تفسير سورة النّاس

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة الناس من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

المجلد الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد أيضاً فهذا تفسير موجز لكتاب الله تعالى القرآن الكريم وضعته مراعياً فيه حاجة المسلمين اليوم إلى فهم كلام الله تعالى الذي هو مصدر شريعتهم، وسبيل هدايتهم وهو عصمتهم من الأهواء وشفاؤهم من الأدواء، قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين﴾ وقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾. وقال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. ومراعياً فيه أيضاً رغبة المسلمين اليوم في دراسة كتاب الله وفهمه والعمل به، هي رغبة لم تكن لهم منذ قرون عدة حيث كان القرآن يقرأ على الأموات دون الأحياء ويُعتبر تفسيره خطيئة من الخطايا وذنباً من الذنوب، إذ ساد بين المسلمين القول: بأن تفسير القرآن: صوابه خطأ وخطأه كفر، فلذا القارئ يقرأ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَداً﴾. والناس حول ضريح الولي المدفون في ناحية المسجد يدعونه بأعلى
4
أصواتهم: يا سيدي يا سيدي كذا وكذا ولا يجرؤ أحد أن يقول: يا إخواننا لا تدعوا السيد فإن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ ويقرأ القارئ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. ويسمعه من يسمعه، ولا يخطر على باله أن الآية تصرح بكفر من لم يحكم بما أنزل الله، وأن أكثر المسلمين مورطون في هذا الكفر حيث تركوا تحكيم الشريعة الإسلامية إلى تحكيم القوانين الملفقة من قوانين الشرق والغرب وهكذا كان يقرأ القرآن على أموات الأحياء وأحياء الأموات فلا يرى له أثر في الحياة.
هذا ونظراً لليقظة الإسلامية اليوم فقد تعين وضع تفسير سهل ميسر يجمع بين المعنى المراد من كلام الله، وبين اللفظ الغريب من فهم المسلم اليوم. نُبَين فيه العقيدة السلفية المنجية. والأحكام الفقهية الضرورية. مع تربية التقوى في النفوس، بتحبيب الفضائل وتبغيض الرذائل، والحث على أداء الفرائض واتقاء المحارم. مع التجمل بالأخلاق القرآنية والتحلي بالآداب الربانية. وقد هممت بالقيام بهذا المتعين عدة مرات في ظرف سنوات، وكثيراً ما يطلب مني مستمعوا دروسي في التفسير في المسجد النبوي أن لو وضعت تفسيراً للمسلمين سهل العبارة قريب الإشارة يساعد على فهم كلام الله تعالى، وكنت أعد أحياناً وأتهرب أحياناً أخرى، حتى ختمت التفسير ثلاث مرات وقاربت الرابعة، وأنا بين الخوف والرجاء وشاء الله تعالى أن أجلس في أواخر محرم عام ١٤٠٦هـ، إلى فضيلة الدكتور عبد الله بن صالح العبيد رئيس الجامعة الإسلامية ويُلهم أن يقول لي: لو أنك وضعت تفسيراً على غرار الجلالين يحل محله في المعاهد ودور الحديث تلتزم فيه العقيدة السلفية التي خلا منها تفسير الجلالين فضّر كثيراً بقدر ما نفع، وصادف في النفس رغبتها فأجبته بأن سأفعل إن شاء الله تعالى. وبهذا الوعد تعينت واستعنت بالله تعالى وشرعت وفي أوائل رجب من العام نفسه تم تأليف المجلد الأول الحاوي لثلث القرآن الكريم وفي أول رمضان كان المجلد الأول قد طبع والحمد لله، وواصلت التأليف والله أسأل أن يتم في أقرب وقت، وأن يتقبله مني وهو منه وله، فينتفع به كل مسلم يقرأه بنية معرفة مراد الله تعالى
5
من كلامه ليعرف ربه تكسبه خشيته ومحبته ويعرف محابه تعالى ليتقرب بفعلها إليه، ويعرف مساخطه ليتجنبها خوفاً مما لديه.
