تفسير سورة سورة البقرة من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن
المعروف بـفتح البيان
.
لمؤلفه
صديق حسن خان
.
المتوفي سنة 1307 هـ
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة البقرة
قال القرطبي مدنية نزلت في مدد شتى، وقيل أول سورة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى :﴿ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ﴾ فإنها آخر آية نزلت من السماء، ونزلت يوم النحر في يوم حجة الوداع بمنى، قال ابن عباس، وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن ؛ وقد ورد في فضلها أحاديث وآثار كثيرة في الصحاح والسنن وغيرها ؛ ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي وما هو خاص بخواتيم هذه السور : وما هو في فضلها وفضل آل عمران : وما هو في فضل السبع الطوال، وليطلب ذلك من مواطنه.
وهي مائتان وست وقيل وسبع وثمانون آية. قال ابن العربي فيها ألف أمر. وألف نهي ؛ وألف حكم، وألف خبر، أخذها بركة ؛ وتركها حسرة لا تستطيعها البطلة، وهم السحرة.
سورة البقرة
قال القرطبي مدنية نزلت في مدد شتى، وقيل أول سورة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى :﴿ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ﴾ فإنها آخر آية نزلت من السماء، ونزلت يوم النحر في يوم حجة الوداع بمنى، قال ابن عباس، وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن ؛ وقد ورد في فضلها أحاديث وآثار كثيرة في الصحاح والسنن وغيرها ؛ ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي وما هو خاص بخواتيم هذه السور : وما هو في فضلها وفضل آل عمران : وما هو في فضل السبع الطوال، وليطلب ذلك من مواطنه.
وهي مائتان وست وقيل وسبع وثمانون آية. قال ابن العربي فيها ألف أمر. وألف نهي ؛ وألف حكم، وألف خبر، أخذها بركة ؛ وتركها حسرة لا تستطيعها البطلة، وهم السحرة.
ﰡ
ﭑ
ﰀ
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)(الم) قال القرطبي اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور؛ فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين هي سر الله في القرآن؛ ولله في كل كتاب من كتبه سر؛ فهي من التشابه الذي انفرد الله بعلمه؛ ولا نحب أن نتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونمرها كما جاءت، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب؛ قال وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر؛ وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها ولا يلزم البحث عنها فهي مما استأثر الله بعلمه.
وقال أبو حاتم لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله عز وجل؛ وقال جمع من العلماء كثير: بل نحب أن نتكلم فيها؛ ونلتمس الفوائد التي تحتها، والمعاني التي تتخرج عليها، واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة، فروي عن ابن عباس وعلي أيضاً أن الحروف المقطعة من القرآن اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها، وقال قطرب والمبرد والفراء وغيرهم واختاره جمع عظيم من المحققين هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من الحروف التي بني كلامهم عليها ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم، إذ لم يخرج عن كلامهم، قال قطرب كانوا ينفرون عند استماع القرآن فلما نزل (ألم، المص) استنكروا هذا اللفظ فلما أنصتوا له - ﷺ - أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في
65
أسماعهم وآذانهم، ويقيم الحجة عليهم (١).
وقال جماعة هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بعينها كقول ابن عباس وغيره الألف من الله واللام من جبريل، والميم من محمد، وذهب إلى هذا الزجاج فقال اذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى، وقد تكلمت العرب بحروف مقطعة كقوله " فقلت لها قفي فقالت قاف " أي وقفت وفي الحديث " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة " قال شقيق هو أن يقول في أقتل أق. كما قال النبي في كفى بالسيف شا أي شافياً (٢).
وقال بعضهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون، والمعنى أن الله الواحد أنزل ثلاثين جزأ من القرآن على محمد - ﷺ - بعدما بلغ أربعين سنة التي بعثه عندها إلى الخلق، وقال زيد بن أسلم هي أسماء للسور، وقال الكلبي هي أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها وهي من أسمائه، وقيل إن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب مستوية فيها بخلاف النطق باساميها وهو خاص بمن خط وقرأ والنبي - ﷺ - أمي فأتى بها كذلك زيادة في الإعجاز، وقيل غير ذلك مما لا يأتي عليه الحصر، وقد ذكر شطراً منها الرازي في تفسيره.
ومن أدق ما أبرزه المتكلمون في معاني هذه الحروف ما ذكره الزمخشري في الكشاف حيث قال إنك إذا تأملت ما أورده الله سلطانه في الفواتح من هذه الاسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء، وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء، ومن
_________
(١) ضعيف الجامع الصغير ٤١٧٩
(٢) ضعيف الجامع الصغير ٥٤٥٤.
وقال جماعة هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بعينها كقول ابن عباس وغيره الألف من الله واللام من جبريل، والميم من محمد، وذهب إلى هذا الزجاج فقال اذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى، وقد تكلمت العرب بحروف مقطعة كقوله " فقلت لها قفي فقالت قاف " أي وقفت وفي الحديث " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة " قال شقيق هو أن يقول في أقتل أق. كما قال النبي في كفى بالسيف شا أي شافياً (٢).
وقال بعضهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون، والمعنى أن الله الواحد أنزل ثلاثين جزأ من القرآن على محمد - ﷺ - بعدما بلغ أربعين سنة التي بعثه عندها إلى الخلق، وقال زيد بن أسلم هي أسماء للسور، وقال الكلبي هي أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها وهي من أسمائه، وقيل إن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب مستوية فيها بخلاف النطق باساميها وهو خاص بمن خط وقرأ والنبي - ﷺ - أمي فأتى بها كذلك زيادة في الإعجاز، وقيل غير ذلك مما لا يأتي عليه الحصر، وقد ذكر شطراً منها الرازي في تفسيره.
ومن أدق ما أبرزه المتكلمون في معاني هذه الحروف ما ذكره الزمخشري في الكشاف حيث قال إنك إذا تأملت ما أورده الله سلطانه في الفواتح من هذه الاسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء، وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء، ومن
_________
(١) ضعيف الجامع الصغير ٤١٧٩
(٢) ضعيف الجامع الصغير ٥٤٥٤.
66
المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون، ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والقاف، ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون، ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء، ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون، ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء، ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون، ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء.
ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها، فسبحان الذي دق في كل شيء حكمته، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم.
ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر، انتهى وتبعه في ذلك جماعة من أهل التفسير منهم الخازن والنسفي والبيضاوي والخطيب وأبو السعود وغيرهم.
(أقول) هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها، وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال فهذا متيسر بأن يقال لهم هذا القرآن هو من الحروف التي يتكلمون بها ليس من حروف مغايرة لها، فيكون هذا تبكيتاً وإلزاماً يفهمه كل سامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة، فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح هو أيضاً مما لا يفهمه أحد من السامعين
ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها، فسبحان الذي دق في كل شيء حكمته، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم.
ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر، انتهى وتبعه في ذلك جماعة من أهل التفسير منهم الخازن والنسفي والبيضاوي والخطيب وأبو السعود وغيرهم.
(أقول) هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها، وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال فهذا متيسر بأن يقال لهم هذا القرآن هو من الحروف التي يتكلمون بها ليس من حروف مغايرة لها، فيكون هذا تبكيتاً وإلزاماً يفهمه كل سامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة، فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح هو أيضاً مما لا يفهمه أحد من السامعين
67
ولا يتعقل شيئاً منه فضلاً أن يكون تبكيتاً له وإلزاماً للحجة إياه فإن ذلك هو أمر وراء الفهم مترتب عليه، ولم يفهم السامع هذا، ولا ذكر أهل العلم عن فرد من أفراد الجاهلية الذين وقع التحدي لهم بالقرآن أنه بلغ فهمه إلى بعض هذا فضلاً عن كله.
ثم كون هذه الحروف مشتملة على النصف من جميع الحروف التي تركبت لغة العرب منها، وذلك النصف مشتملاً على أنصاف تلك الأنواع من الحروف المتصفة بتلك الأوصاف هو أمر لا تتعلق به فائدة لجاهلي ولا إسلامي، ولا مقر، ولا منكر، ولا مسلم ولا معارض، ولا يصلح أن يكون مقصداً من مقاصد الرب سبحانه الذي أنزل كتابه للإرشاد إلى شرائعه والهداية به.
وهب أن هذه صناعة عجيبة، ونكتة غريبة، فليس ذلك مما يتصف بفصاحة ولا بلاغة حتى يكون مفيداً أنه كلام بليغ أو فصيح، وذلك لأن هذه الحروف الواقعة في الفواتح ليست من جنس كلام العرب حتى تتصف بهذين الوصفين، وغاية ما هناك أنها من جنس حروف كلامهم، ولا مدخل فيما ذكر.
وأيضاً لو فرض أنها كلمات متركبة بتقدير شيء قبلها أو بعدها لم يصح وصفها بذلك لأنها تعمية غير مفهومة للسامع إلا بأن يأتي من يريد بيانها بمثل ما يأتي به من أراد بيان الألغاز والتعمية، وليس ذلك من الفصاحة والبلاغة في ورد ولا صدر، بل من عكسهما وضد رسمهما.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك، وإذا سمعه السامع منهم كان معدوداً عنده من الرطانة، ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على حرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم
ثم كون هذه الحروف مشتملة على النصف من جميع الحروف التي تركبت لغة العرب منها، وذلك النصف مشتملاً على أنصاف تلك الأنواع من الحروف المتصفة بتلك الأوصاف هو أمر لا تتعلق به فائدة لجاهلي ولا إسلامي، ولا مقر، ولا منكر، ولا مسلم ولا معارض، ولا يصلح أن يكون مقصداً من مقاصد الرب سبحانه الذي أنزل كتابه للإرشاد إلى شرائعه والهداية به.
وهب أن هذه صناعة عجيبة، ونكتة غريبة، فليس ذلك مما يتصف بفصاحة ولا بلاغة حتى يكون مفيداً أنه كلام بليغ أو فصيح، وذلك لأن هذه الحروف الواقعة في الفواتح ليست من جنس كلام العرب حتى تتصف بهذين الوصفين، وغاية ما هناك أنها من جنس حروف كلامهم، ولا مدخل فيما ذكر.
وأيضاً لو فرض أنها كلمات متركبة بتقدير شيء قبلها أو بعدها لم يصح وصفها بذلك لأنها تعمية غير مفهومة للسامع إلا بأن يأتي من يريد بيانها بمثل ما يأتي به من أراد بيان الألغاز والتعمية، وليس ذلك من الفصاحة والبلاغة في ورد ولا صدر، بل من عكسهما وضد رسمهما.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك، وإذا سمعه السامع منهم كان معدوداً عنده من الرطانة، ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على حرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم
68
يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره، ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم، وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا.
وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين (الأول) التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ويضعون حماقات أنظارهم، وخزعبلات أفكارهم عليه (الثاني) التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح والسبيل القويم بل الجادة التي ما سواها مردوم، والطريقة العامرة التي ما عداها مهدوم، فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملوم أن يقول بملء فيه ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه، مع كونه ألفاظاً عربية، وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده، فإنه ينبغي أن يقال فيه أنه متشابه المتشابه، على فرض أن للفهم إليه سبيلاً، ولكلام العرب فيه مدخلاً، فكيف وهو خارج عن ذلك على كل تقدير.
وانظر كيف فهم اليهود عند سماع (الم) فإنهم لما لم يجدوها على نمط لغة العرب فهموا أن الحروف المذكورة رمز إلى ما يصطلحون عليه من العدد الذي يجعلونه لها كما أخرج ابن اسحق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله - ﷺ - وهو يتلو فاتحة سورة البقرة
وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين (الأول) التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ويضعون حماقات أنظارهم، وخزعبلات أفكارهم عليه (الثاني) التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح والسبيل القويم بل الجادة التي ما سواها مردوم، والطريقة العامرة التي ما عداها مهدوم، فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملوم أن يقول بملء فيه ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه، مع كونه ألفاظاً عربية، وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده، فإنه ينبغي أن يقال فيه أنه متشابه المتشابه، على فرض أن للفهم إليه سبيلاً، ولكلام العرب فيه مدخلاً، فكيف وهو خارج عن ذلك على كل تقدير.
وانظر كيف فهم اليهود عند سماع (الم) فإنهم لما لم يجدوها على نمط لغة العرب فهموا أن الحروف المذكورة رمز إلى ما يصطلحون عليه من العدد الذي يجعلونه لها كما أخرج ابن اسحق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله - ﷺ - وهو يتلو فاتحة سورة البقرة
69
(الم ذلك الكتاب لا ريب فيه) فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه (الم ذلك الكتاب) فقال أنت سمعته فقال نعم، فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله - ﷺ - فقالوا يا محمد ألم
69
يذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك (آلم ذلك الكتاب) قال بلى قالوا أجاءك بهذا جبريل من عند الله؟ قال نعم، قالوا لقد بعث الله من قبلك الأنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك، فقال حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه: الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله - ﷺ - فقال يا محمد هل مع هذا غيره قال نعم قال وما ذاك قال (المصَ) قال هذه أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة، هل مع هذا يا محمد غيره، قال نعم وما ذاك قال (الر) قال هذه أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان، هذه إحدى وثلاثون سنة ومائتان، فهل مع هذا غيره قال نعم (آلمر) قال فهذه أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان، ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً. ثم قاموا فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وستون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، فقالوا لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (١).
فانظر ما بلغت إليه أفهامهم من هذا الأمر المختص بهم من عدد الحروف مع كونه ليس من لغة العرب في شيء، وتأمل أي موضع أحق بالبيان من رسول الله - ﷺ - من هذا الموضع، فإن هؤلاء الملاعين قد جعلوا ما فهموه
_________
(١) لم أجده في صحاح الكتب بين يدي.
فانظر ما بلغت إليه أفهامهم من هذا الأمر المختص بهم من عدد الحروف مع كونه ليس من لغة العرب في شيء، وتأمل أي موضع أحق بالبيان من رسول الله - ﷺ - من هذا الموضع، فإن هؤلاء الملاعين قد جعلوا ما فهموه
_________
(١) لم أجده في صحاح الكتب بين يدي.
70
عند سماع (الم ذلك الكتاب) من ذلك العدد موجباً للتثبيط عن الإجابة له والدخول في شريعته، فلو كان لذلك معنى يعقل ومدلول يفهم لدفع رسول الله - ﷺ - ما ظنوه بادىء بدء حتى لا يتأثر عنه ما جاؤوا به من التشكيك على من معهم.
فإن قلت هل ثبت عن رسول الله - ﷺ - في هذه الفواتح شيء يصلح للتمسك به.
قلت لا أعلم أن رسول الله - ﷺ - تكلم في شيء من معانيها بل غاية ما ثبت عنه هو مجرد عدد حروفها، فأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - ﷺ - (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " (١) وله طرق عن ابن مسعود.
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي ونحوه مرفوعاً.
فإن قلت هل روي عن الصحابة شيء من ذلك بإسناد متصل بقائله أم ليس إلا ما تقدم من حكاية القرطبي عن ابن عباس وعلي.
قلت قد روي عن ابن مسعود أنه قال (الم) حرف اشتقت من حروف اسم الله وعنه قال هي اسم الله الأعظم، وعن ابن عباس في قوله (الم وحمَ ونّ) قال اسم مقطع وعنه في فواتح السور قال هو قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
وعن الربيع بن أنس قال " ألف " مفتاح اسمه الله " ولام " مفتاح اسمه لطيف " وميم " مفتاح اسمه مجيد وقد روي نحو هذه التفاسير عن جماعة من
_________
(١) الدارمي ٢/ ٤٢٩ - الترمذي ٤/ ٥٣ - مشكاة المصابيح/٢١٣٧ وفي رواية للديلمي ١/ ١٣
والخطيب في التاريخ ١/ ٢٨٥ برواية: اقرؤا القرآن فإنكم تؤجرون إليه أما أني لا أقول الم....
