تفسير سورة المجادلة

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة المجادلة
في السورة تسفيه لعادة الظهار وتشريع فيها. وحكاية لشكوى وجدال امرأة مسلمة في سياق ذلك. وتنديد بفريق كان يتآمر بالسر بما فيه إثم وعدوان. ونهي للمسلمين عن مثل هذا الخلق. وتعليم لهم بما هو الأمثل بهم. وتعليم المسلمين كذلك آداب المجالس وتلقينهم الاهتمام بالأخلاق والعلم وأهلهما. ومشهد فيه حث المسلمين على تقديم صدقات عند اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وحكاية لاستثقالهم ذلك وعتاب لهم ونسخ للتكليف بسبب ذلك. وحملة شديدة على المنافقين لموادتهم لمن غضب الله عليهم الذين تتفق الروايات والأقوال على أنهم اليهود، وتنزيه للمخلصين عن مثل هذا الموقف.
وبعض عبارات الحملة على المنافقين مشابهة لما ورد فيهم في السورة السابقة مما قد يكون قرينة ترتيب بعد ذلك.
ولقد احتوت السورة فصولا متنوعة منها ما لا يلمح بينه وبين سابقه ولاحقه صلة موضوعية أو ظرفية، ومنها ما يمكن أن يلمح فيه مثل هذه الصلة.
وقد تكون هذه الفصول نزلت متعاقبة فوضع بعضها بعد بعض. وإلا فتكون السورة قد جمعت في وقت متأخر ما بعد أن تم نزول ما اقتضت الحكمة نزولها وجمعه في سورة واحدة من فصولها.
وجمهور المفسرين على أن الذين حكت بعض آيات السورة موالاة المنافقين لهم هم من اليهود وفحوى الآيات قد يؤيد ذلك. وكذلك فإن هناك رواية يرويها معظم المفسرين تفيد أن اليهود كانوا من الفريق المتآمر بالسر بما فيه إثم وعدوان.
ولما كان من بقي من اليهود في المدينة، وهم بنو قريظة قد نكل بهم عقب وقعة الخندق على ما حكته بعض آيات سورة الأحزاب فيكون ذلك قرينة على أن بعض آيات السورة قد نزل قبل سورة الأحزاب أو على الأقل قبل فصلها الذي يشير إلى التنكيل بيهود بني قريظة.
وهناك مسألة مشتركة أخرى بين هذه السورة وسورة الأحزاب وهي عادة الظهار الجاهلية. فقد احتوى مطلع سورة الأحزاب تنديدا بهذه العادة ولكنه مترافق مع التنديد بعادة التبني الجاهلية. ثم احتوى تشريعا في إلغاء التبني دون الظهار.
في حين أن التنديد بالظهار في هذه السورة رافقه تشريع بحيث يحتمل أن يكون تنديد سورة الأحزاب هو السابق كخطوة أولى، ثم جاء التشريع في هذه السورة كخطوة ثانية وبحيث قد يصح أن يكون في هذا قرينة على سبق فصل سورة الأحزاب على فصل الظهار في هذه السورة. والله أعلم.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( ١ ) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( ٢ ) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٣ ) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤ ) ﴾.
في الآيات :
إشارة إلى حادث شكوى امرأة إلى الله ورسوله من زوجها ومجادلتها في حالتها، وإيذان بأن الله قد سمع قولها وسمع المحاورة التي دارت بينها وبين النبي.
والتفات تعنيفي إلى الذين يظاهرون من زوجاتهم ووضع الأمر في نصابه الحق. فهن لسن بأمهاتهم وليست أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم. وإن تشبيه الزوجة بالأم وتحريم وطئها بهذا التشبيه، وهذا هو مفهوم الظهار١ هو منكر وزور يجب التوبة عنه. وحينئذ يعفو الله عن التائبين ويغفر لهم وهو الغفور الرحيم.
وتعقيب تشريعي في حالة الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا : فيجب عليهم أن يعتقوا رقبة كفارة، توبة قبل أن يتماس الزوجان جنسيا وحينئذ يحل لهم ذلك. فإن لم يجدوا رقبة يعتقونها أو لم يستطيعوا شراء عبد وعتقه فعليهم أن يصوموا بدلا من ذلك شهرين متتابعين. فإذا لم يستطيعوا فعليهم أن يطعموا ستين مسكينا، وقد انتهت الآيات بالتنبيه إلى وجوب الوقوف عند أوامر الله وحدوده وبإنذار الجاحدين بعذاب الله الأليم توخيا للتشديد في تسفيه هذا التقليد كما هو المتبادر.
تعليق على الآية
﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ١ ﴾، والآيات الثلاث التالية لها وما ورد فيها من أحاديث وتعلق بها من أحكام وما فيها من تلقين ودلالة على قوة شخصية المرأة العربية.
لقد روى المفسرون٢ سبب نزول هذه الآيات في خبر طويل رأينا من المفيد إيراده ؛ لما فيه من فوائد وطرائف وتلقين وأحكام ؛ حيث روى عن ابن عباس أن امرأة أنصارية اسمها : خولة رآها زوجها أوس ابن الصامت ساجدة في صلاتها، فلما انصرفت أرادها، فأبت عليه فغضب عليها، فقال لها : أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ما قال، ولكنه قال لها : ما أظنك إلا حرمت علي، فقالت : لا تقل ذلك، وأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسأله فقال : إني أستحي منه. فقالت : دعني أسأله. فقال : سليه، فأتت رسول الله، فقالت : إن زوجي تزوجني، وأنا شابة غانية ذات مال وأهل حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني، وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه فتنعشني به ؟ فقال لها ما أراك إلا حرمت عليه. فقالت : يا رسول الله والله الذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا، وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي، فقال ما أراك إلا حرمت عليه، ولم أومر في شأنك بشيء، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ قال لها حرمت عليه، هتفت قائلة : إني أشكو إلى الله فاقتى وحاجتي وشدة حالي اللهم فأنزل على لسان نبيك، وكان هذا أول ظهار في الإسلام فقامت عائشة تغسل شق رأس رسول الله فقالت المرأة : انظر في أمري جعلني الله فداك يا نبي الله، فقالت عائشة : اقصري حديثك ومجادلتك، أما ترين وجه رسول الله، وكان إذ نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات، فلما قضي الوحي قال : ادعى زوجك فتلا عليه الآيات قالت عائشة : تبارك الله الذي وسع سمعه الأصوات كلها، إن المحاورة لتحاور رسول الله، وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه. إذ أنزل الله الآيات. فلما تلاها على الرجل قال له : تستطيع أن تعتق رقبة ؟ قال : إذاً يذهب مالي كله والرقبة غالية، وإني قليل المال. قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين فقال : والله يا رسول الله إني إذا لم آكل ثلاث مرات كل بصري، وخشيت أن تعشى عيني. قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا والله إلا أن تعينني على ذلك يا رسول الله، فقال إني معينك بخمسة عشر صاعا، وأنا داع لك بالبركة فأعانه رسول الله، ودعا له بالبركة.
