تفسير سورة الأحقاف

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الأحقاف مكية وهي خمس وثلاثون آية

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢)
﴿حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم﴾
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)
﴿مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق﴾ ملتبساً بالحق ﴿وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه وهو يوم القيامة ﴿والذين كفروا عما أنذروا﴾ عما أنذوره من هول ذلك اليوم الذي لا بد لكل مخلوق من انتهائه إليه ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ لا يؤمنون به ولا يهتمون بالاستعداد له ويجوز أن تكون ما مصدرية أي عن إذنذارهم ذلك اليوم
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤)
﴿قل أرأيتم﴾ أخبروني ﴿مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ تعبدونه من الأصنام ﴿أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض﴾ أي شيء خلقوا مما في الأرض إن كانوا آلهة ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السماوات﴾ شركة مع الله في خلق السموات والأرض ﴿ائتونى بكتاب مِّن قَبْلِ هذا﴾ أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن يعني أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وإبطال الشرك وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك فائتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله ﴿أو أثارة من علم﴾ أو بقية عليكم علم بقيت عليكم من علوم الأولين ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ أن الله أمركم بعبادة الأوثان
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥)
﴿ومن أضل ممن يدعو مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غافلون﴾
أي أبدا
وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)
﴿وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً﴾ أي الأصنام لعبدتها ﴿وَكَانُواْ﴾ أي الأصنام ﴿بِعِبَادَتِهِمْ﴾ بعبادة عبدتهم ﴿كافرين﴾ يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا ومعنى الاستفهام في مَنْ أَضَلَّ إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالة من عبدة لأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جماد إلا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى أن تقوم القيامة وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضداً فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والغفلة قيل من وهم ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها او نحوه قوله تعالى ان تدعوهم لا يسمعوا د عاءكم وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يكفرون بشرككم
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا بَيِّنَاتٍ﴾ جمع بينة وهي الحجة والشاهد أو واضحات مبينتات ﴿قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ﴾ المراد بالحق الآيات وبالذين كفروا المتلو عليهم فوضع الظاهر ان موضع الضميرين للتسجيل عليهم بالكفر وللمتلو بالحق ﴿لما جاءهم﴾ اى بادءوه بالجحود ساعة أتاهم وأول ما سمعوه من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر ﴿هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ظاهر أمره في البطلان لا شبهة فيه
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨)
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحرا الى ذكر قولهم ان محمد عليه السلام افتراه أي اختلقه وأضافه إلى الله كذباً والضمير
308
للحق والمراد به الآيات ﴿قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله شَيْئاً﴾ أي إن افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله بعقوبة الافتراء عليه فلا تقدرون على كفه عن معالجتى ولا تطيقون دفع شيء من عقابه فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ أي تندفعون فيه من القدح في وحي الله والطعن في آياته وتسميته سحراً تارة وفرية أخرى ﴿كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وبينكم﴾ يشهد لى بالصدق ولابلاغ ويشهد عليم بالجحود والإنكار ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء إفاضتهم ﴿وَهُوَ الغفور الرحيم﴾ موعدة بالغفران والرحمة إن تابوا عن الكفر وآمنوا
309
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)
﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ أي بديعاً كالخف بمعنى الخفيف والمعنى إني لست بأول مرسل فتنكروا نبوّتي ﴿وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ﴾ أي ما يفعل الله بى وبكم فبما يستقبل من الزمان وعن الكلبي قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدري ما يفعل بى ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي
﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ وَمَا أنا إلا نذير مبين﴾
ورأيتها يعنى في منامه ذات نخيل وشجر وما في يفعل يجوز ان تكون موصولة منصوبة وأن تكون استفهامية مرفوعة وإنما دخل لا في قوله وَلاَ بِكُمْ مع ان يفعل مثبت غيره منفى لتناول النفى فيما أَدْرِى ما وما في حيزه ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نذير مبين﴾
