بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة التحريم وهي مدنيةﰡ
وَالْقَوْل الثَّانِي: " أَن النَّبِي كَانَ يشرب عسلا فِي بَيت زَيْنَب بنت جحش وَفِي رِوَايَة: فِي بَيت سَوْدَة، وَفِي رِوَايَة: فِي بَيت أم سَلمَة فَتَوَاطَأت عَائِشَة وَحَفْصَة على أَن النَّبِي إِذا دخل على وَاحِدَة مِنْهُمَا أَيَّتهمَا كَانَت قَالَت: إِنِّي أجد مِنْك ريح مَغَافِير " وَقد روى أَن صَفِيَّة كَانَت مَعَهُمَا فِي هَذِه المواطأة، فَدخل النَّبِي على عَائِشَة فَقَالَت لَهُ ذَلِك، وَدخل على حَفْصَة فَقَالَت لَهُ ذَلِك، وَدخل على صَفِيَّة فَقَالَت لَهُ ذَلِك، فَكَانَ النَّبِي يكره أَن يُوجد مِنْهُ ريح لأجل الْمَلَائِكَة فَقَالَ: شربت عسلا عِنْد زَيْنَب. فَقُلْنَ لَهُ: جرست نَخْلَة العرقط والعرقط شَجَرَة يُوجد مِنْهَا ريح
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة: أَن الْآيَة وَردت فِي الواهبة نَفسهَا للنَّبِي، وَهُوَ قَول شَاذ، وَمعنى الْآيَة: هُوَ المعاتبة مَعَ النَّبِي فِي تَحْرِيم مَا أحل الله لَهُ لطلب رضَا أَزوَاجه.
وَقَوله: ﴿وَالله غَفُور رَحِيم﴾ قد بَينا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه كَانَ حرم وَلم يحلف إِلَّا أَن تَحْرِيم الْحَلَال يُوجب الْكَفَّارَة، وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَغَيره.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَحْرِيم الْحَلَال، فَذهب ابْن مَسْعُود أَنه إِذا حرم حَلَالا أَي حَلَال كَانَ، فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة، وَهَذَا قَول جمَاعَة من التَّابِعين، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ والكوفيين. وَأما مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن تَحْرِيم الْحَلَال فِي النِّسَاء يُوجب الْكَفَّارَة، وَفِي غير النِّسَاء لَا يُوجب شَيْئا. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن تَحْرِيم الْحَلَال لَيْسَ بِشَيْء، قَالَ مَسْرُوق: لَا أُبَالِي أَحرمت امْرَأَتي أَو قَصْعَة من ثريد يَعْنِي: أَنه لَيْسَ بِشَيْء. وَعَن بَعضهم: أَنه إِيلَاء. وَعَن بَعضهم: أَنه ظِهَار. وَعَن بَعضهم: أَنه يلْزمه الطَّلَاق الثَّلَاث بِتَحْرِيم الْحَلَال فِي النِّسَاء. وَعَن بَعضهم: أَنه على نِيَّته. وتحلة الْيَمين كَفَّارَة الْيَمين، وسماها تَحِلَّة؛ لِأَنَّهُ يتَحَلَّل بهَا عَن الْيَمين أَي: يخرج. وَعَن بَعضهم: أَن تَحِلَّة الْيَمين
وَقَوله: ﴿وَالله مولاكم﴾ أَي: ولي أُمُوركُم، يهديكم إِلَى الأرشد والأقوم وَالْأولَى.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم﴾ أَي: الْعَالم بِأَمْر خلقه، الْحَكِيم بِمَا يدبره لَهُم.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا نبأت بِهِ﴾ روى أَن النَّبِي قَالَ لحفصة: " لَا تُخْبِرِي بذلك أحدا " وَكَانَت لَا تكْتم شَيْئا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَذَهَبت وأخبرت عَائِشَة بذلك؛ فَنزل جِبْرِيل وَأخْبرهُ بِمَا كَانَ بَينهمَا، وَذَلِكَ قَوْله: ﴿وأظهره الله عَلَيْهِ﴾.
