تفسير سورة البينة

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة البينة من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٩٨ ) سورة البينة مدنية
وآياتها ثمان
كلماتها : ٩٤ ؛ حروفها : ٣٩٦

﴿ أهل الكتاب ﴾ المنتسبون إلى التوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى.
﴿ والمشركين ﴾ والذين أشركوا بالله تعالى غيره.
﴿ منفكين ﴾ منتهين، أو : زائلين.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( ١ ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( ٢ ) فيها كتب قيمة ( ٣ ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ٤ ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( ٥ ) ﴾.
لم يكن اليهود والنصارى وعباد الأصنام ومن على شاكلتهم بمنتهين عن كفرهم حتى بعثة خاتم النبيين إليهم يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة ؛ وقيل : لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول ؛ مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان، كانوا يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفك عما نحن فيه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي صلى الله عليه وسلم الموعود، الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه..

-
﴿ حتى تأتيهم البينة ﴾ قيل : حتى أتتهم، والبينة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ رسول من الله ﴾ أي بعيث من الله جل ثناؤه، قال الزجاج :﴿ رسول ﴾ رفع على البدل من ﴿ البينة ﴾.. ﴿ يتلو ﴾ يقرأ.. ﴿ صحفا ﴾ جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب، ﴿ مطهرة ﴾ قال ابن عباس : من الزور، والشك والنفاق والضلالة... وهي من نعت الصحف... فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر، وهي نعت لما في الصحف من القرآن.. وقيل : الصحف المطهرة ؛ هي التي عند الله في أم الكتاب الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء من الكتب. قال الحسن : يعني الصحف المطهرة في السماء، ﴿ فيها كتب قيمة ﴾ أي مستقيمة مستوية محكمة، وقال بعض أهل العلم : الصحف هي الكتب ؛ فكيف قال : في صحف فيها كتب ؟ فالجواب أن الكتب هنا بمعنى الأحكام، قال الله عز وجل :﴿ كتب الله لأغلبن.. ﴾١ بمعنى حكم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم :" والله لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم قضى بالرجم، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب ؛ فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله تعالى٢- [ قال سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ إلخ، يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق وأقرهم على الكفر إلا مجيئه.. وحاصله أن الأول من باب الحكاية لزعمهم، وقوله سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ الخ ! إلزام عليهم، حكى الله تعالى كلامهم على سبيل التوبيخ والتعيير... أي لم يكونوا منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق، والإيمان بالرسول المعبوث في آخر الزمان، إلى أن أتاهم ما جعلوه ميقاتا للاجتماع والاتفاق، فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق، وفي التعبير بمنفكين إشارة إلى وكادة وعدهم، وهو من أهل الكتاب مشهور، حتى إنهم كانوا يستفتحون ويقولون : اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لأعدائهم من المشركين : قد أضل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ؛ ومن المشركين لعله وقع من متأخريهم بعدما شاع من أهل الكتاب، واعتقدوا صحته مما شاهدوا مثلا من بعض من يوثق به بينهم من قومهم، كزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان يتطلب نبيا من العرب، ويقول : قد أظل زمانه، وإنه من قريش، بل من بني هاشم، بل من بني عبد المطلب.. ]٣.
يقول صاحب جامع البيان : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : معنى ذلك : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مفترقين في أمر محمد حتى تأتيهم البينة، وهي إرسال الله إياه رسولا إلى خلقه.. وقوله ﴿ منفكين ﴾ في هذا الموضع عندي : من انفكاك الشيئين أحدهما من الآخر، ولذلك صلح بغير خبر، ولو كان بمعنى ما زال احتاج إلى خبر يكون تماما له، واستؤنف قوله :﴿ رسول من الله ﴾ وهي نكرة، على ﴿ البينة ﴾ وهي معرفة، كما قيل :﴿ ذو العرش المجيد. فعال ﴾٤، فقال حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله ببعثة الله إياه إليهم، ثم ترجم عن ﴿ البينة ﴾ فقال : تلك البينة رسول من الله يتلو صحفا... يقول : فلما بعثه الله تفرقوا فيه فكذب به بعضهم وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير مفترقين أنه نبي. اهـ.
