ﰡ
وقال الشاعر:
أستغفرُ اللَّه ذنبًا لستُ مُحْصِيهُ | رَبّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ |
ومن سورة العنكبوت
قوله: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [٢] (يُتركوا) «١» يقع فيها لام الخفض، فإذا نزعتها منها كانت منصوبة. وقلمّا يقولون: تركتك أن تذهب، إنما يقولون: تركتك تذهب. ولكنها جُعلت مكتفية بوقوعها عَلَى الناس وحدهم. وإن جعلت (حَسِبَ) مَكرورة عليها كَانَ صوابًا كأن المعْنى:
أحسب الناس أن يتركوا، أحسبوا (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ).
وقوله: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ [١٢] هُوَ أمر فِيهِ تأويل جزاء، كما أن قوله (ادْخُلُوا «٢» مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) نَهْي فِيهِ تأويل الجزاء. وهو كَثِير فِي كلام العرب.
قَالَ الشاعر «٣» :
فقلتُ ادعِي وَأَدْعُ فإنّ أندى | لصوتٍ أن يُنادي داعيان |
وقوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [١٣] يعنى أوزارهم ١٤٢ ا (وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ) يقول: أوزار من أضلّوا.
(٢) الآية ١٨ سورة النمل.
(٣) هو مدثار بن شيبان النمري. وقبله.
تقول خليلتى لما اشتكينا | سيدركنا بنو القرم الهجان |
وقوله: النَّشْأَةَ [٢٠] القراء مجتمعونَ عَلَى جزم الشِّين وقصرها، إلا الْحَسَن «١» الْبَصْرِيّ فإنه مدها فِي كل القرآن فقال (النشَاءَة) ومثلها مما تقوله العرب الرأفة، والرآفة، والكَأبة والكآبة كلٌّ صواب.
وقوله: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ [٢٢] يقول: القائل: وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون فِي الأرض ولا فِي السماء، وليسوا من أهل السماء؟ فالمعنى- والله أعلم- ما أنتم بِمعجزين فِي الأرض ولا من فِي السماء بِمعجزٍ. وهو من غامض العربية للضمير الَّذِي لَمْ يظهر فِي الثاني.
ومثله قول حسان:
أمَن يهجو رسول الله منكم | ويَمدحُهُ وينصرهُ سَوَاءُ «٢» |
ومن لَمْ يأتِ زيدًا.
وقوله: وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ [٢٥] نصبها حَمْزَةُ «٣» وأضافها ونصبها عَاصِم «٤» وأهل المدينة، ونوَّنوا فيها (أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) ورفع ناسٌ منهم الْكِسَائي بإضافة. وقرأ الْحَسَن (مَوَدّةٌ بَيْنَكُمْ) يرفع ولا يضيف. وهي فِي قراءة أُبَيّ (إنّما مودّة بينهم فى الحياة الدّنيا)
(٢) ش: ب «فمن» فى مكان» أمن».
(٣) وكذا حفص عن عاصم، ورسح عن يعقوب.
(٤) أي فى رواية أبى بكر.
وقد تكون رفعًا عَلَى أن تجعلها خبرًا لِمَا وتجعل (ما) عَلَى جهة (الَّذِي) كأنك قلت: إن الَّذِينَ اتخذتموهم أوثانًا مودة بينكم فتكون المودة كالخبر، ويكون «١» رفعها عَلَى ضمير (هي) كقوله (لَمْ يَلْبَثُوا «٢» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ثُمَّ قَالَ (بَلاغٌ) أي هَذَا بلاغ، ذَلِكَ بلاغ. ومثله (إِنَّ «٣» الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ثم قال (مَتاعٌ «٤» فِي الدُّنْيا) أي ذَلِكَ متاع فِي الحياة الدُّنْيَا وقوله (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) : يتبرأ بعضكم من بعض والعابد والمعبود فِي النار.
وقوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي [٢٦] هذا من قيل إِبْرَاهِيم. وَكَانَ مهاجره من حَرَّان إلى فلسطين.
