ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.يقول عبيد الله الراجي عفوه، ومغفرته أحمد بن محمد بن أحمد البَسِيْليِّ لطف الله به وبالمسلمين بعد حمد الله كما يجب لجلاله، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله خاتم رسله، وأنبيائه، ومبلغ وحيه، وإنبائه الآتي بمعجز القرآن المتضمن للطائف، والنكت المكنونة، المشتمل على أسرار المعاني المصونة: هذا تفسير على كتاب الله المجيد، قصدت منه جمع ما تيسر حفظه، وتقييده من مجلس شيخنا أبي عبد الله محمد بن عرفة - رحمه الله تعالى - مما كان بيديه هو أو بعض حذاق طلبة المجلس زيادة على كلام المفسرين وغيرهم، وأضفت إلى ذلك في بعض الآيات شيئًا من كتب التفسير مع ما منح به الخاطر هذا مع ممانعة ما اقتضته الحال
قال الشيخ أبو حيان في تفسيره بالمجرد: التفسير لغة: الإِستبانة قاله ابن دريد.
واصطلاحاً: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية، والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب، وتتميمات لذلك.
وقولنا: وتتميمات لذلك: هو مثل: معرفة الناسخ، وسبب النزول، وذكر القصة، ونحو ذلك.
قال: والنظر في تفسيركتاب الله تعالى من أوجه:
أ - علم اللغة: اسما، وفعلًا، وحرفًا، فالحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة، فيؤخذ ذلك من كتبهم، وأما الأسماء، والأفعال، فتؤخذ من كتب اللغة.
ب - معرفة أحكام اللغة للكلمة العربية من جهة إفرادها، ومن جهة تركيبها، ويؤخذ ذلك من علم النحو.
جـ - معرفة كون بعض الألفاظ أو بعض التراكيب أحسن، وأفصح، ويؤخذ ذلك من علم البيان.
د - تعيين مبهم، وتعيين مجمل، وسبب نزول، ونسخ يؤخذ ذلك من النقل الصحيح، وذلك من علم الحديث.
هـ - معرفة الإِجمال، والتبيين، والعموم، والخصوص، والإِطلاق، والتقييد، ودلالة الأمر، والنهي، وما أشبه ذلك، ويختص أكثر هذا الوجه بأحكام القرآن، ويؤخذ من أصول الفقه، ومعظمه يؤخذ في
والنظر فيما يجب لله تعالى، وما يجوز في أفعاله، وما يستحيل عليه، ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت ذلك، ويؤخذ هذا من علم الكلام.
ز - اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ أو ما يتواتر أو آحاد، ويؤخذ هذا الوجه من علم القراءات.
وقد ألفت فيه كتاب " عقد اللآلئ " قصيدًا في عروض قصيد الشاطبيّ، ورويه تشتمل على ألف بيت، وأربعة وأربعين بيتًا صرحت فيه بأسماء القراء من غير رمز، ولا لغز، ولا [حوشيِّ] لغة.
فهذه سبعة أوجه، ولا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب الله تعالى إلَّا من أحاط بجملة كافية من كل وجه منها.
وأما الوقف: فقد صنف الناس فيه كُتُبًا مرتبة على السور ومن عنده حَظ من علم العربية لم يحتج إليها.
قال: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، وأبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المغربي الأندلسي الغرناطي هما فارسا علم التفسير، وكانا متعاصرين في الحياة متقاربين في الممات، وُلد الزمخشري بـ " زمخشر " قرية من قرى خوارزم يوم الأربعاء السابع عشر لرجب سنة سبعة وستين وأربعمائة، وتوفي بـ " كركانج " قصبة خوارزم ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسائة. ووُلد ابن عطية سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بـ " لورقه " في الخامس والعشرين لشهر رمضان سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وكتاب ابن عطية أنقل، وأجمع، وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص، وأغوص، وللزمخشري تصانيف غير تفسيره، منها " الفائق في لغات الحديث "، و " مختلف الأسماء ومؤتلفها "، و " ربيع الأبرار "، و " الرائض في الفرائض "، و " المفصَّل " وغير ذلك..
