تفسير سورة البقرة

جهود ابن عبد البر في التفسير
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير .
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٩- كاد في اللغة توجب القرب وتدفع الوقوع، ولهذا قال بعض العلماء : لا يخطف البرق بصر أحد لقوله تعالى :﴿ يكاد البرق يخطف أبصارهم ﴾. ( س : ٤/٣٩٠ ).
١٠- في سماع زياد بن عبد الرحمن، قال : سئل مالك عن تفسير قول الله تعالى :﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾، أي زكاة هي التي قرنت بالصلاة ؟ قال : فسمعته يقول : هي زكاة الأموال كلها : من الذهب والورق، والثمار، والحبوب، والمواشي، وزكاة الفطر، وتلا :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ﴾١. ( الكافي في فقه أهل المدينة المالكي : ١١٣ ).
١ - سورة التوبة: ١٠٤..
١١- ذم الله في كتابه قوما كانوا يأمرون الناس بأعمال البر ولا يعملون بها ذما، ووبخهم الله بها توبيخا يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة، فقال :﴿ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ﴾. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/٢٣٧ ).
١٢- جادل عمر بن الخطاب اليهود في جبريل وميكائيل، فقال جماعة من المفسرين١ : كان لعمر أرض بأعلى المدينة فكان يأتيها، وكان طريقه على موضع مدارسة اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم، وأنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا : يا عمر ! ما من أصحاب محمد أحد أحب إلينا منك، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا، وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك، فقال لهم عمر : أي يمين فيكم أعظم ؟ قالوا : الرحمان، قال : فبالرحمان الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم نبيا ؟ فسكتوا، قال : تكلموا ما شأنكم، والله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني، فنظر بعضهم لبعض، فقام رجل منهم، فقال : أخبروا الرجل أو لأخبرنه، قالوا : نعم، إنا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل، وجبريل عدونا، وهو صاحب كل عذاب وقتال وخسف، ولو أنه كان وليه ميكائيل لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث، قال لهم : فأنشدكم بالرحمان الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أين ميكائيل وأين جبرائيل من الله ؟ قالوا : جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، قال عمر : فأشهد أن الذي هو عدو للذي عن يمينه هو عدو للذي عن يساره، والذي هو عدو للذي عن يساره هو عدو للذي عن يمينه، وأنه من كان عدوا لهما فإنه عدو لله، ثم رجع عمر ليخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النبي –صلى الله عليه وسلم- فقرأ عليه :﴿ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين ﴾ الآيات، فقال عمر : والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك، فهذا مما صدق الله فيه قول عمر واحتجاجه، وهو باب من الاحتجاج لطيف مسلوك عند أهل النظر. وتركنا إسناد هذا الخبر وسائر ما أوردناه من الأخبار في هذا الباب والباب الذي قبله وبعده لشهرتها في التفاسير والمصنفات. ( المصدر السابق ٢/١٢٣- ١٢٤ ).
١ - قال ابن جرير الطبري: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك، فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته... وقال آخرون: بل كان سبب ذلك من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبينهم في أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر هذا الخبر، انظر جامع البيان: ١/٤٣١- ٤٣٣..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:١٢- جادل عمر بن الخطاب اليهود في جبريل وميكائيل، فقال جماعة من المفسرين١ : كان لعمر أرض بأعلى المدينة فكان يأتيها، وكان طريقه على موضع مدارسة اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم، وأنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا : يا عمر ! ما من أصحاب محمد أحد أحب إلينا منك، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا، وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك، فقال لهم عمر : أي يمين فيكم أعظم ؟ قالوا : الرحمان، قال : فبالرحمان الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم نبيا ؟ فسكتوا، قال : تكلموا ما شأنكم، والله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني، فنظر بعضهم لبعض، فقام رجل منهم، فقال : أخبروا الرجل أو لأخبرنه، قالوا : نعم، إنا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل، وجبريل عدونا، وهو صاحب كل عذاب وقتال وخسف، ولو أنه كان وليه ميكائيل لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث، قال لهم : فأنشدكم بالرحمان الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أين ميكائيل وأين جبرائيل من الله ؟ قالوا : جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، قال عمر : فأشهد أن الذي هو عدو للذي عن يمينه هو عدو للذي عن يساره، والذي هو عدو للذي عن يساره هو عدو للذي عن يمينه، وأنه من كان عدوا لهما فإنه عدو لله، ثم رجع عمر ليخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النبي –صلى الله عليه وسلم- فقرأ عليه :﴿ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين ﴾ الآيات، فقال عمر : والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك، فهذا مما صدق الله فيه قول عمر واحتجاجه، وهو باب من الاحتجاج لطيف مسلوك عند أهل النظر. وتركنا إسناد هذا الخبر وسائر ما أوردناه من الأخبار في هذا الباب والباب الذي قبله وبعده لشهرتها في التفاسير والمصنفات. ( المصدر السابق ٢/١٢٣- ١٢٤ ).
١ - قال ابن جرير الطبري: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك، فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته... وقال آخرون: بل كان سبب ذلك من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبينهم في أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر هذا الخبر، انظر جامع البيان: ١/٤٣١- ٤٣٣..