فإن قلت هل ثبت عن رسول الله - ﷺ - في هذه الفواتح شيء يصلح للتمسك به.
قلت لا أعلم أن رسول الله - ﷺ - تكلم في شيء من معانيها بل غاية ما ثبت عنه هو مجرد عدد حروفها، فأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - ﷺ - (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " (١) وله طرق عن ابن مسعود.
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي ونحوه مرفوعاً.
فإن قلت هل روي عن الصحابة شيء من ذلك بإسناد متصل بقائله أم ليس إلا ما تقدم من حكاية القرطبي عن ابن عباس وعلي.
قلت قد روي عن ابن مسعود أنه قال (الم) حرف اشتقت من حروف اسم الله وعنه قال هي اسم الله الأعظم، وعن ابن عباس في قوله (الم وحمَ ونّ) قال اسم مقطع وعنه في فواتح السور قال هو قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
وعن الربيع بن أنس قال " ألف " مفتاح اسمه الله " ولام " مفتاح اسمه لطيف " وميم " مفتاح اسمه مجيد وقد روي نحو هذه التفاسير عن جماعة من
_________
(١) الدارمي ٢/ ٤٢٩ - الترمذي ٤/ ٥٣ - مشكاة المصابيح/٢١٣٧ وفي رواية للديلمي ١/ ١٣
والخطيب في التاريخ ١/ ٢٨٥ برواية: اقرؤا القرآن فإنكم تؤجرون إليه أما أني لا أقول الم....
71
التابعين، فيهم عكرمة والشعبي والسدي وقتادة ومجاهد والحسن.
فإن قلت هل يجوز الاقتداء بأحد من الصحابة قال في تفسير شيء من هذه الفواتح قولاً صح إسناده إليه.
قلت لا لما قدمنا إلا أن يعلم أنه قال ذلك عن علم أخذه عن رسول - ﷺ -.
فإن قلت هذا مما لا مجال للاجتهاد فيها ولا مدخل للغة العرب فلم لا يكون له حكم الرفع.
قلت تنزيل هذا منزلة المرفوع وإن قال به طائفة من أهل الأصول وغيرهم فليس مما تنشرح له صدور المنصفين، ولا سيما إذا كان في مثل هذا المقام، وهو التفسير لكلام الله سبحانه، فإنه دخول من أعظم الخطر مما لا برهان عليه صحيح إلا مجرد قولهم أنه يبعد من الصحابي كل البعد أن يقول بمحض رأيه فيما لا مجال للاجتهاد فيه، وليس مجرد الاستبعاد مسوغاً للوقوع في خطر الوعيد الشديد.
على أنه يمكن أن يذهب بعض الصحابة إلى تفسير بعض المتشابه كما تجده كثيراً في تفاسيرهم المنقولة عنهم، وتجعل هذه الفواتح من جملة المتشابه.
ثم ههنا مانع آخر؛ وهو أن المروي عن الصحابة في هذا مختلف متناقض، فإن عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر كان تحكماً لا وجه له، وإن عملنا بالجميع كان عملاً بما هو مختلف متناقض، ولا يجوز، ثم ههنا مانع غير هذا المانع وهو أنه لو كان شيء مما قالوه مأخوذاً عن النبي - ﷺ - لاتفقوا عليه ولم يختلفوا كسائر ما هو مأخوذ عنه، فلما اختلفوا في هذا علمنا أنه لم يكن مأخوذاً عن النبي - ﷺ -، ثم لو كان عندهم شيء عن النبي - ﷺ - في هذا لما تركوا حكايته عنه ورفعه إليه، لا سيما عند اختلافهم واضطراب أقوالهم في مثل هذا الكلام الذي لا مجال للغة العرب فيه ولا مدخل لها.
ولا يقال قد اختلفوا في غيره من الأحكام فيلزم عدا الأخذ به، لأنا نقول اختلافهم في ذلك من قبيل الأخذ بالأخص أو الأعم أو التقدم أو
فإن قلت هل يجوز الاقتداء بأحد من الصحابة قال في تفسير شيء من هذه الفواتح قولاً صح إسناده إليه.
قلت لا لما قدمنا إلا أن يعلم أنه قال ذلك عن علم أخذه عن رسول - ﷺ -.
فإن قلت هذا مما لا مجال للاجتهاد فيها ولا مدخل للغة العرب فلم لا يكون له حكم الرفع.
قلت تنزيل هذا منزلة المرفوع وإن قال به طائفة من أهل الأصول وغيرهم فليس مما تنشرح له صدور المنصفين، ولا سيما إذا كان في مثل هذا المقام، وهو التفسير لكلام الله سبحانه، فإنه دخول من أعظم الخطر مما لا برهان عليه صحيح إلا مجرد قولهم أنه يبعد من الصحابي كل البعد أن يقول بمحض رأيه فيما لا مجال للاجتهاد فيه، وليس مجرد الاستبعاد مسوغاً للوقوع في خطر الوعيد الشديد.
على أنه يمكن أن يذهب بعض الصحابة إلى تفسير بعض المتشابه كما تجده كثيراً في تفاسيرهم المنقولة عنهم، وتجعل هذه الفواتح من جملة المتشابه.
ثم ههنا مانع آخر؛ وهو أن المروي عن الصحابة في هذا مختلف متناقض، فإن عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر كان تحكماً لا وجه له، وإن عملنا بالجميع كان عملاً بما هو مختلف متناقض، ولا يجوز، ثم ههنا مانع غير هذا المانع وهو أنه لو كان شيء مما قالوه مأخوذاً عن النبي - ﷺ - لاتفقوا عليه ولم يختلفوا كسائر ما هو مأخوذ عنه، فلما اختلفوا في هذا علمنا أنه لم يكن مأخوذاً عن النبي - ﷺ -، ثم لو كان عندهم شيء عن النبي - ﷺ - في هذا لما تركوا حكايته عنه ورفعه إليه، لا سيما عند اختلافهم واضطراب أقوالهم في مثل هذا الكلام الذي لا مجال للغة العرب فيه ولا مدخل لها.
ولا يقال قد اختلفوا في غيره من الأحكام فيلزم عدا الأخذ به، لأنا نقول اختلافهم في ذلك من قبيل الأخذ بالأخص أو الأعم أو التقدم أو
72
المتأخر، وفي كثير مما اختلفوا فيه إن علموا بالنص تركوا ذلك بخلاف ما هنا، والله أعلم.
والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأئمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك، مع الإعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عز وجل لا تبلغها عقولنا، ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوز، وسيأتي لنا عند تفسير قوله تعالى: (منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب
وأخر متشابهات) كلام طويل الذيول وتحقيق تقبله صحيحات الأفهام وسليمات العقول.
(ذلك الكتاب) أي القرآن، وقيل فيه اضمار أي هذا الكتاب الذي وعدتك به أو وعدت به على لسان موسى وعيسى أن أنزله عليك، قال ابن عباس في الآية يعني هذا الكتاب، وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج، وحكاه البخاري عن أبي عبيدة، والإشارة إلى الكتاب المذكور بعده، والعرب قد تستعمل الإشارة إلا البعيد الغائب، مكان الإشارة إلى القريب الحاضر، ومنه قوله تعالى (ذلك عالم الغيب والشهادة) وقوله (تلك حجتنا آتيناها إبراهيم) وقوله (تلك آيات الكتاب) وقوله (ذلكم حكم الله) قال أبو السعود وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه، وكونه في الغاية القاصية من الفضل والشرف، انتهى.
وقيل إن الإشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق، وقيل الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي (١) " وفي رواية " سبقت " وقيل الإشارة إلى ما قد
_________
(١) مسلم/٢٧٥١ وفي رواية لما خلق الله الخلق... البخاري/١٥٠٩.
والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأئمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك، مع الإعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عز وجل لا تبلغها عقولنا، ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوز، وسيأتي لنا عند تفسير قوله تعالى: (منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب
وأخر متشابهات) كلام طويل الذيول وتحقيق تقبله صحيحات الأفهام وسليمات العقول.
(ذلك الكتاب) أي القرآن، وقيل فيه اضمار أي هذا الكتاب الذي وعدتك به أو وعدت به على لسان موسى وعيسى أن أنزله عليك، قال ابن عباس في الآية يعني هذا الكتاب، وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج، وحكاه البخاري عن أبي عبيدة، والإشارة إلى الكتاب المذكور بعده، والعرب قد تستعمل الإشارة إلا البعيد الغائب، مكان الإشارة إلى القريب الحاضر، ومنه قوله تعالى (ذلك عالم الغيب والشهادة) وقوله (تلك حجتنا آتيناها إبراهيم) وقوله (تلك آيات الكتاب) وقوله (ذلكم حكم الله) قال أبو السعود وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه، وكونه في الغاية القاصية من الفضل والشرف، انتهى.
وقيل إن الإشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق، وقيل الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي (١) " وفي رواية " سبقت " وقيل الإشارة إلى ما قد
_________
(١) مسلم/٢٧٥١ وفي رواية لما خلق الله الخلق... البخاري/١٥٠٩.
73
نزل بمكة، وقيل إلى ما في التوراة والإنجيل، وقيل إلى قوله قبله (الم) ورجحه الزمخشري.
وقد وقع الإختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وأرجحها ما صدرناه، والكتاب مصدر بمعنى المكتوب وأصله الضم والجمع، ومنه يقال للجند كتيبة لاجتماعها، والكتاب يجمع الحروف بعضها إلى بعض، وهو اسم من أسماء القرآن.
(لا ريب فيه) أي لا شك فيه أنه من عند الله وأنه الحق والصدق، وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه والريب والشك مع التهمة مصدر، وهو قلق النفس واضطرابها، ومنه قوله - ﷺ - " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " (١) فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة، ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه، وقيل الريب هو الشك مطلقاً، وقال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافاً، وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة، حكى ذلك القرطبي، ومعنى هذا النفي العام أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحاً يقوم مقام البرهان المقتضى لكونه لا ينبغي الإرتياب فيه بوجه من الوجوه.
(هدى) أي رشاد وبيان، وأنه يذكر وهو الكثير وبعضهم يؤنث أي هو هدى أو هذه هدى أو هو هاد لهم إلى الحق، والهدى مصدر، وهذا وزن نادر في المصادر لم يرد منه فيما قيل إلا الهدى والتقى والسرى والبكا بالقصر في لغة، وزاد الشاطبي: لغى بالضم في لغة أيضاً قال الزمخشري: وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته، انتهى.
قال القرطبي: الهدى هديان، هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل واتباعهم، قال الله تعالى (ولكل قوم هاد) وقال (وإنك لتهدي إلى صراط
_________
(١) النسائي ٢/ ٣٣٤ - الترمذي ٢/ ٨٤ - الدارمي ٢/ ٢٥٤ - الحاكم ٢/ ١٣ - مسند أحمد ١/ ٢٠٠ -
ابو نعيم ٦/ ٣٥٢.
وقد وقع الإختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وأرجحها ما صدرناه، والكتاب مصدر بمعنى المكتوب وأصله الضم والجمع، ومنه يقال للجند كتيبة لاجتماعها، والكتاب يجمع الحروف بعضها إلى بعض، وهو اسم من أسماء القرآن.
(لا ريب فيه) أي لا شك فيه أنه من عند الله وأنه الحق والصدق، وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه والريب والشك مع التهمة مصدر، وهو قلق النفس واضطرابها، ومنه قوله - ﷺ - " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " (١) فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة، ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه، وقيل الريب هو الشك مطلقاً، وقال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافاً، وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة، حكى ذلك القرطبي، ومعنى هذا النفي العام أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحاً يقوم مقام البرهان المقتضى لكونه لا ينبغي الإرتياب فيه بوجه من الوجوه.
(هدى) أي رشاد وبيان، وأنه يذكر وهو الكثير وبعضهم يؤنث أي هو هدى أو هذه هدى أو هو هاد لهم إلى الحق، والهدى مصدر، وهذا وزن نادر في المصادر لم يرد منه فيما قيل إلا الهدى والتقى والسرى والبكا بالقصر في لغة، وزاد الشاطبي: لغى بالضم في لغة أيضاً قال الزمخشري: وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته، انتهى.
قال القرطبي: الهدى هديان، هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل واتباعهم، قال الله تعالى (ولكل قوم هاد) وقال (وإنك لتهدي إلى صراط
_________
(١) النسائي ٢/ ٣٣٤ - الترمذي ٢/ ٨٤ - الدارمي ٢/ ٢٥٤ - الحاكم ٢/ ١٣ - مسند أحمد ١/ ٢٠٠ -
ابو نعيم ٦/ ٣٥٢.
74
مستقيم) فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه، وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق فقال لنبيه - ﷺ - (إنك لا تهدي من أحببت) فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم) وقوله (ولكن الله يهدي من يشاء).
(للمتقين) أي من ثبتت لهم التقوى، وتخصيص الهدى بالمتقين لما أنهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بآثاره وإن كانت بهدايته شاملة لكل ناظر من مؤمن وكافر، ولذا أطلقت في قوله (هدى للناس) قاله أبو السعود قال ابن فارس وأصلها في اللغة قلة الكلام، وقال في الكشاف المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى، والوقاية الصيانة، وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك انتهى قال ابن مسعود وهم المؤمنون.
وعن معاذ بن جبل أنه قيل له من المتقون فقال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة، وعن أبي هريرة أن رجلاً قال له ما التقوى؟ قال هل وجدت طريقاً ذا شوك، قال نعم، قال فكيف صنعت قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال ذلك التقوى، وعن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خيفة أن يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبين الله وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي قال: قال رسول الله - ﷺ - " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به بأس " فالمصير إلى ما أفاده هذا الحديث واجب، ويكون هذا معنى شرعياً للمتقي أخص من المعنى الذي قدمنا عن صاحب الكشاف زاعماً أنه المعنى الشرعي.
(للمتقين) أي من ثبتت لهم التقوى، وتخصيص الهدى بالمتقين لما أنهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بآثاره وإن كانت بهدايته شاملة لكل ناظر من مؤمن وكافر، ولذا أطلقت في قوله (هدى للناس) قاله أبو السعود قال ابن فارس وأصلها في اللغة قلة الكلام، وقال في الكشاف المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى، والوقاية الصيانة، وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك انتهى قال ابن مسعود وهم المؤمنون.
وعن معاذ بن جبل أنه قيل له من المتقون فقال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة، وعن أبي هريرة أن رجلاً قال له ما التقوى؟ قال هل وجدت طريقاً ذا شوك، قال نعم، قال فكيف صنعت قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال ذلك التقوى، وعن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خيفة أن يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبين الله وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي قال: قال رسول الله - ﷺ - " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به بأس " فالمصير إلى ما أفاده هذا الحديث واجب، ويكون هذا معنى شرعياً للمتقي أخص من المعنى الذي قدمنا عن صاحب الكشاف زاعماً أنه المعنى الشرعي.
75
وقد أطال القوم في ذكر تعاريف التقوى ورسوم المتقي لا حاجة لنا إلى التطويل بذكر تلك الأقوال، فالمرفوع يغني عن المرقوع، والصباح يغني عن المصباح.