﴿ صحفا مطهرة ﴾ القرآن العظيم.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( ١ ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( ٢ ) فيها كتب قيمة ( ٣ ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ٤ ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( ٥ ) ﴾.
لم يكن اليهود والنصارى وعباد الأصنام ومن على شاكلتهم بمنتهين عن كفرهم حتى بعثة خاتم النبيين إليهم يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة ؛ وقيل : لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول ؛ مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان، كانوا يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفك عما نحن فيه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي صلى الله عليه وسلم الموعود، الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه..

-
﴿ حتى تأتيهم البينة ﴾ قيل : حتى أتتهم، والبينة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ رسول من الله ﴾ أي بعيث من الله جل ثناؤه، قال الزجاج :﴿ رسول ﴾ رفع على البدل من ﴿ البينة ﴾.. ﴿ يتلو ﴾ يقرأ.. ﴿ صحفا ﴾ جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب، ﴿ مطهرة ﴾ قال ابن عباس : من الزور، والشك والنفاق والضلالة... وهي من نعت الصحف... فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر، وهي نعت لما في الصحف من القرآن.. وقيل : الصحف المطهرة ؛ هي التي عند الله في أم الكتاب الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء من الكتب. قال الحسن : يعني الصحف المطهرة في السماء، ﴿ فيها كتب قيمة ﴾ أي مستقيمة مستوية محكمة، وقال بعض أهل العلم : الصحف هي الكتب ؛ فكيف قال : في صحف فيها كتب ؟ فالجواب أن الكتب هنا بمعنى الأحكام، قال الله عز وجل :﴿ كتب الله لأغلبن.. ﴾١ بمعنى حكم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم :" والله لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم قضى بالرجم، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب ؛ فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله تعالى٢- [ قال سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ إلخ، يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق وأقرهم على الكفر إلا مجيئه.. وحاصله أن الأول من باب الحكاية لزعمهم، وقوله سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ الخ ! إلزام عليهم، حكى الله تعالى كلامهم على سبيل التوبيخ والتعيير... أي لم يكونوا منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق، والإيمان بالرسول المعبوث في آخر الزمان، إلى أن أتاهم ما جعلوه ميقاتا للاجتماع والاتفاق، فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق، وفي التعبير بمنفكين إشارة إلى وكادة وعدهم، وهو من أهل الكتاب مشهور، حتى إنهم كانوا يستفتحون ويقولون : اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لأعدائهم من المشركين : قد أضل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ؛ ومن المشركين لعله وقع من متأخريهم بعدما شاع من أهل الكتاب، واعتقدوا صحته مما شاهدوا مثلا من بعض من يوثق به بينهم من قومهم، كزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان يتطلب نبيا من العرب، ويقول : قد أظل زمانه، وإنه من قريش، بل من بني هاشم، بل من بني عبد المطلب.. ]٣.
يقول صاحب جامع البيان : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : معنى ذلك : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مفترقين في أمر محمد حتى تأتيهم البينة، وهي إرسال الله إياه رسولا إلى خلقه.. وقوله ﴿ منفكين ﴾ في هذا الموضع عندي : من انفكاك الشيئين أحدهما من الآخر، ولذلك صلح بغير خبر، ولو كان بمعنى ما زال احتاج إلى خبر يكون تماما له، واستؤنف قوله :﴿ رسول من الله ﴾ وهي نكرة، على ﴿ البينة ﴾ وهي معرفة، كما قيل :﴿ ذو العرش المجيد. فعال ﴾٤، فقال حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله ببعثة الله إياه إليهم، ثم ترجم عن ﴿ البينة ﴾ فقال : تلك البينة رسول من الله يتلو صحفا... يقول : فلما بعثه الله تفرقوا فيه فكذب به بعضهم وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير مفترقين أنه نبي. اهـ.