هذا وإن مميزات هذا التفسير التي بها رجوت أن يكون تفسير كل مسلم ومسلمة لا يخلو منه بيت من بيوت المسلمين هي:
١- الوسطية بين الاختصار المخل، والتطويل الممل.
٢- اتباع منهج السلف في العقائد والأسماء والصفات.
٣- الالتزام بعدم الخروج عن المذاهب الأربعة في الأحكام الفقهية.
٤- اخلاؤه من الإسرائيليات صحيحها وسقيمها. إلا ما لا بد منه لفهم الآية الكريمة وكان مما تجوز روايته لحديث.. "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
٥- إغفال الخلافات التفسيرية.
٦- الالتزام بما رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره عند اختلاف المفسرين في معنى الآية، وقد لا آخذ برأيه في بعض التوجيهات للآية.
٧- إخلاء الكتاب من المسائل النحوية والبلاغية والشواهد العربية.
٨- عدم التعرض للقراءات إلا نادراً جداً للضرورة حيث يتوقف معنى الآية على ذلك وبالنسبة للأحاديث فقد اقتصرت على الصحيح والحسن منها دون غيرهما، ولذا لم أعزها إلى مصادرها إلا نادراً.
٩- خلو هذا التفسير من ذكر الأقوال وإن كثرت والالتزام بالمعنى الراجح والذي عليه جمهور المفسرين من السلف الصالح. حتى إن القارئ لا يفهم أن هناك معنىً غير الذي فهم من كلام ربه تعالى، وهذه ميزة جليلة وذلك لحاجة جميع المسلمين على فكر إسلامي موحد صائب سليم.
١٠- التزمت في هذا التفسير بالخطة التي مثلتها هذه المميزات رجاء أن يسهل على المسلمين تناول كتاب الله دراسة وتطبيقاً وعملاً لا هم لهم إلا مرضاة الله بفهم كلامه والعمل به، والحياة عليه عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وقضاء وحكماً، فلذا أخليته من كل ما من شأنه أن يشتت الذهن، أو يصرف عن العمل إلى القول والجدل.
6
ولذا فقد جعلت الكتاب دروساً منظمة متسقة فقد أجعل الآية الواحدة درساً فأشرح كلماتها، ثم أبين معناها، ثم أذكر هدايتها المقصودة منها للاعتقاد والعمل.
وقد أجعل الآيتين درساً، والثلاث آيات والأربع والخمس ولا أزيد على الخمس إلا نادراً، وذلك طلبا لوحدة الموضوع وارتباط المعنى به.
وقد جعلت الآيات مشكولة على قراءة حفص وبخط المصحف وإني أطالب المسلم أن يقرأ أولاً الآيات حتى يحفظها، فإذا حفظها درس كلماتها حتى يفهمها، ثم يدرس معناها حتى يعيه، ثم يقرأ هدايتها للعمل بها. فيجمع بين حفظ كتاب الله تعالى وفهمه والعمل به، وبذلك يسود ويكمل ويسعد إن شاء الله تعالى. وقد جاء في الحديث١ "أن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع آخرين" فمن قراه بحسن نية فحفظه وفهمه وعمل به وعلمه فقد يدعى في السماء عظيماً، وفي الحديث الصحيح: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". اللهم اجعلني وسائر المؤمنين ممن يفوزون بهذه الخيرية فيتعلمون كتابك ويعملون به ويعلمونه يا حيِّ يا قيوم.
وأخيراً أطالب كل مؤمن ومؤمنة يقرأ تفسيري هذا المسمى: بأيسر التفاسير لكلام الله العلي الكبير أن يستغفر لي ويترحم عليَّ هذا حقي عليه اللهم وفقه لأدائه واغفر لي وله وارحمني وإياه وسائر المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وكتبه الراجي عفو ربه ورضوانه
أبو بكر الجزائري
المدينة المنورة ١٧ رمضان ١٤٠٦هـ.
١ رواه مسلم.
[تنبيه]
مراجع هذا التفسير أربعة وهي: جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري، تفسير الجلالين المحلى والسيوطي، تفسير المراغي، تيسير الكريم الرحمن لعبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمهم الله أجمعين وجمعنا معهم في جنات النعيم.