76
(الذين يؤمنون بالغيب) هو وصف للمتقين كاشف، وأصل الإيمان في اللغة التصديق، قال تعالى (وما أنت بمؤمن لنا) أي بمصدق وتعديته بالباء لتضمنه معنى الإعتراف، وقد يطلق بمعنى الوثوق وكلا الوجهين حسن هنا، والغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك. قال القرطبي واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا فقالت فرقة الغيب هو الله سبحانه، وضعفه ابن العربي، وقال آخرون القضاء والقدر. وقال آخرون القرآن وما فيه من الغيوب وقيل القلب أي يصدقون بقلوبهم، وقيل الغيب الخفاء، وقال آخرون الغيب كل ما أخبر به الرسول مما لا تهدي إليه العقول من أشراط الساعة، وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار.
قال ابن عطية وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها. قال وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبرائيل حين قال للنبي - ﷺ - " فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ونؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت " انتهى، وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ " والقدر خيره وشره " (١).
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن نزيلة بنت أسلم قالت صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة واستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله - ﷺ - قد استقبل البيت فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فبلغ رسول الله - ﷺ -
_________
(١) جزء من الحديث الطويل عن عمر بن الخطاب انظر تمامة مسلم/٨.
قال ابن عطية وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها. قال وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبرائيل حين قال للنبي - ﷺ - " فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ونؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت " انتهى، وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ " والقدر خيره وشره " (١).
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن نزيلة بنت أسلم قالت صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة واستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله - ﷺ - قد استقبل البيت فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فبلغ رسول الله - ﷺ -
_________
(١) جزء من الحديث الطويل عن عمر بن الخطاب انظر تمامة مسلم/٨.
76
فقال " أولئك قوم آمنوا بالغيب " وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال كنت جالساً مع النبي - ﷺ - قال: " أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيماناً " فقالوا يا رسول الله الملائكة قال هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا يا رسول الله " الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته ونبوته " قال هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء. قال هم كذلك وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة.
قالوا فمن يا رسول الله؟ قال " أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بى ولم يروني ويصدقوني ولم يروني يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً " (١) وفي إسناده محمد بن أبي حميد، وفيه ضعف.
وأخرج حسن بن عرفة في جزئه المشهور والبيهقي في الدلائل عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - ﷺ -، فذكر نحو الحديث الأول وفي إسناده المغيرة بن قيس البصري وهو منكر الحديث وأخرج نحوه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً والإسماعيلي عن أبي هريرة مرفوعاً أيضاً والبزار عن أنس مرفوعاً.
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ - " يا ليتني قد لقيت إخواني " قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك، قال " بلى ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم، فيا ليتني قد لقيت إخواني " (٢) وعن أبي جمعة الأنصاري قال:
_________
(١) الدارمي رقاق ٣١، أحمد بن حنبل ٤/ ١٠٦. المستدرك ٤/ ٨٥.
(٢) أحمد بن حنبل ٣/ ٧١ - ٥/ ٢٤٨ - ٢٥٧ - ٢٦٤.
قالوا فمن يا رسول الله؟ قال " أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بى ولم يروني ويصدقوني ولم يروني يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً " (١) وفي إسناده محمد بن أبي حميد، وفيه ضعف.
وأخرج حسن بن عرفة في جزئه المشهور والبيهقي في الدلائل عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - ﷺ -، فذكر نحو الحديث الأول وفي إسناده المغيرة بن قيس البصري وهو منكر الحديث وأخرج نحوه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً والإسماعيلي عن أبي هريرة مرفوعاً أيضاً والبزار عن أنس مرفوعاً.
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ - " يا ليتني قد لقيت إخواني " قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك، قال " بلى ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم، فيا ليتني قد لقيت إخواني " (٢) وعن أبي جمعة الأنصاري قال:
_________
(١) الدارمي رقاق ٣١، أحمد بن حنبل ٤/ ١٠٦. المستدرك ٤/ ٨٥.
(٢) أحمد بن حنبل ٣/ ٧١ - ٥/ ٢٤٨ - ٢٥٧ - ٢٦٤.
77
قلت يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً: آمنا بك واتبعناك قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم، يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم يأتون من بعدكم، يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بي ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً (١) " أخرجه أحمد والدارمي والبارودي وابن قانع معاً في معجم الصحابة، والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - ﷺ - " طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات " أخرجه الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم.
وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد أن رجلاً قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك. قال: " طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه، وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس نحو حديث الباهلي المتقدم.
وعن ابن مسعود أنه قال والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ (آلم) الآية، وللتابعين أقوال، والراجح ما تقدم من أن الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا.
وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح كلاماً مفيداً في حديث عمر بن الخطاب المتقدم باعتبار ما ورد في الصحابة، وحاصله أن فضيلة الصحابة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله - ﷺ -، ومجرد زيادة الأجر لا يستلزم أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن الأجر إنما يقع مفاضلة بالنسبة إلى ما يماثله من العمل، ومشاهدة النبي - ﷺ - لا يعدلها عمل، هذا حاصل ما أشار إليه وهو محتاج إليه لأنه كثيراً ما يستشكل الجمع بين الأحاديث والله أعلم.
قال ابن جرير في هذه الاَية: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان
_________
(١) أحمد بن حنبل ٣/ ٧١ - ٥/ ٢٤٨ - ٢٥٧ - ٢٦٤.
وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد أن رجلاً قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك. قال: " طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه، وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس نحو حديث الباهلي المتقدم.
وعن ابن مسعود أنه قال والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ (آلم) الآية، وللتابعين أقوال، والراجح ما تقدم من أن الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا.
وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح كلاماً مفيداً في حديث عمر بن الخطاب المتقدم باعتبار ما ورد في الصحابة، وحاصله أن فضيلة الصحابة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله - ﷺ -، ومجرد زيادة الأجر لا يستلزم أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن الأجر إنما يقع مفاضلة بالنسبة إلى ما يماثله من العمل، ومشاهدة النبي - ﷺ - لا يعدلها عمل، هذا حاصل ما أشار إليه وهو محتاج إليه لأنه كثيراً ما يستشكل الجمع بين الأحاديث والله أعلم.
قال ابن جرير في هذه الاَية: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان
_________
(١) أحمد بن حنبل ٣/ ٧١ - ٥/ ٢٤٨ - ٢٥٧ - ٢٦٤.
78
بالغيب قولاً واعتقاداً وعملاً، وتدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل، وقال ابن كثير إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغير واحد إجماعاً أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وقد ورد فيه آثار كثيرة انتهى.
وقد أنكر أكثر المتكلمين زيادة الإيمان ونقصانه، وقال أهل السنة إن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة الأعمال ونقصانها، وبهذا أمكن الجمع بين ظواهر النصوص من الكتاب والسنة التي جاءت بزيادة الإيمان ونقصانه، وبين أصله من اللغة.
والدليل على أن الأعمال من الإيمان قوله - ﷺ - " الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (١) " أخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
ولشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام كلام في معنى الغيب وعالمه في كتاب العقل والنقل حاصله أن من زعم أن عالم الغيب الذي أخبر به الله والرسل هو العالم العقلي الذي يثبته هؤلاء الفلاسفة فهو من أضل الناس، فإن ابن سينا ومن سلك سبيله في هذا كالشهرستاني والرازي وغيرهما يقولون إن الإلهيين يثبتون العالم العقلي ويردون على الطبيعيين منهم الذين لا يثبتون إلا العالم الحسي ويدعون أن العالم العقلي الذي يثبتونه هو ما أخبرت به الرسل من الغيب الذي أمروا بالإيمان به مثل وجود الرب والملائكة والجنة، وليس الأمر كذلك، فإن ما يثبتونه من العقليات إذا حقق الأمر لم يكن لها وجود إلا في العقل، وسميت مجردات ومفارقات لأن العقل يجرد الأمور الكلية
_________
(١) مسلم/٣٥ - البخاري/٩.
وقد أنكر أكثر المتكلمين زيادة الإيمان ونقصانه، وقال أهل السنة إن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة الأعمال ونقصانها، وبهذا أمكن الجمع بين ظواهر النصوص من الكتاب والسنة التي جاءت بزيادة الإيمان ونقصانه، وبين أصله من اللغة.
والدليل على أن الأعمال من الإيمان قوله - ﷺ - " الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (١) " أخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
ولشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام كلام في معنى الغيب وعالمه في كتاب العقل والنقل حاصله أن من زعم أن عالم الغيب الذي أخبر به الله والرسل هو العالم العقلي الذي يثبته هؤلاء الفلاسفة فهو من أضل الناس، فإن ابن سينا ومن سلك سبيله في هذا كالشهرستاني والرازي وغيرهما يقولون إن الإلهيين يثبتون العالم العقلي ويردون على الطبيعيين منهم الذين لا يثبتون إلا العالم الحسي ويدعون أن العالم العقلي الذي يثبتونه هو ما أخبرت به الرسل من الغيب الذي أمروا بالإيمان به مثل وجود الرب والملائكة والجنة، وليس الأمر كذلك، فإن ما يثبتونه من العقليات إذا حقق الأمر لم يكن لها وجود إلا في العقل، وسميت مجردات ومفارقات لأن العقل يجرد الأمور الكلية
_________
(١) مسلم/٣٥ - البخاري/٩.
79
عن المغيبات، وأما تسميتها مفارقات فكان أصله أن النفس الناطقة تفارق البدن وتصير حينئذ عقلاً وكانوا يسمون ما جامع المادة بالتدبير لها كالنفس قبل الموت نفساً وما فارقها بالكلية فلم يتعلق بها لا تعلق تدبير ولا غيره عقلاً، ولا ريب أن النفس الناطقة قائمة بنفسها باقية بعد الموت منعمة أو معذبة كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ثم تعاد إلى الأبدان.
والمقصود هنا أن ما يثبتونه من العقليات إذا حققت لم يكن إلا ما ثبت في عقل الإنسان، ولهذا كان منتهى تحقيقهم الوجود المطلق، وهو الوجود المترك بين الموجودات. وهذا إنما يكون مطلقاً في الأذهان لا في الأعيان، والمتفلسفة يجعلون الكلي المشترك موضوع العلم الإلهي، وأما الوجود الواجب فتارة يقولون هو الوجود المقيد بالقيود السلبية كما يقوله ابن سينا، وتارة يجعلونه المجرد عن كل قيد سلبي وثبوتي كما يقوله بعض الملاحدة من باطنية الرافضة والإتحادية، وتارة يجعلونه نفس وجود الموجودات فلا يجعلون للممكنات وجوداً غير الوجود الواجب، وغايتهم أنهم يجعلون في أنفسهم شيئاً ويظنون أن ذلك موجود في الخارج، ولهذا يمدهم الشياطين، فإن الشياطين تتصرف في الخيال وتلقي في خيالات الناس أموراً لا حقيقة لها، ومحققو هؤلاء يقولون أرض الحقيقة هي أرض الخيال.
وأما ما أخبرت به الرسل موجودة من الغيب، فهو أمور ثابتة أكمل وأعظم مما نشاهده نحن في هذه الدار وتلك أمور محسوسة تشاهد وتحس، ولكن بعد الموت وفي الدار الآخرة، ويمكن أن يشاهدها في هذه الدار من يختصه الله بذلك ليست عقلية قائمة بالعقل، ولهذا كان الفرق بينها وبين الحسيات التي نشاهدها أن تلك غيب وهذه شهادة قال تعالى (الذين يؤمنون بالغيب) وكون الشيء غائباً وشاهداً أمر إضافي بالنسبة إلينا، فإذا غاب عنا كان غيباً، وإذا شاهدناه كان شهادة، ليس هو فرقاً يعود إلى أن ذاته تعقل ولا
والمقصود هنا أن ما يثبتونه من العقليات إذا حققت لم يكن إلا ما ثبت في عقل الإنسان، ولهذا كان منتهى تحقيقهم الوجود المطلق، وهو الوجود المترك بين الموجودات. وهذا إنما يكون مطلقاً في الأذهان لا في الأعيان، والمتفلسفة يجعلون الكلي المشترك موضوع العلم الإلهي، وأما الوجود الواجب فتارة يقولون هو الوجود المقيد بالقيود السلبية كما يقوله ابن سينا، وتارة يجعلونه المجرد عن كل قيد سلبي وثبوتي كما يقوله بعض الملاحدة من باطنية الرافضة والإتحادية، وتارة يجعلونه نفس وجود الموجودات فلا يجعلون للممكنات وجوداً غير الوجود الواجب، وغايتهم أنهم يجعلون في أنفسهم شيئاً ويظنون أن ذلك موجود في الخارج، ولهذا يمدهم الشياطين، فإن الشياطين تتصرف في الخيال وتلقي في خيالات الناس أموراً لا حقيقة لها، ومحققو هؤلاء يقولون أرض الحقيقة هي أرض الخيال.
وأما ما أخبرت به الرسل موجودة من الغيب، فهو أمور ثابتة أكمل وأعظم مما نشاهده نحن في هذه الدار وتلك أمور محسوسة تشاهد وتحس، ولكن بعد الموت وفي الدار الآخرة، ويمكن أن يشاهدها في هذه الدار من يختصه الله بذلك ليست عقلية قائمة بالعقل، ولهذا كان الفرق بينها وبين الحسيات التي نشاهدها أن تلك غيب وهذه شهادة قال تعالى (الذين يؤمنون بالغيب) وكون الشيء غائباً وشاهداً أمر إضافي بالنسبة إلينا، فإذا غاب عنا كان غيباً، وإذا شاهدناه كان شهادة، ليس هو فرقاً يعود إلى أن ذاته تعقل ولا
80
تشاهد ولا تحس، بل كل ما يعقل ولا يمكن أن يشاهد بحال فإنما يكون في الذهن، والملائكة يمكن أن يشاهدوا ويروا الرب تعالى، وممكن رؤيته بالأبصار والمؤمنون يرونه يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت النصوص في ذلك عن النبي - ﷺ -، واتفق على ذلك سلف الأمة وأئمتها، وإمكان رؤيته يعلم بالدلائل العقلية القاطعة، لكن ليس هو الدليل الذي سلكه طائفة من أهل الكلام كأبي الحسن وأمثاله حيث ادعوا أن كل موجود يمكن رؤيته، بل قالوا وممكن أن يتعلق به الحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فإن هذا مما يعلم فساده بالضرورة عند جماهير العلماء، وهذا من أغاليط بعض المتكلمين، هذا. قوله (ويقيمون الصلاة) أي يداومون عليها، والإقامة في الأصل الدوام والثبات، وليس من القيام على الرجل، وإنما هو من قولك قام الحق أي ظهر وثبت، وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيآتها في أوقاتها وحفظها من أن يقع فيها خلل في فرائضها وحدودها وزيغ في أفعالها وإتمام أركانها، والصلاة أصلها في اللغة الدعاء من صلى يصلي إذا دعا، ذكر هذا الجوهري وغيره، وقال قوم هي مأخوذة من الصلا، وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب، ذكر هذا القرطبي، وهذا هو المعنى اللغوي.
وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار، قال ابن عباس المراد به الصلوات الخمس وقال قتادة إن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها.
(ومما رزقناهم ينفقون) أي يخرجون ويتصدقون في طاعة الله وفي سبيله والرزق عند الجمهور ما صلح للإنتفاع به حلالاً كان أو حراماً خلافاً للمعتزلة فقالوا إن الحرام ليس برزق، وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا، والإنفاق إخراج المال من اليد وأنفق الشيء وأنفده أخوان، ولو استقريت الألفاظ وجدت كل ما فاؤه نون وعينه فاء دالاً على معنى الذهاب والخروج.
وفي المجيء بمن التبعيضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك
وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار، قال ابن عباس المراد به الصلوات الخمس وقال قتادة إن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها.