١٣- أما قول الله –عز وجل- :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نات بخير منها أو مثلها ﴾، فمعناه بخير منها لنا لا في نفسها. ( ت : ١٩/٢٣١. وانظر س : ٨/١١٧ ).
١٤- اختلف أهل العلم في المعنى الذي فيه نزلت :﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾، فقال ابن عمر وطائفة : نزلت هذه الآية في الصلاة على الراحلة، وقيل : نزلت في قول اليهود في القبلة، وقيل : نزلت في قوم كانوا في سفر على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في ليلة ظلماء، فلم يعرفوا القبلة، فاجتهدوا وصلوا إلى جهات مختلفة، ثم بان لهم خطؤهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله –عز وجل- :﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( مضت صلاتكم )١.
وقول من قال : إنها نزلت في الصلاة على الراحلة، قول حسن أيضا، تعضده السنة٢ في ذلك. ( ت : ١٧/٧٣. وانظر س : ٦/١٢٧ ).
١٥- قال أبو عمر : بين الصلاة على الحمار والصلاة على الراحلة فرق في التمكن لا يجهل، والمحفوظ في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته تطوعا في السفر حيث توجهت به، وتلا ابن عمر :﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾، وهذا معناه في النافلة بالسنة، إن كان آمنا، وأما الخوف فتصلى الفريضة على الدابة، لقول الله –عز وجل- :﴿ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ﴾٣، وهذا كله مجتمع عليه من فقهاء الأمصار وجمهور العلماء. ( ت : ٢٠/١٣٢ ).
١ - ذكره السيوطي في الدر المنثور في التفسير المأثور: ١/٢٦٦..
٢ - أخرج الإمام مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، خبرا عن ابن عمر مفاده أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته: ١/٤٨٦..
٣ - سورة البقرة: ٢٣٧..
١٦- لا خلاف بين العلماء في تأويل قول الله –عز وجل- :﴿ يتلونه حق تلاوته ﴾، أي يعملون به حق عمله، ويتبعونه حق اتباعه، قال عكرمة : ألم تستمع إلى قول الله –عز وجل- :﴿ والقمر إذا تلاها ﴾١، أي تبعها. ( ت : ١٤/١٣٣ ).
١ - سورة الشمس: ٢..
١٧- ذكر الكلبي، عن أبي صالح١، عن ابن عباس، في قول الله –عز وجل- :﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ﴾، قال : الكلمات : عشر خصال، خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد، فأما التي في الرأس : ففرق الشعر، وقص الشارب، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق. وأما التي في البدن : فالختان، وحلق العانة، والاستنجاء، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار. وقوله :﴿ فأتمهن ﴾، أي عمل بهن.
قال أبو عمر : يؤكد هذا قول الله -عز وجل- :﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾٢ -الآية، وقوله تبارك وتعالى :﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ﴾٣. ( ت : ٦/٧٥ ).
١٨- ذكر سنيد٤ عن ابن علية٥، عن أبي رجاء٦، أنه سأل الحسن٧ عن قوله –عز وجل- :﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ﴾، قال : ابتلاه بالكوكب فرضي، وابتلاه بالقمر فرضي، وابتلاه بالشمس فرضي، وابتلاه بالنار فرضي، وابتلاه بالهجرة فرضي، وابتلاه بالختان فرضي. ( ت : ٢١/٥٧- ٥٨ ).
١٩- قال أبو عمر : قص الشارب والختان، من ملة إبراهيم، لا يختلفون في ذلك ؛ ذكر مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، أنه قال : كان إبراهيم أول من ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب فقال : يا رب ! ما هذا ؟ فقال الله : وقار يا إبراهيم، فقال : رب زدني وقارا٨. ( ت : ٢١/٥٨ ).
١ - هو أبو صالح باذام، ويقال: باذان، حدث عن مولاته أم هانئ، وأبي هريرة، وابن عباس... وعنه أبو قلابة، والأعمش، والسدي، ومحمد بن السائب الكلبي، وغيرهم. قال الحافظ الذهبي: وهذا الرجل من طبقة السمان، لكنه عاش بعده نحوا من عشرين سنة. والسمان هذا تقدم التعريف به. انظر سير أعلام النبلاء: ٥/٣٧- ٣٨. والتهذيب: ١/٤١٦- ٤١٧..
٢ - سورة النحل: ١٢٣..
٣ - سورة آل عمران: ٦٧..
٤ - هو الإمام الحافظ أبو علي حسين بن داود، ولقبه سنيد المصيصي المحتسب، صاحب التفسير الكبير، حدث عن حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان الضبعي، وعبد الله بن المبارك... وعنه أبو بكر الأثرم، وأبو زرعة الرازي، وأحمد بن زهير، وآخرون. توفي سنة ٢٢٦ هـ. انظر سير أعلام النبلاء: ١٠/٦٢٧- ٦٢٨. والتهذيب: ٤/٢٤٤..
٥ - هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبو بشر الأسدي مولاهم، من أهل البصرة، وأصله كوفي. روى الكثير عن عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني، وابن عون وحميد الطويل... وعنه يعقوب الدورقي، والحسن بن عرفة، وموسى بن سهل، وآخرون. مات سنة ٩٣هـ انظر تاريخ بغداد: ٦/٢٢٩- ٢٤٠. وأعلام النبلاء: ٩/١٠٧- ١٢٠..
٦ - هو الإمام الكبير شيخ الإسلام عمران بن ملحان التميمي البصري، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد فتح مكة، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، حدث عن عمر، وعلي، وابن عباس، وعنه أيوب، وابن عون، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، توفي سنة ١٠٥هـ. انظر أعلام النبلاء: ٤/٢٥٣- ٢٥٧..
٧ - أي الحسن البصري..
٨ - الموطأ، كتاب صفة النبي، باب ما جاء في السنة في الفطرة: ٦١٤..
٢٠- أي معادا يثوبون إليه لا يقضون منه وطرا. ( ت : ١٨-٣١٠- ٣١١ ).
٢١- حدثني محمد بن عبد الله بن حكم، قال : حدثني محمد بن معاوية، قال : حدثني إسحاق بن أبي حسان، قال : حدثني هشام بن عمار، قال : حدثني حاتم بن إسماعيل، قال : حدثني حميد١، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله –عز وجل- :﴿ رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ﴾، قال : كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون غيرهم، فقال الله –عز وجل- :﴿ ومن كفر ﴾، أيضا فإني أرزقه كما أرزق المؤمنين، أأخلق خلقا لا أرزقهم ؟ أمتعهم قليلا، ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبيس المصير. ثم قرأ ابن عباس :﴿ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾٢. ( س : ٢٦/١٣ ).
١ - هو حميد بن أبي حميد الطويل، الإمام الحافظ، أبو عبيدة البصري، سمع أنس بن مالك، والحسن البصري، وعكرمة... وعنه سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس وغيرهم. توفي سنة ١٤٣هـ انظر سير أعلام النبلاء: ٦/١٦٣- ١٦٩..
٢ - سورة الإسراء: ٢٠..
٢٢- القواعد : أسس البيت، واحدتها قاعدة عند أهل اللغة ؛ قالوا : والواحدة من النساء اللاتي قعدت عن الولادة قاعد –بغير هاء- والجمع فيهما جميعا قواعد. قال الله –عز وجل- ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ﴾، قال :﴿ والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ﴾١. ( س : ١٢/١١٠ ).
١ - سورة النور: ٥٨..
٢٣- اختلفوا في السفهاء هنا، فقيل : المنافقون، وقيل : اليهود. ( س : ٧/٢٠٤ ).
٢٤- قال ابن عباس : وليميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة، قال تعالى :﴿ وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ﴾، يعني تحويلها١ على أهل الشرك لا على المصدقين بما أنزل الله تعالى. ( س : ٧/٢١٣- ٢١٤ ).
٢٥- من الدلائل على أن الإيمان قول وعمل –كما قالت الجماعة والجمهور، قول الله -عز وجل- :﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾، لم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا، ومثل هذا قوله :﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من –آمن بالله واليوم الآخر ﴾- الآية، إلى قوله :﴿ أولئك هم المتقون ﴾٢. ( ت : ٩/٢٤٥ ).
١ - أي القبلة..
٢ - سورة البقرة: ١٧٦..
٢٦- أما شأن القبلة١ فأخبرنا عبد الله بن محمد، قال : حدثنا حمزة بن محمد، قال : حدثنا أحمد بن شعيب، قال : أخبرنا أبو بكر ابن نافع، قال : حدثنا بهز٢، قال حدثنا حماد بن سلمة، قال : أخبرنا ثابت٣، عن أنس ؛ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية :﴿ فول وجهك شطر المسجد الحرام ﴾، مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر، ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، فمالوا ركوعا.
وذكر سنيد عن حجاج٤، عن ابن جريج، قال : قال ابن عباس : كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستقبل صخرة بيت المقدس قبل قدومه –صلى الله عليه وسلم- ثلاث حجج، وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله تبارك وتعالى إلى البيت الحرام.
قال أبو عمر : من حجة الذين قالوا : إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إنما صلى إلى بيت المقدس بالمدينة، وأنه إنما كان يصلي بمكة إلى الكعبة، ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ، قال : حدثنا محمد بن وضاح، قال : حدثنا موسى بن معاوية، قال : حدثنا وكيع٥، عن إسرائيل٦، عن أبي إسحاق٧، عن البراء بن عازب، قال : لما قدم النبي –صلى الله عليه وسلم- المدينة، صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله -عز وجل- :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ﴾، فوجه نحو الكعبة، وكان يحب ذلك.
فظاهر هذا الخبر يدل على أنه لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس لا قبل ذلك- والله أعلم.
ويدل على ذلك أيضا، ما حدثنا به أحمد بن قاسم، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال : حدثنا عبد الله بن صالح، قال : حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال : كان أول ما نسخ الله من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة –وكان أكثر أهلها اليهود- أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو الله، وينظر إلى السماء، فأنزل الله :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء ﴾، إلى قوله :﴿ فولوا وجوهكم شطره ﴾، يعني نحوه. فارتاب اليهود وقالوا :﴿ ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ﴾، فأنزل الله :﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾٨، وقال :﴿ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ﴾٩، قال ابن عباس : ليميز أهل اليقين من أهل الشك.
وأجمع العلماء أن القبلة التي أمر الله نبيه وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم، هي الكعبة البيت الحرام بمكة وأنه فرض على كل من شاهدها وعاينها استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها، أو عالم بجهتها، فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى كذلك. ( ت : ١٧/٥١- ٥٤ ).
٢٧- قال الله –عز وجل- :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ﴾، في ذلك دليل على أن في أحكام الله تعالى ناسخا ومنسوخا، وهو ما لا اختلاف فيه بين العلماء الذين هم الحجة على من خالفهم. ( س : ٧/٢٠٤ ).
٢٨- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا أحمد بن سلمان النجار ببغداد، قال : حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال : حدثنا أحمد بن محمد، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس، قال : حدثنا أبو جعفر١٠، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله –عز وجل- :﴿ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ﴾، يقول : إن الكعبة البيت الحرام قبلة إبراهيم والأنبياء –صلى الله عليهم وسلم- ولكنهم١١ تركوها عمدا. ( س : ١/١٨٢ ).
١ - قال الحافظ ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، وأجمعوا على أن ذلك كان بالمدينة، وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس وأمر بالصلاة إلى الكعبة بالمدينة. التمهيد: ١٧/٤٩، وكذا في الاستذكار: ٧/٢١٠- ٢١١..
٢ - هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، الإمام المحدث أبو عبد الله القشيري البصري له عدة أحاديث عن أبيه عن جده، وعن زرارة بن أوفى... وعنه حماد بن سلمة، ويحيى القطان، وعدة. توفي قبل ١٥٠ هـ، انظر سير أعلام النبلاء: ٦/٢٥٣، والتهذيب: ١/٤٩٨..
٣ - هو ثابت بن أسلم الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو محمد البناني، مولاهم البصري، حدث عن عبد الله بن عمر، وابن الزبير، وأنس بن مالك.. وعنه عطاء بن أبي رباح، وقتادة، وحماد بن سلمة، وآخرون. اختلف في سنة وفاته بين: ١٢٣هـ و١٢٧هـ انظر سير أعلام النبلاء: ٥/٢٢٠- ٢٢٥، والتهذيب: ٢/٢..
٤ - هو حجاج بن محمد، أبو محمد الأعور، سمع ابن جريج، وشعبة بن الحجاج، والليث ابن سعد... وروى عنه سنيد بن داود، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم. توفي سنة ٢٠٦ هـ انظر تاريخ بغداد: ٨/٢٣٦- ٢٣٩، وطبقات المفسرين: ١/١٣١- ١٣٢..
٥ - هو وكيع بن الجراح بن مليح، يكنى أبا سفيان الرواسي، أسند عن الأئمة الأعلام، كإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش، وابن جريج.. وعنه سفيان الثوري، وهو أحد شيوخه، وعبد الله بن المبارك، والحميدي، وآخرون. توفي سنة ١٩٧هـ، انظر صفة الصفوة: ٣/١٧٠- ١٧٢، وسير أعلام النبلاء: ٩/١٤٠- ١٦٨..
٦ - هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ويكنى أبا يوسف. أكثر عن جده. وروى أيضا عن إسماعيل السدي، وعاصم بن بهدلة... وعنه أخوه. وحجاج الأعور، وعبد الرزاق وغيرهم. توفي سنة: ١٦٢هـ، انظر طبقات ابن سعد: ٦/٣٧٤، وسير أعلام النبلاء: ٧/٣٥٥- ٣٦١..
٧ - هو أبو إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله بن علي بن أحمد بن ذي يحمد، روى عن معاوية، وعدي بن حاتم، وابن عباس، والبراء بن عازب... وعنه محمد بن سيرين، والزهري، وقتادة، وحفيده إسرائيل، وآخرون. توفي سنة ١٢٨هـ، انظر طبقات ابن سعد: ٦/٣١٣- ٣١٥، وسير أعلام النبلاء: ٥/٣٩٢- ٤٠١..
٨ - سورة البقرة: ١١٤..
٩ - سورة البقرة: ١٤٢..
١٠ - هو عيسى بن أبي عيسى، أبو جعفر التميمي، واسم أبي عيسى ماهان. أصله من مرو، سكن الري فنسب إليها. سمع عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة، والربيع بن أنس... وحدث عنه شعبة، وجرير، ووكيع، ويونس بن بكير وغيرهم. انتقل إلى الري ومات بها. قال الحافظ الذهبي، توفي في حدود سنة ١٦٠هـ انظر تاريخ بغداد: ١١/١٤٣- ١٤٧، وسير أعلام النبلاء: ٧/٣٤٦- ٣٤٩..
١١ - أي الذين أوتوا الكتاب..
٢٩- قال أبو العالية في قوله :﴿ وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ﴾، يقول : يكتمون صفة محمد –صلى الله عليه وسلم- ويكتمون أيضا أن القبلة هي الكعبة البيت الحرام،
ثم قال لنبيه –صلى الله عليه وسلم- :﴿ فلا تكونن من الممترين ﴾، يقول : لا تكن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك وكانت قبلة الأنبياء. ( س : ٧/٢١٤ ).
٣٠- قيل في معنى قوله –عز وجل- :﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾، أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحاجونك. ( ت : ٥/١٤٦- ١٤٧ ).
٣١- شكر الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، واجب على كل مؤمن لازم له، بدليل قول الله تعالى :﴿ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ﴾، ومن الشكر الاعتراف بالنعمة، فنعمة الله عظيمة. ( س : ١٣/٣٢٧ ).
٣٢- ذكر عبد الرزاق١، قال : أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عائشة، قالت : كان رجال من الأنصار ممن كان يهل٢ لمناة٣ في الجاهلية فقالوا : يا نبي الله ! إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾. قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة، فإن الله –عز وجل- يقول :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾، فقالت : يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله ﴾، قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر ابن عبد الرحمان فقال : هذا العلم.
قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي – صلى الله عليه وسلم- : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله –عز وجل- :﴿ إن الصفا والمروة ﴾، كلها، قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، فيمن طاف، وفيمن لم يطف.
قال أبو عمر : قول أبي بكر ابن عبد الرحمان : " فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين " يعني القائلين بأن الآية نزلت فيمن قال : يا نبي الله ! إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ؛ يعني مناة التي كانت للأنصار، ليلا يعظموا غير الله تعالى، وكانت لهم آلهة يعبدونها قد نصبوها بين المسلك بين مكة والمدينة، فكانوا يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة من أجل مناة التي كانت لقريش، وما أدري موضع مناة الثالثة الأخرى. والفريق الثاني هم القائلون بأن الآية إنما نزلت لقول من قال : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج ألا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله ﴾ كلها. ( س : ١٢/٢١٥- ٢١٨ ).
٣٣- فإن احتج محتج بقراءة ابن مسعود وما في مصحفه، وذلك قوله : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، قيل له : ليس فيما سقط من مصحف الجماعة حجة، لأنه لا يقطع به على الله –عز وجل- ولا يحكم بأنه قرآن إلا بما نقلته الجماعة بين اللوحين. وأحسن ما روي في تأويل هذه الآية، ما ذكره هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، قالت : كانت مناة على ساحل البحر وحولها الفروث٤ والدماء مما يذبح بها المشركون، فقالت الأنصار : يا رسول الله ! إنا كنا إذا أحرمنا بمناة في الجاهلية، لم يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله –عز وجل- :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾، قال عروة : أما أنا فلا أبالي ألا أطوف بين الصفا والمروة، قالت عائشة : لم يا ابن أختي ؟ قال : لأن الله يقول :﴿ فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾، فلعمري ما تمت حجة أحد ولا عمرته إن لم يطف بين الصفا والمروة٥. ( ت : ٢/٩٨ ).
١ - هو عبد الرزاق بن همام بن نافع، الحافظ الكبير، عالم اليمن، أبو بكر الحميري، حدث عن إسرائيل بن يونس، ومعمر، ومالك بن أنس... وعنه أحمد بن حنبل، وابن راهويه، والحسن بن أبي الربيع وغيرهم. توفي سنة: ٢١١هـ، انظر سير أعلام النبلاء: ٩/٥٦٣- ٥٨٠، والتهذيب: ٦/٣١٠- ٣١٥..
٢ - من أهل يهل إهلالا، إذا لبى وأحرم بالحج أو العمرة، وأصل الإهلال: رفع الصوت، وهو هنا بمعنى الذبح. انظر اللسان، مادة "هلل": ١١/٧٠١..
٣ - قال الحافظ ابن عبد البر: أما مناة، فصنم، وهو الذي ذكر الله تعالى أنه أحد الأصنام الثلاثة في قوله تعالى: ﴿ومناة الثالثة الأخرى﴾- النجم: ٢٠. الاستذكار: ١٢/٢١٥..
٤ - جمع فرث، وهي السرجين مادام في الكرش، اللسان: مادة "فرث": ٦/١٧٦..
٥ - انظر كتاب الحج من الموطأ، باب جامع السعي: ٦٣٩- ٦٤٠. وأخرجه الإمام البخاري في التفسير. انظر صحيحه بشرح الكرماني: ١٧/١٨- ١٩..
٣٤- روي عن مجاهد في قوله تعالى :﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ﴾، قال : غير قاطع سبيل، ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية ؛ فإن خرج في معصية لم يرخص له في أكل الميتة.
وقال سعيد بن جبير في قوله :﴿ غير باغ ولا عاد ﴾، قال : هو الذي يقطع الطريق، فليس له رخصة إذا اضطر إلى شرب الخمر وإلى الميتة. ( س : ١٥/٣٥٤- ٣٥٥ ).
٣٥- أي ليس فعل ذلك وإن كان برا يبلغ به الأمر. ( س : ٢٦/٢٥٧ ).
٣٦- ﴿ ولكن البر من آمن بالله ﴾، المعنى : ولكن البر بر من آمن بالله. ( س : ٦/١٨١ ).
٣٧- ذكر وكيع، عن الثوري والأعمش، عن زيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود في قوله :﴿ وآتى المال على حبه ﴾، قال : أن توتيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش١ وتخشى الفقر. ( ت : ١٤/٣٠٥ ).
١ - في جامع البيان: ٢/٣٦. "الغنى" بدل "العيش"..
٣٨- روي عن ابن عباس وغيره من أهل العلم بتأويل القرآن، أن سبب نزول الآية، كان لما كان عليه أهل الجاهلية : إذا قتل الشريف منهم عبدا، قالوا : لا يقتل به إلا حر، وكان فيهم القود١ ولم تكن فيهم الدية، فأنزل الله –عز وجل- :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء ﴾، يعني الدية ﴿ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ﴾. ( س : ٢٥/٢٥٥- ٢٥٦ ).
٣٩- قال مالك : أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية، قول الله - تبارك وتعالى :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد ﴾، فهؤلاء الذكور، ﴿ والأنثى بالأنثى ﴾، أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور، والمرأة الحرة تقتل بالمرأة، كما يقتل الحر بالحر. والأمة تقتل بالأمة، كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال، والقصاص يكون أيضا بين الرجال والنساء ؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ﴾٢، فذكر الله –تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه٣.
قال أبو عمر : أما قول الله –عز وجل- :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر، وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر، وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى ؛ إلا أن منهم من قال : إن قتل أولياء المرأة الرجل بها، أدوا نصف الدية، إن شاءوا وإلا أخذوا الدية. ولا يقتل الذكر بالأنثى حتى يؤدوا نصف الدية، روي هذا القول عن علي –رضي الله عنه- ولا يصح ؛ لأن الشعبي لم يلق عليا٤.
وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار، فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة، كما تقتل المرأة به ؛ لقول الله –عز وجل- :﴿ النفس بالنفس ﴾٥، ولقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ( المسلمون تتكافأ دماؤهم )٦. ولم يخص الله –عز وجل- ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- بما ذكرنا ذكرا من أنثى. وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله –عز وجل- ؛ لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله –عز وجل- بل الكتاب والسنة بينا مراد قول٧ الله –عز وجل- من قوله :{ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )، وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله –عز وجل- لو قال أحد : إنه لا يقتل حر بحر، ولا تقتل أنثى بأنثى، وهذا لا يقوله أحد، لأنه خلاف ظاهر الآية، ورد لها. ( س : ٢٥٣-٢٥٦ ).
٤٠- قال الله –تعالى- :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، وقال تعالى :﴿ والجروح قصاص ﴾٨. فمن جاز أن يقتص منه في النفس، كان فيما دونها أحرى وأولى، إن شاء الله. ( س : ٢٥/١٥٩ ).
٤١- قال الله –عز وجل- :﴿ كتب عليكم القصاص ﴾، وقال :﴿ ولكم في القصاص حياة ﴾، وقال :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾٩، وقال في موضع آخر :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، يريد بذلك عند أهل العلم، التسوية بين الشريف والوضيع من الأحرار، وبين العبد الرفيع الثمن والوضيع، ونسخ بذلك ما كانوا عليه في جاهليتهم من رفع القصاص بين الشريف والوضيع، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :( المسلمون تتكافأ دماؤهم )١٠، وقال :﴿ لا يقتل مؤمن بكافر ﴾١١، وبلفظ :( لا يقتل مسلم بكافر )، فدلت السنة على أن المؤمن لا يكافئه الكافر، وكذلك العبد لا يكافئ الحر عند أكثر العلماء. ( الكافي : ١٨٧ ).
١ - أي القصاص. انظر القاموس الفقهي ص: ٣٠٩..
٢ - سورة المائدة: ٤٧..
٣ - الموطأ، كتاب العقول، باب القصاص في القتل: ٥٨٣- ٥٨٤..
٤ - انظر الجامع لأحكام القرآن: ٢/٢٤٧- ٢٤٨..
٥ - سورة المائدة: ٤٧..
٦ - أخرجه أبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠- ١٨١. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩-٢٠. وابن ماجة في الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم: ٢/٨٩٥. والإمام أحمد: ١/١٢٢..
٧ - حذف هذه اللفظة أصح وأسلم..
٨ - سورة المائدة: ٤٧..
٩ - نفسها..
١٠ - سبق تخريجه قبل قليل..
١١ - أخرجه البخاري في الديات، باب: لا يقتل المسلم بالكافر: ٨/٤٧. وأبو داود في الديات أيضا، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠-١٨١. والترمذي في الديات كذلك، باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٤٣٢- ٤٣٣. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩- ٢٠، وكذا في ٢٣- ٢٤. وابن ماجة في الديات باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٨٨٧- ٨٨٨. والدارمي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/١٩٠. والإمام أحمد: ١/٧٩، ١١٩، ١٢٢، وكذا في ٢/١٧٨، ١٨٠، ١٩٢، ١٩٤، ٢١١، ٢١٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٨:٣٨- روي عن ابن عباس وغيره من أهل العلم بتأويل القرآن، أن سبب نزول الآية، كان لما كان عليه أهل الجاهلية : إذا قتل الشريف منهم عبدا، قالوا : لا يقتل به إلا حر، وكان فيهم القود١ ولم تكن فيهم الدية، فأنزل الله –عز وجل- :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء ﴾، يعني الدية ﴿ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ﴾. ( س : ٢٥/٢٥٥- ٢٥٦ ).