وَقَوله: ﴿عرف بعضه﴾ أَي: عرفهَا بعض مَا كَانَ بَينهمَا، وَأعْرض عَن الْبَعْض تكرما وصفحا، والتغافل عَن كثير من الْأُمُور من شِيمَة الْعُقَلَاء وَأهل الْكَرم. وَيُقَال: الْعَاقِل هم المتغافل. وَالَّذِي أظهره لَهَا هُوَ إخبارها بِتَحْرِيم مَارِيَة، وَالَّذِي أعرض عَنهُ هُوَ حَدِيث أبي بكر وَعمر كَرَامَة أَن يفشو ذَلِك بَين النَّاس. وَقَرَأَ الْكسَائي: " عرف بعضه " بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ الْفراء: أَي: جازى عَلَيْهِ، ومجازاته إِيَّاهَا أَنه طَلقهَا، ثمَّ إِنَّه نزل جِبْرِيل وَأمره بمراجعتها، وَقَالَ: إِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة. وَقَالَ الْفراء: وَهُوَ مثل قَول الْقَائِل لغيره: لأعرفن مَا عملت أَي: لأجازينك عَلَيْهِ. وَهُوَ أَيْضا مثل قَوْله تَعَالَى: {وأوحينا إِلَيْهِ
وَقَوله: ﴿وَأعْرض عَن بعض﴾ أَي: لم يجاز عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا نبأها بِهِ﴾ أَي: أخْبرهَا.
وَقَوله: ﴿قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا﴾ أَي: من أخْبرك بِهَذَا.
وَقَوله: ﴿قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير﴾ أَي: الله، فَإِنَّهُ الْعَلِيم بالأمور، الْخَبِير بِمَا فِي الصُّدُور.
وَقَوله: ﴿فقد صغت قُلُوبكُمَا﴾ أَي: مَالَتْ قُلُوبكُمَا عَن الصَّوَاب. وَقد روى " أَنه كَانَ يصغي الْإِنَاء للهرة " أَي: يمِيل.
وَقَوله: ﴿قُلُوبكُمَا﴾ أَي: قلباكما. قَالَ الْفراء: هُوَ مثل قَول الْعَرَب: ضربت ظهوركما، وهشمت رءوسكما أَي: رأسيكما وظهريكما. وَيُقَال: إِن أَكثر مَا فِي الْإِنْسَان من الْجَوَارِح اثْنَان اثْنَان، وَإِذا هِيَ تذكر باسم الْجمع، فَمَا كَانَ وَاحِدًا جرى ذَلِك المجرى، مثل: الرَّأْس وَالْقلب وَغير ذَلِك، ذكره النقاش.
وَقَوله: ﴿وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ﴾ ثَبت أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تظاهرتا على النَّبِي أَي: توافقتا على فعل مَا يشْتَد عَلَيْهِ ويؤذيه غَيره عَلَيْهِ، فَقَالَ: هما حَفْصَة وَعَائِشَة.
وَقَوله: ﴿فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ﴾ أَي: ناصره وحافظه ﴿وَجِبْرِيل﴾ أَي: ينصره أَيْضا ويحفظه.
وَقَوله: ﴿وَصَالح الْمُؤمنِينَ﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: قَالَ الْعَلَاء بن زِيَاد: هم الْأَنْبِيَاء، وَهُوَ قَول قَتَادَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ.
وَعَن قَتَادَة فِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ: هُوَ أَبُو بكر وَعمر، وهما أَبَوا الْمَرْأَتَيْنِ. قَالَ سعيد بن أبي عرُوبَة وَهُوَ الحاكي ذَلِك عَن قَتَادَة: ذكرت ذَلِك لسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ: صدق قَتَادَة. وروى اللَّيْث عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: هُوَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ. وَعَن بَعضهم: هُوَ خِيَار الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ﴿وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهير﴾ أَي: ظهراء وَأَعْوَان، وَاحِد بِمَعْنى الْجمع، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ أَي: رُفَقَاء. قَالَ الشَّاعِر
(إِن العواذل لَيْسَ لي بأمير... )
أَي: بأمراء. وَرُوِيَ أَن عمر عَاتب حَفْصَة وَقَالَ: لَو أَمرنِي رَسُول الله أَن أضْرب رقبتك لضَرَبْت.
وَقَوله: ﴿مسلمات﴾ أَي: خاضعات منقادات.
وَقَوله: ﴿مؤمنات﴾ أَي: مصدقات.
وَقَوله: ﴿قانتات﴾ أَي: مطيعات.
وَقَوله: ﴿تائبات﴾ أَي: تائبات من كل الذُّنُوب، وَمن كل مَا يُؤْذِي النَّبِي.
وَقَوله: ﴿عابدات﴾ أَي: متذللات أَو فاعلات للطاعة كَمَا أمرهن الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿سائحات﴾ أَي: صائمات، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: سمي الصَّائِم سائحا؛ لِأَن السائح يسيح بِغَيْر زَاد، فَإِن وجد شَيْئا أكل على جوع شَدِيد. وَيُقَال: سائحات أَي: مهاجرات.
وَقَوله: ﴿ثيبات وأبكارا﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَيُقَال: الثّيّب مثل آسِيَة، والأبكار مثل: مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام.
وَقَوله: ﴿وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة﴾ قد بَينا فِي سُورَة الْبَقَرَة، وَهُوَ حِجَارَة الكبريت.