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)
﴿قل أرأيتم إن كان﴾ القرآن ﴿من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل﴾ هو عبد الله بن سلام عند الجمهور ولهذا قيل اإن هذه الآية مدنية لان اسلام ابن سلام بالمدينة رُوي أنه لما قدم رسول الله ﷺ المدينة نظر إلى
309
وجهه فعلم أنه ليس بوجه كذاب وقال له انى ساتلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه فقال رسول الله ﷺ أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته فقال أشهد أنك رسول الله حقاً ﴿على مِثْلِهِ﴾ الضمير للقرآن أي مثله في المعنى وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك ويجوز أن يكون المعنى إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك يعني كونه من عند الله ﴿فآمن﴾ الشاهد ﴿و﴾ قد ﴿استكبرتم﴾ عن الإيمان به وجواب الشرط محذوف تقديره إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين ويدل على هذا المحذوف ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين﴾ والواو الاولى عاطفة لكفرتم على فعل الشرط وكذلك الواو الأخيرة عاطفة لاستكبرتم ٢ على شَهِدَ شَاهِدٌ وأما الواو في وَشَهِدَ فقد عطفت جملة قولها شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم على جملة قوله كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ والمعنى قل أخبروني إن اجتمع كون القرآن عن عند الله مع كفركم به واجتمع شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله فإيمانه به مع استكباركم عنه وعن الإيمان به ألستم أضل الناس وأظلمهم
310
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)
﴿وقال الذين كفروا للذين آمنوا﴾ أي لأجلهم وهو كلام كفار مكة قالوا إن عامة من يتبع محمداً السقاط يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود ﴿لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ لو كان ما جاء به محمد خيرا اما سبقنا إليه هؤلاء ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ﴾ العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه
310
تقديره وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم وقوله ﴿فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ مسبب عنه وقولهم افك قديم اى كذب متقدم كقولهم أساطير الاولين
311
وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)
﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾ أي القرآن ﴿كِتَابُ موسى﴾ أي التوراة وهو مبتدأ ومن قبله ظرف واقع خبر مقدماً عليه وهو ناصب ﴿إِمَاماً﴾ على الحال نحو في الدار زيد قائماً ومعنى إِمَاماً قدوة
﴿ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين﴾
يؤتم به في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به وعمل بما فيه ﴿وهذا﴾ القرآن ﴿كتاب مُّصَدِّقٌ﴾ لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب ﴿لِّسَاناً عَرَبِيّاً﴾ حال من ضمير الكتاب في مُّصَدّق والعامل فيه مُّصَدّق أو من كتاب لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الاشارة وجواز ان يكون مفعولا لمصدق أي يصدق ذا لسان عربي وهو الرسول ﴿لِّيُنذِرَ﴾ أي الكتاب لّتُنذِرَ حجازي وشامي ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ كفروا ﴿وبشرى﴾ في محل النصب معطوف على محل لّيُنذِرَ لأنه مفعول له ﴿لِّلْمُحْسِنِينَ﴾ للمؤمنين المطيعين
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣)
﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا﴾ على توحيد الله وشريعة نبيه محمد ﷺ ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في القيامة ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ عند الموت
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)
﴿أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة خالدين فِيهَا﴾ حال من أصحاب الجنة والعامل فيه معنى الإشارة الذي دل عليه أولئك ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ جزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥)
﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه إحسانا﴾ كوفي أي وصيناه بأن يحسن بوالديه إحساناً حُسْنًا غيرهم أي وصيناه بوالديه أمراً ذا حسن أو بأمر ذي حسن فهو في موضع البدل من قوله بوالديه وهو من بدل الاشتمال
311
﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً﴾ وبفتح الكافين حجازي وأبو عمرو وهما لغتان في معنى المشقة وانتصابه على الحال أي ذات كره أو على أنه صفة للمصدر أي حملاً ذاكره ﴿وَحَمْلُهُ وفصاله﴾ ومدة حمله وفطامه ﴿ثَلاَثُونَ شَهْراً﴾ وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع إذا كانت حولين لقوله تعالى حولين كاملين بقيت للحمل ستة أشهر وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وقال أبو حنيفة رضى الله عنه المراد به الحمل بالأكف وَفِصْلُهُ يعقوب والفصل والفصال كالعظم والعظام بناء ومعنى ﴿حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ هو جمع لا واحد له من لفظه وكان سيبويه يقول واحده شدة وبلوغ الأشد أن يكتهل ويستوفى السن التى فيها قوته وعقله وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين وعن قتادة ثلاث وثلاثون سنة ووجهه أن يكون ذلك أول الأشد وغايته الأربعون ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى﴾ ألهمني ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ﴾ المراد به نعمة التوحيد والإسلام وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه لأن النعمة عليهما نعمة عليه ﴿وَأَنْ أعمل صالحا ترضاه﴾