﴿ كتب قيمة ﴾ عادلة قويمة مستقيمة.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( ١ ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( ٢ ) فيها كتب قيمة ( ٣ ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ٤ ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( ٥ ) ﴾.
لم يكن اليهود والنصارى وعباد الأصنام ومن على شاكلتهم بمنتهين عن كفرهم حتى بعثة خاتم النبيين إليهم يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة ؛ وقيل : لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول ؛ مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان، كانوا يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفك عما نحن فيه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي صلى الله عليه وسلم الموعود، الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه..

-
﴿ حتى تأتيهم البينة ﴾ قيل : حتى أتتهم، والبينة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ رسول من الله ﴾ أي بعيث من الله جل ثناؤه، قال الزجاج :﴿ رسول ﴾ رفع على البدل من ﴿ البينة ﴾.. ﴿ يتلو ﴾ يقرأ.. ﴿ صحفا ﴾ جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب، ﴿ مطهرة ﴾ قال ابن عباس : من الزور، والشك والنفاق والضلالة... وهي من نعت الصحف... فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر، وهي نعت لما في الصحف من القرآن.. وقيل : الصحف المطهرة ؛ هي التي عند الله في أم الكتاب الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء من الكتب. قال الحسن : يعني الصحف المطهرة في السماء، ﴿ فيها كتب قيمة ﴾ أي مستقيمة مستوية محكمة، وقال بعض أهل العلم : الصحف هي الكتب ؛ فكيف قال : في صحف فيها كتب ؟ فالجواب أن الكتب هنا بمعنى الأحكام، قال الله عز وجل :﴿ كتب الله لأغلبن.. ﴾١ بمعنى حكم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم :" والله لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم قضى بالرجم، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب ؛ فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله تعالى٢- [ قال سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ إلخ، يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق وأقرهم على الكفر إلا مجيئه.. وحاصله أن الأول من باب الحكاية لزعمهم، وقوله سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ الخ ! إلزام عليهم، حكى الله تعالى كلامهم على سبيل التوبيخ والتعيير... أي لم يكونوا منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق، والإيمان بالرسول المعبوث في آخر الزمان، إلى أن أتاهم ما جعلوه ميقاتا للاجتماع والاتفاق، فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق، وفي التعبير بمنفكين إشارة إلى وكادة وعدهم، وهو من أهل الكتاب مشهور، حتى إنهم كانوا يستفتحون ويقولون : اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لأعدائهم من المشركين : قد أضل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ؛ ومن المشركين لعله وقع من متأخريهم بعدما شاع من أهل الكتاب، واعتقدوا صحته مما شاهدوا مثلا من بعض من يوثق به بينهم من قومهم، كزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان يتطلب نبيا من العرب، ويقول : قد أظل زمانه، وإنه من قريش، بل من بني هاشم، بل من بني عبد المطلب.. ]٣.
يقول صاحب جامع البيان : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : معنى ذلك : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مفترقين في أمر محمد حتى تأتيهم البينة، وهي إرسال الله إياه رسولا إلى خلقه.. وقوله ﴿ منفكين ﴾ في هذا الموضع عندي : من انفكاك الشيئين أحدهما من الآخر، ولذلك صلح بغير خبر، ولو كان بمعنى ما زال احتاج إلى خبر يكون تماما له، واستؤنف قوله :﴿ رسول من الله ﴾ وهي نكرة، على ﴿ البينة ﴾ وهي معرفة، كما قيل :﴿ ذو العرش المجيد. فعال ﴾٤، فقال حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله ببعثة الله إياه إليهم، ثم ترجم عن ﴿ البينة ﴾ فقال : تلك البينة رسول من الله يتلو صحفا... يقول : فلما بعثه الله تفرقوا فيه فكذب به بعضهم وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير مفترقين أنه نبي. اهـ.
﴿ البينة ﴾ الدلائل الساطعة والحجج القاطعة.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( ١ ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( ٢ ) فيها كتب قيمة ( ٣ ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ٤ ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( ٥ ) ﴾.