(ومما رزقناهم ينفقون) أي يخرجون ويتصدقون في طاعة الله وفي سبيله والرزق عند الجمهور ما صلح للإنتفاع به حلالاً كان أو حراماً خلافاً للمعتزلة فقالوا إن الحرام ليس برزق، وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا، والإنفاق إخراج المال من اليد وأنفق الشيء وأنفده أخوان، ولو استقريت الألفاظ وجدت كل ما فاؤه نون وعينه فاء دالاً على معنى الذهاب والخروج.
وفي المجيء بمن التبعيضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك
81
الإسراف والتبذير، وتقديم المفعول للاهتمام به والمحافظة على رؤوس الآي، قال أبو بكر الباقلاني: ذهب الأشاعرة كلهم إلى نفي السجع عن القرآن، وذهب كثير ممن خالفهم إلى إثباته انتهى، قال البقاعي الثاني فاسد، وأطال في بيان ذلك بلا طائل، والحق أنه في القرآن من غير التزام له في الأكثر، وكأن من نفاه نفى التزامه أو أكثريته، ومن أثبته أراد وروده فيه في الجملة، فاحفظه ولا تلتفت لما سواه، والذي عليه العلماء أنه تطلق الفواصل عليه دون السجع قاله الخفاجي.
قال: ابن عباس يعني زكاة أموالهم، وعن قتادة يعني الإنفاق في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله كالزكاة والنذر وفي الجهاد وعلى النفس وقال ابن مسعود هي نفقة الرجل على أهله، واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل، وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم (١).
_________
(١) وقد ذكر ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير في علم التفسير لهذه الآية أراء عدة منها: " أنها النفقة التي كانت واجبة قبل وجوب الزكاة، ذكره بعض المفسرين، وقالوا: إنه كان فرض على الرجل أن يمسك مما في يده مقدار كفايته يومه وليلته، ويفرق باقيه على الفقراء. فعلى قول هؤلاء الآية منسوخة بآية الزكاة، وغير هذا القول أثبت.
واعلم أن الحكمة في الجمع بين الإيمان بالغيب وهو عقد القلب وبين الصلاة وهي فعل البدن، وبين الصدقة وهو تكليف يتعلق بالمال، إنه ليس في التكليف قسم رابع، إذا ما عدا هذه الأقسام فهو ممتزج بين اثنين منهما كالحج والصوم ونحوهما إ - هـ. (زاد المسير ١/ ٢٦).
قال: ابن عباس يعني زكاة أموالهم، وعن قتادة يعني الإنفاق في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله كالزكاة والنذر وفي الجهاد وعلى النفس وقال ابن مسعود هي نفقة الرجل على أهله، واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل، وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم (١).
_________
(١) وقد ذكر ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير في علم التفسير لهذه الآية أراء عدة منها: " أنها النفقة التي كانت واجبة قبل وجوب الزكاة، ذكره بعض المفسرين، وقالوا: إنه كان فرض على الرجل أن يمسك مما في يده مقدار كفايته يومه وليلته، ويفرق باقيه على الفقراء. فعلى قول هؤلاء الآية منسوخة بآية الزكاة، وغير هذا القول أثبت.
واعلم أن الحكمة في الجمع بين الإيمان بالغيب وهو عقد القلب وبين الصلاة وهي فعل البدن، وبين الصدقة وهو تكليف يتعلق بالمال، إنه ليس في التكليف قسم رابع، إذا ما عدا هذه الأقسام فهو ممتزج بين اثنين منهما كالحج والصوم ونحوهما إ - هـ. (زاد المسير ١/ ٢٦).
82
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
83
(والذين يؤمنون) أي يصدقون (بما أنزل اليك) المراد به ما أنزل على محمد ﷺ وهو القرآن بأسره والشريعة عن آخرها، والتعبير بالماضي مع كون بعضه مترقباً لتغليب المحقق على المقدر أو لتنزيل ما في شرف الوقوع منزلة الواقع، قال القاضي الانزال نقل الشيء من أعلى إلى أسفل، وهو إنما يلحق المعاني بتوسط لحوقه الذوات الحاملة لها، قال الإمام المراد من إنزال القرآن أن جبريل عليه السلام في السماء سمع كلام الله فنزل به على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما يقال نزلت رسالة الأمير من القصر، والرسالة لا تنزل ولكن كان المستمع في علو فنزل وأدى في سفل، وقول الأمير لا يفارق ذاته اهـ.
قال الخفاجي وذهب بعض السلف إلى أنه من المتشابه أي يجزم بالنزول من غير معرفة بكيفيته وهو الحق إذ مثل هذا من التدقيقات الفلسفية لا ينبغي ذكره في التفسير اهـ حاصله.
قلت ويرد على مذهب بعض السلف ما ورد في الأحاديث الصحيحة من بيان كيفيهّ الوحي وبدئه وبه ترجم البخاري، وهو أول باب عنون به كتابه الصحيح. وقد نطق به القرآن، ولا شك أن كلامه سبحانه المنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مسموع بالآذان مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور، مكتوب في المصاحف، له حرف وصوت كما دلت عليه السنة المطهرة في غير موضع من دواوين الاسلام وزبر الإيمان، وليس هذا موضع بسطه، وسيأتي الكلام عليه تحت تفسير قوله تعالى (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير).
قال الخفاجي وذهب بعض السلف إلى أنه من المتشابه أي يجزم بالنزول من غير معرفة بكيفيته وهو الحق إذ مثل هذا من التدقيقات الفلسفية لا ينبغي ذكره في التفسير اهـ حاصله.
قلت ويرد على مذهب بعض السلف ما ورد في الأحاديث الصحيحة من بيان كيفيهّ الوحي وبدئه وبه ترجم البخاري، وهو أول باب عنون به كتابه الصحيح. وقد نطق به القرآن، ولا شك أن كلامه سبحانه المنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مسموع بالآذان مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور، مكتوب في المصاحف، له حرف وصوت كما دلت عليه السنة المطهرة في غير موضع من دواوين الاسلام وزبر الإيمان، وليس هذا موضع بسطه، وسيأتي الكلام عليه تحت تفسير قوله تعالى (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير).
83
(وما أنزل من قبلك) وهو الكتب السالفة المنزلة على الأنبياء من قبل كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وغيرها، والإيمان بالكل جملة فرض عين، وبالقرآن تفصيلاً فرض كفاية، قيل هو مؤمنو أهل الكتاب، وفيهم نزلت، وقد رجح هذا ابن جرير، ونقله السدي عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة، واستشهد له ابن جرير بقوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم) وبقوله تعالى (والذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب، وقيل إن الآيتين جميعاً في المؤمنين على العموم، وعلى هذا فالجملة عطف على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة أو مرفوعة على الاستئناف، أو عطف على المتقين، والتقدير هدى لهم وللذين يؤمنون، الحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي - ﷺ - وما أنزل إلى من قبله بمقتضى لجعل ذلك وصفاً لمؤمني أهل الكتاب، ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا، ولا في نظم القرآن ما يقتضي ذلك، وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية فمن ذلك قوله (يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) وقوله تعالى (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل اليكم) وقوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) وقال (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم).
(وبالآخرة) أي بالدار الآخرة، تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول كما أن الدنيا تأنيث الأدنى غلبتا على الدارين فجرتا مجرى الاسماء وهي صفة الدار بدليل قوله تعالى (تلك الدار الآخرة) وسميت آخرة لتأخرها عن الدنيا وكونها بعدها (وهم يوقنون) الإيقان إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه، قال في الكشاف فالمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك، وفي تقديم الظرف مع بناء الفعل على الضمير إشعار بالحصر، وأن ما
(وبالآخرة) أي بالدار الآخرة، تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول كما أن الدنيا تأنيث الأدنى غلبتا على الدارين فجرتا مجرى الاسماء وهي صفة الدار بدليل قوله تعالى (تلك الدار الآخرة) وسميت آخرة لتأخرها عن الدنيا وكونها بعدها (وهم يوقنون) الإيقان إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه، قال في الكشاف فالمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك، وفي تقديم الظرف مع بناء الفعل على الضمير إشعار بالحصر، وأن ما
84
عدا هذا الأمر الذي هو أساس الإيمان ورأسه ليس بمستأهل عندهم للإيقان به والقطع بوقوعه، وفيه تعريض ممن عداهم من أهل الكتاب، فإن اعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة فضلاً عن الوصول إلى مرتبة اليقين.
85
(أولئك) أي الذين هذه صفتهم وما فيه من البعد للإشعار بعلو درجتهم ورفعة مرتبتهم في الفضل وهو مبتدأ وخبره (على هدى من ربهم) أي على رشاد ونور، وقيل على استقامة منحوها من عنده وأوتوها من قبله، وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير والترقي إلى الأفضل فالأفضل والإبهام المفهوم من التنكير في (هدى) لكمال تفخيمه أي على هدى أي هدى، لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره، وهذا كلام مستأنف بياني، ويمكن أن يكون خبراً عن الذين يؤمنون بالغيب فيكون متصلاً بما قبله.
قال في الكشاف: قوله (وعلى هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه، ونحوه هو على الحق وعلى الباطل، وقد صرحوا بذلك في قوله جعل الغواية مركباً، وامتطى الجهل، واقتعد غارب الهوى اهـ.
وقال أبو السعود وإيراد كلمة الاستعلاء على استعارتها لتمسكهم بالهدى ْاستعارة تبعية متفرعة على تشبيهه باعتلاء الراكب واستوائه على مركوبه أو على جعلها قرينة للاستعارة بالكناية بين الهدى والمركوب للإيذان بقوة تمكنهم منه، وكمال رسوخهم فيه انتهى.
وقال الخفاجي الاستعارة في الحرف تبعية متعلقة وهو المعنى الكلي الشامل له كما حققوه والتمثيل ضرب المثل والإتيان بمثال ومطلق التشبيه والمركب منه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه، وإنما النزاع في الاستعارة التبعية هل تكون تمثيلية أم لا، فذهب الفاضل المحقق إلى جوازه متمسكاً بما صرح
قال في الكشاف: قوله (وعلى هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه، ونحوه هو على الحق وعلى الباطل، وقد صرحوا بذلك في قوله جعل الغواية مركباً، وامتطى الجهل، واقتعد غارب الهوى اهـ.
وقال أبو السعود وإيراد كلمة الاستعلاء على استعارتها لتمسكهم بالهدى ْاستعارة تبعية متفرعة على تشبيهه باعتلاء الراكب واستوائه على مركوبه أو على جعلها قرينة للاستعارة بالكناية بين الهدى والمركوب للإيذان بقوة تمكنهم منه، وكمال رسوخهم فيه انتهى.
وقال الخفاجي الاستعارة في الحرف تبعية متعلقة وهو المعنى الكلي الشامل له كما حققوه والتمثيل ضرب المثل والإتيان بمثال ومطلق التشبيه والمركب منه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه، وإنما النزاع في الاستعارة التبعية هل تكون تمثيلية أم لا، فذهب الفاضل المحقق إلى جوازه متمسكاً بما صرح
85
العلامة في مواضع من كشافه كما صرح به هنا وقد سبقه إليه الطيبي، وقال إنه مسلك الشيخين الزمخشري والسكاكي ولم يرتضه المدقق في الكشف، فأول ما في عباراتهم وتبعه فيه السيد وشنع على الفاضل حتى كأنه أبو عذرته وهي المعركة العظمى التي عقدت لها المجالس، وصنفت فيها الرسائل ما هو أشهر من " قفا نبك ".
والحاصل أن استعارة " على " استعارة تبعية تستلزم كون الاستعلاء مشبهاً به وتركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبهاً به فلا يجتمعان. ومن الفضلاء من رده، وانتصر للسعد سعد جده فقال هو ممنوع.
والحاصل أنه يجري في الحرف التمثيل بمعنى انتزاع الحالة من الأمور المتعددة ولا يجري فيه التشبيه في المفصل المركب قصداً.
والذي يخطر بالبال، بعد طي شقة القيل والقال، أن الخلاف بينهم في حرف واحد إذ لا خلاف في أن التمثيل التفصيلي المعروف يستدعي تركب الطرفين حقيقة، وأن التمثيل الآخر الذي هو محل النزاع هل يشترط فيه التركيب بعد الاتفاق على أنه لا يلزم التصريح بأجزائه لفظاً ولا تقديراً فذهب الشريف إلى أنه يشترط فيه أن تكون أجزاؤه مرادة منوية فلا يكون ما اقتصر عليه من الحرف ونحوه مما هو عمدة المعنى المجازي مستعملاً في معنى مجازي، بل حقيقة وإلا كان مجازاً مفرداً لا تمثيلاً، أو لا يشترط فيه ذلك بك يكفي تركب المأخذ المنتزع منه ذلك، ويكون الحرف المذكور مع ما يدل عليه بالالتزام من طرفي التشبيه وما يتممه متجوزاً فيه وإلا لم يصح دخول (على) على الهدى كما مشى عليه السعد، ومن مشى على جادته. فالنزاع كاللفظي انتهى حاصله.
قلت: وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام، واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين، وقد جمع العلامة الشوكاني في ذلك رسالة مستقلة سماها الطود المنيف، في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف، فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام، ويجمع بين أطراف
والحاصل أن استعارة " على " استعارة تبعية تستلزم كون الاستعلاء مشبهاً به وتركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبهاً به فلا يجتمعان. ومن الفضلاء من رده، وانتصر للسعد سعد جده فقال هو ممنوع.
والحاصل أنه يجري في الحرف التمثيل بمعنى انتزاع الحالة من الأمور المتعددة ولا يجري فيه التشبيه في المفصل المركب قصداً.
والذي يخطر بالبال، بعد طي شقة القيل والقال، أن الخلاف بينهم في حرف واحد إذ لا خلاف في أن التمثيل التفصيلي المعروف يستدعي تركب الطرفين حقيقة، وأن التمثيل الآخر الذي هو محل النزاع هل يشترط فيه التركيب بعد الاتفاق على أنه لا يلزم التصريح بأجزائه لفظاً ولا تقديراً فذهب الشريف إلى أنه يشترط فيه أن تكون أجزاؤه مرادة منوية فلا يكون ما اقتصر عليه من الحرف ونحوه مما هو عمدة المعنى المجازي مستعملاً في معنى مجازي، بل حقيقة وإلا كان مجازاً مفرداً لا تمثيلاً، أو لا يشترط فيه ذلك بك يكفي تركب المأخذ المنتزع منه ذلك، ويكون الحرف المذكور مع ما يدل عليه بالالتزام من طرفي التشبيه وما يتممه متجوزاً فيه وإلا لم يصح دخول (على) على الهدى كما مشى عليه السعد، ومن مشى على جادته. فالنزاع كاللفظي انتهى حاصله.
قلت: وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام، واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين، وقد جمع العلامة الشوكاني في ذلك رسالة مستقلة سماها الطود المنيف، في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف، فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام، ويجمع بين أطراف
86
الكلام على التمام، وحاصلها أن الحق في جانب السعد وأن الصواب بيده، وقد تقدمه إلى مثل هذا العلوي في حاشيته على الكشاف، وليس للسعد فيه زيادة على ما يفيده كلام الزمخشري إلا مجرد الإيضاح، ولم يأت بشيء من طرفه يستحق المؤاخذة عليه انتهى.
أقول فالحق اجتماع الاستعارة التبعية والتمثيلية، وذلك هو محل النزاع وقد اعترف الشريف بأن المقام صالح لهما لكن ادعى امتناع اجتماعهما، ويدلك على أن الاستعارة التبعية تمثيلية الاستقراء، وبه يشعر قول إمام الفن السكاكي صاحب المفتاح، وهذا صريح فيما صرح به السعد والله أعلم.
