تفسير سورة الليل

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الليل من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٩٢ ) سورة الليل مكية
وآياتها إحدى وعشرون
كلماتها : ٧١ ؛ حروفها : ٣١٠

﴿ يغشى ﴾ يغطى.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والليل إذا يغشى ( ١ ) والنهار إذا تجلى ( ٢ ) وما خلق الذكر والأنثى ( ٣ ) إن سعيكم لشتى ( ٤ ) ﴾.
أقسم الله تعالى بشيء من خلقه، أقسم بالليل إذ يغطى ويستر، وفي ذلك ما فيه من برهان العظمة :﴿ .. من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه... ﴾١، كما فيه التذكير بالنعمة ؛ وأقسم بالنهار إذا تجلى وظهر، وتبين وانكشف، فكشف لنا مناكب الأرض لنمشي فيها ونطلب الرزق :﴿ وجعلنا النهار معاشا ﴾٢ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله.. ﴾٣ ﴿ والله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا.. ﴾٤ ؛ وخلق الصنفين الذكر والأنثى من بديع صنعه سبحانه فهما من جنس واحد لكن للذكر ما اختص به وللأنثى كذلك.
والمقسم عليه- والله تعالى أعلم- :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ إن عملكم معاشر العقلاء المكلفين لمفرق مختلف فكل يعمل على شاكلته.
﴿ يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشى النهار بظلمته فأذهب ضوءه وجاءت ظلمته، والليل إذا يغشى النهار { والنهار إذا تجلى ﴾ وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عيانا ؛ وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعظم شأنه عنده... آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق ؛ بتعاقبهم يتم أمر المعاش والراحة، مع أنهما آيتان في أنفسهما ؛ ومعنى ﴿ تجلى ﴾ ظهر بزوال ظلمة الليل، وتبين بطلوع الشمس ]٥. يجعل ﴿ ما ﴾ بمعنى من، فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى. وهو ذلك الخالق ! ؛ وأن تجعل ﴿ ما ﴾ مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى.
مما أورد صاحب روح المعاني :.. اختلف في سبب نزولها، فالجمهور على أنها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وروي ذلك بأسانيد صحيحة عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما... وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، فقال له أبو الدرداء : فمن أنت ؟ فقال : من أهل الكوفة، قال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ :﴿ والليل إذا يغشى ﴾ قال علقمة : والذكر والأنثى... وأنت تعلم أن هذه قراءة شاذة منقولة آحادا لا تجوز القراءة بها.. ٦.
﴿ إن سعيكم ﴾ أي مساعيكم، فإن المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جمعا- معنى- ولذا أخبر عنه بجمع. أعني قوله تعالى :﴿ لشتى ﴾ فإنه جمع شتيت بمعنى متفرق... والمراد بتفرق المساعي اختلافها في الجزاء... اه.
ويقول صاحب تفسير القرآن العظيم... كقوله تعالى :﴿ وخلقناكم أزواجا ﴾٧ وكقوله :﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين... ﴾٨ ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادا، ولهذا قال تعالى :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة ؛ فمن فاعل خيرا، ومن فاعل شرا... اه.
١ - سورة القصص. من الآية ٧٢..
٢ - سورة النبأ. الآية ١١..
٣ - سورة القصص. من الآية ٧٣.
٤ - سورة غافر. من الآية ٦١..
٥ - ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
٦ - وفي كتاب الأحكام لابن العربي ما نصه: هذا مما لا يلتفت إليه بشر، وإنما المعول عليه ما في المصحف. فلا تجوز مخالفته لأحد... فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد وإن كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق. اهـ..
٧ - سورة النبأ. الآية ٨..
٨ - سورة الذاريات. من الآية ٤٩..
﴿ تجلى ﴾ انكشف وظهر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:﴿ يغشى ﴾ يغطى.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والليل إذا يغشى ( ١ ) والنهار إذا تجلى ( ٢ ) وما خلق الذكر والأنثى ( ٣ ) إن سعيكم لشتى ( ٤ ) ﴾.
أقسم الله تعالى بشيء من خلقه، أقسم بالليل إذ يغطى ويستر، وفي ذلك ما فيه من برهان العظمة :﴿.. من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه... ﴾١، كما فيه التذكير بالنعمة ؛ وأقسم بالنهار إذا تجلى وظهر، وتبين وانكشف، فكشف لنا مناكب الأرض لنمشي فيها ونطلب الرزق :﴿ وجعلنا النهار معاشا ﴾٢ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله.. ﴾٣ ﴿ والله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا.. ﴾٤ ؛ وخلق الصنفين الذكر والأنثى من بديع صنعه سبحانه فهما من جنس واحد لكن للذكر ما اختص به وللأنثى كذلك.
والمقسم عليه- والله تعالى أعلم- :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ إن عملكم معاشر العقلاء المكلفين لمفرق مختلف فكل يعمل على شاكلته.
﴿ يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشى النهار بظلمته فأذهب ضوءه وجاءت ظلمته، والليل إذا يغشى النهار { والنهار إذا تجلى ﴾ وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عيانا ؛ وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعظم شأنه عنده... آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق ؛ بتعاقبهم يتم أمر المعاش والراحة، مع أنهما آيتان في أنفسهما ؛ ومعنى ﴿ تجلى ﴾ ظهر بزوال ظلمة الليل، وتبين بطلوع الشمس ]٥. يجعل ﴿ ما ﴾ بمعنى من، فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى. وهو ذلك الخالق ! ؛ وأن تجعل ﴿ ما ﴾ مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى.
مما أورد صاحب روح المعاني :.. اختلف في سبب نزولها، فالجمهور على أنها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وروي ذلك بأسانيد صحيحة عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما... وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، فقال له أبو الدرداء : فمن أنت ؟ فقال : من أهل الكوفة، قال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ :﴿ والليل إذا يغشى ﴾ قال علقمة : والذكر والأنثى... وأنت تعلم أن هذه قراءة شاذة منقولة آحادا لا تجوز القراءة بها.. ٦.
﴿ إن سعيكم ﴾ أي مساعيكم، فإن المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جمعا- معنى- ولذا أخبر عنه بجمع. أعني قوله تعالى :﴿ لشتى ﴾ فإنه جمع شتيت بمعنى متفرق... والمراد بتفرق المساعي اختلافها في الجزاء... اه.
ويقول صاحب تفسير القرآن العظيم... كقوله تعالى :﴿ وخلقناكم أزواجا ﴾٧ وكقوله :﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين... ﴾٨ ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادا، ولهذا قال تعالى :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة ؛ فمن فاعل خيرا، ومن فاعل شرا... اه.
١ - سورة القصص. من الآية ٧٢..
٢ - سورة النبأ. الآية ١١..
٣ - سورة القصص. من الآية ٧٣.
٤ - سورة غافر. من الآية ٦١..
٥ - ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
٦ - وفي كتاب الأحكام لابن العربي ما نصه: هذا مما لا يلتفت إليه بشر، وإنما المعول عليه ما في المصحف. فلا تجوز مخالفته لأحد... فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد وإن كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق. اهـ..
٧ - سورة النبأ. الآية ٨..
٨ - سورة الذاريات. من الآية ٤٩..

