ﰡ
[(١)]
السؤال بـ (لم) عن صلة الحكم والعادة في خطاب الأشراف تقديم لفظ المخاطب أو زوال ما [يتوقَّاه*] ويخافه، كقوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ) [التوبة: ٤٣]، وكذلك تصدير الخطاب هنا ب (أَيُّهَا النبِيِّ)، دال على الاعتناء بشأنه عظيم [تُحَرِّمُ*] وعبر هنا عن ما وقع العتب عليه بالمضارع، وفي قوله تعالى: (لِمَ أَذِنْتَ لَهُم)، بالماضي لدوام متعلق التحريم، وانقطاع [تعلق*] الإذن والتحريم قسمان حكمي والتزامي، [فقولك*] حرم أبو حنيفة هندا، أي أفتى أو حكم بتحريمها لا على بعلها، وحرم زيد هندا، أي التزم تحريمها، وهذه الآية من القسم الثاني، فإِن قلت: الاستمتاع بها جائز له فعله وتركه، فإذا حرمه فقد أخذ الجائزين فلم عوتب؟ قلنا: لَا تسلم أنه يجوز تركه بالتحريم، بل الفعل والترك من غير إضافة تحريم إليه هو المباح.
قوله تعالى: (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ).
مفهومه منع التحريم لغير مرضاتهن من باب أحرى.
قوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ... (٢)﴾
الأصل [استعمال*] اللفظ في مفهومه الحقيقي، وتقرر أن الكلام لَا يتركب مع أجزاء متنافية، ومفهوم فرض الحقيقة [... ] مفهوم الحلية إما للإباحة أو ما هو أخص منها، فلو كان المراد [بالفرض*] والحلية مفهوميهما [الحقيقيين*]، للزم منه تنافي الكلام لتنافي أجزائه، فيكون واجبا مباحا، هذا [**خلف فلأجل دليلته] ما أريد بهما [مفهومهما الحقيقيان*]، بل أريد [بالفرض*] البيان، وبالحلية حلية العقد، أي قد بين الله لكم حل عقد أيمانكم، ويصح أن يقال للمباح واجب، لأنه قد يلحقه الوجوب لعارض، وإنما يمتنع ذلك في الواجب لذاته لَا لعارض، كما تقول أكل الجراد مباح، والمباح واجب على أنه محصل للواجب، وهو مدخلة الجوع، وفي الآية التفات لقوله تعالى: (لَكُمْ)، ولم يقل ذلك.
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا... (٤)﴾
الأكثر في الخطاب التكليفي، أن يؤتى فيه بصيغة الأمر، كقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا)، فأجيب: بأن الخطاب إن كان لمن يتأثر [به*] أتى به في سياق الشرط تشريفا له وتلطفا في الخطاب، وإن كان بحيث لَا يتأثر، أتى أمرا صريحا [نقض*] عليه بقوله تعالى في براءة (فَإِنْ تُبْتُم فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ)
قوله تعالى: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ).
قيل: المراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا عكس ما يقولون في الخبر والشهادة من أن متعلق الشهادة قاصر على المشهود، فلا يقبل فيه شهادة الرجل لنفسه، ومتعلق الخبر عام وجاء هذا الخبر بجر النفع للمخبر فقط، وقيل: المراد بصالحهم الأنبياء المتقدمون ونصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم، بدعائهم له كما دعا له إبراهيم.
قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ... (٥)﴾
ابن عصفور: كل ما في القرآن من عسى [فهي*] واجبة، لأن وعد الله تعالى حق لا بد من وقوعه، إلا هذه، فإنها على بابها من الترجي، انتهى، يرد بأنها هنا واجبة، وجوبا متوقفا على حصول ذلك الأمر المقدر وقوعه بإرادة الشرط، فلم يقع الطلاق فلم يقع التبديل، وانظر ما تقدم في سورة البقرة في قوله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، وقوله تعالى: (إِنْ طَلَّقَكُنَّ)، ولم يقل: حرمكن، فيه ترجية لأزواجه، والمراد أنه مستغني عنكن، فلا تعودن لمثل ما فعلتن من إفشاء سره، فهو عتب لأزواجه.
قوله تعالى: (مُسْلِمَاتٍ).
قدم الإسلام على الإيمان، لأن القصد الترقي، والإيمان أعم؛ لأنه من أفعال القلوب، والإسلام من أفعال الجوارح، فقد يظهر من الشخص أنه مسلم وهو منافق، والعبادة أخص مما قبلها، [وهي*] بمادتها تدل على الكثرة والملازمة، وجواب الزمخشري عن إدخال الواو في (وَأَبْكَارًا)، دون ما قبلها [منقوض*] بقوله تعالى: (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، الأمر والنهي صفتان لَا يستحيل احتمالهما في موصوف واحد.