قلت: وجمع بين تفسير ابن عطية، والزمخشري أبو فارس عبد العزيز بن ابراهيم بن أحمد القرشي التميمي التونسي شُهِر بابن بزيزة، ولد بتونس يوم الإثنين رابع عشر محرم عام ستة عشر وستمائة، وتوفي ليلة الأحد أربع ربيع أَول سنة اثنين وستين وستمائة.
قلت: وولد شيخنا أبو عبد الله محمد بن عرفة سنة ست عشرة، وسبعمائة، وتوفي رحمه الله ضحوة يوم الثلاثاء الرابع والعشرين لشهر جمادى الآخر عام ثلاثة وثمانمائة، ودفن بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء غدًا تاريخه، وله من العمر ستة وثمانون عامًا، وأشْهُر. وحجّ حجة الفريضة، وكان خروجه لذلك من تونس بعد صلاة الظهر يوم الإِثنين الحادي والعشرين لشهر جمادى الآخرة من عام اثنين وتسعين وسبعمائة، وقد كان بلغ في تفسير القرآن إلى قوله تعالى: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) [فصلت: ٤٧]، ورجع من حجه فدخل تونس يوم الثلاثاء التاسع عشر لشهر جمادى الأولى من عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة قرب الزوال، وحَبَس قبل موته كثيرًا من الرباع، وتصدق قرب موته بمال كثير، وترك موروثًا عنه ما قيمته ثمانية عشر ألف دينار ذهبًا ما بين عين، ودرهم، وحُليّ، وطعام، ورباع، وكتب، وكان
قلت: وكان اعتماده في التفسير على ابن عطية، والزمخشري مع الطيِّبيِّ وُيضَعف تفسير ابن الخطيب. قال ابن سرور في شرح الحاصل
و [أمّا] صدر المفسرين [فـ] علي بن أبي طالب ثم عبد الله بن عباس وعنه أُخِذَ ثم عبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت،
وأما أبو بكر النقاش، وأبو جعفر النحاس فكثيرًا ما استدرك
فصّل: معنى حديث: " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ".
فصل: فيمن جمع القرآن.
قلت: في صحيح مسلم: " جمع القرآن على عهد رسول الله ﷺ أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت ورجل من الأنصار يكنى أبا زيد ".
قال المازَرى: هذا الحديث مما ذهب بعض الملحدة في طعنها وحاول بذلك القدح في الثقة بنقل القرآن، ولا مستروح لها في ذلك لأنّا لو
ووجه ثانٍ وهو أنَّا نعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة حيث هو.
وكان كفار الجاهلية يعجبون من بلاغته ويحارون فيها، فتارة ينسبونه إلى السحر، وتارة ينسبونه إلى أساطير الأولين، ونحن نعلم من عادة العرب شدّة حرصها على الكلام البليغ، وتحب كما له، ولم يكن لها شغل سوى ذلك فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى ما ذكرناه لكان من أدل الدلائل على أن هذا الحديث ليس على ظاهره وأنه متأول.
وطريق آخر وهو ما ثبت في الأخبار بنقل الثقات من كثرة من حفظ القرآن جزم أن النبي - ﷺ - بلَّغه أصحابه. وقد عددنا من حفظ ذلك منهم، وسمينا نحو خمسة عشر صاحبًا ممن نُقِلَ عنه حفظ جميع القرآن في كتابنا المترجم بـ " الواضح في قطع لسان النابح " وهو كتاب تقصينا فيه كلام رجل وصف نفسه بأنه كان من علماء المسلمين ثم ارتد، وأخذ يلفق
وأظهر هؤلاء ذلك؛ لأمنهم على أنفسهم، وكيف تعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، والصحابة متفرقون في البلاد هذا أيضا لا يتصور حتى يَلْقَى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن، وهذا بعيد عادة. وكيف وقد نقل الرواة إكمال بعض النساء لقراءته وقد اشتهر حديث عائشة - رضي الله عنها - وقولها: " كنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن "، وأيضا لم يُذْكَر في هؤلاء الأربعة أبو بكر، وعمر - رضي الله عنهما - كيف يحفظ القرآن من سواهما دونهما؟!. وأيضا يحتمل أن يكون أخبر عن علمه أو أراد من أكمله من الأنصار - رضي الله عنهم - وإن كان قد
قلت: وهذا تأويل أبي عمر في " الاستيعاب " في حرف القاف عند ذكره قيس بن السَّكن.