وقد روى الخبر أصحاب السنن باختصار ليس فيه ما قد يلمح في هذا النص الطويل من تناقض ؛ حيث رووا عن خولة بنت مالك بن ثعلبة ( قالت : ظاهر مني زوجي أوس ابن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، فجادلني فيه، وقال : اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن ﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها... ﴾ الخ فقال : يعتق رقبة. قالت : لا يجد. قال : يصوم شهرين متتابعين. قالت يا رسول الله : إنه شيخ كبير. قال : فليطعم ستين مسكينا. قالت ما عنده شيء يتصدق به. قالت : فأتى ساعتئذ بعرق من تمر قلت : يا رسول الله فإني أعينه بعرقى آخر. قال : قد أحسنت اذهبي فأطعمي عنه بها ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك ) ٣.
ولقد جاء في أوائل سورة الأحزاب آية احتوت تسفيها لعادة الظهار. وقد ذكرنا في سياق تفسيرها مدلول هذه العادة وأسبابها وأثرها في الجاهلية فلا نرى حاجة إلى التكرار. والمتبادر أن آية الأحزاب نزلت قبل هذه الآيات، فكانت خطوة أولى في تسفيه هذه العادة، ثم جاءت هذه الآيات لتكون حاسمة في تشريع إبطالها.
ولقد تعددت الأقوال في تخريج جملة ﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ صرفيا وفقهيا ونحويا حتى اعتبرها بعضهم من مشكلات القرآن. ومن هذه الأقوال أنها بمعنى العودة إلى الوطء أو بمعنى الندم والعودة عما قالوا أو فيما قالوا أو بمعنى العودة إلى عادة الجاهلية، فيعتبرون الظهار طلاقا أو بمعنى العودة إلى لفظ الظهار ثانية. أو بمعنى العودة إلى تحليل ما حرموه ونقض ما أبرموه٤.
ويبدو على ضوء الروايات الواردة : أن أوجه الأقوال وأكثرها اتساقا مع فحوى الآيات كون الجملة بمعنى الندم والرغبة في العودة عما قالوا وتحليل ما حرموا ونقض ما أبرموا ؛ حيث جعل الله لهم فرصة لذلك بالكفارة قبل التماس.
وجملة ﴿ وإن الله لعفو غفور ﴾ تكون في مقامها بمعنى : إن الله تعالى حينئذ يعفو عمن ظاهر من امرأته فارتكب منكرا من القول وزورا.
نقول هذا، ونحن غير مطمئنين تماما إلى كون معنى ﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ هو ﴿ ثم يعودون عما قالوا ﴾ لأن في السورة آية تأتي بعد قليل فيها تعبير مماثل، ولا يمكن أن يؤول بهذا التأويل فضلا عن كون هذا التأويل غير مستقيم لغويا. وهي ﴿ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ﴾ ( المجادلة : ٨ }.
وقد كان الأوجه أن تؤول تأويلا يتسق مع ذلك، فيكون معنى الجملة ( ثم يعودون إلى المظاهرة مرة أخرى ) وتكون جملة ﴿ وإن الله لعفو غفور ﴾ في صدد عفو الله عن الذين صدر منهم الظاهرة قبل نزول الآيات، لو لم ترد الروايات التي روى جوهرها أصحاب السنن بالأسلوب الذي وردت به. والله أعلم.
والمستفاد من أقوال المفسرين أن لا يترتب كفارة على من لا يريد أن يعود إلى معاشرة زوجته جنسيا. وقد يكون هذا متسقا مع فحوى الآية. غير أن المتبادر أن الزوج في مثل هذه الحالة يظل موضع سخط الله المنطوي في الآيات ؛ لأنه قال منكرا من القول وزورا، ولم يرجع عنه ليستحق عفو الله وغفرانه.
ولقد قال الزمخشري : إن المظاهر إذا امتنع عن الكفارة فلامرأته أن تراجع القاضي، وعلى القاضي أن يجبره على الكفارة، وأن يحبسه حتى يكفر ؛ لأن في امتناعه ضررا بحق زوجته. ولا يخلو هذا من وجاهة ؛ لأن فيه حماية للمرأة التي استهدفها القرآن والسنة في مختلف المناسبات على ما مر التنبيه عليه. لولا أن تكون مسألة حبس المظاهر حتى يكفر تتحمل التوقف. فقد لا يكون في استطاعته التكفير، وقد يظل مصرا على عدم التكفير، ولا يعقل أن يظل محبوسا إلى آخر العمر.
ولم نر أحدا من المفسرين فيما اطلعنا عليه فرض حالة إصرار الزوج المظاهر على الامتناع عن الكفارة. ولم نطلع في ذلك أثر نبوي أو راشدي، ولما كان من أهداف الظهار في الجاهلية تعليق الزوجة لا تكون زوجة ولا مطلقة كالإيلاء على ما شرحناه في سياق آيات سورة البقرة ( ٢٢٦ ٢٢٧ ) وآية سورة الأحزاب ( ٤ ) فالذي يتبادر لنا أن هذه الحالة تقاس على حالة الإيلاء وآيات الإيلاء في البقرة جعلت لهذه الحالة مدة أربعة أشهر، فإما أن يراجع الزوج زوجته، وإما أن تعد طالقة منه طلقة بائنة على ما شرحناه أيضا في سياق شرحها. فيصح والحالة هذه أن يقال : إن على المظاهر إما أن يكفر ويعود إلى معاشرة زوجته، وإما أن تطلق منه طلقة بائنة. ولما لم يكن للكفارة مدة، فإن للحاكم أن يعين مدة لها، فإذا لم يكفر المظاهر خلالها ويعود إلى زوجته طلق الزوجة منه طلقة بائنة حماية لها من بقائها معلقة لا زوجة ولا مطلقة. وقد يصح أن تجعل المدة القصوى للإيلاء مدة قصوى للظهار بحيث يطلق القاضي إذا لم يكفر المظاهر خلالها، أو تطلق منه طلقة بائنة تلقائيا. والله أعلم.