وقوله: وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا [٢٧] الثناء الْحَسَن وأن أهل الأديان كلهم يتولَّونه. ومن أجره أن جعلت النبوة والكتاب فِي ذرّيته.
وقوله: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ [٢٩] قَطْعه: أنهم كانوا يعترضونَ الناس من الطرق بعلمهم الخبيث، يعني اللواط. ويُقال: وتقطعُونَ السبيل: تقطعُونَ سبيلَ الْوَلَد بتعطيلكم/ ١٤٢ النساء وقوله (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) فى مجالسكم. والمنكر منه الحذف «٥»، والصفير، ومضغ
(٢) الآية ٣٥ سورة الأحقاف.
(٣) الآية ٦٩ سورة يونس. [.....]
(٤) الآية ٧٠ سورة يونس.
(٥) هو الرمي بحصاة أو نوى أو نحوهما، تأخذ بين سبابتيك تحذف به أو بمخذفة من خشب.
وقوله: وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [٣٨] فِي دينهم. يقول: ذوو بصائر.
وقوله: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [٤١] ضربه مثلًا لِمن اتخذ من دون الله وَلِيًّا أَنَّهُ لا ينفعه ولا يضره، كما أن بيت العنكبوتِ لا يقيها حرًّا ولا بردًا. والعنكبوت أنثى. وقد يُذكرها بعضُ العرب. قَالَ الشاعر:
عَلَى هَطّالهم منهم بيوتٌ | كأنَّ العنكبوت هُوَ ابتناهَا «٣» |
وقوله: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [٤٧] بِمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويُقال: إنه عبد الله بن سلام (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يعني الَّذِينَ آمنوا من أهل مكة.
وقوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ [٤٨] من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) ولو كنت كذلك (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعني النصارى الَّذِينَ وجدوا صفته ويكون (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لكان أشد لريبة من كذب من أهل مكة وغيرهم.
ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ [٤٩] يريد القرآن وَفِي قراءة عبد الله (بَلْ هي آيَاتٌ) يريد:
بَلْ آيات القرآن آيات بيّنات: ومثله (هذا بَصائِرُ «٤» لِلنَّاسِ) ولو كانت هَذِه بصائر للناس كَانَ صوابًا.
ومثله (هذا «٥» رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لو كان: هذه رحمة لجاز.
(٢) ش: «قال» أي الفراء.
(٣) هطال: جبل. وقد كتب فى افوق (هطالهم) :«جبلهم».
(٤) الآية ٢٠ سورة الجاثية.
(٥) الآية ٩٨ سورة الكهف.
وقوله: وَيَقُولُ ذُوقُوا [٥٥] وهي فِي قراءة عبد الله (ويُقال ذوقوا) وقد قرأ بعضهم «١» (وَنَقُولُ) بالنون وكل صواب.
وقوله: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
[٥٦] هَذَا لمسلمة أهل مكة الَّذِينَ كانوا مقيمين مع المشركين. يقول (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ)
يعني المدينة أي فلا تُجاوروا أهل الكفر.
وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [٥٨] قرأها العوام (لنبوّئنّهم) وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَهَا (لَنُثْوِيَنَّهُمْ) وقرأها كذلك يَحْيَى «٢» بن وثّاب وكلّ حسن بوّأته منزلا وأثويته منزلا.
وقولوا: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ [٦٠] نزلت فِي مؤمني أهل مكة، لَمَّا أمروا بالتحول عنها والخروج إلى المدينة قالوا: يا رسول الله لَيْسَ لنا بالمدينة منازل ولا أموال فمن أين المعاش؟ فأنزل الله (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تدّخرُ رزقها ولا تَجمعه، أي كذلك جميع هوام الأرض كلها إلا النملة فإنها تدّخرُ رزقها لسنتها.
وقوله: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [٦٤] حياة لا موت فيها.
وقوله: إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [٦٥] يقول: يُخلصون الدعاء والتوحيد إلى الله فِي البحر، فإذا نجّاهم صاروا إلى عبادة الأوثان.
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.