(وأولئك) في تكرير إسم الإشارة دلالة على أن كُلاَّ من الهداية الماضية والفلاح الآتي بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزاً على حياله.
(هم المفلحون) أي المنجحون الناجون الفائزون نجوا من النار، وفازوا بالجنة، والفلح الظافر بالمطلوب، والفلاح أصله في اللغة الشق والقطع قاله أبو عبيد، قال القرطبي: وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضاً في اللغة فمعناه الفائزون بالجنة، والباقون فيها، وقال في الكشاف: المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي أنفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه، انتهى.
وقد استعمل الفلاح في السحور، ومنه الحديث الذي رواه أبو داود " حتى كاد يفوتنا الفلاح قلت ما الفلاح؟ قال السحور: وكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحاً، وضمير الفصل ويسمى عماداً له فوائد ذكرها الخفاجي منها الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره، وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث.
ثم ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعاً لهذا الكلام عن الكلام الأول معنوناً له بما يفيدان شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم، وأنه لا يترتب عليه ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه فقال:
أقول فالحق اجتماع الاستعارة التبعية والتمثيلية، وذلك هو محل النزاع وقد اعترف الشريف بأن المقام صالح لهما لكن ادعى امتناع اجتماعهما، ويدلك على أن الاستعارة التبعية تمثيلية الاستقراء، وبه يشعر قول إمام الفن السكاكي صاحب المفتاح، وهذا صريح فيما صرح به السعد والله أعلم.
(وأولئك) في تكرير إسم الإشارة دلالة على أن كُلاَّ من الهداية الماضية والفلاح الآتي بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزاً على حياله.
(هم المفلحون) أي المنجحون الناجون الفائزون نجوا من النار، وفازوا بالجنة، والفلح الظافر بالمطلوب، والفلاح أصله في اللغة الشق والقطع قاله أبو عبيد، قال القرطبي: وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضاً في اللغة فمعناه الفائزون بالجنة، والباقون فيها، وقال في الكشاف: المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي أنفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه، انتهى.
وقد استعمل الفلاح في السحور، ومنه الحديث الذي رواه أبو داود " حتى كاد يفوتنا الفلاح قلت ما الفلاح؟ قال السحور: وكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحاً، وضمير الفصل ويسمى عماداً له فوائد ذكرها الخفاجي منها الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره، وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث.
ثم ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعاً لهذا الكلام عن الكلام الأول معنوناً له بما يفيدان شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم، وأنه لا يترتب عليه ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه فقال:
87
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)
88
(إن الذين) التعريف للعهد أو للجنس، والثاني أولى (كفروا) أي جحدوا وأنكروا، وأصل الكفر في اللغة الستر والتغطية ومنه سمي الكافر كافراً لأنه يغطي بكفره ما يجب أن يكون عليه من الإيمان (سواء عليهم) أي متساو لديهم، وسواء اسم مصدر بمعنى الاستواء وارتفاعه على أنه خبر لأن (أأنذرتهم) أي خوفتهم وحذرتهم، والإنذار الإبلاغ والإعلام مع التخويف فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذراً، قرئ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً، قال البيضاوي وهذا الإبدال لحن، ورد عليه على القارى بأن ما قاله تقليداً للكشاف خطأ لأن القراءة به متواترة عن النبي - ﷺ - فإنكارها كفر، وتمام هذا البحث في الجمل (أم لم تنذرهم لا يؤمنون) أي لا يصدقون.
قال القرطبي واختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقيل هي عامة ومعناها الخصوص فيمن حقت عليه كلمة العذاب وسبق في علم الله أنه يموت على كفره أراد الله تعالى أن يعلم الناس أن فيهم من هذا حاله دون أن يعين أحداً، وقال ابن عباس والكلبي نزلت في رؤساء اليهود حيي بن أخطب وكعب ابن الأشرف ونظرائهما وقال الربيع بن أنس نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الأحزاب، والأول أصح فإن من عين أحداً فإنما مثل عن كشف الغيب بموته على الكفر انتهى.
قال القرطبي واختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقيل هي عامة ومعناها الخصوص فيمن حقت عليه كلمة العذاب وسبق في علم الله أنه يموت على كفره أراد الله تعالى أن يعلم الناس أن فيهم من هذا حاله دون أن يعين أحداً، وقال ابن عباس والكلبي نزلت في رؤساء اليهود حيي بن أخطب وكعب ابن الأشرف ونظرائهما وقال الربيع بن أنس نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الأحزاب، والأول أصح فإن من عين أحداً فإنما مثل عن كشف الغيب بموته على الكفر انتهى.
(ختم الله على قلوبهم) أي طبع الله عليها واستوثق فلا تعي خيراً ولا
88
تفهمه والختم والكتم أخوان، وأصل الختم مصدر معناه التغطية على الشيء، والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء ولا يخرج منه ما حصل فيه، ومنه ختم الكتاب والباب، وما يشبه ذلك حتى لا يوصل إلى ما فيه ولا يوضع فيه غيره، فشبه هذا المعنى بضرب الخاتم على الشيء تشبيه معقول بمحسوس، والجامع انتفاء القبول لمانع منع منه، وكذا يقال في الختم على الإسماع، وإسناد الختم إلى الله قد احتج به أهل السنة على المعتزلة، وحاولوا دفع هذه الحجة بمثل ما ذكره صاحب الكشاف والكلام على مثل هذا متقرر في مواطنه.
(وعلى سمعهم) أي مواضعه، وإنما وحد السمع مع جمع القلوب كما تقدم والابصار كما سيأتي لإنه مصدر يقع على القليل والكثير، أو لوحدة المسموع وهو الصوت، وإنما خص هذه الأعضاء بالذكر لأنها طرق العلم، فالقلب محله وطريقه إما السماع وإما الرؤية (وعلى أبصارهم غشاوة) الغشاوة الغطاء وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة، ومنه غاشية السرج وهي غطاء التعامي عن آيات الله ودلائل توحيده قيل المراد بالختم والغشاوة ههنا هما المعنويان لا الحسيان، ويكون الطبع والختم على القلوب والاسماع، والغشاوة على الأبصار كما قاله جماعة قال تعالى (فان يشأ الله يختم على قلبك) وقال (ختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) (ولهم عذاب عظيم) يعني في الآخرة وقيل الأسر والقتل في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى والعذاب هو كل ما يؤلم الانسان هو مأخوذ من الحبس والمنع، يقال في اللغة أعذبه عن كذا حبسه ومنعه ومنه عذوبة الماء لأنها حبست في الإناء حتى صفت، وقيل هو الايجاع الشديد، والعظيم نقيض الحقير، والكبير نقيض الصغير، فكان العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير، ويستعملان في الجثث والاحداث جميعاً.
(وعلى سمعهم) أي مواضعه، وإنما وحد السمع مع جمع القلوب كما تقدم والابصار كما سيأتي لإنه مصدر يقع على القليل والكثير، أو لوحدة المسموع وهو الصوت، وإنما خص هذه الأعضاء بالذكر لأنها طرق العلم، فالقلب محله وطريقه إما السماع وإما الرؤية (وعلى أبصارهم غشاوة) الغشاوة الغطاء وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة، ومنه غاشية السرج وهي غطاء التعامي عن آيات الله ودلائل توحيده قيل المراد بالختم والغشاوة ههنا هما المعنويان لا الحسيان، ويكون الطبع والختم على القلوب والاسماع، والغشاوة على الأبصار كما قاله جماعة قال تعالى (فان يشأ الله يختم على قلبك) وقال (ختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) (ولهم عذاب عظيم) يعني في الآخرة وقيل الأسر والقتل في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى والعذاب هو كل ما يؤلم الانسان هو مأخوذ من الحبس والمنع، يقال في اللغة أعذبه عن كذا حبسه ومنعه ومنه عذوبة الماء لأنها حبست في الإناء حتى صفت، وقيل هو الايجاع الشديد، والعظيم نقيض الحقير، والكبير نقيض الصغير، فكان العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير، ويستعملان في الجثث والاحداث جميعاً.
89
(ومن الناس) جمع إنسان أو اسم جمع لإنسان قاله سيبويه والجمهور، وأصله الناس وذهب الكسائي إلى أنه اسم تام، وقال سلمة كل من ناس
89
وأناس مادة مستقلة، والفرق بين الجمع واسم الجمع أن اسم الجمع ما دل على ما فوق الاثنين ولم يكن على أوزان الجموع سواء كان له مفرد أو لا ويشترط فيه أيضاً أن لا يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة ولا بالياء كزنج وزنجي، فإنه اسم جنس جمعي، ويعرف باطراد تصغيره من غير رد إلى المفرد، وقد يراد باسم الجمع الجمع الوارد على خلاف القياس، وهذا في عرف النحاة، وأما أهل اللغة فاسم الجمع عندهم يسمى جمعاً حقيقة ذكره الخفاجي سمي به لأنه عهد إليه فنسي أو لأنه يستأنس بمثله، ولام التعريف فيه للجنس أو للعهد.
(من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص، ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص، ثم ذكر ثالثاً المنافقين في الآيات الثلاث عشرة وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى، وفي الباطن الطائفة الثانية، ولذا نزل فيهم (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قيل نزلت في عبد الله بن أبيّ ومعتب بن قشير وجد بن قيس وأصحابهم، والمراد باليوم الآخر، الوقت الذي لا ينقطع بل هو دائم أبداً وهو يوم القيامة (وما هم بمؤمنين) نفى عنهم الإيمان بالكلية في جميع الأزمنة كما تفيده الجملة الاسمية ففيه من التوكيد والمبالغة ما ليس في غيره.
(من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص، ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص، ثم ذكر ثالثاً المنافقين في الآيات الثلاث عشرة وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى، وفي الباطن الطائفة الثانية، ولذا نزل فيهم (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قيل نزلت في عبد الله بن أبيّ ومعتب بن قشير وجد بن قيس وأصحابهم، والمراد باليوم الآخر، الوقت الذي لا ينقطع بل هو دائم أبداً وهو يوم القيامة (وما هم بمؤمنين) نفى عنهم الإيمان بالكلية في جميع الأزمنة كما تفيده الجملة الاسمية ففيه من التوكيد والمبالغة ما ليس في غيره.
90
(يخادعون الله) أي يخالفونه، (والذين آمنوا) والخداع في أصل اللغة الفساد حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي وقيل أصله الإخفاء حكاه ابن فارس وغيره والمراد أنهم صنعوا صنع الخادعين وإن كان العالم الذي لا يحفى عليه شيء لا يخدع، وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل والمراد بالمخادعة من الله أنه لما أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنهم ليسوا منه في شيء فكأنه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر مشاكلة لما وقع منهم بما وقع منه، والمراد بمخادعة المؤمنين لهم هو أنهم أجروا عليهم ما أمرهم الله
90
به من أحكام الإسلام ظاهراً، وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم كما أن المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر، وقد يكون الخداع حسناً إذا كان الغرض منه استدراج الغير من الضلال إلى الرشد ومن ذلك استدراجات التنزيل على لسان الرسل في دعوة الأمم، قاله الطيبي، والآية من قبيل الإستعارة التمثيلية حيث شبه حالهم في معاملتهم لله بحال المخادع مع صاحبه من حيث القبح أو من باب المجاز العقلي في النسبة الإيقاعية، وأصل التركيب يخادعون رسول الله أو من باب التورية حيث ذكر معاملتهم لله بلفظ الخداع.
والمراد بقوله (وما يخدعون إلا أنفسهم) الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين لأنفسهم، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع، فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك، والمراد أنهم يمنونها الأماني الباطلة، وهي كذلك تمنيهم، والنفس ذات الشيء وحقيقته، ثم قيل للقلب والروح والدم والماء نفس، والمراد بالأنفس هنا ذواتهم أو قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم (وما يشعرون) أي لا يعلمون أن وبال خداعهم راجع عليهم.
قال أهل اللغة: شعرت بالشيء فظنت، قال في الكشاف الشعور علم الشيء علم حس من الشعار ومشاعر الإنسان حواسه، وقيل الشعور إدراك الشيء من وجه يدق ويخفى من الشعر لدقته، والأول أولى، قال ابن عباس إنهم المنافقون من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم، عن ابن سيرين قال لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية.
والمراد بقوله (وما يخدعون إلا أنفسهم) الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين لأنفسهم، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع، فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك، والمراد أنهم يمنونها الأماني الباطلة، وهي كذلك تمنيهم، والنفس ذات الشيء وحقيقته، ثم قيل للقلب والروح والدم والماء نفس، والمراد بالأنفس هنا ذواتهم أو قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم (وما يشعرون) أي لا يعلمون أن وبال خداعهم راجع عليهم.
قال أهل اللغة: شعرت بالشيء فظنت، قال في الكشاف الشعور علم الشيء علم حس من الشعار ومشاعر الإنسان حواسه، وقيل الشعور إدراك الشيء من وجه يدق ويخفى من الشعر لدقته، والأول أولى، قال ابن عباس إنهم المنافقون من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم، عن ابن سيرين قال لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية.
91
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)
92
(في قلوبهم مرض) المرض كل ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر، قاله ابن فارس وقيل هو الألم فيكون على هذا مستعاراً للفساد الذي في عقائدهم إما شكاً ونفاقاً، أو جحداً وتكذيباً (فزادهم الله مرضاً) أي كفراً ونفاقاً، والمراد بزيادة المرض الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله - ﷺ - من النعم، ويتكرر له من منن الله الدنيوية والدينية، ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك وترادف الحسرة وفرط النفاق، وفسر ابن عباس المرض بالشك والنفاق، وقال ابن زيد: هذا مرض في الدين وليس مرضاً في الأجسام، وقال عكرمة وطاوس المرض الرياء، والقراء مجمعون على فتح الراء من مرض إلا أبا عمرو فإنه قرأ بالسكون (ولهم عذاب) أي نكال.
(أليم) أي مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم، قال ابن عباس كل شيء في القرآن أليم فهو الموجع انتهى، ووصف به العذاب للمبالغة (بما كانوا يكذبون) أي يبدلون ويحرفون، قاله ابن مسعود، وقيل المعنى بتكذيبهم الله ورسوله في السر، وقيل بكذبهم إذ قالوا آمنا وهم غير مؤمنين، والكذب هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به وهو حرام كله لأنه علل به استحقاق العذاب.
(أليم) أي مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم، قال ابن عباس كل شيء في القرآن أليم فهو الموجع انتهى، ووصف به العذاب للمبالغة (بما كانوا يكذبون) أي يبدلون ويحرفون، قاله ابن مسعود، وقيل المعنى بتكذيبهم الله ورسوله في السر، وقيل بكذبهم إذ قالوا آمنا وهم غير مؤمنين، والكذب هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به وهو حرام كله لأنه علل به استحقاق العذاب.
92
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)
93
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) يعني المنافقين والقائل لهم هو الله أو الرسول أو المؤمنون، والعنى لا تفسدوا بالنفاق وموالاة الكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد- ﷺ - وبالقرآن: فإنكم إذا فعلتم ذلك فسد ما في الأرض بهلاك الأبدان وخراب الديار، وبطلان الذرائع وخراب العالم كما هو مشاهد عند ثوران الفتن وهيج الحروب والتنازع، والفساد خروج الشيء عن الحالة اللائقة به والاعتدال، والصلاح ضده، وكلاهما يعمان كل ضار ونافع.
(قالوا إنما نحن مصلحون) يعني يقولونه كذباً " وإنما " من أدوات القصر كما هو مبين في علم المعاني، والصلاح ضد الفساد، وهذا الجواب منهم رد للناصح على أبلغ وجه لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض.