وفي كتب التفسير تعليقات وتفريعات أخرى حول هذه المسألة كثير منها معزو إلى ابن عباس ولبعض التابعين وإلى الأئمة أبي حنيفة والشافعي والحنبلي والمالكي وأبي يوسف. وبينها خلاف نوجز أهمها مما يتصل بفحوى الآيات فيما يلي مع التعليق عليها بما يعن لنا٥.
١ من الأئمة من قال : إن الظهار يتحقق والكفارة تصبح واجبة إذا قال الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي أو كبطن أمي أو كفخذ أمي، أي دون أن يقتصر على الظهر.
وقد لا يخلو هذا من وجاهة من حيث القياس والهدف مع التنبيه، على أن الظهار الجاهلي الذي هو المقصود كان يستعمل فيه الظهر. ومنه جاءت التسمية.
٢ من الأئمة من قال : إن الظهار يتحقق والكفارة تصبح واجبة إذا قال الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أختي أو بنتي أو عمتي أو خالتي، أي ما هو محرم عليه نكاحه من النساء. ومنهم من قال : إن الظهار لا يتحقق إلا بتشبيه الزوجة بالأم أخذا بنص الآية. وهذا القول هو الأوجه المتسق مع النص، وإن كان القول الأول قد يكون صحيحا من حيث القياس والهدف أيضا.
٣ ومنهم من قال : إن الظهار لا يجعل الوطء فقط محرما قبل الكفارة بل يجعل كل نوع من الاستمتاع ببدن المرأة أيضا حراما. ومنهم من قال لا يحرم إلا الوطء فقط. وكلا القولين وجيه. وإنا كنا نرجح الثاني ؛ لأن الآية إنما نهت عن التماس قبل الكفارة. والتماس هو الوطء على ما يستفاد من آيات في سورتي البقرة والأحزاب عبر بها عن الوطء بالمس ﴿ لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ﴾ ( البقرة : ٢٣٦ ) و ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها ﴾ ( الأحزاب : ٤٩ ).
ولقد روى المفسرون حادثة بصيغ عديدة جاء في إحداها ( أن سلمة ابن صخر البي
١ كان الزوج يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي وبذلك يصبح وطؤها محرما عليه.
٢ انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن والطبرسي وابن كثير.
٣ التاج ج ٤ ص ٢٨٨ فصل التفسير وأصحاب السنن هم: أبو داود والترمذي والنسائي. وفي تفسير ابن كثير صيغ أخرى لرواية هذا الحادث مختلفة في التفصيل متفقة في النتائج، فاكتفينا بما أوردناه.
٤ انظر تفسير الطبري والطبرسي والبغوي وابن كثير والخازن والزمخشري.
٥ انظر الخازن بخاصة؛ لأنه استوعب أكثر المسائل.
يحادون : يشاقون ويعاودون.
كبتوا : ذلوا وخزوا وأهلكوا.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ٥ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ٦ ) ﴾.
عبارة الآيتين واضحة : وفيهما تقرير إنذاري وتنديدي بالذين يشاقون الله ورسوله، فهؤلاء مصيرهم إلى الذل والخزي والهلاك كما كان مصير أمثالهم من قبلهم. والله إنما ينزل آياته واضحات ليتعظ الناس بها والكافرون هم الذين لا يتعظون بها، فلهم عند الله العذاب الأليم، ولسوف يبعثهم جميعا إليه، وينبئهم بأعمالهم فيرونها محصاة عليهم في حين قد يكونون هم أنفسهم نسوها وذهلوا عنها ؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء، وهو شهيد ومطلع على كل شيء.
ولم نطلع على رواية في صدد نزول الآيتين، وهناك احتمالان : الأول : أن تكونا معقبتين على السياق السابق الذي انتهى بتقرير كون ما جاء هو حدود الله وبإنذار الكافرين بعذاب أليم. والثاني : أن تكونا بداية ومقدمة للسياق الآتي الذي احتوى تنديدا بفريق من المتظاهرين بالإسلام كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول.
وكلا الاحتمالين وارد بنفس القوة، فإذا صح الاحتمال الأول تكون الصلة قائمة بين الآيتين وما سبقها، وفي حالة صحة الاحتمال الثاني، فمن المحتمل أن تكون الآيات نزلت عقب الآيات السابقة فوضعت بعدها في السورة، وإلا فتكون وضعت بعدها لما يجمع بينها وبين سابقها من إنذار الكافرين. والله أعلم.
نجوى : اجتماع سري أو مساررة حديث.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ٧ ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ٨ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( ٩ ) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ١٠ ) ﴾.
تعليق على الآية.
﴿ ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ﴾.
والآيات الثلاث التي بعدها وما فيها من صور خبيثة عن اليهود والمنافقين وما فيها من تحذير وتلقين.

عبارة الآيات واضحة : وقد تضمنت :

( ١ ) تقريرا وتوكيدا بعلم الله تعالى لكل ما يعمله الناس بالسر والعلن مهما بالغوا بالتخفي والمساررة وكونهم تحت رقابته الدائمة الشاملة.
( ٢ ) وتنديدا بفريق من الناس نهوا عن الإجتماعات السرية، فلم ينتهوا وظلوا يعقدون هذه الإجتماعات ويتحدثون فيها بما فيه الإثم والعدوان ومعصية الرسول. ثم بلغ من تحديهم وسوء أدبهم أنهم كانوا إذا جاءوا إلى الرسول حيوه بغير تحية الله وقالوا في أنفسهم : هلا عذبنا الله على ما نقول ونفعل.
وتحذيرا للمؤمنين المخلصين من مثل ذلك، وحثا على عمل ما هو الأمثل بهم وهو التناجي بما فيه البر والتقوى إذا اجتمعوا في مجالس خاصة وتقوى الله الذي سوف يحشرون إليه.
وتنبيها تطمينيا لهم : فإذا تسارر فريق من الناس بما فيه إثم وتوكيد، فالشيطان هو الذي يوسوس لهم بذلك ليحزنهم، غير أنهم لن يضروهم بشيء إلا بإذن الله، وعليهم أن يتكلوا عليه فهو وحده الذي يتوكل عليه المؤمنون.
والآيات فصل جديد كما هو المتبادر إلا احتمال كون الآيتين السابقتين مقدمة له، والمتبادر أن الآية الأولى منها في مثابة تمهيد أو مقدمة للآيات الثلاث التالية لها.