﴿ وما خلق ﴾ وخلق ؛ ف ﴿ ما ﴾ مصدرية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:﴿ يغشى ﴾ يغطى.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والليل إذا يغشى ( ١ ) والنهار إذا تجلى ( ٢ ) وما خلق الذكر والأنثى ( ٣ ) إن سعيكم لشتى ( ٤ ) ﴾.
أقسم الله تعالى بشيء من خلقه، أقسم بالليل إذ يغطى ويستر، وفي ذلك ما فيه من برهان العظمة :﴿.. من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه... ﴾١، كما فيه التذكير بالنعمة ؛ وأقسم بالنهار إذا تجلى وظهر، وتبين وانكشف، فكشف لنا مناكب الأرض لنمشي فيها ونطلب الرزق :﴿ وجعلنا النهار معاشا ﴾٢ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله.. ﴾٣ ﴿ والله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا.. ﴾٤ ؛ وخلق الصنفين الذكر والأنثى من بديع صنعه سبحانه فهما من جنس واحد لكن للذكر ما اختص به وللأنثى كذلك.
والمقسم عليه- والله تعالى أعلم- :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ إن عملكم معاشر العقلاء المكلفين لمفرق مختلف فكل يعمل على شاكلته.
﴿ يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشى النهار بظلمته فأذهب ضوءه وجاءت ظلمته، والليل إذا يغشى النهار { والنهار إذا تجلى ﴾ وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عيانا ؛ وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعظم شأنه عنده... آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق ؛ بتعاقبهم يتم أمر المعاش والراحة، مع أنهما آيتان في أنفسهما ؛ ومعنى ﴿ تجلى ﴾ ظهر بزوال ظلمة الليل، وتبين بطلوع الشمس ]٥. يجعل ﴿ ما ﴾ بمعنى من، فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى. وهو ذلك الخالق ! ؛ وأن تجعل ﴿ ما ﴾ مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى.
مما أورد صاحب روح المعاني :.. اختلف في سبب نزولها، فالجمهور على أنها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وروي ذلك بأسانيد صحيحة عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما... وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، فقال له أبو الدرداء : فمن أنت ؟ فقال : من أهل الكوفة، قال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ :﴿ والليل إذا يغشى ﴾ قال علقمة : والذكر والأنثى... وأنت تعلم أن هذه قراءة شاذة منقولة آحادا لا تجوز القراءة بها.. ٦.
﴿ إن سعيكم ﴾ أي مساعيكم، فإن المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جمعا- معنى- ولذا أخبر عنه بجمع. أعني قوله تعالى :﴿ لشتى ﴾ فإنه جمع شتيت بمعنى متفرق... والمراد بتفرق المساعي اختلافها في الجزاء... اه.
ويقول صاحب تفسير القرآن العظيم... كقوله تعالى :﴿ وخلقناكم أزواجا ﴾٧ وكقوله :﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين... ﴾٨ ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادا، ولهذا قال تعالى :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة ؛ فمن فاعل خيرا، ومن فاعل شرا... اه.
١ - سورة القصص. من الآية ٧٢..
٢ - سورة النبأ. الآية ١١..
٣ - سورة القصص. من الآية ٧٣.
٤ - سورة غافر. من الآية ٦١..
٥ - ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
٦ - وفي كتاب الأحكام لابن العربي ما نصه: هذا مما لا يلتفت إليه بشر، وإنما المعول عليه ما في المصحف. فلا تجوز مخالفته لأحد... فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد وإن كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق. اهـ..
٧ - سورة النبأ. الآية ٨..
٨ - سورة الذاريات. من الآية ٤٩..

