مكية إلا الآيات ٢٣ و٢٤ و٢٥ و٢٧ فمدنية وآياتها ٥٣ نزلت بعد فصلت
ﰡ
مكية إلا الآيات ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ و ٢٧ فمدنية وآياتها ٥٣ نزلت بعد فصلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الشورى) حم عسق الكلام فيه كسائر حروف الهجاء حسبما تقدم في سورة البقرة، وقد حكى الطبري أن رجلا سأل ابن عباس عن حم عسق فأعرض عنه، فقال حذيفة: إنما كرهها ابن عباس، لأنها نزلت في رجل من أهل بيته اسمه عبد الله يبني مدينة على نهر من أنهار المشرق، ثم يخسف الله بها في آخر الزمان، والرجل على هذا أبو جعفر المنصور، والمدينة بغداد. وقد ورد في الحديث الصحيح أنها يخسف بها «١» كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ الكاف نعت لمصدر محذوف، والإشارة بذلك إلى ما تضمنه القرآن أو السورة، وقيل:
الإشارة لقوله: حم عسق فإن الله أنزل هذه الأحرف بعينها في كل كتاب أنزله، وفي صحة هذا نظر اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اسم الله فاعل بيوحى، وأما على قراءة يوحي بالفتح فهو فاعل بفعل مضمر، دل عليه يوحى كأن قائلا قال: من الذي أوحى؟ فقيل: الله تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ «٢» أي يتشققن من خوف الله وعظيم جلاله، وقيل: من قول الكفار:
اتخذ الله ولدا، فهي كالآية التي في مريم قال ابن عطية: وما وقع للمفسرين هنا من ذكر الثقل ونحوه: مردود لأن الله تعالى لا يوصف به مِنْ فَوْقِهِنَّ الضمير للسموات والمعنى يتشققن من أعلاهن، وذلك مبالغة في التهويل، وقيل: الضمير للأرضين وهذا بعيد، وقيل: الضمير للكفار كأنه قال: من فوق الجماعات الكافرة التي من أجل أقوالها تكاد السموات يتفطرن، وهذا أيضا بعيد وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ عموم يراد به الخصوص لأن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض، فهي كقوله:
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: ٧]. وقيل: إنّ يستغفرون للذين آمنوا نسخ هذه الآية،
(٢). قرأ نافع والكسائي: يكاد بالياء وقرأ الباقون: تكاد بالتاء.
أُمَّ الْقُرى هي مكة، والمراد أهلها، ولذلك عطف عليه من حولها يعني من الناس يَوْمَ الْجَمْعِ يعني يوم القيامة وسمي بذلك لأن الخلائق يجتمعون فيه أَمِ اتَّخَذُوا أم منقطعة، والأولياء هنا المعبودون من دون الله فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي ما اختلفتم فيه أنتم والكفار من أمر الدين فحكمه إلى الله بأن يعاقب المبطل ويثيب المحق أو ما اختلفتم فيه من الخصومات فتحاكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كقوله: فردّوه إلى الله والرسول مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني الإناث وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يحتمل أن يريد الإناث أو الأصناف يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ معنى يذرؤكم يخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن، وقيل:
يكثركم، والضمير المجرور يعود على الجعل الذي يتضمنه قوله: جعل لكم، وهذا كما تقول كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه، وقيل: الضمير للتزويج الذي دل عليه قوله أزواجا، وقال الزمخشري: تقديره يذرؤكم في هذا التدبير. وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا، والضمير في يذرؤكم خطاب للناس والأنعام غلّب فيه العقلاء على غيرهم، فإن قيل: لم قال يذرؤكم فيه وهلا قال يذرؤكم به؟ فالجواب: أن هذا التدبير جعل كالمنبع والمعدن للبث والتكثير قاله الزمخشري لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ تنزيه لله تعالى عن مشابهة المخلوقين، قال كثير من الناس:
الكاف زائدة للتأكيد، والمعنى ليس مثله شيء، وقال الطبري وغيره ليست بزائدة، ولكن وضع مثله موضع هو، والمعنى ليس كهو شيء قال الزمخشري: وهذا كما تقول: مثلك لا يبخل، والمراد: أنت لا تبخل، فنفى البخل عن مثله والمراد نفيه عن ذاته.