وقد روى المفسرون١ أن الآية الثانية نزلت في جماعة من المنافقين واليهود كانوا يعقدون مجالس خاصة يتحدثون فيها بما فيه كيد وتآمر على النبي والمؤمنين، وكانوا يفعلون هذا في ظروف الأعمال الجهادية والأزمات، وإذا مر بهم فريق من المؤمنين المخلصين غمزوا نحوهم فكان ذلك يثير الهم والقلق فيهم، فشكوا إلى رسول الله. كما رووا أنها عنت أيضا اليهود الذين كانوا يستعملون جملة ( السام عليكم ) بدلا من السلام عليكم إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك حديث رواه الشيخان والترمذي عن عائشة أم المؤمنين قالت :( دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ففهمتهما فقلت : عليكم السام واللعنة فقال رسول الله : مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت : يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا ؟ قالوا فقد قلت وعليكم ) وفي رواية لمسلم ( فسمعت عائشة فسبتهم فقال رسول الله : مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، فأنزل الله عز وجل ﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾٢.
وهكذا تكون الروايات والحديث قد قسمت الآية الثانية إلى قسمين، وجعلت لنزول كل قسم مناسبة خاصة هذا في حين أن قوة الانسجام ظاهرة بين الآيات الأربع بحيث تسوغ ترجيح نزولها دفعة واحدة.
وهذا لا ينقض صحة الحديث والرواية ؛ حيث يصح القول : إن ما روي جميعه قد وقع قبل نزول الآيات مع شيء آخر هو ما تفيده الآية الثانية من نهي الفريق المعني فيها عن التناجي الآثم، فلم يرتدع فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآيات الأربع منبهة منددة منذرة مرشدة ومطمئنة.
ولقد روى الترمذي في فصل التفسير حديثا عن أنس قال :( أتى يهودي على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال : السام عليكم فرد عليه القوم، فقال نبي الله : هل تدرون ما قال هذا ؟ قالوا : الله ورسوله اعلم. سلم يا نبي الله، قال : لا ولكنه قال كذا وكذا، ردوه علي، فردوه فقال : قلت السام عليكم. قال : نعم قال صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب، فقولوا عليك ما قلت قال ﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾٣.
ومع أن الرواية والأحاديث تذكر أن اليهود هم الذين كانوا يحيون النبي بما لم يحيه به الله، فإن الجملة القرآنية شاملة للذين حكت تناجيهم بالإثم والعدوان، وروت الرواية أنهم كانوا فريقا خليطا من المنافقين واليهود، فإما أن تكون الآية احتوت الإشارة إلى هذا في مناسبة التنديد بتناجي هذا الفريق الخليط الآثم، أو أن المنافقين أيضا صاروا يقلدون اليهود في تحيتهم الخبيثة.
وإذا صح أن المنافقين كانوا فريقا من المتناجين مع اليهود فيكون هذا قرينة على أن هذا الفصل قد نزل قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق والتنكيل ببني قريظة الواردة في سورة الأحزاب، أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكور نزل بعده على ما نبهنا عليه في مقدمة السورة.
وعلى كل حال ففي الآية الثانية بخاصة صورة للمواقف الخبيثة التي كان يقفها اليهود والمنافقون ضد النبي والمخلصين، والتي حكت مثلها آيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها.
ومع خصوصية الآيات، فإنها تحتوي تلقينات وتأديبات اجتماعية عامة وعظات بليغة مستمرة المدى :
( ١ ) بوجوب مراقبة الله والإيقان بأنه شاهد على كل شيء.
( ٢ ) وبوجوب الحذر نتيجة لذلك من الكيد والأذى والتآمر بالسوء سرا وجهرا.
( ٣ ) وبوجوب اجتناب ما من شأنه إثارة القلق في المجتمع بالاجتماعات والمجالس السرية المريبة.
( ٤ ) وبوجوب مراعاة عواطف الناس وشعورهم وبخاصة في أوقات أزماتهم.
( ٥ ) وبحظر التآمر في المجالس والإجتماعات السرية على ما فيه بغي وإثم ومعصية وبتقبيحه.
( ٦ ) وبوجوب تجنب الألفاظ المريبة في التحية والمعاشرة والآداب السلوكية مع الناس.
( ٧ ) وبحق الحاكم وولي الأمر في النهي عن كل ذلك وزجر الذين يفعلونه.
( ٨ ) وبتقرير كون الأمثل للمؤمنين ألا يتناجوا ولا يتحدثوا في مجالسهم إلا بما فيه خير وبر ونفع وتقوى، وأن ينزهوها عن كل ما فيه إثم وعدوان.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات حديثا عن ابن عمر قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) ٤ حيث ينطوي في الحديث تأديب سلوكي نبوي رفيع للمسلمين مستمر المدى.
يتناجون : يتسارون أو يتحدثون في مجالسهم السرية.
لولا : هنا بمعنى هلا للتحدي.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ٧ ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ٨ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( ٩ ) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ١٠ ) ﴾.
تعليق على الآية.
﴿ ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ﴾.
والآيات الثلاث التي بعدها وما فيها من صور خبيثة عن اليهود والمنافقين وما فيها من تحذير وتلقين.

عبارة الآيات واضحة : وقد تضمنت :

( ١ ) تقريرا وتوكيدا بعلم الله تعالى لكل ما يعمله الناس بالسر والعلن مهما بالغوا بالتخفي والمساررة وكونهم تحت رقابته الدائمة الشاملة.
( ٢ ) وتنديدا بفريق من الناس نهوا عن الإجتماعات السرية، فلم ينتهوا وظلوا يعقدون هذه الإجتماعات ويتحدثون فيها بما فيه الإثم والعدوان ومعصية الرسول. ثم بلغ من تحديهم وسوء أدبهم أنهم كانوا إذا جاءوا إلى الرسول حيوه بغير تحية الله وقالوا في أنفسهم : هلا عذبنا الله على ما نقول ونفعل.
وتحذيرا للمؤمنين المخلصين من مثل ذلك، وحثا على عمل ما هو الأمثل بهم وهو التناجي بما فيه البر والتقوى إذا اجتمعوا في مجالس خاصة وتقوى الله الذي سوف يحشرون إليه.
وتنبيها تطمينيا لهم : فإذا تسارر فريق من الناس بما فيه إثم وتوكيد، فالشيطان هو الذي يوسوس لهم بذلك ليحزنهم، غير أنهم لن يضروهم بشيء إلا بإذن الله، وعليهم أن يتكلوا عليه فهو وحده الذي يتوكل عليه المؤمنون.
والآيات فصل جديد كما هو المتبادر إلا احتمال كون الآيتين السابقتين مقدمة له، والمتبادر أن الآية الأولى منها في مثابة تمهيد أو مقدمة للآيات الثلاث التالية لها.