عياض: لو لم يكن تأويل الفرض من هذا الحديث ورفع إشكاله إلا ما تواتر به الخبر أنه قُتِلَ يوم اليمامة في خلافة أبي بكر سبعون ممّن جمع القرآن، وهي سنةُ وفاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأول سنة خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - فانظر من بقي ممّن جمعه ولم يُقتل فيها، وممّن لم يحضرها، وبقي بالمدينة، ومكة وغيرهما من أرض الإسلام حينئذ.
قلت: ويحتمل ذلك باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، وبوحي.
قال رحمه الله يردّ على لفظة سؤال: وهو أن الاستعاذة استجارة والاستجارة إبعاد، وهو من باب النفي، وقد تعلق بالأخص؛ لأن الشيطان الرجيم أخص من مطلق الشيطان، " ونفى الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فلا يلزم من الاستعاذة من هذا الشيطان المخصوص الاستعاذة من مطلق الشيطان ". ؟!
وأجاب: بأن النعت قسمان: نعت تخصيص، ونعت لمجرد الذم، وهذا منه.
الفخر: لفظ: (أعوذ بالله). مشتمل على الألوف من المسائل المهمة المعتبرة نحو العشرة الألف؛ لأن المراد منه الاستعاذة بالله من جميع المنهيات المنقسمة إلى الاعتقادات، وأعمال الجوارح، أما الاعتقادات فقال - ﷺ -
فإذا وزعنا عدد الفرق الضالة على هذه المسائل الكثيرة بلغ العدد الحاصل مبلغًا عظيمًا.
وقولنا: (أعوذ بالله). يتناول الاستعاذة من جميع تلك الأنواع، والاستعاذة من الشيء لا يمكن إلَّا بعد معرفة المستعاذ منه، وإلَّا بعد معرفة كون ذلك " الشيء " باطلا. وأما الأعمال الباطلة فهي عبارة عن كل ما ورد النهي عنه إمِّا في القرآن، أو في الأخبار المتواترة، أو في أخبار الآحاد، أو في إجماع الأمة، أو في القياسات الصحيحة.
ولا شك أن تلك المنهيات تزيد على الألوف.
وقولنا: (أعوذ بالله). متناول لجميعها، وجملتها.
مسألة: كون الاسم المسمى أو غيره. تكلم عليها الآمدي في " أبكار الأفكار "، والإِمام في " الإِرشاد "، وظاهر كلامه مخالف للآمدي، والفخر في " نهاية العقول ".
وقول الفخر: احتج من زعم أن الاسم غير المسمى بأن إثبات وجود الباري تعالى بالعقل لا بالسمع، وإثبات أسمائه متوقف على السمع إذ لا يسمى إلا بما ورد عنه أنه سمى به نفسه..
يُردُّ: بأنه إن أريد معاني الألفاظ، فثابت بالنقل، وإن أريد مجرد الألفاظ فثبوتها بالسمع.
الأول: أن الاسم هو المسمى، وهو قول أهل الحق.
الثاني: أنه غيره، وهو مذهب المعتزلة، ومثله للأشعري في بعض كتبه.
الثالث: ما كان اسمًا لله تعالى باعتبار صفة فعل كخالق فهو غير المسمى، وإلا فهو المسمى.
وتقدم الاستعاذة على البسملة من حسن الترتيب؛ لأن الاستعاذة إشارة إلى نفي ما لا ينبغي من الاعتقادات، والعمليات.
قال: ويظهر أيضا كيفية استنباط العلوم الكثيرة من الألفاظ القليلة باعتبار المباحث المتعلقة باللغة، والإِعراب، والأصول والمسائل الفقهية.