﴿وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين﴾
قيل هي الصلوات الخمس ﴿وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى﴾ أي اجعل ذريتي موقعاً للصلاح ومظنة له ﴿إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ من كل ذنب ﴿وَإِنِّى مِنَ المسلمين﴾ من المخلصين
312
أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦)
﴿أُوْلَئِكَ الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم﴾ حمزة وعلي وحفص يُتَقَبَّل ويُتَجاوز أَحْسَنُ غيرهم ﴿فِى أصحاب الجنة﴾ هو كقولك أكرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد أكرمني في جملة من أكرم منهم ونظمني في عدادهم ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم ﴿وَعْدَ الصدق﴾ مصدر مؤكد لأن قوله يُتَقَبَّل ويتجاوز وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز
312
قيل نزلت في أبي بكر الصديق رضى الله عنه وفي أبيه أبي قحافة وأمه أم الخير وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم فإنه آمن بالنبى ﷺ وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ودعا لهما وهو ابن أربعين سنة ولم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبي بكر رضي الله عنه ﴿الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ في الدنيا
313
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)
﴿والذى قَالَ لوالديه﴾ مبتدأ خبره أُوْلَئِكَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول والمراد بالذي قال الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعاً وعن الحسن هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث وقيل نزلت في عبد الرحمن بن ابى بكر رضى الله عنه قبل إسلامه ويشهد لبطلانه كتاب معاوية إلى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أنبايعون لأبنائكم فقال مروان يا أيها الناس هذا الذي قال الله تعالى فيه والذى قَالَ لوالديه أف لكما فسمعت عائشة رضى الله عنها فغضبت وقالت والله ما هو به ولو شئت أن أسميه لسميته ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله أي قطعة ﴿أُفّ لَّكُمَآ﴾ مدني وحفص أُفَّ مكي وشامي أُفِّ غيرهم وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر كما إذا قال حس علم أنه متوجع واللام للبيان أي هذا التأفيف لكما خاصة ولأجلكما دون غيركما ﴿أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ﴾ أن أبعث وأخرج من الأرض ﴿وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِى﴾ ولم يبعث منهم أحد ﴿وَهُمَا﴾ أبواه ﴿يَسْتَغِيثَانِ الله﴾ يقولان الغياث بالله منك ومن قولك وهو استعظام لقوله ويقولان له ﴿وَيْلَكَ﴾ دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك ﴿آمن﴾ بالله وبالبعث ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ بالبعث ﴿حَقٌّ﴾ صدق ﴿فَيَقُولُ﴾
313
لهما ﴿مَا هذا﴾ القول ﴿إِلاَّ أساطير الأولين﴾
314
أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨)
﴿أولئك الذين حق عليهم القول﴾
﴿في أمم قد خلت مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين﴾
اى لأملان جهنم ﴿في أمم قَدْ خَلَتْ﴾ قد مضت ﴿مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين﴾
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٩)
﴿وَلِكُلّ﴾ من الجنسين المذكورين الأبرار والفجار ﴿درجات مِّمَّا عَمِلُواْ﴾ أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من اجل ما عملوا منها وإنما قال درجات وقد جاء الجنة درجات والنار دركات على وجه التغليب ﴿وَلِيُوَفِّيَهُمْ أعمالهم﴾ بالياء مكي وبصري وعاصم ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم قدّر جزاءهم على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات واللام متعلقة بمحذوف
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)
﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار﴾ عرضهم على النار تعذيبهم بها من قولهم عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به وقيل المراد عرض النار عليهم من قولهم عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فغلبوا ﴿أَذْهَبْتُمْ﴾ أي يقال لهم أذهبتم وهو ناصب الظرف ﴿طيباتكم فِى حياتكم الدنيا﴾ أي ما كتب لكم حظمن الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم وقد دهبتم به وأخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شىء منها وعن عمر رضى الله عنه لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكى أستبقي طيباتي ﴿واستمتعتم بِهَا﴾ بالطيبات ﴿فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون﴾ أي الهوان وقرىء به ﴿بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ تتكبرون ﴿فِى الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ أي باستكباركم وفسقكم