وقد روى المفسرون١ أن الآية الثانية نزلت في جماعة من المنافقين واليهود كانوا يعقدون مجالس خاصة يتحدثون فيها بما فيه كيد وتآمر على النبي والمؤمنين، وكانوا يفعلون هذا في ظروف الأعمال الجهادية والأزمات، وإذا مر بهم فريق من المؤمنين المخلصين غمزوا نحوهم فكان ذلك يثير الهم والقلق فيهم، فشكوا إلى رسول الله. كما رووا أنها عنت أيضا اليهود الذين كانوا يستعملون جملة ( السام عليكم ) بدلا من السلام عليكم إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك حديث رواه الشيخان والترمذي عن عائشة أم المؤمنين قالت :( دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ففهمتهما فقلت : عليكم السام واللعنة فقال رسول الله : مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت : يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا ؟ قالوا فقد قلت وعليكم ) وفي رواية لمسلم ( فسمعت عائشة فسبتهم فقال رسول الله : مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، فأنزل الله عز وجل ﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾٢.
وهكذا تكون الروايات والحديث قد قسمت الآية الثانية إلى قسمين، وجعلت لنزول كل قسم مناسبة خاصة هذا في حين أن قوة الانسجام ظاهرة بين الآيات الأربع بحيث تسوغ ترجيح نزولها دفعة واحدة.
وهذا لا ينقض صحة الحديث والرواية ؛ حيث يصح القول : إن ما روي جميعه قد وقع قبل نزول الآيات مع شيء آخر هو ما تفيده الآية الثانية من نهي الفريق المعني فيها عن التناجي الآثم، فلم يرتدع فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآيات الأربع منبهة منددة منذرة مرشدة ومطمئنة.
ولقد روى الترمذي في فصل التفسير حديثا عن أنس قال :( أتى يهودي على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال : السام عليكم فرد عليه القوم، فقال نبي الله : هل تدرون ما قال هذا ؟ قالوا : الله ورسوله اعلم. سلم يا نبي الله، قال : لا ولكنه قال كذا وكذا، ردوه علي، فردوه فقال : قلت السام عليكم. قال : نعم قال صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب، فقولوا عليك ما قلت قال ﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾٣.
ومع أن الرواية والأحاديث تذكر أن اليهود هم الذين كانوا يحيون النبي بما لم يحيه به الله، فإن الجملة القرآنية شاملة للذين حكت تناجيهم بالإثم والعدوان، وروت الرواية أنهم كانوا فريقا خليطا من المنافقين واليهود، فإما أن تكون الآية احتوت الإشارة إلى هذا في مناسبة التنديد بتناجي هذا الفريق الخليط الآثم، أو أن المنافقين أيضا صاروا يقلدون اليهود في تحيتهم الخبيثة.
وإذا صح أن المنافقين كانوا فريقا من المتناجين مع اليهود فيكون هذا قرينة على أن هذا الفصل قد نزل قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق والتنكيل ببني قريظة الواردة في سورة الأحزاب، أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكور نزل بعده على ما نبهنا عليه في مقدمة السورة.
وعلى كل حال ففي الآية الثانية بخاصة صورة للمواقف الخبيثة التي كان يقفها اليهود والمنافقون ضد النبي والمخلصين، والتي حكت مثلها آيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها.
ومع خصوصية الآيات، فإنها تحتوي تلقينات وتأديبات اجتماعية عامة وعظات بليغة مستمرة المدى :
( ١ ) بوجوب مراقبة الله والإيقان بأنه شاهد على كل شيء.
( ٢ ) وبوجوب الحذر نتيجة لذلك من الكيد والأذى والتآمر بالسوء سرا وجهرا.
( ٣ ) وبوجوب اجتناب ما من شأنه إثارة القلق في المجتمع بالاجتماعات والمجالس السرية المريبة.
( ٤ ) وبوجوب مراعاة عواطف الناس وشعورهم وبخاصة في أوقات أزماتهم.
( ٥ ) وبحظر التآمر في المجالس والإجتماعات السرية على ما فيه بغي وإثم ومعصية وبتقبيحه.
( ٦ ) وبوجوب تجنب الألفاظ المريبة في التحية والمعاشرة والآداب السلوكية مع الناس.
( ٧ ) وبحق الحاكم وولي الأمر في النهي عن كل ذلك وزجر الذين يفعلونه.
( ٨ ) وبتقرير كون الأمثل للمؤمنين ألا يتناجوا ولا يتحدثوا في مجالسهم إلا بما فيه خير وبر ونفع وتقوى، وأن ينزهوها عن كل ما فيه إثم وعدوان.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات حديثا عن ابن عمر قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) ٤ حيث ينطوي في الحديث تأديب سلوكي نبوي رفيع للمسلمين مستمر المدى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ١١ ﴾.
تفسحوا : بمعنى افسحوا ووسعوا لبعضكم.
انشزوا : انهضوا.
تعليق على الآية :
﴿ يا أيها الذين آمنوا إِذَا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا... ﴾، وما فيها من تأديب وتلقين وما ورد في ذلك وفي فضل العلماء من أحاديثعبارة الآية واضحة وفيها :
أمر للمسلمين بالتوسيع والتفسح لبعضهم في المجالس حتى ولو اقتضى ذلك النهوض منها إذا طلب منهم.
وتنويه وتطييب بالذين يفعلون ذلك.
والآية فصل جديد، وقد روى المفسرون أن المسلمين كانوا يتحلقون حول النبي صلى الله عليه وسلم ويتزاحمون على التقرب منه فكان يأتي آخرون فلا يجدون مكانا فيظلون وقوفا، وكان النبي يرغب في تكريم بعض كبار أصحابه أو رجال بدر في مجالسه، فيطلب من أحد الجالسين إعطاء مجلسه لغيره فيستثقل ويكره، فأنزل الله الآية ليكون فيها تأديب وتطييب١.
والرواية وجيهة ومتسقة مع روح الآية كما يبدو. ولعل بعض الناس كانوا إذ لا يجدون مكانا يجلسون لحدتهم، فيكون ذلك وسيلة للتسارر والتناجي أو لعل المنافقين بخاصة كانوا يفعلون ذلك، فتوخت الآية إفساح المجالس حتى لا يكون ضيقها عذرا لهؤلاء. وإذا صح هذا فتكون المناسبة قائمة بشكل ما بين الآية وسابقاتها، ويكون وضعها بعدها بسبب ذلك إذا لم تكن نزلت بعدها مباشرة.
وعلى كل حال فإن هناك تناسبا موضوعيا بين الآية وسابقاتها، من حيث احتواؤها تأديبا وتعليما للمسلمين، ويصح أن يكون ذلك بسبب وضعها بعده أيضا. والله تعالى أعلم.