قال في " شرح الأسماء الحسنى ": قال بعض المحققين: " الرحمة من صفات الذات إرادة إيصال الخير، ودفع الشر؛ لأن من تراه في شدّة، وتريد أن تدفعها عنه، ولا تقدر يصح أن يقال: رحمته، ولا يقال: أنعمتَ عليه فإن أُكْرهت على الإِنعام عليه ولم ترده يقال: أنعمتَ عليه، ولا يقال: رحمته.
وأجيب: بأنه من مجاز إطلاق السبب على المسبب. قال: ورحمة
الله أكمل من رحمة العباد لبعضهم؛ لأنها في العباد محدثة، والمحدث الجائز لا يوجد إلا لمرجح بخلقه، فلولا رحمة الله لما خلق الرحمة.
قال: ولأن انتفاع العبد برحمة العبد، وإحسانه له بالجنان واللذات، إنما يكمل له بعد صحّة حواسّه، وبدنه، وقوته الهاضمة، وعقله، وروحه، وذلك أعظم قدرًا من الأشياء التي يهبها بعض الناس، لبعض؛ ولأن إحسان العبد للعبد ينقصه بقدر ما أعطى.
قال: ومذهب أهل السنة أنه ليس من شرط كونه رحيمًا أن لا يفعل إلا الرحمة، فهو رحيم للبعض، وقهَّار للبعض، ليست رحمته معللة
قال أبو بكر الواسطي: " لا أعبد من ترضيه طاعتي، ويسخطه ذنبي ". أي: إنما أعبد من حملني رضاه على الطاعة، وسخطه على المعصية، ثم نقل قول الفلاسفة، والمعتزلة.
قال: فإن قيل: كيف يُفهم أنه أرحم الراحمين مع كثرة البلايا في الناس، والرحيم لا يَرى مبتلًا، ولا محتاجًا إلا أعاذه؟!.
فأجاب عنه ابن العربي لمن سأل مسترشدًا: بأنه يُعمم نظره في الأسماء الحسنى فإذا استحضر أن الله أرحم الراحمين، استحضر أن الله شديد العقاب، وأنه عفو منتقم، وهادٍ مضل، وغفَّار قهَّار، ولو عافى الجميع لما كان شديد العقاب.
وردَّه ابن العربي بوجوه:
منها: أن قياس الغائب على الشاهد عند من جوَّزه إنما يكون بالجوامع الأربعة وهي: العلة، والحقيقة، والشرط، والدليل.
قال: وقوله: " كل شر في طيه خير "، إن أراد أن الخير يقارنه أو يعقبه، فباطل بعذاب أهل النار فإنه لا خير فيه، وإن أراد أنه يشتمل عليه فمردود لهذا، وبأن الضُرّ لا يشتمل على الخير.
قيل لك: أتقدر أن تردّ ما ظهر من الأدلة بما تظن من الدعاوى هذا لا يفعله حبيب!.
قال: فإن قلت: أهل النار تحت رحمة، فإن في الإِمكان أن يكون عذابهم أشد؟!.
قلنا: هذه عقوبات، وآلام، ولا يقال: لها رفق، فالمقتول بالحجارة
كان يمكن قتله بالطعن، ولا يقال: إنه قُصد الرفق به.
قال: وقيل: الرحيم؛ لأهل الدنيا، والرحمن، لأهل الآخرة "
انتهى.
ونقل ابن العربي فيه سبعة أقوال:
أحدها: قول ابن عباس: أنهما رقيقان أحدهما أرق من الآخر ".
وقال الفخر: رواه عنه أبو صالح "
قال الفخر: وهو وهْم من الراوي، بل هما رفيقان بالفاء؛ لأن الرفق من صفات الله تعالى بخلاف الرقة.
