مكية بالإجماع
ﰡ
(تَذكّرْت ليلى فاعْتَرْتني صَبابةٌ | وكاد ضمير القلْبِ لا يتَقطّع.) |
(فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ | لا يدّعي القوم أني أَفِرْ.) |
(أقسم بالله أبو حفصٍ عُمَرْ | ما مسّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ) |
يعني إن كان كذبني بما ذكرت. ﴿فإذا بَرِقَ البصرُ﴾ فيه قراءتان: إحداهما: بفتح الراء، وقرأ بها أبان عن عاصم، وفي تأويلها وجهان: أحدهما: يعني خفت وانكسر عند الموت، قاله عبد الله بن أبي إسحاق. الثاني: شخص وفتح عينه عند معاينة ملك الموت فزعاً، وأنشد الفراء:
(فنْفسَكَ فَانْعَ ولا تْنعَني | وداوِ الكُلومَ ولا تَبْرَقِ.) |
(وكنتُ أرى في وجه مَيّةَ لمحةً | فأبرِق مَغْشيّاً عليّ مكانيا.) |
(لما أتاني ابن عمير راغباً | أعطيتُه عيساً صِهاباً فبرق.) |
(أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ | وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ.) |
٨٩ (لدىّ إذا ألقى البخيلُ معاذِرَه.} ٩
الرابع: معناه ولو أرخى ستوره، والستر بلغة اليمن معذار، قاله الضحاك، قال الشاعر:
(ولكنّها ضَنّتْ بمنزلِ ساعةٍ | علينا وأطّت فوقها بالمعاذرِ) |
أحدهما : أنه تعالى أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكونان قَسَمَيْن، قاله قتادة.
الثاني : أنه أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، قاله الحسن، ويكون تقدير الكلام : أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة.
وفي وصفها باللوامة قولان :
أحدهما : أنها صفة مدح، وهو قول من جعلها قسماً :
الثاني : أنها صفة ذم، وهو قول من نفى أن يكون قسماً.
فمن جعلها صفة مدح فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها التي تلوم على ما فات وتندم، قاله مجاهد، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير أن لم تستكثر منه.
الثاني : أنها ذات اللوم، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أنها التي تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها.
فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى اللائمة.
ومن جعلها صفة ذم فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها المذمومة، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها التي تلام على سوء ما فعلت.
الثالث : أنها التي لا صبر لها على محن الدنيا وشدائدها، فهي كثيرة اللوم فيها، فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى الملومة.
﴿ أنْ لن نَجْمَعَ عِظامَه ﴾ فنعيدها خلقاً جديداً بعد أن صارت رفاتاً.
أحدهما : أنه تمام قوله " أن لن نجمع عظامه " أي بلى نجمعها، قاله الأخفش.
الثاني : أنها استئناف بعد تمام الأول بالتعجب بلى قادرين، الآية وفيه وجهان :
أحدهما : بلى قادرين على أن نسوي مفاصله١ ونعيدها للبعث خلقاً جديداً، قاله جرير بن عبد العزيز.
الثاني : بلى قادرين على أن نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير، فلا يأكل إلا بفيه، ولا يعمل بيده شيئاً، قاله ابن عباس وقتادة.
أحدها : معناه أن يقدم الذنب ويؤخر التوبة، قاله القاسم بن الوليد.
الثاني : يمضي أمامه قدُماً لا ينزع عن فجور، قاله الحسن.
الثالث : بل يريد أن يرتكب الآثام في الدنيا لقوة أمله، ولا يذكر الموت، قاله الضحاك.
الرابع : بل يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار، وهو معنى قول ابن زيد.
ويحتمل وجهاً خامساً : بل يريد أن يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا، ثم وجدت ابن قتيبة قد ذكره وقال إن الفجور التكذيب واستشهد بأن أعرابياً قصد عمر بن الخطاب وشكا إليه نقب إبله ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها، فلم يحمله، فقال الأعرابي :
أقسم بالله أبو حفصٍ عُمَرْ | ما مسّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ١ |
يعني إن كان كذبني بما ذكرت.