وإطلاق الخطاب في الآية يجعل التأديب والتنويه والتطييب الذي احتوته عام الشمول في المواقف والمناسبات المماثلة كما هو واضح.
ويمكن أن يلمح في الفقرة الثانية بالإضافة إلى معنى التطييب معنى الإشادة بطبقتي العلماء والورعين وإيجاب تقديمهما على غيرهما، كما يمكن أن يلمح فيها تلقين روحي بليغ المدى بكون رفعة القدر إنما يجب أن تلتمس بالخلق الكريم والذوق السليم والأدب في المجالس وبالعقل والعلم، وليس بالمظاهر والبروز في المجالس.
ولقد أورد المفسرون٢ أحاديث نبوية عديدة في سياق هذه الآية وما فيها من تأديب وتلقين. منها ما ورد في الكتب الخمسة، ومنها ما ورد في غيرها، وما ورد في غيرها لا يبعد عما ورد فيها، منها حديث عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا ) ٣، وحديث عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ولكن ليقل افسحوا ) ٤، وحديث عن أبي هريرة قال ( قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم ) ٥، وحديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله ابن عمرو قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ) ٦، وقد روى الإمام أبو عبيد بن القاسم بن سلام عن ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يخلف الرجل الرجل في مجلسه إذا قام، وإذا رجع فهو أحق به ) ٧.
وليس من تناقض بين النهي عن أن يقيم الرجل من مجلسه والأمر بالنشوز إذا قيل للجالسين انشزوا. فهذا على الأغلب قد منح للنبي صلى الله عليه وسلم لإجلاس الناس في مراتبهم، ويظل منوطا بمن يكون في مقامه بعده على ما هو المتبادر. أما حديث ابن عمر فالمتبادر منه هو النهي عن الجلوس في مجلس شخص قام لضرورة على أن يعود.
ولقد تطرق المفسرون إلى القيام للقادم احتراما، وترتيب الناس في مجالسهم فرووا روايات عديدة أخرى، منها ما يفيد ترخيص القيام ؛ حيث روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأوس حينما استدعى زعيمهم سعد بن معاذ ليحكم في قضية بني قريظة :( قوموا لسيدكم ) ٨، ومنها ما يفيد منع القيام، حيث روي ( أن معاوية خرج على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار، وفي رواية : من سره، بدلا من أحب ) ٩، وقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أمامة قال ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا إليه فقال : لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا ) ١٠، وروى الترمذي عن أنس قال ( لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعملون من كراهيته لذلك )١١، وجاء في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يكون صدر المجلس فكان الصحابة رضي الله عنهم يجلسون منه على مراتبهم، فالصديق عن يمينه وعمر عن يساره وبين يديه عثمان وعلي ؛ لأنهما كان يكتبان الوحي ) ١٢، وقد روي حديث عن ابن مسعود ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ١٣، وقد روى الشيخان والترمذي والنسائي حديثا عن أبي واقد قال ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس حوله إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان فوقفا على رسول الله، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم عن النفر الثلاثة : أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ) ١٤، ولقد أراد بعضهم التوفيق بين الحديث الأول والحديثين الثاني والثالث من جواز القيام للقادم وعدمه، فقالوا : إن السنة هي كراهية القيام، وإن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام لسعد ابن معاذ قد كان لحكمة اقتضاها الظرف الخاص. ولقد أورد المفسر القاسمي فتوى الإمام ابن تيمية فيها كثير من الوجاهة. فقد قرر الإمام ما تقدم من جهة وحسن القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك ؛ تلقيا له من جهة. وقال من جهة ثالثة : إذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك لاعتقد أن ذلك بخس في حقه أو قصد لخفضه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام له ؛ لأن ذلك إصلاح لذات البين وإزالة للتباغض والشحناء، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما.
ولقد تطرق المفسرون كذلك إلى فضل الذين أوتوا العلم بمناسبة ورود العبارة في الآية، فرووا أحاديث متعددة منها حديث عن أبي الدرداء قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن السماوات والأرض والحوت في الماء لتدعو له، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) ١٥ ومكنها حديث ابن عبد الله ابن عمرو جاء فيه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده أحد المجلسين يدعون الله، ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقالا : كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه، ويعلمون الجاهل، فهؤلاء أفضل وإنما بعثت معلما ) ١٦.
ولقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها. وفي رواية : من طلب العلم كان كفارة لما مضى ) ١٧، وروى عن ابن أبي أمامة قال ( ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما : عابد والآخر عالم، فقال : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال : إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير ) ١٨.
وفي كل ما تقدم عبر وحكم ومواعظ وتلقين للمسلمين في كل زمان ومكان.
١ انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.
٢ الطبري والخازن وابن كثير والبغوي والزمخشري.
٣ النص من ابن كثير.
٤ المصدر نفسه.
٥ المصدر نفسه.
٦ المصدر نفسه.
٧ كتاب الأموال ص ٨٦.
٨ أورده ابن كثير وهذا النص مما رواه الشيخان وأبو داود عن أبي سعيد الخدري انظر التاج ج ٥ ص ٢٣١.
٩ من ابن كثير والنص مما رواه أبو داود انظر التاج ج ٥ ص ٢٢٣ أيضا.
١٠ التاج ج ٥ ص ٢٣٢.
١١ المصدر نفسه ص ٢٣٢.
١٢ المصدر نفسه ص ٢٣٢.
١٣ من ابن كثير عن مسلم.
١٤ من ابن كثير.
١٥ من ابن كثير انظر أيضا التاج ج ١ ص ٥٣.
١٦ النص من تفسير البغوي وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي بخلاف يسير انظر التاج ج ١ ص ٥٤ ـ ٥٥.
١٧ من البغوي أيضا.
١٨ التاج ج ١ ص ٥٥ ـ ٥٦.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١٢ ) ﴾.
تعليق على الآية :
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾.
عبارة الآية واضحة، وفيها أمر للمسلمين بأن يعطوا صدقة ما حينما يريدون أن يجتمعوا مع النبي اجتماعا خاصا ويتحدثوا معه في أمر ما، ففي ذلك خير وثواب لهم وتطهير لأنفسهم مع استثناء الفقراء الذين ليس معهم ما يعطونه، فإن الله غفور رحيم.
ولقد روى المفسرون١ : إن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأكثروا حتى شق عليه وثقل، فأراد الله أن يخفف عنه فأمرهم بتقديم صدقة بين يدي أسئلتهم واستفتاءاتهم، كما رووا أن الأغنياء كانوا يغلبون الفقراء على مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية ليكون فيها إفساح وتفريج للفقراء.
