تفسير سورة السجدة

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

سورة السجدة مكيةوهي ثلاثون آيةأي التي ذكر فيها السجدة. قوله: (مكية) ظاهره أن جميعها مكي، وقال غيره: إلا ثلاث آيات، وقيل إلا خمس آيات أولها قوله ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ ﴾ وآخرها قوله: ﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ وورد في فضلها أحاديث، منها ما في الصحيح عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة ﴿ الۤـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ ﴾ السجدة، و﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ ﴾[الإنسان: ١] وقد أخذ بهذا الحديث الإمام الشافعي رضي الله عنه، ولم يأخذ به مالك، لعدم استمرار العمل عليه، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ﴿ الۤـمۤ * تَنزِيلُ ﴾ السجدة﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ ﴾[الملك: ١] وتسمى أيضاً المنجية، لأنها إحدى المنجيات السبع وهي: هذه السورة، ويس، والدخان، والواقعة، وهل أتى، والملك، والبروج. ولما ورد عن خالد بن معدان أنه قال: اقرؤوا المنجية وهي ﴿ الۤـمۤ * تَنزِيلُ ﴾ فإنه بلغني أن رجلاً كان يقرؤها، ما يقرأ شيئاً غيرها، وكان كثير الخطايا، فنشرت جناحها عليه وقالت: رب اغفر لي فإنه كان يكثر قراءتي، فشفعها الرب فيه، وقال: اكتبوا بكل خطيئة حسنة، وارفعوا له درجة. قوله: ﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ ﴾ أي نزوله ومجيئه. قوله: ﴿ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ أي لفظاً ومعنى. (خبر ثان) هذا أحسن الأعاريب في هذا الموضع، ويصح أن يكون حالاً من ضمير الخبر.
قوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ﴾ أم: منقطعة تفسير ببل، والهمزة عند البصريين، والمفسر قدرها ببل فقط، وهو غير مناسب بدليل قوله: (لا) فإنه إشارة إلى أن الاستفهام إنكاري، مع أنه لم يذكر الهمزة، ولعلها سقطت من قلم ناسخ المبيضة. قوله: ﴿ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ إضراب انتقالي من نفي الافتراء عنه إلى إثبات حقيقته، ويصح أن يكون ابطالياً لقوله، كأنه قيل ليس هو كما قالوا، بل هو الحق، وقولهم كل ما في القرآن من الإضراب انتقالي يحمل على غير هذا، والمعنى أن القرآن محصور في الحق، لا يخرج عنه لغيره، واستفيد الحصر من الجملة المعرفة الطرفين. قوله: ﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ هو فعل بنصب مفعولين، الأول قوماً، والثاني محذوف قدره المفسر بقوله: (به) وقدره غير العقاب. قوله: ﴿ مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ جعل المفسر الجملة منفية صفة لقوماً، واختلف في القوم فقيل: المراد بهم العرب، لأنهم أمة لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وتكون هذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ ﴾[يس: ٦] وقيل المراد بهم أهل الفترة، الذين كانوا قبل عيسى ومحمد عليهما السلام، فيشمل بني آدم برمتهم. قوله: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ الترجي بالنسبة له صلى الله عليه وسلم، والمعنى لتنذر قوماً راجياً لإهدائهم لا آيساً منه. قوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ مبتدأ وخبر، وهو شروع في ذكر أدلة توحيده سبحانه وتعالى. (أولها الأحد وآخرها الجمعة) أي على سبيل التوزيع، فخلق الأرض أولاً في الأحد والاثنين وخلق ما فيهما في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السماوات في الخميس والجمعة، وفي ذلك إشكال، وهو أن الأيام لم تكن معروفة إذ ذاك، فضلاً عن تسميتها، لعدم وجود الشمس والأفلاك التي تعرف بها الأيام. وأجيب: بأن المراد في مقدار ستة أيام، كائنة في علمه تعالى، بحيث تكون عند ظهورها لنا، أولها الأحد، وآخرها الجمعة، ومقتضى هذا، أنها كأيام الدنيا وبه قال الحسن، وقال ابن عباس والضحاك: اليوم منها مقداره ألف سنة. قوله: (سرير الملك) أي ومنه قال نكروا لها عرشها، والمراد به هنا الجسم النوراني المحيط بالعالم كله. قوله: (استواء يليق به) هذه إشارة لطريق السلف الذين يؤمنون بالمتشابه، ويفوضون علمه لله تعالى، وهو أسلم، ولذا سلكه المفسر، وطريقة الخلف يؤولون الاستواء