٣٩-
قال مالك : أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية، قول الله - تبارك وتعالى :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد ﴾، فهؤلاء الذكور، ﴿ والأنثى بالأنثى ﴾، أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور، والمرأة الحرة تقتل بالمرأة، كما يقتل الحر بالحر. والأمة تقتل بالأمة، كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال، والقصاص يكون أيضا بين الرجال والنساء ؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ﴾٢، فذكر الله –تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه٣.
قال أبو عمر : أما قول الله –عز وجل- :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر، وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر، وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى ؛ إلا أن منهم من قال : إن قتل أولياء المرأة الرجل بها، أدوا نصف الدية، إن شاءوا وإلا أخذوا الدية. ولا يقتل الذكر بالأنثى حتى يؤدوا نصف الدية، روي هذا القول عن علي –رضي الله عنه- ولا يصح ؛ لأن الشعبي لم يلق عليا٤.
وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار، فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة، كما تقتل المرأة به ؛ لقول الله –عز وجل- :﴿ النفس بالنفس ﴾٥، ولقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ( المسلمون تتكافأ دماؤهم )٦. ولم يخص الله –عز وجل- ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- بما ذكرنا ذكرا من أنثى. وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله –عز وجل- ؛ لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله –عز وجل- بل الكتاب والسنة بينا مراد قول٧ الله –عز وجل- من قوله :{ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )، وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله –عز وجل- لو قال أحد : إنه لا يقتل حر بحر، ولا تقتل أنثى بأنثى، وهذا لا يقوله أحد، لأنه خلاف ظاهر الآية، ورد لها. ( س : ٢٥٣-٢٥٦ ).

٤٠-
قال الله –تعالى- :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، وقال تعالى :﴿ والجروح قصاص ﴾٨. فمن جاز أن يقتص منه في النفس، كان فيما دونها أحرى وأولى، إن شاء الله. ( س : ٢٥/١٥٩ ).

٤١-
قال الله –عز وجل- :﴿ كتب عليكم القصاص ﴾، وقال :﴿ ولكم في القصاص حياة ﴾، وقال :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾٩، وقال في موضع آخر :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، يريد بذلك عند أهل العلم، التسوية بين الشريف والوضيع من الأحرار، وبين العبد الرفيع الثمن والوضيع، ونسخ بذلك ما كانوا عليه في جاهليتهم من رفع القصاص بين الشريف والوضيع، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :( المسلمون تتكافأ دماؤهم )١٠، وقال :﴿ لا يقتل مؤمن بكافر ﴾١١، وبلفظ :( لا يقتل مسلم بكافر )، فدلت السنة على أن المؤمن لا يكافئه الكافر، وكذلك العبد لا يكافئ الحر عند أكثر العلماء. ( الكافي : ١٨٧ ).
١ - أي القصاص. انظر القاموس الفقهي ص: ٣٠٩..
٢ - سورة المائدة: ٤٧..
٣ - الموطأ، كتاب العقول، باب القصاص في القتل: ٥٨٣- ٥٨٤..
٤ - انظر الجامع لأحكام القرآن: ٢/٢٤٧- ٢٤٨..
٥ - سورة المائدة: ٤٧..
٦ - أخرجه أبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠- ١٨١. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩-٢٠. وابن ماجة في الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم: ٢/٨٩٥. والإمام أحمد: ١/١٢٢..
٧ - حذف هذه اللفظة أصح وأسلم..
٨ - سورة المائدة: ٤٧..
٩ - نفسها..
١٠ - سبق تخريجه قبل قليل..
١١ - أخرجه البخاري في الديات، باب: لا يقتل المسلم بالكافر: ٨/٤٧. وأبو داود في الديات أيضا، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠-١٨١. والترمذي في الديات كذلك، باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٤٣٢- ٤٣٣. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩- ٢٠، وكذا في ٢٣- ٢٤. وابن ماجة في الديات باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٨٨٧- ٨٨٨. والدارمي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/١٩٠. والإمام أحمد: ١/٧٩، ١١٩، ١٢٢، وكذا في ٢/١٧٨، ١٨٠، ١٩٢، ١٩٤، ٢١١، ٢١٥..

