل وقاطع، ولكنّ مخالفيه كانوا من الكثرة بحيث أرهقوه وضايقوه، حتّى جاءه الأجل فلم ينهض لتشييع جنازته أحد، وعلّل ذلك بما ترك من حزازات أدبية»«٢».
ويحكي أبو عبيدة سبب تأليفه كتاب «مجاز القرآن» فيقول: «أرسل إليّ الفضل بن الربيع والي البصرة في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومائة، فقدمت إلى بغداد واستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت عليه، وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسيّ، وهو جالس عليها، فسلّمت عليه بالوزارة، فردّ وضحك إليّ، واستدناني حتّى جلست إليه على فرشة، ثم سألني وألطفني وباسطني، وقال: أنشدني، فأنشدتّه فطرب وضحك، وزاد نشاطه، ثم دخل رجل في زيّ الكتّاب له هيئة، فأجلسه إلى جانبي، وقال له: أتعرف هذا؟
قال: لا، قال: هذا أبو عبيدة علّامة أهل البصرة! أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرّظه لفعله هذا، وقال لي: إنّي كنت إليك مشتاقا، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرّفك إيّاها؟
فقلت: هات، قال: قال الله عزّ وجلّ: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: ٦٥]، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله وهذا لم يعرف، فقلت: إنما كلّم الله تعالى العرب على قدر كلامهم أما سمعت قول امرئ القيس: [الطويل]
أَيَقْتُلُنِي وَالمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي
وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
وهم لم يروا الغول قطّ، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم، أو عدوا به فاستحسن الفضل ذلك، واستحسن السّائل، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه وما يحتاج إليه من علمه، فلمّا رجعت إلى البصرة، عملت كتابي الذي سمّيته
المجاز، وسألت عن الرجل السائل، فقيل لي: هو من كتّاب الوزير وجلسائه وهو إبراهيم بن إسماعيل الكاتب» «١».
وبعض العلماء ينكر هذه القصّة لأن أبا عبيدة لم يشر إليها في مقدّمة كتابه... «٢».
ومن الذين كتبوا عن اتجاهات التّفسير من يسلك أبا عبيدة- من خلال كتابه هذا- في سلك الاتجاه البيانيّ في التّفسير، وأكثرهم يعدّه رائدا في الاتجاه اللّغويّ.
على أن أبا عبيدة لم «يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنّما عنى بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية»«٣».
فقد يستعمل أبو عبيدة لفظ المجاز قاصدا به معنى اللّفظ، فمثلا في قوله تعالى:
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ [الأحقاف: ١٥] يقول: «مجازه: شددني إليك، ومنه قولهم: وزعني الحلم عن السّفاه، أي: منعني، ومنه الوزعة: الّذين يدفعون الخصوم والنّاس عن القضاة والأمراء» ثم يستشهد بالبيت:
على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا... فَقُلْتُ ألمّا تصح والشّيب وازع «٤»
وأما أبو زكريّا الفرّاء المتوفّى سنة ٢٠٧ هـ، فكان يستعين بتفسيرات السّلف، مضيفا له ما أدّى إليه اجتهاده اللغويّ، وكذا الزّجّاج المتوفّى سنة ٣١١ هـ «٥».
لقد استلهم الفرّاء الحسّ اللّغويّ محكّما ذوقه وعقله كما راعى السّياق العامّ في الآية ولذا نجده يفضّل قراءة تحقّق التجانس بين الكلمات المتجاورات على غيرها «٦».
ثالثا- الاتّجاه البيانيّ «٧» :
وبذور هذا الاتجاه نجدها في تفسير ابن عبّاس المبثوث في ثنايا التفسير الأثريّ، ومن
(١) «معجم الأدباء» ١٩/ ١٥٨.
(٢) راجع «خطوات التفسير البياني» ص ٤٤، ٤٥ وقد ذكر الدكتور رجب البيومي أسبابا أخرى ومبررات لرفض هذه القصة. [.....]
(٣) «فتاوى ابن تيمية» كتاب الإيمان ص ٨٨.
(٤) «مجاز القرآن» ٢/ ٩٢، ٩٣.
(٥) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٨.
(٦) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٩، ٢٤٠ (بتصرف وإيجاز).
(٧) بعض المؤلفين في تاريخ التفسير يضعون اتجاها ثالثا بدلا من هذا الاتجاه يطلقون عليه «الاتجاه النقدي»، وبعضهم يسلك هذا الاتجاه ضمن الاتجاه الأثري. انظر: «التفسير ورجاله» : ابن عاشور ص ٢٦.
88
أمثلة ذلك: ما رواه ابن جرير في تفسير قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ... لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: ٢٦٦] أن عمر- رضي الله عنه- سأل النّاس عن هذه الآية، فما وجد أحدا يشفيه، حتّى قال ابن عباس، وهو خلفه: يا أمير المؤمنين، إني أجد في نفسي منها شيئا، فتلفّت إليه، فقال: تحوّل هاهنا لم تحقّر نفسك؟ قال:
هذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ، فقال: أيودُّ أحدُكُم أنْ يعمل عمره بعَمَلِ أهْل الخير وأهل السّعادة حتّى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فَنِيَ عمره واقترب أجله، خَتَم ذلك بعَمَلٍ من عمل أهل الشقاء، فأفسده كلّه فحرقه أحوج ما كان إليه «١». «وهو من باب الاستعارة التمثيلية، وقد ألمع إليه ابن عبّاس بقوله المقارب: هذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ... إلخ، وهل قال البلاغيّون فيما بعد غير ذلك؟!»«٢».
ونهج تلاميذ ابن عبّاس نهجه، وكان أكثرهم نتاجا في هذا الاتجاه «مجاهدا»«٣»، وأما تأصيل هذا الاتجاه فقد كان على يد «أبي عبيدة» صاحب «مجاز القرآن»، ويعدّ صاحب الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.
«وفضل هذا الكتاب في الدراسات البلاغيّة: أنه حين تعرّض للنصوص القرآنية أشار إلى ما تدلّ عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمّن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير، فوضع بذلك اللّبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغيّة للقرآن... وإذا كان عبد القاهر أظهر من نادى من البلغاء بأن يوضع الكلام الوضع الذي يقتضيه علم النّحو، وهو ما سمّي بقضية النّظم فإن بذور قضيّته هذه كانت تكمن في مجاز «أبي عبيدة» حيث رأى في زمنه السّابق ما رآه صاحب «الدّلائل» في زمنه اللاحق، فكان بذلك الرائد الأوّل لعلم المعاني عند من يلتمسون الجذور الضّاربة في الأعماق «٤».
وقد رتّب «أبو عبيدة» كتابه وفق ترتيب السّور القرآنية في المصحف، ومن هنا صار من اليسير أن يرجع الدّارس إلى ما ذكر أبو عبيدة في توجيه الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: ٢٢٣] حيث قال: إنّها كناية
(١) «تفسير ابن جرير» ٣/ ٤٧.
(٢) راجع: «خطوات التفسير البياني» ص ٢١ وفيه شواهد أخرى.
(٣) راجع الأمثلة التي ذكرها الدكتور رجب البيومي في «خطوات التفسير البياني» ص ٣٤ وما بعدها.
(٤) «خطوات التفسير البياني» ص ٤٦، ٤٧.
89
وتشبيه «١».
ومن مثل قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ [التوبة: ١٠٩] حيث أتبع الآية بتحليل بيانيّ وعدّها من مجاز التمثيل حين قال: «ومجاز الآية: مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من الأودية فلا يثبت البناء عليه «٢».
تلك هي الخطوة الأولى خطاها أبو عبيدة في التفسير البيانيّ للقرآن الكريم، وإن وجّهت إليه كثير من النقود والمطاعن من علماء كبار أمثال الفرّاء والأصمعيّ والطبريّ «٣»...
ثم تلت هذه الخطوة خطوات الجاحظ وابن قتيبة وغيرهما...
المبحث الثّالث الكلام على تفسير الثّعالبيّ
أوّلا: المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»
بادىء ذي بدء أقول: إنه لا يستطيع أحد من الناس أن يزعم أنه يستطيع أن يأتي بأفضل مما أتى به أئمة هذه الأمة، فالخلف عيال على السّلف، ولولا أن الله حفظ بهم الدين، لما كان هذا حال المسلمين، ولعبدوا الله تعالى بمذاهب باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، فلله درهم، وعليه شكرهم. [الطويل]
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وليس هذا من باب تحجير الواسع، أو تضييق رحمة الله فلم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على عصر دون عصر، ولا خص به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مفرّقا في الأمة، موجودا لمن التمسه، وكم ترك الأول للآخر!! إلا أن اللاحق- ولا مفر- ينقل عن السابق، وهكذا دواليك، سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ، ولن تجد لسنّة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
من هنا كان للثعالبي أن يعتمد على كلام من سبقوه، فهم سلفه، وهو خلفهم، وهم شيوخه، وهو تلميذهم، فمن مكثر عنه، ومن مقلّ.
ولا شك أن للرحلة التي ارتحلها الثعالبي في طلب العلم أثرا بالغا في تحصيل دواوين أولئك الأعلام خاصة كتب المشرقيين منهم، فجمع حصيلة وافرة عزّ اقتناؤها، وأسفارا عظيمة ندر اقتناصها.
ولقد تنوعت مصادر الثعالبي، وتشكلت على اختلاف العلوم التي يحتاج إليها المفسر والتفسير، وهذه قائمة بأهم المصادر في كل علم على حدة:
أوّلا: مصادره من كتب التّفسير:
اعتمد الثعالبي- رحمه الله- على عدة مصادر مهمة في التفسير، كان أهمها:
١- تفسير ابن عطية المسمى «المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» : وهو الأصل الذي اعتمده المصنّف، فاختصره، وزاد عليه. ومؤلف «المحرر» هو:
91
عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم. وقيل: عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي صاحب التفسير الإمام أبو محمد الحافظ القاضي. قال ابن الزبير: كان فقيها جليلا عارفا بالأحكام والحديث والتفسير، نحويا لغويا أديبا بارعا شارعا مفيدا ضابطا نسيبا فاضلا، من بيت علم وجلالة، غاية في توقد الذهن، وحسن الفهم، وجلالة التصرف. روى عن: أبيه الحافظ أبي بكر، وأبي علي الغساني، والصفدي، وعنه: ابن مضار، وأبو القاسم بن حبيش، وجماعة. وولي قضاء «المرية» يتوخى الحق والعدل.
وألف تفسير القرآن العظيم، وهو أصدق شاهد له بإمامته في العربية وغيرها، وخرج له برنامجا.
ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتوفي بلورقة في خامس عشر رمضان سنة ثنتين.
وقيل: إحدى. وقيل: ست وأربعين وخمسمائة.
وذكره في «قلائد العقيان»، ووصفه بالبراعة في الأدب والنظم والنثر.
ولقد نوّه أبو حيان في مقدمة تفسيره بالزمخشري، وابن عطية باعتبارهما علمين من أعلام التفسير، وإمامين من كبار أئمته، ووصفهما بأنهما أجل من صنّف في علم التفسير، وأفضل من تعرض للتنقيح فيه، والتحرير، ثم أثنى أبو حيان في هذه المقدمة كذلك على كتابيهما في التفسير ثناء، ورفع من شأنهما، وأشار إلى أنه قام في تفسيره بانتقاد هذين الكتابين والتعقيب عليهما، وذلك حيث يقول: «ولما كان كتاباهما في التفسير قد أنجدا وأغارا وأشرقا في سماء هذا العلم بدرين، وأنارا، وتنزّلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسان من العين، والذهب الإبريز من العين، ويتيمة الدر من اللآلي، وليلة القدر من الليالي، فعكف الناس شرقا وغربا عليهما، وثنوا أعنّة الاعتناء إليهما، وكان فيهما على جلالتهما مجال لانتقاد ذوي التبريز، ومسرح للتخيل فيهما والتمييز، ثنيت إليهما عنان الانتقاد، وحللت ما تخيل الناس فيهما من الاعتقاد أنهما في التفسير الغاية التي لا تدرك، والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك، وعرضتهما على محكّ النظر، وأوريت فيهما نار الفكر، حتى خلصت دسيسهما، وبرز نفيسهما، وسيرى ذلك من هو للنظر أهل، واجتمع فيه إنصاف وعقل».
والمقصود ذكر فضل تفسير ابن عطية، وبيان أهميته.
ولقد نص الثعالبي نفسه في مقدمته على أنه قد اعتمد تفسير ابن عطية، فقال: «
92
فقد ضمنته (يعني: تفسيره) بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية، وزدته فوائد جمّة... إلخ».
٢-«مختصر تفسير الطّبريّ» لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي، النحوي.
٣- مختصر «البحر المحيط» لأبي حيّان، اختصره الصفاقسي، وسمّاه: «المجيد في إعراب القرآن المجيد» :
يقول محمد بن مخلوف في «شجرة النور الزكية» واصفا كتاب «المجيد» :«وهو من أجلّ كتب الأعاريب، وأكثرها فائدة».
ويقول حاجي خليفة في «كشف الظنون» (بعد أن عرّف بعلم إعراب القرآن وذكر بعض من صنف فيه) :«وأبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي المتوفى ٥٦٢ هـ، وكتابه أوضحها، وهو في عشر مجلدات، وأبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري النحوي، المتوفى سنة ٦١٦ هـ، وكتابه أشهرها، وسماه «التبيان». أوله: «الحمد لله... »، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الصفاقسي، المتوفى سنة ٧٤٢ هـ، وكتابه أحسن منه، وهو في مجلدات سماه «المجيد في إعراب القرآن المجيد». وقد ذكره في مقدمته، فقال: «وما نقلته من الإعراب عن غير ابن عطية، فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان... إلخ».
٤-«مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير، للإمام الرّازيّ:
وهو من أجلّ التفاسير، وإن كان أطال في الاستدلال وردّ الشبه إطالة كادت تغطي على كونه كتاب تفسير. ولسنا نميل مع أبي حيان في قوله فيه: «فيه كل شيء إلا التفسير»، فإنه- رحمه الله- مع الاستطراد إلى ذكر الأدلة والبراهين، قد وفّى التفسير حقّه.
وبالجملة: فالكتاب أشبه ما يكون بموسوعة في علم الكلام، واللغة، والأصول، والآثار، وفي العلوم الكونية، والطبيعية، وغير ذلك من فنون العلم.
هذا، ولم ينصّ الثعالبي في مقدمته على أنه استقى من «مفاتيح الغيب»، إلا أنه نقل منه في ثنايا تفسيره، فأكثر من النقل، فيقول: قال الفخر، ثم يذكر كلامه.
٥-«أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ:
وقد أكثر الثّعالبيّ- رحمه الله- من النقل عنه، وهذا واضح من خلال استقراء آيات الأحكام، وتناوله لها.
93
وهذا الكتاب لا يتعرض لسور القرآن كلها، ولكنه يتعرض لما فيها من آيات الأحكام فقط، وطريقته في ذلك أن يذكر السّورة، ثم يذكر عدد ما فيها من آيات الأحكام، ثم يأخذ في شرحها آية آية... قائلا: الآية الأولى وفيها خمس مسائل «مثلا»، والآية الثانية وفيها سبع مسائل «مثلا» وهكذا، حتى يفرغ من آيات الأحكام الموجودة في السورة.
وهذا الكتاب يعتبر مرجعا مهما للتفسير الفقهي عند المالكية وذلك لأن مؤلفه مالكي تأثر بمذهبه، فظهرت عليه في تفسيره روح التعصّب له، والدفاع عنه، غير أنه لم يشتط في تعصبه إلى الدرجة التي يتغاضى فيها عن كل زلّة علمية تصدر من مجتهد مالكي، ولم يبلغ به التعسّف إلى الحد الذي يجعله يفنّد كلام مخالفه إذا كان وجيها ومقبولا، والذي يتصفح هذا التفسير يلمس منه روح الإنصاف لمخالفيه أحيانا، كما يلمس منه روح التعصب المذهبي التي تستولي على صاحبها، فتجعله أحيانا كثيرة يرمي مخالفه، وإن كان إماما له قيمته ومركزه بالكلمات المقذعة اللاذعة، تارة بالتصريح، وتارة بالتّلويح. ويظهر لنا أن الرجل كان يستعمل عقله الحر، مع تسلط روح التعصب عليه، فأحيانا يتغلب العقل على التعصب، فيصدر حكمه عادلا لا تكدره شائبة التعصب، وأحيانا- وهو الغالب- تتغلب العصبية المذهبية على العقل، فيصدر حكمه مشوبا بالتعسّف، بعيدا عن الإنصاف.
وهذا الكتاب أيضا لم ينص المصنف على أنه اعتمد عليه- في مقدمته، بل ذكر النقل عنه في ثنايا التفسير.
ثانيا: كتب غريب «١» القرآن والحديث:
وقد اعتمد الثعالبي على كتابين في غريب ألفاظ الكتاب العزيز: أولهما: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، والثاني: وهو مختصر غريب القرآن للحافظ زين الدين العراقي.
(١) قال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي الغريب من الكلام انما هو الغامض البعيد من الفهم كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل والغريب من الكلام يقال به على وجهين. أحدهما أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد، ومعاناة فكره والوجه الأخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها انتهى.
وقال ابن الأثير في «النهاية» : وقد عرفت أن رسول الله ﷺ كان أفصح العرب لسانا، حتى قال له علي رضي الله تعالى عنه وقد سمعه يخاطب وقد بني نهد: يا رسول الله نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره، فقال: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم بما يفهمونه، فكأن الله تعالى قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره، وكان
94
كما اعتمد في غريب السّنة على كتاب أبي عبيد بن سلام الهرويّ.
ثالثا: المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة:
١- صحيح الإمام البخاري.
٢- صحيح الإمام مسلم.
٣- سنن أبي داود.
٤- سنن الترمذي.
٥- حلية الأبرار «أو» الأذكار، للأمام النووي.
٦- سلاح المؤمن، لتقي الدين أبي الفتح محمد بن محمد بن همام المصري الشافعي.
٧- مصابيح السنة، للبغوي.
٨- الموطأ، للإمام مالك.
رابعا: كتب الترغيب والترهيب والرقائق:
اعتمد الثعالبي في هذا الفنّ على كتابين هما:
١- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبي.
أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله، وما جهلوه سألوه عنه، فيوضحه لهم. واستمر عصره إلى حين وفاته- عليه الصلاة والسلام- وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط، فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار، وخالط العرب غير جنسهم، فامتزجت الألسن، ونشأ بينهم الأولاد، فتعلموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب، وتركوا ما عداه، وتمادت الأيام إلى أن انقرض عصر الصحابة، وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم، فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا، فلما أعضل الداء ألهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أهل المعارف إن صرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم، فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف. فقيل: إن أول من جمع في هذا الفن شيئا أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري المتوفى سنة ٢١٠ عشر ومائتين، فجمع كتابا صغيرا، ولم تكن قلته لجهله بغيره، وإنما ذلك لأمرين: أحدهما: أن كل مبتدئ [مبتدأ] بشيء لم يسبق إليه يكون قليلا، ثم يكثر. والثاني: أن الناس كان فيهم يومئذ بقية، وعندهم معرفة، فلم يكن الجهل قد عمّ. [.....]
95
٢- العاقبة، للإمام عبد الحق الأشبيلي.
وهذان الكتابان نص عليهما في مقدمته، إلا أنه اعتمد على كتب أخرى في ذلك الفن، مثل:
٣- الرقائق، لابن المبارك.
٤- بهجة المجالس وأنس المجالس، لأبي عمر بن عبد البر.
٥- رياضة المتعلمين، للأصفهاني.
خامسا: كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة:
١- المدونة، لسحنون بن سعيد.
٢- مختصر ابن الحاجب الفرعي.
٣- الإلمام في أحاديث الأحكام، لابن دقيق العيد.
٤- البيان والتحصيل، لابن رشد.
٥- مختصر ابن الحاجب، المسمى ب «المنتهى».
سادسا: كتب الخصائص والشمائل:
اعتمد الثعالبي في «الجواهر الحسان» في هذا الفن على كتاب القاضي عياض، والمسمى ب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى».
وكذلك كتاب «الآيات والمعجزات» لابن القطّان.
سابعا: كتب في التربية وتهذيب النفوس:
نعت الإمام الثعالبي ب «الإمام، الورع، الزاهد، العارف بالله»، وهذا الرجل كان يتبرك به، ويكثر من الثناء عليه.
ولهذا عنى في تفسيره بإيراد آثار الصالحين، والتزود من أخبارهم، فأورد عن بعض كتب أهل العلم المصنفة في ذلك، وكان منها:
١-«بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»
وهو شرح مختصر صحيح البخاري، المسمى «جمع النهاية في بدء الخير والغاية»،
96
للإمام أبي محمد بن أبي جمرة الأندلسي.
وقد ذكره المصنف في مقدمته، فقال: «... ».
٢-«إحياء علوم الدين»، لأبي حامد الغزالي.
وهو أشهر من أن يذكر، وأعرف من أن يعرف.
وقد نقل منه المصنف، فأكثر من النقل.
واعتمد أيضا على مختصره لمحمد بن علي بن جعفر البلالي.
وقد حكى الثعالبي عن هذا المصنف، فقال: «... وهذا الشيخ البلاليُّ لقيتُهُ، ورويتُ عنه كتابه هذا».
وذلك في تفسيره لآيات الصيام من سورة البقرة.
٣-«جواهر القرآن»، لأبي حامد الغزالي.
وهو أليق بالتفسير، إلا أنه ذكر فيه أنه ينقسم إلى علوم، وأعمال، والأعمال ظاهرة وباطنة، والباطنة إلى تزكية وتخلية، فهي أربعة أقسام، علوم وأعمال ظاهرة وباطنة، مذمومة ومحمودة، وكل قسم يرجع إلى عشرة أصول، فيشتمل على زبدة القرآن.
٤- شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي.
ثامنا: في الأسماء والصّفات:
ذكر الثعالبي في ثنايا كلامه نقله عن كتابين في «أسماء الله تعالى»، وهما:
١- شرح أسماء الله الحسنى، للإمام الرازي.
٢- غاية المغنم في أسماء الله الأعظم. لابن الدريهم الموصلي.
تاسعا: ومن كتب التّاريخ:
ذكر الثعالبي أثناء تفسيره نقولا عن أحد الكتب التي عنيت بسير الخلفاء، وهو كتاب:
- الاكتفاء في أخبار الخلفاء، لعبد الملكِ بْنُ محمَّدِ بْنِ أبي القَاسِم بْن الكرديوس.
عاشرا: كتب أخرى منثورة:
١- لطائف المنن، لابن عطاء الله.
97
٢- الأنواء، للزجاج.
٣- الإفصاح، لشبيب بن إبراهيم.
٤- الكوكبِ الدُّرِّيِّ، لأبي العباس أحمد بن سَعْد التجيبي.
٥- الكلم الفارقية.
٦- التّشوّف، ليوسف بن يحيى التادلي.
٧- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر بن عبد البر.
٨- مختصر المدارك، للقضاعي.
٩- تاريخ بغداد، لأبي بكر بن الخطيب.
وغير ذلك مما هو منثور في تفسيره لكتاب الله تعالى.
ثانيا: منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره
بين يدي المنهج:
ذكر السيوطي في «الإتقان» شروطا يجب توافرها فيمن أقبل على كتاب ربّه بنيّة تفسيره، وكشف معانيه، فحكى عن بعض العلماء قوله: اختلف الناس في تفسير القرآن، هل يجوز لكل أحد الخوض فيه؟ فقال قوم: لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن وإن كان عالما، أديبا، متسعا في معرفة الأدلة والفقه، والنحو، والأخبار، والآثار، وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي ﷺ في ذلك.
ومنهم من قال: يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج إليها، وهي خمسة عشر علما... ثم ذكرها- رحمه الله-، وهي: اللغة، والنحو، والتصريف، والاشتقاق، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراءات، وأصول الدين، وأصول الفقه، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وعلم الفقه، والأحاديث والآثار لتفصيل المجمل، وتوضيح المبهم، وهكذا، ثم علم الملكة (أو الموهبة).
وزاد غير السيوطي علوما أخرى، وأيّا ما يكن الأمر، فقد ذكر أيضا في «التحبير في علم التفسير» عن العلماء أنه: «من أراد تفسير الكتاب العزيز، طلبه أولا من القرآن، فإن ما أجمل في مكان قد فسر في مكان آخر، فإن أعياه ذلك طلبه في السّنّة فإنها شارحة للقرآن، وموضحة له... » وساق كلام الشافعي.
98
والمقصود أن الإمام الثعالبي- رحمه الله- قد أتى بحظّ وافر من هذه الشروط التي ذكرها أهل العلم حدودا ومراسم لمن أقبل على تفسير الكتاب العزيز. فهو قد فسر كتاب الله بعضه ببعض، وفسره بما فسره من أنزل عليه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وبما فسره الصحابة والتابعون، كما استخدم اللغة، وشرح الغريب، وتعرض لتصريف بعض الكلمات، وأكثر من المسائل الإعرابية، ثم هو بعد ذلك يذكر مسائل في أصول الدين، وأصول الفقه، وفروعه، وأسباب النزول، وإيراده بعض الإسرائيليات، واحتجاجه بالقراءات المتواترة، وذكره الشاذ منها، على ما سيتضح مما يلي.
العناصر التي بنى عليها الثعالبي مادّة تفسيره:
١- جمعه بين التفسير بالمأثور من كتاب وسنّة، والتفسير بالرأي.
٢- تعرضه لمسائل في أصول الدين.
٣- مسائل أصول الفقه في تفسيره.
٤- تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية.
٥- احتجاجه باللغة، والمسائل النحوية، والتصريفية، وغيرها.
٦- ذكره لأسباب النزول، ومكّيّ القرآن ومدنيّه.
٧- ذكره للقراءات الواردة في الآية.
٨- احتجاجه بالشعر واستشهاده به.
٩- موقفه من الإسرائيليات.
وإليك- أيها القارئ الكريم- تفصيل ذلك:
أولا: جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي:
من المشهور عند أهل العلم أن خير ما فسر به كتاب الله تعالى، تفسير بعضه ببعض، أو بما فسره به رسوله صلى الله عليه وسلم، قال السيوطي: فإن ما أجمل في مكان، قد فسر في مكان آخر، فإن أعياه ذلك، طلبه في السّنّة فإنها شارحة للقرآن، وموضحة له «١».
وأما تفسيره كتاب الله بعضه ببعض، فمنه (مثلا) في قوله تعالى:
(١) «التحبير في علم التفسير» (٣٢٣).
99
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها... [البقرة: ٣٦]، يتعرض لمعنى «أزلّهما»، فيقول: مأخوذ من الزلل، ثم يحكي اختلافهم في كيفية هذا الإزلال، فيقول: وقال جمهور العلماء: أغواهما مشافهةً بدليل قوله تعالى: وَقاسَمَهُما [الأعراف: ٢١].
وفي الآية التالية، وهي قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ [البقرة: ٣٧] يحكي عن الحسن أنها قوله تعالى: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا... الآية وهي من [الأعراف: ٢٣].
وأما تفسيره بالحديث، فهذا كثير جدا، وفيه (مثلا) في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ... الآية [الأنعام: ٨٢] يقول: والظُّلْم في هذا الموضع: الشِّرْك تظاهرت بذلك الأحاديث الصحيحة.
وفي تفسير قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ... الآية [الأنفال: ٦٠] قال: وفي صحيحِ مُسْلِمْ: «أَلاَ إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي».
وأما آثار السّلف من الصحابة والتابعين، فقد حشا بها تفسيره، فهم خير القرون وأعلمها، فإن سألت عن العربية فهم أرباب الفصاحة فيها، وإن سألت عن علمهم بالأحكام، فهم مؤصّلوها، والبحور التي لا تكدرها الدّلاء، وإن سألت عن أسباب النزول، ومعرفتهم بها، فليس المخبر كالمعاين، وليس من رأى كمن سمع، فمن بينهم من كان يعاين نزول الوحي، ومنهم من نزل بسببه آي الكتاب، وتوبة رب الأرباب.
وقد رأينا الثعالبي- رحمه الله- يزيّن صحيفته بالنقل عنهم، والأمثلة تملأ الكتاب، ومنها مثلا: في تفسير قوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ... السورة، أن النبي ﷺ قال لعائشة: «ما أراه إلا حضور أجلي»، قال الثعالبي: وتأوله عمر والعباس بحضرة النبي ﷺ فصدقهما. قال: ونزع هذا المنزع ابن عباس وغيره.
وفي سورة القدر في قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ يقول: قَال الشعبيُّ وغيرُه: المعْنَى:
إنا ابتدأْنا إنزالَ هذا القرآن.
ثانيا: تعرّضه لمسائل في أصول الدين:
فقد تعرض لذكر معتقده في مسائل منها، مثل «تكليف ما لا يطاق»، عند تفسيره لقوله تعالى: فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [البقرة: ٣١] فقال الثعالبي: «وقال قوم:
يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليفُ ما لا يطاقُ، ويتقرَّر جوازه لأنه سبحانه عَلِمَ أنهم لا
100
يعلمون. وقال المحقِّقون من أهل التأويل: ليس هذا على جهة التكليفِ، إِنما هو على جهة التقرير والتوقيف».
ثم عاد وذكر المسألة عينها عند تفسير قوله تعالى: رَبَّنا لاَ تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا... الآية «٢٨٦» من سورة البقرة، وحكى مذهب أبي الحسن الأشعري.
ومنها أيضا: مسألة كلام الله تعالى، فتحدث عن مذهب أهل السّنة فيه، عند قوله تعالى: قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ... الآية [البقرة: ٣٣]، فقال: «وهذا هو قول أهل السنة، والحقّ أن كلام اللَّه (عزَّ وجلَّ) صفة من صفات ذاته يستحيل عليها النّقص... إلخ».
ومنها: تعرّضه لمسألة الكسب عند تفسير قوله تعالى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ... الآية [البقرة: ٩٥].
ومنها: مسألة رؤية الله تعالى، وهذه قد تعرض لها الثعالبي بالذكر عند قوله تعالى:
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥]، فأشار إلى أن مذهب أهل السّنة امتناع ذلك في الدنيا، وأنه من طريق السمع ورد، ثم عاد فرد على الزمخشري، عند تفسير الآية (١٤٣) من سورة «الأعراف».
ومنها: مسألة عصمة الأنبياء عليهم السلام، وقد ذكرها عند تفسير قوله تعالى:
وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا [البقرة: ١٢٨] وحكى إجماع الأمة على عصْمة الأنبياء في معنى التبليغ، ومن الكبائر والصغائر التي فيها رذيلة، وخلافهم في غير ذلك من الصغائر.
وحكاية الإجماع إنما نقلها من مختصر الطبري.
ثالثا: مسائل أصول الفقه في تفسيره:
ولم يتوسّع الثعالبي في ذكر مصادر اعتمد عليها في المسائل الأصولية غير ما ذكره من مختصر ابن الحاجب.
ومن المسائل التي أوردها كلامه على «النسخ» لغة واصطلاحا، وذلك عند قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها... [البقرة: ١٠٦]، فنقل كلام ابن الحاجب، ثم قال: انتهى من مختصره الكبير، ثم تعرض لجواز النسخ عقلا، وأن البداء لا يجوز على الله تعالى، وبين أن المنسوخ هو الحُكْم الثابتُ نفسُه، لا ما ذهْبت إِلَيْه المعتزلةُ من أنه مثل الحُكْم الثَّابت فيما يستقبل.