قوله تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)﴾
قوله تعالى: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧)﴾
إن قلت: ما وجه المناسبة بين هاتين الجملتين مع أن [المتبادر*] للفهم أن يقال: لا يظلمون اليوم؟ فالجواب: أن العفو هو ترك المؤاخذة [بالذنب*] [... ] موجبا، والمعذرة هي إلقاء كلمة تمهيدا لرجاء عدم المؤاخذة بالذنب لعدم [**مزجها]، فالمراد أنا لم [نجركم*] إلا بما كسبتم وجنيتم، وجواب [آخر*]: وهو أن المعذرة تارة تكون لإسقاط المؤاخذة، [وتارة*] تكون لتخفيف العقوبة، فالآية كأنها أتت على قسم ثالث، وهو ليس بتخفيف، حتى [**ما جاز على بعض الذنب ولا الإسقاط؛ بل على العمل فقط]، ويصح أن [يكون*] الوقف على (لَا تعتذروا) ويتعلق (اليوم) بما بعده.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ... (٨)﴾
جعله المفسرون (يَوْمَ) متعلقا بـ (يُدْخِلَكُمْ)، والأولى أن يكون العامل فيه (اذكر) [مقدرا*]، فإن قلت: الإضمار على خلاف الأصل؟ قلت: فيه سلامة الآية من التكرار المعنوي، لأن قوله (عَسَى رَبُّكُمْ)، إلى آخره ملزوم لنفي الخزي، وقد [شرع*] به ثانية فيؤول إلى قولنا (عَسَى رَبُّكُمْ)، أن لَا [يخزيكم*] واحتج بها المعتزلة على أن [العاصي*] مخلد في نار جهنم بعد الجمع [بينها*]، وبين قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، حسبما قرره ابن الحاجب، ووجه الدليل أن يقال: كل من دخل النار مخزي بآية آل عمران، ولا شيء من المؤمنين مخزي؛ عملا بهذه الآية فلا شيء ممن يدخل النار بمؤمن، ثم تنعكس [... ] فتقول لا شيء من المؤمن بداخل النار، وأجاب الشيرازي وغيره بوجهين:
أحدهما: أن المراد بالذين آمنوا معه الصحابة فقط.
والثاني: أن [(الذين آمنوا معه) *] مستأنف، وليس معطوفا على ما قبله بوجه، ويجاب أيضا بوجه ثالث: وهو أن الخزي مقيد بذلك اليوم، فيكون ذلك اليوم هو وقت دخولهم الجنة، فإنهم غير [مخزيين*] حينئذ، وأما قبل ذلك حين دخولهم النار فهو يوم آخر.
إن قلت: المناسب إنك غفور رحيم؟ قلت: هو مرتب على [محذوف*] وهو قوله تعالى: (يَسْعَى نُورُهُم)، إلى آخره. في الآية معنى القلب أي يسعون بنورهم، فإِن سعي النور [إنما هو بقتال*] الكفار بالسيف والمنافقين بالاحتجاج. انتهى، فجيء فيه استعمال اللفظ الواحد يتبع انتقالهم إذ هو صفة لهم.
قوله تعالى: [(جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ... (٩) *]
الزمخشري: [جاهد*] الكفار بالسيف، والمنافقين بالاحتجاج انتهى، [جيء*] فيه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، [... ] بأن يكون من باب علفتها تبنا وماء باردا، أي جاهد الكفار وعارض المنافقين بالاحتجاج، وهو من عطف الخاص على العام، والجهاد أربعة أنواع: أحدها: قتال الكفار، والثاني: حضور معركة القتال للقتال، وإن لم يقاتل كما فعل كثير من أكابر الصحابة، والثالث: الدخول لأرض العدو للمقاتلة، كما قال مالك: فيمن دخل أرض العدو للإغارة عليهم، [وإضعافهم*] أنه مجاهد، فهذا كله جهاد، [**وغائر تلك بينه وبين الرباط بأرض الإسلام لحراسة الإسلام من العدو]، الرابع: الخروج برسم الجهاد، فقد قال مالك: فيمن خرجوا للجهاد [فتفرقوا*] فحضر بعضهم الغنيمة إن الجميع يشتركون فيها، وكذلك قال في السفن [إذا غمرتهم الريح*]، أن الغائبين عن الغنيمة يشاركون من [حضر*] فيها، فإن قلت: أعيان المنافقين من أين نعلمهم، فإن كانوا معلومين عنده، فليسوا بمنافقين، لأن المنافق هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وإن لم يكونوا معلومين عنده فيلزمه تكليف ما لَا يطاق؟ فالجواب: إنما ذلك في التكليف التأثيري، كما لو أمر بقتالهم، فيقول: لَا يقاتلهم خشية أن [يقع*] في المؤمنين منهم [وهن*]، إنما أمر بإقامة الحجة [فيلقيها*] على الجميع يسمعها المنافق وغيره، لعلها تنفع المنافقين من باب ما لَا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب.
قوله تعالى: (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).
إن قلت: ما فائدة التغليظ عليهم، مع [عدم*] الامتثال؟ قلت: هو قطع لحجتهم وتعذرهم.
قوله تعالى: (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا... (١٠)﴾
المثل مضروب للجميع، لكن خص بالأول الكافر؛ ولكونه مثلا لمن هو كافر من جنسهم، وخصص الآخر بالمؤمنين؛ لكونه مثلا لمن هو من جنسهم.
قوله تعالى: (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ).
أفاد ذكر هذا [التشريف بوصفي العبودية والصلاح*].
قوله تعالى: (فَخَانَتَاهُمَا).
ابن عطية: اختلفوا في خيانة هاتين المرأتين، فقال ابن عباس: ما بغت زوجة نبي قط، ولا ابتلى الأنبياء في نسائهم لهذا، وإنما خانتاهما في الكفر، وكانت زوجة نوح تقول إنه مجنون، وامرأة لوط كانت تنم إلى قومه متى أتاه ضيف، وقال الحسن: خانتاهما في الكفر والزنا وغيره. انتهى، وهذا خلاف في حال، فابن عباس رأى أن الزنا منهن [نقص*] في أزواجهن، فمنع من ذلك، وأما الحسن فلم ير ذلك موجبا للنقص في الأزواج.
وقوله تعالى: (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا)، يدل على ما قال ابن عباس: لأن تلك الفاحشة ليست [مشروعة*]، [فلا يغني فيها*] أحدٌ عن أحدٍ.
قوله تعالى: (مَعَ الدَّاخِلِينَ).
إشارة إلى كونهما في منزلتهم، وإن قرابتهما لَا تخفف عنهما شيئا.
* * *