ﰡ
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ من ايام عالم الشهادة ولياليه إذ
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ اى سكان السواد الأعظم اللاهوتى وَالرُّوحُ الأمين المدبر لأمور أرواح أشباح عالم الناسوت فِيها اى في تلك الليلة ونزولهم فيها انما هو بِإِذْنِ رَبِّهِمْ الذي يأمرهم بالنزول فيها ومع كل منهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ من الأمور الإلهية الجارية في عالم الشهادة
سَلامٌ تفويض وتسليم من قبل الحق يسلم لهم سبحانه حكمه ويفوض إليهم امره حسب حكمته المتقنة ومصلحته المستحكمة ليقوم كل منهم به ويحسن تدبيره على الوجه الذي امر به وبالجملة هِيَ اى حالهم وشأنهم هذا وهكذا حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ اى الى طلوع شمس الذات الإلهية المفنية بأشعتها الذاتية عموم اضواء الاظلال والعكوس المنعكسة منها مطلقا كأن ليلة القدر التي قد سترت في خلال ليالي السنة او في ليالي شهر رمضان او في ليالي العشر الأخير منه على ما قيل هي حاكية ممثلة من تلك الليلة القدرية الغيبية العمائية اللاهوتية لذلك ما عينها الشارع وما عرفها بل ابهمها وأخفاها قيل يقدر في تلك الليلة عموم احوال تلك السنة وجميع ما يجرى فيها من الحوادث الكائنة كما ان في أصلها ومنشئها التي هي ليلة القدر الغيبة قد قدر فيها عموم المقادير الكائنة ازلا وابدا لذلك من وجدها وأحياها فقد فاز بخير الدارين. رزقنا الله وجدها والوصول إليها والتحقق دونها بمنه وجوده
خاتمة سورة القدر
عليك ايها العازم القاصد لإحياء تلك الليلة والطالب المتشوق لإدراكها ان تشمر ذيلك لإحياء عموم الليالى الآتية عليك في ايام حياتك إذ هي مستترة فيها وبالجملة لا تغفل عن الله في عموم أوقاتك حتى تكون لك لياليك قدرا خيرا من الدنيا وما فيها
[سورة البينة]
فاتحة سورة البينة
لا يخفى على المستكشفين عن سرائر الآيات الموضحة لمعالم الدين ومراسم التوحيد واليقين ان ظهور طريق الحق وسلوك سبيل الهداية انما يحصل ببعثة الرسل وإنزال الكتب إذ تبيين الحق ما هو الا من قبل الحق بل بالحق كما اخبر سبحانه عن حقيقة حال الكفرة في الايمان والكفر والكفران بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ المظهر لطريق الحق بإرسال الرسل وإنزال الكتب والآيات الرَّحْمنِ لعموم عباده بإيضاح البينات الرَّحِيمِ لخواصهم بايصالهم الى أعلى المقامات وارفع الدرجات
[الآيات]
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى اليهود والنصارى وَالْمُشْرِكِينَ اى عبدة الأصنام والأوثان مُنْفَكِّينَ اى لم يكونوا زائلين منفصلين في حين من الأحيان عن الايمان والاعتقاد بنبوة محمد ﷺ إذ اهل الكتاب آمنوا بنبوته حسب ما وجدوا في كتبهم المنزلة عليهم والمشركون سمعوا من أسلافهم وكهنتهم وصفه ونبوته فاعتقدوا بعثته فآمنوا به ولم يزالوا على هذا الاعتقاد حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ على مقتضى سنة الله فظهرت الحجة الواضحة والبينة والبرهان القاطع الساطع وتلك البينة والبرهان القاطع
رَسُولٌ مرسل مِنَ اللَّهِ مؤيد من لدنه بالآيات الواضحة والبينات اللائحة المصححة يَتْلُوا عليهم صُحُفاً وأسفارا
فِيها اى في خلالها ومطاويها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ اى مكتوبات صادقة حقية مملوة من الأوامر والنواهي والاحكام المتعلقة بدين الإسلام صادقة في نفس الأمر مطابقة للواقع مستقيمة لا عوج لها ولا انحراف فيها ناطقة بالحق الصريح