كما أنه تعرض لمسألة التقبيح والتحسين، وأنهما في الأحكام من جهة الشرع، لا
101
بصفة نفسية.
ومنها: كلامه على تخصيص العموم، وأن العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص، ونقل عن الرازي قوله: وقد ثَبَتَ في أصول الفقْهِ أنه إذا وقع التعارُضُ بَيْن الإجمال والتَّخْصِيص، كان رَفْع الإجمال أولى لأنَّ العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص، والمُجْمَلُ لا يكونُ حُجَّةً أصلا. ثم قال الثعالبي: وهو حسن.
رابعا: تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية:
قدمنا أن الثعالبي- رحمه الله- نقل من أحكام القاضي ابن العربي، ولم لا فالرجل مذهبه مالكي مثله، ولا غرو، فكان بدهيا أن ينقل ما يخص آيات الأحكام، ويذكر خلاف أهل العلم فيها.
ومن ذلك: آية الوضوء والطهارة، وهي الآية السادسة من سورة المائدة، فنجد الثعالبي يقول: قال ابن العربي في أحكامه... ثم حكى كلامه، ونقل المسائل الفقهية منه، ومنها: قوله: واختلف العلماءُ هل تدخُلُ المرافِقُ في الغُسْلِ أم لا... واختلفَ في رَدِّ اليدَيْنِ في مَسْح الرَّأْسِ هل هو فرض أو سنة؟...
ومنها: آية قصر الصلاة، في قوله تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: ١٠١].
فقال: قال مالك، والشافعيُّ، وأحمدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وابنُ رَاهَوَيْهِ: تُقْصَرُ الصلاةُ في أربعةِ بُرُدٍ، وهي ثمانيةٌ وأربعون ميلاً، وحُجَّتهم: أحاديثُ رُوِيَتْ في ذلك عن ابن عمر، وابن عباس. وقال الحسنُ، والزُّهْريُّ: تُقْصَرُ في مسيرةِ يَوْمَيْنِ. وروي هذا أيضاً عن مالكٍ، وروي عنه: تُقْصَر في مسافة يوم وليلة.
ثم قال: وهذه الأقوالُ الثلاثةُ تتقارَبُ في المعنى، والجمهورُ على جواز القصر في السّفر المباح... إلخ.
ومنها: تعرضه لشهادة القاذف إذا تاب، وذلك في تفسير سورة النور، عند قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [النور: ٤- ٥]. وحكى عن الجمهور قبول شهادته إذا تاب. قال: ثم اختلفوا في صورة توبته: فقيل: بأن يُكَذِّبَ نَفْسَه، وإلاَّ لم تُقْبَلُ، وقالت فرقةٌ منها مالك: توبته أن يَصْلُحَ وتَحْسُنَ حالُه، وإنْ لم يرجع عن قوله بتكذيب. واختلف فقهاءُ المالكيَّةِ متى تسقط شهادة القاذفِ، فقال ابن الماجشون:
102
بنفس قَذَفِهِ، وقال ابن القاسم وغيره: لا تَسْقُطُ حتى يُجْلَدَ، فإن مَنَعَ من جلده مانع عفو أو غيره لم تُرَدَّ شهادَتُه،... إلخ كلامه».
وفي اللّعان يقول: وتحريم اللعان أَبَدِيٌّ باتفاق فيما أحفظ من مذهب مالك.
ويلاحظ على الثعالبي أنه لم يتوسّع في الاحتجاج للمسائل الفقهية، كما صنع القرطبي- مثلا- ومن قبله ابن العربي، ولعلّ السّبب في ذلك هو أنه لم يخصص تفسيره لنقل الأحكام، وإلا لكان كتاب فقه لا تفسير، وهو قد نص في مقدمته على أنه مختصر، فقال: «فإني جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر... إلخ».
خامسا: احتجاجه باللّغة والمسائل النحوية، والتصريفية وغيرها:
وقد ذكرنا آنفا أنه ينقل من الغريبين لأبي عبيد الهروي، ويفسر الألفاظ التي ترد مشكلة، فإذا كانت ذات دلالة شرعية نص عليها، كما وجدناه ينقل المسائل النحوية معتمدا على كلام الصفاقسي في اختصاره من أبي حيان.
فمنها: تفسيره للفظ «القسيس» في قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً [المائدة: ٨٢]، فنراه يقول: قال الفَخْر: القُسُّ والْقِسِّيسُ: اسمُ رئيس النصارى، والجمْعُ:
قِسِّيسُونَ، وقال قُطْرُب: القُسُّ والقِسِّيس: العَالِمُ، بلغة الروم... ».
ويقول في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ... الآية [آل عمران: ١٥٦] قال ابن عطية: الرِّجْس: كلُّ مكروهٍ ذميمٍ، وقد يقال للعذابِ والرجْزِ: العذابُ لا غَيْر، والرِّكْس: العَذِرَةُ لا غير، والرجس يقال للأمرين.
ويقول في قوله تعالى: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: ٢٤٧] قال أبو عبيد الهروي: أي: انبساطا وتوسُّعاً في العلْم، وطولاً وتماماً في الجسم...
وفي قوله تعالى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة: ٢٦٠] يقول: يقال: صُرْتُ الشَّيْءَ أصُورُهُ، بمعنى: قطعته، ويقال أيضا: صرت الشيء، بمعنى: أملته... إلخ».
وأما ذكره للمسائل النحوية، فكثير جدا، فمثلا في قوله تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً... [طه: ١٢٩] ينقل عن الصفاقسي قوله: «ولزاما» إمَّا مصدرٌ، وإمَّا بمعنى ملزم. وأجاز أبو البقاء أنْ يكون جمع لاَزِم، كَقَائِمٍ وقيام.
وفي قوله تعالى: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء: ٦٥].
103
نقل عن الصفاقسي قوله: وقولهم: «لَقَدْ عَلِمْتَ» جواب قَسَمٍ محذوف معمول لقول محذوف في موضع الحال، أي: قائلين: لقد علمت.
وفي أصل الكلمة يقول عند قوله تعالى: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً...
[الأعراف: ٣٨] : و «اداركوا» معناه: تلاحقوا. أصله: تداركوا أدغم، فجلبت ألف الوصل.
ويذكر بعض لغات العرب، فيقول عند تفسير قوله تعالى: قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً... [يوسف: ٣٦] : قيل فيه: إنه سمى العنب خمرا بالمئال. وقيل: هي لغةُ أزدِ عُمَان، يسمُّون العِنَبَ خمرا.
سادسا: ذكره لأسباب النّزول، ومكّيّ القرآن ومدنية:
وهذا الفنّ شريف عزيز، فبه يستطيع المفسر أن يحسن الوصول إلى المعنى من الآية، فيسهل فهمها بمعرفة الملابسات التي أحاطت بنزولها.
وقد ذكر الثعالبي أسباب نزول بعض الآيات، فمثلا:
في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النساء: ٥٨] يقول: «خطاب للنبي ﷺ في أمر مِفْتَاحِ الكَعْبَةِ حين أخذه من عُثْمَانَ بْنِ طَلْحة، ومن ابن عَمِّه شَيْبَة، فطلبه العَبَّاس بْنُ عَبْدِ المطَّلب لِيُضِيفَ السَّدَانَةَ إلى السّقاية، فدخل النبي ﷺ الكعبةَ، وكَسَرَ ما كَانَ فيها من الأوثانِ، وأخْرَجَ مَقَامَ إبراهيمَ، وَنَزَلَ عليه جِبْرِيلُ بهذه الآية.
قال عمر بنُ الخَطَّاب: فخرج النبيُّ ﷺ وهو يقرأُ هذه الآيةَ، وما كُنْتُ سَمْعْتُهَا قَبْلُ مِنْهُ، فَدَعَا عُثْمَانَ وشَيْبَةَ، فَقَالَ لَهُمَا: خُذَاهَا خَالِدَةً تَالِدَةً، لاَ يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلاَّ ظالم..».
وفي قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً... [النساء: ١٢٨] يقول: واختلف في سَبَبِ نزولِ الآية، فقال ابنُ عبَّاس وجماعةٌ:
«نزلَتْ في النبيِّ- عليه السلام- وسودة بنت زمعة
» ثم حكى أقوالا أخرى.
وفي قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ... [الإسراء: ٨٥] يقول: روى ابن مسعود أن اليهود قال بعضُهم لبعْض: سَلُوا محمداً عن الرُّوحِ، فإِن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي... فسألوه، فنزلَتِ الآية. وقيل: إن الآية مكِّية، والسائلون هم قريش بإشارة اليهود.
وأما ما ذكره لمكّي القرآن ومدنيّه، فكان يذكر في أوائل السور كونها مكية أو مدنية،
104
فمثلا في سورة الحجرات يقول: وهي مدنية بإجماع، ويقول في «ق» : وهي مكية بإجماع، وفي سورة الأنفال: مدنية كلها، قال مجاهد: إلا آية واحدة، وهي قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا... الآية.
وفي سورة هود: «مكية إلا نحو ثلاث آيات... » وهكذا.
سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:
وبداية فإن للقراءات الواردة في كتاب الله (تعالى) أثرا كبيرا في إثراء التفاسير بالمعاني المختلفة المتنوعة، مع اشتراط ما اشترطه أهل هذا الفنّ من ضوابط للقراءة المقبولة، واختلاف هذه القراءات له فوائد جمّة:
منها: جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد يوحد بينها، وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم، والذي انتظم كثيرا من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحجّ، وأسواق العرب المشهورة، فكان القرشيون يستملحون ما شاءوا، ويصطفون ما راق لهم من ألفاظ الوفود العربية القادمة إليهم من كل صوب وحدب، ثم يصقلونه ويهذبونه، ويدخلونه في دائرة لغتهم المرنة، التي أذعن جميع العرب لها بالزعامة، وعقدوا لها راية الإمامة.
وعلى هذه السياسة الرشيدة نزل القرآن على سبعة أحرف يصطفي ما شاء من لغات القبائل العربية، على نمط سياسة القرشيين، بل أوفق. ومن هنا صحّ أن يقال: إنه نزل بلغة قريش لأن لغات العرب جمعاء تمثلت في لسان القرشيين بهذا المعنى، وكانت هذه حكمة إلهية سامية فإن وحدة اللسان العامّ من أهمّ العوامل في وحدة الأمة، خصوصا أول عهد بالتوثب والنهوض.
ومنها: بيان حكم من الأحكام، كقوله سبحانه: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء: ١٢] قرأ سعدُ بْنُ أبي وَقَّاص: «وَلَهُ أَخٌ أَوْ أخت من أمّ» بزيادة لفظ: «من أمّ»، فتبين بها أن المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء، ومن كانوا لأب، وهذا أمر مجمع عليه.
ومثل ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة: ٨٩]، وجاء في قراءة: «أو تحرير رقبة مؤمنة» بزيادة لفظ «مؤمنة» فتبين بها اشتراط الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفارة يمين.
105
وهذا يؤيد مذهب الشافعي، ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط.
ومنها: الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين، كقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة: ٢٢٢] قرىء بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة «يطهرن»، ولا ريب أنّ صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض لأن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، أما قراءة التخفيف، فلا تفيد هذه المبالغة، ومجموع القراءتين يحكم بأمرين: أحدهما: أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر وذلك بانقطاع الحيض. وثانيهما: أنها لا يقربها زوجها أيضا إلّا إن بالغت في الطهر، وذلك بالاغتسال، فلا بد من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء، وهو مذهب الشافعي، ومن وافقه أيضا.
ومنها: الدلالة على حكمين شرعيين، ولكن في حالين مختلفين كقوله تعالى في بيان الوضوء: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: ٦] قرىء بنصب لفظ «أرجلكم»، وبجرها، فالنصب يفيد طلب غسلها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ: «وجوهكم» المنصوب، وهو مغسول، والجرّ يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ «رءوسكم» المجرور، وهو ممسوح.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم: أن المسح يكون للابس الخف، وأنّ الغسل يجب على من لم يلبس الخف.
ومنها: دفع توهّم ما ليس مرادا: كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: ٩] وقرىء: «فامضوا إلى ذكر الله»، فالقراءة الأولى يتوهم منها وجوب السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة، ولكنّ القراءة الثانية رفعت هذا التوهم لأن المضيّ ليس من مدلوله السرعة.
ومنها: بيان لفظ مبهم على البعض: نحو قوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة: ٥] وقرىء: «كالصوف المنفوش»، فبينت القراءة الثانية أنّ العهن هو الصوف.
ومنها: تجلية عقيدة ضلّ فيها بعض الناس: نحو قوله تعالى في وصفه الجنة وأهلها:
وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان: ٢٠] جاءت القراءة بضم الميم، وسكون اللام في لفظ: «وملكا كبيرا»، وجاءت قراءة أخرى بفتح الميم، وكسر اللام في هذا اللفظ نفسه، فرفعت هذه القراءة الثانية نقاب الخفاء عن وجه الحق في عقيدة رؤية
106
المؤمنين لله- تعالى- في الآخرة لأنه- سبحانه- هو الملك وحده في تلك الدار: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: ١٦].
والخلاصة: أن تنوّع القراءات، يقوم مقام تعدّد الآيات وذلك ضرب من ضروب البلاغة، يبتدىء من جمال هذا الإيجاز، وينتهي إلى كمال الإعجاز.
أضف إلى ذلك ما في تنوّع القراءات من البراهين الساطعة، والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله، وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضادّ، ولا إلى تهافت وتخاذل، بل القرآن كله على تنوّع قراءاته، يصدّق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض، على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير، وهدف واحد من سموّ الهداية والتعليم، وذلك- من غير شك- يفيد تعدّد الإعجاز بتعدّد القراءات والحروف.
ومعنى هذا: أن القرآن يعجز إذا قرىء بهذه القراءة، ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثانية، ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثالثة، وهلمّ جرّا. ومن هنا تتعدّد المعجزات بتعدّد تلك الوجوه والحروف! ولا ريب أن ذلك أدلّ على صدق محمد ﷺ لأنّه أعظم في اشتمال القرآن على مناح جمة في الإعجاز وفي البيان، على كل حرف ووجه، وبكل لهجة ولسان: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: ٤٢].
ولقد كان الثعالبي- رحمه الله- يكثر من إيراد القراءات متواترة وشاذة، وكان معتمده الأول على تفسير ابن عطية، فكان ينقل منه مواضع القراءات ووجوهها.
ومن أمثلة نقله للقراءات:
١- في قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [البقرة: ١٨٤] قال:
قرأ باقي السبعة غيْرَ نافعٍ وابنِ عامر: «فدية» بالتنوين، «طعام مسكين» بالإفراد. قال: «وهي قراءة حسنة... ».
٢- في قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ [الحج: ٣٦] قال: وقرأ ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم: «صَوَافِنَ» جمع: صَافِنَة، وهي التي رُفِعَتْ إحدى يديها بالعقل لئَلاَّ تضطرب، ومنه في الخيل: الصَّافِناتُ الْجِيادُ [ص: ٣١].
٣- وفي قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة: ٦] قال: وقرأ
107
حمزة وغيره: «وَأَرْجُلِكُمْ» بالخفض، وقرأ نافع وغيره بالنَّصْب، والعاملُ «اغسلوا». ومن قرأ بالخفْضِ، جعل العامل أقرب العاملين. وجمهور الصحابة والتابعِينَ على أنَّ الفَرْضَ في الرجْلَيْن الغسل، وأن المسح لا يجزىء... ثم قال: قال ابن العربِيِّ في «القَبَس» : ومَنْ قرأ «وَأَرْجُلِكُمْ» بالخَفْض، فإنه أراد المَسْح على الخُفَّيْن، وهو أحد التأويلات في الآية.
انتهى.
٤- ثم يحتج ببعض القراءات الشّاذّة على تعضيد المعنى، مثل ما ذكره عند قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ... الآية [التوبة: ١٢٨] قال: وقوله: مِنْ أَنْفُسِكُمْ يقتضي مدحا لنسبه صلى الله عليه وسلم، وأنه من صميمِ العَرَبِ وشَرَفِها، وقرأ عبد اللَّه بن قُسَيْطٍ المَكِّيُّ «مِنْ أَنْفَسِكُمْ» - بفتح الفاء- من النفاسة، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثامنا: احتجاجه بالشّعر:
الشعر ديوان العرب ففيه تاريخهم، وآثارهم، وبه يفتخرون، ويمتدحون، ويرغبون، ويرهبون، ولم لا وهم قوم الفصاحة والبيان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة».
وقد مضى سلف الأمة من المفسرين على الاحتجاج بأشعار العرب، وما قصة نافع بن الأزرق مع ابن عباس ببعيدة عن ذلك.
وقد ذكرت أقوال كثيرة عن ابن عباس تدل على جواز الاحتجاج بالشعر في تفسير الكتاب العزيز، منها: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه.
ومن سؤالات نافع ونجدة بن عويمر أنهما قالا: أخبرنا عن قوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [المعارج: ٣٧]، قال: العزون: الحلق الرقاق. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول: [الوافر]
فجاءوا يهرعون إليه حتّى
يكونوا حول منبره عزينا
وهكذا كانت إجابات ابن عباس، قال أبو عبيد في فضائله: حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن، فينشد فيه الشعر.
ومن هنا وجدنا الإمام الثعالبي يستشهد بأشعار العرب، فمن ذلك:
108
١- احتجاجه لقراءة ابن كثير آتَيْتُمْ [البقرة: ٢٣٣] بمعنى فعلتم- بقول زُهَيْرٌ:
[الطويل]
وَمَا كَانَ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فإنّما... توارثه آباء آبائهم قبل
٢- واحتجاجه لمعاني بعض الألفاظ، مثل قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً [النساء: ٨٥]. فقال: مُّقِيتاً: معناه: قديراً ومنه قولُ الزُّبَيْر بْنِ عبدِ المُطَّلِبِ:
[الوافر]
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عنه... وكنت على إساءته مقيتا
ومنه: احتجاجه على أن من معنى «الجهالة» أن يتعمد الأمر فيركبه، مع عدم مضادة للعلم قال: فمنها قولُ الشَّاعر: [الوافر]
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ علينا... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
٣- ومنه احتجاجه على المسائل النحوية، فمثلا في قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر: ٩] يقول نقلا عن الصفاقسي: و «الإيمان» منصوب بفعل مُقَدَّرٍ، أي: واعتقدوا الإيمان، فهو من عطف الجمل كقوله: [الرجز]
علفتها تبنا وماء باردا.........
وهذا بالإضافة إلى شعر الزّهد والرقائق الذي ضمنه تفسيره، والذي يقرؤه القارئ الكريم، فيستشعر عذوبته ورقّته، وحسن اختياره ومكانه.
تاسعا: موقفه من الإسرائيليّات:
بادىء ذي بدء، فإن الجنس البشري مرّ عليه قرون عديدة، وأزمان بعيدة، حملت في طيّاتها أخبارا، وأحوالا، وتارة أهوالا، فأخبر بها السّلف الخلف، والمتقدم المتأخر.
وإن هذه الأمة المباركة هي الآخرة في تلك السلسلة المديدة من عمر البشرية، فكان لها زبدة الأخبار، والرصيد الأكبر من تواريخ الأمم والشعوب، فحظيت بالعبر والعظات، والسعيد من وعظ بغيره.
ولأن أهل الكتاب كانوا سابقين علينا، فقد روي لنا، ورووا هم من أخبارهم وأخبار السابقين، وفي هذا يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج».
فكان ما أخبرونا به على ثلاثة أقسام:
109
١- قسم صدقهم فيه الوحي، فنصدقهم فيه.
٢- قسم أكذبهم فيه الوحي، فنكذبهم فيه.
٣- قسم سكت عنه، فنسكت عنه، ونقول: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم.
ولكن ما المقصود ب «الإسرائيليات» ؟!! الإسرائيليات: جمع إسرائيلية، نسبة إلى بني إسرائيل، والنسبة في مثل هذا تكون لعجز المركب الإضافي لا لصدره، وإسرائيل هو: يعقوب- عليه السلام- أي: عبد الله، وبنو إسرائيل هم: أبناء يعقوب، ومن تناسلوا منهم فيما بعد، إلى عهد موسى، ومن جاء بعده من الأنبياء، حتى عهد عيسى- عليه السلام- وحتى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد عرفوا- «باليهود»، أو «بيهود» من قديم الزمان، أما من آمنوا بعيسى: فقد أصبحوا يطلق عليهم اسم «النصارى»، وأما من آمن بخاتم الأنبياء: فقد أصبح في عداد المسلمين، ويعرفون بمسلمي أهل الكتاب».
وقد أكثر الله من خطابهم ببني إسرائيل في القرآن الكريم تذكيرا لهم بأبوة هذا النبي الصالح، حتى يتأسوا به، ويتخلقوا بأخلاقه، ويتركوا ما كانوا عليه من نكران نعم الله عليهم، وعلى آبائهم، وما كانوا يصفون به من الجحود، والغدر، واللؤم، والخيانة وكذلك ذكرهم الله- سبحانه- باسم اليهود في غير ما آية. وأشهر كتب اليهود هي: التوراة، وقد ذكرها الله في قوله تعالى: الم اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ [آل عمران: ١- ٤]. وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ... [المائدة: ٤٤] والمراد بها: التوراة التي نزلت من عند الله قبل التحريف والتبديل، أما التوراة المحرفة المبدلة، فهي بمعزل عن كونها كلها هداية، وكونها نورا، ولا سيما بعد نزول القرآن الكريم، الذي هو الشاهد والمهيمن على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه فهو حق، وما خالفه فهو باطل.
ومن كتبهم أيضا: الزبور، وأسفار الأنبياء، الذين جاءوا بعد موسى- عليه السلام- وتسمى التوراة، وما اشتملت عليه من الأسفار الموسوية وغيرها (بالعهد القديم).
وكان لليهود بجانب التوراة المكتوبة التلمود، وهي التوراة الشفهية، وهو مجموعة
110
قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية، ومدنية، وشروح، وتفاسير، وتعاليم، وروايات كانت تتناقل وتدرس شفهيا من حين إلى آخر... وقد اتسع نطاق الدرس والتعليم فيه إلى درجة عظيمة جدّا، حتى صار من الصعب حفظه في الذاكرة، ولأجل دوام المطالعة، والمداولة، وحفظا للأقوال والنصوص، والآراء الأصلية المتعددة والترتيبات، والعادات الحديثة، وخوفا من نسيانها وفقدانها، مع مرور الزمن، وخصوصا وقت الاضطهادات، والاضطرابات، قد دوّنها الحاخامون بالكتابة سياجا للتوراة، وقبلت كسنّة من سيدنا موسى- عليه السلام-.
ومن التوراة وشروحها، والأسفار وما اشتملت عليه، والتلمود وشروحه، والأساطير والخرافات، والأباطيل التي افتروها، أو تناقلوها عن غيرهم: كانت معارف اليهود وثقافتهم، وهذه كلها كانت المنابع الأصلية للإسرائيليات التي زخرت بها بعض كتب التفسير، والتاريخ والقصص والمواعظ، وهذه المنابع إن كان فيها حق، ففيها باطل كثير، وإن كان فيها صدق، ففيها كذب صراح، وإن كان فيها سمين ففيها غثّ كثير، فمن ثم انجرّ ذلك إلى الإسرائيليات، وقد يتوسع بعض الباحثين في الإسرائيليات، فيجعلها شاملة لما كان من معارف اليهود، وما كان من معارف النصارى التي تدور حول الأناجيل وشروحها، والرسل وسيرهم، ونحو ذلك، وإنما سميت إسرائيليات لأن الغالب والكثير منها إنما هو من ثقافة بني إسرائيل، أو من كتبهم ومعارفهم، أو من أساطيرهم وأباطيلهم.
والحق: أن ما في كتب التفسير من المسيحيات، أو من النصرانيات هو شيء قليل بالنسبة إلى ما فيها من الإسرائيليات، ولا يكاد يذكر بجانبها، وليس لها من الآثار السيئة ما للإسرائيليات إذ معظمها في الأخلاق، والمواعظ، وتهذيب النفوس، وترقيق القلوب «١».
والملاحظ أن الثعالبي- رحمه الله- كغيره من التفاسير- ذكر بعض الإسرائيليات، ولكنه يعقب ما يذكره بما يفيد عدم صحته، أو على الأقل بما يفيد عدم القطع بصحته.
ومن ذلك في قوله تعالى: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف: ١٩٠].
فالثعالبي يقول:... وروي في قصص ذلك أن الشيطانَ أشار عَلَى حواء أن تُسَمِّيَ هذا المولودَ عَبْدَ الحَارث، وهو اسْمُ إبليسَ، وقال لها: إِن لم تفعلي قتلته، فزعموا أنهما
(١) ينظر: «الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير»، د. محمد محمد أبو شهبة، ط. مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة ١٤٠٤ هـ، ص ٢١ فما بعدها.
111
أطاعاه... ثم ذكر القصة وقال: قلت: وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس، ولم أقف بعد على صحة ما روي من هذه القصص، ولو صحّ لوجب تأويله... قال: وعلى كلِّ حالٍ: الواجبُ التوقُّفْ والتنزيهُ لِمَنْ اجتباه اللَّه، وحُسْنُ التأويل ما أمكن، وقد قال ابنُ العربيِّ في توهينِ هذا القَوْل وتزييفِهِ: وهذا القولُ ونحوه مذكُورٌ في ضعيف الحديثِ في الترمذيِّ وغيره، وفي الإِسرائيليات التي لَيْسَ لها ثباتٌ، ولا يعوِّل عليها مَنْ له قلب...
إلخ».
ومنه أيضا عند تفسير قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ [النمل: ٢٠].
يقول: وأكثَرَ بَعضِ النَّاسِ في قصَصها بما رأيتُ اختصاره لعدم صحته.
ونراه ينتقد ما يروى من آثار إذا خالفت الشّرع، أو ما لا يليق أن ينسب إلى الوحي.
فمثلا عند تفسير قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج: ٥٢]- يذكر حديث الغرانيق، ثم يحكي عن أئمة المالكية مثل القاضي عياض، وأبي بكر بن العلاء إنكارهم لهذه الرواية، وأمثالها، ثم قال: قال أبو بكر البَزَّارُ: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي ﷺ بإسناد متصل يجوز ذكره... » وقد أجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم، ونزاهته عن مثل هذا.
ومنه أيضا ما ذكره في قصّة بني إسرائيل لما سألوا عيسى ابن مريم مائدة من السماء [المائدة: ١١٣- ١١٥]، ثم قال: وأكثَرَ الناسُ في قصص المائدةِ ممَّا رأَيْتُ اختصاره لعدم سنده.
وعلى أية حال، فإن الملاحظ على الثعالبي- رحمه الله- ندرة إيراده للإسرائيليات جدا، فإن أورد بعض ذلك نبّه عليه كما تقدم.
112
وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير «الثعالبي» المسمى بجواهر الحسان في تفسير القرآن
اعتمدنا في تحقيق الكتاب على أربع نسخ خطية.
ووصفها على النحو التالي:
النسخة الأولى: المحفوظة بدار الكتب المصرية/ تحت رقم (٤٥٣) طلعت، تقع في (٣١٣) ورقة، وسطرتها ٢٨ سطرا ورمزنا لها بالرمز (أ).
النسخة الثانية: المحفوظة بدار الكتب المصرية، تبدأ من الكهف إلى آخر القرآن، تقع تحت رقم (٥) تفسير، الجزء الثاني فقط، ورمزنا لها بالرمز (ب).
النسخة الثالثة: المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١١٥٧) تفسير، تقع في (٢١٦) ورقة، سطرتها (٣٣) سطرا وهي من مريم إلى آخر القرآن، ورمزنا لها بالرمز (ج).
النسخة الرابعة: المحفوظة بدار الكتب المصرية، وهي من أول الزمر إلى آخر القرآن، وتحت رقم (٤٧) تفسير م، وتقع في (٢٤٨) ورقة، ومسطرتها (١٩) سطرا، ورمزنا لها بالرمز (د)، هذا، وكان من النسخ المطبوعة المعتمد عليها طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. وقد رمزنا لها بالرمز (ط).
عملنا في الكتاب
قمنا في تحقيق الكتاب بما يلي:
أولا: المقابلة وإثبات ما كان صوابا في النص ومخالفه في هامش الكتاب، وقمنا بضبط ما أشكل من الكتاب.
ثانيا: عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها.
ثالثا: تخريج الأحاديث النبوية والآثار.
رابعا: ترجمة للأعلام الوارد أسمائهم بالكتاب.
113
خامسا: شرح غريب النص. معتمدين في ذلك على كتب المعاجم.
سادسا: التعليق على بعض المسائل الفقهية.
سابعا: التعليق على بعض المسائل النحوية المشار إليها في النص.
ثامنا: توثيق للقراءات الواردة في الكتاب، وبيان ما أبهمه المصنف منها.
تاسعا: توثيق لبعض المصادر التي اعتمد عليها المصنف.
عاشرا: وضع مقدمة للكتاب وترجمة لمؤلفه.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين
114
الورقة قبل الأخيرة من نسخة دار الكتب المصرية الورقة الأخيرة
115
ورقة أولى من نسخة أخرى وهي صعبة القراءة جدا ورقة ثانية
116
[مقدمة المؤلف]
الجزء الأول من تفسير الثعالبي بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً يَقُولُ العبدُ الفقيرُ إِلى الله تعالى المعترف بذنبه، الراجي رحمة ربّه، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، لطف الله به في الدّارين وبسائر المؤمنين.
الحمد لله ربّ العالمين، وصلوات ربّنا وسلامه على سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ، وَعَلى آله وصحبه السادة المكرمين، والحمد لله الذي منّ علينا بالإيمان، وشرّفنا بتلاوة القرآن، فأشرقت علينا بحمد الله أنواره، وبدت لذوي المعارف عند التلاوة أسراره، وفاضت على العارفين عند التدبّر والتأمّل بحاره، فسبحان من أنزل على عبده الكتاب، وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: ٢٩].
أمّا بعد، أيّها الأخ، أشرق الله قلبي وقلبك بأنوار اليقين، وجعلني وإيّاك من أوليائه المتّقين، الذين شرّفهم بنزل قدسه، وأوحشهم من الخليقة بأنسه، وخصّهم من معرفته، ومشاهدة عجائب ملكوته، وآثار قدرته، بما ملأ قلوبهم حبره، وولّه عقولهم في عظمته حيره، فجعلوا همّهم به واحدا، ولم يروا في الدارين غيره، فهم بمشاهدة كماله وجلاله يتنعّمون وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يتردّدون، وبالانقطاع إليه والتوكّل عليه يتعزّزون، لهجين بصادق قوله: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: ٩١] فإنّي جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما أرجو أن يقر الله به عيني وعينك في الدارين فقد ضمّنته بحمد الله المهمّ مما اشتمل عليه تفسير ابن عطيّة «١»، وزدتّه فوائد جمّه، من غيره من كتب الأئمّة، وثقات أعلام هذه الأمّة، حسبما رأيته أو روّيته عن الأثبات، وذلك قريب من مائة تأليف، وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين، ومعدود في
(١) عبد الحق بن غالب بن عطية الغرناطي، كان فقيها جليلا، عارفا بالأحكام، والحديث، والتفسير، نحويا، لغويا، أديبا، روى عنه ابن مضاء وغيره، له «تفسير القرآن العظيم» مات سنة ٥٤١ هـ.