إحداهما : بفتح الراء، وقرأ بها أبان عن عاصم، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : يعني خفت وانكسر عند الموت، قاله عبد الله بن أبي إسحاق.
الثاني : شخص وفتح عينه عند معاينة ملك الموت فزعاً، وأنشد الفراء :
فنْفسَكَ فَانْعَ ولا تْنعَني | وداوِ الكُلومَ ولا تَبْرَقِ١. |
الثانية : بكسر الراء وقرأ بها الباقون، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : عشى عينيه البرق يوم القيامة، قاله أشهب العقيلي، قال الأعشى٢ :
وكنتُ أرى في وجه مَيّةَ لمحةً | فأبرِق مَغْشيّاً عليّ مكانيا. |
لما أتاني ابن عمير راغباً | أعطيتُه عيساً صِهاباً فبرق٣. |
٢ لم أعثر على البيت في ديوان الأعشي..
٣ العيس الصهاب: هي التي خالط بياضها حمرة، وهي عند العرب من أفضل الإبل..
أحدها : أنه جمع بينهما في طلوعهما من المغرب [ أسودين مكورين ] مظلمين مقرنين.
الثاني : جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف لتكامل إظلام الأرض على أهلها، حكاه ابن شجرة.
الثالث : جمع بينهما في البحر حتى صارا نار الله الكبرى١.
أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ | وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ. |
أحدهما :" أين المفر " من الله استحياء منه.
الثاني :" أين المفر " من جهنم حذراً منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين :
أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن، لثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوه منها.
ويحتمل هذا القول وجهين :
أحدهما : من قول الله للإنسان إذا قاله " أين المفر " قال الله له " كلاّ لا وَزَرَ " الثاني : من قول الإنسان إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه " كلا لا وَزَرَ "
﴿ كلاّ لا وَزَرَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أي لا ملجأ من النار، قاله ابن عباس.
الثاني : لا حصن، قاله ابن مسعود.
الثالث : لا جبل، [ قاله الحسن١ ].
الرابع : لا محيص، قاله ابن جبير.
أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ | وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ. |
ويحتمل وجهين :
أحدهما :" أين المفر " من الله استحياء منه.
الثاني :" أين المفر " من جهنم حذراً منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين :
أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن، لثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوه منها.
ويحتمل هذا القول وجهين :
أحدهما : من قول الله للإنسان إذا قاله " أين المفر " قال الله له " كلاّ لا وَزَرَ " الثاني : من قول الإنسان إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه " كلا لا وَزَرَ "
﴿ كلاّ لا وَزَرَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أي لا ملجأ من النار، قاله ابن عباس.
الثاني : لا حصن، قاله ابن مسعود.
الثالث : لا جبل، [ قاله الحسن١ ].
الرابع : لا محيص، قاله ابن جبير.
أحدهما : أن المستقر المنتهى، قاله قتادة.
الثاني : أنه استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، قاله ابن زيد.
أحدها : ما قدم قبل موته من خير أو شر يعلم به بعد موته، قاله ابن عباس وابن مسعود.
الثاني : ما قدم من معصية، وأخر من طاعة، قاله قتادة.
الثالث : بأول عمله وآخره، قاله مجاهد.
الرابع : بما قدم من الشر وأخر من الخير، قال عكرمة.
الخامس : بما قدم من فرض وأخر من فرض، قاله الضحاك.
ويحتمل سادساً : ما قدم لدنياه، وما أخر لعقباه.
أحدها : أنه شاهد على نفسه بما تقوم به الحجة عليه، كما قال تعالى :﴿ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ﴾.
الثاني : أن جوارحه شاهدة عليه بعمله، قاله ابن عباس، كما قال تعالى :﴿ اليوم نَخْتِمُ على أفواههم وتُكَلِّمنا أيْديهم وتشْهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكْسِبون ﴾.
الثالث : معناه بصير بعيوب الناس غافل عن عيب نفسه١ فيما يستحقه لها وعليها من ثواب وعقاب.
والهاء في " بصيرة " للمبالغة٢.