7

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام، وآله الأماجد وصحبه الكرام، وبعد: فإنه نظراً إلى حاجة طلبة العلم إلى المزيد من المعرفة وكان "أيسر التفاسير"قد وُضِعَ وضعاً خاصاً، إذ الباعث عليه كان تقريب معاني كتاب الله تعالى إلى أفهام عامة المسلمين، وتجلية الأحكام الشرعية لهم ليعبدوا ربهم باعتقاد الحق، وبالعمل بما شرُع دون ما ابتُدع مُزكّين نفوسهم بذلك مكملين آدابهم مهذبين أخلاقهم بما أودع الله جل جلاله كتابه من مناهج التربية الروحية والأخلاقية والآداب النفسية، وهو ما صرحت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد سئلت عن خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " كان خلقه القرآن". إذ لم يقل الله تعالى -فيما علمنا- في كتاب من كتبه ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ إلا في القرآن الكريم، ومرة أخرى أقول: إنه نظراً إلى حاجة طلبة العلم إلى المزيد من المعرفة وضعت هذه الحاشية التي هي أشبهُ بتعليق على "أيسر التفاسير" وأسميتها (نهر الخير) أودعت فيها مع مراعاة الاختصار بعض ما يرغب طالب العلم في معرفته والحصول عليه من شاهد لغة، أو بيان، أو أثر جميل، أو مستند حديث جليل، أو كشف عن وجه لآية ذات وجوه، أو الوقوف على سر من أسرار القرآن أو عجيبة من عجائب القرآن، التي لا تنقضي بمرور الزمان، ولا تنتهي بتعاقب الملوان. وأهم من ذلك تصويب رأي، أو تصحيح خطأ وقعا في التفسير، مع إزالة إبهام، أو إضافة بعض الأحكام.
والله تعالى أسأل أن يكون عملي فيه صالحاً، ولوجهه خالصاً، وأن ينفع بنهر الخير كما نفع بأيسر التفاسير إنه بر رحيم وعلى كل شيء قدير.
أبو بكر الجزائري
8
الجزء الأول
سورة الفاتحة
وهي مكية وآياتها١ سبع
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧) ﴾
شرح الكلمات:
التفسير٢: لغة الشرح والبيان. واصطلاحاً: شرح كلام الله ليُفهم مُرادُه تعالى منه فيطاع في أمره ونهيه، ويؤخذ بهدايته وإرشاده. ويُعتبر بقصصه، ويتعظ بمواعظه.
السورة: السورة٣ قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر. وسور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة أطولها "البقرة"٤ وأقصرها "الكوثر".
الفاتحة: فاتحة لكل شيء بدايته. وفاتحة القرآن الكريم الحمد لله رب العالمين
١ الآية: في اللغة العلامة. ومنه قول الشاعر:
توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وإذا العام سابع
٢ مصدر فسر تفسيراً أو فعله المجرد فسر كنصر فسرا إذا أبان الكلام وكشف معناه.
٣ لفظ السورة مشتق إما من سور البلد لارتفاعها وعلو شأنها أو من سور الشراب وهي البقية إذ هي بقية من كتاب الله تعالى أي قطعة منه. وكونها مشتقة من الرفعة وعلو الشأن أولى، ويشهد لذلك قول الشاعر:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
٤ أطول آية في القرآن، آية الدّين في آخر البقرة، وأقصر آية فيه ﴿مدهامتان﴾، من سورة الرحمن.
9
ولذا سميت الفاتحة. ولها أسماء١ كثيرة منها أم القرآن. والسبع٢ المثاني. وأم الكتاب٣، والصلاة -.
مكية: المكي من السور: ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة. والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة وتقريرها والاحتجاج بها وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة: توحيد الله تعالى في عبادته، وإثبات نبوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة. والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام.
الآيات: جمع آية وهي لغةً: العلامة. وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدي للناس بدلالتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه، وعلى نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالته. وآيات القرآن الكريم ست آلاف ومائتا آية وزيادة٤. وآيات الفاتحة سبع٥ بدون البسملة.