ينظر: «طبقات المفسرين» - للسيوطي- ص ٦٠، ٦١ «بغية الوعاة» (٢/ ٧٣، ٧٤)، «طبقات المفسرين» للداوودي (١/ ٢٦٥).
117
المحقّقين، وكلّ من نقلت عنه من المفسّرين شيئا فمن تأليفه نقلت، وعلى لفظ صاحبه عوّلت، ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزّلل، وإنما هي عبارات وألفاظ لمن أغزوها إليه، وما انفردت بنقله عن الطبريّ «١»، فمن اختصار الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللّخميّ النحويّ لتفسير الطبريّ- نقلت لأنه اعتنى بتهذيبه، وقد أطنب أبو بكر بن الخطيب في حسن الثناء على الطبري ومدح تفسيره، وأثنى عليه غاية نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياهم برحمته، وكلّ ما في آخره انتهى، فليس هو من كلام ابن عطيّة، بل ذلك مما انفردت بنقله عن غيره، ومن أشكل عليه لفظ في هذا المختصر، فليراجع الأمّهات المنقول منها، فليصلحه منها، ولا يصلحه برأيه وبديهة عقله فيقع في الزّلل من حيث لا يشعر، وجعلت علامة التاء لنفسي بدلا من «قلت» ومن شاء كتبها «قلت»، وأمّا العين، فلابن عطيّة، وما نقلته من الإعراب عن غير ابن عطية فمن الصّفاقسيّ «٢» مختصر أبي حيّان «٣» غالبا، وجعلت الصّاد علامة عليه، وربّما نقلت عن غيره معزّوا لمن عنه نقلت، وكلّ ما نقلته عن أبي حيّان، فإنما نقلي له بواسطة الصّفاقسيّ غالبا، قال الصّفاقسيّ: وجعلت علامة ما زدتّه على أبي حيّان م.
وما يتّفق لي إن أمكن، فعلامته «قلت»، وبالجملة فحيث أطلق فالكلام لأبي
(١) أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، الإمام العلم صاحب التفسير المشهور، مولده سنة ٢٢٤، أخذ الفقه عن الزعفراني والربيع المرادي، وذكر الفرغاني عند عد مصنفاته كتاب:
لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره وجوّده واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابا. مات سنة ٣١٠.
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (١/ ١٠٠)، «تاريخ بغداد» (٢/ ١٦٢)، «تذكرة الحفاظ» (٢/ ٦١٠).
(٢) هكذا بصاد ثم فاء كما ذكره المؤلف وفي الكتب بالسين ثم فاء، وهو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، القيسي، السفاقسي، أبو إسحاق، برهان الدين: فقيه مالكي. تفقه في «بجاية»، وحج فأخذ عن علماء «مصر» و «الشام». وأفتى ودرّس سنين. له مصنفات منها «المجيد في إعراب القرآن المجيد» ويسمى «إعراب القرآن»، و «شرح ابن الحاجب» في أصول الفقه.
ينظر: «الأعلام» (١/ ٦٣)، و «الدرر الكامنة» (١/ ٥٥)، و «النجوم الزاهرة» (١٠/ ٩٨).
(٣) محمد بن يوسف بن علي بن حيان بن يوسف، الشيخ الإمام العلامة، الحافظ، المفسر النحوي، اللغوي، أثير الدين، أبو حيان الأندلسي، الجياني، الغرناطي، ثم المصري. ولد في ٦٥٢ هـ. قرأ العربية على رضي الدين القسنطيني، وبهاء الدين بن النحاس، وغيرهم، سمع نحوا من أربعمائة شيخ، وكان ظاهريا، فانتمى إلى الشافعية، له مصنفات منها: «البحر المحيط في التفسير» و «النهر في البحر»، و «شرح التسهيل»، و «ارتشاف الضرب». سمع منه الأئمة العلماء، وأضر قبل موته بقليل، توفي بالقاهرة في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة.
ينظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (٣/ ٦٧)، «الأعلام» (٨/ ٢٦)، «طبقات السبكي» (٦/ ٣١) «الدرر الكامنة» (٤/ ٣٠٢).
118
حيّان، وما نقلته من الأحاديث الصّحاح والحسان عن غير البخاريّ ومسلم وأبي داود والتّرمذيّ في باب الأذكار والدّعوات- فأكثره من «النّوويّ»«١» و «سلاح المؤمن»، وفي الترغيب والترهيب وأحوال الآخرة فمعظمه من «التذكرة» للقرطبي «٢»، و «العاقبة» لعبد الحقّ، وربّما زدتّ زيادات كثيرة من «مصابيح البغويّ»«٣» وغيره كما ستقف عليه- إن شاء الله تعالى- كلّ ذلك معزوّ لمحالّه، وبالجملة فكتابي هذا محشوّ بنفائس الحكم، وجواهر السّنن الصحيحة والحسان المأثورة عن سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو عمر بن عبد البر «٤» في كتاب «التّقصّي»«٥» : وأولى الأمور بمن نصح نفسه، وألهم رشده- معرفة
(١) يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام، شيخ الإسلام محيي الدين، أبو زكريا الحزامي النووي، ولد سنة ٦٣١، قرأ القرآن ببلده، وختم وقد ناهز الاحتلام، وكان محققا في علمه وفنونه، مدققا في علمه وشؤونه، حافظا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفا بأنواعه من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه، واستنباط فقهه.. في كثير من المناقب يطول ذكرها صنف «المنهاج في شرح مسلم»، و «المجموع» و «الأذكار» وغيرها. مات سنة ٦٧٧.
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (٢/ ١٥٣)، «طبقات السبكي» (٥/ ١٦٥)، «النجوم الزاهرة» (٧/ ٢٧٨).
(٢) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، الأنصاري، الخزرجي، الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبد من أهل «قرطبة». رحل إلى الشرق واستقر بمنية ابن خصيب (في شمالي أسيوط، بمصر) وتوفي فيها. من كتبه «الجامع لأحكام القرآن» يعرف بتفسير القرطبي، و «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة». وكان ورعا متعبدا، طارحا للتكلف، يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية.
ينظر: «الأعلام» (٥/ ٣٢٢)، «الديباج» (٣١٧).
(٣) الحسين بن مسعود بن محمد، العلامة محيي السنة، أبو محمد البغوي، يعرف بالفراء أحد الأئمة، تفقه على القاضي الحسين، وكان دينا، عالما، عاملا على طريقة السلف، قال الذهبي: كان إماما في التفسير، إماما في الحديث، إماما في الفقه. بورك له في تصانيفه ورزق القبول لحسن قصده وصدق نيته. ومن تصانيفه: «التهذيب»، و «شرح المختصر»، وتفسيره «معالم التنزيل». وغيرها. مات سنة ٥١٦.
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (١/ ٢٨١)، «وفيات الأعيان» (١/ ٤٠٢)، «تذكرة الحفاظ» (٤/ ١٢٥٨)، و «الأعلام» (٢/ ٢٨٤)، «شذرات الذهب» (٤/ ٤٨)، «النجوم الزاهرة» (٥/ ٢٢٤).
(٤) يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري، القرطبي، المالكي، أبو عمر: من كبار حفّاظ الحديث، مؤرخ أديب، بحاثة، يقال له: حافظ المغرب، ولد بقرطبة سنة ٣٦٨ هـ، وتوفي بشاطبة سنة ٤٦٣ هـ، من تصانيفه: «الدرر في اختصار المغازي والسير» و «الاستيعاب» و «جامع بيان العلم وفضله» و «المدخل» من القراءات، و «بهجة المجالس وأنس المجالس» و «الاستذكار من شرح مذاهب علماء الأمصار» و «الإنباه على قبائل الرواة» و «الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف».
ينظر: «الأعلام» (٨/ ٢٤٠)، «وفيات الأعيان» (٢/ ٣٤٨)، «بغية الملتمس» (٤٧٤).
(٥) «تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد»، أو «التقصي لحديث الموطأ وشيوخ الإمام مالك»، ص ٩.
119
السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد الله تعالى من عباده فيما تعبّدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء، وعليه الجزاء، في دار الخلود والبقاء، التي لها يسعى الألبّاء العقلاء، والعلماء الحكماء، فمن منّ الله عليه بحفظ السّنن والقرآن، فقد جعل بيده لواء الإيمان، فإن فقه وفهم، واستعمل ما علم- دعي في ملكوت السموات عظيما، ونال فضلا جسيما- انتهى، والله أسأل أن يجعل هذا السعي خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إلى مرضاته، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العظيم.
وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»
أسأل الله أن ينفع به كلّ من حصّله، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.
وها أنا- إن شاء الله- أشرع في المقصود وألتقط من كلام ابن عطيّة- رحمه الله- ما ستقف عليه من النّبذ الحسنة المختارة ما تقرّ به العين، وإذا نقلت شيئا من غيره، عزوته لصاحبه كما تقدّم.
قال ع «١» - رحمه الله- بعد كلام في أثناء خطبته: ولما أردتّ أن أختار لنفسي وأنظر في علم أعدّ أنواره لظلم رمسي، سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم، وعلمت أنّ شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدتّ أمتنها حبالا، وأرسخها جبالا، وأجملها آثارا وأسطّعها أنوارا- علم كتاب الله جلّت قدرته، وتقدّست أسماؤه، الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: ٤٢] الذي استقلّ بالسّنّة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى، وتخليصا للنّيّات، ونهيا عن الباطل، وحضّا على الصالحات إذ ليس من علوم الدنيا فيختلّ حامله من منازلها صيدا، ويمشي في التلطّف لها رويدا، ورجوت أنّ الله تعالى يحرّم على النّار فكرا عمّرته أكثر عمره معانيه، ونفسا ميّزت براعة رصفه ومبانيه، ثم قال:
قال اللَّه تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: ٥] قال المفسّرون: أي: علم معانيه، والعمل بها، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قيّدوا العلم بالكتب»«٢» ففزعت إلى تعليق ما
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٣٤- ٣٦).
(٢) ورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، وهم: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس.
120
يتنخّل لي في المناظرة من علم التفسير، قال: ولنقدّم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدّم
حديث أنس بن مالك:
أخرجه ابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٢٧٤- بتحقيقنا) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٠/ ٤٦)، وفي «تقييد العلم» (ص- ٧٠) وفي «الجامع لأخلاق الراوي» (١/ ٢٢٨)، رقم (٤٤٠)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ٨٦)، رقم (٩٤)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١/ ٣٠٦)، كلهم من طريق عبد الحميد بن سليمان، عن ابن المثنى، عن عمه ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك مرفوعا.
وقال الخطيب في «التقييد» : تفرد برواية هذا الحديث عبد الحميد بن سليمان الخزاعي المدني أخو فليح عن عبد الله بن المثنى مرفوعا، وغيره يرويه موقوفا على أنس، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح تفرد بروايته مرفوعا عبد الحميد، قال يحيى بن معين وأبو داود: ليس بثقة. وقال الدارقطني:
ضعيف الحديث. قال: ووهم ابن المثنى في رفعه، والصواب: عن ثمامة، عن أنس أنه كان يقول ذلك لبنيه، ولا يرفعه. اه.
وعبد الحميد بن سليمان قال الحافظ في «التقريب» (١/ ٤٦٨) : ضعيف.
وقال العسكري كما في «المقاصد» (ص ٥٥) : ما أحسبه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب عبد الحميد وهم فيه، وإنه من قول أنس فقد روى عبد الله بن المثنى عن ثمامة قال: كان أنس يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتاب. اه.
وللحديث طريق آخر مرفوع.
أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢/ ٢٢٨) والقضاعي في «مسند الشهاب» (٦٣٧) كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة، عن الزهري، عن أنس مرفوعا به. وإسماعيل بن أبي أويس، قال الحافظ في «التقريب» (١/ ٧١) : صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه.
وقد ورد هذا الحديث موقوفا على أنس كما أشار إليه بعضهم كما تقدم.
والموقوف أخرجه الدارمي (١/ ١٢٦- ١٢٧)، باب: من رخص في كتابه العلم، وأبو خيثمة في «العلم» رقم (١٢٠)، والطبراني في «الكبير» (١/ ٢٤٦)، رقم (٧٠٠)، والحاكم (١/ ١٠٦)، والخطيب في «تقييد العلم» ص (٩٦)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٧/ ١٦)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص- ٣٦٨)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١/ ٣١٦)، كلهم من طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن ثمامة، عن أنس موقوفا.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١/ ١٥٥) وقال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح، وعبد الله بن المثنى قال الحافظ في «هدي الساري» (ص- ٤٣٦) : وثقه العجلي والترمذي، واختلف فيه قول الدارقطني، وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم صالح، وقال النسائي: ليس بالقوي وقال الساجي: فيه ضعف، ولم يكن من أهل الحديث، وروى مناكير، وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه. قلت: لم أر البخاري احتج به إلا في روايته عن عمه ثمامة، فعنده عنه أحاديث، وأخرج له من روايته عن ثابت عن أنس حديثا توبع فيه عنده، وهو في فضائل القرآن، وأخرج له أيضا في اللباس عن مسلم بن إبراهيم عنه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في النهي عن القزع بمتابعة نافع وغيره عن ابن عمر، وروى له الترمذي وابن ماجه.
وقال في «التقريب» (١/ ٤٤٥) : صدوق كثير الغلط. [.....]
121
أكثرها المفسّرون، وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه.
حديث عبد الله بن عمرو:
أخرجه الحاكم (١/ ١٠٦)، والخطيب في «تقييد العلم» (ص ٦٩)، والطبراني في «الأوسط» (١/ ٤٦٩) رقم (٨٥٢)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ٨٧)، رقم (٩٦) كلهم من طريق عبد الله بن المؤمل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو قال: قلت يا رسول الله: أقيد العلم؟ قال:
نعم، قلت: وما تقييده؟ قال: الكتابة.
وضعفه الحاكم، وقال الذهبي: ابن المؤمل ضعيف.
تنبيه: وقع في «المعجم الأوسط» عبد الله بن المؤمل، عن عطاء، ولم يذكر ابن جريج.
وقد اضطرب عبد الله بن المؤمل في إسناد هذا الحديث، فرواه كما تقدم، ورواه مرة، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» (ص- ٦٨)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص ٣٦٤)، وأخرجه الخطيب أيضا في «الجامع لأخلاق الراوي» (١/ ٢٢٨)، رقم (٤٣٩)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ٨٦) رقم (٩٥) كلهم من طريق سريج بن النعمان عنه به.
وقد ضعف ابن الجوزي هذا الطريق والذي قبله، فقال: هذه الطرق كلها لا تصح، أما الطريقان الأولان ففيهما عبد الله بن المؤمل قال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال يحيى بن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم بن حبان: لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد. اه.
واضطرب فيه ابن المؤمل مرة ثالثة، فرواه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
أخرجه الخطيب البغدادي في «تقييد العلم» (ص- ٦٩)، وقد توبع ابن المؤمل على هذا، تابعه ابن أبي ذئب: أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص ٣٦٤)، والخطيب في «تقييد العلم» (ص- ٦٩)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ٨٧)، رقم (٩٧)، كلهم من طريق إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به.
ونقل ابن الجوزي، عن الدارقطني قوله: تفرد به إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ذئب.
وقال ابن الجوزي: فيه إسماعيل بن يحيى، قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالبواطيل، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات وما لا أصل له عن الأثبات، لا يحل الرواية عنه بحال، وقال الدارقطني: كذاب متروك.
حديث ابن عباس:
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٢/ ٧٩٢) من طريق حفص بن عمر بن أبي العطاف، عن أبي الزناد، عن الأعرج. عن ابن عباس مرفوعا.
وقال ابن عدي: وحفص بن عمر حديثه منكر.
والحديث من هذه الطرق يحتمل التحسين، وله شواهد موقوفة عن عمر بن الخطاب، وابن عباس.
أثر عمر:
أخرجه ابن أبي شيبة (٩/ ٤٩)، والدارمي (١/ ١٢٧)، والخطيب في «تقييد العلم» (ص ٨٨)، والحاكم (١/ ١٠٦) من طريق ابن جريج، عن عبد الله بن عبد الملك بن أبي سفيان، عن عمه عمرو بن أبي سفيان، عن عمر، فذكره. وصححه الحاكم.
أثر ابن عباس:
أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» ص (٩٢) من طريق عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير. قال:
122
باب في فضل القرآن «١»
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّها ستكون فتن كقطع اللّيل المظلم، قيل: فما النّجاة منها، يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو فصل ليس بالهزل، من تركه تجبّرا، قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذّكر الحكيم، والصّراط المستقيم، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، من علم علمه سبق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به، فقد هدي إلى صراط مستقيم»«٢»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد علم الأوّلين والآخرين، فليثوّر القرآن»«٣»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الّذي يتعاهد القرآن، ويشتدّ عليه له أجران، والّذي يقرؤه وهو خفيف عليه مع السّفرة الكرام البررة»«٤»، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتلوا هذا القرآن،
قال ابن عباس: قيدوا العلم بالكتاب.
وسنده ضعيف فرواية عكرمة بن عمار عن يحيى مضطربة.
(١) هذا الباب يوجد في «المحرر الوجيز» (١/ ٣٦) هكذا: باب: ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وعن نبهة العلماء، في فضل القرآن المجيد، وصورة الاعتصام به.
(٢) أخرجه الترمذي (٥/ ١٧٢)، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضائل القرآن، حديث (٢٩٠٦)، والدارمي (٢/ ٤٣٥)، كتاب فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن، كلاهما من طريق الحسين بن علي الجعفي، عن حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث، عن علي به.
وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٣٣٧)، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، والدارمي، والترمذي، ومحمد بن نصر، وابن الأنباري في «المصاحف».
(٣) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١/ ٥٤٨) رقم (٢٤٥٤)، وعزاه إلى الديلمي، عن أنس مرفوعا، وقد ورد هذا الحديث عن ابن مسعود لكن موقوفا، فأخرجه الطبراني في «الكبير» (٩/ ١٤٦)، رقم (٨٦٦٥) من طريق زهير، عن أبي إسحاق، عن مرة، عن ابن مسعود، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧/ ١٦٨)، وقال: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح.
وأخرجه الطبراني أيضا (٩/ ١٤٦)، رقم (٨٦٦٦) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن مرة، عن عبد الله قال: «من أراد العلم فليثور القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين» وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٢٨٠)، رقم (٨١٤)، والفريابي في «فضائل القرآن» (ص- ١٩٧)، رقم (٧٨)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص ٣٦) رقم (٨٠). وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٨٥)، رقم (١٠٠٦٧) كلهم من طريق سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرة، عن ابن مسعود قال: «إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين».
(٤) أخرجه البخاري (٨/ ٥٦٠)، كتاب التفسير، باب سورة «عبس»، حديث (٤٩٣٧)، ومسلم (١/ ٥٥٠)،
123
فإنّ الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إنّي لا أقول «آلم» حرف، ولكن الألف حرف، واللّام حرف، والميم حرف» «١»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن، لا نبيّ ولا ملك»«٢»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل عبادة أمّتي القرآن»«٣»، وحدّث أنس بن
كتاب «صلاة المسافرين»، باب فضل الماهر بالقرآن، حديث (٧٩٨/ ٢٤٤)، وأبو داود (١/ ٤٦٠)، كتاب الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن، حديث (١٤٥٤)، والترمذي (٥/ ١٧١)، كتاب «فضائل القرآن»، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن، حديث (٢٩٠٤)، والنسائي في «التفسير» (٢/ ٤٩٢)، رقم (٦٦٦)، وابن ماجة (٢/ ١٢٤٢)، كتاب «الأدب»، باب ثواب القرآن، حديث (٣٧٧٩)، وأحمد (٦/ ٤٨، ١١٠، ١٩٢، ٢٣٩)، وعبد الرزاق (٢/ ٤٩١)، رقم (٤١٩٤)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٩٠)، رقم (١٠٠٨٥)، والدارمي (٢/ ٤٤٤)، كتاب «فضائل القرآن»، باب فضل من يقرأ القرآن ويشتد عليه، والطيالسي (٢/ ٢- منحة)، رقم (١١٨٤)، والبيهقي (٢/ ٣٩٥)، كتاب «الصلاة»، وفي «شعب الإيمان» (٤/ ٥٣٧)، رقم (١٨٢٢)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص- ٥)، رقم (٦)، والفريابي في «الفضائل» (ص- ١١٤)، وابن الضريس في «فضائل القرآن» (ص ٣٩)، رقم (٢٩)، وابن حبان (٣/ ٤٤)، رقم (٧٦٧)، من طرق، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام الأنصاري، عن عائشة مرفوعا.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(١) أخرجه الترمذي (٥/ ١٧٥)، كتاب «فضائل القرآن»، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر، حديث (٢٩١٠)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ٢١٦)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤/ ٥٤٨)، رقم (١٨٣١) كلهم من طريق الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، وميم حرف».
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، سمعت قتيبة يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي ﷺ... » اه. قلت: الذي ولد في حياة النبي ﷺ كعب والد محمد، وينظر «الإصابة» (٦/ ٣٤٦).
(٢) ذكره الغزالي في «الإحياء» (١/ ٢٧٣).
وقال الحافظ العراقي في «تخريجه» : رواه عبد الملك بن حبيب من رواية سعيد بن سليم مرسلا. اه.
وينظر: «كشف الخفاء» (١/ ٢٠).
(٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٣٥٤)، رقم (٢٠٢٢) من طريق سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي، عن النعمان بن بشير مرفوعا.
وقد ورد بلفظ: «أفضل العبادة قراءة القرآن».
ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١/ ٥١١)، رقم (٢٢٦٣)، وعزاه إلى ابن قانع، عن أسير بن جابر، وإلى السجزي في «الإبانة»، عن أنس.
وأسير بن جابر في صحبته نظر، قاله ابن الأثير كما في «فيض القدير» (٢/ ٤٤).
والحديث ذكره الغزالي في «الإحياء» (١/ ٢٧٣)، وقال الحافظ العراقي: أخرجه أبو نعيم في «فضائل القرآن» من حديث النعمان بن بشير، وأنس، وإسنادهما ضعيف.
124
مالك «١» عن رسول الله ﷺ أنّه قال: «من قرأ مائة آية، كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية، لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ ثلاثمائة آية، لم يحاجّه القرآن»«٢»، قال الشيخ يحيى بن شرف النوويّ «٣» : اعلم أنّ قراءة القرآن آكد الأذكار، وأفضلها فينبغي المداومة عليها فلا يخلو عنها يوما وليلة، ويحصل له أصل القراءة بقراءة الآيات القليلة، والمطلوب القراءة بالتدبّر والخشوع والخضوع، وقد روّينا في كتاب ابْنِ السُّنِّيِّ عن أنسٍ، عن النبيّ ﷺ أنّه قال: «من قرأ خمسين آية، لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية، كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية، لم يحاجّه القرآن يوم القيامة، ومن قرأ خمسمائة آية، كتب له قنطار من الأجر»، وفي رواية: «من قرأ أربعين آية بدل: «خمسين»، وفي رواية: «عشرين «٤» آية» وفي رواية عن أبي هريرة «٥» عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ عشر آيات لم يكتب
(١) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار- واسمه تيم الله- بن ثعلبة بن عمرو بن خزرج بن حارثة.
أبو حمزة. الأنصاري. الخزرجي. النجاري من بني عدي بن النجار. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ٩٠ وقيل غير ذلك.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٢٥٨/ ١/ ١٥١)، «الإصابة» (١/ ٧١)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٣١)، «الاستيعاب» (١/ ١٠٩)، «الثقات» (٣/ ٤)، «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٣٩٥)، «الجرح والتعديل» (٢/ ١٠٣٦)، «الأعلام» (٢/ ٢٤)، «العبر» (١/ ١٠٧)، «تهذيب الكمال» (١/ ١٢٢)، «تقريب التهذيب» (١/ ١٤)، «الوافي بالوفيات» (٩/ ٤١١)، «تاريخ الثقات» (٧٣).
(٢) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (٦٧٩).
(٣) ينظر: «الأذكار» ص ١٣٣، بتصرف.
(٤) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (٦٧٩). [.....]
(٥) أبو هريرة بن عامر بن عبد ذي الشّرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب. الدوسي. وقيل في نسبه غير ذلك. واختلف في اسمه اختلافا كثيرا. ذكره ابن حجر في «الإصابة» وقد عدد من أقوالهم في اسمه الشيء الكثير.
قال ابن الأثير:
أبو هريرة- الدوسي صاحب رسول الله ﷺ وأكثرهم حديثا عنه، وهو دوسي. وقد اختلف في اسمه اختلافا كثيرا لم يختلف في اسم آخر مثله ولا ما يقاربه.. وقيل: رآه رسول الله ﷺ وفي كمه هرة فقال: «يا أبا هريرة».
وفاته: قيل توفي سنة (٥٧)، وله (٧٨ سنة)، قيل: مات ب «العقيق»، وحمل إلى المدينة.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٦/ ٣١٨)، «الإصابة» (٧/ ١٩٩)، «الاستيعاب» (١٧٦٨)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ٢٠٩)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٦٥٥)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٢٦٢)، «الكنى والأسماء» (١/ ٦٠)، «المغني» (٢٩٨)، «الكاشف» (٣/ ٣٨٥)، «الأنساب» (٥/ ٤٠٢)، «تنقيح المقال» (٣/ ٣٨)، «معرفة الثقات» (٢٢٧٥٦)، «تاريخ الثقات» (٢٠٦١).
125
من الغافلين» «١»، وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا. انتهى من «الحلية».
وروى ابن عبّاس «٢» عن النبي ﷺ أنه قال: «أشراف أمّتي حملة القرآن»«٣»، وروى أنَسُ بنُ مالكٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «القرآن شافع مشفّع وما حل مصدّق، ومن شفع له القرآن نجا، ومن محل به القرآن يوم القيامة، كبّه الله لوجهه في النّار»«٤»، وأحقّ من شفع
(١) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (ص ١٨٨)، رقم (٧٠٢)، و «الحاكم» (١/ ٥٥٥)، كلاهما من طريق محمد بن إبراهيم الصوري، عن مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة به وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرِّجاه.
ووافقه الذهبي.
قلت: ومؤمل بن إسماعيل. وثقه ابن معين وإسحاق بن راهويه.
وقال ابن سعد: ثقة كثير الغلط.
وقال الدارقطني: كثير الخطأ.
وقال الساجي: صدوق كثير الخطأ، وله أوهام يطول ذكرها.
وقال أبو حاتم: صدوق شديد السنة، كثير الخطأ.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقد لخص الحافظ هذه الأقوال في «التقريب» فقال: صدوق إلا أنه سىء الحفظ.
ينظر: «الجرح والتعديل» (٨/ ٣٧٤)، و «التقريب» (٢/ ٥٥٥) و «التهذيب» (١٠/ ٣٨٠- ٣٨١).
(٢) هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس. القرشي. الهاشمي. ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمه: أم الفضل لبابة بنت الحارث. الهلالية.
ولد وبنو هاشم بالشّعب قبل الهجرة بثلاث، وقيل: بخمس. كان يسمى «البحر» لسعة علمه، ويسمى «حبر الأمة»، ويسمى «ترجمان القرآن»، وهو من صغار الصحابة توفي النبي ﷺ وله على أرجح الأقوال ثلاث عشرة سنة. توفي ب «الطائف» سنة ٦٨ وله (٧١ أو ٧٢ أو ٧٤).
ينظر ترجمته في: «الإصابة» (٤/ ٩٠)، «أسد الغابة» (٣/ ٢٩٠)، «الاستيعاب» (٣/ ٩٣٣)، «تجريد أسماء الصحابة (١/ ٣٢٠)، «التاريخ الكبير» (٣/ ٣، ٥) «الجرح والتعديل» (٥/ ١١٦)، «العبر» (١/ ٤١)، «الأعلام» (٤/ ٩٥)، «شذرات الذهب» (١/ ٧٥) «صفوة الصفوة» (١/ ٧٤٦).
(٣) أخرجه السهمي في «تاريخ جرجان» (ص- ٤٩٤)، والطبراني في «الكبير» (١٢/ ١٢٥)، رقم (١٢٦١٢)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٥٥٦)، رقم (٢٧٠٣)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٤/ ١٢٤)، كلهم من طريق سعد بن سعيد الجرجاني: ثنا نهشل بن عبد الله، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧/ ١٦٤)، وقال: وفيه سعد بن سعيد الجرجاني، وهو ضعيف.
والحديث ضعفه المنذري في «الترغيب» (٩١٩).
(٤) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب «فضائل القرآن» كما في «تخريج الكشاف» للزيلعي (٢/ ١٨٧، ١٨٨) من طريق حجاج عن ابن جريج قال: حدثت عن أنس، فذكره وقال الزيلعي: وفيه انقطاع، وحجاج ضعيف.
126
له القرآن أهله وحملته، وأولى من محل به من عدل عنه، وضيّعه، وقال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: «ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس «١» لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح؟! فقال لهم: فلعلّه قرأ سورة البقرة، فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم، قرأت سورة البقرة» «٢»، وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير «٣» في تنزّل
وللحديث شواهد من حديث جابر وابن مسعود.
حديث جابر:
أخرجه ابن حبان (١٧٩٣- موارد)، والبزار (١/ ٧٨- كشف)، رقم (١٢٢)، كلاهما من طريق أبي كريب محمد بن العلاء: ثنا عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عن النبي ﷺ قال: «القرآن شافع مشفع، وما حل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار».
وصححه ابن حبان.
وقال البزار: لا نعلم أحدا يرويه عن جابر إلّا من هذا الوجه وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١/ ١٧٤)، وقال: ورجال حديث جابر المرفوع ثقات.
حديث ابن مسعود:
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٤/ ١٠٨)، والطبراني في «الكبير» (١٠/ ٢٤٤)، رقم (١٠٤٥٠)، كلاهما من طريق هشام بن عمار: ثنا الربيع بن بدر، عن الأعمش، عن شقيق أبي وائل، عن ابن مسعود مرفوعا.
وقال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش، تفرد به عنه الربيع.
(١) ثابت بن قيس بن الشماس بن زهير بن مالك. أبو عبد الرحمن وأبو محمد. الأنصاريّ الخزرجي.
خطيب الأنصار. قال ابن الأثير: كان ثابت خطيب الأنصار، وخطيب النبي ﷺ كما كان حسان شاعره.. شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر شهيدا. روى عنه أنس بن مالك وأولاده.
ينظر ترجمته في: «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٦٤)، «الاستيعاب» (١/ ٢٠٠)، «الاستبصار» (١/ ١١٧)، «الإصابة» (١/ ٢٠٣)، «أسد الغابة» (١/ ٢٧٥)، «الثقات» (٣/ ٤٣)، «تقريب التهذيب» (١/ ١١٦)، «تهذيب التهذيب» (٢/ ١٢)، «تهذيب الكمال» (١/ ٣٦٨)، «الكاشف» (١/ ١٧١)، «التاريخ الكبير» (٥/ ١٦٧)، «الجرح والتعديل» (٢/ ٤٥٦)، «سير أعلام النبلاء» (١/ ٣٠٨).