٢ وذلك مثل الهاء في علام وعلامة وراوي وراوية للدلالة على الكثرة والمبالغة..
أحدها : معناه لو اعتذر يومئذ لم يقبل منه، قاله قتادة.
الثاني : يعني لو ألقى معاذيره أي لو تجرد من ثيابه، قاله ابن عباس.
الثالث : لو أظهر حجته، قاله السدي وقال النابغة :
لدىّ إذا ألقى البخيلُ معاذِرَه١. ***
الرابع : معناه ولو أرخى ستوره، والستر بلغة اليمن معذار، قاله الضحاك، قال الشاعر :
ولكنّها ضَنّتْ بمنزلِ ساعةٍ | علينا وأطّت فوقها بالمعاذرِ |
أحدها : إن علينا جمعه في قلبك لتقرأه بلسانك، قاله ابن عباس.
الثاني : علينا حفظه وتأليفه، قاله قتادة.
الثالث : علينا أن نجمعه لك حتى تثبته في قلبك، قاله الضحاك.
أحدها : فإذا بيّناه فاعمل بما فيه، قاله ابن عباس.
الثاني : فإذا أنزلناه فاستمع قرآنه، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : فإذا تلي عليك فاتبع شرائعه وأحكامه، قاله قتادة.
أحدها : بيان ما فيه من أحكام وحلال وحرام، قاله قتادة.
الثاني : علينا بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل حتى تقرأه كما أقرأك، قاله ابن عباس.
الثالث : علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد أو وعيد، قاله الحسن.
أحدهما : تحبون ثواب الدنيا وتذرون ثواب الآخرة، قاله مقاتل.
الثاني : تحبون عمل الدنيا وتذرون عمل الآخرة.
أحدهما : تحبون ثواب الدنيا وتذرون ثواب الآخرة، قاله مقاتل.
الثاني : تحبون عمل الدنيا وتذرون عمل الآخرة.
أحدها : يعني حسنة، قاله الحسن.
الثاني : مستبشرة، قاله مجاهد.
الثالث : ناعمة، قاله ابن عباس.
الرابع : مسرورة، قاله عكرمة.
أحدها : تنظر إلى ربها في القيامة، قاله الحسن وعطية العوفي.
الثاني : إلى ثواب ربها، قاله ابن عمر ومجاهد.
الثالث : تنتظر أمر ربها، قاله عكرمة١.
أحدهما : كالحة، قاله قتادة.
الثاني : متغيرة، قاله السدي.
أحدها : أن الفاقرة الداهية، قاله مجاهد.
الثاني : الشر، قاله قتادة.
الثالث : الهلاك، قاله السدي.
الرابع : دخول النار، قاله ابن زيد.
(هل للفتى مِن بنات الدهرِ من واقى | أم هل له من حمامِ الموتِ من راقي) |
(أخو الحرب إن عضّت به الحربُ عضّها | وإن شمّرتْ عن ساقها الحرب شمّرا.) |
(هَممْتُ بنفسي بعض الهموم | فأوْلى لنَفْسيَ أوْلَى لها. |
(سأحْمِلُ نَفْسي على آلةٍ | فإمّا عليها وإمّا لها.) |
(فأُقسِم باللَّه جهدَ اليمين | ما ترك اللَّه شيئاً سُدى) |
(فاسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ | حتى تلاقيَ ما يُمني لك الماني.) |
بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : قال أَهْله : من راقٍ يرقيه بالرُّقى وأسماء الله الحسنى، قاله ابن عباس.
الثاني : مَنْ طبيبٌ شافٍ، قاله أبو قلابة، قال الشاعر :
هل للفتى مِن بنات الدهرِ من واقى | أم هل له من حمامِ الموتِ من راقي |
أحدها : اتصال الدنيا بالآخرة، قاله ابن عباس.
الثاني : الشدة بالشدة والبلاء بالبلاءِ، وهو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع، قاله عكرمة ومجاهد، ومنه قول حذيفة بن أنس الهذلي١ :
أخو الحرب إن عضّت به الحربُ عضّها | وإن شمّرتْ عن ساقها الحرب شمّرا. |
ماتت رجلاه فلم تحملاه وقد كان عليهما جوّالاً.