﴿ سعيكم ﴾ عملكم
﴿ لشتى ﴾ لمختلف، متفرق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:﴿ يغشى ﴾ يغطى.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والليل إذا يغشى ( ١ ) والنهار إذا تجلى ( ٢ ) وما خلق الذكر والأنثى ( ٣ ) إن سعيكم لشتى ( ٤ ) ﴾.
أقسم الله تعالى بشيء من خلقه، أقسم بالليل إذ يغطى ويستر، وفي ذلك ما فيه من برهان العظمة :﴿.. من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه... ﴾١، كما فيه التذكير بالنعمة ؛ وأقسم بالنهار إذا تجلى وظهر، وتبين وانكشف، فكشف لنا مناكب الأرض لنمشي فيها ونطلب الرزق :﴿ وجعلنا النهار معاشا ﴾٢ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله.. ﴾٣ ﴿ والله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا.. ﴾٤ ؛ وخلق الصنفين الذكر والأنثى من بديع صنعه سبحانه فهما من جنس واحد لكن للذكر ما اختص به وللأنثى كذلك.
والمقسم عليه- والله تعالى أعلم- :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ إن عملكم معاشر العقلاء المكلفين لمفرق مختلف فكل يعمل على شاكلته.
﴿ يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشى النهار بظلمته فأذهب ضوءه وجاءت ظلمته، والليل إذا يغشى النهار { والنهار إذا تجلى ﴾ وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عيانا ؛ وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعظم شأنه عنده... آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق ؛ بتعاقبهم يتم أمر المعاش والراحة، مع أنهما آيتان في أنفسهما ؛ ومعنى ﴿ تجلى ﴾ ظهر بزوال ظلمة الليل، وتبين بطلوع الشمس ]٥. يجعل ﴿ ما ﴾ بمعنى من، فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى. وهو ذلك الخالق ! ؛ وأن تجعل ﴿ ما ﴾ مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى.
مما أورد صاحب روح المعاني :.. اختلف في سبب نزولها، فالجمهور على أنها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وروي ذلك بأسانيد صحيحة عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما... وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، فقال له أبو الدرداء : فمن أنت ؟ فقال : من أهل الكوفة، قال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ :﴿ والليل إذا يغشى ﴾ قال علقمة : والذكر والأنثى... وأنت تعلم أن هذه قراءة شاذة منقولة آحادا لا تجوز القراءة بها.. ٦.
﴿ إن سعيكم ﴾ أي مساعيكم، فإن المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جمعا- معنى- ولذا أخبر عنه بجمع. أعني قوله تعالى :﴿ لشتى ﴾ فإنه جمع شتيت بمعنى متفرق... والمراد بتفرق المساعي اختلافها في الجزاء... اه.
ويقول صاحب تفسير القرآن العظيم... كقوله تعالى :﴿ وخلقناكم أزواجا ﴾٧ وكقوله :﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين... ﴾٨ ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادا، ولهذا قال تعالى :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة ؛ فمن فاعل خيرا، ومن فاعل شرا... اه.
١ - سورة القصص. من الآية ٧٢..
٢ - سورة النبأ. الآية ١١..
٣ - سورة القصص. من الآية ٧٣.
٤ - سورة غافر. من الآية ٦١..
٥ - ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
٦ - وفي كتاب الأحكام لابن العربي ما نصه: هذا مما لا يلتفت إليه بشر، وإنما المعول عليه ما في المصحف. فلا تجوز مخالفته لأحد... فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد وإن كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق. اهـ..
٧ - سورة النبأ. الآية ٨..
٨ - سورة الذاريات. من الآية ٤٩..

﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿ ... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿ .. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿ .. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿ .. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿ .. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ وصدق بالحسنى ﴾ صدق بموعود الله الذي وعده أن يثيبه كالخلف من عطائه في العاجلة، والدرجات العالية في الآجلة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ فسنيسره ﴾ فسنرشده لأسباب الخير حتى يسهل عليه فعلها.
﴿ لليسرى ﴾ لما ييسر له الخير في أولاده وفي عقباه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ بخل ﴾ منع الحق، وضن فلم ينفق في أوجه البر.
﴿ واستغنى ﴾ عن موعود ربه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ وكذب بالحسنى ﴾ كذب بموعود الله من الخلف في الدنيا والمثوبة في الآخرة ؛ أو كذب بالخصلة الحسنى وهي الإيمان، أو بالملة الحسنى، الإسلام، أو بالكلمة الحسنى : لا إله إلا الله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ نتركه وزيغه وشيطانه فيرديانه ويوردانه ما تسوء عاقبته.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ ما يغني ﴾ لا يغني ؛ أو أي شيء يغني عنه ؟ !
﴿ تردى ﴾ سقط في جهنم، وأدركه النكال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي ؛ وعلينا ثواب هدى المهتدين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ أعطى ﴾ بذل وأنفق.
﴿ واتقى ﴾ انتهى عما نهى الله عنه، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل.
﴿ فأما من أعطى واتقى ( ٥ ) وصدق بالحسنى( ٦ ) فسنيسره لليسرى ( ٧ ) وأما من بخل واستغنى ( ٨ ) وكذب بالحسنى ( ٩ ) فسنيسره للعسرى ( ١٠ ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( ١١ ) إن علينا للهدى ( ١٢ ) وإن لنا للآخرة والأولى( ١٣ ) ﴾.
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر، ومنهم من كفر وفجر، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال، وبذل وأنفق في القربات والحلال، واتقى ربه ذا الجلال، الكبير المتعال، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه، من الخلف من عطائه، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا، واتقوا وأحسنوا، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ﴾١.
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء.
﴿ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون ﴾٢ ﴿... أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾٣ ؛ وأما من ضن وشح، ومنع حق المال وغل يده، فسنهيئه ونمد له في الضلالة، كما قال عز من قائل :﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾٤.
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال :﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل :﴿.. فبشرهم بعذاب أليم ﴾٥ والبشارة في الأصل على المفرح والمسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعا، قال الفراء : وقوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾ : سنهيئه. اه٦.
﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾ لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾٧ ﴿.. لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم.. ﴾٨ ﴿.. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.. ﴾٩ وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! ﴿ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾١٠.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ إن علينا لبيان الرشد من الغي، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ وإنا لنملك الدنيا والعقبى، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )١١ وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال :( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال :( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة١٢، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر، أعني ما يفضي إلى راحة، وما يفضي إلى شدة... وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان... والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها، من قوله تعالى :﴿ فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... ﴾١٣ ؛ وأما من بخل... فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، من قوله تعالى :﴿.. يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.. ﴾١٤.. ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أي التصرف الكلي فيهما... أو إن لنا كل ما في الدارين، فلا يضرنا ترككم الاهتداء، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم، كما لا يضرنا ضلالكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها١٥.
١ - سورة مريم. من الآية ٧٦..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٦١..
٣ - سورة المجادلة. من الآية ٢٢...
٤ - سورة مريم. الآية ٧٥..
٥ - سورة الانشقاق. الآية ٢٤..
٦ - نقل هذا عن الفراء صاحب الجامع لأحكام القرآن كما نقل: والعرب تقول قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة؛ أورد محققه: لأبي أسيدة الدبيري.
غنيين لا يجدي علينا غناهما يسوداننا أن يسرت غنماهما.