(قالوا إنما نحن مصلحون) يعني يقولونه كذباً " وإنما " من أدوات القصر كما هو مبين في علم المعاني، والصلاح ضد الفساد، وهذا الجواب منهم رد للناصح على أبلغ وجه لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض.
(ألا إنهم هم المفسدون) في الأرض بالكفر وهو أشد الفساد، رد لما أدعوه أبلغ رد للاستئناف به وتصديره بحرفي التأكيد، و (ألا) حرف تنبيه ينبه بها المخاطب وهي النبهة على تحقيق ما بعدها. قال ابن مسعود الفساد هنا الكفر والعمل بالمعصية (ولكن لا يشعرون) وذلك لأنهم يظنون أن ما هم عليه من النفاق وإبطان الكفر صلاح وهو عين الفساد، وقيل لا يشعرون ما أعد الله لهم من العذاب، والأول أولى.
93
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)
94
(وإذا قيل لهم) أي للمنافقين.. نصحوهم من وجهين (أحدهما) النهي عن الفساد وهو عبارة عن التخلي عن الرذائل (وثانيهما) الأمر بالإيمان وهو عبارة عن التحلي بالفضائل، فإن كمال الإيمان بمجموع الأمرين (كما آمن الناس) يعني أصحاب محمد - ﷺ - من المهاجرين والأنصار، وقيل الناس عبد الله بن سلام وأصحابه و " ما " مصدرية أو كافة واللام للعهد أو للجنس، واستدل به على قبول توبة الزنديق وأن الإقرار باللسان إيمان (قالوا) أي أجابوا بأحمق جواب وأبعده عن الحق والصواب (أنؤمن كما آمن السفهاء)، أي الجهال، الهمزة للإنكار واللام مشار بها إلى الناس أو للجنس بأسره وهم مندرجون فيه، نسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاء واستخفافاً فتسببوا بذلك إلى تسجيل الله عليهم بالسفه بأبلغ عبارة وآكد قول وحصر كما قال تعالى:
(ألا إنهم هم السفهاء) أي الجهال، وأصل السفه والسفاهة رقة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول، وخفة النهي، وإنما سمى الله المنافقين سفهاء لأنهم كانوا عند أنفسهم عقلاء فقلب ذلك عليهم وسماهم سفهاء، ورد أبلغ رد في تجهيلهم.
(ولكن لا يعلمون) أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازاً تنزيلاً لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم، وإنما ذكر العلم هنا، والشعور فيما قبل، لأنه أكثر طباقاً بذكر السفه، والتمييز بين الحق والباطل يفتقر إلى نظرة وفكرة، والنفاق يدرك بأدنى تفطن وتأمل من قولهم وفعلهم.
عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود.
(ألا إنهم هم السفهاء) أي الجهال، وأصل السفه والسفاهة رقة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول، وخفة النهي، وإنما سمى الله المنافقين سفهاء لأنهم كانوا عند أنفسهم عقلاء فقلب ذلك عليهم وسماهم سفهاء، ورد أبلغ رد في تجهيلهم.
(ولكن لا يعلمون) أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازاً تنزيلاً لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم، وإنما ذكر العلم هنا، والشعور فيما قبل، لأنه أكثر طباقاً بذكر السفه، والتمييز بين الحق والباطل يفتقر إلى نظرة وفكرة، والنفاق يدرك بأدنى تفطن وتأمل من قولهم وفعلهم.
عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود.
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا) أي المهاجرين والأنصار، ومعنى لقيته ولاقيته استقبلته قريباً.
(قالوا آمنا) كإيمانكم.
(وإذا خلوا إلى شياطينهم) أي رجعوا إليهم قيل هو من الخلوة وقيل (إلى) بمعنى الباء وقيل بمعنى مع وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه، أو من خلاك ذم أي مضى عنك، ومنه القرون الخالية أو من خلوت به إذا سخرت منه، وعدي بإلى لتضمين معنى الإنهاء.
والمراد بالشياطين رؤساؤهم وكهنتهم، وقيل المراد بالشياطين المماثلون منهم للشياطين في التمرد والعناد، المظهرون لكفرهم أو كبار المنافقين، والقائلون صغارهم.
(قالوا إنا معكم) في الدين والاعتقاد أي إنا مصاحبوكم في دينكم وموافقوكم عليه.
(إنما نحن مستهزؤن) أي بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بما نظهر لهم من الإسلام لنأمن من شرهم ونقف على سرهم، ونأخذ من غنائمهم، تأكيد لما قبله أو بدل منه أو استئناف.
قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه، والهزء السخرية واللعب والاستخفاف يقال هزأت واستهزأت بمعنى، وأصله الخفة وهو القتل السريع، وهزأ يهزأ مات فجأة وتهزأ به ناقته أي تسرع به وتخف، والمراد درؤهم للإسلام ودفعهم للحق.
(قالوا آمنا) كإيمانكم.
(وإذا خلوا إلى شياطينهم) أي رجعوا إليهم قيل هو من الخلوة وقيل (إلى) بمعنى الباء وقيل بمعنى مع وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه، أو من خلاك ذم أي مضى عنك، ومنه القرون الخالية أو من خلوت به إذا سخرت منه، وعدي بإلى لتضمين معنى الإنهاء.
والمراد بالشياطين رؤساؤهم وكهنتهم، وقيل المراد بالشياطين المماثلون منهم للشياطين في التمرد والعناد، المظهرون لكفرهم أو كبار المنافقين، والقائلون صغارهم.
(قالوا إنا معكم) في الدين والاعتقاد أي إنا مصاحبوكم في دينكم وموافقوكم عليه.
(إنما نحن مستهزؤن) أي بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بما نظهر لهم من الإسلام لنأمن من شرهم ونقف على سرهم، ونأخذ من غنائمهم، تأكيد لما قبله أو بدل منه أو استئناف.
قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه، والهزء السخرية واللعب والاستخفاف يقال هزأت واستهزأت بمعنى، وأصله الخفة وهو القتل السريع، وهزأ يهزأ مات فجأة وتهزأ به ناقته أي تسرع به وتخف، والمراد درؤهم للإسلام ودفعهم للحق.
95
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)
96
(الله يستهزىء بهم) أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخف بهم انتصافاً منهم لعباده المؤمنين، وجزاء لاستهزائهم بهم، فسمى الجزاء باسمه، لأنه في مقابلته، وورد ذلك في القرآن كثيراً ومنه (جزاء سيئة سيئة مثلها، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والجزاء لا يكون سيئة، والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق، ومنه (ومكروا ومكر الله) (إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً) (وتعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) وهو في السنة كثير كقوله - ﷺ - " إن الله لا يمل حتى تملوا "، وإنما قال (الله يستهزىء بهم) لأنه يفيد التجدد وقتاً بعد وقت وهو أشد عليهم وأنكى لقلوبهم، وأوجع لهم من الإستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الاسمية لأنه يألفه ويوطن نفسه عليه، قال ابن عباس يفتح لهم باب الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم وردوا إلى النار.
(ويمدهم) أي يتركهم ويمهلهم ويطيل لهم المدة كما قال (إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً) والمد الزيادة قال يونس بن حبيب يقال أمد في الشر وأمد في الخير، ومنه (وأمددناهم بأموال وبنين، وأمددناهم بفاكهة) وقال الأخفش مددت له إذا تركته وأمددته إذا أعطيته (في طغيانهم) أي في ضلالهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد ومنه (إنا لما طغى الماء) والغلو في الكفر (يعمهون) أي يترددون في الضلالة متحيرين، والعمه والعامه الحائر المتردد، والعمه في القلب كالعمى في العين، قال في الكشاف: العمه مثل العمى إلا أن العمى في البصر
(ويمدهم) أي يتركهم ويمهلهم ويطيل لهم المدة كما قال (إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً) والمد الزيادة قال يونس بن حبيب يقال أمد في الشر وأمد في الخير، ومنه (وأمددناهم بأموال وبنين، وأمددناهم بفاكهة) وقال الأخفش مددت له إذا تركته وأمددته إذا أعطيته (في طغيانهم) أي في ضلالهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد ومنه (إنا لما طغى الماء) والغلو في الكفر (يعمهون) أي يترددون في الضلالة متحيرين، والعمه والعامه الحائر المتردد، والعمه في القلب كالعمى في العين، قال في الكشاف: العمه مثل العمى إلا أن العمى في البصر
96
والرأي، والعمه في الرأي خاصة انتهى، فبينهما عموم وخصوص مطلقاً.
97
(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) يعني المنافقين استبدلوا الكفر بالإيمان، وإنما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسعاً على سبييل الاستعارة، فالشراء ههنا مستعار للاستبدال كقوله تعالى (فاستحبوا العمى على الهدى) فأما أن يكون معنى الشراء المعاوضة كما هو أصله حقيقة فلا لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين وما كانوا على الهدى فيبيعوا إيمانهم؛ والعرب قد تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئاً بشيء، وأصل الضلالة الحيرة والجور عن القصد وفقد الإهتداء، ويطلق على النسيان ومنه قوله تعالى (فعلتها إذاً وأنا من الضالين) وعلى الهلاك كقوله تعالى (إذا ضللنا في الأرض) والهدى التوجه إلى القصد، وقد استعير الأول للعدول عن الصواب في الدين، والثاني للإستقامة عليه، قال ابن عباس في الآية اشتروا الكفر بالإيمان وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا؛ وقال قتادة قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
(فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا في تجارتهم، وأصل الربح الفضل عن رأس المال والتجارة صناعة التاجر، وأسند الربح إليها على عادة العرب في قولهم: ربح بيعك وخسرت صفقتك، وهو من الإسناد المجازي وهو إسناد الفعل إلى ملابس للفاعل كما هو مقرر في علم المعاني، والمراد ربحوا وخسروا (وما كانوا مهتدين) أي مصيبين في تجارتهم لأن رأس المال هو الإيمان، فلما أضاعوه واعتقدوا الضلالة فقد ضلوا عن الهدى، وقيل في شرائعهم الضلالة وقيل في سابق علم الله.
(فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا في تجارتهم، وأصل الربح الفضل عن رأس المال والتجارة صناعة التاجر، وأسند الربح إليها على عادة العرب في قولهم: ربح بيعك وخسرت صفقتك، وهو من الإسناد المجازي وهو إسناد الفعل إلى ملابس للفاعل كما هو مقرر في علم المعاني، والمراد ربحوا وخسروا (وما كانوا مهتدين) أي مصيبين في تجارتهم لأن رأس المال هو الإيمان، فلما أضاعوه واعتقدوا الضلالة فقد ضلوا عن الهدى، وقيل في شرائعهم الضلالة وقيل في سابق علم الله.
(مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً) المثل قول يشبه قولاً آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره، ولهذا ضرب الله الأمثال في كتابه. وهو أحد أقسام القرآن السبعة، ولما ذكر حقيقة وصف المنافقين عقبه بضرب المثل زيادة في الكشف والبيان، لأنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في
97
نفسه، ولأن المثل تشبيه الشيء الخفي بالجلي فيتأكد الوقوف على ماهيته: وذلك هو النهاية في الإيضاح، وشرطه أن يكون قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه واستوقد بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب، فالسين والياء زائدتان، ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها.
(فلما أضاءت ما حوله) يعني النار، والإضاءة فرضاً الإنارة وفعلها يكون لازماً ومتعدياً (ذهب الله بنورهم) الذهاب زوال الشيء (وتركهم) أي أبقاهم، وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى (في ظلمات) جمع ظلمة والظلمة عدم النور (لا يبصرون) هذا المثل للمنافقين لبيان ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام الإسلام كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت، فإنه يعود إلى الظلمة ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده.
قال ابن عباس في الآية نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقى في ظلمة حائراً متخوفاً، فكذلك حال المنافقين، أظهروا كلمة الإيمان وأمنوا بها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وناكحوا المسلمين وقاسموهم في الغنائم فذلك نورهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وقيل ذهاب نورهم ظهور عقيدتهم للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل في القبر أو على الصراط، والأول أولى.
وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل لأن الباطل كذلك يسطع لهب ناره لحظة ثم تخفت ومنه قولهم: للباطل صولة ثم يضمحل.
وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأناً عظيماً في إبراز خفيات المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق، ولهذا استكثر الله تعالى ذلك في كتابه
(فلما أضاءت ما حوله) يعني النار، والإضاءة فرضاً الإنارة وفعلها يكون لازماً ومتعدياً (ذهب الله بنورهم) الذهاب زوال الشيء (وتركهم) أي أبقاهم، وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى (في ظلمات) جمع ظلمة والظلمة عدم النور (لا يبصرون) هذا المثل للمنافقين لبيان ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام الإسلام كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت، فإنه يعود إلى الظلمة ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده.
قال ابن عباس في الآية نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقى في ظلمة حائراً متخوفاً، فكذلك حال المنافقين، أظهروا كلمة الإيمان وأمنوا بها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وناكحوا المسلمين وقاسموهم في الغنائم فذلك نورهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وقيل ذهاب نورهم ظهور عقيدتهم للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل في القبر أو على الصراط، والأول أولى.
وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل لأن الباطل كذلك يسطع لهب ناره لحظة ثم تخفت ومنه قولهم: للباطل صولة ثم يضمحل.
وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأناً عظيماً في إبراز خفيات المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق، ولهذا استكثر الله تعالى ذلك في كتابه
98
العزيز، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من ذلك في مخاطباته ومواعظه.
قال ابن جرير: وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال (رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) وقال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً).
قال ابن جرير: وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال (رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) وقال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً).
99
(صم): أي عن استماع الحق لأنهم لا يقبلونه، وإذا لم يقبلوه فكأنهم لم يسمعوه والصمم الانسداد (بكم) أي خرس عن النطق بالخير فهم لا يقولونه، والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس، وقيل الأبكم والأخرس واحد (عمي) أي لا بصائر لهم يميزون بها بين الحق والباطل، ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له فهو أعمى، والعمى ذهاب البصر، كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن سماع الحق آذانهم وأبوا أن تنطق به ألسنتهم، وأن ينظروا إليه بعيونهم، جعلوا كمن تعطلت حواسه، وذهب إدراكه كما قال الشاعر: (١)
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به... وإن ذكرت بسوء كلهم أذن
(فهم لا يرجعون) أي عن ضلالتهم ونفاقهم.
_________
(١) ومن ذلك قوله مسكين الداري
ما ضرَّ جاراً لي أجاوره... ألا يكون لبابه ستر
أعمى إِذا ما جارتي خرجت... حتى يواري جارتي الخدر
وتصمُّ عما بينهم أذني... حتى يكون كأنه وقر
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به... وإن ذكرت بسوء كلهم أذن
(فهم لا يرجعون) أي عن ضلالتهم ونفاقهم.
_________
(١) ومن ذلك قوله مسكين الداري
ما ضرَّ جاراً لي أجاوره... ألا يكون لبابه ستر
أعمى إِذا ما جارتي خرجت... حتى يواري جارتي الخدر
وتصمُّ عما بينهم أذني... حتى يكون كأنه وقر
99
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)
100
(أو كصيب من السماء) أو: حرف الشك لقصد التخيير بين المثلين أي مثلوهم بهذا أو هذا، وهي وإن كانت في الأصل للشك فقد توسع فيها حتى صارت لمجرد التساوي من غير شك، وقال الفراء وغيره أنها بمعنى الواو، والصيب المطر واشتقاقه من صاب يصوب إذا نزل، وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب، والسماء في الأصل كل ما علاك فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت سماء، والسماء أيضاً المطر سمي بها لنزوله منها، وإطلاق السماء على المطر واقع كثيراً في كلام العرب، وقيل من السماء بعينها، وإنما ذكر الله تعالى من السماء وإن كان المطر لا ينزل إلا منها ليرد على زعم أن المطر ينعقد من أبخرة الأرض فأبطل مذهب الحكماء بقوله (من السماء) ليعلم أن المطر منها لا كما هو زعمهم الباطل.