وَقَوله: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد﴾ أَي: غِلَاظ الْقُلُوب، شَدَّاد الْأَيْدِي. وَفِي التَّفْسِير: أَن وَاحِدًا مِنْهُم يلقِي سبعين ألفا بدفعة وَاحِدَة فِي النَّار. وَفِي بعض الْآثَار: " أَن الله تَعَالَى لم يخلق فِي قُلُوب الزَّبَانِيَة شَيْئا من الرَّحْمَة ". وَعَن بَعضهم: أَنه يَأْخُذ العَبْد الْكَافِر بعنف شَدِيد، فَيَقُول ذَلِك العَبْد: أما ترحمني؟ ! فَيَقُول: كَيفَ أرحمك، وَلم يَرْحَمك أرْحم الرَّاحِمِينَ.
وَفِي بعض الْآثَار أَيْضا: أَن الله تَعَالَى يغْضب على الْوَاحِد من عبيده، فَيَقُول للْمَلَائكَة: خذوه فيبتدره مائَة ألف ملك، كلهم يغضبون بغضب الله تَعَالَى، فيجرونه إِلَى النَّار، وَالنَّار أَشد غَضبا عَلَيْهِ مِنْهُم بسبعين ضعفا.
وَقَوله: ﴿لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ أَي: بعملكم فِي الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا﴾ قَالَ عمر وَابْن مَسْعُود: هُوَ أَن يَتُوب من الذَّنب ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ أبدا، وَيُقَال: نصُوحًا أَي: صَادِقَة، وَيُقَال: خَالِصَة، وَقيل: محكمَة وَثِيقَة. وَهُوَ مَأْخُوذ من النصح وَهُوَ الْخياطَة، كَأَن التَّوْبَة ترقع خرق الذَّنب فيلتئم، كالخياط يخيط بالشَّيْء فيلتئم. وَقُرِئَ: " نصُوحًا " بِضَم النُّون أَي: ذَات نصح.
وَقَوله: ﴿عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ﴾ قد بَينا أَن عَسى من الله وَاجِبَة.
وَقَوله: ﴿ويدخلكم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار﴾ أَي: بساتين.
وَقَوله: ﴿يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي﴾ أَي: لَا يهينه وَلَا يَفْضَحهُ، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى كَرَامَة فِي الْآخِرَة؛ يَعْنِي: يُكرمهُ ويشرفه فِي ذَلِك الْيَوْم، وَلَا يهينه، وَلَا يذله.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين آمنُوا مَعَه﴾ أَي: كَذَلِك يَفْعَله بالذين آمنُوا مَعَه.
وَقَوله: ﴿نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم﴾ هُوَ نور الْإِيمَان يكون قدامهم على الصِّرَاط يَمْشُونَ فِي ضوئه. وَفِي التَّفْسِير: أَن لأَحَدهم مثل الْجَبَل، وَلآخر على قدر ظفره ينطفئ مرّة ويتقد أُخْرَى.
وَقَوله: ﴿وبأيمانهم﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: وبأيمانهم كتبهمْ، وَالْآخر: وبأيمانهم نورهم كالمصابيح.
وَقَوله: ﴿يَقُولُونَ رَبنَا أتمم لنا نورنا﴾ وَفِي [التَّفْسِير] : أَنهم يَقُولُونَ ذَلِك حِين يخمد وينطفئ نور الْمُنَافِقين، فَيَقُولُونَ ذَلِك إشفاقا على نورهم.
وَقَوله: ﴿واغفر لنا إِنَّك على كل شَيْء قدير﴾ أَي: قَادر.
وَقَوله: ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ أَي: بِاللِّسَانِ، وَيُقَال: بالغلظة عَلَيْهِم. قَالَ ابْن مَسْعُود: أَن يلقاهم بِوَجْه مكفهر. وَيُقَال: بِإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم، ذكره قوم من التَّابِعين.
وَقَوله: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِم ومأواهم جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير﴾ أَي: المنقلب.
وَقَوله: ﴿كَانَتَا تَحت عَبْدَيْنِ من عبادنَا صالحين﴾ أَي: نوح وَلُوط عَلَيْهِمَا السَّلَام.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ اخْتلف القَوْل فِي هَذَا؛ فأحد الْأَقْوَال: أَنه الْخِيَانَة بالْكفْر.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه الْخِيَانَة بالنفاق، كَانَتَا تظهران الْإِيمَان وتسران الْكفْر.
وَالْقَوْل الثَّالِث: بالنميمة.