مَقالِيدُ قد ذكر في [الزمر: ٦٣]
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً اتفق
ما وصى أو في موضع خفض بدلا من به، أو في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، أو تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي صعب الإسلام على المشركين اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ الضمير في إليه يعود على الله تعالى، وقيل على الدين وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الأديان المختلفة من اليهود والنصارى وغيرهم وَلَوْلا كَلِمَةٌ يعني القضاء السابق بأن لا يفصل بينهم في الدنيا وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ يعني المعاصرين لسيدنا محمد ﷺ من اليهود والنصارى، وقيل: يعني العرب، والكتاب على هذا القرآن لَفِي شَكٍّ مِنْهُ الضمير للكتاب، أو للدين أو لسيدنا محمد ﷺ فَلِذلِكَ فَادْعُ أي إلى ذلك الذي شرع الله، فادع الناس فاللام بمعنى إلى، والإشارة بذلك إلى قوله شرع لكم من الدين أو إلى قوله: ما تدعوهم إليه وقيل: إن اللام بمعنى أجل، والإشارة إلى التفرق والاختلاف، أي لأجل ما حدث من التفرق ادع إلى الله وعلى هذا يكون قوله: واستقم معطوفا، وعلى الأول يكون مستأنفا فيوقف على فادع واستقم كَما أُمِرْتَ أي دم على ما أمرت به من عبادة الله وطاعته وتبليغ رسالته، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ الضمير للكفار، وأهواؤهم ما كانوا يحبون من الكفر والباطل كله وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قيل: يعني العدل في الأحكام إذا تخاصموا إليه، ويحتمل أن يريد العدل في دعائهم إلى دين الإسلام، أي أمرت أن أحملكم على الحق لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ أي لا جدال ولا مناظرة، فإن الحق قد ظهر وأنتم تعاندون.
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ أي يجادلون المؤمنين في دين الإسلام، ويعني كفار قريش، وقيل: اليهود مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ الضمير يعود على الله أي من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا في دينه، وقيل: يعود على الدين وقيل: على محمد صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر وأحسن حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي زاهقة باطلة
أَنْزَلَ الْكِتابَ يعني جنس
العدل، ومعنى إنزال العدل، إنزال الأمر به في الكتب المنزلة، وقيل: يعني الميزان المعروف، فإن قيل: ما وجه اتصال ذكر الكتاب والميزان بذكر الساعة؟ فالجواب أن الساعة يوم الجزاء والحساب، فكأنه قال: اعدلوا وافعلوا الصواب قبل اليوم الذي تحاسبون فيه على أعمالكم لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ جاء قريب، بالتذكير، لأن تأنيث الساعة غير حقيقي، ولأن المراد به وقت الساعة يَسْتَعْجِلُ بِهَا أي يطلبون تعجيلها استهزاء بها، وتعجيزا للمؤمنين يُمارُونَ أي يجادلون ويخالفون يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ يعني الرزق الزائد على المضمون لكل حيوان في قوله: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: ٦] أي ما تقوم به الحياة، فإن هذا على العموم لكل حيوان طول عمره، والزائد خاص بمن شاء الله حَرْثَ الْآخِرَةِ عبارة عن العمل لها، وكذلك حرث الدنيا، وهو مستعار من حرث الأرض لأن الحراث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ عبارة عن تضعيف الثواب نُؤْتِهِ مِنْها أي نؤته منها ما قدّر له، لأن كل أحد لا بد أن يصل إلى ما قسم له وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ هذا للكفار، أو لمن كان يريد الدنيا خاصة، ولا رغبة له في الآخرة أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أم منقطعة للإنكار والتوبيخ، والشركاء الأصنام وغيرها، وقيل: الشياطين شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ الضمير في شرعوا للشركاء، وفي لهم: للكفار، وقيل: بالعكس والأول أظهر ولم يأذن بمعنى: لم يأمر، والمراد بما شرعوا من البواطل في الاعتقادات، وفي الأعمال، كالبحيرة والوصيلة وغير ذلك.
وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي لولا القضاء السابق بأن لا يقضى بينهم في الدنيا لقضي بينهم فيها تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ يعني في الآخرة
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ تقديره يبشر به، وحذف الجار والمجرور إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فيه أربعة أقوال: الأول أن القربى بمعنى القرابة، وفي بمعنى من أجل، والمعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم فالمقصد على هذا استعطاف قريش، ولم يكن فيهم بطن
أَمْ يَقُولُونَ أم منقطعة للإنكار والتوبيخ فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ فالمقصد بهذا قولان: أحدهما أنه رد على الكفار في قولهم افترى على الله كذبا: أي لو افتريت على الله كذبا لختم على قلبك، ولكنك لم تفتر على الله كذبا فقد هداك وسددك، والآخر أن المراد: إن يشأ الله يختم على قلبك بالصبر على أقوال الكفار وتحمل أذاهم وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ هذا فعل مستأنف غير معطوف على ما قبله، لأن الذي قبله مجزوم، وهذا مرفوع فيوقف على ما قبله ويبدأ به، وفي المراد به وجهان: أحدهما أنه من تمام ما قبله: أي لو افتريت على الله كذبا لختم على قلبك ومحا الباطل الذي كنت تفتريه لو افتريت، والآخر أنه وعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يمحو الله الباطل وهو الكفر، ويحق الحق وهو الإسلام وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ «١» عن هنا بمعنى من، وكأنه قال التوبة الصادرة من عباده وقبول التوبة على ثلاثة أوجه: أحدها التوبة من الكفر فهي مقبولة قطعا والثاني التوبة من مظالم العباد فهي غير مقبولة حتى تردّ المظالم أو يستحل منها والثالث التوبة من المعاصي التي بين العبد وبين الله فالصحيح أنها مقبولة بدليل هذه الآية وقيل: إنها في المشيئة وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ العفو مع التوبة على حسب ما ذكرنا، وأما العفو دون التوبة فهو على أربعة أقسام الأول العفو عن الكفر وهو لا يكون أصلا، والثاني العفو عن مظالم العباد وهو كذلك والثالث العفو عن الذنوب الصغائر إذا اجتنبت الكبائر، وهو حاصل باتفاق الرابع العفو عن الكبائر فمذهب أهل السنة أنها في المشيئة، ومذهب المعتزلة أنها لا تغفر إلا بالتوبة وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا فيه ثلاثة أقوال أحدها أن معنى يستجيب يجيب والذين آمنوا مفعول، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى أي يجيبهم فيما يطلبون منه. وقال الزمخشري: أي أصله يستجيب للذين آمنوا فحذف اللام. والثاني أن معناه يجيب والذين
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أي بغى بعضهم على بعض، وطغوا لأن الغنى يوجب الطغيان، وقال بعض الصحابة: فينا نزلت لأنا نظرنا إلى أموال الكفار فتمنيناها وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا قيل لعمر رضي الله عنه: اشتد القحط وقنط الناس. فقال: الآن يمطرون، وأخذ ذلك من هذه الآية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: اشتدي أزمة تنفرجي «١» وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ قيل: يعني المطر فهو تكرار للمعنى الأول بلفظ آخر، وقيل:
يعني الشمس وقيل: بالعموم وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ لا إشكال لأن الدواب في الأرض وأما في السماء فقيل: يعني الملائكة وقيل: يمكن أن تكون في السماء دواب لا نعلمها نحن وقيل: المعنى أنه بث في أحدهما فذكر الاثنين كما تقول في بني فلان كذا وإنما هو في بعضهم وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ يريد جمع الخلق في الحشر يوم القيامة وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ المعنى أن المصائب التي تصيب الناس في أنفسهم وأموالهم إنما هي بسبب الذنوب قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر «٢». وقرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء على أن يكون ما أصابكم بمعنى الذي وقرأ الباقون بالفاء على أن يكون ما أصابكم شرطا بِمُعْجِزِينَ قد ذكر الجواري «٣» جمع جارية وهي السفينة كَالْأَعْلامِ جمع علم وهو الجبل
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ
(٢). لم أجده ومعناه صحيح وروى أحمد عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري حديثا يقاربه في المعنى ج ٣ ص ١٨ وأوله: ما يصيب المرء المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلّا كفّر الله به من خطاياه.
(٣). الجواري: قرأ نافع بإثبات الياء وصلا دون الوقف، وقرأ أهل الكوفة والشام بدون ياء وصلا ووقفا. [.....]
ولنجعله آية للناس [مريم: ٢١] كَبائِرَ الْإِثْمِ ذكرنا الكبائر في [النساء: ٣١] وقيل: كبائر الإثم: هو الشرك، والفواحش: هي الزنا واللفظ أعم من ذلك.
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ قيل: يعني الأنصار، لأنهم استجابوا لما دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإسلام، ويظهر لي أن هذه الآية إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لأنه بدأ أولا بصفات أبي بكر الصديق، ثم صفات عمر بن الخطاب، ثم صفات عثمان بن عفان، ثم صفات علي بن أبي طالب، فكونه جمع هذه الصفات، ورتبها على هذا الترتيب يدل على أنه قصد بها من اتصف بذلك، فأما صفات أبي بكر فقوله: الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، وإنما جعلناها صفة أبي بكر وإن كان جميعهم متصفا بها، لأن أبا بكر كانت له فيها مزية لم تكن لغيره فقد روي: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجحهم «١» وورد: أنا مدينة الإيمان وأبو بكر بابها «٢» وقال أبو بكر: لو كشف الغطاء لما ازددت إلا يقينا، والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان. أما صفات عمر فقوله: والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش لأن ذلك هو التقوى، وقوله: وإذا ما غضبوا هم يغفرون، وقوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله نزلت في عمر، وأما صفات عثمان فقوله:
والذين استجابوا لربهم لأن عثمان لما دعاه رسول الله ﷺ إلى الإيمان تبعه، وبادر إلى
(٢). المشهور: وعلى بابها وقد ذكره المناوي في التيسير وعزاه للعقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس. والحديث مدعوم بكثرة طرقه والله أعلم.