(فيه ظلمات) أي في الصيب، وبه قال جمهور المفسرين، وقال السيوطي في السحاب وهو خلاف ظاهر نظم الآية، وقيل (في) بمعنى مع، وإنما جمع الظلمات إشارة إلى أنه انضم إلى ظلمة الليل، ظلمة الغيم والمطر (ورعد) اسم لصوت الملك الذي يزجر السحاب، وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال: سألت اليهود النبي - ﷺ - عن الرعد ما هو؟، قال " ملك من الملائكة بيده مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث يشاء الله " قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر،
(فيه ظلمات) أي في الصيب، وبه قال جمهور المفسرين، وقال السيوطي في السحاب وهو خلاف ظاهر نظم الآية، وقيل (في) بمعنى مع، وإنما جمع الظلمات إشارة إلى أنه انضم إلى ظلمة الليل، ظلمة الغيم والمطر (ورعد) اسم لصوت الملك الذي يزجر السحاب، وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال: سألت اليهود النبي - ﷺ - عن الرعد ما هو؟، قال " ملك من الملائكة بيده مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث يشاء الله " قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر،
100
قالت صدقت، الحديث بطوله وفي إسناده مقال، وعلى هذا التفسير أكثر العلماء، وقيل هو اضطراب أجرام السحاب عند نزول المطر منها وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين تبعاً للفلاسفة وجهلة المتكلمين، وقيل غير ذلك، قال ابن عباس: الرعد اسم ملك يسوق السحاب، والبرق لمعان سوطه من نور يزجر به السحاب، وقيل الرعد اسم ملك يزجر السحاب (١) إذا تبددت جمعها وضمها فإذا اشتد غضبه يخرج من فيه النار فهي البرق (وبرق) النار التي تخرج منه، أي مخراق بيد الملك الذي يسوق السحاب، وإليه ذهب كثير من الصحابة وجمهور علماء الشريعة للحديث السابق، وقال بعض المفسرين تبعاً للفلاسفة أن البرق ما ينقدح من اصطكاك أجرام السحاب المتراكمة من الأبخرة المتصعدة المشتملة على جزء ناري يلهب عند الاصطكاك.
(يجعلون) أي أصحاب الصيب (أصابعهم في آذانهم من الصواعق) إطلاق الأصابع على بعضها مجاز مشهور، والعلاقة الجزئية والكلية لأن الذي يجعل في الأذن إنما هو رأس الاصبع لا كلها، والصواعق، ويقال الصواعق هي قطعة نار تنفصل من مخراق الملك الذي يزمجر السحاب عند غضبه وشدة ضربه لها، ويدل على ذلك حديث ابن عباس المذكور قريباً، وبه قال كثير من علماء الشريعة، ومنهم من قال أنها نار تخرج من فم الملك، وقال الخليل هي الوقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحياناً قطعة نار تحرق ما أتت عليه، وقال أبو زيد الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد، وقال بعض المفسرين تبعاً للفلاسفة ومن قال بقولهم إنها نار لطيفة تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامها، وسيأتي في سورة الرعد إن شاء الله تعالى في تفسير الرعد والبرق والصواعق ما له مزيد فائدة وإيضاح، وعن ابن عمر أن رسول الله - ﷺ - كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك "، أخرجه الترمذي وقال حديث غريب (حذر الموت)
_________
(١) فقد روى أحمد في مسنده (٢٤٨٣) والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح غريب وفي حديث طويل أجابه به - ﷺ - اليهود.
(يجعلون) أي أصحاب الصيب (أصابعهم في آذانهم من الصواعق) إطلاق الأصابع على بعضها مجاز مشهور، والعلاقة الجزئية والكلية لأن الذي يجعل في الأذن إنما هو رأس الاصبع لا كلها، والصواعق، ويقال الصواعق هي قطعة نار تنفصل من مخراق الملك الذي يزمجر السحاب عند غضبه وشدة ضربه لها، ويدل على ذلك حديث ابن عباس المذكور قريباً، وبه قال كثير من علماء الشريعة، ومنهم من قال أنها نار تخرج من فم الملك، وقال الخليل هي الوقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحياناً قطعة نار تحرق ما أتت عليه، وقال أبو زيد الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد، وقال بعض المفسرين تبعاً للفلاسفة ومن قال بقولهم إنها نار لطيفة تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامها، وسيأتي في سورة الرعد إن شاء الله تعالى في تفسير الرعد والبرق والصواعق ما له مزيد فائدة وإيضاح، وعن ابن عمر أن رسول الله - ﷺ - كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك "، أخرجه الترمذي وقال حديث غريب (حذر الموت)
_________
(١) فقد روى أحمد في مسنده (٢٤٨٣) والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح غريب وفي حديث طويل أجابه به - ﷺ - اليهود.
101
أي مخافة الهلاك، والموت ضد الحياة (والله محيط بالكافرين) أي عالم بحالهم وقيل يجمعهم ويعذبهم والإحاطة الأخذ من جميع الجهات حتى لا يفوت المحاط به بوجه من الوجوه.
102
(يكاد البرق) أي يقرب يقال كاد يفعل ولم يفعل (يخطف أبصارهم) أي يختلسها والخطف استلاب الشيء والأخذ بسرعة (كلما أضاء لهم) يعني البرق (مشوا فيه) أي في إضاءته ونوره (وإذا أظلم عليهم قاموا) أي وقفوا متحيرين (ولو شاء الله لذهب بسمعهم) أي بصوت الرعد (وأبصارهم) بوميض البرق (إن الله على كل شيء قدير) أي هو الفاعل لما يشاء لا منازع له فيه، والآية على عمومها بلا استثناء، وفيه دليل على أن الحادث حال حدوثه والممكن حال بقائه مقدوران لا كما زعم المعتزلة من أن الاستطاعة قبل الفعل.
وهذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين، والمنافقون أصناف منهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومنهم من قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وورد بلفظ أربع وزاد وإذا خاصم فجر، وورد بلفظ إذا عاهد غدر، وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين.
وهذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين، والمنافقون أصناف منهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومنهم من قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وورد بلفظ أربع وزاد وإذا خاصم فجر، وورد بلفظ إذا عاهد غدر، وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين.
(يا أيها الناس) لم يقع النداء في القرآن بغير " يا " من الأدوات والنداء في الأصل طلب الإقبال والمراد به هنا التنبيه وأي مبني على الضم في محل نصب والناس نعت لأي على اللفظ وحركته إعرابية وحركة أي بنائية، واستشكل رفع التابع مع عدم عامل الرفع، والنداء على سبع مراتب: نداء مدح كقوله: (يا أيها النبي) و (يا أيها الرسول)، ونداء ذم كقوله: (يا أيها الذين هادوا) (يا أيها الذين كفروا) ونداء تنبيه كقوله: (يا أيها الإنسان) (يا أيها الناس) ونداء إضافة كقوله: (يا عبادي) ونداء نسبة كقوله: (يا بني آدم) (يا بني إسرائيل)، ونداء تسمية كقوله: (يا داود) (يا إبراهيم)، ونداء تضيف كقوله:
102
(يا أهل الكتاب)، قاله الكرخى.
قال ابن عباس (يا أيها الناس) خطاب لأهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة وهو هنا خطاب عام لسائر المكلفين، والحق أن ما قاله ابن عباس أكثري لا كُلّي، فإن البقرة والنساء والحجرات مدنيات وفاقاً، وقد قال في كل منها يا أيها الناس (١).
(أعبدوا ربكم الذي خلقكم) قال ابن عباس وحدوا، وكل ما ورد في القرآن من العبادة قيل معناه التوحيد. وأصل العبادة غاية التذلل، وقد تقدم تفسيرها والمعنى ابتدع خلقكم من غير مثال سبق، وإنما خص نعمة الخلق وامتن بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها، وأيضاً فالكفار يقرون بأن الله هو الخالق (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) فامتن عليهم بما يعترفون به فلا ينكرونه، وفي أصل معنى الخلق وجهان أحدهما التقدير يقال خلقت الأديم للسقاء إذا قدرته قبل القطع (الثاني) الإنشاء والاختراع والإبداع.
(والذين من قبلكم) بالذات أو الزمان أي وخلقهم (لعلكم تتقون) ولعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشفاق، وذلك مستحيل على الله تعالى ولكنه لما كان في المخاطبة منه للبشر كان بمنزلة قوله لهم افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع، وبهذا قال جماعة من أهل العربية منهم سيبويه، وقيل بمعنى لام كي أي لتتقوا وبهذا قال جماعة منهم قطرب والطبري، وقيل إنها بمعنى التعرض للشيء كأنه قال متعرضين للتقوى وإليه مال أبو البقاء وغيره.
_________
(١) وقد اختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب وعلى أربعة أقوال.
أنه عام لجميع الناس وهو قول ابن عباس.
أنه خطاب لليهود دون غيرهم قاله الحسن ومجاهد.
أنه خطاب للكفار من مشرعي العرب وغيرهم قاله السدي.
أنه خطاب للمنافقين واليهود قاله مقاتل انظر (زاد المسير ١/ ٤٧).
قال ابن عباس (يا أيها الناس) خطاب لأهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة وهو هنا خطاب عام لسائر المكلفين، والحق أن ما قاله ابن عباس أكثري لا كُلّي، فإن البقرة والنساء والحجرات مدنيات وفاقاً، وقد قال في كل منها يا أيها الناس (١).
(أعبدوا ربكم الذي خلقكم) قال ابن عباس وحدوا، وكل ما ورد في القرآن من العبادة قيل معناه التوحيد. وأصل العبادة غاية التذلل، وقد تقدم تفسيرها والمعنى ابتدع خلقكم من غير مثال سبق، وإنما خص نعمة الخلق وامتن بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها، وأيضاً فالكفار يقرون بأن الله هو الخالق (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) فامتن عليهم بما يعترفون به فلا ينكرونه، وفي أصل معنى الخلق وجهان أحدهما التقدير يقال خلقت الأديم للسقاء إذا قدرته قبل القطع (الثاني) الإنشاء والاختراع والإبداع.
(والذين من قبلكم) بالذات أو الزمان أي وخلقهم (لعلكم تتقون) ولعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشفاق، وذلك مستحيل على الله تعالى ولكنه لما كان في المخاطبة منه للبشر كان بمنزلة قوله لهم افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع، وبهذا قال جماعة من أهل العربية منهم سيبويه، وقيل بمعنى لام كي أي لتتقوا وبهذا قال جماعة منهم قطرب والطبري، وقيل إنها بمعنى التعرض للشيء كأنه قال متعرضين للتقوى وإليه مال أبو البقاء وغيره.
_________
(١) وقد اختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب وعلى أربعة أقوال.
أنه عام لجميع الناس وهو قول ابن عباس.
أنه خطاب لليهود دون غيرهم قاله الحسن ومجاهد.
أنه خطاب للكفار من مشرعي العرب وغيرهم قاله السدي.
أنه خطاب للمنافقين واليهود قاله مقاتل انظر (زاد المسير ١/ ٤٧).
103
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)
104
(الذي جعل لكم الأرض فراشاً) أي خلق لكم الأرض بساطاً ووطاء مذللة ولم يجعلها حزنة لا يمكن القرار عليها، والحزن ما غلظ من الأرض، " وجعل " هنا بمعنى صير وجاء بمعنى صار وطفق وأوجد، والتصيير يكون بالفعل تارة وبالقول والعقد أخرى، والفراش وطاء يستقرون عليها، واستدل به أكثر المفسرين على أن شكل الأرض بسيط ليس بكروي.
(والسماء بناء) أي سقفاً مرفوعاً قيل إذا تأمل المتفكر في العالم وجده كالبيت المعمور فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مفروشة كالبساط والنجوم كالمصابيح، والإنسان كمالك البيت، وفيه ضروب النبات المهيأة لمنافعه، وأصناف الحيوان مصروفة في مصالحه، فيجب على الإنسان المسخر له هذه الأشياء شكر الله تعالى عليها، والسماء اسم جنس يقع على الواحد والمتعدد، وقيل جمع سماة، والبناء مصدر سمى به المبنى بيتاً كان أو قبة أو خباء، وأصل البناء وضع لبنة على أخرى فجعل السماء كالقبة المضروبة عليهم، والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً).
(وأنزل من السماء) يعني السحاب (ماء) يعني المطر (فأخرج به) أي بذلك الماء (من الثمرات) جمع ثمرة (رزقاً لكم) والمعنى أخرجنا لكم ألواناً من الثمرات وأنواعاً من النبات، ليكون ذلك متاعاً لكم وعلفاً لدوابكم إلى حين، وهو قادر على أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس
(والسماء بناء) أي سقفاً مرفوعاً قيل إذا تأمل المتفكر في العالم وجده كالبيت المعمور فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مفروشة كالبساط والنجوم كالمصابيح، والإنسان كمالك البيت، وفيه ضروب النبات المهيأة لمنافعه، وأصناف الحيوان مصروفة في مصالحه، فيجب على الإنسان المسخر له هذه الأشياء شكر الله تعالى عليها، والسماء اسم جنس يقع على الواحد والمتعدد، وقيل جمع سماة، والبناء مصدر سمى به المبنى بيتاً كان أو قبة أو خباء، وأصل البناء وضع لبنة على أخرى فجعل السماء كالقبة المضروبة عليهم، والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً).
(وأنزل من السماء) يعني السحاب (ماء) يعني المطر (فأخرج به) أي بذلك الماء (من الثمرات) جمع ثمرة (رزقاً لكم) والمعنى أخرجنا لكم ألواناً من الثمرات وأنواعاً من النبات، ليكون ذلك متاعاً لكم وعلفاً لدوابكم إلى حين، وهو قادر على أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس
104
الأسباب والمواد، ولكن له في الإنشاء مدرجاً من حال إلى حال صنائع وحكماً يجدد فيها لأولي الأبصار عبراً وسكوناً إلى عظيم قدرته ليس ذلك في إيجادها دفعة (فلا تجعلوا لله أنداداً) جمع ند وهو المثل والنظير، وفي جعله جمع نديد نظر (وأنتم تعلمون) بعقولكم أن هذه الأشياء والأمثال لا يصح جعلها أنداداً لله وأنه واحد خالق لجميع الأشياء وإنه لا مثل له ولا ند ولا ضد، وفي الآية دليل على وجوب استعمال الحجج وترك التقليد.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي - ﷺ - ما شاء الله وشئت قال " جعلتني لله نداً (١). ما شاء الله وحده " وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة قال: قال رسول الله - ﷺ - لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال " أن تجعل لله نداً وهو خلقك ".
_________
(١) وقد روى مسلم عن عبد الله قال: سألت رسول الله ﷺ أي الذنب أعظم عند الله؛ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " قال قلت له: إن ذلك لعظيم، قال قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك (أي يأكل) قال قلت: ثم أي قال ثم أن تزاني حليلة جارك.
وفي رواية: قال: أن تدعو لله نداً وقد خلقك.