٤٢- قال أبو عمير : ليس في كتاب الله ذكر الوصية إلا في قوله –عز وجل- :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ﴾، وهذه الآية نزلت قبل نزول الفرائض والمواريث، فلما أنزل الله حكم الوالدين وسائر الوارثين في القرآن، نسخ ما كان لهم من الوصية، وجعل لهم مواريث معلومة على حسبما أحكم من ذلك تبارك وتعالى. وقد روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، أن آية المواريث١ نسخت :﴿ الوصية للوالدين والأقربين ﴾ الوارثين، وهو مذهب الشافعي، وأكثر المالكيين، وجماعة من أهل العلم.
وروي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال :( لا وصية لوارث )٢، وهذا بيان منه –صلى الله عليه وسلم- أن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين، وأما من أجاز نسخ القرآن بالسنة من العلماء، فإنهم قالوا : هذا الحديث نسخ الوصية للورثة، وللكلام في نسخ القرآن بالسنة موضع غير هذا٣. ( ت : ١٦/٢٩٢- ٢٩٣ ).
٤٣- الخير ههنا المال، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك، ومثل قوله –عز وجل- :﴿ إن ترك خيرا ﴾، قوله :﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾٤، وقوله :﴿ إني أحببت حب الخير ﴾٥، وقوله :﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾٦، والخير في هذه الآيات كلها المال، وكذلك قوله –عز وجل- حاكيا عن شعيب –صلى الله عليه وسلم- :﴿ إني أراكم بخير ﴾٧، يعني الغنى.
وقال قتادة في قوله– عز وجل- :﴿ إن ترك خيرا الوصية ﴾، قال : الخير ألف فما فوقها. ( ت : ١٤/٢٩٥- ٢٩٦ ).
٤٤- استدل بعض العلماء٨ على أن الوصية غير واجبة بقوله –عز وجل- في آية الوصية :﴿ بالمعروف حقا على المتقين ﴾، والمعروف : التطوع بالإحسان، قالوا : والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من أهل الدين. ( س : ٢٣/٧ ).
١ - هي قوله تعالى: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾- الآية، النساء: ١١..
٢ - أخرجه أبو داود في الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث: ٣/١١٤. والترمذي في الوصايا كذلك، باب ما جاء لا وصية لوارث: ٣/٢٩٣. والنسائي في الوصايا أيضا، باب إبطال الوصية للوارث: ٦/٢٤٧. وابن ماجة في الوصايا، باب لا وصية لوارث: ٢/٩٠٥- ٩٠٦. والدارمي في الوصايا، باب الوصية للوارث: ٢/٤١٩. والإمام أحمد: ٤/١٨٦- ١٨٧ و٢٣٨-٢٣٩، ولفظه: (فلا تجوز لوارث وصية)..
٣ - يحتمل أن يكون ذكر ذلك في كتاب "علم أصول الفقه" الذي هو في حكم المفقود من تراث ابن عبد البر..
٤ - سورة العاديات: ٨..
٥ - سورة ص: ٣١..
٦ - سورة النور: ٣٣..
٧ - سورة هود: ٨٣..
٨ - ذكر منهم القرطبي أبا ثور، وقال: "احتج من لم يوجبها بأن قال: لو كانت واجبة لم يجعلها إلى إرادة الموصي، ولكان ذلك لازما على كل حال، ثم لو سلم ظاهره الوجوب فالقول بالموجب يرده، وذلك فيمن كانت عليه حقوق للناس يخاف ضياعها عليهم". الجامع لأحكام القرآن: ٢/٢٦٠..
٤٥- أما قوله –عز وجل- :﴿ فمن بدله بعدما سمعه ﴾-الآية، فمعناه عند جماعة العلماء، تبديل ما أوصى به المتوفى إذا كان ذلك مما يجوز إمضاؤه، فإن أوصى بما لا يجوز، مثل أن يوصي بخمر أو خنزير، أو بشيء، من المعاصي، فهذا يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه، كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث، أو لوارث. ( ت : ١٤/٣٠٨ ).
٤٦- قال مجاهد : في مولاي قيس بن السائب١ نزلت هذه الآية :﴿ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين ﴾، فأفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا. ( الاستيعاب : ٣/١٢٨٩ ).
٤٧- قال أبو عمر : قال الله تعالى :﴿ كتب عليكم الصيام ﴾، إلى قوله :﴿ فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ﴾، قوله تعالى :﴿ يطيقونه ﴾، هو الثابت بين لوحي المصحف المجتمع عليه، وهي القراءة الصحيحة التي يقطع بصحتها، ويقطع الفرد بمجيئها٢. وقد اختلف العلماء بتأويلها.
قال منهم قائلون : هي منسوخة ؛ قالوا : كان المقيم الصحيح المطيق للصيام مخيرا بين أن يصوم رمضان وبين أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكينا، وإن شاء صام منه ما شاء وأطعم عما شاء، فكان الأمر كذلك حتى أنزل الله –عز وجل- :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ﴾، فنسخ به ما تقدم من التخيير بين الصوم والإطعام.
واختلفوا مع هذا في تأويل قوله :﴿ فمن تطوع خيرا فهو خير له ﴾، فقال بعضهم : يطعم مسكينين عن كل يوم مدا مدا أو نصف صاع. وقال بعضهم : يطعم مسكينا أكثر مما يجب عليه. ( س : ١٠/٢١١-٢١٥ ).
٤٨- ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت : نزلت :﴿ من أيام أخر ﴾ " متتابعات "، ثم سقطت " متتابعات " ٣.
قال أبو عمر : قولها سقطت، يحتمل نسخت ورفعت وهو دليل على سقوط التتابع، وليس شيء بين الدفتين " متتابعات "، فصح سقوطها ورفعها.
وعلى هذا جمهور العلماء ؛ وهو قول طاوس، ومجاهد، وعطاء، وعبيد بن عمير، وجماعة. وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وكلهم –مع ذلك- يستحبونها " متتابعات ". ( س : ١٠/١٨٠ ).
٤٩- قال الله –عز وجل- :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾، يريد –والله أعلم- من علم منكم بدخول الشهر، والعلم في ذلك ينقسم قسمين : أحدهما ضروري، والآخر غلبة الظن، فالضروري : أن يرى الإنسان الهلال بعينه – في جماعة كان أو وحده، أو يستفيض الخبر عنده حتى يبلغ إلى حد يوجب العلم، أو يتم شعبان ثلاثين يوما، فهذا كله يقين يعلم ضرورة، ولا يمكن للمرء أن يشكك في ذلك نفسه. وأما غلبة الظن : فأن يشهد بذلك شاهدان عدلان ؛ وهذا معنى قول الله –عز وجل- :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾. ( ت : ١٤/٣٤٠ ).
٥٠- مالك عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان، فقال :( لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )١.
في حديث ابن عباس هذا من الفقه، أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين، وفيه أن الله تعبد عباده في الصوم برؤية الهلال لرمضان، أو باستكمال شعبان ثلاثين يوما، وفيه تأويل لقول الله –عز وجل- :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾، أن شهوده : رؤيته أو العلم برؤيته. ( ت : ٢/٣٩ ).
١ - ذكره في الموطأ، كتاب الصيام، باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان: ١٧٧..
٥١- قال الله –عز وجل- :﴿ حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ﴾، يريد بياض النهار من سواد الليل، قال أبو داود الإيادي :
فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا١
وقال آخر :
قد كاد يبدوا أو بدت تباشره وسدف الليل البهيم ساتره٢
( ت : ٤/٣٣، وكذا في س : ١/٢١١ ).
٥٢- قول الله –عز وجل- :﴿ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾، فلم يمنعهم من الأكل حتى يستبين لهم الفجر. ( س : ١٠/١٧٧ ).
٥٣- قال الثوري : يتسحر ما شك في الفجر حتى يرى الفجر. وقول الثوري من الفقه. ( س : ١٠/١٧٦ ).
٥٤- قال الله –عز وجل- :﴿ ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾، و " إلى " هنا، غاية لا تتجاوز. ( ت : ١٤/٣٦٥ ).
٥٥- أما الاعتكاف في كلام العرب، فهو القيام على الشيء، والمواظبة عليه، والملازمة له. وأما في الشريعة فمعناه : الإقامة على الطاعة وعمل البر على حسب ما ورد من سنن الاعتكاف٣. ( س : ١٠/٢٧٣ ).
٥٦- أجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد، لقوله تعالى :﴿ وأنتم عاكفون في المساجد ﴾، في الآية المذكورة.
فذهب قوم إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وإن كان لفظه العموم، فقالوا : لا اعتكاف إلا في مسجد نبي ؛ كالكعبة، أو مسجد الرسول –صلى الله عليه وسلم- أو بيت المقدس لا غير. وروي هذا القول عن حذيفة بن اليمان، وسعيد بن المسيب، ومن حجتهما أن الآية نزلت على النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف في مسجده، وكان القصد والإشارة إلى نوع ذلك المسجد مما بناه نبي.
وقال آخرون : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة، لأن الإشارة في الآيات عندهم إلى ذلك الجنس من المساجد. روي هذا القول عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وبه قال عروة بن الزبير والحكم بن عيينة، وحماد، والزهري، وأبو جعفر محمد بن علي، وهو أحد قولي مالك.
وقال آخرون : الاعتكاف في كل مسجد جائز. روي عن سعيد بن جبير، وأبي قلابة، وإبراهيم النخعي، وهمام بن الحارث، وأبي سلمة ابن عبد الرحمن، وأبي الأحوص، والشعبي. وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري. وهو أحد قولي مالك٤. وبه يقول ابن علية، وداود، والطبري ؛ وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد. ( س : ١٠/٢٧٣- ٢٧٤ ).
٥٧- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾، فأجمع العلماء على أنه إن وطئ في اعتكافه عامدا في ليل أو نهار يبدأ اعتكافه. وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، قالوا : كانوا يجامعون وهم معتكفون، حتى نزلت :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾، فقال مالك : من أفطر في اعتكافه يوما عامدا أو جامع ليلا أو نهارا ناسيا أو قبل أو لمس أو باشر فسد اعتكافه، أنزل أو لم ينزل، لقوله تعالى :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾. ( س : ١٠/٣١٦ ).
١ - أورده في اللسان، مادة "خيط": ٧/٢٩٩..
٢ اقتصر في اللسان على إيراد الشطر الثاني من البيت، ونسبه لحميد الأرقط، مادة "سدف": ٩/١٤٦. وأورده القرطبي في الجامع كاملا: ٢/٣٢٠..
٣ - قال القرطبي: أجمع العلماء على أنه ليس بواجب، وهو قربة من القرب، ونافلة من النوافل، عمل بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأزواجه، ويلزمه إن ألزمه نفسه، ويكره الدخول فيه لمن يخاف عليه العجز، عن الوفاء بحقوقه، الجامع لأحكام القرآن: ٢/٣٣٣..
٤ - قال الإمام مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه، أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه، ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها، إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه، إلى الجمعة أو يدعها. فإن كان مسجد لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف فيه، لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿وأنتم عاكفون في المساجد﴾، فعم الله المساجد كلها، ولم يخص شيئا منها.
فمن هناك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة، إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة، الموطأ، كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف: ١٩٧..

