تفسير سورة الفتح

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
لمؤلفه الشنقيطي - أضواء البيان . المتوفي سنة 1393 هـ

قوله تعالى :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
التحقيق الذي عليه الجمهور أن المراد بهذا الفتح صلح الحديبية، لأنه فتح عظيم.
وإيضاح ذلك أن الصلح المذكور هو السبب الذي تهيأ به للمسلمين أن يجتمعوا بالكفار فيدعوهم إلى الإسلام وبينوا لهم محاسنه.
فدخل كثير من قبائل العرب بسبب ذلك في الإسلام.
ومما يوضح ذلك أن الذين شهدوا صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عام ست كانوا ألفاً وأربعمائة.
ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو مكة حين نقض الكفار العهد، كان خروجه إلى مكة في رمضان عام ثمان.
وكان معه عشرة آلاف مقاتل، وذلك يوضح أن الصلح المذكور من أعظم الفتوح لكونه سبباً لقوة المسلمين وكثرة عددهم.
وليس المراد بالفتح المذكور فتح مكة، وإن قال بذلك جماعة من أهل العلم.
وإنما قلنا ذلك لأن أكثر أهل العلم على ما قلنا.
ولأن ظاهر القرآن يدل عليه لأن سورة الفتح هذه نزلت بعد صلح الحديبية في طريقه صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة.
ولفظ الماضي في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا ﴾ يدل على أن ذلك الفتح قد مضى، فدعوى أنه فتح مكة ولم يقع إلا بعد ذلك بقرب سنتين خلاف الظاهر.
والآية التي في فتح مكة دلت على الاستقبال لا على المضي، وهي قوله تعالى :﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [ النصر : ١ ] الآية.
وقد أوضحنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب معنى اللام في قوله :﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ ﴾ الآية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإيضاح المعنى ﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السَّكِينَةَ ﴾ أي السكون والطمأنينة إلى الحق، في قلوب المؤمنين، ليزدادوا بذلك إيماناً لأجل أن يدخلهم بالطمأنينة إلى الحق، وازدياد الإيمان جنات تجري من تحتها الأنهار.
ومفهوم المخالفة في قوله :﴿ في قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أن قلوب غير المؤمنين ليست كذلك وهو كذلك ولذا كان جزاؤهم مخالفاً لجزاء المؤمنين كما صرح تعالى بذلك في قوله :﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ﴾.
وإيضاح المعنى أنه تعالى وفق المؤمنين بإنزال السّكينة، وازدياد الإيمان وأشقى غيرهم من المشركين والمنافقين فلم يوفقهم بذلك ليجازي كلا بمقتضى عمله.
وهذه الآية شبيهة في المعنى بقوله تعالى في آخر الأحزاب :﴿ وَحَمَلَهَا الإِنْسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾.


قوله تعالى :﴿ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾.
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الإيمان يزيد دلت عليه آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾ [ الأنفال : ٢ ]. وقوله تعالى :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [ التوبة : ١٢٤ ]، وقوله تعالى :﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِيمَاناً ﴾ [ المدثر : ٣١ ] إلى غير ذلك من الآيات. وقد أوضحناه مراراً.
والحق الذي لا شك فيه. أن الإيمان يزيد وينقص، كما عليه أهل السنة والجماعة، وقد دل عليه الوحي من الكتاب والسنة كما تقدم.
أظهر الأقوال وأصحها في الآية أن اللام في قوله :﴿ لِّيُدْخِلَ ﴾ متعلقة بقوله ﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإيضاح المعنى ﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السَّكِينَةَ ﴾ أي السكون والطمأنينة إلى الحق، في قلوب المؤمنين، ليزدادوا بذلك إيماناً لأجل أن يدخلهم بالطمأنينة إلى الحق، وازدياد الإيمان جنات تجري من تحتها الأنهار.
ومفهوم المخالفة في قوله :﴿ في قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أن قلوب غير المؤمنين ليست كذلك وهو كذلك ولذا كان جزاؤهم مخالفاً لجزاء المؤمنين كما صرح تعالى بذلك في قوله :﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ﴾.
وإيضاح المعنى أنه تعالى وفق المؤمنين بإنزال السّكينة، وازدياد الإيمان وأشقى غيرهم من المشركين والمنافقين فلم يوفقهم بذلك ليجازي كلا بمقتضى عمله.
وهذه الآية شبيهة في المعنى بقوله تعالى في آخر الأحزاب :﴿ وَحَمَلَهَا الإِنْسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾.