بالاستيلاء والقهر، إذ هو أحد معنى الاستواء، ومنه قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق   من غير سيف ودم مهراقوتقدم الكلام في هذا غير مرة. قوله: ﴿ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ ﴾ هذا نتيجة ما قبله، أي فحيث ثبت أنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما، وهو المالك للعرش وما حوى، فلا ولي ولا شفيع غيره. قوله: (يا كفار مكة) خصهم لأنهم سبب نزول الآية، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ. قوله: (اسم ما) أشار بذلك إلى أن ﴿ مَا ﴾ حجازية، و ﴿ وَلِيٍّ ﴾ اسمها مؤخر، و ﴿ مِّن دُونِهِ ﴾ خبرها مقدم، وفيه أن شرط أعمالها الترتيب وهو مفقود هنا، إلا أن يقال: إنه مشى على قول ضعيف للنحويين من عدم اشتراطه في عملها، والأحسن جعلها تميمية، و ﴿ مِّن دُونِهِ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ وَلِيٍّ ﴾ مبتدأ مؤخر، لأن القرآن لا ينبغي حمله على ضعيف. قوله: ﴿ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أغفلتم فلا تتذكرون.
قوله: ﴿ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ ﴾ أي الشأن، والحال والمعنى يتصرف على طبق علمه وإرادته، وهو القضاء والقدر المشار إليهما بقول الأجهوري: إرادة الله مع التعلق   في أزل قضاؤه فحققوالقدر الإيجاد للأشياء على   وجه معين أراده علاوبعضهم قد قال معنى الأول: العلم مع تعلق في الأزل   والقدر الإيجاد للأمور   على وفاق علمه المذكوروهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[الرحمن: ٢٩] فالتصرف الذي يظهر في الخلق، من حيث وجوده على طبق العلم والإرادة قدر، ومن حيث تعلق علم الله وإرادته به قضاء، فكل شيء بقضاء وقدر. قوله: ﴿ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾ قال ابن عباس: معناه ينزل القضاء والقدر، وقيل ينزل الوحي مع جبريل، وروي أنه يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل صلوات الله عليهم أجمعين، فأما جبريل فموكل بالأرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والماء، وأما ملك الموت فموكل يقبض الأرواح، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم، وقد قيل: إن العرض موضع التدبير، كما أن ما دون العرش موضع التفصيل قال تعالى:﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾[الرعد: ٢] وما دون السماوات موضع التصريف. قوله: (مدة الدنيا) أي وهي كما ورد سبعة آلاف سنة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الألف السادس، ومدة أمته تزيد على الألف سنة، ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة، كما ذكره السيوطي في الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، وهذا أحد أقوال تقدمت. قوله: (يرجع الأمر والتدبير) ﴿ إِلَيْهِ ﴾ أي ينتقل التصريف الظاهري من أيدي العبيد يوم القيامة، ويكون لله وحده ظاهراً وباطناً، قال تعالى:﴿ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ ﴾[غافر: ١٦].
قوله: (لشدة أهواله) إلخ، هذا إشارة لوجه الجمع بين الآيتين، أي فالمراد من ذكر الألف وذكر الخمسين، التنبيه على طوله والتخفيف منه، لا العدد المذكور بخصوصه، وجمع أيضاً بأن موقف القيامة خمسون موقفاً، كل موقف ألف فهذه الآية بينت أحد المواقف، وآية سأل بينت المواقف كلها، وهذا هو الأقرب، وجمع أيضاً بأن العذاب مختلف، فيعذب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة، ثم ينتقل إلى جنس آخر مدته خمسون ألف سنة. قوله: (من صلاة مكتوبة) صادق بصلاة الصبح، فهو في حق المؤمنين قصير جداً. قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ مبتدأ، و ﴿ عَالِمُ ﴾ خبر أول، و ﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ خبر ثان، و ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ خبر ثالث، و ﴿ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ ﴾ خبر رابع، وهذه قراءة العامة، وقرئ شذوذاً برفع ﴿ عَالِمُ ﴾ وخفض ﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ على أنهما بدلان من الهاء في إليه، وقرئ أيضاً بجر ﴿ عَالِمُ ﴾ وما بعده، وخرجت على جعل اسم الإشارة فاعلاً ليعرج، و ﴿ عَالِمُ ﴾ وما بعده بدل من الضمير في إليه.
قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ ﴾ أي أحكم وأتقن. قوله: (صفة) أي لكل أو لشيء. قوله: (وبسكونها) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بدل اشتمال) أي من كل شيء. قوله: (ذريته) سميت نسلاً لأنها تنسل أي تنفصل. قوله: (أي خلق آدم) أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ سَوَّاهُ ﴾ عائد على (آدم) ويصح أن يكون عائداً على النسل، ويكون المعنى سوى أعضاءه في الرحم وصورها بعد أن كان يشبه الجماد، حيث كان نطفة ثم علقة ثم مضغة. قوله: ﴿ مِن رُّوحِهِ ﴾ الإضافة للتشريف. قوله: (أي لذريته) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، والنكتة أن الخطاب إنما يكون مع الحي، فلما نفخ فيه الروح حسن خطابه. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا ﴾ حكاية لبعض قبائحهم وأباطيلهم، وقرأ العامة ضللنا بضاد معجمة ولام مفتوحة بمعنى ذهبنا، وقرئ شذوذاً بكسر اللام وبضم الضاد وكسر اللام مشددة. قوله: (وإدخال ألف بينهما) أي وتركه، فتكون القراءات أربعاً سبعيات. قوله: (في الموضعين) أي وهما ائذا ضللنا أئنا. قوله: ﴿ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴾ انتقال من جحدهم البعث إلى جحدهم لقاء الله بالمرة. قوله: ﴿ قُلْ ﴾ أي للكفار، وخصهم بالذكر لوجود التشنيع بعد ذلك. قوله: ﴿ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ﴾ أسند التوفي في هذه الآية لملك الموت، وفي آية الأنعام للرسل، وفي الزمر لله تعالى، ولا منافاة بينهما، فما هنا محمول على مباشرة أخذها حتى تصل للحلقوم، وما في الأنعام محمول على معالجة أعوان عزرائيل لمن أمر بقبض روحه، فإن المباشر لإخراجها من الظفر إلى الحلقوم أعوانه، وما في الزمر محمول على الحقيقة، فإن المتوفى حقيقة هو الله تعالى، روي أن الدنيا جعلت لملك الموت مثل راحة اليد، فيأخذ منها من شاء أخذه من غير مشقة، فهو يقبض أرواح الخلق من مشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وروي أن خطوته ما بين المشرق والمغرب، وروي أنه جعلت له الأرض مثل الطشت يتناول منه حيث يشاء، وقيل إنه على معراج بين السماء والأرض، وقيل إن له حربة تبلغ ما بين المشرق، وهو يتصفح وجوه الناس، فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله، ضرب رأسه بتلك الحربة وقال له: الآن ينزل بك عسكر الموت. قوله: (فيجازيكم بأعمالكم) أي عليها من خير وشر.
قوله: ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ ﴾ الخطاب لكل أحد ممن يصلح. قوله: ﴿ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ ﴾ أي خافضوها قوله: ﴿ وَسَمِعْنَا ﴾ (منك تصديق الرسل) أي فيما أخبرونا له من الوعد والوعيد. قوله: ﴿ إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ (الآن) أي آمنا في الحال، ويحتمل أن المعنى لم يقع منا الشرك كقولهم: والله ربنا ما كنا مشركين. قوله: (لرأيت أمراً فظيعاً) أي شنيعاً عجيباً. قوله: ﴿ هُدَاهَا ﴾ أي إيمانها. والمعنى لو أردنا خلق كل نفس على الإيمان والطاعة لفعلنا ذلك. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي ﴾ أي ثبت وتقرر وعيدي. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْجِنَّةِ ﴾ قدمهم لأن دخول الجن النار أكثر من الإنس. قوله: (أي بترككم الإيمان) أشار بذلك إلى أن المراد بالنسيان الترك. قوله: ﴿ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ ﴾ كرره لبيان مفعول ذوقوا الأول. قوله: ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي بسب عملكم. قوله: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾ إلخ، هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم على بقاء من كفر على كفره، كأن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم، لا تحزن فإن أهل الإيمان مجبولون على الاتعاظ بالقرآن، وأهل الكفر مجبولون على