٥٨- مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة –زوج النبي- صلى الله عليه وسلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال :( إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذن منه شيئا. فإنما أقطع له قطعة من النار )١.
قال الله –عز وجل- :﴿ { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ﴾، وهذه الآية في معنى هذا الحديث سواء. ( ت : ٢٢/ ٢٢٠ ).
١ - ذكره في الموطأ، كتاب الأقضية، باب الترغيب في القضاء بالحق: ٤٧١..
٥٩- روى وكيع عن صدقة الدمشقي، عن يحيى بن يحيى الغساني قال : كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى :﴿ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾، فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية، ومن لم ينصب١ لكم الحرب. ( س : ١٤/٦٣ ).
٦٠- الله –عز وجل- يقول :﴿ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ﴾، فما دام أطفال أهل الحرب لم يسبوا فحكمهم حكم آبائهم أبدا على حسبما ذكرنا٢، لا يختلف العلماء في ذلك. ( ت : ١٨/١٣٤ ).
١ - قال ابن فارس: النون والصاد والباء أصل صحيح يدل على إقامة شيء وإهداف في استواء. المقاييس، مادة "نصب": ٥/٤٣٤. وهي هنا بمعنى الإعلان والتصريح..
٢ - قال ابن عبد البر : كذلك أطفال الحرب كآبائهم في أحكامهم، إلا ما خصت السنة منهم ومن نسائهم ألا يقتلوا في دار الحرب، إلا أن يقاتلوا، لأنهم لا يقاتلون في الأغلب من أحوالهم. التمهيد: ١٨/١٣٤..
٦١- أحسن ما قيل في معنى قول الله تعالى :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾، ذلك في ترك النفقة١ في سبيل الله – والله أعلم. ( س : ١٤/٢٩٩ ).
١ - في الأصل "الثقة" بدل "النفقة"، وهو تصحيف..
٦٢- حدثنا سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ، قال : حدثنا محمد بن سابق قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن عطاء، عن صفوان بن أمية أنه قال : جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- متضمخا١ بالخلوق وعليه مقطعات، فقال : كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي ؟ قال : فأنزل الله :﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، قال : فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :( أين السائل عن العمرة ؟ ) فقال له :( ألق عنك ثيابك، واغتسل، واستنق ما استطعت، وما كنت صانعه في حجك فاصنعه في عمرتك )٢. ( ت : ٢/٢٥١ ).
٦٣- حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال : حدثنا علي بن الجعد، قال : أخبرنا شعبة، قال : أخبرني عبد الرحمان بن الأصبهاني، قال : سمعت عبد الله بن معقل، قال : جلست إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد –يعني مسجد الكوفة- فسألته عن هذه الآية :﴿ ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، فقال : حملت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال :( ما كنت أرى الجهد بلغ بك هذا، ما عندك شاة ؟ ) قال : لا، فنزلت هذه الآية :﴿ ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، فقال :( صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام )، فقال : فنزلت هذه الآية فيَّ خاصة، وهي لكم عامة٣. ( ت : ٢١/٥ ).
٦٤- أما قول الله –عز وجل- :﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، فمحتمل للتأويل، قالت طائفة : " أتموا " بمعنى أقيموا الحج والعمرة لله. هكذا قال السدي وغيره.
ومن حجة من ذهب هذا المذهب : أن قوله -عز وجل- :﴿ وأتموا ﴾، بمعنى : أقيموا، وأقيموا بمعنى أتموا، قال الله –عز وجل- :﴿ فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ﴾٤، بمعنى أتموا، وقال :﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، بمعنى أقيموا الحج والعمرة لله.
وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري، عن أبي إسحاق، قال : سمعت مسروقا يقول : أمرتم في القرآن بإقامة أربع : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأقيموا الحج والعمرة٥.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المسور وبكير بن الحسن، قالا : حدثنا يوسف ابن زيد القراطيس، قال : حدثنا أسد بن موسى، قال : حدثنا إسرائيل، وأبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال : أمرتم في كتاب الله بإقامة أربع : بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقامة الحج والعمرة إلى بيت الله. قال أسد : وحدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال : أمرتم في كتاب الله المنزل بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقام الحج والعمرة ؛ قال : والعمرة من الحج بمنزلة الزكاة من الصلاة٦. ( ت : ٢٠/١٥ ).
٦٥- حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي قال : حدثنا جدي، قال : حدثنا روح بن عبادة، قال : حدثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، قال سمعت سعيد بن جبير، وسئل : ما تمام العمرة ؟ فقال : أن تحرم من أهلك. ( ت : ١٥/١٤٥ ).
٦٦- قال أبو عمر : الإحصار عند أهل العلم على وجوه، منها : الحصر بالعدو، ومنها بالسلطان الجائر، ومنها بالمرض وشبهه.
وأصل الحصر في اللغة : الحبس والمنع ؛ قال الخليل وغيره : حصرت الرجل حصرا : منعته وحبسته، وأحصر الحاج عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه، هكذا قال٧، جعل الأول ثلاثيا من " حصرت "، وجعل الثاني في المرض رباعيا، وعلى هذا خرج قول ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو٨، ولم يقل إلا إحصار العدو.
وقالت طائفة : يقال : أحصر فيهما جميعا من الرباعي. وقال منهم جماعة : حصر وأحصر بمعنى في المرض والعدو جميعا، ومعناه : حبس.
واحتج من قال بهذا من الفقهاء بقول الله –عز وجل- :﴿ فإن أحصرتم ﴾، وإنما نزلت هذه الآية في الحديبية٩، وعلى نحو ذلك أهل العلم في أحكام المحبوس بعدو، والمحبوس بمرض ؛ إلا أن أكثر علماء اللغة يقولون في هذا الفعل من العدو : حصره العدو، فهو محصور، وأحصره المرض، فهو محصر. ( ت : ١٥/١٩٤، وانظر س : ١٢/٧٨ ).
٦٧- قال مالك : والمحصر الذي أراد الله –عز وجل- بقوله :﴿ فإن أحصرتم ﴾، هو المريض. ( ت : ١٥/٢٠١ ).
٦٨- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، قال ابن عباس : المرض أن يكون برأسه قروح، والأذى : القمل، وقال عطاء : المرض : الصداع والقمل وغيره. ( ت : ٢/٢٣٩ ).
٦٩- قال أبو عمر : قوله – عز وجل- في يوم الحديبية :﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ﴾، يعني حتى تنحروا، ومحله هذا : نحره.
وأما قوله في البدن١٠ :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾١١، فهذا لمن لم يمنع من دخول مكة، ومكة كلها ومنى مسجد، لمن قدر على الوصول إليها، وليس البيت بموضع النحر. ( س : ١٢/٨١ ).
٧٠- روي عن عمر، وعلي، وابن عباس، في قوله :﴿ ما استيسر من الهدي ﴾، شاة وعليه جمهور العلماء، وجماعة الفقهاء. ( ت : ١٥/٢٣٠ ).
٧١- معنى قوله –عز وجل- :﴿ وسبعة إذا رجعتم ﴾، يعني من منى، عند مالك، أقام بمكة أو لا، ويصوم الثلاثة أيام في الحج المتمتع، والقارن، والمفسد لحجه، والذي يفوته فيقضيه، والناسي لحلق رأسه من العمرة، كل هؤلاء يصوم إذا لم يجد الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وكذلك من تعدى الميقات عند مالك. وأما من وطئ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة أو ترك المبيت في المزدلفة، أو ترك رمي جمرة أو عجز عن بعض المشي إلى مكة فكل هؤلاء إذا لم يجد الهدي، صام ثلاثة، وسبعة بعدها حيث شاء في الحج بمكة وغيرها، ولا إطعام في شيء من هذه الدماء، وإنما هو هدي أو صيام، وهذا كله تحصيل مذهب مالك عند أصحابه. ( الكافي : ١٥٠ ).
٧٢- أجمع العلماء على أن الثلاثة الأيام إن صامها قبل يوم النحر فقد أتى بما يلزمه من ذلك، ولهذا قال من قال من أهل العلم بتأويل القرآن في قوله :﴿ ثلاثة أيام في الحج ﴾، قال : آخرها يوم عرفة١٢. ( س : ١٣/٣٧٢ ).
١ - الضمخ: لطخ الجسد بالطيب، حتى كأنما يقطر، وتضمخ به: تلطخ به. اللسان، مادة "ضمخ": ٣/٣٦. والخلوق والخلاق: ضرب من الطيب. اللسان. مادة "خلق": ١٠/٩١..
٢ - أخرجه الإمام البخاري في الحج، باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب: ١/١٤٤. والإمام مسلم في الحج أيضا، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه: ٢/٨٣٦- ٨٣٧. وأبو داود في المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه: ٢/١٦٤. والنسائي في مناسك الحج، باب في الخلوق للمحرم: ٥/١٤٢- ١٤٣. وهو عندهم جميعا من حديث يعلى بن أمية لا صفوان بن أمية..
٣ - أخرجه الإمام البخاري في الطب، باب الحلق من الأذى، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه: ٧/١٥- ١٦. والإمام مسلم في الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها: ٣/٨٦١- ٨٦٢. والترمذي في التفسير، البقرة: ١٩٥: ٤/٢٨١. والنسائي في مناسك الحج، باب في المحرم يؤذيه القمل في رأسه: ٥/١٩٤- ١٩٥. والإمام مالك في الحج، باب فدية من حلق قبل أن ينحر: ٢٦٩. والإمام أحمد: ٤/٢٤١- ٢٤٢. وهو عندهم جميعا من حديث كعب بن عجرة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم..
٤ - سورة النساء: ١٠٢..
٥ - لم أعثر على هذا الأثر في النسخة المطبوعة من مصنف عبد الرزاق، وهو عند الطبري في جامع البيان: ٢/٢٠٩..
٦ - قال الحافظ ابن عبد البر: أما اختلاف الفقهاء في وجوب العمرة، فذهب مالك إلى أن العمرة سنة مؤكدة، وقال في موطئه: ولا أعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها، وهذا اللفظ يوجبها.. وقال أبو حنيفة وأصحابه: العمرة تطوع، وقال الشافعي والثوري، والأوزاعي: العمرة فريضة واجبة، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وزيد ابن ثابت، ومسروق، وعلي بن حسين، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، وغيرهم. واختلف في ذلك عن ابن مسعود. التمهيد: ٢٠/١٤..
٧ - انظر معجم كتاب "العين" له، مادة "حصر": ٣/١١٣..
٨ - في جامع البيان: ٢/٢١٤. "لا حصر إلا من حبس عدو"..
٩ - قال صاحب معجم البلدان: "هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة بايع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تحتها. ونقل عن الخطابي قوله: سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع": ٢/٢٢٩..
١٠ - جمع بدنة، من الإبل والبقر، كالأضحية من الغنم، تهدى إلى مكة، الذكر والأنثى في ذلك سواء. اللسان مادة "بدن": ١٣/٤٨..
١١ - سورة الحج: ٣١..
١٢ - قال القرطبي: "هذا قول طاوس، وروي عن الشعبي، وعطاء، ومجاهد، والحسن البصري، والنخعي، وسعيد بن جبير، وعلقمة، وعمرو بن دينار، وأصحاب الرأي، حكاه ابن المنذر". الجامع لأحكام القرآن: ٢/٣٩٩..
٧٣- قال العلماء بتأويل القرآن في قوله –عز وجل- :﴿ فمن فرض فيهن الحج ﴾، قالوا : الفرض : التلبية، قاله عطاء، وطاووس، وعكرمة، وغيرهم.
وقال ابن عباس : الفرض : الإهلال، والإهلال : التلبية.
وقال ابن مسعود وابن الزبير : الفرض : الإحرام. وهو كله معنى واحد.
وقالت عائشة : لا إحرام إلا لمن أحرم ولبى. وقال الثوري : الفرض : الإحرام، والإحرام : التلبية، والتلبية في الحج مثل التكبير في الصلاة. ( س : ١١/٩٤ ).
٧٤- لما قال الله – عز وجل- :﴿ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾، دل على أنه لا يصح إحرام أحد بالحج في غير أشهر الحج ١– والله أعلم. ( س : ١٢/٣٠٢ ).
٧٥- أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة، وذلك لقوله تعالى :﴿ فلا رفث ﴾، والرفث في هذا الموضع : الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن. وقد قيل غير ذلك٢، والصواب عندهم ما ذكرت لك في تأويل الرفث في هذه الآية. ( س : ١٢/١٩٠- ١٩١ ).
٧٦- قال أبو عمر : قال الله تعالى :﴿ خير الزاد التقوى ﴾، يريد الآخرة. والتقوى اسم جامع لطاعة الله، والعمل بها في ما أمر به أو نهى عنه ؛ فإذا انتهى المؤمن عن ما نهاه الله، وعمل بما أمره الله، فقد أطاع الله واتقاه. ( س : ٢٧/١٩٧ ).
١ - قال القرطبي: "اختلف في الإهلال بالحج في غير أشهر الحج، فروي عن ابن عباس: من سنة الحج أن يحرم به في أشهر الحج. وقال عطاء ومجاهد وطاوس والأوزاعي، من أحرم بالحج قبل أشهر الحج لم يجزه ذلك عن حجه ويكون عمرة؛ كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنه لا تجزيه وتكون نافلة؛ وبه قال الشافعي وأبو ثور. وقال الأوزاعي: يحل بعمرة. وقال أحمد بن حنبل: هذا مكروه، وروي عن مالك، والمشهور عنه جواز الإحرام بالحج في جميع السنة كلها، وهو قول أبي حنيفة": الجامع لأحكام القرآن: ٢/٤٠٦..
٢ - قال الطبري: "الرفث في كلام العرب: أصله الإفحاش في المنطق، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع. فإن كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين في تأويله، وفي هذا النهي من الله عن بعض معاني الرفث، أم عن جميع معانيه، وجب أن يكون على جميع معانيه، لم يأت خبر بخصوص الرفث الذي هو بالمنطق عند النساء من سائر معاني الرفث يجب التسليم له، إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن إلا بحجة ثابتة". جامع البيان: ٢/٢٦٧..
٧٧- أما احتجاجهم١ بقول الله –عز وجل- :﴿ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ﴾، وقولهم : إن هذه الآية تدل على أن عرفات والمزدلفة جميعا من فروض الحج، فليس بشيء، لأن الإجماع منعقد على أنه لو وقف بالمزدلفة أو بات فيها بعض الليل ولم يذكر الله على أن حجه تام، فدل على أن الذكر بها مندوب إليه، وإذا لم يكن الذكر المنصوص عليه من أيام الحج، فالمبيت والوقوف أحرى بذلك إن شاء الله. ( س : ١٣/٣٩ ).
١ - قال الجصاص: "اختلف أهل العلم في الوقوف بالمزدلفة. هل هو من فروض الحج أم لا فقال قائلون: هو من فروض الحج، ومن فاته فلا حج له، كمن فاته الوقوف بعرفة. وقال جمهور أهل العلم: حجه تام ولا يفسده ترك الوقوف بالمزدلفة". أحكام القرآن: ١/٣١٣.
وقال ابن عبد البر: فكان علقمة بن قيس، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وروي ذلك عن ابن الزبير، وهو قول الأوزاعي أنهم قالوا: من لم ينزل بالمزدلفة وفاته الوقوف بها فقد فاته الحج ويجعلها عمرة. الاستذكار: ١٣/٣٥..