الرابع : أنه اجتمع أمران شديدان عليه : الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، قاله ابن زيد.
٢ الميثاق: هكذا في الأصل ولعلها المساق الذي ذكر في قوله تعالى: "إلى ربك يومئذ المساق" أو لعلها الممات..
أحدهما : المنطلق، قاله خارجة.
الثاني : المستقر، قاله مقاتل.
أحدهما : فلا صدّق بكتاب الله ولا صلّى للَّه، قاله قتادة.
الثاني : فلا صدّق بالرسالة ولا آمن بالمرسل، وهو معنى قول الكلبي.
ويحتمل ثالثاً : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه.
أحدهما : كذب الرسول وتولى عن المرسل.
الثاني : كذب بالقرآن وتولى عن الطاعة.
أحدها : يختال في نفسه، قاله ابن عباس.
الثاني : يتبختر في مشيته، قال زيد بن أسلم وهي مشية بني مخزوم.
الثالث : أن يلوي مطاه، والمطا : الظهر، وجاء النهي عن مشية المطيطاء وذلك أن الرجل يلقي يديه مع الكفين في مشيه.
" أوْلى لك فأولى " فقال أبو جهل :
إليك عني أوعدني يا ابن أبي كبشة ما تستطيع أنت ولا ربك الذي أرسلك شيئاً، فنزلت هذه الآية.
وفيه وجهان :
أحدهما : وليك الشر، قال قتادة، وهذا وعيد على وعيد.
الثاني : ويل لك، قالت الخنساء :
هَممْتُ بنفسي بعض الهموم | فأوْلى لنَفْسيَ أوْلَى لها. |
سأحْمِلُ نَفْسي على آلةٍ | فإمّا عليها وإمّا لها. |
" أوْلى لك فأولى " فقال أبو جهل :
إليك عني أوعدني يا ابن أبي كبشة ما تستطيع أنت ولا ربك الذي أرسلك شيئاً، فنزلت هذه الآية.
وفيه وجهان :
أحدهما : وليك الشر، قال قتادة، وهذا وعيد على وعيد.
الثاني : ويل لك، قالت الخنساء :
هَممْتُ بنفسي بعض الهموم | فأوْلى لنَفْسيَ أوْلَى لها. |
سأحْمِلُ نَفْسي على آلةٍ | فإمّا عليها وإمّا لها. |
أحدها : فهل لا يفترض عليه عمل، قاله ابن زيد.
الثاني : يظن ألا يبعث، قاله السدي.
الثالث : ملغى لا يؤمر ولا ينهى، قاله مجاهد.
الرابع : عبث لا يحاسب ولا يعاقب، قال الشاعر :
فأُقسِم باللَّه جهدَ اليمين | ما ترك اللَّه شيئاً سُدى |
أحدها : أن معنى يُمنى يراق، ولذلك سميت منى لإراقة الدماء فيها.
الثاني : بمعنى ينشأ ويخلق، ومنه قول يزيد بن عامر :
فاسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ | حتى تلاقيَ ما يُمني لك الماني. |
﴿ فخَلَقَ فسوَّى ﴾ يحتمل وجهين.
أحدهما : خلق من الأرحام قبل الولادة وسوى بعدها عند استكمال القوة وتمام الحركة.
الثاني : خلق الأجسام وسواها للأفعال، فجعل لكل جارحة١ عملاً، والله أعلم.
ثم ذكر الآيات الكريمة أن الله جعل من هذه النطفة ذكرا وأنثى. أو ليس الذي خلقكم من نطفة ثم من علقة ثم خلق أجسامكم وسوى صوركم ثم جعل منكم ذكرا وأنثى- أليس الفاعل لذلك كله- قادرا على إحيائكم بعد الموت كي تحاسبوا على أعمالكم؟ أنه قادر ولا شك والاستفهام في "أليس" لتقرير والإثبات لأن كل استفهام للخالق له غرض بلاغي لأنه تعالى عالم بكل شيء ومحال أن يطلب من خلقه أن يعلموه بشيء مجهول..