(٢) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب: «فضائل القرآن» كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٣)، قال حدثنا عباد بن عباد، عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه، فذكروا الحديث.
وقال ابن كثير: وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاما، ثم هو مرسل.
(٣) هو: أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.. قيل كنيته: أبو حضير، أبو عمرو، أبو عيسى، أبو يحيى، أبو عتيك. الأنصاري. الأشهلي الأوسي، شهد العقبة الثانية، وكان نقيبا لبني عبد الأشهل. اختلف في شهوده بدرا، وشهد أحدا وكان ممن ثبت يومها، وجرح حينئذ سبع جراحات، قال ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن
127
الملائكة في الظّلّة لصوته بقراءة سورة البقرة «١».
قلت: وفي رواية سورة الكهف.
وهذا الحديث خرّجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنّسائيّ. انتهى.
وقال عقبة بن عامر «٢» :«عهد إلينا رسول الله ﷺ في حجّة الوداع، فقال: عليكم بالقرآن»«٣»، وقال عبد اللَّه بن عمرو بن العَاصِي «٤» : أنَّ من أشراط السّاعة أن يبسط
عائشة قالت: «ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل كلهم من بني عبد الأشهل:
سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وعباد بن بشير. توفي سنة (٢٠)، وقيل ٢١، وقيل: في إمارة عمر.
ينظر ترجمته في: «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٢١)، «الثقات» (٣/ ٦)، «أسد الغابة» (١/ ١١١)، «الإصابة» (١/ ٤٨)، «الإكمال» (٢/ ٤٨٢)، «الاستيعاب» (١/ ٩٢)، «تهذيب الكمال» (١/ ١١٣).
(١) أخرجه البخاري (٨/ ٦٨٠)، كتاب «فضائل القرآن»، باب: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، حديث (٥٠١٨).
(٢) هو: عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة... الجهني، أبو حماد. وقيل: أبو لبيد. وأبو عمرو.
قال ابن الأثير في «الأسد» :
روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبو عباس، وأبو أيوب، وأبو أمامة، وغيرهم. ومن التابعين: أبو الخير، وعلي بن رباح أبو قبيل، وسعيد بن المسيب وغيرهم.
شهد «صفين» مع معاوية، وشهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر بفتح «دمشق»، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن. توفي بمصر، وكان واليا عليها سنة (٥٨ هـ.)
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٤/ ٥٣)، «الإصابة» (٤/ ٢٥٠)، «الثقات» (٣/ ٢٨٠)، «الطبقات الكبرى» (٢/ ٣٧٦)، «التاريخ الكبير» (٦/ ٣٤٠)، «التاريخ الصغير» (٢/ ١٢٣)، «الرياض المستطابة» (٢٢٠)، «الأعلام» (٢/ ٢٤٠)، «العبر» (١/ ٦٢)، «الإكمال» (٦/ ٨٨)، «سير أعلام النبلاء» (٢/ ٤٦٧)، «طبقات الحفاظ» (١٠) «تذكرة الحفاظ» (١/ ٤٢)، «روضات الجنات» (٨/ ٣٨)، «الجرح والتعديل» (٦/ ٣١٣)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٩٤٥)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٢٧).
(٣) أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٩/ ٢٩٦)، رقم (٦٥٨).
(٤) هو: عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي.. أبو محمد. وقيل: أبو عبد الرحمن. القرشي. السهمي. أسلم قبل أبيه، وكان من فضلاء الصحابة عالما بالقرآن، وقرأ الكتب المتقدمة، وكان من أشهر حفاظهم، وأخباره كثيرة لا يتسع المقام للحديث عنه.
وفاته: قيل: توفي سنة (٦٣) وقيل غير ذلك.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ٣٤٩)، «الإصابة» (٤/ ١١١)، «الثقات» (٣/ ٢١١)، «الاستيعاب» (٣/ ٢٥٦)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٣٢٦)، «الجرح والتعديل» (٥/ ١١٦)، «تقريب التهذيب» (١/ ٤٣٦)، «تهذيب التهذيب» (٥/ ٣٣٧)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٧١٦)، «شذرات الذهب» (١/ ٦٢)، «النجوم الزاهرة» (٢٠)، «الوافي بالوفيات» (١٧/ ٣٨٠). [.....]
128
القول، ويخزن الفعل، ويرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وأن تقرأ المثناة على رءوس النّاس، لا تغيّر، قيل: وما المثناة «١» ؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله، قيل له: فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أخذتموه عمّن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه، وعليكم بالقرآن فتعلّموه، وعلّموه أبناءكم فإنّكم عنه تسألون، وبه تجزون، وكفى به واعظا لمن عقل «٢» وقال رجل لعبد الله بن مسعود «٣» : أوصني، فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك فإنّه خير يأمر به، أو شرّ ينهى عنه «٤»، وروى أبو هريرة أنّ رسول الله ﷺ سئل عن أحسن النّاس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: «الّذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى»«٥»، وقال صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا بالقرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح «٦»، ويضيّعون معانيه، يتعجّلون أجره، ولا
(١) قال العلامة ابن الأثير: وقيل: إن المثناة هي أن أحبار بني إسرائيل بعد موسى- عليه السلام- وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو المثناة، فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم، فقال هذا لمعرفته بما فيها.
قال الجوهري: «المثناة» هي التي تسمى بالفارسية دوبتي، وهو الغناء. ينظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر» (١/ ٢٢٥- ٢٢٦).
(٢) أخرجه الدارمي (١/ ١٢٣)، باب: من لم ير كتابة الحديث.
(٣) هو: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمع بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن الحرث بن تيم بن سعد بن هذيل أبو عبد الرحمن الهذلي. حليف بني زهرة.
قال له النبي ﷺ في أول الإسلام «إنك غلام معلم» وقال هو: لقد رأيتني سادس ستة، وما على الأرض مسلم غيرنا، وكان يقول أخذت من في رسول الله ﷺ سبعين سورة، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة.
توفي سنة: ٣٢، وقيل: ٣٣، وقيل: توفي بالمدينة، وقيل: بالكوفة، والأول أرجح.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ٤٨٤)، «الإصابة» (٤/ ١٢٩)، «الثقات» (٣/ ٢٠٨)، «الاستبصار» (٦٥، ١٣٩)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٣٣٤)، «الأعلام» (٤/ ١٣٧)، «التاريخ الصغير» (١/ ٦٠)، «الجرح والتعديل» (٥/ ١٤٩)، «العبر» (١/ ٢٥)، «حلية الأولياء» (١/ ٣٧٥)، «سير أعلام النبلاء» (١/ ٤٦١).
(٤) أخرجه أحمد في «الزهد» (ص ٢٣١) رقم (٨٦٤) وابن المبارك في «الزهد» (ص ١٢) رقم (٣٦) وسعيد بن منصور رقم (٥٠) وابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» (٢/ ٢) وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ١٣٠).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٩٥) ولكن عن ابن عباس وأظنه خطأ من الطابع أو الناسخ وزاد نسبته إلى أبي عبيد في «فضائله» والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٥) أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٤٨٨) رقم (٤١٨٥) عن طاوس مرسلا.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧/ ١٧٣) من حديث ابن عمر وعزاه للطبراني في الأوسط وقال:
وفيه حميد بن حماد بن حوار وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٦) القدح: السهم قبل أن ينصّل ويراش. ينظر: «لسان العرب» (٣٥٤٢).
129
يتأجّلونه» «١»، وروي أنّ أهل اليمن، لمّا قدموا أيام أبي بكر الصديق «٢» رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون، فقال أبو بكر: «هكذا كنّا، ثمّ قست القلوب»«٣»، وروي أن عمر بن الخطاب «٤» رضي الله عنه قرأ مرة إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ [الطور: ٧، ٨] فأنّ أنّة عيد منها عشرين يوما «٥»، قال القرطبي في «التّذكرة»«٦» : وما تقرّب
(١) أخرجه أبو داود (١/ ٢٨٠)، كتاب: «الصلاة»، باب: ما يجزىء الأمي والأعجمي من القراءة، حديث (٨٣٠)، وأحمد (٣/ ٣٩٧)، والفريابي في «فضائل القرآن» (ص ٢٤٤)، رقم (١٧٤)، والآجري في «أخلاق أهل القرآن» (ص ٩٢)، رقم (٢٨)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥/ ٥٧٥- ٥٧٦)، رقم (٢٣٩٩)، كلهم من طريق حميد الأعرج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا.
وأخرجه أحمد (٣/ ٣٥٧)، وأبو يعلى (٤/ ١٤٠)، رقم (٢١٩٧)، والبيهقي في «شعب الإيمان»، (٥/ ٥٧٦- ٥٧٧)، رقم (٢٤٠٠) من طريق أسامة بن زيد الليثي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به.
وقد روي هذا الحديث عن ابن المنكدر مرسلا.
أخرجه عبد الرزاق (٣/ ٣٨٢) رقم (٦٠٣٤)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٨٠)، رقم (١٠٠٥٣)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥/ ٥٧٥)، رقم (٢٣٩٨)، عن ابن المنكدر، عن النبي ﷺ مرسلا.
(٢) هو: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي..
القرشي. التيمي أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر. هو صحابي شهير غني عن التعريف، وقد جاءت ترجمته في مصادر يصعب حصرها في مثل هذا الموضع. توفي يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة (١٣) وله (٦٣ سنة).
ينظر ترجمته في: «الاستيعاب» (٢٩٣)، «أسد الغابة» (٦/ ٣٧)، «الإصابة» (٤/ ١٠١)، «المغني» (٢٨٦)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ١٥٢)، «الكنى والأسماء» (١/ ٦)، «بقي بن مخلد» (٣٠)، «الزهد لوكيع» (٩٩)، «تاريخ الثقات» (١٩٠٦)، «معرفة الثقات» (٢٠٩٢)، «الأعلام» (٤/ ١٠٢)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٥٨٩)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٤٣)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٤٠١)، «تذكرة الحفاظ» (١/ ٢)، «شرف أصحاب الحديث» (٣٥، ٩٠)، «أصحاب بدر» (٤١)، «التحفة اللطيفة» (٢/ ٣٥٨)، «تاريخ الإسلام» (٢/ ٩٧) «الرياض المستطابة» (١٤٠)، «صفة الصفوة» (١/ ٢٣٥).
(٣) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (١/ ٣٣- ٣٤) من طريق الأعمش عن أبي صالح به وذكره الهندي في «كنز العمال» (٤٠٩٧) وعزاه لأبي نعيم.
(٤) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي.. أبو حفص. القرشي. العدوي. أمير المؤمنين. الفاروق.
ولد بعد «الفجار الأعظم» بأربع سنين قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، وقيل: يرون ذلك. طعن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة (٢٣)، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة (٢٤) على أرجح الأقوال.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٤/ ١٤٥)، «الإصابة» (٤/ ٢٧٥)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٣٩٧)، «الاستيعاب» (٣/ ١١٤٤)، «الجرح والتعديل» (٦/ ١٠٥)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٥٤٠)، «تهذيب التهذيب» (٧/ ٤٣٨)، «الكاشف» (٣٠٩)، «تاريخ جرجان» (٧٣٠).
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٤٦) وعزاه إلى أبي عبيد في «فضائله».
(٦) ينظر: «التذكرة» (١/ ١٢٦).
130
المتقرّبون إلى الله تعالى بشيء مثل القرآن قال صلى الله عليه وسلم: «يقول الرّبّ تبارك وتعالى: من شغله قراءة القرآن عَنْ مَسْأَلتي، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائلين» رواه الترمذي. انتهى.
قلت: ولفظ الترمذيّ عن أبي سعيد «١» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الرّبّ عزّ وجلّ: «من شغله القرآن وذكري عَنْ مَسْأَلتي، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائلين»، و «فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه»، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ «٢».
(١) هو: سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج.. أبو سعيد الخدري، الأنصاري.
قال ابن الأثير:
كان من الحفاظ لحديث رسول الله ﷺ المكثرين ومن العلماء الفضلاء العقلاء. روى عن أبي سعيد قال:
عرضت على رسول الله ﷺ يوم الخندق وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول: يا رسول الله، إنه عبل العظام. فردني. توفي سنة «٧٤ هـ.».
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٦/ ١٤٣)، «الإصابة» (٧/ ٨٤)، «الاستيعاب» (٢/ ١٦٧١)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ١٧٢)، «الأنساب» (٥/ ٦)، «الإكمال» (٣/ ٢٩٦)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٦٠٩)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٤٢٨).
(٢) أخرجه الترمذي (٥/ ١٨٤)، كتاب «فضائل القرآن»، باب (٢٥)، حديث (٢٩٢٦)، والدارمي (٢/ ٤٤١)، كتاب «فضائل القرآن»، باب فضل كلام الله على سائر الكلام، وابن نصر في «قيام الليل» (ص ٧١)، والعقيلي في «الضعفاء» (٤/ ٤٩)، وأبو نعيم في «الحلية» (٥/ ١٠٦)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص ٢٣٨)، كلهم من طريق محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعا. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
والحديث أعله العقيلي في «الضعفاء» بمحمد بن الحسن وقال: لا يتابع عليه.
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢/ ٨٢)، رقم (١٧٣٨) : سألت أبي عن حديث رواه محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال الله عز وجل: «من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب السائلين» قال أبي: هذا حديث منكر، ومحمد بن الحسن ليس بالقوي اه. فأعل العقيلي وأبو حاتم هذا الحديث بمحمد بن الحسن. قلت: قال البيهقي: تابعه الحكم بن بشير، ومحمد بن مروان، عن عمرو بن قيس لتنحصر علة الحديث في ضعف وتدليس عطية العوفي.
وللحديث شاهد من حديث عمر بن الخطاب: أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٩٣)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١/ ٤١٣)، رقم (٥٧٢)، كلاهما من طريق صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير بن عتيق، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جده مرفوعا به، ومن طريق صفوان أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ١٦٦)، وقال: قال ابن حبان: هذا موضوع ما رواه إلا صفوان بهذا الإسناد، فأما صفوان، فيروي عن الأثبات ما لا أصل له من حديث الثقات، ولا يجوز الاحتجاج بما انفرد به. [.....]
131
وعن عبد الله بن عمرو أنّ النبيّ ﷺ قال: «لم يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح «١». انتهى.
وعماد الأمر التدبّر والتفهّم، فقلّة القراءة مع التفهّم أفضل من كثرتها من غير تفهّم، وهذا الذي عليه المحقّقون، وهو الذي يدلّ عليه القرآن، وصحيح الآثار، ولولا الإطالة، لأتينا من ذلك بما يثلج له الصدر، وقد ذكر بعض شراح «الرسالة»«٢» في الذي يقرأ القرآن من غير تأمّل ولا تفهّم، هل له أجر أم لا؟ قولان، وهذا الخلاف، والله أعلم، في غير المتعلّم، والقول بعدم الأجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض «٣» في «المدارك» عن
وللحديث شاهد آخر من حديث حذيفة: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٧/ ٣١٣)، عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد، ثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته قبل أن يسألني».
وقال أبو نعيم: غريب، تفرد به أبو مسلم.
وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (١/ ٤١٣- ٤١٤)، رقم (٥٧٣)، من طريق يزيد بن خمير، عن جابر، عن النبي ﷺ عن ربه تبارك وتعالى قال: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلتي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ ما أعطي السائلين».
(١) أخرجه الترمذي (٥/ ١٩٨)، كتاب «القراءات»، باب (١٣)، حديث (٢٩٤٩)، وأبو داود (١/ ٤٤٣)، كتاب «الصلاة»، باب تحزيب القرآن، حديث (١٣٩٤)، وابن ماجة (١/ ٤٢٨)، كتاب «الصلاة»، باب في كم يستحب يختم القرآن، حديث (١٣٤٧)، والدارمي (١/ ٣٥٠)، كتاب «الصلاة»، باب في كم يختم القرآن، وأحمد (٢/ ١٩٥)، وابن حبان (٣/ ٣٥)، رقم (٧٥٨)، كلهم من طريق قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان.
(٢) هي «الرسالة القشيرية» في التصوف، للإمام أبي القاسم عبد الكريم ابن هوازن القشيري، الأستاذ الشافعي، المتوفى سنة ٤٦٥ هـ، عن تسعة وثمانين عاما، وهي على أربعة وخمسين بابا، وثلاثة فصول، وقد شرحها القاضي زكريا بن محمد الأنصاري ت ٩١٠، في مجلد مع المتن، سماه «إحكام الدلالة على تحرير الرسالة».
ومن شروحها «الدلالة على فوائد الرسالة» للشيخ الفقيه سديد الدين أبي محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد العلي اللخمي.
وشرحها- أيضا- المولى علي القاري في مجلدين. ينظر: «كشف الظنون» (٨٨٣).
(٣) هو أبو الفضل عياض- بكسر العين- بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى اليحصبي- بضم الصاد- المالكي، سبتي الدار والميلاد، أندلسي الأصل، ولد سنة ٤٧٦ هـ، ورحل إلى «الأندلس»، وأخذ عن علمائها كأبي الوليد بن رشد، وأبي علي الغساني، وغيرهما، ثم عاد إلى «سبتة» وتولى بها التدريس والقضاء، وصار إمام وقته في الحديث، والتفسير، والفقه، والأصول، كما كان عالما بالنحو واللغة ومن أشهر مؤلفاته: كتاب «التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة»، وكتاب «ترتيب المدارك في طبقات أصحاب مالك». توفي سنة ٥٤٤ هـ.
ينظر: «ترتيب المدارك» (١/ ١٨)، «الفكر السامي» (٣/ ٥٨) وما بعدها، «شجرة النور» ص ١٤٠.
132
الشّبليّ في قصّته مع الإمام المقرئ.
وبالجملة فالتدبّر والتفهّم هو الذي يحصل معه الإنابة والخشوع، وكل خير، ونقل الباجيّ «١» في «سنن الصّالحين» عن محمد بن كعب القرظيّ «٢» قال: لأن أقرأ في ليلي حتّى أصبح ب «إذا زلزلت»، وبالقارعة لا أزيد عليهما وأتردّد فيهما وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ القرآن ليلي هذّا، أو قال: أنثره نثرا «٣»، ونحوه عن مجاهد «٤» وغيره، وعن ابن عبّاس قال: «ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساه «٥». انتهى.
قال ابن أبي جمرة «٦» : والمرغّب فيه التدبّر في القراءة، وإن قلّت، وهو خير من كثرة
(١) القاضي أبو الوليد: هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجي، أصلهم من «بطليوس»، ثم انتقلوا إلى باجة أعني «باجة» الأندلس، أخذ بالأندلس عن ابن الأصبغ، وابن محمد المكي، وابن شاكر، وغيرهم، ورحل سنة ٤٢٦، فأقام بالحجاز مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام، ثم ارتحل إلى «بغداد»، فدرس الفقه، وسمع الحديث ثم دخل «الشام» ثم «الموصل». له مؤلفات عديدة منها: كتاب «السراج في علم الحجاج»، وكتاب «مسائل الخلاف»، وكتاب «شرح المدونة»، وكتاب «المقتبس» من علم مالك، وكتاب «المهذب في اختصار المدونة»، وكتاب «اختلاف الموطأ»، وكتاب «إحكام الفصول في أحكام الوصول»، وكتاب «المنتقى في شرح الموطأ»، وهو اختصار لكتاب «الاستيفاء»، وتوفي سنة ٤٩٤ هـ، وقيل سنة ٤٧٤.
ينظر: «الديباج» ص ١٢٠ وما بعدها، و «شجرة النور» ص ١٢١.
(٢) محمد بن كعب القرظي المدني، ثم الكوفي أحد العلماء. قال ابن عون: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وقال ابن سعد: كان ثقة ورعا كثير الحديث. قيل: مات سنة تسع عشرة ومائة.
وقيل: سنة عشرين.
ينظر: «خلاصة تهذيب الكمال» (٢/ ٤٥٢) «تهذيب التهذيب» (٩/ ٤٢٠)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٢٠٣)، «الكاشف» (٣/ ٩٢)، «الثقات» (٥/ ٣٥١)، «طبقات ابن سعد» (٥/ ٣٧٠، ٣٧١).
(٣) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٣/ ٢١٤- ٢١٥).
(٤) مجاهد بن جبر، مولى السائب بن أبي السائب، أبو الحجّاج المكي، المقرئ، الإمام، المفسّر، روى عن ابن عباس وقرأ عليه. قال مجاهد: عرضت على ابن عباس ثلاثين مرة. روى عن الصحابة. وثقه ابن معين وأبو زرعة. ولد سنة ٢١ هـ، وتوفي ب «مكة» وهو ساجد سنة ١٠٢ هـ، وقيل: غير ذلك.
ينظر: «الخلاصة» (٣/ ١٠) (٦٨٥٤)، «صفة الصفوة» (٢/ ٢٠٨- ٢١١)، و «ميزان الاعتدال» (٣/ ٤٣٩- ٤٤٠).
(٥) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٨/ ٢٠١) رقم (٢٢٥٤٤) وعزاه لابن أبي الدنيا في «التفكر».
(٦) عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة، الأزدي، الأندلسي، أبو محمد: من العلماء بالحديث، مالكي. أصله من «الأندلس»، ووفاته ب «مصر»، من كتبه «جمع النهاية» اختصر به صحيح البخاري، ويعرف بمختصر ابن أبي جمرة، و «بهجة النفوس» في شرح جمع النهاية، و «المرائي الحسان» في الحديث، و «الرؤيا».
ينظر: «الأعلام» (٤/ ٨٩)، «البداية والنهاية» (١٣/ ٣٤٦).
133
القراءة بلا تدبّر وفائدة التدبّر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي «١». انتهى.
وقال الحسن بن أبي الحسن «٢» : إنّكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جملا تركبونه، فتقطعون به المراحل، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربّهم، فكانوا يتدبّرونه بالليل، وينفذونه بالنهار، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتّخذوا درسه عملا، إنّ أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته، ما يسقط منه حرفا، وقد أسقط العمل به.
قال ع «٣» : قال الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر: ٢٢] وقال تعالى:
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: ٥]، أي: علم معانيه، والعمل به، والقيام بحقوقه ثقيل، فمال الناس إلى الميسّر، وتركوا الثقيل، وهو المطلوب منهم، وقيل ليوسف بن أسباط «٤» : بأي شيء تدعو، إذا ختمت القرآن؟ فقال: أستغفر الله من تلاوتي لأنّي إذا ختمته، ثم تركت ما فيه من الأعمال، خشيت المقت، فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح، وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء، قال: فلما ختمته، أردت الرجوع من أوّله، فقال لي:
اتخذت القراءة عليّ عملا، اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك، وانظر ماذا يفهمك منه، قال الغزّاليّ في كتاب «التفكّر» : وأما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب أحوال محمودة، أو التنزّه عن صفات مذمومة، فلا يوجد فيه أنفع من تلاوة القرآن بالفكر فإنه جامع لجميع المقامات والأحوال، وفيه شفاء للعالمين، وفيه ما يورث الخوف، والرجاء، والصبر، والشكر، والمحبة، والشوق، وسائر الأحوال المحمودة، وفيه ما يزجر
(١) «بهجة النفوس» لابن أبي جمرة (٤/ ٧٦).
(٢) الحسن بن أبي الحسن البصري، مولى أم سلمة، والربيع بنت النضر، أو زيد بن ثابت، أبو سعيد الإمام، أحد أئمة الهدى والسنة. قال ابن سعد: كان عالما جامعا رفيعا ثقة مأمونا عابدا، ناسكا، كثير العلم فصيحا جميلا، وسيما، ما أرسله فليس بحجة، وكان الحسن شجاعا من أشجع أهل زمانه. قال ابن علية: مات سنة عشر ومائة. قيل: ولد سنة إحدى وعشرين لسنتين بقيتا من خلافة عمر. قال أبو زرعة: كل شيء قال الحسن: قال رسول الله ﷺ وجدت له أصلا ثابتا خلا أربعة أحاديث.
ينظر: «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ٢١٠)، «تهذيب الكمال» (١/ ٢٥٥)، «تهذيب التهذيب» (٢/ ٢٦٣) و «تقريب التهذيب» (١/ ١٦٥)، «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ٢١٠)، «الكاشف» (١/ ٢٢٠).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٣٩).
(٤) أحد الزهاد والعباد، وكان له اليد الطولى في المواعظ والحكم. روى عن الثوري وزائدة بن قدامة وغيرهما. وروى عنه المسيب بن واضح، وعبد الله بن خبيق. نزل الثغور مرابطا. قال شعيب بن حرب: ما أقدم على يوسف بن أسباط أحدا. وقد وثقه ابن معين. ينظر ترجمته في: «حلية الأولياء» (٨/ ٢٣٧)، «سير أعلام النبلاء» (٩/ ١٦٩). [.....]
134
عن سائر الصفات المذمومة، فينبغي أن يقرأه العبد، ويردّد الآية الّتي هو محتاج إلى التفكّر فيها مرة بعد أخرى، ولو ليلة كاملة، فقراءة آية بتفكّر وفهم خير من ختمة من غير تدبّر وفهم فإن تحت كل كلمة منه أسرارا لا تنحصر، ولا يوقف عليها إلا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة وكذلك حكم مطالعة أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوتي عليه السلام جوامع الكلم، فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة، لو تأمله العالم حقّ تأمله، لم ينقطع فيه نظره طول عمره، وشرح آحاد الآيات والأخبار يطول، وانظر قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ روح القدس نفث في روعي «١» أحبب من أحببت، فإنّك مفارقه، وعش ما شئت فإنّك ميّت، واعمل ما شئت، فإنّك مجزيّ به» فإن هذه الكلمات جامعة لحكم الأولين والآخرين وهي كافية للمتأملين، ولو وقفوا على معانيها، وغلبت على قلوبهم غلبة يقين، لاستغرقتهم، ولحالت بينهم، وبين التلفّت إلى الدنيا بالكلية. انتهى من «الإحياء».
باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه
قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه «٢»، فإنّ الله تعالى يحبّ أن يعرب».
قال أبو العالية «٣» في تفسير قوله عز وجلّ: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
(١) الرّوع: القلب والعقل، ووقع ذلك في روعي، أي نفسي وخلدي وبالي.
ينظر: «لسان العرب» ١٧٧٨.
(٢) أخرجه أبو يعلى (١١/ ٤٣٦)، رقم (٦٥٦٠)، والحاكم (٢/ ٤٣٩)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٥٦)، رقم (٩٩٦١)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨/ ٧٧- ٧٨) كلهم من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد على مذهب جماعة من أئمتنا. وتعقبه الذهبي بقوله: بل أجمع على ضعفه.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧/ ١٦٧) وقال: رواه أبو يعلى، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري، وهو متروك.
والحديث ذكره السيوطي في «الجامع الصغير» (١/ ٥٥٨- فيض)، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، والحاكم، والبيهقي في «شعب الإيمان» ورمز له بالضعف، ووافقه المناوي.
وذكره أيضا الألباني في «السلسلة الضعيفة».. رقم (١٣٤٥) وقال: ضعيف جدا.
(٣) رفيع- بضم أوله مصغرا- ابن مهران الرياحي- بكسر المهملة- مولاهم، أبو العالية البصري، مخضرم، إمام من الأئمة، صلى خلف عمر، دخل على أبي بكر، روى عن أبي، وعلي، وحذيفة، وعلى خلق.
وعنه قتادة، وثابت، وداود بن أبي هند بصريون وخلق. قال عاصم الأحول: كان إذا اجتمع عليه أكثر من أربعة قام وتركهم. قال مغيرة: أول من أذّن بما وراء النهر أبو العالية. قال أبو خلدة: مات سنة
135
[البقرة: ٢٦٩] قال: الحكمة: الفهم في القرآن «١»، وقال قتادة «٢» : الحكمة: القرآن، والفقه فيه «٣».
وقال غيره: الحكمة: تفسير القرآن «٤».
وقال الشعبي «٥» : رحل مسروق «٦» إلى البصرة في تفسير آية، فقيل له: إن الذي يفسّرها رحل إلى الشام، فتجهز، ورحل إليه حتى علم تفسيرها، وذكر علي بن أبي طالب «٧» رضي الله عنه...
تسعين، وهو الصحيح.
ينظر: «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ٣٣٠)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ٢٨٤)، «تقريب التهذيب» (١/ ٢٥٢) و «الكاشف» (١/ ٣١٢).
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٩٠) (٦١٧٩)، وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٤٠).
(٢) قتادة بن دعامة السّدوسي، أبو الخطّاب البصري الأكمه، أحد الأئمة الأعلام، حافظ مدلس. قال ابن المسيّب: ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة. وقال ابن سيرين: قتادة أحفظ الناس. وقال ابن مهدي: قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد. قال حماد بن زيد: توفي سنة سبع عشرة ومائة، وقد احتج به أرباب الصحاح.
ينظر: «طبقات ابن سعد» (٩/ ١٥٦)، «معرفة الثقات» (١٥١٣)، «سير الأعلام» (٥/ ٢٦٩)، «الثقات» (٥/ ٣٢٢)، «تراجم الأحبار» (٣/ ٢٦٤)، «الحلية» (٢/ ٣٣٣)، «لسان الميزان» (٧/ ٣٤١)، «ميزان الاعتدال» (٣/ ٣٨٥)، «تهذيب الكمال» (٢/ ١١٢١)، «خلاصة تهذيب الكمال» (٢/ ٣٥٠).
(٣) الطبري (٣/ ٨٩) (٦١٧٧)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٦١٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وذكره ابن عطية الأندلسي في تفسيره (١/ ٤٠).
(٤) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٤٠).
(٥) عامر بن شراحيل الحميري، الشعبي، أبو عمرو الكوفي، الإمام العلم، روى عن كثير من الصحابة، وروى عنه ابن سيرين والأعمش، وكان فقيها. قال الشعبي: «ما كتبت سوداء في بيضاء».
توفي سنة ١٠٣ هـ.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٢٢) (٣٢٦٣) ابن سعد (٦/ ١٧١- ١٧٨)، و «المعارف» (ص ٤٤٩- ٤٥١)، و «الحلية» (٤/ ٣١٠- ٣٣٨).
(٦) مسروق بن الأجدع الهمداني، أبو عائشة الكوفي، الإمام القدوة. عن أبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وطائفة. وعنه: زوجته قمير، وأبو وائل، والشعبي، وخلق. قال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا على وجهه، وقال ابن المديني: صلى خلف أبي بكر، وقال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله.
قال ابن سعد: توفي سنة ثلاث وستين.
ينظر: «طبقات ابن سعد» (٤/ ١١٣)، «سير الأعلام» (٤/ ٦٣)، «تاريخ بغداد» (١٣/ ٢٣٢)، «معرفة الثقات» (١٧٠٩)، «تراجم الأحبار» (٣/ ٣٣٠)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٣٢٠)، «تهذيب التهذيب» (١٠/ ١١٠) (٢٠٥)، «خلاصة تهذيب الكمال» (٣/ ٢١).
(٧) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.. أبو الحسن. القرشي. الهاشمي. ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.