٧ - سورة الشعراء. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٨ - سورة المائدة. من الآية ٣٦..
٩ - سورة آل عمران. من الآية ١٨..
١٠ - سورة التوبة. الآية ٣٥..
١١ - وروى من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم اعط منفقا خلفا واعط ممسكا تلفا) فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: ﴿فأما من أعطى﴾ الآيات..
١٢ - مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن المبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان: سأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم في شيء يستأنف؟ فقال عليه السلام: (بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قالا: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له) قالا: فالآن نجد ونعمل. جـ ٢٠، ص ٨٤..
١٣ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٤ - سورة الأنعام. من الآية ١٢٥..
١٥ - ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..
﴿ لا يصلاها ﴾ لا يذوق صلاها وحرها.
﴿ الأشقى ﴾ الشقي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

﴿ كذب ﴾ بالحق.
﴿ تولى ﴾ أعرض عن الرشد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

﴿ وسيجنبها ﴾ وسيبعد عنها.
﴿ الأتقى ﴾ المتقي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

﴿ يؤتي ﴾ يعطي، وينفق.
﴿ يتزكى ﴾ يرجو به أن يزكو عند الله، وينمو ثوابه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

﴿ تجزى ﴾ تكافأ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

﴿ ابتغاء ﴾ طلب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ فأنذركم ﴾ فخوفتكم وحذرتكم.
﴿ تلظى ﴾ تتوقد، وتتلظى، وتتلهب.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ( ١٤ ) لا يصلاها إلا الأشقى ( ١٥ ) الذي كذب وتولى ( ١٦ ) وسيجنبها الأتقى ( ١٧ ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( ١٨ ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( ١٩ ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( ٢٠ ) ولسوف يرضى ( ٢١ ) ﴾.
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد، وتتلظى وتتلهب، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة، فهذا عذاب الكافر، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى، ثم فسر فقال :﴿ الذي كذب ﴾ أي بقلبه، ﴿ وتولى ﴾ أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال :( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما ﴿ ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾ أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى :﴿ ولسوف يرضى ﴾ أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى :﴿ وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى ﴾ ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقا تقيا، كريما جوادا، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم... ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال :( نعم وأرجو أن تكون منهم ). وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه. وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ ليس لوقعتها كاذبة ﴾١ يقول : هي حق. ٢ والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل٢.
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم. اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه.
١ - سورة الواقعة. الآية ٢..
٢ - نقل هذا القرطبي..

Icon