ﰡ
﴿هَلُ﴾ بمعنى قد ﴿أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية﴾ الداهية التى تغثى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها يعني القيامة وقيل النار من قوله وتغشى وجوههم النار
﴿وُجُوهٌ﴾ أي وجوه الكفار وإنما خص الوجه لأن الحزن والسرور إذا استحكما في المرء أثرا فى وجهه ﴿يومئذ﴾ يوم اذ لو غشيت ﴿خاشعة﴾ ذلة لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان
﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ تعمل في النار عملاً تتعب فيه وهو جرها السلاسل والأغلال وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل وارتقاؤها دائبة في صعود من نار
وهبوطها في حدور منها وقيل عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت فهي في نصب منها في الآخرة وقيل هم أصحاب الصوامع ومعناه أنها خشعت لله وعملت ونصبت في أعمالها من الصوم الدائب والتهجد الواصب
﴿تصلى نَاراً حَامِيَةً﴾ تدخل ناراً قد أحميت مدداً طويلة فلا حر يعدل حرها تصلى
﴿تسقى من عين آنية﴾ من عين ماء قد انتهى حرها والتأنيث في هذه الصفات والأفعال راجعة إلى الوجوه والمراد أصحابها بدليل قوله
﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾ وهو نبت يقال له الشِّبرِق فإذا يبس فهو ضريع وهو سم قاتل والعذاب ألوان والمعذبون طبقات فمنهم أكله الزقوم ومنهم أكلة الغلسين ومنهم أكلة الضريع فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غسلين
﴿لاَّ يُسْمِنُ﴾ مجرور المحل لأنه وصف ضَرِيعٍ ﴿وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ﴾ أي منفعتا الغذاء منتفيتان عنه وهما إماطة الجوع وإفادة السمن فى البدن
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ ثم وصف وجوه المؤمنين ولم يقل ووجوه لأن الكلام الأول قد طال وانقطع ﴿نَّاعِمَةٌ﴾ متنعمة في لين العيش
﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ رضيت بعملها وطاعتها لما رأت ما أداهم إليه من الكرامة والثواب
﴿فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ من علو المكان أو المقدار
﴿لاَ تَسْمَعُ﴾ يا مخاطب أو الوجوه ﴿فِيهَا لاغية﴾ أى لغوا أو كملة ذات لغو أو نفساً تلغو لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم لاَ يَسْمَعُ فيها لاغية مكى وأبو عمرو ولا تُسْمَعُ فِيهَا لاغية نافع
﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ أي عيون كثيرة كقوله علمت نفس
﴿فِيهَا سُرُرٌ﴾ جمع سرير ﴿مَّرْفُوعَةٍ﴾ من رفعة المقدار أو السمك ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم
﴿وَأَكْوابٌ﴾ جمع كوب وهو القدح وقيل آنية لا عروة لها
﴿وَنَمَارِقُ﴾ وسائد ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ بعضها إلى جنب بعض مساند ومطارح أينما أراد أن يجلس جلس على موسدة واستند إلى الأخرى
﴿وَزَرَابِيُّ﴾ وبسط عراض فاخرة جمع زربية ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾ مبسوطة أو مفرقة في المجالس ولما أنزل الله تعالى هذه الآيات في صفة الجنة وفسر النيى عليه السلام بأن ارتفاع السرير يكون مائة فرسخ والأكواب الموضوعة لا تدخل في حساب الخلق لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على هذا السرير وكيف تكثر الأكواب هذه الكثرة وتطول النمارق هذا الطول وتنبسط الزرابي هذا الانبساط ولم نشاهد ذلك في الدنيا فقال الله تعالى
﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ طويلة ثم تبرك حتى
تركب أو تحمل عليها ثم تقوم فكذا السرير يطأطئ المؤمن كما يطأطئ الابل
﴿وإلى السماء كيف رفعت﴾ رفعا بعيد الذى بلا إمساك وعمد ثم نجومها تكثر هذه الكثرة فلا تدخل في حساب الخلق فكذا الاكواب
﴿وَإِلَى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ نصباً ثابتاً فهي راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق
﴿وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ سطحاً بتمهيد وتوطئة فهي كلها بساط واحد تنبسط من الأفق إلى الأفق فكذا الزرابي ويجوز أن يكون المعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه وتخصيص هذه الأربعة باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له والعرب تكون في البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والابل فهن أعز أموالهم وهم لها أكثر استعمالاً منهم لسائر
﴿فَذَكِّرْ﴾ فذكرهم بالأدلة ليتفكروا فيها ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ ليس عليك إلا التبليغ
﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ بمسلط كقوله وَمَا أَنتَ عليهم بجبار بمصيطر مدني وبصري وعلي وعاصم
﴿إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ فَيْعَذِّبُهُ الله العذاب الأكبر﴾ الاستثناء منقطع أى لست بمسئول عليهم ولكن من تولى منهم وكفر بالله فإن لله الولاية عليه والقهر فهو يعذبه العذاب الأكبر وهو عذاب جهنم وقيل هو استثناء من قوله فَذَكِّرْ أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق للعذاب الأكبر وما بينهما اعتراض
﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ رجوعهم وفائدة تقديم الظرف التشديد في الوعيد وإن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ فنحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها جزاء أمثالهم وعلى لتأكيد الوعيد لا الوجوب اذ لا يجب على الله شئ
بسم الله الرحمن الرحيم