136
جابر بن عبد الله «١»، فوصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك، تصف جابرا بالعلم، وأنت أنت، فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ «٢» [القصص: ٨٥]، وقال إياس بن معاوية «٣» : مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة «٤» لا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فيقرءوا ما في الكتاب «٥»، وقال ابن عبّاس: الذي يقرأ، ولا يفسر كالأعرابيّ الذي يهذّ «٦» الشّعر «٧»، وقال مجاهد: أحبّ الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله «٨»، وقال الحسن:
ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، رابع الخلفاء الراشدين، وزوج فاطمة بنت رسول الله ﷺ ووالد الحسن والحسين، وهو غني عن التعريف، فاضت بذكره كتب التواريخ والسير، قتل في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة (٤٠).
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٤/ ٩١)، «الإصابة» (٤/ ٢٦٩)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٣٩٢)، «الاستبصار» (٣٩٠)، «تاريخ الخلفاء» (١٦٦)، «الطبقات الكبرى» (٩/ ١٣٧)، «التاريخ الصغير» (١/ ٤٣٥)، «الجرح والتعديل» (٦/ ١٩١)، «حلية الأولياء» (٢/ ٨٧)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٩٧١)، «تهذيب التهذيب» (٧/ ٣٣٤).
(١) هو: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة أبو عبد الله. وقيل:
أبو عبد الرحمن الأنصاري السلمي شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي، ومن فضائله قال: استغفر لي رسول الله ﷺ ليلة البعير خمسا وعشرين مرة. يعني بقوله: ليلة البعير أنه باع رسول الله ﷺ بعيرا، واشترط ظهره إلى المدينة، وكان في غزوة لهم. توفي سنة ٧٤٠ وقيل ٧٧ وكان عمره: ٩٤ سنة.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٣٠٧)، «الإصابة» (١/ ٢٢٢)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٧٣)، «الاستيعاب» (١/ ٢١٩)، «الطبقات الكبرى» (٣/ ٥٦١)، «الاستبصار» (١٥١)، «التاريخ الكبير» (٢/ ٢٠٧)، «التاريخ الصغير» (١/ ٢١، ١١٥)، «الجرح والتعديل» (٢/ ٢٠١٩)، «تهذيب الكمال» (١/ ١٧٩).
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٤٠). [.....]
(٣) إياس بن معاوية بن قرة المزني، أبو وائلة البصري، القاضي. عن أبيه، وأنس، وابن المسيب. وعنه الأعمش، وأيوب، والحمادان. وثقه ابن سعد وابن معين. قال إياس: من عدم فضيلة الصدق فقد فجع بأكرم أخلاقه. وقال: كل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء. قال خليفة: مات ب «واسط» سنة اثنتين وعشرين ومائة.
ينظر: «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ١٠٨)، «تهذيب التهذيب» (١/ ٣٩٠)، «تقريب التهذيب» (١/ ٨٧)، و «الكاشف» (١/ ١٤٤)، «طبقات ابن سعد» (٧/ ٢٣٤).
(٤) الرّوعة: الفزعة. ينظر: «لسان العرب» ١٧٧٧.
(٥) ابن عطية (١/ ٤٠).
(٦) الهذّ: سرعة القراءة، ومنه: هذّ القرآن يهذّه هذّا. ينظر: «لسان العرب» ٤٦٤٣.
(٧) ينظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية الأندلسي (١/ ٤٠).
(٨) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٠).
137
والله ما أنزل الله آية إلا أحبّ أن يعلم فيمن أنزلت، وما يعني بها «١»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفقه الرّجل كلّ الفقه حتّى يرى للقرآن وجوها كثيرة»«٢».
فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين
روي عَن عائشَة «٣» رضي الله عنها أنَّها قَالَتْ: «ما كان رسول الله ﷺ يفسّر من كتاب الله تعالى إلّا آيا بعدد علّمهنّ إيّاه جبريل عليه السّلام».
قال ع «٤» : ومعنى هذا الحديث في مغيّبات القرآن، وتفسير مجمله، ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى، ومن جملة مغيّباته ما لم يعلم الله به عباده كوقت قيام الساعة ونحوها، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.
وروي أنّ رسول الله ﷺ قال: «من تكلّم في القرآن برأيه، فأصاب، فقد أخطأ»«٥»، ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله، فيتسوّر عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو، والأصول، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويّون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كلّ واحد باجتهاده المبنيّ على قوانين علم ونظر فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرّد رأيه، وكان جلّة من السلف كسعيد بن المسيّب «٦»، وعامر الشّعبيّ، وغيرهما يعظّمون تفسير القرآن، ويتوقّفون
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٠).
(٢) ينظر: «إتحاف السادة المتقين» (٤/ ٥٢٧).
(٣) عائشة بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. أم عبد الله. أم المؤمنين- رضي الله عنها- القرشية. التيمية.
أمها: أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية. ولدت بعد البعثة بأربع سنين أو خمسة. توفيت سنة (٥٨) في ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان عند الأكثر، وقيل: سنة (٥٧) ودفنت بالبقيع.
ينظر ترجمتها في: «أسد الغابة» (٧/ ١٨٨)، «الإصابة» (٨/ ١٣٩)، «أعلام النساء» (٣/ ٩)، «الاستيعاب» (٤/ ١٨٨١)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ٢٨٦)، «التاريخ الصغير» (١/ ١٠٢)، «طبقات ابن سعد» (٨/ ٣٩)، «حلية الأولياء» (٢/ ٤٣)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٦٨٩)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٤٣٣)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٦٠٦)، «الكاشف» (٣/ ٤٧٦)، «خلاصة تهذيب الكمال» (٣/ ٣٨٧)، «السمط الثمين» (٣٣)، «شذرات الذهب» (١/ ٦١)، «طبقات الشيرازي» (٤٧)، «العبر» (١/ ٦٢)، «بقي بن مخلد» (٤)، «النجوم الزاهرة» (١/ ١٥٠)، «معجم طبقات الحفاظ» (١٠٥).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤١).
(٥) سيأتي تخريجه.
(٦) سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن مخزوم المخزومي، أبو محمد المدني،
138
عنه تورّعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدّمهم، وكان جلّة من السلف كثير عددهم يفسّرونه، وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عن جميعهم.
ت: وخرج أبو عيسى التّرمذيّ في «جامعه» عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما، قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن بغير علم، فليتبوّأ مقعده من النَّارِ»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح «١»، وخرّج أيضا عن ابن عباس عن النبيّ ﷺ قال: «اتّقوا الحديث عنّي إلّا ما علمتم، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار، ومن قال في القرآن برأيه، فليتبوّأ مقعده من النَّارِ»، قال/ أبو عيسى: هذا حديث حسن «٢»، وخرّج عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه، فأصاب، فقد أخطأ»«٣»، قال
الأعور، رأس علماء التابعين، وفردهم، وفاضلهم وفقيههم. ولد سنة خمس عشرة. قال ابن عمر: هو والله أحد المقتدين به. قال قتادة: ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه. وقال أحمد: مرسلات سعيد صحاح. قال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وتسعين. وقال الواقدي: سنة أربع.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣٩٠)، «طبقات خليفة» ت (٢٠٩٦)، «تاريخ البخاري» (٣/ ٥١٠)، «تاريخ الإسلام» (٤/ ٤)، «العبر» (١/ ١١٠)، «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٢١٧).
(١) أخرجه الترمذي (٥/ ١٩٩)، كتاب «التفسير»، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، حديث (٢٩٥٠)، وأحمد (١/ ٢٣٣)، والبغوي في «معالم التنزيل» (١/ ٣٥)، وفي «شرح السنة» (١/ ٢١١- بتحقيقنا)، كلهم من طريق سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: وعبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي.
قال أبو زرعة: ضعيف الحديث، ربما دفع الحديث وربما وقفه.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي.
وقال النسائي: ليس بقوي، ويكتب حديثه.
وقال أحمد: ضعيف الحديث.
ينظر: «ميزان الاعتدال» (٢/ ٥٣٠)، و «تهذيب التهذيب» (٦/ ٩٤). [.....]
(٢) أخرجه الترمذي (٥/ ١٩٩)، كتاب «التفسير»، باب: ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، حديث (٢٩٥١)، وأحمد (١/ ٢٩٣)، والبغوي في «شرح السنة» (١/ ٢١٠) من طريق عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن اه.
ومداره على عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وقد مرت ترجمته.
(٣) أخرجه الترمذي (٥/ ٢٠٠)، كتاب «تفسير القرآن»، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، حديث (٢٩٥٢)، وأبو داود (٢/ ٣٤٤)، كتاب «العلم»، باب الكلام في كتاب الله بغير علم، حديث (٣٦٥٢)، وأبو يعلى (٣/ ٩٠)، رقم (١٥٢٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥/ ٣١)، كتاب «فضائل القرآن»، باب من قال في القرآن بغير علم، حديث (٨٠٨٦)، والبغوي في «معالم التنزيل» (١/ ٣٥)، وفي «شرح السنة» (١/ ٢١١- بتحقيقنا)، كلهم من طريق سهيل أخو حزم، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله به.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم.
139
أبو عيسى: هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ ﷺ وغيرهم أنهم شدّدوا في هذا في أنّ يفسر القرآن بغير علم.
وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن، فليبس الظّنّ بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم، أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدلّ على ما قلنا: إنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم حدثنا الحسين بن مهديّ البصريّ «١»، حدثنا عبد الرّزّاق «٢» عن معمر «٣» عن قتادة قال: ما في القرآن آية، إلا وقد سمعت فيها بشيء وحدثنا ابن أبي عمر «٤»، حدثنا سفيان بن عيينة «٥» عن
(١) الحسين بن مهدي الأبلي- بالضم- أبو سعيد البصري. عن عبد الرزاق وعبيد الله بن موسى. وعنه الترمذي وابن ماجه قال أبو حاتم: صدوق. مات سنة سبع وأربعين ومائتين.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٢٣٢)، «تهذيب الكمال» (١/ ٢٩٥)، «تهذيب التهذيب» (٢/ ٣٧٢)، «تقريب التهذيب» (١/ ١٨٠).
(٢) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، أبو بكر الصنعاني، أحد الأئمة الأعلام الحفاظ. قال أحمد:
من سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع. وقال ابن عدي: رحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم، ولم نر بحديثه بأسا، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. وقال أحمد: لم أسمع منه شيئا، لكنه رجل يعجبه أخبار الناس. مات سنة (٢١١) هـ. عن ٨٥ سنة.
ينظر: «تاريخ البخاري الكبير» (٦/ ١٣٠)، «الجرح والتعديل» (٦/ ٢٠٤)، «ميزان الاعتدال» (٢/ ٦٠٩)، «لسان الميزان» (٧/ ٢٨٧)، «سير الأعلام» (٩/ ٥٦٣)، «الثقات» (٨/ ٤١٢)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٨٢٩)، «تهذيب التهذيب» (٦/ ٣١٠)، «خلاصة التهذيب» (٢/ ١٦١)، «البداية والنهاية» (١٠/ ٢٦٥).
(٣) معمر بن راشد الأزدي، مولى مولاهم، عبد السلام بن عبد القدوس، أبو عروة البصري ثم اليماني، أحد الأعلام. عن الزهري، وهمام بن منبه، وقتادة، وخلق. وعنه: أيوب، والثوري، وابن المبارك، وخلق. قال العجلي: ثقة صالح. قال النسائي: ثقة مأمون. وضعفه ابن معين في ثابت. توفي سنة (١٥٣) هـ.
ينظر: «نسيم الرياض» (١/ ٧٤)، «تراجم الأحبار» (٣/ ٢٥٥)، «تذكرة الحفاظ» (١/ ١٧٨)، «طبقات ابن سعد» (٣/ ٣٩٧)، «تاريخ الإسلام» (٦/ ٣٩٤)، «لسان الميزان» (٧/ ٣٩٤)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٣٥٥)، «تهذيب التهذيب» (١٠/ ٢٤٣)، «خلاصة تهذيب الكمال» (٣/ ٤٧)، «الكاشف» (٣/ ١٦٤).
(٤) محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، أبو عبد الله الحافظ، نزيل مكة. عن فضيل بن عياض، وأبي معاوية وخلق. وعنه مسلم، والترمذي وابن ماجة وهلال بن العلاء. وثقه ابن حبان. وقال أبو حاتم:
صدوق، حدث بحديث موضوع. عن ابن عيينة. قال البخاري: مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٤٦٨)، «الكاشف» (٣/ ١٠٧)، «تهذيب التهذيب» (٩/ ٥١٨).
(٥) سفيان بن عيينة بن أبي عمر بن الهلالي، مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي، أحد أئمة الإسلام. روى عن عمرو بن دينار والزّهري، وزيد بن أسلم وغيرهم، كان حديثه نحو سبعة آلاف. قال ابن وهب: ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة. وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، ولد سنة (١٠٧) هـ، وتوفي سنة (١٩٨) هـ.
140
الأعمش «١»، قال: قال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود، لم أحتج إلى أن أسأل ابن عبّاس عن كثير من القرآن مما سألت. انتهى ما نقلته من الترمذي «٢».
ثم قال ع «٣» : فأما صدر المفسّرين والمؤيّد فيهم، فعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتلوه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو تجرد للأمر وكمّله وتتبّعه العلماء عليه كمجاهد، وسعيد بن جبير «٤»، وغيرهما، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن عليّ بن أبي طالب، وقال ابن عبّاس: ما أخذت من تفسير القرآن، فعن علي بن أبي طالب، وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عبّاس، ويحضّ على الأخذ عنه، وكان عبد الله بن مسعود يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ، فقّهه في الدّين، وعلّمه التّأويل»«٥»، وحسبك بهذه
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣٩٧)، (٢٥٩٠)، «الحلية» (٧/ ٢٧٠- ٣١٨)، و «المعارف» ص (٥٠٦- ٥٠٧)، «الوفيات» (٢/ ٣٩١- ٣٩٣).
(١) سليمان بن مهران الكاهلي، مولاهم، أبو محمد الكوفي الأعمش، أحد الأعلام الحفاظ والقراء. قال ابن المديني: له نحو ألف وثلاثمائة حديث. وقال ابن عيينة: كان أقرأهم وأحفظهم وأعلمهم. وقال عمرو بن علي: كان يسمى «المصحف» لصدقه. وقال العجلي، ثقة ثبت، يقال: ظهر له أربعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب، وكان فصيحا وقال النسائي: ثقة ثبت. وعدّه من المدلّسين. قال أبو نعيم:
مات سنة ثمان وأربعين ومائة، عن أربع وثمانين سنة.
ينظر: «الثقات» (٤/ ٣٠٢)، «تهذيب التهذيب» (٤/ ٢٢٢)، «تقريب التهذيب» (١/ ٣٣١)، «تاريخ البخاري الكبير» (٤/ ٣٧)، «الجرح والتعديل» (٤/ ٦٣)، «سير الأعلام» (٥/ ٢٢٦).
(٢) ينظر: «سنن الترمذي» (٥/ ٢٠٠)، كتاب «التفسير».
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤١).
(٤) سعيد بن جبير الوالبي، مولاهم الكوفي الفقيه، أحد الأعلام. قال اللالكائي: ثقة إمام حجة. قال عبد الملك بن أبي سليمان: كان يختم كل ليلتين. قال ميمون بن مهران: مات سعيد وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. قتل سنة خمس وتسعين كهلا قتله الحجاج فما أمهل بعده. قال خلف بن خليفة عن أبيه: شهدت مقتل ابن جبير فلما بان الرأس قال: لا إله إلا الله لا إله إلا الله، فلما قالها الثالثة لم يتمها- رضي الله عنه.
ينظر: «تهذيب الكمال» (١/ ٤٧٩)، «تهذيب التهذيب» (٤/ ١١)، «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ٣٧٤)، «الكاشف» (١/ ٣٥٦)، «الثقات» (٤/ ٢٧٥)، «تاريخ البخاري الكبير» (٣/ ٤٦١)، «الحلية» (٤/ ٢٧٢).
(٥) أخرجه البخاري (١/ ٢٩٤)، كتاب «الوضوء»، باب وضع الماء عند الخلاء، حديث (١٤٣)، ومسلم (٤/ ١٩٢٧)، كتاب «فضائل الصحابة»، باب فضائل عبد الله بن عباس، حديث (١٣٨/ ٢٤٧٧)، وأحمد (١/ ٣٢٧)، والنسائي في «الكبرى» (٥/ ٥١- ٥٢)، كتاب «المناقب»، باب عبد الله بن العباس، حديث (٨١٧٧)، وأبو يعلى (٤/ ٤٢٧)، رقم (٢٥٥٣)، وابن حبان (١٥/ ٥٢٩)، رقم (٧٠٥٣)، والطبراني في «الكبير» (١١/ ١٠٤)، رقم (١١٢٠٤)، كلهم من طريق هاشم بن القاسم: ثنا
141
الدعوات، ويتلوه عبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب «١»، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاصي.
وكل ما أخذ عن الصحابة، فحسن متقدّم، ومن المبرّزين في التابعين الحسن بن أبي
ورقاء بن عمر اليشكري، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس به.
وأخرجه البخاري (١/ ٢٠٤)، كتاب «العلم»، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم علمه الكتاب»، حديث (٧٥)، و (٧/ ١٢٦) كتاب «فضائل الصحابة»، باب ذكر ابن عباس (رضي الله عنهما) حديث (٣٧٥٦)، و (١٣/ ٢٥٩)، كتاب «الاعتصام»، حديث (٧٢٧٠)، والترمذي (٥/ ٦٨٠)، كتاب «المناقب»، باب مناقب عبد الله بن عباس، حديث (٣٨٢٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥/ ٥٢)، كتاب «المناقب»، حديث (٨١٧٩)، وابن ماجة (١/ ٥٨)، المقدمة، باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث (١٦٦)، وأحمد (١/ ٢١٤، ٣٥٩)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٥١٨)، وابن حبان (١٥/ ٥٣٠)، رقم (٧٠٥٤)، والطبراني في «الكبير» (١٠/ ٢٩٣)، رقم (١٠٥٨٨)، كلهم من طريق خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه أحمد (١/ ٢٦٩)، والطبراني في «الكبير» (١١/ ٢١٣)، رقم (١١٥٣١)، كلاهما من طريق سليمان بن بلال، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وأخرجه أحمد (١/ ٢٦٦، ٣١٤، ٣٢٨، ٣٣٥)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٤٩٣- ٤٩٤)، وابن حبان (١٥/ ٥٣١)، رقم (٧٠٥٥)، والطبراني في الكبير (١٠٥٨٧، ١٠٦١٤)، كلهم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وأخرجه الترمذي (٥/ ٦٧٩- ٦٨٠)، كتاب «المناقب»، باب مناقب عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، حديث (٣٨٢٣)، من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: دعا لي رسول الله ﷺ أن يؤتيني الحكمة مرتين.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عطاء، وقد رواه عكرمة، عن ابن عباس. [.....]
(١) هو: أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. أبو المنذر، أبو الطفيل سيد القراء، سيد المسلمين، الأنصاري، النجاري، الخزرجي، المعاوي.
كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ليهنئك العلم يا أبا المنذر» وقال له: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك». وكان عمر (رضي الله عنه) يسميه: سيد المسلمين. وهو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأول من كتب في آخر الكتاب: وكتبه فلان بن فلان.
روى عنه من الصحابة: عمر، وكان يسأله عن النوازل، ويتحاكم إليه في المعضلات- وأبو أيوب، وعبادة بن الصامت، وسهل بن سعد، وأبو موسى، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس، وسليمان بن صرد وغيرهم.
مات سنة: ٢٢ في خلافة عمر، وقيل: بقي إلى خلافة عثمان.
تنظر ترجمته في: «أسد الغابة» (ت ٣٣)، «الإصابة» (١/ ١٦)، «الثقات» (٣/ ٥)، «تقريب التهذيب» (١/ ٤٨)، «تاريخ ابن معين» (١٥٦٤)، «سير أعلام النبلاء» (١/ ٣٨٩).
142
الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعلقمة «١»، وقد قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهّم ووقوف عند كل آية، ويتلوهم عكرمة «٢»، والضّحّاك بن مزاحم «٣»، وإن كان لم يلق ابن عباس، وإنما أخذ عن ابن جبير، وأما السّدّي «٤» - رحمه الله تعالى- فكان عامر الشعبيّ يطعن عليه، وعلى أبي صالح «٥» لأنه كان يراهما مقصّرين في النظر، ثم حمل تفسير كتاب الله عزّ وجلّ عدول كلّ خلف، وألّف الناس فيه كعبد الرّزّاق، والمفضّل، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري، وغيرهم، ثم إنّ محمد بن جرير الطبريّ- رحمه الله-
(١) علقمة بن قيس بن عبد الله بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عوف بن النّخع النّخعي، أبو شبل الكوفي، أحد الأعلام، مخضرم عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وطائفة. وعنه إبراهيم النّخعي، والشّعبي، وسلمة بن كهيل وخلق. قال إبراهيم: كان يقرأ في خمس.
وقال ابن المديني: أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود. قال ابن سعد: مات سنة اثنتين وستين وقال أبو نعيم: سنة إحدى وستين. قيل: عن تسعين سنة.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٢٤١)، «تهذيب التهذيب» (٧/ ٢٧٥)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٣٠)، «الكاشف» (٢/ ٢٧٧)، «طبقات ابن سعد» (٧/ ٣٤، ٢٠٩)،
(٢) عكرمة البريري، مولى ابن العباس، أبو عبد الله، أحد الأئمة الأعلام. روى عن مولاه، وعائشة، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة. قال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة، رموه بغير نوع من البدعة. ثقة بريء مما يرميه الناس به. وثّقه أحمد والنسائي. توفي سنة ١٠٥ هـ.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٢٤٠) (٤٩٢٨)، «ابن سعد» (٥/ ٢١٢- ٢١٦)، «الوفيات» (٣/ ٢٦٥- ٢٦٦) و «الدوادي» (١/ ٣٨٠- ٣٨١).
(٣) الضحاك بن مزاحم الهلالي، مولاهم الخرساني، يكنى أبا القاسم. روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد، وغيرهم، وروى عنه عبد الرحمن بن عوسجة وغيره. قال ابن حبّان: في جميع ما روى نظر، إنما اشتهر بالتفسير. توفي سنة ١٠٥ هـ.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٥) (٣١٤٦)، «ابن سعد» (٦/ ٢١٠- ٢١١)، «صفة الصفوة» (٤/ ١٥٠)، «المعارف» ص (٤٥٧- ٤٥٨).
(٤) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي مولى قريش، أبو محمد الكوفي، رمي بالتشيع. عن أنس، وابن عباس، وباذان. وعنه أسباط بن نصر، وإسرائيل، والحسن بن صالح. قال ابن عدي:
مستقيم الحديث صدوق. قال خليفة: توفي سنة سبع وعشرين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٩٠)، «تهذيب التهذيب» (١/ ٣١٣)، «تقريب التهذيب» (١/ ٧١، ٧٢)، «الكاشف» (١/ ١٢٥)، «الثقات» (٤/ ٢٠)، «ميزان الاعتدال» (١/ ٢٣٦).
(٥) ذكوان المدني، أبو صالح السّمّان، روى عن سعد، وأبي الدّرداء، وعائشة، وأبي هريرة، وخلق. وروى عنه بنوه سهيل، وعبد الله، وصالح، وعطاء بن أبي رباح، وسمع منه الأعمش ألف حديث. قال أحمد: ثقة ثقة، شهد الدّار. قال محمد بن عمر الواقدي: توفي سنة ١٠١ هـ.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣١١) (١٩٧٣)، «ابن سعد» (٥/ ٢٢٢ و ٦/ ١٥٨) و «تهذيب التهذيب» (٣/ ٢١٩- ٢٢٠)، و «مرآة الجنان» (١/ ٢١١).
143
جمع على الناس أشتات التفسير، وقرّب البعيد وشفى في الإسناد.
ومن المبرّزين في المتأخّرين أبو إسحاق الزّجّاج «١»، وأبو عليّ الفارسيّ «٢» فإن كلامهما منخول، وأما أبو بكر النّقّاش «٣»، وأبو جعفر النّحّاس «٤» - رحمهما الله-، فكثيرا ما استدرك الناس عليهما، وعلى سننهما مكّيّ بن أبي طالب «٥» - رحمه الله-، وأبو العباس المهدويّ «٦» - رحمه الله- متقن التأليف، وكلّهم مجتهد مأجور- رحمهم الله- ونضّر وجوههم.
(١) هو: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، كان يخرط الزّجاج، ثم مال إلى النحو فلزم المبرد. صنف: «معاني القرآن وإعرابه» و «الاشتقاق» و «فعلت وأفعلت» وغيرها. توفي (٣١١ هـ).
ينظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» (٦/ ٨٩)، و «النجوم الزاهرة» (٣/ ٢٠٨)، و «بغية الوعاة» (١/ ٤١١).
(٢) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو علي الفارسي، النحوي المشهور، أخذ النحو عن أبي إسحاق الزجاج، ثم عن أبي بكر بن السري، وأخذ عنه كتاب سيبويه، وانتهت إليه رياسة علم النحو، مات الفارسي سنة ٣٧٧ هـ.
ينظر: «غاية النهاية» (١/ ٢٠٧)، «طبقات الزبيدي» ص ١٢٠.
(٣) محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون الموصلي. ولد سنة (٢٦٦) هـ. وهو إمام أهل العراق في القراءات والتفسير، بلا مدافع. وقد قرأ على ابن أبي مهران، وهارون بن موسى الأخفش، وجماعة. وروى عن أبي مسلم الكجي، ومطين، وآخرين. وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين وجماعة. ورحل وطوف من مصر إلى ماوراء النهر. وقد صنف في التفسير، وسماه «شفاء الصدور».
قال هبة الله اللالكائي: تفسير النقاش، إشقاء الصدور، ليس شفاء الصدور. توفي في شوال سنة (٣٥١) هـ.
ينظر: «الأعلام» (٦/ ٨١)، و «وفيات الأعيان» (١/ ٤٨٩).
(٤) أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري، أبو جعفر النحاس: مفسر، أديب، مولده ب «مصر»، ووفاته ب «مصر» أيضا سنة (٣٣٨) هـ، كان من نظراء نفطويه، وابن الأنباري، زار «العراق»، واجتمع بعلمائه، من مصنفاته: «تفسير القرآن»، و «إعراب القرآن»، و «ناسخ القرآن ومنسوخه»، و «شرح المعلقات السبع».
ينظر: «الأعلام» (١/ ٢٠٨)، «البداية والنهاية» (١١/ ٢٢٢)، «إنباه الرواة» (١/ ١٠١).
(٥) أبو محمد، مكي بن أبي طالب القيسي، النحوي المقرئ، كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية كثير التآليف. صنف: «الكشف عن وجوه القراءات»، و «مشكل إعراب القرآن»، و «الموجز في القراءات» وغيرها. توفي (٤٣٧ هـ).
تنظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» (٥/ ٢٧٤)، و «بغية الوعاة» (٢/ ٢٩٨)، و «شذرات الذهب» (٣/ ٢٦٠).
(٦) أحمد بن عمار، أبو العباس المهدوي، أستاذ مشهور، قرأ على محمد بن سفيان، وقرأ عليه غانم بن الوليد، وموسى بن سليمان اللخمي، له: «التفسير المشهور» مات سنة ٤٤٠ هـ.
144
فصل
واختلف الناس في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه».
ثم قال ع «١» بعد كلام: والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد «٢» وغيره، أنّ معنى الحديث أنّه أنزل على سبع/ لغات لسبع قبائل، ثم اختلفوا في تعيينهم، وأنا ألخّص الغرض جهدي بحول الله، فأصل ذلك وقاعدته قريش، ثم بنو سعد بن بكر «٣» لأنّ النبيّ ﷺ قرشيّ، واسترضع في بني سعد، ونشأ فيهم، ثم ترعرع وشب، وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وخزاعة وأسدا وضبّة وألفافها لقربهم من مكة، وتكرارهم عليها، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب، فلما بعثه الله تعالى، ويسّر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة، وهي التي قسّمها على سبعة لها السبعة الأحرف، وهي اختلافاتها في العبارة، قال ثابت بن قاسم: لو قلنا: من هذه الأحرف لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبّة وألفافها «٤»، ومنها لقيس، - لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن، وهذا نحو ما ذكرناه، وهذه الجملة هي التي
ينظر: «بغية الوعاة» (١/ ٣٥١)، ط. دار المعارف، و «غاية النهاية» (١/ ٩٢).
(١) انظر «المحرر الوجيز» (١/ ٥٤). [.....]
(٢) القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي، أحد أئمة الإسلام فقها، ولغة وأدبا، أخذ العلم عن الشافعي، والقراءات عن الكسائي وغيره. قال ابن الأنباري: كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنف ثلثه. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: عرضت كتاب «الغريب» لأبي عبيد على أبي فاستحسنه، وقال: جزاه الله خيرا. توفي سنة (٢٢٤).
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (١/ ٦٧)، «طبقات ابن سعد» (٧/ ٣٥٥)، و «إنباه الرواة» (٣/ ١٢)، و «طبقات الشافعية» للأسنوي ص ١١، «تهذيب الأسماء واللغات» (٢/ ٣٠)، «طبقات الفقهاء» للعبادي ص ٢٥.
(٣) بنو سعد بن بكر: هم بطن من هوازن، من قيس عيلان، أصلهم من العدنانية. وهم بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.
وهم أصحاب غنم، وهم حضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بعثوا سنة تسع للهجرة ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه مشهور. ومن أوديتهم: قرن الحبال، ومن مياههم: تقتد.
ينظر: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص ٤٨١)، و «نهاية الأرب» للنويري (٢/ ٣٣٥)، و «معجم قبائل العرب» لكحالة (٥١٣).
(٤) اللفيف: القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا. وجاءوا ألفافا، أي لفيفا.
ينظر: «لسان العرب» (٤٠٥٤).
145
انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدّخل «١»، ويسرها الله لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة، فلم تطرقها الأمم.
فأما اليمن، وهو جنوبيّ الجزيرة، فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أنّ أبا عبيد القاسم بن سلّام، وأبا العبّاس المبرّد «٢» قد ذكرا أنّ عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها.
قال ع «٣» : وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم «٤» والفتّاح فأما ما انفردوا به كالزّخيخ «٥» والقلّوب «٦»، فليس في كتاب الله منه شيء، وأما ما والى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقيّ الجزيرة، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنّبط ونصارى الحيرة وغير ذلك، وأما الذي يلي الشام، وهو شماليّ الجزيرة، وهي بلاد آل جفنة وغيرهم، فأفسدها مخالطة الرّوم، وكثير من بني إسرائيل، وأما غربيّ الجزيرة، فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم، وأكثرها غير معمور، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم.
ويقوى هذا المنزع أنه لما اتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب، وتجرّد أهل المصرين البصرة، والكوفة لحفظ لسان العرب، وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا من هذه
(١) الدّخل: العيب والغش والفساد. ينظر «لسان العرب» (١٣٤٢).
(٢) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر، أبو العباس المبرد، إمام العربية ب «بغداد» في زمانه، أخذ عن المازني، وأبي حاتم السجستاني، له كتاب «الكامل»، و «المقتضب»، و «إعراب القرآن» مات سنة ٢٨٥ هـ.
ينظر: «بغية الوعاة» (١/ ٢٦٩)، و «أخبار النحويين البصريين» - لأبي السعيد الصيرفي- ص ١٠٥ ط. الاعتصام.