٧٨- روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر الناس يقفون بعرفة، قالت : فلما جاء الإسلام، أمر الله نبيه أن يأتي عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله :﴿ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ﴾١. ( ت : ٢٤/٤٢٢ ).
١ - أخرجه الإمام البخاري في التفسير، سورة البقرة: ١٩٨: ٥/١٥٨. وانظر جامع البيان: ٢/٢٩١..
٧٩- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، أخبرنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الملك بن بحر الجلاد، أخبرنا محمد بن إسماعيل الصايغ، أخبرنا سنيد قال : أخبرنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين وهشام بن حسان جميعا عن الحسن في قوله تعالى :﴿ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ﴾، قال : الحسنة في الدنيا : العلم والعبادة، والحسنة في الآخرة : الجنة.
وقال ابن وهب : سمعت سفيان الثوري يقول : الحسنة في الدنيا : الرزق الطيب والعلم، والحسنة في الآخرة : الجنة١. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/٦٢ ).
١ - قال القرطبي: "الذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين: نعم الدنيا والآخرة. وهذا هو الصحيح، فإن اللفظ يقتضي هذا كله، فإن "حسنة" نكرة في سياق الدعاء، فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل، وحسنة الآخرة: الجنة بإجماع. وقيل: لم يرد حسنة واحدة، بل أراد: أعطنا في الدنيا عطية حسنة، فحذف الاسم". الجامع لأحكام القرآن: ٢/٤٣٢- ٤٣٣..
٨٠- قال أبو عمر : لا خلاف بين العلماء أن أيام منى هي الأيام المعدودات١ التي ذكر الله –عز وجل- في قوله :﴿ واذكروا الله في أيام معدودات ﴾، وهي أيام التشريق، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها. ( ت : ٢١/٢٣٣ ).
١ - قال القرطبي: وقال الثعلبي، وقال إبراهيم: الأيام المعدودات: أيام العشر، والأيام المعلومات: أيام النحر؛ وكذا حكى مكي والمهدي أن الأيام المعدودات هي أيام العشر، ولا يصح، لما ذكرنا من الإجماع، على ما نقله أبو عمر ابن عبد البر وغيره. الجامع: ٣/١..
٨١- لما هاجر النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة لحقه صهيب١ إلى المدينة، فقالت قريش : لا تفجعنا بنفسك ومالك. فرد إليهم ماله، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم_ :( ربح البيع أبا يحيى ) وأنزل الله تعالى في أمره :﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ﴾٢. ( الاستيعاب : ٢/٧٢٨- ٧٢٩ ).
١ - هو صهيب بن سنان الرومي، يعرف بذلك، لأنه أخذ لسان الروم، إذ سبوه وهو صغير، وهو نمري من النمر بن قاسط، لا يختلفون في ذلك. الاستيعاب: ٢/٧٢٦..
٢ - ذكره في الدر المنصور: ١/٥٧٥- ٥٧٦..
٨٢- كان واقد التميمي مع عبد الله بن جحش حين بعثه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى نخلة، فلقي عمرو بن الحضرمي خارجا نحو العراق فقتله واقد التميمي. فبعث المشروكون –أهل مكة- إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- : إنكم تعظمون الشهر الحرام، وتزعمون أن القتال فيه لا يصلح، فما بال صاحبكم قتل صاحبنا ؟ فأنزل الله –عز وجل- :﴿ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ﴾ الآية١. ( المصدر السابق : ٤/١٥٥٠. وانظر الدرر في اختصار المغازي والسير : ١٠٨، ١٠٩ ).
١ - قال ابن جرير الطبري: لا خلاف بين أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في سبب قتل ابن الحضرمي وقاتله. جامع البيان: ٢/٣٤٧. وانظر الدر المنثور: ١/٦٠٠- ٦٠٤..
٨٣- روى سفيان الثوري عن حماد، قال : سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية ؟ فقال : لا بأس به، فقلت : فإن الله تعالى يقول :﴿ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ﴾، قال : أهل الأوثان والمجوس١. ( س : ١٦/٢٦٦ ).
٨٤- وعلى هذا تأويل جماعة العلماء في قول الله –عز وجل- ﴿ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ﴾، أنهن الوثنيات والمجوسيات ؛ لأن الله تعالى قد أحل الكتابيات بقوله تعالى :﴿ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ﴾٢، يعني العفائف، لا من شهر زناها من المسلمات، ومنهم من كره نكاحها ووطأها بملك اليمين ما لم يكن منهن توبة، لما في ذلك من إفساد النسب. ( س : ١٦/٢٦٩ ).
١ - انظر الدر المنثور: ١/٦١٥..
٢ - سورة المائدة: ٦..
٨٥- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى، قال : حدثنا محمد بن بكر١، قال : حدثنا أبو داود، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل، قال : حدثنا حماد، قال : حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك : أن اليهود كانت إذا حاضت منهن امرأة أخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله :﴿ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ﴾-الآية٢. ( ت : ٣/١٦٢- ١٦٣ ).
٨٦- بان في هذا الحديث المعنى الذي فيه نزلت الآية ومراد الله بها على لسان نبيه عليه السلام. ( س : ٣/١٨٣ ).
٨٧- ذكر مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، سئلا عن الحائض، هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل ؟ فقالا : لا. حتى تغتسل٣.
فإن قيل : إن في قوله تعالى :﴿ ولا تقربوهن حتى يطهرن ﴾، دليلا على أنهن إذا طهرن من المحيض حل ما حرم منهن من أجل المحيض ؛ لأن " حتى " غاية، فما بعدها بخلافها. فالجواب أن في قوله تعالى :﴿ فإذا تطهرن ﴾، دليلا على تحريم الوطء بعد الطهر حتى يتطهرن بالماء ؛ لأن تطهرن تفعلن، من قوله :﴿ وإن كنتم جنبا فاطهروا ﴾٤، ويريد الاغتسال بالماء، وقد يقع التحريم بالشيء ولا يزول بزواله لعلة أخرى. دليل ذلك قوله تعالى في المبتوتة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾٥، وليس بنكاح الزوج تحل له حتى يطلقها الزوج وتعتد منه.
ومن ذلك قوله عليه السلام :( لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة )٦، ومعلوم أنها لا توطأ نفساء ولا حائض حتى تطهر، ولم تكن " حتى " هنا بمبيحة لما قام الدليل على حظره. ( س : ٣/١٨٩ ).
١ - هو الشيخ الثقة العالم، أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة، البصري التمار راوي "السنن". سمع أبا داود السجستاني، وأبا جعفر ابن الحسن بن يونس الشيرازي، وإبراهيم بن فهد الساجي... وروى عنه أبو سليمان حمد الخطابي، وأبو بكر ابن المقرئ، وعبد الله بن محمد بن عبد المومن القرطبي شيخ ابن عبد البر، وآخرون. توفي سنة ٣٤٦هـ، انظر سير أعلام النبلاء: ١٥/٥٣٨- ٥٣٩..
٢ - أخرجه أبو داود في النكاح، باب في إتيان الحائض ومباشرتها: ٢/٢٥٠..
٣ - ذكر ذلك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض: ٣٩..
٤ - سورة المائدة: ٧..
٥ - سورة البقرة: ٢٢٨..
٦ - أخرجه أبو داود في النكاح، باب في وطء السبايا: ٢/٢٤٨. والدارمي في الطلاق، باب في استبراء الأمة: ٢/١٧١. والإمام أحمد: ٣/٦٢ و٨٧..
٨٨- قيل في قول الله –عز وجل- :﴿ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ﴾، إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. قاله جماعة من العلماء١ ؛ وإن كان في ذكر الآية قولان٢ غير هذا. ( ت : ٣/١٤٩ ).
١ - ذكر منهم ابن جرير الطبري: سعيد ابن المسيب وابن عباس. انظر جامع البيان: ٢/٣٩٥..
٢ - هما: إتيان المرأة في الفرج أنى شاء زوجها، والثاني إتيانها في الدبر، وهو محرم عند جمهور العلماء، قال القرطبي: ذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم. و"حرث" تشبيه، لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع. الجامع: ٣/٩٣..
٨٩- روى ابن المبارك عن الحجاج، عن الوليد بن العيزار، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله :﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ﴾، قال : هو الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كذلك وليس كذلك.
وجاء عن الحسن، وإبراهيم، وسليمان بن يسار، ومجاهد، وأبي مالك، وزرارة بن أوفى مثل ذلك. وإليه ذهب مالك وأصحابه، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأصحابه ؛ إلا أن مالكا وأصحابه يقولون : إن اللغو : أن يحلف على الشيء الماضي يوقن أنه كما حلف عليه ولا يشك فيه ؛ فإن شك فيه، فهي عندهم يمين غموس حينئذ لا كفارة فيها، لعظم إثمها كاليمين الغموس الكاذبة سواء.
وقالوا آخرون : اللغو : قول الرجل لا والله، وبلى والله، وهو غير معتقد لليمين ولا مريد لها. هذا قول عائشة وجماعة من التابعين، وفقهاء المسلمين، منهم الشافعي. ( ت : ٢١/٢٤٨-٢٤٩. وانظر س : ١٥/٦٠-٦١ ).
٩٠- ذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله تعالى :﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ﴾، قالت : هم القوم يتدارؤون بقول أحدهم : لا والله، وبلى والله، وكلا والله، لا تعقد عليه قلوبهم١.
وروى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم- قالت : أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحات والحديث الذي لا يعقد عليه القلب٢.
وذكر الشافعي قول عائشة في اللغو أنه : لا والله، وبلى والله، وقال : اللغو في لسان العرب : الكلام غير المعقود عليه، وهو معنى ما قالت عائشة.
قال مالك : أحسن ما سمعت في هذا : أن اللغو : حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك، ثم يوجد على غير ذلك، فهو اللغو، وليس فيه كفارة٣. ( س : ١٥/٦١ ).
١ - ذكره في المصنف، كتاب الأيمان والنذور، باب اللغو وما هو: ٨/٤٧٤..
٢ - أورده القرطبي في الجامع: ٣/٩٩..
٣ - ذكره في الموطأ، كتاب النذور والأيمان، باب اللغو في اليمين: ٢٩٧..
٩١- الفيء في لسان العرب : الرجوع ؛ يقال : فاء الظل أي رجع، وفاء الرجل، أي رجع، ومثله قوله –عز وجل- :﴿ فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ﴾، أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم، وحنثوا أنفسهم، وقال جل وعز :﴿ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾١، أي تراجع أمر الله، وترجع إلى أمر الله. ( ت : ١٣/٢٠١. وانظر س : ٢٦/١٥٨ ).
٩٢- قال أبو عمر : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن قول الله تعالى :﴿ فإن فاءوا ﴾، هو الجماع لمن قدر عليه، فصار بإجماعهم على ذلك من المحكم٢. ( س : ١٧/١٠١ ).
١ - سورة الحجرات: ٩..
٢ - النص المحكم من القرآن وغيره هو الذي لا تتوقف معرفته على البيان. انظر البرهان في علوم القرآن: ٢/٦٨. والإتقان في علوم القرآن: ٢/٢..
٩٣- قال القتبي في قول الله –عز وجل- :﴿ ثلاثة قروء ﴾، هي الحيض وهي الأطهار أيضا، واحدها قرء، وتجمع أقراء.
قال١ : وإنا جعل الحيض قرءا، والطهر قرءا ؛ لأن أصل القرء في كلام العرب الوقت، يقال : رجع فلان لقروئه، ولقارئه، أي لوقته.
قال أبو عمر : فهذا أصل القرء في اللغة، وأما معناه في الشريعة، فاختلف العلماء في مراد الله –عز وجل- من قوله :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾، فقال منهم قائلون٢ : الأقراء : الحيض ههنا، واستدلوا بأشياء كثيرة، منها قول الله –عز وجل- :﴿ ثلاثة قروء ﴾، قالوا : والمطلق في الطهر إذا مضى بعضه واعتدت به امرأته، فلم تعتد، ولم تتربص ثلاثة قروء ؛ وإنما تربصت قرءين وبعض الثالث إذا كانت الأقراء الأطهار، قالوا : والله –عز وجل- يقول :﴿ ثلاثة قروء ﴾، فلابد أن تكون كاملة. ( ت : ١٥/٨٨- ٤٩ ).
٩٤- وممن ذهب إلى هذا : سفيان الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين، وأكثر العراقيين، وهو الذي استقر عليه أحمد بن حنبل- فيما ذكر الخرقي٣ عنه، خلاف ما حكى الأثرم عنه. ( ت : ١٥/٩٠ ).
٩٥- وقال آخرون : الأقراء التي عنى الله –عز وجل- وأرادها بقوله في المطلقات :﴿ يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾، هي الأطهار، ما بين الحيضة والحيضة قرء، قالوا : وهو المعروف من لسان العرب على ما ذكرنا من أهل العلم باللغة في هذا الباب ؛ قالوا : وإنما هو جمع الرحم الدم، لا طهوره، ومنه قرأت الماء في الحوض – أي جمعته، وقرأت القرآن- أي ضممت بعضه إلى بعض بلسانك ؛ قالوا : والدليل على أن الأطهار هي الأقراء التي أمر الله المطلقة أن تتربصها، أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالطلاق في الطهر لمن شاء أن يطلق. وقوله في العدة التي أمر الله –عز وجل- أن يطلق لها النساء٤. فبين مراد الله –عز وجل- من قوله :﴿ فطلقوهن لعدتهن ﴾٥ أو لقبل عدتهن، وهو المبين عن الله مراده – صلى الله عليه وسلم. ( ت : ١٥/٩١-٩٢. وانظر س : ١٨/٢٧- ٢٩ ).
٩٦- وممن ذهب إلى أن الأقراء : الأطهار، مالك، والشافعي، وداود بن علي، وأصحابهم وهو قول عائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر. ( ت : ١٥/٩٢ ).
١ - أي القتبي السالف الذكر..
٢ - سيأتي ذكره للبعض منهم في النص الموالي..
٣ - هو عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو القاسم الخرقي. قرأ العلم على من قرأه على أبي بكر المروذي، وحرب الكرماني، وصالح، وعبد الله: ابني الإمام أحمد... وقرأ عليه جماعة من الشيوخ من داخل المذهب الحنبلي، منهم: أبو عبد الله ابن بطة، والحسين التميمي، وأبو الحسين ابن شمعون وغيرهم. توفي سنة ٣٣٤هـ انظر طبقات الحنابلة: ٢/٧٥- ١١٨. وسير أعلام النبلاء: ١٥/٣٦٣- ٣٦٤..
٤ - أخرج الإمام مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر بن الخطاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :(مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء). الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض: ٣٦٨..
٥ - سورة الطلاق: ١..
٩٧- مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها. حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها. ثم قال : لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾، فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق١.
مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ﴾، يعظهم الله بذلك٢.
قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، وذلك حبس الرجل المرأة، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها.
وأجمع العلماء على أن قوله –عز وجل- :﴿ أو تسريح بإحسان ﴾، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى :﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾.
وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. ( س : ١٨/١٥٧- ١٥٨ ).
٩٨- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ فإن طلقها ﴾، يعني الثالثة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها، لا بملك يمينه، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى، مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفية، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
وكان ابن عباس، وعطاء، والحسن، يقولون : إذا اشتراها الذي بتَّ طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله –عز وجل- :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٣.
قال أبو عمر : هذا خطأ من القول ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾، لا يبيح الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فكذلك سائر المحرمات. ( س : ١٦/٢٤٢- ٢٤٣ ).
٩٩- قال الله –عز وجل- :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾، يعني في حسن العشرة، والقيام بحق الزوج، وقيامه بحقها، ﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾. ( س : ١٧/١٨١ ).
١٠٠- ﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ﴾، وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن، لو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن، وقد انقضت عدتهن. ( س : ٤/٩٥ ).
١ - الموطأ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق: ٣٧٦- ٣٧٧..
٢ - المصدر السابق: ٣٧٧..
٣ - سورة النساء: ٣..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢٩:٩٧- مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها. حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها. ثم قال : لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾، فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق١.
مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ﴾، يعظهم الله بذلك٢.
قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، وذلك حبس الرجل المرأة، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها.
وأجمع العلماء على أن قوله –عز وجل- :﴿ أو تسريح بإحسان ﴾، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى :﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾.
وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. ( س : ١٨/١٥٧- ١٥٨ ).