لم يكن اليهود والنصارى وعباد الأصنام ومن على شاكلتهم بمنتهين عن كفرهم حتى بعثة خاتم النبيين إليهم يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة ؛ وقيل : لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول ؛ مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان، كانوا يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفك عما نحن فيه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي صلى الله عليه وسلم الموعود، الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه..

-
﴿ حتى تأتيهم البينة ﴾ قيل : حتى أتتهم، والبينة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ رسول من الله ﴾ أي بعيث من الله جل ثناؤه، قال الزجاج :﴿ رسول ﴾ رفع على البدل من ﴿ البينة ﴾.. ﴿ يتلو ﴾ يقرأ.. ﴿ صحفا ﴾ جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب، ﴿ مطهرة ﴾ قال ابن عباس : من الزور، والشك والنفاق والضلالة... وهي من نعت الصحف... فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر، وهي نعت لما في الصحف من القرآن.. وقيل : الصحف المطهرة ؛ هي التي عند الله في أم الكتاب الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء من الكتب. قال الحسن : يعني الصحف المطهرة في السماء، ﴿ فيها كتب قيمة ﴾ أي مستقيمة مستوية محكمة، وقال بعض أهل العلم : الصحف هي الكتب ؛ فكيف قال : في صحف فيها كتب ؟ فالجواب أن الكتب هنا بمعنى الأحكام، قال الله عز وجل :﴿ كتب الله لأغلبن.. ﴾١ بمعنى حكم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم :" والله لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم قضى بالرجم، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب ؛ فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله تعالى٢- [ قال سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ إلخ، يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق وأقرهم على الكفر إلا مجيئه.. وحاصله أن الأول من باب الحكاية لزعمهم، وقوله سبحانه :﴿ وما تفرق ﴾ الخ ! إلزام عليهم، حكى الله تعالى كلامهم على سبيل التوبيخ والتعيير... أي لم يكونوا منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق، والإيمان بالرسول المعبوث في آخر الزمان، إلى أن أتاهم ما جعلوه ميقاتا للاجتماع والاتفاق، فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق، وفي التعبير بمنفكين إشارة إلى وكادة وعدهم، وهو من أهل الكتاب مشهور، حتى إنهم كانوا يستفتحون ويقولون : اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لأعدائهم من المشركين : قد أضل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ؛ ومن المشركين لعله وقع من متأخريهم بعدما شاع من أهل الكتاب، واعتقدوا صحته مما شاهدوا مثلا من بعض من يوثق به بينهم من قومهم، كزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان يتطلب نبيا من العرب، ويقول : قد أظل زمانه، وإنه من قريش، بل من بني هاشم، بل من بني عبد المطلب.. ]٣.
يقول صاحب جامع البيان : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : معنى ذلك : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مفترقين في أمر محمد حتى تأتيهم البينة، وهي إرسال الله إياه رسولا إلى خلقه.. وقوله ﴿ منفكين ﴾ في هذا الموضع عندي : من انفكاك الشيئين أحدهما من الآخر، ولذلك صلح بغير خبر، ولو كان بمعنى ما زال احتاج إلى خبر يكون تماما له، واستؤنف قوله :﴿ رسول من الله ﴾ وهي نكرة، على ﴿ البينة ﴾ وهي معرفة، كما قيل :﴿ ذو العرش المجيد. فعال ﴾٤، فقال حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله ببعثة الله إياه إليهم، ثم ترجم عن ﴿ البينة ﴾ فقال : تلك البينة رسول من الله يتلو صحفا... يقول : فلما بعثه الله تفرقوا فيه فكذب به بعضهم وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير مفترقين أنه نبي. اهـ.
﴿ حنفاء ﴾ متحنفين، جانحين من الشرك إلى التوحيد.
﴿ ويقيموا الصلاة ﴾ يؤدوها بحدودها في أوقاتها.