(٣) «المحرر الوجيز» (١/ ٤٦).
(٤) قيل: العرم: اسم الوادي (يعني الذي كان به سبأ). وقيل: اسم الخلد الذي نقب السدّ حتى فتح وسال ماؤه، فغرق ديارهم وأهلك بساتينهم. وقيل: العرم: المسنّاة.
قال ابن الأعرابي: العرم والبرّ من أسماء الفأرة... وقيل: العرم: المطر الشديد. وخصه بعضهم بالفأر الذكر، وهو الجراد أيضا.
ينظر: «عمدة الحفاظ»، للسمين الحلبي أحمد بن يوسف ت ٧٥٦ هـ، (٣/ ٧٨)، و «تفسير غريب القرآن»، ابن قتيبة الدينوري ص ٣٥٥.
(٥) الزّخيخ: النار، يمانية، وقيل: هي شدة بريق الجمر والحرّ والحرير لأن الحرير يبرق من الثياب.
ينظر: «لسان العرب» ١٨٢٠.
(٦) القلّيب، والقلّوب، والقلّوب، والقلوب، والقلاب: الذئب، يمانية. ينظر: «لسان العرب» ٣٧١٥.
146
القبائل الوسيطة المذكورة، ومن كان معها، وتجنّبوا اليمن والعراق والشام، فلم يكتب عنهم حرف واحد، وكذلك تجنّبوا حواضر الحجاز مكّة، والمدينة، والطائف لأنّ السّبي والتجّار من الأمم كثروا فيها، فأفسدوا اللغة، وكانت هذه الحواضر في مدة النبيّ ﷺ سليمة لقلّة المخالطة، فمعنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف»، أي: فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح، والأوجز في اللفظة ألا ترى أنّ: «فطر» معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله، فجاءت في القرآن، فلم تتجه لابن عبّاس حتى اختصم إليه أعرابيّان في بئر، فقال أحدهما/ أنا فطرتها، قال ابن عبّاس: ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: ١] «١»، وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا [الأعراف: ٨٩] حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها: تعال، أفاتحك، أي: أحاكمك «٢»، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النحل: ٤٧]، فوقف به فتى، فقال: إن أبي يتخوّفني حقّي، فقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النحل: ٤٧] أي: على تنقّص لهم «٣»، وكذلك اتفق لقطبة بن مالك «٤» إذ سمع النبيّ ﷺ يقرأ في الصلاة: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق: ١٠] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر «٥» إلى غير هذا من الأمثلة، فأباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف
(١) أخرجه البيهقي في «الشعب» (٢/ ٢٥٨) (١٦٨٢)، وذكره السيوطي في «الدر» في سورة فاطر (٥/ ٤٥٨)، وعزاه لأبي عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الشعب».
(٢) أخرجه الطبري في سورة الأعراف (٦/ ٤) (١٤٨٦٧)، وذكره السيوطي في «الدر» (٣/ ١٩١)، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «الوقف والابتداء»، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٣) الطبري (٧/ ٥٨١) (٢١٦١٨) بنحوه. وذكره السيوطي في «الدر» (٤/ ٢٢٣)، وعزاه لابن جرير.
(٤) قطبة بن مالك الثعلبي. صحابي له أحاديث. وعنه ابن أخيه زياد بن علاقة فقط.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٣٥٤)، «تهذيب التهذيب» (٨/ ٣٨٩) (٦٧٣)، «تاريخ البخاري الكبير» (٧/ ١٩١)، «الثقات» (٣/ ٣٤٧)، «أسماء الصحابة الرواة» ت (٢٢٦).
(٥) أخرجه مسلم (٢/ ٤١٤- نووي/ دار الحديث)، كتاب «الصلاة»، باب القراءة في الصبح، حديث (١٦٥- ١٦٧/ ٤٥٧)، والترمذي (٢/ ١٠٨- ١٠٩)، كتاب «الصلاة»، باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح، حديث (٣٠٦)، والنسائي (٢/ ١٥٧)، كتاب «الافتتاح»، باب القراءة في الصبح بقاف، حديث (٩٥٠)، وابن ماجه (١/ ٢٦٨)، كتاب «الصلاة»، باب القراءة في صلاة الفجر، حديث (٨١٦)، وأحمد. [.....]
147
السبعة، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز، وجودة الرّصف «١»، ولم تقع الإباحة في قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: ٢٠] بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات، جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا، لذهب إعجاز القرآن، وكان معرّضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبيّ ﷺ ليوسّع بها على أمته، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضه به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا، وفي صحيح البخاريّ عن النبيّ ﷺ قال: «أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف»«٢».
فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن ممّا للغات العجم بها تعلّق
اختلف الناس في هذه المسألة «٣»، ...
(٤/ ٣٢٢)، والحميدي (٨٢٥)، وابن خزيمة (٥٢٧، ١٥٩١)، كلهم من طريق زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(١) الرّصف: ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمه. ينظر: «لسان العرب» (١٦٥٦).
(٢) أخرجه البخاري (٨/ ٦٣٩)، كتاب «فضائل القرآن»، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث (٤٩٩١)، ومسلم (١/ ٥٦١)، كتاب «صلاة المسافرين»، باب بيان أن القرآن على سبعة حروف، حديث (٢٧٢/ ٨١٩)، من حديث ابن عباس.
(٣) ذهب أكثر أهل العلم، ومنهم الإمام الشافعي، وابن جرير، وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر، وأبو الحسين بن فارس إلى عدم وقوع لفظ أعجمي في كتاب الله تعالى. واستدلوا بقوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: ٢]، وقوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت: ٤٤]، وقد شدد الشافعي النكير على القائل بعكس ذلك.
وقال أبو عبيدة: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن «كذا» بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- رحمه الله-: ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن إنها بالفارسية والحبشية أو النبطية أو نحو ذلك، إنما اتفق فيها توارد اللغات، فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وذهب آخرون من العلماء إلى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّا، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، وعن قوله تعالى: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ بأن المعنى من السياق: «أكلام أعجمي ومخاطب عربي!» كما استدلوا
148
فقال أبو عبيدة «١» وغيره: إنّ في كتاب الله تعالى من كلّ لغة، وذهب الطبريّ وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة، وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين، فتكلّمت العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ [المزمل: ٦] قال ابن عبّاس: نشأ بلغة الحبشة: قام من الليل «٢»، ومنه قوله تعالى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد: ٢٨]، قال أبو موسى الأشعريّ «٣» : كفلان: ضعفان من الأجر بلسان...
باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو «إبراهيم»، و «سليمان»، و «داود» للعلمية والعجمة.
ورد هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها موجّه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس.
وقد اختار السيوطي مذهب القائلين بالوقوع، واستدل له بما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل قال: في القرآن من كل لسان. وروي مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبه.
وكان في ذلك إشارة إلى أن كتاب الله حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب.
وأيضا فالنبي ﷺ مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: ٤] فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو.
وثمة مذهب يجمع بين القولين، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، فقد قال: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية فصادق.
ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون.
وللتاج السبكي نظم لهذه الكلمات الأعجمية، وقد زاد عليه كل من الحافظ ابن حجر والسيوطي.
ينظر: «الإتقان في علوم القرآن» (٢/ ١٢٥- ١٢٩)، و «التحبير في علم التفسير» (٢٠٠- ٢٠٢)، وكلاهما للحافظ السيوطي.
(١) معمر بن المثنى التيمي البصري، أبو عبيدة النحوي: من أئمة العلم بالأدب واللغة، ولد في ١١٠ هـ. قال الجاحظ: لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه، كان إباضيا شعوبيا، من حفاظ الحديث، لما مات لم يحضر جنازته أحد، لشدة نقده معاصريه توفي ٢٠٩ هـ، له مؤلفات منها: «مجاز القرآن»، «الشوارد»، «الزرع».
ينظر: «وفيات» (٢/ ١٠٥)، «المشرق» (١٥/ ٦٠٠)، «تذكرة الحفاظ» (١/ ٣٣٨)، «بغية الوعاة» (٣٩٥)، «السيرافي» (٦٧)، «الأعلام» (٧/ ٢٧٢).
(٢) ينظر: «الطبري» (١/ ٣١) (٢)، والبيهقي في «سننه» (٣/ ٢٠)، وذكره السيوطي في «الدر» (٦/ ٤٤٣)، وعزاه لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن نصر، وابن المنذر، والبيهقي في «سننه».
(٣) هو: عبد الله بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عذب بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر.. أبو موسى الأشعري. صحابي مشهور، كان حسن الصوت.
149
الحبشة «١»، وكذلك قال ابن عبّاس في القسورة: إنّه الأسد بلغة الحبشة «٢»، إلى غير هذا من الأمثلة.
قال ع «٣» : والذي أقوله إنّ القاعدة والعقيدة هي أنّ القرآن بلسان عربيّ مبين، وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب، فلا تفهمها إلا من لسان آخر، فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها، فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وسفر إلى الشام وأرض الحبشة، فعلقت العرب بهذا كلّه ألفاظا أعجمية، غيّرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربيّ الصحيح الصريح، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحدّ نزل بها القرآن، فإن جهلها عربيّ ما، فكجهله الصريح مما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عبّاس معنى «فاطر» إلى غير ذلك، فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب، وعرّبتها، فهي عربية بهذا الوجه، وما ذهب إليه الطبريّ من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة، فذلك بعيد، بل إحداهما أصل، والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذّا.
باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية
هو القرآن، وهو الكتاب، وهو الفرقان، وهو الذّكر، فالقرآن: مصدر من قولك: قرأ الرّجل، إذا تلا، يقرأ قرآنا وقراءة.
وقال قتادة: القرآن: معناه التأليف، قرأ الرجل إذا جمع وألّف قولا، وبهذا فسر قتادة قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
[القيامة: ١٧] أي: تأليفه «٤»، والقول الأول
بالقرآن، وله رواية عن النبي ﷺ كثيرة توفي سنة ٤٢ أو ٤٤ وله نيف وستين سنة.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٦/ ٣٠٦)، «الإصابة» (٤/ ١١٩)، «الاستيعاب» (٤/ ١٧٦٢)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ٢٠٦)، «الأنساب» (١/ ٢٦٦)، «الكنى والأسماء» (١/ ٥٧)، «تذكرة الحفاظ» (١/ ٢٣).
(١) ينظر: الطبري (١/ ٣١) (١)، وقد ذكره السيوطي في «الدر» (٦/ ٢٦١)، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣١) (٤)، وذكره السيوطي في «الدر» (٦/ ٤٦١)، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٥١).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٦٨) (١١٩)، وذكره السيوطي في «الدر» (٦/ ٤٦٨)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.
150
أقوى أن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا، ومنه قول حسّان بن ثابت «١» يرثي عثمان بن عفّان «٢» رضي الله عنه: [البسيط]
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به
يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا
«٣» أي: وقراءة.
وأما الكتاب، فهو مصدر من كتب، إذا جمع ومنه قيل: كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: [البسيط]
.......................... واكتبها بأسيار «٤»
(١) هو: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار.. أبو الوليد، وأبو المضرب، وأبو الحسام، وأبو عبد الرحمن الأنصاري. الخزرجي.
النجاري.
شاعر النبي صلى الله عليه وسلم. وهو صحابي شهير، وقد جاء في الصحيحين عن البراء أن النبي ﷺ قال لحسان: «اهجهم» أو «هاجهم، وجبريل معك».
وفاته: قيل: توفي قبل الأربعين وقيل غير ذلك.
ينظر ترجمته في: «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ١٢٩)، «الاستيعاب» (١/ ٣٤١)، «أسد الغابة» (٢/ ٥)، «الإصابة» (٢/ ٨)، «الثقات» (٣/ ٧١)، «تقريب التهذيب» (١/ ١٦١)، «تهذيب التهذيب» (٢/ ٢٤٧)، «تهذيب الكمال» (١/ ٢٤٨)، «الجرح والتعديل» (٣/ ١٠٢٦)، «شذرات الذهب» (١/ ٤١). [.....]
(٢) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. أبو عبد الله وأبو عمرو. القرشي.
الأموي. ذو النورين. أمير المؤمنين. ولد بعد عام الفيل بست سنين. وهو ثالث الخلفاء الراشدين ومجهز جيش العسرة، وهو الذي تستحي منه ملائكة الرحمن، وهو المقتول ظلما، غني عن التعريف، كتبت في سيرته الكتب، وتغير وجه التاريخ بمقتله، والله سبحانه نسأل العودة إلى أصل الإسلام الصافي قبل الممات بفضله آمين. توفي يوم ٢٢ ذي الحجة سنة ٣٥ وقيل: غير ذلك.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ٥٨٤)، «الإصابة» (٤/ ٢٢٣)، «الزهد» لوكيع (٥٢١)، «التبصرة والتذكرة» (١/ ١٣١)، «التعديل والتجريح» (١٠٤٣)، «بقي بن مخلد» (٢٨).
(٣) وهو في «ديوانه» ص ٢١٦، و «لسان العرب» (عنن)، و (ضحا)، و «الدر المصون» (١/ ٤٦٦)، والذهبي في «التاريخ» كما في «خزانة الأدب» (٩/ ٤١٨)، ونسبه البغدادي لأوس بن مغراء، وكذلك في المقاصد النحوية (٤/ ١٧)، ولكثير بن عبد الله النهشلي في «الدرر» (٥/ ٢١٤)، وبلا نسبة في «إصلاح المنطق» ص ٢٩٠.
وللبيت رواية أخرى لصدره، وهي: هذا سراقة للقرآن يدرسه. وقوله: «ضحّوا»... البيت أي: ذبحوه كالأضحية وذلك أنهم قتلوه في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة. والشّمط: بياض الشعر من الرأس يخالط سواده. وكأنه قال: بأشمط ظاهر الخير.
(٤) هذا جزء من عجز بيت، وهو:
لا تأمنن فزاريا خلوت به... على بعيرك............
151
أي: اجمعها.
وأما الفرقان، فهو أيضا مصدر لأنه فرق بين الحقّ والباطل، والمؤمن والكافر فرقانا وفرقانا.
وأما الذّكر فسمي بذلك لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلاههم، وما كانوا في غفلة عنه، فهو ذكر لهم، وقيل: سمي بذلك، لأن فيه ذكر الأمم الماضية، والأنبياء، وقيل:
سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمّد ﷺ وقومه وسائر العلماء به.
وأما السّورة، فإن قريشا كلّها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل، وسعد بن بكر، وكنانة يقولون: سورة بغير همز، وتميم كلها وغيرهم يهمزون.
فأما من همز، فهي عنده كالبقيّة من الشيء، والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر، إذا أبقى ومنه سؤر الشراب. وأما من لا يهمز، فمنهم من يراها من المعنى المتقدّم إلا أنها سهلت همزتها، ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء، أي: القطعة منه لأن كل بناء فإنما بني قطعة بعد قطعة، فكل قطعة منها سورة، فكان سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن، ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك: سورة ومنه قول النابغة الذبيانيّ «١» للنعمان بن المنذر «٢» [الطويل] :
والبيت منسوب لسالم بن دارة الفزاري في «الكامل» (٩٨٨)، و «خزانة الأدب» (٥/ ٥٣١)، وفيها «على قلوصك»، «شرح ديوان الحماسة» للتبريزي (١/ ٢٠٥)، وبلا نسبة في «اللسان» (كتب)، و «تاج العروس» (٤/ ١٠٣). وللبيت رواية أخرى كما في «شرح ديوان الحماسة»، وهي:
وإن خلوت به في الأرض وحدكما
فاحفظ قلوصك واكتبها بأسيار
وقصة البيت أن بني فزارة كانت ترمى بغشيان الإبل، فهجاهم سالم بقصيدة مطلعها:
يا صاحبيّ ألمّا بي على الدار
بين الهشوم وشطي ذات أمّار.
(١) زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني، الغطفاني المضري أبو أمامة، شاعر جاهلي. وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة، كان أحسن شعراء العرب ديباجة، عاش عمرا طويلا.
توفي في (١٨) ق هـ.
ينظر: «شرح شواهد المغني» (٢٩)، «معاهد التنصيص» (١/ ٢٣٣)، «الأغاني» (١١/ ٣)، و «جمهرة» (٥٢٤٢٦)، و «نهاية الأرب» (٣/ ٥٩)، و «الشعر والشعراء» (٣٨)، «الأعلام» (٣/ ٥٤).
(٢) النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي، أبو قابوس، من أشهر ملوك «الحيرة» في الجاهلية. كان داهية مقداما. وهو ممدوح النابغة الذبياني، وحسان بن ثابت، وحاتم الطائي. وهو صاحب إيفاد العرب على كسرى، وباني مدينة «النعمانية» على ضفة دجلة اليمنى، وصاحب يومي البؤس والنعيم. توفي سنة (١٥) قبل الهجرة.
152
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب «١»
فكأن الرتبة انبنت حتى كملت.
وأما الآية، فهي العلامة في كلام العرب، ولما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها، وعلى عجز المتحدّى بها، سميت آية، هذا قول بعضهم، وقيل:
سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب: جئنا بآيتنا، أي: بجماعتنا، وقيل: لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها، سمّيت آية.
ت: وقوله ﷺ في الصحيح: «آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب... »
الحديث «٢»، و «آية الإيمان حبّ الأنصار «٣»، وآية ما بيننا وبين المنافقين شهود العشاء» يقوّي القول الأول، والله أعلم، وهذا هو الراجح في مختصر الطبريّ، قال: والآية العلامة، وذلك أظهر في العربية والقرآن، وأصحّ القول أن آيات القرآن علامات للإيمان، وطاعة الله تعالى، ودلالات على وحدانيته وإرسال رسله، وعلى البعث والنشور، وأمور الآخرة، وغير ذلك ممّا تضمّنته علوم القرآن. انتهى.
انظر: «حمزة الأصفهاني» (٧٣- ٧٤)، «الصحاح» (٢/ ٣٤٠)، «ابن خلدون» (٢/ ٢٦٥)، «الأعلام» (٨/ ٤٣).
(١) البيت في ديوانه (٢٨)، «ديوان المعاني» (١/ ١٦)، و «المصون» (١٥٤)، و «البحر المحيط» (١/ ٢٤٢)، و «تفسير القرطبي» (١/ ٦٥)، و «الدر المصون» (١/ ١٥٣)، «اللسان» (سور) (٣/ ٢١٤٨).
والمعنى: أعطاك رفعة وشرفا ومنزلة، وجمعها (سور)، أي: رفع.
(٢) أخرجه البخاري (١/ ١١١)، كتاب «الإيمان»، باب علامة المنافق، حديث (٣٣)، و (٥/ ٣٤١- ٣٤٢)، كتاب «الشهادات»، باب من أمر بإنجاز الوعد، حديث (٢٦٨٢)، (٥/ ٤٤١)، كتاب «الأدب»، باب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، حديث (٦٠٩٥)، ومسلم (١/ ٧٨)، كتاب «الإيمان»، باب بيان خصال المنافق، حديث (٩٥/ ١٠٧)، والترمذي (٥/ ١٩)، كتاب «الإيمان»، باب ما جاء في علامة المنافق، حديث (٢٦٣١)، والنسائي (٨/ ١١٧)، كتاب «الإيمان»، باب علامة المنافق، وأحمد (٢/ ٣٥٧، ٣٩٧، ٥٣٦)، وأبو عوانة (١/ ٢٠، ٢١)، وأبو يعلى (١١/ ٤٠٦)، رقم (٦٥٣٣)، وابن الجوزي في «مشيخته» (ص ٥٩) من طرق، عن أبي هريرة به.
(٣) أخرجه البخاري (٧/ ١٤١)، كتاب «مناقب الأنصار»، باب حب الأنصار من الإيمان، حديث (٣٧٨٤)، ومسلم (١/ ٨٥)، كتاب «الإيمان»، باب الدليل على أن حب الأنصار من الإيمان، حديث (٧٤/ ١٢٨)، والنسائي (٨/ ١١٦)، كتاب «الإيمان» : باب علامة الإيمان، وأبو يعلى (٧/ ١٩٠- ١٩١)، رقم (٤١٧٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٧/ ٢٤٠- بتحقيقنا)، من حديث أنس مرفوعا.
153
باب في الاستعاذة
قال الله عزّ وجلّ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: ٩٨] معناه: إذا أردت أن تقرأ، فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته، وأجمع العلماء على أنّ قول القارئ: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ليس بآية من كتاب الله، وأجمعوا على استحسان ذلك، والتزامه عند كل قراءة في غير صلاة.
واختلفوا في التعوّذ في الصلاة فابن سيرين «١» والنّخعيّ «٢» وقوم يتعوّذون في كل ركعة، ويمتثلون أمر الله سبحانه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة، وأبو حنيفة «٣»
(١) محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم، أبو بكر البصري، إمام وقته. عن مولاه أنس، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين، وأبي هريرة، وعائشة، وطائفة من كبار التابعين. وعنه الشعبي، وثابت، وقتادة، وأيوب، ومالك بن دينار، وسليمان التّيمي، وخالد الحذّاء، والأوزاعي وخلق كثير. قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس. وقال خالد الحذّاء: كل شيء يقول يثبت عن ابن عباس إنما سمعه من عكرمة أيام المختار. قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا، عاليا، رفيعا، فقيها، إماما، كثير العلم. وقال أبو عوانة: رأيت ابن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى. وقال بكر المزني: والله ما أدركنا من هو أورع منه. وروي أنه اشترى بيتا، فأشرف فيه على ثمانين ألف دينار، فعرض في قلبه منه شيء فتركه. قال حماد بن زيد: مات سنة عشر ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٤١٢)، «تهذيب التهذيب» (٩/ ٢١٤)، «الكاشف» (٣/ ٥١)، «تاريخ البخاري الكبير» (١/ ٩٠)، «الوافي بالوفيات» (٣/ ١٤٦).
(٢) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، الفقيه يرسل كثيرا عن علقمة، وهمام بن الحارث، والأسود بن يزيد، وأبي عبيدة بن عبد الله، ومسروق، وخلق. وعنه الحكم، ومنصور، والأعمش، وابن عون، وزبيد وخلق. وكان لا يتكلم إلا إذا سئل. قال مغيرة: كنا نهاب إبراهيم كما يهاب الأمير. وقال الأعمش. كان إبراهيم يتوقى الشهرة، ولا يجلس إلى الأسطوانة. وقيل:
إنه لم يسمع من عائشة. قال أبو نعيم: مات سنة ست وتسعين. وقال عمرو بن عليّ: سنة خمس آخر السنة. وولد سنة خمسين، وقيل سنة سبع وأربعين.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٥٩، ٦٠)، «تاريخ البخاري الكبير» (١/ ٣٣٥)، «الجرح والتعديل» (٢/ ١٤٦)، «الثقات» (٦/ ٢٥)، «لسان الميزان» (١/ ١٢٦).
(٣) النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، أبو حنيفة: إمام الحنفية، الفقيه المجتهد المحقق، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل: أصله من أبناء فارس. ولد ونشأ بالكوفة. كان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه. ثم انقطع للتدريس والإفتاء، وامتنع عن القضاء ورعا، كان قوي الحجة، ومن أحسن الناس منطقا، كريما في أخلاقه. وقال الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة، ولد سنة (٨٠) هـ، وتوفي سنة (١٥٠) هـ.
انظر: «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٢٣)، «النجوم الزاهرة» (٢/ ١٢)، «الأعلام» (٨/ ٣٦).
154
والشافعيّ «١» يتعوّذان/ في الركعة الأولى من الصلاة، ويريان قراءة الصلاة كلّها كقراءة واحدة، ومالك- رحمه الله- لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة، ويراه في قيام رمضان، ولم يحفظ عن النبيّ ﷺ أنّه تعوّذ في صلاة.
وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم، وأما المقرءون، فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله، وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم: أعوذ بالله المجيد من الشّيطان المريد، ونحو هذا مما لا أقول فيه: نعمت البدعة، ولا أقول: إنه لا يجوز، ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيّز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه.
وأما الشيطان، فاختلف في اشتقاقه «٢»، فقال الحذّاق: هو فيعال من شطن، إذا بعد
(١) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم. وشافع بن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي، لقي النبي ﷺ في صغره، وأسلم أبوه السائب يوم «بدر» فإنه كان صاحب راية بني هاشم، وكانت ولادة الشافعي بقرية من الشام يقال لها «غزة». قاله ابن خلكان وابن عبد البر. وقال صاحب التنقيب: ب «منى» من مكة، وقال ابن بكار: ب «عسقلان»، وقال الزوزني: ب «اليمن»، والأول أشهر، وكان ذلك في سنة خمسين ومائة، وهي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) حمل إلى مكة وهو ابن سنتين، ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة، فأذن له في الإفتاء. وهو ابن خمسة عشر سنة، فرحل إلى الإمام مالك بن أنس ب «المدينة»، فلازمه حتى توفي مالك (رحمه الله) ثم قدم «بغداد» سنة خمسة وتسعين ومائة، وأقام بها سنتين، فاجتمع عليه علماؤها، وأخذوا عنه العلم ثم خرج إلى «مكة» حاجا، ثم عاد إلى «بغداد» سنة ثمان وتسعين ومائة، فأقام بها شهرين أو أقل، فلما قتل الإمام موسى الكاظم خرج إلى «مصر»، فلم يزل بها ناشرا للعلم، وصنف بها الكتب الجديدة، وانتقل إلى رحمة الله (تعالى) يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بالقرافة بعد العصر في يومه.
ينظر: «ابن هداية الله» ص ١١، «سير أعلام النبلاء» (١٠/ ١)، «التاريخ الكبير» (١/ ٤٢)، «طبقات الحفاظ» (ص ١٥٢)، «تذكرة الحفاظ» (١/ ٣٦١). [.....]
(٢) اختلف أهل العربية في اشتقاق «الشيطان»، فقال جمهورهم: هو مشتق من «شطن يشطن» أي: بعد لأنه بعيد من رحمة الله تعالى، وأنشدوا: [الوافر]
نأت بسعاد عنك نوى شطوف
فبانت والفؤاد بها رهين
وقال أمية بن أبي الصلت: [الخفيف]
أيّما شاطن عصاه عكاه
ثمّ يلقى في السّجن والأكبال
وحكى شيخ النحاة سيبويه: «تشيطن» أي فعل فعل الشياطين، فهذا كله يدل على أنه من شطن لثبوت النون وسقوط الألف في تصاريف الكلمة، ووزنه على هذا «فيعال».
وقيل: هو مشتق من «شاط يشيط» أي: هاج واحترق. ولا شك أن هذا المعنى موجود فيه، فأخذوا.
155
تفسير سورة الناس
قال ابن عبّاس وغيره: هي مدنيّة، وقال قتادة: مكّيّة
[سورة الناس (١١٤) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
قوله عز وجل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ: الْوَسْواسِ: اسم مِنْ أسماء الشيطانِ، وقولُه: الْخَنَّاسِ معناه:
الرَّاجِعُ على عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ، تذكَّر فأبْصَرَ كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ... [الأعراف: ٢٠١] الآية: قال النَّوَوِيُّ «١» :
قال بعضُ العلماءِ: يُسْتَحَبُّ قَول: لا إله إلا اللَّهِ لِمَنِ ابتلي بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ، خَنَسَ، أي: تأخَّر وبَعُدَ، و «لا إله إلا اللَّهُ» : رَأْسُ الذِّكْرِ ولذلك اختار السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ- قَوْلَ «لا إله إلا اللَّه» لأَهْلِ الخَلْوَةِ-، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا، وقالوا: أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ على ذِكْرِ اللَّه تعالى والإكْثَارُ منْه، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ: شَكَوْتُ إلى أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ، فقال: إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به، فافرح، فإنك إذا فَرِحْتَ به، انقطع عنك لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن، وإن اغتممت بِه، زَادَكَ، ت: وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة أنَّ الوسواس إنما يبتلى به مَنْ كَمُلَ إيمانه فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً.
انتهى، ت: ورأيتُ في «مختصر الطبريِّ» نَحْوَ هذا.
وقوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ يعني: الشياطينَ، ويظهر أنْ يَكُونَ قولُهُ: وَالنَّاسِ يراد به: مَنْ يُوَسْوِسُ بخدعة مِنَ الشَّرِّ، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كَالشَّيْطان، قال أحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الداوديُّ: وعن ابن جُرَيْجٍ: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ قَالَ: «إنهما وَسْوَاسَانِ، فَوَسْوَاسٌ من الجِنَّة، ووَسْوَاسٌ مِنْ نَفْسِ الإنسان» انتهى، وفي الحديث الصحيح، أنّ
(١) ينظر: «الأذكار» ص: (١٦١).
642
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إذَا آوى إلى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرأَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ»، و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا استطاع مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما مِنْ رَأْسه وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً «١» -.
يَقُولُ العبد الفقير إلى الله تعالى: عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين: قد يسر الله عز وجلَّ في إِتمام تَِلْخِيصِ هذا المختَصَر وقَدْ أودَعتُهُ بحَوْلِ اللَّهِ جزيلاً من الدُّرَر، قد استوعبت فيه- بحمد الله- مهمات ابن عطية، وأسقطْتُ كَثيراً من التَّكْرار، وما كان من الشَّواذِّ في غاية الوهي، وزدْتُ من غيره جَوَاهِرَ ونَفَائِسَ لا يستغنى عنها مميزةً معزوَّة لِمَحَالِّها مَنْقُولةً بألفاظِهَا، وتوخَّيْتُ في جميع ذلك الصِّدْقَ والصَّواب، وإلى اللَّه أَرْغَبُ في جَزِيلِ الثواب، وقد نَبَّهْتُ بَعْضَ تَنْبِيهٍ، وعرَّفْتُ بأيام رِحْلَتِي في طَلَبِ العِلْمِ بعْضَ تعريفٍ عِنْدَ خَتْمِي لتفسير سورة الشورى فَلْيَنْظُرْ هُنَاكَ، واللَّهُ المسئول أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إلى مرضاته، ومَنْ وَجَدَ في هذا الكتاب تَصْحِيفاً أو خَلَلاً فَأَرْغَبُ إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَهُ مِنَ الأُمِّهاتِ المَنْقُولِ منها متثبِّتاً في ذلك لا برَأْيه وبديهةِ عَقْلِهِ: [من الوافر]
فَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً
وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ
وكان الفراغُ من تألِيفه في الخامسَ عَشَرَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ مِنْ عَامِ ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِينَ وَثَمَانِمائَةٍ وَأَنَا أَرْغَبُ إِلى كُلِّ أَخ نَظَرَ فيه أنْ يُخْلِصَ لي وَلَهُ بِدَعْوَةٍ صالحةٍ، وهذا الكتابُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَخْلُوَ عنه مُتَدَيِّنٌ، ومُحِبٌّ لكلامِ رَبِّه، فإِنه يَطَّلِعُ فيه على فَهْمِ القرآن أجْمَعَ في أَقْرَبِ مُدَّةٍ، وليس الخَبَرُ كَالعِيَانِ هذا مع ما خصّ به من تَحْقِيقِ كَلامَ الأَئِمَّةِ المحقِّقينَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- نَقَلْتُهُ عَنْهُمْ بألفاظِهِمْ متحرِّياً لِلصَّوَابِ، ومِنَ اللَّهِ أَرْتَجِي حُسْنَ المَآب، وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ، وَعَلى آله وصَحْبِهِ أجمعين، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.