عدم الاتعاظ به، فالخلق فريقان في علم الله. قوله: (القرآن) استشكل ظاهر تلك الآية، بأنه يقتضي مدح كل من سمع القرآن واتعظ به، ويسجد له وإن لم يكن له موضع سجود. وأجيب: بأن السنة بينت مواضع السجود في القرآن، فمدح المتعظين بالقرآن، في كل آية الساجدين في مواضع السجود. قوله: ﴿ خَرُّواْ سُجَّداً ﴾ أي على وجوههم تعظيماً لآياته وامتثالاً لأمره، وخص السجود بالذكر، لأنه غاية الذل والخضوع، وهو لا يكون إلا الله، وفعله لغيره كفر، لأنه روح الصلاة وأعظم أركانها، ولأنه يقرب العبد من الله تعالى لما في الحديث:" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد "قوله: (متلبسين) ﴿ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ أي جمعوا في سجودهم، بين التنزيه والحمد، فالتنزيه حاصل بوضع الأعضاء على الأرض، ويقولهم سبحان الله والحمد لله حاصل بقولهم وبحمده، فالسجود يطلب فيه التسبيح والتحميد، ويطلب فيه أيضاً الدعاء، وما ورد فيما يقال في سجدات القرآن: اللهم اكتب لي بها أجرا، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام. قوله: ﴿ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي لا يستكبرون ولا يأنفون.
قوله: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ ﴾ أسند التجافي للجنوب، لأن الواعظ الذي يكون سبباً في القيام للصلاة ونحوها من جهة الجنوب وهو القلب، فالإنسان إذا كان مشغولاً بربه، سلط عليه واعظ في قلبه يقلقه، فيكون قليل النوم والهجوع، قال تعالى:﴿ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾[الذاريات: ١٧] فإذا اضطجع قصد بذلك التقوى على القيام والخدمة، وبالجملة فتكون جميع أفعاله دائرة بين الواجب والمندوب. قوله: (لصلاتهم بالليل) أي لما فيها من نور القلب ورضا الرب، لما في الحديث:" ما زال جبريل يوصيني بقيام الليل، حتى علمت أن خيار أمتي لا ينامون "قوله: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ ﴾ أي لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم. والمعنى لا تعلم ذلك تفصيلاً، وإلا فنحن نعلمه إجمالاً، كالأشجار والأنهار والغرف والحور والولدان وغير ذلك، لأن عطاء الجنة لا تحيط به العقول، ففي الحديث:" لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها "قوله: ﴿ مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ أي سرورها وفرحها، فلا يلتفتون لغيره. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (مضارع) أي والفاعل مستتر تقديره أنا، ففي الحديث:" أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "قوله: ﴿ جَزَآءً ﴾ مفعول مطلق أو مفعول لأجله. قوله: ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً ﴾ إلخ، سبب نزولها، أنه كان بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط تنازع، فقال الوليد بن عقبة لعلي: اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لساناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة، فقال علي: اسكت فإنك فاسق. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ ﴾[القلم: ٣٥]﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾[الجاثية: ٢١].
قوله: ﴿ كَمَن كَانَ فَاسِقاً ﴾ أي كافراً. قوله: ﴿ لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾ أي في المآل، وقد راعى المعنى فجمع، لأن المراد الفريق في كل، وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد الوقف على قوله: ﴿ فَاسِقاً ﴾ ويبتدئ بقوله: ﴿ لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾.
قوله: ﴿ أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ تفصيل لما أجمل أولاً. قوله: ﴿ نُزُلاً ﴾ أي مهيأة ومعدة لإكرامهم، كما تهيأ التحف للضيف النازل بالكرام. قوله: ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي بسبب كونهم يعملون الصالحات.