قوله تعالى :﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً ﴾.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه يجازي المشركين والمشركات والمنافقين والمنافقات بثلاث عقوبات وهي غضبه، ولعنته، ونار جهنم.
وقد بين في بعض الآيات بعض نتائج هذه الأشياء الثلاثة، كقوله في الغضب :﴿ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى ﴾ [ طه : ٨١ ]. وقوله في اللعنة، ﴿ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ﴾ [ النساء : ٥٢ ] وقوله في نار جهنم :﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ﴾ [ آل عمران : ١٩٢ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ والأرض ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن له جنود السماوات والأرض وبين في المدثر أن جنوده هذه لا يعلمها إلا هو، وذلك في قوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ [ المدثر : ٣١ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم شاهداً ومبشراً ونذيراً.
وقد بين تعالى أنه يبعثه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شاهداً على أمته، وأنه مبشر للمؤمنين ومنذر للكافرين. قال تعالى في شهادته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على أمته ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤلاء شَهِيداً ﴾ وقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤلاءِ ﴾ [ النحل : ٨٩ ].
فآية النساء وآية النحل المذكورتان الدالتان على شهادته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على أمته تبينان آية الفتح هذه.
وما ذكرنا من أنه مبشر للمؤمنين ونذير للكافرين أوضحه في قوله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [ مريم : ٩٧ ].
وقد أوضحنا هذا في أول سورة الكهف، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، ذكره وزيادة في سورة الأحزاب في قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥- ٤٦ ].
وقوله هنا :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ حال مقدرة. وقوله : مبشراً ونذيراً كلاهما حال معطوف على حال.
قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ﴾.
أمر الله جل وعلا نبيه أن يقول للمنافقين الذين تخلفوا عنه واعتذروا بأعذار كاذبة :﴿ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ﴾ أي لا أحد يملك دفع الضر الذي أراد الله إنزاله بكم ولا منع النفع الذي أراد نفعكم به فلا نافع إلا هو ولا ضار إلا هو تعالى، ولا يقدر أحد على دفع ضر أراده ولا منع نفع أراده.
وهذا الذي تضمنته هذه الآية الكريمة. ما جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأحزاب ﴿ قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ﴾ [ الأحزاب : ١٧ ].
وقوله تعالى في آخر يونس ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [ يونس : ١٠٧ ] الآية.
وقوله في الأنعام :﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدُيرٌ ﴾ [ الأنعام : ١٧ ].
وقوله تعالى في النساء ﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن في الأرض جَمِيعاً ﴾ [ المائدة : ١٧ ].
وقوله تعالى في فاطر :﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ ﴾ [ فاطر : ٢ ] الآية.
وقوله تعالى في الملك ﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أهلكني اللَّهُ وَمَن معي أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الملك : ٢٨ ].
وقد ذكرنا بعض الآيات الدالة على هذا في أول سورة فاطر في الكلام على قوله تعالى ﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ﴾ الآية. وفي سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ﴾ [ الأحقاف : ٨ ].
قوله تعالى :﴿ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين. والسكينة تشمل الطمأنينة والسكون إلى الحق والثبات والشجاعة عند البأس.
وقد ذكر جل وعلا إنزاله السكينة على رسوله وعلى المؤمنين في براءة في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ٢٦ ] وذكر إنزال سكينته على رسوله في قوله في براءة :﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ [ التوبة : ٤٠ ] الآية.
وذكر إنزاله سكينته على المؤمنين في قوله ﴿ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الفتح : ١٨ ] الآية.
وهذه الآيات كلها لم يبين فيها موضع إنزال السكينة، وقد بين في هذه السورة الكريمة أن محل إنزال السكينة هو القلوب، وذلك في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الفتح : ٤ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾.
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة ذكره في سورة التوبة وسورة الصف وزاد فيهما أنه فاعل ذلك، ولو كان المشركون يكرهونه، فقال في الموضعين ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [ التوبة : ٣٣ ].
قوله تعالى :﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى ﴿ فَسَوْفَ يأتي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [ المائدة : ٥٤ ].
قوله تعالى :﴿ وَمَثَلُهُمْ في الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ﴾.
قرأ هذا الحرف ابن كثير وابن ذكوان وابن عامر شطأه بفتح الطاء، والباقون من السبعة بسكون الطاء.
وقرأ عامة السبعة غير ابن ذكوان : فآزره بألف بعد الهمزة.
وقرأه ابن ذكوان عن عامر فأزره بلا ألف بعد الهمزة مجرداً.
وقرأ عامة السبعة غير قنبل على سوقه بواو ساكنة بعد السين.
وقرأه قنبل عن ابن كثير بهمزة ساكنة بدلاً من الواو وعنه ضم الهمزة بعد السين بعدها واو ساكنة.
وهذه الآية الكريمة قد بين الله فيها أنه ضرب المثل في الإنجيل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم كالزرع يظهر في أول نباته رقيقاً ضعيفاً متفرقاً، ثم ينبت بعضه حول بعض، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد وتعجب جودته أصحاب الزراعة، العارفين بها، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في أول الإسلام في قلة وضعف ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة حتى بلغوا ما بلغوا.
وقوله تعالى :﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ أي فراخه فنبت في جوانبه. وقوله ﴿ فَآزَرَهُ ﴾ على قراءة الجمهور من المؤازرة، بمعنى المعاونة والتقوية، وقال بعض العلماء :﴿ فَآزَرَهُ ﴾ أي ساواه في الطول، وبكل واحد من المعنيين فسر قول امرىء القيس :
بمحنية قد آزر الصال نبتها مجر جيوش غانمين وخيب
وأما على قراءة ابن ذكوان ﴿ فَآزَرَهُ ﴾ بلا ألف، فالمعنى شد أزره أي قواه.
ومنه قوله تعالى عن موسى ﴿ وَاجْعَل لي وَزِيراً مِّنْ أهلي هَارُونَ أخي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى ﴾ [ طه : ٢٩ -٣١ ] الآية. وقوله، ﴿ فَاسْتَغْلَظَ ﴾ أي صار ذلك الزرع غليظاً بعد أن كان رقيقاً، وقوله :﴿ فَاسْتَوَى ﴾ أي استتم وتكامل على سوقه أي على قصبه.
وما تضمنته الآية الكريمة من المثل المذكور في الإنجيل المضروب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم يكونون في مبدأ أمرهم في قلة وضعف، ثم بعد ذلك يكثرون ويقوون. جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى كقوله ﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ في الأرض تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ ﴾ [ الأنفال : ٢٦ ] الآية.
وقوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ وقوله تعالى ﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾ [ المائدة : ٣ ] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
Icon