﴿ ويؤتوا الزكاة ﴾ يعطوها عند محلها.
﴿ دين القيمة ﴾ دين الملة المستقيمة، أو دين الأمة القائمة بالحق.
﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ﴾ وما كلفوا إلا بأن يعبدوا الله تعالى، مخلصين العبادة لوجهه الكريم دون سواه، مائلين عن جميع الملل إلى الإسلام، وهو كقول الله جل علاه :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾١.
﴿ ويقيموا الصلاة ﴾ يؤدوها على وجهها التام، ويداوموا على أدائها في مواقيتها ؛ ﴿ ويؤتوا الزكاة ﴾ ويعطوا الزكاة لمستحقيها عند حلول حولها ﴿ وذلك دين القيمة ﴾ أي ذلك الدين الذي أمروا به دين القيمة.. وقال الزجاج : ذلك دين الله المستقيم.. أو يقال : دين الأمة القيمة بالحق ؛ أي القائمة بالحق٢.
١ - سورة الذاريات. الآية ٥٦..
٢ - ما بين العارضتين مما أورد القرطبي..
﴿ البرية ﴾ الخليقة.
﴿ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ( ٦ ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية( ٧ ) جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ( ٨ ) ﴾.
بعد أن بينت الآيات الأولى من هذه السورة الكريمة حقيقة الدين، وفضل المصدقين المهتدين، في مقابل عناد المستكبرين، وجحود الحاسدين النبي الخاتم على ما آتاه رب العالمين من الهدى والنور المبين، جاءت هذه الآيات تنذر الكافرين١ بهوانهم على الملك القوي المتين، وتوعدهم سوء المصير والخلود في العذاب المهين، ثم ختمت السورة المباركة بعلو قدر المؤمنين الصالحين، وأنهم أكرم خلق الله أجمعين، وثوابهم عند مولاهم البر الرحيم ؛ بساتين إقامة يمكثون فيها لا يخرجون ولا يموتون، ينعمون بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولهم فوق النعيم الحسي المادي أنس روحاني، وفضل رباني من الغفور الشكور ﴿... ورضوان من الله أكبر.. ﴾٢ ؛ وفي تقديم مدحهم بخير البرية وذكر الجزاء المؤذن بكون ما منح في مقابلة ما وصفوا به، وبيان كونه من عند الله تعالى، والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال، مع الإضافة إلى ضميرهم، وجمع الجنات وتقييدها بالإضافة وبما يزيدها نعيما، وتأكيد الخلود بالأجود من الدلالة على غاية حسن حالهم ما لا يخفى... ﴿ ورضوا عنه ﴾ وعلل رضاهم بأنهم بلغوا من المطالب قاصيتها ومن المآرب ناصيتها.. ﴿ ذلك ﴾ أي ما ذكر من الجزاء والرضوان ﴿ لمن خشي ربه ﴾ فإن الخشية ملاك السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية، إذ لولاها لم تترك المناهي والمعاصي، ولا استعد ليوم يؤخذ فيه بالأقدام والنواصي، وفيه إشارة إلى أن مجرد الإيمان والعمل الصالح ليس موصلا إلى أقصى المراتب ﴿... ورضوان من الله أكبر... ﴾ بل الموصل له خشية الله تعالى، و﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء.. ﴾٣. واستدل بقوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا.. ﴾ الخ على أن البشر أفضل من الملك٤ لظهور أن المراد بالذين آمنوا : المؤمنون من البشر ؛ وفي الآثار ما يدل على ذلك٥. وأنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا، ليتم الاستدلال، ثم إنه يحتاج أيضا إلى إدخال الأنبياء عليهم السلام في عموم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لا يراد بهم قوم بخصوصهم ؛ إذ لو لم يدخلوا لزم تفضيل عوام البشر، أي الذين ليسوا بأنبياء منهم على خواص الملائكة عليهم السلام، وذلك مما لم يذهب إليه أحد من أهل السنة، بل هم يكفرون من يقول به٦.. -٧ أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب :" إن الله أمرني أن أقرأ عليك { لم يكن الذين كفروا... ) قال : وسماني لك ! ؟ قال :" نعم "، فبكى ؛ وعلق عليه القرطبي فقال : وفيه من الفقه : قراءة العالم على المتعلم ؛ قال بعضهم : إنما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ليعلم الناس التواضع لئلا يأنف أحد من التعلم والقراءة على من دونه في المنزلة،... وفيه فضيلة عظيمة لأبي ؛ إذ أمر الله رسوله أن يقرأ عليه. اهـ.