الاستعاذة٦
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
شرح الكلمات:
الاستعاذة: قول العبد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ: أستجير وأتحصن
بالله: برب كل شيء والقادر على كل شيء والعليم بكل شيء وإله الأولين والآخرين.
١ بلغ بها صاحب الاتقان، نَيفا وعشرين اسما، ولم يرد في السنة من ذلك سوى أربع: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب.
٢ سميت بالسبع المثاني لأنها تثنى أي تكرر في كل ركعة من الصلاة.
٣ سميت بأم الكتاب لاشتمالها على أصول ما جاء في القرآن من العقائد والعبادات والشرائع والقصص.
٤ الزيادة تتراوح ما بين أربع آيات إلى أربعين آية على خلاف بين القراء.
٥ وقيل البسملة هي الآية السابعة. وإليه ذهب الشافعي فأوجب قراءتها في الصلاة وعلى القول الراجح بأن البسملة آية، فالآية السابعة هي: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ ويكون ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ الآية السادسة.
٦ العياذ بالله تعالى للاستجارة بالله من المكروه، واللياذ بالله تعالى يكون لطلب المحبوب، يشهد لهذا قول الشاعر:
يا من ألوذ به فيما أؤمله... ومن أعوذ به ممن أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره... ولا يهيضون عظما أنت جابره
- لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما سأل فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي... " الحديث رواه النسائي وغيره.
10
سورة الناس
مدنية وآياتها ست آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
شرح الكلمات:
أعوذ: أي أتحصن وأستجير.
برب الناس: أي خالقهم ومالكهم.
ملك الناس: أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم.
إله الناس: أي معبود الناس بحق إذ لا معبود سواه.
من شر الوسواس: أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملابسته له.
الخناس: أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر الله تعالى.
في صدور الناس: أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى.
من الجنة والناس: أي من شيطان الجن ومن شيطان الإنس.
631
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ هذه السورة هي إحدى المعوذتين الأولى الفلق وهذه الناس والأولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق والثانية من شر ما يحدث في الظلام ظلام الليل أو ظلام القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الأربعة على كل ما يخاف لأذاه وضرره أما سورة الناس فإنها قد اشتملت على شر واحد إلا أنه أخطر من تلك الأربع وذلك لتعلقه بالقلب، والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. فقوله تعالى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ١ مَلِكِ النَّاسِ﴾ أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي لا إله لهم سواه من شر الوسواس٢ الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى، وقوله تعالى ﴿الْخَنَّاسِ﴾ هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكأنه غاب ولم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة٣.
وقوله تعالى ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ يعني الموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإنسان يوسوس٤ بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة وشيطان الإنس لا يطرد بها وإنما يصانع ويدارى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر الإنس والجن، فأعذنا ربنا فإنه لا يعيذنا إلا أنت ربنا ولك الحمد والشكر.
١ لما كان في الناس ملوك، وفيهم من يعبد الله تعالى ذكر تعالى أنه ملك الناس وإلههم ومعبودهم الحق الذي لا يستحق العبادة سواه فبه يستعاذ وبجنابه يلاذ.
٢ جائز أن يكون المستعاذ منه لا الوسواس وإنما صاحب الوسواس وهو الشيطان أي من شر ذي الوسواس والوسوسة حديث النفس.
٣ صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الوسوسة التي هي حديث النفس الخالية من القول والعمل معفو عنها ولا يؤاخذ به العبد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به".
٤ قال مقاتل عن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وفي الصحيح "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".
632
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الإنس والجن.
٢- تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته عز وجل.
٣- بيان لفظ الاستعاذة وهو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما بينته السنة الصحيحة إذ تلاحى رجلان في الروضة النبوية فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه -أي الغضب-: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
633
" خاتمة الطبعة الأولى والثانية"
الحمد لله ملء السموات وملء الأرض، والشكر لله ملأهما وملء ما بينهما والصلاة والسلام التامان الأكملان على نبي الرحمة وقائد الأمة وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ففي ليلة السبت الثالث والعشرين من محرم الحرام لعام ١٤٠٧ بالروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف قد تم ختم هذا التفسير المبارك المسمى بأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير والحمد لله أولاً وآخراً.