قوله: ﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ ﴾ لم يقل وعملوا السيئات، إشارة إلى مجرد الكفر كاف في الخلود في النار، فلا التفات إلى الأعمال معه، وأما العمل الصالح، فله مع الإيمان تأثير، فلذا قرنه به. قوله: ﴿ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ ﴾ أي مسكنهم ومنزلهم. قوله: ﴿ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ ﴾ إلخ، بيان لكون النار مأواهم. روي أن النار تضربهم فيرتفعون إلى طبقاتها، حتى إذا قربوا من بابها، وأرادوا أن يخرجوا منها، يضربهم لهبها فيهوون إلى قعرها، وهكذا يفعل بهم أبداً. قوله: ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ﴾ عطف على ﴿ أُعِيدُواْ ﴾ والقائل لهم الخزنة. قوله: ﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ صفة لعذاب، وعبر هنا بالتذكير، نظراً للمضاف وهو العذاب، وفي سبأ بالتأنيث، نظراً إلى المضاف إليه وهو النار. قوله: (والجدب سنين) أي بمكة سبع سنين، حتى أكلوا فيها الجيف والعظام والكلاب. قوله: (أي من بقي منهم) أي بعد القحط وبعد يوم بدر، والترجي في القرآن بمنزلة التحقيق، وقد تحقق ذلك عند الفتح. قوله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ إلخ، هذا بيان إجمالي لحال المكذب أثر بيانه تفصيلاً. قوله: ﴿ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ﴾ أي ترك الإيمان بها. قوله: (أي لا أحد) إلخ، أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ ﴾ الحكمة في ذكر موسى. قربه من النبي ووجود من كان على دينه، لتقوم الحجة عليهم. قوله: (وقد التقيا ليلة الإسراء) أي في الأرض عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره، وفي السماء السادسة، كما ورد بذلك الحديث، وفي كلامه إشارة إلى أن الضمير في لقائه عائد على موسى، والمصدر مضاف لمفعوله، أي من لقائك موسى ليلة الإسراء، وهو أقوى الاحتمالات في هذا الموضع. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً ﴾ أي وهم الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل، أو اتباع الأنبياء. قوله: (وابدال الثانية ياء) تقدم أنها سبعي، لكن من طريقة الطيبة، لا من طريق الشاطبية. قوله: ﴿ لَمَّا صَبَرُواْ ﴾ تحملوا المشاق، فالصبر عواقبه خير كما قيل: الصبر كالصبر مر في مذاقته   لكن عواقبه أحلى من العسلوالمعنى جعلنا منهم أئمة حق صبرهم. قوله: ﴿ وَكَانُواْ ﴾ عطف على ﴿ صَبَرُواْ ﴾.
قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، وخرجت على جعل اللام للتعليل وما مصدرية، أي جعلناهم أئمة لأجل صبرهم. قوله: (بينهم) أي المؤمنين والمشركين، أو بين الأنبياء وأممهم.
قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير أغفلوا ولم يتبين لهم، إلخ. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلْقُرُونِ ﴾ ﴿ مِّنَ ﴾ بيانية لكم، و ﴿ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ حال من ﴿ ٱلْقُرُونِ ﴾.
قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي المذكورة من كثرة إهلاك الأمم الخالية. قوله: (اليابسة التي لا نبات فيها) أي التي قطع وأزيل بالمرة، فالجزر معناه القطع، سميت الأرض اليابسة بذلك لقطع النبات منها، وقيل المراد بالجزر موضع باليمن. قوله: ﴿ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ﴾ قدم الأنعام لأن أكلها مقدم، لكونها تأكله قبل أن يثمر. قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ ﴾ سبب نزولها: أن المسلمين كانوا يقولون: إن الله سيفتح لنا على المشركين، ويفصل بيننا وبينهم، وكان أهل مكة إذا سمعوهم يقولون بطريق الاستعجال تكذيباً واستهزاءاً: متى الفتح؟ قوله: ﴿ قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ ﴾ المراد به يوم القيامة، لأنه يوم الفصل بين المؤمنين والكافرين. قوله: ﴿ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ ﴾ أي لأن الإيمان المقبول، هو الذي يكون في الدنيا، ولا يقبل بعد خروجهم منها. قوله: ﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ أي يؤخرون، وقوله: (أو معذرة) أي اعتذار. قوله: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ أي اتركهم ولا تتعرض لهم. قوله: (وهذا قبل الأمر بقتالهم) أي فهو منسوخ بآية الجهاد، ويحتمل أن الآية محكمة، ومعنى فأعرض عنهم، أي اقبل عذر من أسلم منهم، واترك ما هو عليه، وقد وقع منه ذلك، فقد، عفا عن وحشي حين أسلم بعد قتله حمزة عمه صلى الله عليه وسلم، وعن جميع من دخل عليهم مكة عام الفتح.
Icon