٩٨-
قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ فإن طلقها ﴾، يعني الثالثة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها، لا بملك يمينه، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى، مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفية، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
وكان ابن عباس، وعطاء، والحسن، يقولون : إذا اشتراها الذي بتَّ طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله –عز وجل- :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٣.
قال أبو عمر : هذا خطأ من القول ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾، لا يبيح الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فكذلك سائر المحرمات. ( س : ١٦/٢٤٢- ٢٤٣ ).

٩٩-
قال الله –عز وجل- :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾، يعني في حسن العشرة، والقيام بحق الزوج، وقيامه بحقها، ﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾. ( س : ١٧/١٨١ ).

١٠٠-
﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ﴾، وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن، لو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن، وقد انقضت عدتهن. ( س : ٤/٩٥ ).
١ - الموطأ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق: ٣٧٦- ٣٧٧..
٢ - المصدر السابق: ٣٧٧..
٣ - سورة النساء: ٣..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢٩:٩٧- مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها. حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها. ثم قال : لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾، فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق١.
مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ﴾، يعظهم الله بذلك٢.
قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، وذلك حبس الرجل المرأة، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها.
وأجمع العلماء على أن قوله –عز وجل- :﴿ أو تسريح بإحسان ﴾، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى :﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾.
وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. ( س : ١٨/١٥٧- ١٥٨ ).

٩٨-
قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ فإن طلقها ﴾، يعني الثالثة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها، لا بملك يمينه، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى، مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفية، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
وكان ابن عباس، وعطاء، والحسن، يقولون : إذا اشتراها الذي بتَّ طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله –عز وجل- :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٣.
قال أبو عمر : هذا خطأ من القول ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾، لا يبيح الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فكذلك سائر المحرمات. ( س : ١٦/٢٤٢- ٢٤٣ ).

٩٩-
قال الله –عز وجل- :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾، يعني في حسن العشرة، والقيام بحق الزوج، وقيامه بحقها، ﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾. ( س : ١٧/١٨١ ).

١٠٠-
﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ﴾، وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن، لو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن، وقد انقضت عدتهن. ( س : ٤/٩٥ ).
١ - الموطأ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق: ٣٧٦- ٣٧٧..
٢ - المصدر السابق: ٣٧٧..
٣ - سورة النساء: ٣..