(١) تقدم تخريجه.
643
محتوى الجزء الخامس من تفسير الثعالبي
سورة يس ٥ سورة الصافات ٢٢ سورة- ص- ٥٤ سورة الزمر ٧٨ سورة غافر ١٠٣ سورة فصّلت ١٢٥ سورة الشورى ١٤٨ سورة الزخرف ١٧٢ سورة الدّخان ١٩٤ سورة الجاثية ٢٠٤ سورة الأحقاف ٢١٢ سورة محمّد ٢٢٨ سورة الفتح ٢٤٨ سورة الحجرات ٢٦٧ سورة ق ٢٨٠ سورة الذاريات ٢٩٦ سورة الطور ٣٠٩ سورة النجم ٣٢١ سورة القمر ٣٣٦ سورة الرحمن ٣٤٥ سورة الواقعة ٣٦٠ سورة الحديد ٣٧٧ سورة المجادلة ٣٩٧ سورة الحشر ٤٠٦ سورة الممتحنة ٤١٦ سورة الصف ٤٢٤
644
سورة الجمعة ٤٢٨ سورة المنافقون ٤٣٤ سورة التغابن ٤٣٨ سورة الطلاق ٤٣٧ سورة التحريم ٤٥٠ سورة الملك ٤٥٥ سورة القلم ٤٦٣ سورة الحاقة ٤٧٣ سورة المعارج ٤٨١ سورة نوح ٤٨٨ سورة الجنّ ٤٩٣ سورة المزمّل ٥٠٠ سورة المدثر ٥٠٩ سورة القيامة ٥١٩ سورة الإنسان ٥٢٧ سورة المرسلات ٥٣٦ سورة النبأ ٥٤١ سورة النازعات ٥٤٧ سورة عبس ٥٥١ سورة التكوير ٥٥٥ سورة الانفطار ٥٥٩ سورة المطففين ٥٦٢ سورة الانشقاق ٥٦٧ سورة البروج ٥٧١ سورة الطارق ٥٧٤ سورة الأعلى ٥٧٧ سورة الغاشية ٥٨٢ سورة الفجر ٥٨٥ سورة البلد ٥٩٠ سورة الشمس ٥٩٤
645
سورة الليل ٥٩٨ سورة الضحى ٦٠١ سورة الشرح ٦٠٤ سورة التين ٦٠٦ سورة العلق ٦٠٨ سورة القدر ٦١١ سورة البيّنة ٦١٣ سورة الزلزلة ٦١٥ سورة العاديات ٦١٨ سورة القارعة ٦٢١ سورة التكاثر ٦٢٢ سورة العصر ٦٢٥ سورة الهمزة ٦٢٦ سورة الفيل ٦٢٧ سورة قريش ٦٢٩ سورة الماعون ٦٣٠ سورة الكوثر ٦٣٢ سورة الكافرون ٦٣٤ سورة النصر ٦٣٥ سورة المسد ٦٣٦ سورة الإخلاص ٦٣٨ سورة الفلق ٦٤٠ سورة الناس ٦٤٢
646
ثبت وبيان بأهم مراجع التحقيق
حرف الألف
١- آداب اللغة لجورجي زيدان، طبعة القاهرة ١٩٥٧ ٢- الآيات البينات لابن قاسم العبادي، طبعة بولاق ٣- الإبانة عن أصول الديانة للأشعري، طبع دار الأنصار ٤- الإبهاج في شرح المنهاج لعلي بن عبد الكافي السبكي (ت ٧٥٦ هـ)، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٥- إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين لمرتضى الزبيدي (ت ١٢٠٥ هـ)، تصوير دار الفكر.
٦- إتحاف فضلاء البشر لأحمد بن محمّد البنا (ت ١١١٧ هـ)، تحقيق د. شعبان محمّد إسماعيل، عالم الكتب، مكتبة الكليات الأزهرية، طبعة أولى ٧- الإتقان في علوم القرآن تأليف: شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (المتوفى سنة ٩١١ هـ)، الطبعة الثالثة سنة ١٩٥١ م، ط. الحلبي ٨- الإحكام في أصول الأحكام تأليف الشيخ الإمام العلامة سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمّد الآمدي- تحقيق أحد الأفاضل- ط زاهد القدسي طبع ونشر وتوزيع ٢٤ شارع طلعت حرب القاهرة ٩- إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ)، دار المعرفة- بيروت ١٠- أخبار أصبهان لأحمد بن عبد الله، أبي نعيم الأصبهاني (ت ٤٣٠ هـ)، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١١- أخبار النحويين البصريين لأبي سعيد الحسن السيرافي (ت ٣٦٨ هـ)، تحقيق طه محمّد الزيني ومحمّد عبد المنعم خفاجي، مصطفى البابي الحلبي ١٢- الاختيار لتعليل المختار تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، مطبعة الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ١٤٠٧ هـ/ ١٩٨٧ م وطبعه دار الكتب العلمية- بيروت ١٣- الأدب المفرد للبخاري (ت ٢٥٦ هـ)، تحقيق كمال الحوت، عالم الكتب ١٤- الأذكار لمحيي الدين أبي زكريا النووي (ت ٦٧٦ هـ) المكتبة العلمية- بيروت ١٥- إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب المعروف بمعجم الأدباء، لياقوت الحموي، طبعة مرجليوث بمصر
647
١٦- إرشاد الفحول لمحمّد بن علي الشوكاني (ت ١٢٥٥) - طبعة أولى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ١٣٥٦ هـ/ ١٩٣٧ م ١٧- الأزهية في علم الحروف تأليف: علي بن محمّد الهروي، تحقيق: عبد المعين الملوحي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق سنة ١٩٨٢ م.
١٨- أساس البلاغة تأليف: جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، ط. دار صادر- بيروت، سنة ١٩٧٩ م.
١٩- أسباب النزول للإمام أبي الحسين علي بن أحمد بن الواحدي النيسابوري، ط. عالم الكتب بيروت.
٢٠- الاستيعاب لابن عبد البر (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود دار الكتب العلمية.
٢١- أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين ابن الأثير أبي الحسن الجزري (ت ٦٣٠ هـ)، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار المكتب العلمية- طبعة أولى ٢٢- الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، لمحمّد بن محمّد أبو شهبة، مجمع البحوث الإسلامية- الأزهر ٢٣- إسعاف المبطأ برجال الموطأ لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، مكتبة مصطفى البابي الحلبي.
٢٤- الأسماء والصفات لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت ٤٥٨ هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت ٢٥- الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى لأبي عبد الله القرطبي (ت ٦٧١ هـ)، تحقيق د. محمّد حسن جبل وآخرون، دار الصحابة للتراث- طبعة أولى ٢٦- أهل المدارك شرح إرشاد السالك لأبي بكر بن حسن الكشناوي، عيسى البابي الحلبي ٢٧- الأشباه والنظائر في النحو لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم مؤسسة الرسالة- طبعة أولى ٢٨- إصلاح المنطق لابن السكيت (ت ٢٤٤ هـ)، تحقيق أحمد محمّد شاكر وعبد السلام محمّد هارون، دار المعارف ٢٩- إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم تأليف: أبي عبد الله الحسين بن أحمد، المعروف بابن خالويه (ت ٣٧٠ هـ)، مكتبة المثنى ٣٠- إعراب القراءات السبع وعللها لأبي عبد الله الحسن بن خالويه (ت ٣٧٠ هـ)، تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان بن عثيمين، مكتبة الخانجي- طبعة أولى ٣١- الأعلام للزركلي لخير الدين الزركلي ط ٣ مكتبة المتنبي- القاهرة
648
٢- أعلام الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين أبي عبد الله محمّد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت ٧٥١ هـ) طبعة الكليات الأزهرية ٣٣- أعلام النساء لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة- بيروت ٣٤- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، تحقيق علي النجدي ناصف دار الكتب المصرية ٣٥- الإقناع للخطيب الشربيني، دار الكتب العلمية- بيروت ٣٦- الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب لعلي بن هبة الله أبي نصر بن ماكولا (ت ٤٧٥ هـ)، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣٧- الأم لمحمّد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة ٣٨- أمالي ابن الشجري ليحيى الشجري، عالم الكتب، طبعة ثالثة ٣٩- أمالي المرتضى للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي (٣٥٥- ٤٣٦ هـ) تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط. الحلبي- القاهرة ٤٠- إمتاع الأسماع للمقريزي، طبع في القاهرة ١٩٤١ م.
٤١- إنباء الغمر بأبناء العمر للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، دائرة المعارف العثمانية- الهند، دار الكتب العلمية طبعة ثانية ٤٢- إنباه الرواة على أنباه النحاة للوزير جمال الدين أبي الحسن القفطي، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي- القاهرة ومؤسسة الكتب الثقافية- بيروت ٤٣- الأنساب للسمعاني- أبي سعيد عبد الكريم بن محمّد (ت ٥٦٢ هـ)، تصحيح عبد الرحمن بن يحيى- طبعة مجلس المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن- الهند سنة (١٣٨٥ هـ) ٤٤- الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري (٥١٣- ٥٧٧ هـ) ومعه كتاب «الانتصاف من الإنصاف» للمرحوم محمّد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الجيل سنة ١٩٨٢ م.
٤٥- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي (ت ٨٨٥ هـ) تحقيق محمّد حامد الفقي الطبعة الأولى سنة (١٣٧٤ هـ) / (١٩٥٥ م) مطبعة السنة المحمّدية- ١٧ شارع شريف باشا بالقاهرة ٤٦- أنيس الفقهاء لقاسم القونوي (ت ٩٧٨ هـ)، تحقيق د. أحمد بن عبد الرزاق الكبسي، دار الوفاء- جدة- طبعة ثانية ٤٧- الأوسط في السنن لأبي بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر (ت ٣١٨ هـ)، تحقيق د. أبو حماد صغير أحمد بن محمّد حنيف، دار طيبة.
٤٨- أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك تأليف: أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن هشام الأنصاري (ت سنة ٧٦١ هـ)، تحقيق الشيخ محمّد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار
649
الجيل، الطبعة الخامسة سنة ١٩٧٩ م.
٤٩- إيضاح الوقف والابتداء لمحمّد بن القاسم أبي بكر الأنباري (ت ٣٢٨ هـ) تحقيق محيي الدين رمضان، طبع دمشق- مجمع اللغة العربية ١٩٧١ م
حرف الباء
٥٠- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوض دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٥١- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبي بكر الكاساني (ت ٥٨٧ هـ) مطبعة الإمام بالقاهرة ٥٢- بداية المجتهد ونهاية المقتصد للقاضي أبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير «بابن رشد الحفيد» (ت ٥٩٥ هـ) ط الحلبي الطبعة الثانية سنة ٣٧٠ هـ/ سنة ١٩٥٠ م ونسخة المكتبة التجارية الكبرى.
٥٣- البداية والنهاية للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى سنة (٧٧٤ هـ) الطبعة الثانية سنة ١٩٧٧ م مكتبة المعارف بيروت ٥٤- البدر الطالع لمحمّد بن علي الشوكاني (ت ١٢٥٠ هـ) مكتبة ابن تيمية- القاهرة ٥٥- البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين الجويني (ت ٤٧٨ هـ)، تحقيق د. عبد العظيم الديب دار الأنصار- طبعة ثانية ٥٦- البرهان في علوم القرآن للزركشي بدر الدين (ت ٧٩٤ هـ)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة- بيروت- طبعة أولى ٥٧- البعث والنشور للبيهقي (ت ٤٥٨ هـ)، دار الجنان ٥٨- بغية الملتمس للحافظ صلاح الدين أبي سعد العلائي (ت ٧٦١ هـ)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي عالم الكتب- طبعة أولى ٥٩- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة تأليف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط. الحلبي، الطبعة الأولى سنة ١٩٦٤ م.
٦٠- بهجة النفوس لابن أبي جمرة، دار الجيل- بيروت
حرف التاء
٦١- تاج العروس من جواهر القاموس لمحمّد مرتضى الزبيدي (ت ١٢٠٥ هـ)، الناشر دار ليبيا- للنشر والتوزيع بنغازي- ليبيا- ط المطبعة الخيرية القاهرة. ومطبعة الكويت بتحقيق نخبة من العلماء ٦٢- تاريخ الأدب العربي للدكتور شوقي ضيف، دار المعارف- مصر
650
٦٣- تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان، القاهرة- دار المعارف- الطبعة الخامسة ٦٤- تاريخ الإسلام للحافظ شمس الدين الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري دار الكتاب العربي- بيروت طبعة ثانية ٦٥- تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر بن أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة (٤٦٣ هـ) الناشر دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان.
٦٦- تاريخ الثقات للحافظ أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٦٧- تاريخ جرجان للسهمي (ت ٤٢٧ هـ)، عالم الكتب- بيروت ٦٨- تاريخ الخلفاء للإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى عام (٩١١ هـ) تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد- الطبعة الثانية سنة ١٣٨٣ هـ/ ١٩٦٤ م- مطبعة المدني بالعباسية- القاهرة ٦٩- التاريخ الصغير لمحمّد بن إسماعيل البخاري (ت ٢٥٦ هـ)، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة- طبعة أولى ٧٠- التاريخ الكبير لمحمّد بن إسماعيل البخاري (ت ٢٥٦ هـ)، تصحيح عبد الرحمن اليماني وجماعة حيدرآباد- الهند، دائرة المعارف العثمانية ٧١- تاريخ ابن النجار (ت ٦٤٣ هـ) دار الكتاب العربي ٧٢- تاريخ يحيى بن معين لأبي زكريا يحيى البغدادي (ت ٢٣٣ هـ)، مجمع اللغة العربية ٧٣- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، دار الكتب العلمية تحقيق السيد أحمد صقر، طبعة ثالثة ٧٤- التبصرة والتذكرة للحافظ العراقي (ت ٨٠٦ هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت ٧٥- التبصرة والتذكرة لأبي محمّد عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري، تحقيق د. فتحي أحمد علي الدين دار الفكر- بيروت ٧٦- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق علي محمّد البجاوي، دار الكتب العلمية- بيروت ٧٧- التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (ت ٦١٦ هـ)، تحقيق علي محمّد البجاوي، دار الشام للتراث- بيروت ٧٨- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لعثمان بن علي الزيلعي (ت ٧٤٣ هـ)، المطبعة الأميرية ببولاق ٧٩- تبيين كذب المفتري لابن عساكر الدمشقي (ت ٥٧١ هـ)، دار الكتاب العربي ٨٠- تجريد أسماء الصحابة لشمس الدين أبي عبد الله بن قايماز الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، دار
651
المعرفة- بيروت ٨١- تجريد التمهيد لأبي عمر، يوسف بن عبد البر (ت ٤٦٣ هـ)، دار الكتب العلمية بيروت ٨٢- التحبير في علم التفسير لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق د. فتحي عبد القادر فريد، دار المنار ٨٣- التحرير في أصول الفقه لكمال الدين محمّد الشهير بابن همام الإسكندري (ت ٨٦١ هـ)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ٨٤- التحصيل من المحصول لسراج الدين محمود الأرموي (ت ٦٨٢ هـ)، تحقيق د. عبد الحميد علي أبو زنيد، مؤسسة الرسالة- طبعة أولى ٨٥- التحفة اللطيفة لشمس الدين السخاوي (ت ٩٠٢ هـ)، تحقيق حامد الفقي، مطبعة السنة المحمّدية ٨٦- تخريج الفروع على الأصول لأبي المناقب شهاب الدين الزنجاني (ت ٦٥٦ هـ)، تحقيق د.
محمّد أديب صالح، مؤسسة الرسالة- طبعة رابعة ٨٧- تخريج الكشاف للحافظ جمال الدين الزيلعي (ت ٧٦٢ هـ)، دار ابن خزيمة ٨٨- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة- دار التراث- القاهرة ٨٩- التذكرة لشمس الدين القرطبي (ت ٦٧١ هـ)، تحقيق. السيد الجميلي، دار ابن زيدون- بيروت، مكتبة مدبولي- القاهرة ٩٠- تذكرة الحفاظ للإمام أبي عبد الله شمس الدين الذهبي (ت سنة ٧٤٨ هـ)، ط. دار الفكر العربي- القاهرة ٩١- تذكرة النحاة لأبي حيان محمّد بن يوسف الغرناطي الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)، تحقيق د.
عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة- طبعة أولى ٩٢- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض اليحصبي السبتي، تحقيق الدكتور أحمد بكير، مكتبة الحياة بيروت، مكتبة الفكر طرابلس- ليبيا ١٣٨٧ هـ ٩٣- الترغيب والترهيب لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت ٦٥٦ هـ) تحقيق مصطفى محمّد عمارة، مكتبة مصطفى البابي الحلبي ٩٤- تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم للحاكم صاحب المستدرك (ت ٤٠٥ هـ)، تحقيق كمال الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، دار الجنان- طبعة أولى ٩٥- التعديل والتجريح فيمن روى عن البخاري في الصحيح لأبي الوليد الباجي (ت ٤٧٤ هـ)، تحقيق د. أبو لبابة حسين، دار اللواء- الرياض
652
٩٦- التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب شمس الحق آبادىّ بأسفل سنن الدارقطني، عالم الكتب ٩٧- تفسير بحر العلوم للسمرقندي، تحقيق علي محمّد معوض، عادل أحمد عبد الموجود. دار الكتب العلمية، طبعة أولى ٩٨- تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل للحسين بن مسعود البغوي (ت ٥١٦ هـ)، تحقيق خالد العك ومروان سوار، دار المعرفة- بيروت- طبعة أولى ٩٩- تفسير الجامع لأحكام القرآن للعلامة محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (٦٧١ هـ) طبعة دار الشعب بمصر ١٠٠- تفسير سفيان الثوري لسفيان الثوري (ت ٧٧٧ هـ)، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١٠١- تفسير عبد الرزاق لعبد الرزاق الصنعاني (ت ٢١١ هـ)، تحقيق د. مصطفى مسلم محمّد، مكتبة الرشد- طبعة أولى ١٠٢- تفسير ابن عطية- المحرر الوجيز للقاضي أبي محمّد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت ٥٤٦ هـ)، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمّد، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١٠٣- تفسير غريب القرآن لعبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ)، تحقيق السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية ١٠٤- تفسير ابن كثير لإسماعيل بن عمر بن كثير (ت ٧٧٤ هـ) القاهرة، مكتبة أسامة- ٢٣ ش الصنادقية بالأزهر ١٠٥- تفسير الماوردي لأبي الحسن علي بن محمّد الماوردي البصري (ت ٤٥٠ هـ)، تحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية- الطبعة الأولى ١٠٦- التفسير والمفسرون للدكتور محمّد حسين الذهبي، مكتبة وهبة- طبعة ثالثة ١٠٧- تقريب التهذيب تأليف: أحمد بن حجر العسقلاني (٧٧٣- ٨٥٢ هـ)، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، ط. دار المعرفة للطبع والنشر، بيروت الطبعة الثانية سنة ١٩٧٥ م.
١٠٨- تقريب الوصول لابن جزي، طبعة تونس ١٠٩- التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (ت ٨٧٩ هـ)، دار الكتب العلمية- طبعة ثانية- التقصي لحديث الموطأ- ينظر التجريد ١١٠- تقييد العلم لأبي بكر الخطيب البغدادي (ت ٤٦٢ هـ)، تحقيق يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية ١١١- تلقيح مفهوم أهل الأثر لعبد الرحمن بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)، تحقيق مكتبة الآداب- القاهرة، مكتبة الآداب- القاهرة
653
١١٢- التمهيد لأبي عمر، يوسف بن عبد البر (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق سعيد أحمد أعراب، مؤسسة قرطبة ١١٣- التمهيد في تخريج الفروع على الأصول لجمال الدين أبي محمّد الأسنوي (ت ٧٧٢ هـ)، تحقيق د، محمّد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، طبعة ثالثة ١١٤- تنزيه الشريعة لأبي الحسن ابن عراق الكناني (ت ٩٦٣ هـ)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمّد الصديق، دار الكتب العلمية- طبعة ثانية ١١٥- تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك، لجلال الدين السيوطي، طبعة عيسى البابي الحلبي ١١٦- تهذيب الأسماء واللغات لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة (٦٧٦ هـ)، إدارة الطباعة المنيرية، دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
١١٧- تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر (ت ٥٧١ هـ)، دار المسيرة بيروت ١١٨- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ت سنة ٨٥٢ هـ) ط. مطبعة مجلس المعارف النظامية في الهند، الطبعة الأولى ١١٩- تهذيب الكمال في أسماء الرجال تأليف: جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزيّ (٦٥٤- ٧٤٢ هـ) تحقيق د/ بشار عواد معروف، ط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية سنة ١٩٨٥ م.
٢٢٠- تيسير التحرير لمحمّد أمين المعروف بأمير بادشاه، مطبعة مصطفى البابي الحلبي
حرف الثاء
١٢١- الثقات للحافظ محمّد بن حبان (ت ٣٥٤ هـ)، دائرة المعارف العثمانية- حيدرآباد- الهند
حرف الجيم
١٢٢- جامع بيان العلم لأبي عمر، يوسف بن عبد البر (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي- طبعة أولى ١٢٣- جامع البيان في تفسير القرآن تأليف: أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفى سنة ٣١٠ هـ)، ط. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الرابعة سنة ١٩٨٠ م.
١٢٤- جامع التحصيل في أحكام المراسيل للحافظ صلاح الدين أبي سعيد كيكلدي العلائي (ت ٧٦١ هـ)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة النهضة العربية- بيروت ١٢٥- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة (٢٠٩- ٢٧٩ هـ) تحقيق: أحمد محمّد شاكر، ط. الحلبي- الطبعة الثانية سنة ١٩٧٨ م.
١٢٦- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق محمود الطحان الطبعة الأولى مكتبة المعارف- الرياض ١٢٧- جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة فاس لابن القاضي، طبع بفأس
654
١٢٨- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس للحميدي (ت ٤٨٨ هـ)، الدار المصرية للتأليف والترجمة ١٢٩- الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن محمّد الرازي، طبع في حيدرآباد ١٩٥٢، ومصورة دار الكتب العلمية بيروت- لبنان ١٣٠- الجمع بين رجال الصحيحين لأبي الفضل محمّد بن طاهر المقدسي (ت ٥٠٧ هـ)، المعروف بابن القيسراني، دار الباز ١٣١- الجمل على المنهج لسليمان الجمل، المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
١٣٢- جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش، ط. المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى سنة ١٩٦٤ م.
١٣٣- جمهرة أنساب العرب لابن حزم المتوفى (٤٥٦ هـ)، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف ١٣٤- الجني الداني للحسن بن قاسم المرادي، تحقيق د. فخر الدين قباوة والأستاذ محمّد نديم فاضل، دار الكتب العلمية ١٣٥- حاشية البناني على المحلي للبناني، طبعة الحلبي ١٣٦- حاشية التفتازاني والشريف لابن الحاجب المالكي (ت ٦٤٦ هـ)، المطبعة الأميرية ببولاق- طبعة أولى ١٣٧- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لشمس الدين محمّد عرفة الدسوقي، عيسى البابي الحلبي ١٣٨- حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب للشيخ عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشهير بالشرقاوي (ت ١٢٢٦ هـ) على تحفة الطلاب بشرع تحرير تنقيح اللباب للشيخ أبي يحيى زكريا الأنصاري (ت ٩٢٥ هـ)، ط. عيسى الحلبي ١٣٩- حاشية الشيخ زاده على تفسير البيضاوي، المكتبة الإسلامية محمّد ازدمير ديار بكر- تركيا ١٤٠- حاشية العطار على جمع الجوامع تصوير دار الكتب العلمية بيروت ١٤١- حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين مصطفى البابي الحلبي ١٤٢- الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي، لأبي الحسن الماوردي، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١٤٣- الحجة على أهل المدينة لأبي عبد الله محمّد بن الحسن الشيباني (ت ١٨٩ هـ) عالم الكتب- طبعة ثالثة
655
١٤٤- حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، منشورات جامعة بنغازي طبعة أولى ١٤٥- الحجة للقراء السبعة لأبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت ٣٧٧ هـ)، تحقيق بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي، دار المأمون للتراث- دمشق طبعة ثانية.
١٤٦- الحدود في الأصول لأبي الوليد سليمان الباجي (ت ٤٧٤ هـ) تحقيق د. نزيه حماد، مؤسسة الزغبي للطباعة والنشر- طبعة أولى ١٤٧- حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لسيف الدين أبي بكر الشاشي القفال، دار الباز تحقيق د. ياسين أحمد إبراهيم درادكة، مكتبة الرسالة الحديثة طبعة أولى ١٤٨- حماسة البحتري (للوليد بن عبيد) بيروت ١٤٩- الحماسة البصرية لصدر الدين علي بن الحسن البصري (ت ٦٥٦ هـ)، تحقيق عادل جمال سليمان، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
حرف الخاء
١٥٠- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبد القادر بن عمر البغدادي تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي ١٥١- الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق: محمّد علي النجار، ط. دار الهدى للطباعة والنشر، بيروت: الطبعة الثانية ١٥٢- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال لصفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي، تحقيق محمود عبد الوهاب فايد، مكتبة القاهرة
حرف الدال
١٥٣- دائرة المعارف الإسلامية إصدار دار الشعب- طبعة أولى ١٥٤- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون لشهاب الدين أبي العياش السمين الحلبي، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض وآخرون، دار الكتب العلمية ١٥٥- الدر المنثور لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، دار الكتب العلمية ١٥٦- الدرر الكامنة، لأحمد بن حجر العسقلاني القاهرة: دار الكتب الحديثة بعابدين ١٥٧- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمّد بن فرهود المتوفى سنة (٧٩٩ هـ) تحقيق وتعليق الدكتور أحمد محمّد أبو النور مدرس الحديث بجامعة الأزهر دار التراث للطبع والنشر- ٢٢ شارع الجمهورية القاهرة.
١٥٨- دلائل النبوة لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ)، تحقيق د. عبد المعطي
656
القلعجي، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١٥٩- ديوان الإسلام لشمس الدين أبي المعالي ابن الغزي (ت ١١٦٧ هـ)، تحقيق سيد كسروي حسن دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١٦٠- ديوان امرئ القيس تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم- ط. دار المعارف، الطبعة الثانية ١٦١- ديوان عمرو بن معد يكرب لمطاع الطرابيشي، مطبوعات مجلة اللغة العربية- دمشق- طبعة ثانية ١٦٢- ديوان المعاني لأبي هلال العسكري، مكتبة القدسي ١٦٣- ديوان الهذليين نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، الناشر: الدار القومية للطباعة والنشر، سنة ١٩٦٥ م
حرف الراء
١٦٤- الرسالة لمحمّد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد محمّد شاكر، دار التراث- طبعة ثانية ١٦٥- الرسالة المستطرفة للسيد محمّد بن جعفر الكتاني، دار الكتب العلمية- طبعة ثانية ١٦٦- رصف المباني في شرح حروف المعاني لأحمد بن عبد النور المالقي (ت ٧٠٢ هـ)، تحقيق أحمد محمّد الخراط- مجمع اللغة العربية بدمشق.