ولسنا نرى الروايات معقولة، ولا مما يصح أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما أننا لا نراها متسقة مع مضمون الآية، وليست واردة بعد في كتب الحديث المعتبرة.
ويتبادر لنا أن حكمة فرض هذه الصدقة بين يدي مناجاة أحد من المسلمين لرسول الله هو جعل مراجعات الناس للنبي صلى الله عليه وسلم في قضايا ومشاكلهم الخاصة وسيلة من وسائل أخذ بعض المال من ميسوريهم لإنفاقه على المحتاجين والمصالح العامة. أو بتعبير آخر وضع رسم قضاء وفتوى على نحو ما كان مألوفا ومعتادا عليه في القضاء العربي قبل الإسلام، وقد سمته الآية صدقة ؛ لأنه لم يكن لشخص النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم تحل له الصدقة٢ وإنما أريد لمصلحة المسلمين العامة وفقرائهم، وقد كانت الزكاة تسمى صدقة أيضا، وهي شريعة مفروضة. وتعبير ﴿ إذا ناجيتم ﴾ يفيد معنى الاجتماع الخاص من أجل عرض قضية أو مشكلة خاصة للاستفتاء أو التقاضي. ويجوز أن تكون حكمة التنزيل اقتضت ذلك حينما أخذت استفتاءات الناس الخاصة تكثر على النبي صلى الله عليه وسلم لتكون تلك الوسيلة، ويجوز أن يكون ذلك انبثق في نفس النبي صلى الله عليه وسلم أولا، فأيدته حكمة التنزيل قرآنا. وفي القرآن أمثلة لذلك على ما شرحناه في سياق آية البقرة التي فيها ﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها... ﴾ ( ١٤٤ ) والله تعالى أعلم.
ولقد روى المفسرون حديثا عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول... } قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ما ترى دينارا ؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فنصف دينار ؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فكم قلت ؟ حبة أو شعرة. قال : إنك لزهيد٣ وقد يكون في هذا الحديث الذي رواه الترمذي أيضا دعم لما تبادر لنا من حكمة التكليف. والله أعلم.
وإتماما للحديث نذكر أن في كتب الحديث الصحيحة أي كتب صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي أحاديث عديدة تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تحل له ولا لآله. ومصداق ذلك في القرآن الكريم أيضا ؛ حيث لم يجعل لرسول الله نصيب في الصدقات كما جاء في آية سورة التوبة هذه ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ﴾ ( ٦٠ )، بينما جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب خمس الغنائم كما جاء في آية سورة الأنفال هذه :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾( ٤١ ).
وجعل له نصيب في الفيء أيضا، وهو ما عاد للمسلمين من الأعداء بدون حرب كما جاء في آية سورة الحشر هذه :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ ( ٧ )، فتكون الصدقة التي أمر الله المسلمين بتقديمها بين يدي نجواه قد أريد بها مورد لبيت المال لإنفاقه على مصالح المسلمين وفقرائهم كما ذكرنا والله أعلم.
١ المصدر نفسه.
٢ انظر الطبري والبغوي والخازن والزمخشري والطبرسي.
٣ روى الشيخان عن أبي هريرة قال (أخذ الحسن ابن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي كخ كخ ليطرحها ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة. ولمسلم: أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة التاج ج ٣ ص ٣٠.
﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ١٣ ) ﴾.
تعليق على الآية :
﴿ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ﴾ ودلالتها على النسخ في القرآن وما فيها من صور متصلة بالعهد النبوي في المدينة.
عبارة الآية أيضا واضحة، وقد تضمنت :
سؤالا إنكاريا منطويا على عتاب موجه للمسلمين على ما كان من إشفاقهم أو استثقالهم للصدقة التي فرضتها الآية السابقة لها على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم من عدم تنفيذهم الأمر.
وإيذانا بالتخفيف عنهم : فقد تاب الله عليهم وأعفاهم من ذلك. وعليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله.
وقد روى المفسرون : أن فرض الصدقة على المناجاة كان شديد الوقع والأثر على المسلمين، فتكلموا في ذلك فأنزل الله الآية١.
والرواية متسقة مع فحوى الآية وروحها. ومضمون الآية وأسلوبها يسند وجاهة حكمة التكليف التي ألمعنا إليها قبل، فلو كان لتقليل مراجعة الناس للنبي صلى الله عليه وسلم أو لإفساح مجال المراجعة للفقراء لما كان وجه للعتاب والعدول لأن المقصود قد حصل.
وواضح أن الآية قد نسخت حكم الآية السابقة وهو ما عليه الجمهور٢.
ولقد روي عن مقاتل أن حكم الآية السابقة استمر عشر ليال ثم نسخ، وروي عن علي ابن أبي طالب وقتادة والكلبي أن هذا الحكم لم يكن إلا ساعة من نهار ثم نسخ٣، ومما روي أنه لم يعمل بالآية إلا علي ابن أبي طالب نفسه حيث ناجى النبي صلى الله عليه وسلم وتصدق بدينار. وأن عليا قال : إن آية المناجاة لم يعمل بها أحد قبلي ولا عمل بها أحد بعدي٤ وهذا من أمثلة ما عليه الجمهور من وقوع نسخ في الأحكام القرآنية بأحكام قرآنية مع بقاء المنسوخ تلاوة على ما شرحناه في سياق آيات سورة النحل ( ١٠٠ ١٠١ ) والبقرة ( ١٠٦ ) على أن هناك من قال بعدم النسخ، وإنما خفف في الآية التكليف عمن لا يريده وجعل على التخيير٥ عبارة الآية تؤيد القول الأول كما هو المتبادر. والله أعلم.
ومن المحتمل أن تكون الآية قد نزلت عقب الآية الثانية بدون فاصل قرآني فوضعت بعدها، وإلا فيكون ترتيبها للمناسبة الموضوعية.
وفي الآية صورة لما كان يظهر من المسلمين من مواقف اللجاج والتلكؤ إزاء بعض التشريعات والتكليفات المالية والجهادية مما نبهنا عليه في سياق تشريع الأنفال الغنائم الحربية والفيء والجهاد في سور الأنفال والحشر والنساء.
ونقول هنا ما قلناه في تلك المناسبات من أننا نرجح أن الذين استثقلوا التكليف الجديد وأشفقوا منه هم من المستجدين الذين كانوا يؤلفون أكثرية المسلمين، وليسوا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين سجل الله رضاءه عنهم ورضاءهم عنه في آية سورة التوبة ( ١٠٠ ) وسجلت آيات عديدة مكية ومدنية استغراقهم في دين الله وطاعته وطاعة رسوله، ورويت أحاديث عديدة بفضلهم وإخلاصهم أوردناها في مناسبات سابقة وتواترت الأخبار بأنهم كانوا يبادرون إلى تلقي كل أمر رباني ونبوي بالإذعان والقبول. والتشريعات إنما تقوم على الأكثرية، وهذه صورة اجتماعية عامة تظهر في مثل هذه المناسبات في كل وقت ومكان. وقد اقتضت الحكمة العدول عن التكليف بسبب ذلك.