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١)
﴿واذكر أَخَا عَادٍ﴾ أي هوداً ﴿إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف﴾ جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا عوج عن ابن عباس رضى الله عنهما هو وادٍ بين عمان ومهرة ﴿وَقَدْ خَلَتِ النذر﴾ جمع نذير بمعنى المنذر أو الإنذار ﴿مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ من قبل هود ومن خلف هود وقوله وَقَدْ خَلَتِ النذر من بين يديه ومن خلف وقع اعتراضاً بين أَنذَرَ قَوْمَهُ وبين ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ والمعنى واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢)
﴿قَالُواْ﴾ أي قوم هود أَجِئْتَنَا ﴿لِتَأْفِكَنَا﴾ لتصرفنا فالأفك الصرف يقال افكه عن رأيه ﴿عن آلهتنا﴾ عن عبادتها
﴿فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾
﴿فأتنا بما تعدنا﴾ من معالجة العذاب على الشرك ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ في وعيدك
قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٣)
﴿قَالَ إِنَّمَا العلم﴾ بوقت مجيء العذاب ﴿عَندَ الله﴾ ولا علم لي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم ﴿وأبلغكم ما أرسلت به﴾ اليكم وبالتخفيف أبو عمر وأي الذي هو شأني أن أبلغكم ما أرسلت به الإنذار والتخويف ﴿ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ أي ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤)
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ الضمير يرجع إلى مَا تَعِدُنَا أو هو مبهم وضح أمره بقوله ﴿عَارِضاً﴾ إما تمييزاً أو حالاً والعارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء ﴿مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ رُوي أن المطر قد احتبس عنه فرأوا سحابة استقبلت أوديتهم فقالوا هذا سحاب يأتينا بالمطر
315
وأظهروا من ذلك فرحاً وإضافة مستقبل وممطر مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفاً للنكرة ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي قال هو دبل هو ويدل عليه قراءة من قرأ قَالَ هو دبل هُوَ ﴿مَا استعجلتم بِهِ﴾ من العذاب ثم فسره فقال ﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
316
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)
﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ﴾ تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ رب الريح ﴿فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم﴾ عاصم وحمزة وخلف أي لا يرى شيء إلا مساكنهم غيرهم لاَّ ترى إِلاَّ مساكنهم والخطاب للرائي من كان ﴿كَذَلِكَ نَجْزِى القوم المجرمين﴾ أي مثل ذلك نجزي من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركي العرب عن ابن عباس رضى الله عنهما اعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلذه الانفس وانها لمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦)
﴿وَلَقَدْ مكناهم فِيمَآ إِن مكناكم فِيهِ﴾ إن نافية اى فيما ما مكناكم فيه الا إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع ألا ترى ان الاصل في مهما ماما فلبشاعة التكرير قبلوا الألف هاء وقد جعلت إن صلة وتؤول بامكناهم في مثل ما مكناكم فيه والوجه هوالأول فقوله تعالى هم احسن اثاثا ورئيا كانوا اكثر منهم واشد قوة وآثارا وما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وأبصارا وَأَفْئِدَةً﴾ أي آلات الدرك والفهم ﴿فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَىْءٍ﴾ أي من شيء من الإغناء وهو القليل منه ﴿إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ﴾
﴿بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون﴾
﴿بآيات الله﴾ إذ نصب بقوله فَمَا أغنى وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدي التعليل والظرف في قولك ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود اساءته فيه الا
316
ان اذا وحيث غلبتا دون سائر الظروف في ذلك ﴿وَحَاقَ بهم﴾ ونزل بهم ﴿ما كانوا به يستهزؤون﴾ جزاء استهزائهم وهذا تهديد لكفار مكة ثم زادهم تهديد بقوله
317
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿مِّنَ القرى﴾ ٦ نحو حجر ثمود وقرى قوم لوط والمراد أهل القرى ولذلك قال ﴿وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي كررنا عليهم الحجج وأنواع العبر لعلهم يرجعون عن الطغيان إلى الإيمان فلم يرجعوا
فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)
﴿فَلَوْلا﴾ فهلا ﴿نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قربانا آلهة﴾ القربان ما تقرب به إلى الله تعالى اى اتخذوهم شفعا ومتقاربا بهم الى الله تعالى حيث قالوا هؤلا شفعاؤنا عند الله وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين محذوف اى اتخذوهم والثانى الهة وقربانا حال ﴿بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ﴾ غابوا عن نصرتهم ﴿وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ وَذَلِكَ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم أي وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)