١٦٧- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع الثاني تأليف: أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي (ت سنة ١٢٧٠ هـ)، ط. دار إحياء التراث العربي ١٦٨- روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، محمّد باقر الموسوي، طهران، المطبعة الحيدرية ١٦٩- روضة الطالبين لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت ٦٧٦ هـ)، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوض، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ١٧٠- روضة الناظر وجنّة المناظر لموفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (ت ٦٢٠ هـ)، تحقيق د. عبد الكريم بن علي النملة، مكتبة الرشد- الرياض طبعة ثالثة
حرف الزاي
١٧١- زاد المسافر لصفوان بن إدريس التجيبي المرسي، طبع في بيروت ١٩٣٩ ١٧٢- زاد المعاد لابن قيم الجوزية (ت ٧٥١ هـ)، تحقيق شعيب الأناءوط، عبد القادر الأرناؤوط مؤسسة الرسالة- بيروت الطبعة الخامسة عشر ١٧٣- الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي لأبي منصور الأزهري، تحقيق د. محمّد جبر الألفي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت- طبعة أولى
657
١٧٤- الزهد لعبد الله ابن المبارك (ت ١٨١ هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي- دار الكتب العلمية ١٧٥- الزوائد للبوصيري (ت ٨٤٠ هـ)، تحقيق موسى محمّد علي ود. عزت علي عطية، دار الكتب الإسلامية- زوائد المسند لعبد الله بن أحمد بن حنبل- المسند أحمد بن حنبل
حرف السين
١٧٦- سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للإمام محمّد بن إسماعيل الكحلاني ثم الصنعاني (ت ١١٨٢ هـ) ط الحلبي الرابعة سنة ١٣٧٩ هـ/ ١٩٦٠ م وأيضا نسخة أخرى بتصحيح وتعليق محمّد عبد العزيز ١٧٧- سر صناعة الإعراب لأبي الفتح عثمان بن جنيّ (ت سنة ٣٩٢ هـ)، تحقيق الدكتور: حسن الهنداوي- ط. دار القلم، بدمشق- الطبعة الأولى ١٩٨٥ م ١٧٨- سلاسل الذهب لبدر الدين الزركشي (ت ٧٩٤ هـ)، تحقيق محمّد المختار بن محمّد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية- طبعة أولى ١٧٩- سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي- طبعة رابعة ١٨٠- السلسلة الضعيفة لمحمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ١٨١- سنن الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجه (٢٠٧- ٢٧٥ هـ) تحقيق:
محمّد فؤاد- ط. دار الفكر العربي ١٨٢- سنن الدارمي للإمام أبي محمّد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت سنة ٢٥٥ هـ)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت ١٨٣- سنن أبي داود للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (٢٠٢- ٢٧٥ هـ) تحقيق: المرحوم محمّد محيي الدين عبد الحميد- ط. دار الكتب العلمية- بيروت ١٨٤- سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي- ط. المكتبة العلمية- بيروت ١٨٥- سؤالات البرذعي للبرذعي، تحقيق: د. سعدي الهاشمي، نشر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ١٨٦- سؤالات البرقاني للدارقطني للبرقاني، كتب خانه جميلي- باكستان ١٨٧- سير أعلاء النبلاء للحافظ شمس الدين الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة- طبعة أولى ١٨٨- السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي، طبع مصر
658
١٨٩- السيرة مع الروض الأنف لأبي القاسم عبد الرحمن الخثعمي (٥٨١ هـ)، مكتبة عبد السلام بن محمّد بن شقرون ١٩٠- سيرة ابن هشام لأبي محمّد عبد الملك بن هشام (ت ١٨٣ هـ)، تحقيق مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث- طبعة أولى
حرف الشين
١٩١- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمّد بن محمّد مخلوف، دار الفكر ١٩٢- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح ابن العماد الحنبلي (ت ١٠٨٩ هـ)، دار الكتب العلمية ١٩٣- شرح أبيات سيبويه لأبي محمّد يوسف المرزبان السيرافي (ت ٣٨٥ هـ)، تحقيق محمّد علي الريح هاشم، مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر ١٩٤- شرح أبيات مغني اللبيب لعبد القادر بن عمر البغدادي (ت ١٠٩٣ هـ)، تحقيق عبد العزيز رباح، أحمد يوسف دقاق دار البيان- دمشق ١٩٥- شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك فيصل عيسى البابي الحلبي ١٩٦- شرح البهجة لزكريا الأنصاري، المطبعة الميمنية بمصر ١٩٧- شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) دار الكتب العلمية ١٩٨- شرح تنقيح الفصول لشهاب الدين أبي العباس القرافي (ت ٦٨٤ هـ)، شركة الطباعة الفنية المتحدة- طبعة أولى ١٩٩- شرح الخريدة البهية لأبي البركات الشيخ أحمد بن محمّد الدردير العدوي (ت ١٢٠١ هـ)، تحقيق السيد علي بن السيد عبد الرحمن الهاشم، طبع الإمارات العربية المتحدة ٢٠٠- شرح ديوان جرير بشرح محمّد بن حبيب، دار المعارف تحقيق د. نعمان محمّد أمين طه، طبعة ثالثة ٢٠١- شرح ديوان الحماسة لأبي تمام شرح الإمام الشيخ أبي زكريا يحيى التبريزي، عالم الكتب ٢٠٢- شرح الزّرقاني على الموطأ لمحمّد بن عبد الباقي الزرقاني (ت ١١٢٢ هـ)، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٢٠٣- شرح السّنة لأبي محمّد الحسين بن مسعود البغوي (ت ٥١٦ هـ)، دار الكتب العلمية تحقيق علي محمّد معوض، عادل أحمد عبد الموجود ٢٠٤- شرح شعلة على الشاطبية لأبي عبد الله محمّد بن أحمد بن الحسين الموصلي (ت ٦٥٦ هـ)، الاتحاد العام لجماعة القراء
659
٢٠٥- شرح شواهد المغني لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت ٩١١ هـ)، دار مكتبة الحياة بيروت ٢٠٦- شرح العضد على المختصر لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ت ٧٥٦ هـ) دار الكتب العلمية- طبعة ثانية ٢٠٧- شرح فتح القدير للعاجز الفقير كمال الدين محمّد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام (ت ٦٨١ هـ)، دار إحياء التراث العربي ٢٠٨- شرح قطر الندى لجمال الدين بن هشام الأنصاري (ت ٧٦١ هـ)، مطبعة السعادة- الطبعة الثانية عشرة ٢٠٩- شرح الكافية لابن مالك، تحقيق عبد المنعم هريدي، طبعة دار المأمون للتراث ٢١٠- شرح مختصر المنار للكوراني، دار السلام- القاهرة ٢١١- شرح مسند أحمد بن حنبل تحقيق أحمد شاكر، طبعة دار المعارف القاهرة ٢١٢- شرح المفصل لموفق الدين يعيش النحوي (ت ٦٤٣ هـ)، عالم الكتب- بيروت ٢١٣- شرح منتهى الإرادات لمنصور بن يونس البهوتي (ت ١٠٥١ هـ)، عالم الكتب- طبعة أولى ٢١٤- شرح المهذب لأبي زكريا محيي الدين النووي، تحقيق محمّد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد جدة ٢١٥- شرف أصحاب الحديث لأبي بكر أحمد الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق د. محمّد سعيد خطيب أوغلي، دار إحياء السنة النبوية ٢١٦- شعب الإيمان لأحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ)، تحقيق أبو هاجر، دار الكتب العلمية ٢١٧- الشعر والشعراء لابن قتيبة الدينوري، دار المعارف- القاهرة تحقيق أحمد محمّد شاكر ٢١٨- الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (ت ٥٤٤ هـ)، تحقيق علي محمّد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي ٢١٩- شواذ القرآن لابن خالويه، مكتبة المتنبي
حرف الصاد
٢٢٠- صحيح البخاري، بحاشية السندي للعلامة أبي عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري- ط.
الحلبي ٢٢١- صحيح ابن حبان لابن حبان (ت ٣٥٤ هـ)، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان، المكتبة السلفية- المدينة المنورة ٢٢٢- صحيح ابن خزيمة لابن خزيمة (ت ٣١١ هـ)، تحقيق محمّد مصطفى الأعظمي، المكتب
660
الإسلامي- بيروت طبعة أولى ٢٢٣- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (٢٠٦- ٢٦١ هـ)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي- ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت ٢٢٤- صحيفة ابن أبي طلحة حقّقها راشد عبد المنعم الرجال مكتبة السنة ٢٢٥- صفة الصفوة لأبي الفرج بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)، حيدرآباد- الهند ٢٢٦- صفة الكلام للشيخ الظوهري شيخ الجامع الأزهر، مطبعة الحلبي
حرف الضاد
٢٢٧- الضعفاء للبخاري (ت ٢٥٦ هـ)، تحقيق بوران ضناوي، عالم الكتب- بيروت- طبعة أولى ٢٢٨- الضعفاء لأبي جعفر العقيلي تحقيق د. عبد المعطي قلعجي دار الكتب العلمية- بيروت- طبعة أولى ٢٢٩- الضعفاء والمتروكين للنسائي (ت ٣٠٣ هـ)، تحقيق محمود إبراهيم زايد- دار الوعي- طبعة أولى ٢٣٠- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع تأليف: شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي (ت ٩٠٢ هـ)، منشورات دار مكتبة الحياة
حرف الطاء
٢٣١- الطالع السعيد لجعفر الأدفوي (ت ٧٤٨ هـ) تحقيق سعد محمّد حسن- مطابع سجل العرب ٢٣٢- طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، دار الثقافة- بيروت ٢٣٣- طبقات الخواص لأحمد بن أحمد الشرجي الزبيدي، طبع بمصر ٢٣٤- طبقات الشافعية لأبي بكر بن هداية الله الحسيني المتوفى سنة (١٠١٤ هـ)، حقّقه عادل نويهض- الطبعة الأولى سنة ١٣٩١ هـ/ ١٩٧١ م- دار الأوقاف الجديدة- بيروت لبنان.
٢٣٥- طبقات الشافعية تأليف: جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي- المتوفى سنة (٧٧٢ هـ) تحقيق عبد الله الجبوري، الجمهورية العراقية رئاسة ديوان الأوقاف، إحياء التراث الإسلامي بغداد سنة ١٣٩٠ هـ، ودار الكتب العلمية بيروت لبنان ٢٣٦- طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (٧٢٧- ٧٧١ هـ) تحقيق محمود محمّد وعبد الفتاح محمّد الحلو، الطبعة الأولى- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه سنة ١٣٨٣ هـ/ سنة ١٩٦٤ م ٢٣٧- طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي (ت ٤١٢ هـ)، تحقيق نور الدين شريبة، مكتبة الخانجي- القاهرة- طبعة ثالثة ٢٣٨- طبقات الفقهاء لأبي إسحق الشيرازي الشافعي (٣٩٣- ٤٧٦ هـ) تحقيق الدكتور إحسان
661
عبّاس، الناشر دار الرائد العربي بيروت لبنان سنة ١٩٧٠ م ٢٣٩- طبقات الفقهاء الشافعية لأبي عاصم محمّد بن أحمد العبادي المتوفى سنة (٤٥٨ هـ)، طبعة ليدن سنة ١٩٦٤ م ٢٤٠- طبقات ابن قاضي شهبة لأبي بكر تقي الدين ابن قاضي شهبة (ت ٨٥١ هـ)، تحقيق د.
الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب- طبعة أولى ٢٤١- طبقات القراء لابن الجزري، مكتبة المتنبي ٢٤٢- الطبقات الكبرى لابن سعد- دار بيروت للطباعة والنشر، دار صادر ١٣٧٧ هـ/ ١٩٥٧ م ٢٤٣- طبقات المفسرين للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (٨٤٩- ٩١١ هـ)، تحقيق:
علي محمّد عمر- الناشر: مكتبة وهبه- الطبعة الأولى سنة ١٩٧٦ م ٢٤٤- طبقات المفسرين تصنيف: الحافظ شمس الدين محمّد بن علي بن أحمد الداودي المتوفى سنة ٩٤٥ هـ، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى سنة ١٩٨٣ م ٢٤٥- طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر محمّد بن الحسن الزبيدي، دار المعارف تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ٢٤٦- طيبة النشر في القراءات العشر لأبي القاسم النويري تحقيق عبد الفتاح السيد أبو سنة مجمع البحوث الإسلامية
حرف العين
٢٤٧- العبر في خبر من غبر للحافظ الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، وزارة الإعلام- الكويت ٢٤٨- الاعتصام لأبي إسحاق اللخمي الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ)، المكتبة التجارية الكبرى بمصر ٢٤٩- العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (ت ٣٦٩ هـ)، تحقيق رضاء الله بن محمّد إدريس المباركفوري، دار العاصمة- الرياض- طبعة أولى ٢٥٠- العلل لأبي محمّد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم (ت ٣٢٧ هـ) دار المعرفة ٢٥١- العلل المتناهية لأبي الفرج بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)، تحقيق إرشاد الحق الأثري، دار الكتب العلمية- بيروت ٢٥٢- العلل الواردة في الأحاديث النبوية لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت ٣٨٥ هـ) تحقيق محفوظ الرحمن زين الله السلفي (ت ٣٨٥ هـ) دار طيبة- طبعة أولى ٢٥٣- علوم الحديث للحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ هـ)، تحقيق د. السيد معظم حسين، مكتبة المتنبي- القاهرة
662
٢٥٤- العلوم المستودعة في السبع المثاني للتجيبي الأقليشي، مخطوط تفسير بالأزهر [٢٥٥] ٤٢٥٣ ٢٥٥- عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ لأحمد بن يوسف السمين الحلبي، تحقيق الدكتور محمّد التونجي، عالم الكتب، طبعة أولى ٢٥٦- عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني (ت ٨٥٥ هـ)، مكتبة مصطفى البابي الحلبي- طبعة أولى ٢٥٧- عمل اليوم والليلة لأبي بكر أحمد بن إسحاق الدينوري (ابن السّنّي) (ت ٣٦٤ هـ)، تحقيق عبد القادر أحمد عطا- دار المعرفة- بيروت ٢٥٨- العنوان في القراءات السبع لأبي طاهر إسماعيل بن خلف الأنصاري تحقيق الدكتور زهير زاهد والدكتور خليل العطية، عالم الكتب، بيروت- لبنان
حرف الغين
٢٥٩- غاية النهاية في طبقات القراء تأليف: شمس الدين أبي الخير محمّد بن محمّد بن الجزري (المتوفى سنة ٨٣٣ هـ)، عني بنشره ج. براجستراسر- ط. دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة الثالثة سنة ١٩٨٢ ٢٥٩- غاية الوصول شرح لب الأصول لزكريا بن محمّد الأنصاري (ت ٩٢٦ هـ)، مطبعة عيسى البابي الحلبي
حرف الفاء
٢٦١- فتاوى ابن تيمية لأحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية (ت ٧٢٨ هـ)، مطابع الرياض- الطبعة الأولى ٢٦٢- فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية- القاهرة- طبعة ثانية ٢٦٣- فتح العلام للشيخ زكريا الأنصاري، دار الكتب العلمية، تحقيق علي محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود- طبعة أولى ٢٦٤- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب لأبي يحيى زكريا الأنصاري (ت ٩٣٥ هـ)، مكتبة مصطفى البابي الحلبي ٢٦٥- فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق أحمد بن عبد الواحد الخياطي، وزارة الأوقاف المملكة المغربية ٢٦٦- فقه اللغة وسر العربية لأبي منصور عبد الملك بن محمّد الثعالبي المكتبة التجارية الكبرى (١٣٤٦- ١٩٢٧)
663
٢٦٧- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمّد بن الحسن الحجوي الثعالبي، طبع في الرباط (١٣٤٠ هـ) ٢٦٨- الفهرست لابن النديم- الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت ٢٦٩- فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت لعبد العلي محمّد الأنصاري (ت ١١٨٠ هـ)، المطبعة الأميرية- بولاق ٢٧٠- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (ت ١٠٣١ هـ)، دار الفكر- طبعة ثانية
حرف القاف
٢٧١- القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزآبادىّ (ت ٨١٧ هـ)، دار الفكر- بيروت
حرف الكاف
٢٧٢- الكاشف على المحصول للأصبهاني، مخطوط ٢٧٣- الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لأبي عمر يوسف بن عبد البرّ، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٢٧٤- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (ت ٣٦٥ هـ)، دار الفكر- طبعة ثالثة ٢٧٥- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل تأليف: أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (٤٦٧- ٥٣٨ هـ) الطبعة الأولى سنة ١٩٧٧ م ٢٧٦- كشاف القناع عن متن الإقناع للشيخ العلامة فقيه الحنابلة منصور بن يونس بن إدريس البهوتي- نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ٢٧٧- كشف الأسرار للنسفي، دار الكتب العلمية ٢٧٨- كشف الخفاء لإسماعيل بن محمّد العجلوني (ت ١١٦٢ هـ)، مؤسسة الرسالة- بيروت- طبعة ثالثة ٢٧٩- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون للعالم الفاضل الأديب المؤرخ مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، المكتبة الإسلامية بطهران- الطبعة الثالثة سنة ١٣٨٧ هـ/ ١٩٥٧ م ٢٨٠- الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، مطبعة السعادة- طبعة أولى ٢٨١- كنز العمال لعلاء الدين المتقي الهندي (ت ٩٧٥ هـ)، مؤسسة الرسالة ٢٨٢- الكنى والأسماء لمسلم بن الحجاج (ت ٢٦١ هـ)، تحقيق عبد الرحيم أحمد القشقري، الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة- طبعة أولى ٢٨٣- الكوكب المنير لمحمّد بن أحمد الفتوحي (ت ٩٧٢ هـ)، تحقيق، د/ محمّد الزحيلي ود/ نزيه حماد- مكتبة العبيكان
664
حرف اللام
٢٨٤- لب اللباب في تحرير الأنساب لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق محمّد أحمد عبد العزيز وأشرف أحمد عبد العزيز دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٢٨٥- اللباب في تهذيب الأنساب لعز الدين ابن الأثير الجزري، دار صادر- بيروت ٢٨٦- لسان العرب لابن منظور، تحقيق عبد الله علي الكبير، محمّد أحمد حسب الله، هاشم محمّد الشاذلي- دار المعارف- مصر ٢٨٧- لسان الميزان للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ هـ، حيدرآباد الهند، تصوير ونشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان- الطبعة الثانية سنة ١٣٩٠ هـ/ سنة ١٩٧١ م ٢٨٨- اللمع في العربية لأبي الفتح عثمان بن جنّي، تحقيق حامد المؤمن، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية طبعة ثانية
حرف الميم
٢٨٩- المبسوط لشمس الدين السرخسي، دار المعرفة بيروت ٢٩٠- مجاز القرآن صنعة أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي (ت ٢١٠ هـ)، تحقيق: د/ محمّد فؤاد سزكين، الناشر: مكتبة الخانجي ٢٩١- مجمع الأنهر طبعة مصطفى البابي الحلبي ٢٩٢- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت ٨٠٧ هـ)، مؤسسة المعارف بيروت ٢٩٣- المجيد في إعراب القرآن المجيد لإبراهيم محمّد الصفاقسي (ت ٧٤٢ هـ)، تحقيق موسى محمّد زنين، منشورات كلية الدعوة الإسلامية طرابلس ولجنة الحفاظ على الترث الإسلامي ٢٩٤- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جنّي تحقيق: د/ عبد الفتاح شلبي وعلي النجدي ناصف- ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سنة ١٩٦٩ م ٢٩٥- المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الرامهرمزيّ (ت ٣٦٠ هـ)، تحقيق محمّد عجاج الخطيب، دار الفكر ٢٩٦- المحلى لابن حزم (ت ٤٥٦ هـ)، طبعة: دار الفكر- تحقيق أحمد شاكر ٢٩٧- المحلى على المنهاج لجلال الدين المحلي مطبعة مصطفى البابي الحلبي ٢٩٨- مختار الصحاح للإمام محمّد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ١٩٧٦ م ٢٩٩- مختصر المنتهى لأبي عمر عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) مطبعة
665
كردستان بالقاهرة ٣٠٠- مختلف الرواية لعلاء الدين محمّد بن عبد الحميد أبي الفتح السمرقندي (ت ٥٥٢ هـ) تحقيق عيسى زكي عيسى- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت ٣٠١- المخصص تأليف: أبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي، اللغوي، الأندلسي المعروف بابن سيده (ت ٤٥٨ هـ)، ط. دار الفكر ٣٠٢- المدخل للبيهقي (ت ٤٥٨ هـ) تحقيق د/ محمّد ضياء الرحمن الأعظمي، نشر دار الخلفاء بالكويت ٣٠٣- مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان تأليف الإمام أبي محمّد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي المتوفى سنة ٧٦٨ هـ مطبوعات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية، سنة ١٣٩٠ هـ/ سنة ١٩٧٠ م ٣٠٤- المراسيل للحافظ أبي داود سليمان السجستاني (ت ٢٧٥ هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة- طبعة أولى ٣٠٥- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع تحقيق علي محمّد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي ٣٠٦- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ هـ)، دار المعرفة- بيروت ٣٠٧- المستصفى في علم الأصول لأبي حامد الغزالي، دار المعرفة- بيروت ٣٠٨- مسند البزار- كشف الأستار للهيثمي (ت ٨٠٧ هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة بيروت ٣٠٩- مسند الحميدي للحافظ أبي بكر الحميدي (ت ٢١٩ هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣١٠- مسند الشافعي لمحمّد بن إدريس الشافعي، تحقيق السيد يوسف الزواوي الحسيني، السيد عزت العطار الحسيني، دار الكتب العلمية ٣١١- مسند الشهاب للقاضي محمّد بن سلامة القضاعي (ت ٤٥٤ هـ)، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى (١٤٠٥ هـ)، مؤسسة الرسالة- بيروت ٣١٢- المسودة في أصول الفقه لآل تيمية، دار الكتاب العربي- بيروت ٣١٣- مشكل الآثار للطحاوي (ت ٣٢١ هـ)، حيدرآباد- الهند ٣١٤- مشيخة ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)، تحقيق محمّد محفوظ، الطبعة الثانية ١٤٠٠ هـ دار الغرب- بيروت ٣١٥- المصاحف لأبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت ٣١٦ هـ)،
666
الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية ٣١٦- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي- أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيومي (ت ٧٧٠ هـ) ط ١٣٩٧ هـ/ سنة ١٩٧٧ وأيضا ط المطبعة العلمية الطبعة الأولى سنة ١٣١٥ هـ ٣١٧- المصنف لعبد الله بن محمّد بن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ)، حيدرآباد- الهند- طبعة أولى ٣١٨- المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت ٢١١ هـ)، ط ١ سنة ١٣٩١ هـ/ ١٩٧٢ م طبعة المجلس العلمي- المكتب الإسلامي- بيروت- لبنان ٣١٩- المطالب العالية لابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار المعرفة- طبعة أولى ٣٢٠- المطلع على أبواب المقنع لشمس الدين محمّد بن أبي الفتح البعلي، المكتب الإسلامي ٣٢١- المعارف لعبد الله بن مسلم بن قتيبة، حققه دكتور ثروت عكاشة الهيئة المصرية العامة للكتاب ٣٢٢- معالم التنزيل لأبي محمّد الحسين بن مسعود البغوي (ت ٥١٦ هـ)، دار المعرفة تحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار ٣٢٣- معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج (ت ٣١١ هـ)، شرح وتحقيق: د/ عبد الجليل شلبي- عالم الكتب- الطبعة الأولى سنة ١٩٨٨ م ٣٢٤- معاني القراءات لأبي منصور الأزهري (ت ٣٧٠ هـ)، تحقيق د/ عيد مصطفى درويش ود/ عوض بن حمد القوزي طبعة أولى ٣٢٥- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص للشيخ عبد الرحيم بن أحمد العباسي (ت ٩٦٣ هـ)، عالم الكتب- بيروت ٣٢٦- المعتمد لأبي الحسين محمّد بن علي بن الطيب المعتزلي (ت ٤٣٦ هـ)، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣٢٧- معجم الأدباء لياقوت- ط. الحلبي- الطبعة الأخيرة ٣٢٨- المعجم الأوسط لأبي القاسم الطبراني (ت ٣٦٠ هـ)، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف- الرياض- طبعة أولى ٣٢٩- معجم البلدان لياقوت الحموي (ت ٦٢٦ هـ)، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية- بيروت، طبعة أولى ٣٢٠- معجم الشعراء للمرزباني مكتبة القدسي- القاهرة طبعة ثانية ٣٣٠- معجم طبقات الحفاظ المفسرين لعبد العزيز عز الدين
السيروان، عالم الكتب
667
٣٣٢- معجم قبائل العرب لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة- بيروت ٣٣٣- المعجم الكبير لأبي القاسم الطبراني (ت ٣٦٠ هـ)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي بغداد- وزارة الأوقاف ٣٣٤- معجم المصطلحات النحوية والصرفية للدكتور محمّد سمير نجيب اللبدي، مؤسسة الرسالة، دار الفرقان ٣٣٥- معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت ٣٩٥ هـ)، تحقيق شهاب الدين أبي عمرو، دار الفكر- بيروت- طبعة أولى ٣٣٦- المعرفة والتاريخ لأبي يوسف يعقوب الفسويّ، مكتبة الدار بالمدينة المنور تحقيق د. أكرم ضياء العمري ٣٣٧- المغني في أصول الفقه لعمر بن محمّد الخبازي (ت ٦٩١ هـ)، تحقيق محمّد مطهربقا ٣٣٨- مغني اللبيب لابن هشام (ت ٧٦١ هـ)، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد- مطبعة المدني ٣٣٩- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لشمس الدين الخطيب الشربيني، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣٤٠- المغني والشرح الكبير لعبد الله بن أحمد بن قدامة (ت ٦٢٠ هـ) على مختصر الإمام أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي، ومعه الشرح الكبير على متن المقنع تأليف الشيخ الإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت ٦٨٢ هـ) ط دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع بيروت- لبنان سنة ١٣٩٢ هـ.
٣٤١- مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي (ت ٦٠٤ هـ)، دار الكتب العلمية طبعة أولى ٣٤٢- مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبري زاده، حيدرآباد- الهند ٣٤٣- المفضليات للمفضل الضبي- تحقيق: أحمد محمّد شاكر، وعبد السلام هارون، ط. دار المعارف- الطبعة السادسة ٣٤٤- المفهوم لشيخنا محمّد الخضراوي، مخطوط ٣٤٥- المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية لمحمود بن أحمد العيني، دار صادر ٣٤٦- المقتضب صنعة أبي العباس محمّد بن يزيد المبرّد (٢١٠- ٢٨٥ هـ) تحقيق: محمّد عبد الخالق عضيمة ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ٣٤٧- المقدمة لابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ)، دار نهضة مصر طبعة ثالثة
668
٣٤٨- مقدمة ابن الصلاح لابن الصلاح، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن، الهيئة المصرية العامة للكتاب ٣٤٩- المغرب تأليف: علي بن مؤمن المعروف بابن عصفور (ت ٦٦٩ هـ) تحقيق: أحمد عبد الستار الجواري، وعبد الله الجبوريّ. مطبعة العاني، بغداد- الطبعة الأولى سنة ١٩٧٢ م.
٣٥٠- المكتفي في الوقف والابتداء للداني تحقيق الدكتور يوسف عبد الرحمن مرعشلي- مؤسسة الرسالة بيروت ١٤٠٤ هـ، وطبعة أخرى قامت بنشرها مؤسسة الحلبي ملحق ديوان الأعشى- انظر ديوان الأعشى- ملحق ديوان كعب بن زهير- انظر ديوان كعب بن زهير ٣٥١- الممتع في التصريف- لابن عصفور الإشبيلي (٥٩٧- ٦٦٩ هـ)، تحقيق د/ فخر الدين قباوة- ط. منشورات دار الآفاق الجديدة- بيروت- الطبعة الرابعة سنة ١٩٧٩ م.
٣٥٢- مناهج العقول لمحمّد بن الحسن البدخشي، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣٥٣- مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمّد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة عيسى البابي الحلبي- طبعة ثالثة ٣٠٤- المنتخب من المسند لأبي محمّد عبد بن حميد (ت ٢٤٩ هـ) مكتبة السنة بالقاهرة تحقيق السيد صبحي البدري السامرائي، محمود محمّد خليل الصعيدي ٣٥٥- المنتقى شرح موطأ مالك للقاضي سليمان بن خلف الباجي (ت ٤٩٤ هـ) الطبعة الأولى مطبعة السعادة بالقاهرة سنة ١٣٣٢ هـ ٣٥٦- منتهى الإرادات لتقي الدين الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، عالم الكتب ٣٥٧- المنخول من تعليقات الأصول لأبي حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ)، تحقيق د. محمّد حسن هيتو، دار الفكر- دمشق- طبعة ثانية ٣٥٨- المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء للآمدي (الحسن بن بشر)، مكتبة القدسي ٣٥٩- موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (ت ٨٠٧ هـ) تحقيق حسين سليم أسد، عبده علي كوشك- دار الثقافة العربية طبعة أولى ٣٦٠- الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ)، تحقيق الشيخ عبد الله دراز دار المعرفة- بيروت- طبعة ثانية ٣٦١- الموضوعات لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، عام ١٣٨٦ هـ ٣٦٢- ميزان الأصول في نتائج العقول لعلاء الدين شمس النظر السمرقندي، تحقيق د. عبد الملك
669
عبد الرحمن السعدي لجنة إحياء التراث العربي والإسلامي مكة المكرمة، طبعة أولى ١٩٨٧ ٣٦٣- ميزان الاعتدال في نقد الرجال تأليف: أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق: علي محمّد البجاوي- ط. دار المعارف- بيروت
حرف النون
٣٦٤- الناسخ المنسوخ في الحديث لابن شاهين (ت ٣٨٥ هـ)، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود دار الكتب العلمية- بيروت، طبعة أولى ٣٦٥- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة تأليف جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي (٨١٣- ٨٧٤ هـ)، وزارة الثقافة والإرشاد القومي المؤسسة المصرية العامة ٣٦٦- نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن الأنباري (ت ٥٧٧ هـ)، تحقيق: د/ إبراهيم السامرائي- مكتبة المنار بالأردن- الطبعة الثالثة سنة ١٩٨٥ م.
٣٦٧- نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس للعباس بن علي الموسوي، طبع في مصر (١٢٩٣ هـ) ٣٦٨- نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض لأحمد شهاب الدين الخفاجي المصري، مكتبة المشهد الحسيني.
٣٦٩- نشر البنود على مراقي السعود لعبد الله بن إبراهيم الشنقيطي، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣٧٠- نشر الطوالع للعلامة المرعشي الشهير بساجقلي زادة مكتبة العلوم العصية- طبعة أولى ٣٧١- نصب الراية لأحاديث الهداية للإمام الحافظ البارع العلامة جمال الدين أبي محمّد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (ت ٧٦٢ هـ) الناشر المكتبة الإسلامية، لصاحبها الحاج رياض الشيخ، الطبعة الثانية، سنة ١٣٩٣ هـ/ ١٩٧٣ م ٣٧٢- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري (ت ١٠٤١ هـ)، طبع دار صادر، تعليق الدكتور إحسان عبّاس ٣٧٣- نقعة الصديان للحسن بن محمّد بن الحسن الصاغاني (ت ٦٥٠ هـ)، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية- طبعة أولى ٣٧٤- النكت الظراف لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تصحيح عبد الصمد بن شرف، طبع بحاشية تحفة الأشراف للمزي، الطبعة الأولى، الدار القيمة الهند ٣٧٥- نكت الهيمان في نكت العميان لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت ٧٦٤ هـ)، المطبعة الجمالية بمصر ٣٧٦- نهاية الأرب لشهاب الدين النويري، دار الكتب المصرية، (١٩٢٣ م)
670
٣٧٧- نهاية السول في شرح منهاج الأصول لعبد الرحيم الأسنوي (ت ٧٧٢ هـ)، المطبعة السلفية- عالم الكتب- بيروت ٣٧٨- النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير- تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي- طبعة الحلبي- الطبعة الأولى سنة ١٩٦٣ م.
٣٧٩- نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي كلية الدعوة الإسلامية- طرابلس ليبيا- طبعة أولى ٣٨٠- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للإمام المجتهد قاضي قضاة القطر اليماني محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني، طبعة الحلبي الأخيرة ونسخة أخرى طبعة المكتبة التوفيقية بالقاهرة
حرف الهاء
٣٨١- الهداية شرح بداية المبتدئ لبرهان الدين الميرغناني (ت ٥٩٣ هـ)، مكتبة مصطفى البابي الحلبي ٣٨٢- هدي الساري للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية بالقاهرة- طبعة ثانية ٣٨٣- هدية العارفين من كشف الظنون لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر ٣٨٤- همع الهوامع شرح جمع الجوامع تأليف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت ٩١١ هـ)، عنّي بتصحيحه: السيد محمّد بدر الدين النعساني، ط. دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت
حرف الواو
٣٨٥- الوافي بالوفيات تأليف صلاح الدين خليل بن الصفدي ط ٢ دار النشر بقيسبادن النشرات الإسلامية (٣٨١ هـ/ ١٩٦٢ م) ٣٨٦- الوصول إلى الأصول لأحمد بن علي بن برهان (ت ٥١٨ هـ)، تحقيق عبد الحميد علي أبو زنيد، مكتبة المعارف- الرياض- طبعة أولى ٣٨٨- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلّكان سنة (٦٠٨- ٦٨١) حققه الدكتور/ إحسان عبّاس، دار صادر بيروت سنة ١٩٦٨ م
671
سورة الناس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
سورة (الناس) من السُّوَر المكية، وتسمى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ)، ومحورها يدور حول تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليَحمِيَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخلق الظاهر والباطن، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كل صلاةٍ، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهلِ بيته قرأ عليه (المُعوِّذتَينِ)، وفيها الاستعاذة من الشيطان الذي يوسوس ليُفسِدَ الأعمال.
ترتيبها المصحفي
114
نوعها
مكية
ألفاظها
20
ترتيب نزولها
21
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
7
* سورة (النَّاس):
سُمِّيت سورة (النَّاس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}[الناس: 1].
* وتُسمَّى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ):
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتعوَّذُ مِن عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلمَّا نزَلتِ المُعوِّذتانِ، أخَذَ بهما، وترَكَ ما سِوى ذلك». أخرجه النسائي (٥٥٠٩).
* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).
* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).
* وصفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهن:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).
قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:
* في صلاة الفجر:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).
* في الوتر:
عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).
* قبل النوم:
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ
{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).
* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:
عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال:
«قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال:
«قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).
* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).
الاستعاذة بالله من شرِّ الخلق الباطن (١-٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /481).
إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَتعوَّذَ من شرِّ الوسواس الذي يُفسِد الأعمالَ؛ فالله هو المُجِيرُ والحافظ من الشرور كلِّها.