وَالْقَوْل الرَّابِع: بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُنُون لنوح، وَالدّلَالَة على الأضياف للوط، فَكَانَت امْرَأَة نوح تَقول لمن يقْصد نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام، ليسمع كَلَامه: إِنَّه مَجْنُون، وَامْرَأَة لوط كَانَت تدل قَومهَا على أضياف لوط لقصد الْفَاحِشَة. وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا كَانَت بِالنَّهَارِ ترسل، وبالليل تدخن وتوقد نَارا ليعلموا. قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا بَغت امْرَأَة نَبِي قطّ أَي: مَا زنت.
وَقَوله: ﴿فَلم يغنيا عَنْهُمَا من الله شَيْئا﴾ أَي: لم (يدْفَعَا) نوح وَلُوط عَنْهُمَا
وَقَوله: ﴿وَقيل ادخلا النَّار مَعَ الداخلين﴾ أَي: قيل للمرأتين.
وَقَوله: ﴿إِذْ قَالَت رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة﴾ أَي: دَارا.
وَقَوله: ﴿ونجني من فِرْعَوْن وَعَمله﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: من شركه، وَالْآخر: من المضاجعة مَعَه. وَيُقَال: من الْجِمَاع.
وَقَوله: ﴿ونجني من الْقَوْم الظَّالِمين﴾ أَي: من قوم فِرْعَوْن.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْفرج هَاهُنَا هُوَ الجيب. قَالَ الْفراء: كل خرق فِي درع أَو غَيره فَهُوَ فرج، وَيُقَال: فِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " فنفخنا فِي جيبها من رُوحنَا "
وَقَوله: ﴿فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا﴾ فِي الْقِصَّة: أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نفخ فِي جيب درعها فَحملت بِعِيسَى، وَرُوِيَ أَنه دخل عَلَيْهَا فِي صُورَة شَاب أَمْرَد جعد قطط، وَهِي فِي مدرعة صوف. قَالَ أَبُو معَاذ النَّحْوِيّ: فِي مدرعتها. وعَلى القَوْل الأول إِذا
وَقَوله: ﴿وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا﴾ وَقُرِئَ: " بِكَلِمَة رَبهَا " فَمَعْنَى الْكَلِمَات مَا أخبر الله تَعَالَى من الْبشَارَة بِعِيسَى وَصفته وكرامته على الله وَغير ذَلِك. وَيُقَال: بِكَلِمَات رَبهَا أَي: بآيَات رَبهَا. وَأما قَوْله: ﴿بِكَلِمَة رَبهَا﴾ هُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَوله: ﴿وَكتابه﴾ أَي: الْإِنْجِيل، وَقُرِئَ: " وَكتبه " أَي: التَّوْرَاة وَالزَّبُور وَالْإِنْجِيل.
وَقَوله: ﴿وَكَانَت من القانتين﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ ﴿من القانتين﴾ وَلم يقل: " من القانتات "؟ قُلْنَا: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب مَعْنَاهُ: كَانَت من قوم قَانِتِينَ. والقنوت هُوَ الطَّاعَة على مَا بَينا. وَيُقَال: قنوتها هَاهُنَا هُوَ صلَاتهَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَهُوَ أَيْضا فعل القانتين على هَذَا القَوْل، وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك﴾تَفْسِير سُورَة الْملك
وَهِي مَكِّيَّة
روى أَبُو هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - قَالَ: " إِن سُورَة من الْقُرْآن ثَلَاثُونَ آيَة شفعت لصَاحِبهَا حَتَّى غفر لَهُ، وَهِي ﴿تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك﴾ ".
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر أَن النَّبِي كَانَ لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ: ﴿الم تَنْزِيل الْكتاب﴾، و ﴿تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك﴾ قَالَ طَاوس: يفضلان سَائِر السُّور بسبعين حَسَنَة.
وروى أَبُو الجوزاء عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا ضرب خباءه على قبر وَهُوَ لَا يحْسب أَنه قبر، فَسمع قَارِئًا: ﴿تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك﴾ حَتَّى ختم السُّورَة، فَأتى النَّبِي فَذكر لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: " هِيَ المنجية، هِيَ الْمَانِعَة، تنجيه من عَذَاب الْقَبْر " ذكر هَذِه الْأَخْبَار أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِإِسْنَادِهِ.
وَفِي غَيره أَن الزُّهْرِيّ روى عَن حميد ابْن عبد الرَّحْمَن أَن النَّبِي قَالَ: " سُورَة الْملك تجَادل عَن صَاحبهَا يَوْم الْقِيَامَة ".
وروى مرّة الْهَمدَانِي عَن عبد الله بن مَسْعُود: أَن رجلا أَتَى فِي قَبره من جوانبه، فَجلت سُورَة من الْقُرْآن تجَادل عَن صَاحبهَا حَتَّى الْجنَّة.
قَالَ مرّة: فَنَظَرت أَنا وخيثمة فَإِذا هِيَ سُورَة الْملك، وَالله أعلم.