١٠١- قال أبو عمر : حجة من قال : لا نكاح إلا بولي١ أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد ثبت عنه أنه قال :( لا نكاح إلا بولي )٢، وقال الله –عز وجل- :﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ﴾، وهذه الآية نزلت في معقل بن يسار إذ عضل أخته عن مراجعة زوجها، ولولا أن له حقا في الإنكاح ما نهي عن العضل.
وأما افتتاح هذه الآية بذكر الأزواج ثم الميل إلى الأولياء فذلك معروف في لسان العرب، كما قال :﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ﴾٣، فخاطب المتبايعين ثم قال ؛ ﴿ ممن ترضون من الشهداء ﴾٤، فخاطب الحكام- وهذا كثير ؛ والرواية الثابتة في معقل بن يسار تبين ما قلنا، وسنذكرها- إن شاء الله. ( ت : ١٩/٨٥ ).
١٠٢- أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن المثنى، قال : حدثنا أبو عامر، قال : حدثنا عباد بن راشد عن الحسن، قال : حدثنا معقل بن يسار، قال : كانت لي أخت تخطب إلي، فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها ؛ فلما خطبت، أتاني يخطبها، فقلت : والله لا أنكحتكها أبدا، قال : ففي نزلت :﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ﴾، قال : فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه٥. ( ت : ١٩/٨٩ ).
١٠٣- قال أبو عمر : هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقا في الإنكاح، ولا نكاح إلا به ؛ لأنه لولا ذلك ما نهي عن العضل، ولاستغنى عنه.
وقال مجاهد، وعكرمة، وابن جريج : نزلت :﴿ فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ﴾، في أخت معقل بن يسار. قال ابن جريج : أخته حمل بنت يسار، كانت تحت أبي البداح٦، فطلقها وانقضت عدتها، فرغب فيها وخطبها، فعضلها معقل بن يسار، فنزلت الآية.
قال أبو عمر : فقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلى بولي، فلا معنى لما خالفهما، ألا ترى أن الولي نهي عن العضل، فقد أمر بخلاف العضل، وهو التزويج، كما أن الذي نهي عن أن يبخس الناس، قد أمر بأن يوفي الكيل والوزن، وهذا بين كثير – وبالله التوفيق. ( ت : ١٣/٩٠. وانظر س : ١٦/٣٩ ).
١ - قال ابن رشد الحفيد: اختلف العلماء هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أم ليست بشرط؟ فذهب مالك إلى أنه لا يكون نكاح إلا بولي، وأنها شرط في الصحة في رواية أشهب عنه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وزفر والشعبي والزهري: إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جاز، وفرق داود بين البكر والثيب، فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب. بداية المجتهد: ٢/١٦..
٢ - أخرجه أبو داود في النكاح، باب في الولي: ٢/٢٩٩. والترمذي في النكاح أيضا، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي: ٢/٢٨٠. وابن ماجة في النكاح أيضا، باب لا نكاح إلا بولي: ١/٦٠٥. والدارمي في النكاح كذلك، باب النهي عن النكاح بغير ولي: ٢/١٣٧. والإمام أحمد: ١/٢٥٠، و٤/٣٩٤ و٤١٣ و٤١٨..
٣ - سورة البقرة: ٢٨١..
٤ - نفسها..
٥ - سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في العضل: ٢/٢٣٠..
٦ - هو أبو البداح ابن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي، من قضاعة، ثم الأنصاري، حليف لبني عمرو ابن عوف، اختلف فيه، فقيل: الصحبة لأبيه، وهو من التابعين، وقيل: أبو البداح له صحبة، وهو الذي توفي عن سبيعة الأسلمية إذ خطبها أبو السنابل ابن بعكك، ذكره ابن جريج وغيره، وهو الصحيح في أن له صحبة، والأكثر يذكرونه في الصحابة، وقيل: أبو البداح لقب، وكنيته أبو عمرو. الاستيعاب: ٤/١٦٠..
١٠٤- قال أبو عمر : لما كان عموم الآيتين معارضا، أعني قول الله –عز وجل- :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ﴾، وقوله :﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾١، لم يكن بد من بيان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لمراد الله منهما على ما أمره الله –عز وجل- بقوله :﴿ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ﴾٢، فبين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مراد الله من ذلك بما أفتى به سبيعة الأسلمية٣، فكل ما خالف ذلك، فلا معنى له من جهة الحجة، وبالله التوفيق. ( ت : ٢٠/٣٧ ).
١٠٥- روي عن إسحاق بن راهويه أنه قال : إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة، بانت وانقطعت الرجعة للزوج، إلا أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها، وروي نحوه عن ابن عباس، وهو قول ضعيف بدليل قول الله –عز وجل- :﴿ فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ﴾، وبلوغ الأجل هنا : انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة، فإذا انقضت عدتها حلت للأزواج، ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك. ( س : ١٨/٣٦- ٣٧ ).
١ - سورة الطلاق: ٤..
٢ - سورة النحل: ٤٤..
٣ - أخرج الإمام مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسوري بن مخرمة، أنه أخبره أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال. فقال لها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (قد حللت فانكحي من شئت) الموطأ، كتاب الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا: ٣٧٨..
١٠٦- مالك عن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه، أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى :﴿ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ﴾، أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها : إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا، ونحو هذا من القول١.
قال أبو عمر : حرم الله عقد النكاح في العدة بقوله :﴿ ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ﴾، وأباح التعريض بالنكاح في العدة.
ولم يختلف العلماء من السلف والخلف في ذلك، فهو من المحكم المجتمع على تأويله ؛ إلا أنهم اختلفوا في ألفاظ التعريض ؛ فقال القاسم بن محمد ما ذكره مالك في هذا الباب عنه٢. وذكر أبو بكر ابن أبي شيبة قال : حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه في ذلك، قال : يقول : إني بك لمعجب، وإني فيك راغب، وإني عليك لحريص، وأشباه ذلك٣.
وروى شعبة عن منصور، عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ﴾، قال : التعريض : ما لم ينصب٤ للخطبة٥. ( س : ١٦/١٥-١٦ ).
١ - الموطأ، كتاب النكاح، باب ما جاء في الخطبة: ٣٣٠- ٣٣١..
٢ - انظر بداية هذا النص..
٣ - ذكره في الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: ٣/٥٣٢. وهو أيضا في الدر المنثور: ١/٦٩٥..
٤ - أي ما لم يصرح بذلك..
٥ - أخرجه ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس. انظر جامع البيان: ٢/٥١٧..
١٠٧- يريد ما لم تمسوهن، وما لم تفرضوا لهن فريضة، يعني صداقا، فسماه نكاحا، وجعل فيه الطلاق ولم يكن فيه ذكر الصداق. ( ت : ١٤/٧٣، وانظر س : ١٦/٢٠٥ ).
١٠٨- حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال : حدثنا بكر بن محمد بن العلاء القشيري، قال : حدثنا زياد بن الخليل، قال : حدثنا إسماعيل بن خالد، عن الحارث ابن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم، قال : كنا نتكلم في الصلاة، يكلم أحدنا صاحبه في حاجته حتى نزلت هذه الآية :﴿ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ﴾ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام١.
ومما يؤكد أنها العصر حديث عمارة بن روبية، قال : سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول :( من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها حرمه الله على النار )٢. وهذا الحض بين يقتضي صلاة الصبح وصلاة العصر، والاختلاف القوي في الصلاة الوسطى إنما هو في هاتين الصلاتين، وما روي في الصلاة الوسطى في غير الصبح والعصر ضعيف لا تقوم به حجة.
وقد روى عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس :﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ﴾٣، قال : الصلاة المكتوبة يعني الصبح والعصر، وبه قال قتادة وغيره. ( س : ٥/٤٣٠ ).
١٠٩- وكل واحدة من الخمس وسطى، لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين، وبعدها صلاتين كما قال زيد بن ثابت في الظهر. والمحافظة على جميعهن واجب، والله المستعان٤. ( ت : ٤/٢٩٤، وكذا في س : ٥/٤٣١ ).
١١٠- قوله –عز وجل- :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾، أي قائمين، ففي هذه الآية فرض القيام أيضا عند أهل العلم ؛ لقوله –عز وجل- :﴿ وقوموا ﴾، ولقوله :﴿ قانتين ﴾، يريد : قوموا قانتين، يعني في الصلاة. ( ت : ١/١٣٦ ).
١ - انظر الدر المنثور: ١/٧٣٠..
٢ - أخرجه الإمام مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة كذلك، ولفظه: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الصلاة الصبح والعصر والمحافظة عليهما: ١/٤٤٠..
٣ - سورة ق: ٣٩..
٤ - قال الحافظ ابن كثير: وقيل: بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وفي صحته أيضا نظر. والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر ابن عبد البر النمري، إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختاره مع اطلاعه وحفظه، ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر. تفسير القرآن العظيم: ١/٢٩٥..
١١١- قال ابن عمر : مستقبل القبلة وغير مستقبلها، وهذا لا يجوز لمصلي الفرض في غير الخوف. ( س : ٧/٨١، وكذا في : ٦/١٣٢ ).
١١٢- حدثني أحمد بن محمد، قال : حدثني أحمد بن سليمان، قال : حدثني أبو داود، قال : حدثني أحمد بن كثير، قال : أخبرنا همام، قال : سمعت قتادة يقول في تفسير :﴿ وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ﴾، قال : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا كاملا من مال زوجها ما لم تخرج، ثم نسخ ذلك، فجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا، ونسخ النفقة في الحول، كما جعل الله لها من الثمن أو الربع ميراثا١.
قال أبو عمر : أما الحول فمنسوخ بالأربعة الأشهر والعشر، لا خلاف في ذلك. وأما الوصية بالسكنى والنفقة، فمن أهل العلم من رأى أنها منسوخة بالميراث، وهم أكثر أهل الحجاز، وأما أهل العراق، فذلك منسوخ عندهم بالسنة بأن ( لا وصية لوارث )٢. وما في الوجهين كان النسخ، فهو إجماع، إلا ما رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأنه منكر من القول لا يلتفت إليه. وقد ذكره البخاري، وبالله التوفيق٣. ( س : ١٨/٢٢٨- ٢٢٩ ).
١ - الذي أخرجه أبو داود في سننه قال: حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثني علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿والذين يتوفون منكم ويذكرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج﴾، فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن ونسخ أجل الحول، بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا. كتاب الطلاق، باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث: ٢/٢٨٩..
٢ - أخرج أبو داود في الوصيا، باب ما جاء في الوصية للوارث: ٣/١١٤. من حديث أبي أمامة، سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، وأخرجه الترمذي أيضا في الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث: ٣/٢٩٣. والنسائي في الوصايا كذلك، باب إبطال الوصية للوارث، من حديث عمرو بن خارجة: ٦/٢٤٧. وابن ماجة في الوصايا، باب لا وصية لوارث: ٢/٩٠٥- ٩٠٦. والدارمي في الوصايا، باب الوصية للوارث: ٢/٤١٩. والإمام أحمد: ٤/١٨٦ و١٨٧. وكذا في ٢٣٨ و٢٣٩..
٣ - انظر صحيح البخاري بشرح الكرماني، كتاب التفسير، البقرة: ٢٣٨: ١٧/٣٧- ٣٨..
١١٣- حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الله بن مسرور، حدثنا عيسى بن مسكين، حدثنا محمد بن سنجر. وأخبرنا إبراهيم بن شاكر، حدثنا محمد بن أحمد ابن يحيى، حدثنا أبو الحسن أحمد بن عبد الرحيم، حدثنا عمرو بن ثور، قالا : حدثنا الفريابي – محمد بن يوسف- قال : حدثنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال ابن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله :﴿ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ﴾، قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا، فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه، فأحياهم الله١.
قال الفريابي : وحدثنا ورقاء٢، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، في هذه الآية قال : وقع الطاعون في قريتهم، فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي، قال : فنجا الذين خرجوا، وهلك الذين أقاموا، فلما كانت الثانية، خرجوا بأجمعهم إلا قليلا، فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم، فرجعوا إلى بلدهم وقد توالدت ذريتهم. ( ت : ٦/٢١٣- ٢١٤، وكذا في س : ٢٦/٧٣ ).
١ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى ابن عباس. انظر جامع البيان: ٢/٥٨٦..
٢ - هو ورقاء بن عمر بن كليب، أبو بشر اليشكري، ويقال الشيباني أبو بشر الكوفي نزيل المدائن، أصله من خوارزم، ويقال من مرو. ويقال من لكوفة. روى عن عمرو بن دينار، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن أبي نجيح، وأبي الزناد... وعنه شعبة، وعبد الله بن المبارك، والفريابي وآخرون. توفي سنة نيف وستين ومائة. انظر تاريخ بغداد: ١٣/٤٨٤- ٤٨٧. وسير أعلام النبلاء: ٧/٤١٩- ٤٢٢..
١١٤- لما نزلت :﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ﴾، كان أبو الدحداح١ نازلا في حائط له هو وأهله، فجاء إلى امرأته، فقال : اخرجي يا أم الدحداح، فقد أقرضته الله –عز وجل-، فتصدق بحائطه على الفقراء والمساكين٢. ( الاستيعاب : ٤/١٦٤٥- ١٦٤٦ ).
١ - قال ابن عبد البر: ويقال أبو الدحداحة، فلان بن الدحداحة، مذكور في الصحابة، لا أقف له على اسم ولا نسب أكثر من أنه من الأنصار، حليف لهم. الاستيعاب: ٤٥/١٦٤٥..
٢ - انظر جامع البيان: ٢/٥٩٣..
١١٥- قيام وقيوم وقيم بمعنى واحد، وهو الدائم الذي لا يزول، وقيام : فيعال، وقيوم : فيعول، وقيم فيعل. ( ت : ١٢/١٩٠ ).
١١٦- قرئت ﴿ الحي القيوم ﴾ و﴿ الحي القيام ﴾، وفي مصحف ابن مسعود :﴿ القيم ﴾، وكل ذلك حسن. ( ت : ١٢/١٩١ ).
١١٧- انفصام العروة أن تنفك عن موضعها. وأصل الفصم عند العرب أن تفك الخلخال ولا تبين كسره، فإذا كسرته فقد قصمته – بالقاف- قال ذو الرمة :
كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم١
( س : ٨/٦٧- ٦٨ ).
١ - انظر ديوانه: ١/٣٩١، وفيه "عذارى" بدل "جواري"..
١١٨- ذكر وكيع عن زيد بن إبراهيم عن الحسن، قال : كان الرجل يتصدق برذالة ماله، فنزلت الآية :﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ﴾١. ( ت : ٦/٨٦ ).
١١٩- أخبرنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا أحمد بن شعيب، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين –قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب قال : حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أن ابن شهاب حدثه قال : حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، في هذه الآية، التي قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ﴾، قال : هو الجعرور ولون حبيق٢، فنهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أن يؤخذ في الصدقة٣. ( ت : ٦/٨٥، وكذا في س : ٩/٢٤٢-
٢٤٣ ).
١٢٠- قال أبو عمر : هذا باب مجتمع عليه لا اختلاف فيه أنه لا يؤخذ هذان اللونان من التمر في الصدقة إذا كان معهما غيرهما، فإن لم يكن معهما غيرهما، أخذ منهما، وكذلك الردئ كله، لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره ؛ لأنه حينئذ تيمم للخبيث إذا أخرج عن غيره. ( ت : ٦/٨٦، وكذا في س : ٩/٢٤٣ ).
١٢١- أما التيمم، فمعناه في اللغة : القصد، ومعناه في الشريعة : القصد إلى الصعيد خاصة للطهارة عند عدم الماء، فيضرب عليه من كفيه ثم يمسح بهما وجهه ويديه.
قال أبو بكر ابن الأنباري : قولهم قد تيمم الرجل، معناه : قد مسح التراب على يديه ووجهه ؛ قال : وأصل " تيمم " : قصد، فمعنى تيمم : قصد التراب فتمسح به، قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ﴾، معناه : ولا تعمدوا الخبيث فتنفقوا منه. ( ت : ١٩/٢٨٠ ).
١ - أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان: ٣/٨٣..
٢ - الجعرور والحبيق نوعان من أنواع التمر الرديئة التي لا خير فيها. انظر النهاية في غريب الحديث مادة "جعر" ١/٢٧٦. ومادة "حبق": ١/٣٣١..
٣ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى سهل بن حنيف. انظر جامع البيان: ٣/٨٣..
١٢٢- قيل لبعض العلماء : إن الله قال :﴿ يمحق الله الربا ﴾، وإنما نرى أصحاب الربا تنمى أموالهم، فقال : إنما يمحق الله الربا حيث يربي الصدقات ويضعفها، وذلك في القيامة إذا نظر العبد إلى أعماله فرآها ممحوقة، أو مضاعفة كما قال١. ( ت : ٢٣/١٧٤ ).
١ - قال ابن جرير الطبري: فإن قال لنا قائل: وكيف إرباء الله الصدقات؟ قيل: إضعافه الأجر لربها، كما قال جل ثناؤه: ﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة﴾ البقرة: ٢٦٠. وكما قال: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة﴾ البقرة: ٢٤٣. جامع البيان: ٣/١٠٤- ١٠٥..
١٢٣- قال أبو عمر : ليس في قول الله –عز وجل- :﴿ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ﴾، ما يقضي على ألا يحكم إلا بهذا، بل المعنى فيه : أن يحكم بهذا وبكل ما يجب الحكم به من الكتاب والسنة.
وقد سن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القضاء باليمين مع الشاهد، فكان زيادة بيان١. ( س : ٢٢/٥٧ ).
١ - أخرج الإمام مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد. الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين مع الشاهد: ٤٧٣..
Icon