الثاني: قال الحسن: الرحيم أرق ". وإليه ردّ ابن العربي قول ابن عباس، وقرره بوجهين:
إما بأن لفظ: " الرحمن " خاص باللَّه لا يطلق على غيره، ومعناه: عام في منافع الدنيا، وثواب الآخرة. و " الرحيم " خاص في المعنى بالثواب، والعفو عام في اللفظ، لجواز وصف غير الله به.
وإمّا بأن تقدير " رحمن " كعطفان إذا كان تلك الساعة على تلك الحالة، وإن لم يكن دائما، و " رحيم " نعتًا دائم مثل: كريم.
الثالث: قال أبو عبيدة: " الرحمن: ذو الرحمة، والرحيم: الراحم، وربما سوَّت العرب بين فعلان، وفعيل. قالوا: ندمان، ونديم ".
الرابع: قال ثعلب: جمعوا بينهما؛ لأن الرحمن عبراني الأصل،
الخامس: أنهما بمعنى واحد.
السادس: قال عطاء: " الرحمن في الرزق، والرحيم في المغفرة "
قال الفخر: " والأكثرون على أن الرحمن أبلغ لقولهم: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، ورحمة الدنيا شاملة للخلق كلهم بالرزق، ورفع المؤلِّمات، ورحمة الآخرة تخص المؤمنين، وكذا قال جعفر الصادق:
قال: وقُدِّم على الرحيم إمّا لأن الرحمن انفرد به الباري تعالى أو لإفادته عموم الرحمة فكان أصلًا، والرحيم كالزيادة في التشريف؛
وإمّا لأجل رؤوس الآي في الفاتحة.
وقيل: الرحيم أبلغ بدليل ذكره بعد الرحمن، ولأن الرحمن يفيد نوعًا من القهر، والكبرياء قال تعالى: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ) وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)، إذ لولا ذلك لما ناسب ذكر الوعيد معه؛ ولأن ختم الكلام بما هو أقوى دلالة على الرحمة، أرجى، وأقرب لحسن الظن باللَّه ". انتهى.
وذكر ابن السِّيد في " أسئلته " الخلاف في " الرحمن "، و " الرحيم " أيهما أخص، وقال: " إن المختص باللَّه تعالى إنما هو مجموعهما ". ومثله للفاسي في " شرح الشاطبية ".
ونص إمام الحرمين، وغيره من الأصوليين على أن: الرحمن مختص باللَّه تعالى لا يوصف به غيره ".
ابن هشام المصري: الحق قول الأعلم، وابن مالك:
وأما قول الزمخشري: إذا قلت: " الله رحمن هل يُصْرف أم لا؟ "
وقول ابن الحاجب: اختلف في صرفه "
فخارج عن كلام العرب من وجهين:
أنه لم يستعمل صفة، ولا مجردًا من " ال "، ويبين عَلَميته أنه في البسملة، ونحوها بدل (لا)، نعت، وأن " الرحيم " بعده نعت له لا نعت لاسم الله سبحانه إذ لا يتقدم البدل على النعت، وأن السؤال الذي سأله الزمخشري، وغيره: لِمَ قدم الرحمن مع أن عادتهم تقديم غير الأبلغ، كقولهم: عالم نحرير، وجواد فياض؟ ا، فغير متجه وممَّا يوضح لك أنه غير صفته مجيئُه كثيرًا غير تابع نحو: (الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ).
فصب " رحمانًا " بإضمار: أخص أو أمدح، و " رحيمًا ": حال منه لا نعت له، ولا تمييز كما ذكرنا، وجعلهما بعضهم تمييزين، وهو خطأ؛ لأن التمييز لا يتعدد بخلاف الحال فإنها تتعدد.
وقيل: إن " رحمانًا " حال، وحذف " أل " من " رحمانًا " للضرورة ".
" الفخر ": وقيل: إن عمر بن عبد العزيز خرج إلى المصلى يوم " العيد "، فلما صلى قال: " اللهم ارحمني فإنك قلت: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)، فإن لم أكن منهم فأنا من الصائمين، وقلت: (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٣٥). فإن لم أكن منهم فأنا من المؤمنين، وقلت: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)، فإن لم استوجب ذلك فأنا شيء، وقلت: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، فإن لم أكن