وفي المبادرة القرآنية أسوة حسنة لأولياء أمور المسلمين وحكامهم وزعمائهم فيما ليس فيه قرآن صريح أو معصية ومفسدة ؛ حيث ينبغي عليهم مسايرة ظروف ورغبات أكثرية المسلمين في العدول عما يكون طلبوه أو أوجبوه من تكاليف وأعمال.
١ انظر البغوي والخازن.
٢ انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.
٣ انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.
٤ المصدر نفسه.
٥ انظر تفسير القاسمي.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.
تعليق على الآية :
﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( ١٦ ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) ﴾.

تعليق على الآية :

﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين. وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم. وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما.
والآيات فصل جديد، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد. وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخذ يحلف أنه لم يفعل١.
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال. فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود.
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة.
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها.
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها. والله اعلم.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة.
١ انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي.

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ٢٢ ) ﴾.
تعليق على الآية :
﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾وما فيها من قوة تلقين وصورة واقعية وتطورية.
عبارة الآية واضحة. وفيها تنزيه قوي لصادقي الإيمان : فإنه لا يمكن أن يقف قوم مؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا موقف الموالاة والموادة لمن يشاق الله ورسوله ويحاددهم ويناصبهم العداء. ولو جمعت بينهم أشد روابط القربى كالأبوة أو البنوة أو الأخوة أو العصبية الرحمية. وفيها تنويه قوي بهم وبشرى لهم، فالله قد كافأهم على إخلاصهم فملأ قلوبهم بالإيمان وأيدهم بروح وقوة منه ورضي عنهم ورضوا عنه. ولسوف يدخلهم الجنات التي تجري من تحتها الأنهار فتكون مثواهم الخالد وإنهم حزب الله وإن حزب الله هم المفلحون.
ولقد ذكر المفسرون ١ أنها نزلت بسبيل التنويه بأبي بكر أو أبو عبيدة أو بمصعب ابن عمير أو بعلي وحمزة رضي الله عنهم جميعا على اختلاف الروايات بسبب ما بدا منهم من موقف قوي شديد ضد آبائهم وذوي أرحامهم الكفار.
ونحن نتوقف في هذه الرواية التي لم ترد في كتب الحديث المعتبرة، ونلحظ أن للآية اتصالا قويا بالآيات السابقة، وأنها جاءت معقبة عليها بسبيل توكيد كون المخلصين في إيمانهم منزهين عن فعل ما يفعله المنافقون الذين حكت الآيات السابقة صورة من مواقفهم.
ومهما يكن من أمر فأسلوب الآية قوي أخاذ نافذ إلى أعماق النفس. وأن روحها مضمونها يلهمان أنها بالإضافة إلى ما هي بسبيل تقريره من قبيل المقابلة والتساوق مع الآيات السابقة على ما رجحناه تعني تلك الفئة الراسخة في إيمانها المخلصة في نصرتها لله ورسوله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذي اتبعوهم وساروا على سيرتهم، والذين لا يعد يؤثر في إيمانهم وإخلاصهم أي اعتبار من قربى ودم ومصلحة دنيوية ومادية ؛ لأنها فنيت في الله ودينه وتأييد رسوله. وإنها بالتالي احتوت صورة قوية ساطعة النور لهذه الفئة الكريمة الطاهرة التي التفت حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصرته، والتي قام الإسلام وتوطد على أكتافها بالدرجة الأولى بعد الله ورسوله. وهم الذين عنتهم آية التوبة هذه ﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ﴾ ( ١٠٠ ) وآية التوبة هذه في اعتبار الصادقين ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( ١١٩ ) ﴾وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ( الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه )٢، وهذا الحديث ( لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) ٣، وهذا الحديث ( ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة ) ٤.
ومع أن أسلوب الآية يلهم أن ما احتوته هو التشديد في النهي عن موادة من حاد الله ورسوله مطلقا، فإن من الممكن أن يلمح فيها شيء من التطور، فالآيات المكية رددت أكثر من مرة وجوب الاستمرار في احترام الوالدين ومعاشرتهما في الدنيا بالمعروف ولو كانا كافرين وعدم إطاعتهما في مسألة الشرك فقط٥ وفي هذه الآية نهي شديد عن موادة من حاد الله ورسوله ولو كان والدا. وواضح أن هذا التطور يعلل بالموقف العدائي الحربي الذي انتهى إليه الأمر بين النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين والمهاجرين من جهة وكفار مكة من جهة أخرى وهو موقف لا يتحمل ملاينة ولا مهاودة ولا أي تساهل واتصال يضر بمصلحة الإسلام والمسلمين العامة. وقد يصح أن يضاف إلى هذا أن الآية يمكن أن تكون احتوت إيعازا للأنصار في صدد صلاتهم بأقاربهم من المنافقين الذين يصح عليهم وصف ﴿ من حاد الله ورسوله ﴾.
هذا، وروح الآية ومضمونها يمدان المسلم في كل وقت بروح وعظة قويتين بوجوب الإخلاص لله ورسوله وبمنافاة موادة المسلم المؤمن للأعداء وموالاتهم منافاة تامة لأي اعتبار كان، وهي ميزان دقيق خالد لإيمان المؤمنين وإخلاصهم لمبادئهم وعقائدهم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه ( إن الله يحب الأخفياء والأتقياء والأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة. فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله ﴿ أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾ وحديثا آخر أخرجه نعيم ابن حماد جاء فيه ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو قائلا : اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدا ولا نعمة. فإني وجدت فيما أوحيته لي ﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾ حيث ينطوي في الحديثين صورة من التعليقات والتعقيبات النبوية على بعض الآيات وأهدافها ومضمونها، وحيث ينطوي في ذلك في الوقت نفسه تلقين وحكمة وموعظة للمسلمين في كل زمان ومكان.
١ انظر تفسير البغوي وابن كثير والخازن.
٢ روى الأول والثالث الترمذي وروى الثاني الأربعة انظر التاج ج ٣ ص ٢٧٢.
٣ المصدر نفسه.
٤ المصدر نفسه.
٥ آيات سورة لقمان (١٤ ـ ١٥) والعنكبوت (٨).
Icon