﴿وإذ صرفنا إليك نفرا﴾ أملنا هم اليك واقبلنا بهم نحوك والنفر دون العشرة ﴿من الجن﴾ جن نصيبين ﴿يستمعون القرآن﴾ منه عليه الصلاة والسلام ﴿فلما حضروه﴾ اى الرسول ﷺ أو القرآن أي كانوا منه بحيث يسمعون ﴿قَالُواْ﴾ أي قال بعضهم لبعض ﴿أَنصِتُواْ﴾ اسكتوا مستمعين رُوي أن الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا ما هذا إلا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو تسعة من أشراف جن
317
نصيبين أو نينوى منهم زويعة فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا إلى وادى نخلة فوافوا رسول الله ﷺ وهو قائم في جوف الليل يصلي أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته وعن سعيد بن جبير ما قرأ رسول الله ﷺ على الجن ولا رآهم وإنما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم وقيل بل الله أمر رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفراً منهم فقال إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني قالها ثلاثاً فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال لم يحضره ليلة الجن أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطاً وقال لا تخرج منه حتى اعود اليك ثم افتتح القرآن وسمعت لعطا شديدا فقال لى رسول الله ﷺ هل رأيت شيئاً قلت نعم رجالاً سوداً فقال اولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر الفا والسورة التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك
﴿فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين﴾
﴿فلما قضى﴾ اى فرغ النبى ﷺ من القراءة ﴿ولوا إلى قومهم منذرين﴾ اياهم
318
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠)
﴿قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى﴾ وانما قالوا من بعد موسى لانهم كانوا على اليهودية وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام ﴿مصدقا لما بين يديه﴾ من الكتب ﴿يهدي إلى الحق﴾ الى الله تعالى ﴿وإلى طريق مستقيم﴾
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)
﴿يا قومنا أجيبوا داعي الله﴾ اي محمد ﷺ ﴿وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم﴾ قال ابو حنيفة رضى الله عنه لا تواب لهم الا النجاة من النار لهذه الآية وقال مالك وابن
318
ابى ليلى وابو يوسف ومحمد رحمهم الله لهم الثواب والعقاب وعن الضحاك انهم يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون لقوله تعالى لم يطمثهن اني قبلهم ولا جان
319
وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٢)
﴿ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض﴾ اى لا ينجى منه مهرب ﴿وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين﴾
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)
﴿أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن﴾ هو كقوله ومامسنا من لغوب ويقال عييت بالامر اذا لم تعرف وجهه ﴿بقادر﴾ محله الرفع لانه خبر ان يدل عليه قراءة عبد الله قادر وانما دخلت الباء لا شتمال النفى في اول الاية على ان وما في حيزها وقال الزجاج لو قلت ما ظننت ان زيدا بقائم جاز كانه قيل اليس الله بقادر الا ترى الى وقو بلى مقررة للقدرة على كل شىء من البعث وغير لالرؤيتهم ﴿على أن يحيي الموتى بلى﴾ هو جواب النفى ﴿إنه على كل شيء قدير﴾
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤)
﴿ويوم يعرض الذين كفروا على النار﴾ يقال لهم ﴿أليس هذا بالحق﴾ وناصب الظرف القول المضمر وهذا اشارة الى العذاب ﴿قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ بكفركم في الدنيا
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥)
﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم﴾ اولوا الجد والثبات والصبر ﴿من الرسل﴾ من التبعيض والمراد باولى العزم ما ذكر في الاحزاب واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن
نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم ويونس ليس منهم لقوله ولا تكن كصاحب الحوت وكذا آدم لقوله ولم نجد له عزما او لبيان فيكون اولوا العزم صفة
319
الرسل كلهم ﴿ولا تستعجل لهم﴾ لكفار قريش بالعذاب اى لا تدع لهم بتعجيله فانه نال بهم لا محالة وان تأخر ﴿كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾ ى انهم يستقصرون حينئذ مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها ساعة من نهار ﴿بلاغ﴾ هذا بلاغ اى هذا الذي وعظتم به كفايه في الموعظة او هذا تبليغ من الرسول ﴿فهل يهلك﴾ هلاك عذاب والمعنى فلن يهلك بعذاب الله ﴿إلا القوم الفاسقون﴾ اى المشركون الخارجون عن الإتعاظ به والعمل بموجبة قال عليه السلام من قرأ سورة الأحقاف كتب الله له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا
320
سورة محمد ﷺ وقيل سورة القتال مدنية وقيل مكية وهى ثمان وثلاثون اية او تسع وثلاثون اية

بسم الله الرحمن الرحيم

321
Icon