«إنما السبيل على الذين يظلمون الناس» إشارة إلى بني أمية، فإنهم استطالوا على الناس كما جاء في الحديث عنهم: أنهم جعلوا عباد الله خولا ومال الله دولا، ويكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب على منابرهم «٢»، وقوله: «ولمن صبر وغفر» الآية إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما نالهم من الضر والذل، طول مدّة بني أمية وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها سمى العقوبة باسم الذنب، وجعلها مثلها تحرزا من الزيادة عليها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ هذا يدل على أن العفو عن الظلمة أفضل من الانتصار، لأنه ضمن الأجر في العفو، وذكر الانتصار بلفظ الإباحة في قوله:
«ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل» وقيل: إن الانتصار أفضل، والأول أصح فإن قيل: كيف ذكر الانتصار في صفات المدح في قوله «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» والمباح لا مدح فيه ولا ذم، فالجواب: من ثلاثة أوجه أحدها أن المباح قد يمدح لأنه قيام بحق لا بباطل، والثاني أن مدح الانتصار لكونه كان بعد الظلم، تحرزا ممن بدأ بالظلم فكأن المدح إنما هو بترك الابتداء بالظلم، والثالث إن كانت الإشارة بذلك إلى علي بن أبي طالب حسبما ذكرنا فانتصاره محمود، لأن قتال أهل البغي واجب لقوله تعالى «فقاتلوا التي
(٢). عند ما بويع عمر بن عبد العزيز منع السب وأبدله بتلاوة قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى إلخ [النحل: ٩٠].
يُعْرَضُونَ عَلَيْها أي على النار خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ عبارة عن الذل والكآبة، ومن الذل يتعلق بخاشعين يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فيه قولان: أحدهما أنه عبارة عن الذل، لأن نظر الذليل بمهابة واستكانة، والآخر أنهم يحشرون عميا فلا ينظرون بأبصارهم، وإنما ينظرون بقلوبهم واستبعد هذا ابن عطية والزمخشري: والظرف يحتمل أن يريد به العين أو يكون مصدرا يَوْمَ الْقِيامَةِ يتعلق بقال أو بخسروا أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ يحتمل أن يكون من كلام الذين آمنوا أو مستأنفا من كلام الله تعالى لا مَرَدَّ لَهُ ذكر في غافر [١١] مِنْ نَكِيرٍ أي إنكار يعني لا تنكرون أعمالكم يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً قدم الإناث اعتناء بهنّ وتأنيسا لمن وهبهن له. قال واثلة بن الأسقع: من يمن المرأة تبكيرها بأنثى قبل الذكر، لأن الله بدأ بالإناث وقال بعضهم: نزلت هذه الآية في الأنبياء عليهم السلام فشعيب ولوط كان لهما إناث دون ذكور، وإبراهيم كان له ذكور دون إناث، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم جمع الإناث والذكور، ويحيى كان عقيما، والظاهر أنها على العموم في جميع الناس، إذ كل واحد منهم لا يخلو عن قسم من هذه الأقسام الأربعة التي ذكر، وفي الآية من أدوات البيان التقسيم.
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً الآية: بين الله تعالى فيها كلامه لعباده، وجعله على ثلاثة أوجه أحدها الوحي المذكور أولا وهو الذي يكون بإلهام أو منام والآخر أن يسمعه كلامه من وراء حجاب الثالث الوحي بواسطة الملك وهو قوله: أو يرسل رسولا يعني ملكا، فيوحي بإذنه ما يشاء إلى النبي، وهذا خاص بالأنبياء والثاني خاص بموسى وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ كلمه الله ليلة الإسراء، وأما الأول فيكون للأنبياء والأولياء كثيرا، وقد يكون لسائر الخلق ومنه، وأوحى ربك إلى النحل ومنه منامات الناس أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا قرأ نافع يرسل ويوحي بالرفع، على تقدير أو هو يرسل والباقون
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الروح هنا القرآن، والمعنى مثل هذا الوحي، وهو بإرسال ملك أوحينا إليك القرآن، والأمر هنا يحتمل أن يكون واحد الأمور، أو يكون من الأمر بالشيء ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ المقصد بهذا شيئان: أحدهما تعداد النعمة عليه صلّى الله عليه وسلّم بأن علمه الله ما لم يكن يعلم. والآخر احتجاج على نبوته لكونه أتى بما لم يكن يعلمه ولا تعلمه من أحد، فإن قيل: أما كونه لم يكن يدري الكتاب فلا إشكال فيه، وأما الإيمان ففيه إشكال لأن الأنبياء مؤمنون بالله قبل مبعثهم؟ فالجواب أن الإيمان يحتوي على معارف كثيرة، وإنما كمل له معرفتها بعد بعثه، وقد كان مؤمنا بالله قبل ذلك، فالإيمان هنا يعني به كمال المعرفة وهي التي حصلت له بالنبوة وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً الضمير للقرآن.