﴿ جنات ﴾ بساتين.
﴿ عدن ﴾ إقامة.
﴿ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ( ٦ ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية( ٧ ) جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ( ٨ ) ﴾.
بعد أن بينت الآيات الأولى من هذه السورة الكريمة حقيقة الدين، وفضل المصدقين المهتدين، في مقابل عناد المستكبرين، وجحود الحاسدين النبي الخاتم على ما آتاه رب العالمين من الهدى والنور المبين، جاءت هذه الآيات تنذر الكافرين١ بهوانهم على الملك القوي المتين، وتوعدهم سوء المصير والخلود في العذاب المهين، ثم ختمت السورة المباركة بعلو قدر المؤمنين الصالحين، وأنهم أكرم خلق الله أجمعين، وثوابهم عند مولاهم البر الرحيم ؛ بساتين إقامة يمكثون فيها لا يخرجون ولا يموتون، ينعمون بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولهم فوق النعيم الحسي المادي أنس روحاني، وفضل رباني من الغفور الشكور ﴿... ورضوان من الله أكبر.. ﴾٢ ؛ وفي تقديم مدحهم بخير البرية وذكر الجزاء المؤذن بكون ما منح في مقابلة ما وصفوا به، وبيان كونه من عند الله تعالى، والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال، مع الإضافة إلى ضميرهم، وجمع الجنات وتقييدها بالإضافة وبما يزيدها نعيما، وتأكيد الخلود بالأجود من الدلالة على غاية حسن حالهم ما لا يخفى... ﴿ ورضوا عنه ﴾ وعلل رضاهم بأنهم بلغوا من المطالب قاصيتها ومن المآرب ناصيتها.. ﴿ ذلك ﴾ أي ما ذكر من الجزاء والرضوان ﴿ لمن خشي ربه ﴾ فإن الخشية ملاك السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية، إذ لولاها لم تترك المناهي والمعاصي، ولا استعد ليوم يؤخذ فيه بالأقدام والنواصي، وفيه إشارة إلى أن مجرد الإيمان والعمل الصالح ليس موصلا إلى أقصى المراتب ﴿... ورضوان من الله أكبر... ﴾ بل الموصل له خشية الله تعالى، و﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء.. ﴾٣. واستدل بقوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا.. ﴾ الخ على أن البشر أفضل من الملك٤ لظهور أن المراد بالذين آمنوا : المؤمنون من البشر ؛ وفي الآثار ما يدل على ذلك٥. وأنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا، ليتم الاستدلال، ثم إنه يحتاج أيضا إلى إدخال الأنبياء عليهم السلام في عموم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لا يراد بهم قوم بخصوصهم ؛ إذ لو لم يدخلوا لزم تفضيل عوام البشر، أي الذين ليسوا بأنبياء منهم على خواص الملائكة عليهم السلام، وذلك مما لم يذهب إليه أحد من أهل السنة، بل هم يكفرون من يقول به٦.. -٧ أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب :" إن الله أمرني أن أقرأ عليك { لم يكن الذين كفروا... ) قال : وسماني لك ! ؟ قال :" نعم "، فبكى ؛ وعلق عليه القرطبي فقال : وفيه من الفقه : قراءة العالم على المتعلم ؛ قال بعضهم : إنما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ليعلم الناس التواضع لئلا يأنف أحد من التعلم والقراءة على من دونه في المنزلة،... وفيه فضيلة عظيمة لأبي ؛ إذ أمر الله رسوله أن يقرأ عليه. اهـ.
Icon