وَبالجملة ما تَفَرَّقَ واختلف في الإنكار والاعتقاد والايمان والكفر الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ يعنى ما تفرق تلك الأمم عماهم عليه من تصديق النبي الموعود الا من بعد ما ظهر الرسول الموعود ولاحت البينة الواضحة الدالة على صدقه في نبوته ودعوته ألا وهو القرآن المعجز المبين لشعائر الإسلام وبالجملة قد اختلفوا في شأنه ﷺ بعد بعثته فمنهم من آمن به على مقتضى ما وجده في كتابه ومنهم من كفر وأنكر عليه عنادا ومكابرة ولهذا قد حرفوا أوصافه المذكورة في الكتب السالفة مع انهم لم يجدوا في دينه وكتابه ما يخالف احكام كتبهم واديانهم وَالحال انهم ما أُمِرُوا في كتبهم إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ الواحد الأحد الصمد الحقيق بالحقية والألوهية مُخْلِصِينَ مخصصين لَهُ الدِّينَ والانقياد بلا اشراك والحاد حُنَفاءَ مائلين عن مطلق الأديان الباطلة وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ المكتوبة لهم في أوقاتها الموعودة المحفوظة وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ المصفية لأموالهم على وجهها وَذلِكَ الذي أمروا به في كتبهم دِينُ الْقَيِّمَةِ يعنى ملة الإسلام المستقيمة التي قد ظهر عليها محمد ﷺ بلا تغير وانحراف فيه واختلاف وبالجملة هم ما كفروا وأنكروا نبوته ورسالته ﷺ الا عنادا ومكابرة بلا مستند صحيح لا عقلي ولا نقلي وبالجملة
إِنَّ المكابرين المعاندين الَّذِينَ كَفَرُوا بنبوة محمد ﷺ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَمن الْمُشْرِكِينَ المعاندين هم داخلون فِي نارِ جَهَنَّمَ التي هي دار الطرد والحرمان خالِدِينَ فِيها ابدا لا يتحولون عنها أصلا الا الى عذاب فوق ذلك العذاب وأشد منه وبالجملة أُولئِكَ الأشقياء المردودون المطرودون عن ساحة عز القبول هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ وأسوأ الخليقة واردؤهم كأنهم مقصورون على الشرارة والرداءة مجسمون منها. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا منهم بوحدة الحق وصدقوا بنبوة محمد ﷺ وقبلوا دعوته ودينه حسب ما وجدوا في كتبهم وسمعوا وصفه من أسلافهم بلا تحريف ولا تغيير وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقربة لهم الى الله المرضية عنده سبحانه أُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ واحسن الخليقة
جَزاؤُهُمْ اى أجزأتهم الحسنة التي قد استحقوها بايمانهم وأعمالهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ متنزهات علم وعين وحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى جداول المعارف والحقائق الممتدة المترشحة من بحر الحقيقة خالِدِينَ فِيها أَبَداً دائمين فيها أمدا سرمدا وبالجملة قد رَضِيَ اللَّهُ المنعم المتفضل العليم الحكيم عَنْهُمْ وعن أعمالهم ونياتهم وإخلاصهم فيها وَرَضُوا ايضا عَنْهُ سبحانه بما قسم الله لهم وأفاض عليهم حسب استعداداتهم وقابلياتهم وبالجملة ذلِكَ الأجر الجزيل والرضاء الجميل لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ وخاف عن سخطه وغضبه وعن القيام بين يديه فامتثل أوامره واجتنب نواهيه واتصف بالتقوى عن مطلق محارمه ومحظوراته. جعلنا الله من زمرتهم وخدامهم