هذا وأقدم اعتذاري لأخي القارئ وهو أني لم أستطع الالتزام بما نوهت عليه في مقدمة الكتاب وهو أني لا أزيد على الخمس أو الست آيات في الدرس الواحد، حيث واجهتني في المفصل بالذات آيات كثيرة لا تزيد على جملة قصيرة نحو ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ فلذا كنت أنظر إلى عدد الأسطر لا إلى عدد الآيات. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا اعتذار، وآخر هو أني كتبت هذا التفسير في ظروف مختلفة مرة في الطائرة، ومرة في الحضر، وأخرى في السفر، ومرة والبال مشغول وثانية والجسم معلول، فلذا قد يجد القارئ أحياناً جفافاً في الشرح أو قلقاً في العبارة، يضاف إلى ذلك الخطأ المطبعي الذي أصبح لا ينجو منه كتاب، ولا يسلم منه خطاب.
وكلمة أخيرة وهي أني ما آلوت جهداً في تحري الحق والصواب وفي التيسير والتسهيل في هذا الكتاب، وما توفيقي إلا بالله. وعليه فإنه ما كان من كمال فهو من الله، وما كان من نقصان فإنه مني، واعتذر مستغفراً الله تعالى لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ومصلياً ومسلماً على أشرف المخلوقات وصاحب المعجزات نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله الطاهرين، وصحابته أجمعين.
أبو بكر جابر الجزائري
634
"خاتمة الطبعة الثالثة"
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقات محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذي الكمالات، وآله وصحبه ما أشرقت بنور ربها قلوب المؤمنين والمؤمنات.
وبعد: ففي الروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف، وبين العشائين من ليلة السبت الموافق لعيد الفطر المبارك من عام ١٤٠٩ من الهجرة النبوية كتبت هذه الكلمة "الخاتمة" (لنهر الخير) على أيسر التفاسير، فكانت إحدى النعم التي والاه الله ذو الفضل والإنعام على أضعف عباده وأقلهم شأناً، وأدناهم فضلاً، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وهو ذو الفضل العظيم.
لقد ابتدأت كتابة هذه الحاشية المباركة إن شاء الله تعالى في أواخر محرم الحرام وأنا بين خوف ورجاء: خوف من موافاة الأجل قبل إتمام العمل، إذ كثيرون ما أتموا ما بدأوا ولا أدركوا ما أملوا أذكر منهم الشيخين الجليلين: محمد عبده، وتلميذه محمد رشيد رضا، فقد بدءا تفسيرهما فتركه الأول في سورة النساء وتركه الثاني في سورة يوسف عليه السلام وأجابا نداء ربهما وتركا تفسيرهما لم يتماه ولم يكملاه لأمر أراده الله، فأعظم الله أجرهما وأحسن عزاءنا فيهما ونفعنا بتفسيرهما وقد فعل فله الحمد وله المنة فقد قرأت وطالعت (المنار) أكثر من أربع مرات، وكنت إذا وصلت إلى موضع انتهاء ما كان الشيخ رشيد يتلقاه عن شيخه ويقول إلى هنا انتهى ما كنت أتلقاه من الشيخ، يغلبني البكاء فأبكي ورأى أن رزية ما فوقها رزية في موت الشيخين قبل إتمام تفسيرهما.
واستجاب الله لي ووقاني كل ما يعوقني أو يعوقني عن إتمام هذه الحاشية التي أراها ضرورية لأيسر التفاسير الذي ما كتبته وجمعته إلا لعلمي بحاجة المسلمين اليوم إلى مثله فأتم الله علي نعمة من أجل النعم ومنةً من أعظم المنن فاللهم لك الحمد ولك الشكر حمداً لا ينتهي وشكراً لا ينقضي، وكما أنعمت وأفضلت فاغفر وارحم وأنت خير الراحمين واعف وتجاوز وأنت العفو الكريم، وصل وسلم وبارك على خاتم أنبيائك، محمد عبدك ورسولك وآله الطاهرين وصحابته أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
أبو بكر جابر الجزائري
635
Icon