قال ابن حجر في الفتح:... ولا ينسب شيء في الخلق لغير الله تعالى فيكون شريكاً ونداً ومساوياً له في نسبه الفعل اليه، وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها المصرحة بنفي الانداد والآلهة المدعوة معه، فتضمنت الرد على ما يزعم أنه يخلق أفعاله، ومنها ما حذر به المؤمنين أو أثنى عليهم، ومنها ما وبخ به الكافرين وحديث الباب (المذكور) ظاهر في ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي - ﷺ - ما شاء الله وشئت قال " جعلتني لله نداً (١). ما شاء الله وحده " وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة قال: قال رسول الله - ﷺ - لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال " أن تجعل لله نداً وهو خلقك ".
_________
(١) وقد روى مسلم عن عبد الله قال: سألت رسول الله ﷺ أي الذنب أعظم عند الله؛ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " قال قلت له: إن ذلك لعظيم، قال قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك (أي يأكل) قال قلت: ثم أي قال ثم أن تزاني حليلة جارك.
وفي رواية: قال: أن تدعو لله نداً وقد خلقك.
قال ابن حجر في الفتح:... ولا ينسب شيء في الخلق لغير الله تعالى فيكون شريكاً ونداً ومساوياً له في نسبه الفعل اليه، وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها المصرحة بنفي الانداد والآلهة المدعوة معه، فتضمنت الرد على ما يزعم أنه يخلق أفعاله، ومنها ما حذر به المؤمنين أو أثنى عليهم، ومنها ما وبخ به الكافرين وحديث الباب (المذكور) ظاهر في ذلك.
105
(وإن كنتم في ريب) أي شك لأن الله عليم بأنهم شاكون (مما نزلنا على عبدنا) أن القرآن أنزله على محمد- ﷺ - وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم
105
للتفخيم، لأن قبله اعبدوا ربكم فكان حق المقام أن يقول مما نزل على عبده والعبد مأخوذ من التعبد وهو التذلل، وعبدنا إضافة تشريف لمحمد - ﷺ -، والتنزيل التدريج والتنجيم (فأتوا بسورة) أي من سورة، والسورة الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص سميت بذلك لأنها مشتملة على كلماتها كاشتمال سور البلدة عليها، وأقل ما تتألف منه السورة ثلاث آيات استدل به من قال أنه يتعلق الإعجاز بأقل من سورة ورد به على من قال من المعتزلة بأنه يتعلق بجميع القرآن (من مثله) الضمير عائد على القرآن عند جمهور أهل العلم، وقيل على التوراة والإنجيل لأن المعنى إنها تصدق ما فيه، وقيل يعود على النبي - ﷺ -، والمعنى من بشر مثل محمد- ﷺ - أمي لا يكتب ولا يقرأ، والأول أوجه وأولى، ويدل عليه أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في التحدي، وإنما وقع الكلام في المنزل لا في المنزل عليه (وادعوا شهداءكم) جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو المعاون، والمراد هنا الآلهة أي استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها (من دون الله) وقيل المعنى وادعوا ناساً يشهدون لكم، ومعنى ْدون: أدنى مكان من الشيء واتسع فيه حتى استعمل في تخطي شيء إلى شيء آخر ومنه ما في هذه الآية، وله معان أخر منها التقصير عن الغاية والحقارة، والعرب تقول هذا دون ذلك أي أقرب منه (إن كنتم صادقين) فيما قلتم إنكم تقدرون على المعارضة. وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم، أو أن محمداً - ﷺ - يقوله من تلقاء نفسه، والأول أولى، والصدق خلاف الكذب، وهو مطابقة الخبر للواقع أو الإعتقاد أو لهما على الخلاف المعروف في علم المعاني.
106
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥)
107
(فإن لم تفعلوا) فيما مضى (ولن تفعلوا) ذلك فيما يأتي وتبين لكم عجزكم عن المعارضة وذلك أن النفوس الأبيَّة إذا قرعت بمثل هذا التقريع استفرغت الوسع في الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه ولو قدروا على ذلك لأتوا به، فحيث لم يأتوا بشيء ظهرت المعجزة للنبي - ﷺ - وبان عجزهم، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، والقرآن من جنس كلامهم وكانوا حراصاً على إطفاء نوره وإبطال أمره، ثم مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة من أحدهم ورضوا بسبي الذراري وأخذ الأموال والقتل، وإذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح صدق رسول الله - ﷺ -، وإذا كان الأمر كذلك وجب ترك العناد.
وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها لأنها لم تقع المعارضة من أحد من الكفرة في أيام النبوة وفيما بعدها وإلى الأن، وقد كرر الله سبحانه تحدي الكفار لهذا في مواضع من القرآن منها هذا، ومنها قوله تعالى في سورة القصص (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين) وقال في سورة سبحان (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) وقال في سورة هود (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وقال في سورة يونس (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).
وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل وجه الإعجاز في القرآن هو كونه
وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها لأنها لم تقع المعارضة من أحد من الكفرة في أيام النبوة وفيما بعدها وإلى الأن، وقد كرر الله سبحانه تحدي الكفار لهذا في مواضع من القرآن منها هذا، ومنها قوله تعالى في سورة القصص (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين) وقال في سورة سبحان (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) وقال في سورة هود (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وقال في سورة يونس (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).
وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل وجه الإعجاز في القرآن هو كونه
107
في الرتبة العلية من البلاغة الخارجة عن طوق البشر أو كان العجز عن المعارضة الصرفة من الله سبحانه لهم عن أن يعارضوه، والحق الأول فإن القرآن يأتي تارة بالقصة باللفظ الطويل، ثم يعيدها باللفظ الوجيز ولا يخل بالمقصود، وأنه فارقت أساليبه أساليب الكلام وأوزانه أوزان الأشعار والخطب والرسائل ولهذا تحدت العرب به فعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله، وهم معدن البلاغة وفرسان الفصاحة حتى قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، والكلام في هذا مبسوط في مواطنه.
(فاتقوا النار) بالإيمان بالله وكتبه ورسله والقيام بفرائضه واجتناب مناهيه وقيل المعنى فاحترزوا من إنكار كونه منزلاً من عند الله فإنه مستوجب للعقاب بالنار (التي وقودها الناس والحجارة) أي حطبها والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقد، وقيل كل من الفتح والضم يجري في الآلة والمصدر والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدنيا فجعلت وقوداً للنار معهم، ويدل على هذا قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) وقيل المراد بها حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً قاله ابن عباس، وقيل جميع الحجارة، وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها وفي هذا من التهويل ما لا يقادر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس والحجارة فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها.
(أعدت للكافرين) أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر، قاله ابن عباس والمعنى جعلت عدة لعذابهم وهيئت لذلك، واخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية وقودها الناس والحجارة قال أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها، وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً مثله،
(فاتقوا النار) بالإيمان بالله وكتبه ورسله والقيام بفرائضه واجتناب مناهيه وقيل المعنى فاحترزوا من إنكار كونه منزلاً من عند الله فإنه مستوجب للعقاب بالنار (التي وقودها الناس والحجارة) أي حطبها والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقد، وقيل كل من الفتح والضم يجري في الآلة والمصدر والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدنيا فجعلت وقوداً للنار معهم، ويدل على هذا قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) وقيل المراد بها حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً قاله ابن عباس، وقيل جميع الحجارة، وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها وفي هذا من التهويل ما لا يقادر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس والحجارة فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها.
(أعدت للكافرين) أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر، قاله ابن عباس والمعنى جعلت عدة لعذابهم وهيئت لذلك، واخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية وقودها الناس والحجارة قال أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها، وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً مثله،
108
وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها.
وعن أبي هريرة قال أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون، إنها لأشد سواداً من القار، والآية دلت على أنها مخلوقة الآن إذ الإخبار عن إعدادها بلفظ الماضي دليل على وجودها وإلا لزم الكذب في خبر الله تعالى، فما زعمته المعتزلة من أنها تخلق يوم الجزاء مردود، وتأويلهم بأنه يعبر عن المستقبل بالماضي لتحقق الوقوع ومثله كثير في القرآن مدفوع بأنه خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلا بقرينة، والأحاديث الصحيحة المتقدمة تدفعه.
وعن أبي هريرة قال أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون، إنها لأشد سواداً من القار، والآية دلت على أنها مخلوقة الآن إذ الإخبار عن إعدادها بلفظ الماضي دليل على وجودها وإلا لزم الكذب في خبر الله تعالى، فما زعمته المعتزلة من أنها تخلق يوم الجزاء مردود، وتأويلهم بأنه يعبر عن المستقبل بالماضي لتحقق الوقوع ومثله كثير في القرآن مدفوع بأنه خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلا بقرينة، والأحاديث الصحيحة المتقدمة تدفعه.
109
(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه وتعالى في كتابه العزيز لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه، والتبشير الإخبار بما يظهر أثره على البشرة وهي الجلدة الظاهرة من البشر والسرور، والمأمور بالتبشير قيل هو النبي - ﷺ - وقيل هو كل أحد كما في قوله - ﷺ - " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " والصالحات الأعمال المستقيمة، والمراد هنا الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم، وفيه رد على من يقول أن الإيمان بمجرده يكفي، فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح قيل هو ما كان فيه أربعة أشياء العلم والنية والصبر والإخلاص، يعني عن الرياء قاله عثمان.
(أن لهم جنات) جمع جنة وهي البساتين وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها أو تسترها بالأشجار والأوراق، وقيل الجنة ما فيه نخل والفردوس ما فيه كرم وهي اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة (تجري) أي على ظهر الأرض من غير حفيرة بل هي متماسكة
(أن لهم جنات) جمع جنة وهي البساتين وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها أو تسترها بالأشجار والأوراق، وقيل الجنة ما فيه نخل والفردوس ما فيه كرم وهي اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة (تجري) أي على ظهر الأرض من غير حفيرة بل هي متماسكة
109
بقدرة الله (من تحتها) أي تحت الجنات لاشتمالها على الأشجار أي من تحت أشجارها، قال مسروق إنها تجري من غير أخدود (الأنهار) جمع نهر وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر كالنيل والفرات، والمراد الماء الذي يجري فيها لأن الأنهار لا تجري، واسند الجري إليها مجازاً فالجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى (واسأل القرية التي كنا فيها) أي أهلها، والنهر يجوز فيه فتح الهاء وسكونها وكذا كل ما عينه حرف حلقي، وجمع الأول أنهر، وجمع الآخر أنهار، وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ " أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك ".
(كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً) أي أطعموا من الجنة طعاماً والمراد بثمرة النوع لا الفرد قاله سعد التفتازاني، وأطال الكلام فيه (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) في الدنيا (وأتوا به متشابها) وصف آخر للجنات أو جملة مستأنفة والمراد أنه شبيهه ونظيره لا أنه هو، لأن ذات الحاضر لا يكون عين ذات الغائب لاختلافهما، وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والمأدبة متخالفة والضمير في " به " عائد إلى الرزق وقيل المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابهاً فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل، فإذا أكلوا وجدوا له طعماً غير طعم الأول، عن ابن عباس ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء، وعن الحسن في قوله (متشابهاً) قال خيار كله يشبه بعضه بعضاً لا رذال فيه ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - ﷺ -: " أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس، طعامهم جشاء، ورشحهم كرشح المسك، وفي لفظ ورشحهم المسك " أخرجه مسلم، والمعنى أن فضول طعامهم يخرج في الجشاء وهو تنفس المعدة، والرشح العرق.
(كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً) أي أطعموا من الجنة طعاماً والمراد بثمرة النوع لا الفرد قاله سعد التفتازاني، وأطال الكلام فيه (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) في الدنيا (وأتوا به متشابها) وصف آخر للجنات أو جملة مستأنفة والمراد أنه شبيهه ونظيره لا أنه هو، لأن ذات الحاضر لا يكون عين ذات الغائب لاختلافهما، وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والمأدبة متخالفة والضمير في " به " عائد إلى الرزق وقيل المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابهاً فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل، فإذا أكلوا وجدوا له طعماً غير طعم الأول، عن ابن عباس ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء، وعن الحسن في قوله (متشابهاً) قال خيار كله يشبه بعضه بعضاً لا رذال فيه ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - ﷺ -: " أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس، طعامهم جشاء، ورشحهم كرشح المسك، وفي لفظ ورشحهم المسك " أخرجه مسلم، والمعنى أن فضول طعامهم يخرج في الجشاء وهو تنفس المعدة، والرشح العرق.
110
(ولهم فيها أزواج مطهرة) أي في الجنات من الحور العين المطهرة من البول والغائط والحيض والولد وسائر الأقذار، وقيل هي عجائز الدنيا الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا وقيل طهرن من مساوي الأخلاق والمعنى أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس والغائط والبزاق والنخامة، وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا، والأزواج جمع زوج وهو ما يكون معه آخر فيقال زوج للرجل والمرأة، وزوجة بالتاء قليل وأنها لغة تميم قاله الفراء، والزوج أيضاً الصنف والتثنية زوجان، والطهارة النظافة (وهم فيها خالدون) أي ماكثون أبداً، والخلد والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع، وقد يستعمل مجازاً فيما يطول دام أم لم يدم، والمراد هنا الأول لما يشهد له الآيات والأحاديث، والمعنى لا يخرجون منها ولا يموتون.
وعن ابن عباس في قوله (وهم فيها خالدون) قال يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له، وعن سعيد بن جبير خالدون يعني لا يموتون، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر عن النبي - ﷺ - قال " يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت، يا أهل الجنة لا موت، كل خالد فيما هو فيه (١) " وأخرج الطبراني وابن
_________
(١) وقد وردت الأحاديث الكثيرة في صفة أهل الجنة نقتطف منها من صحيح مسلم الأحاديث المتالية: - عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال: قال الله عز وجل: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ".
- عن أبي هريرة عن رسول الله - ﷺ -: أنه قال: " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ".
- عن أبي هريرة: أن النبي - ﷺ - قال: " إن الله يقول لأهل الجنة؛ يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا! وسعديك. والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".
- عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - ﷺ -: " أول زمرة تدخل الجنة من أمتي، على صورة القمر ليلة البدر. ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة. ثم هم بعد ذلك منازل لا يتغوطون -[١١٢]- ولا يبولون ولا يمتخطون ولا يبزقون أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً ". انظر صحيح مسلم/١٨٢٢ وما بعده.
وعن ابن عباس في قوله (وهم فيها خالدون) قال يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له، وعن سعيد بن جبير خالدون يعني لا يموتون، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر عن النبي - ﷺ - قال " يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت، يا أهل الجنة لا موت، كل خالد فيما هو فيه (١) " وأخرج الطبراني وابن
_________
(١) وقد وردت الأحاديث الكثيرة في صفة أهل الجنة نقتطف منها من صحيح مسلم الأحاديث المتالية: - عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال: قال الله عز وجل: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ".
- عن أبي هريرة عن رسول الله - ﷺ -: أنه قال: " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ".
- عن أبي هريرة: أن النبي - ﷺ - قال: " إن الله يقول لأهل الجنة؛ يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا! وسعديك. والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".
- عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - ﷺ -: " أول زمرة تدخل الجنة من أمتي، على صورة القمر ليلة البدر. ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة. ثم هم بعد ذلك منازل لا يتغوطون -[١١٢]- ولا يبولون ولا يمتخطون ولا يبزقون أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً ". انظر صحيح مسلم/١٨٢٢ وما بعده.
111
مردويه وأبو نعيم من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - ﷺ - " لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا، ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد. وقد أخرج ابن ماجة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي وابن مردويه عن أسامة بن زيد قال رسول الله - ﷺ - " ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد، في دار سليمة وفاكهة خضراء " الحديث.
والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جداً ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وكذلك في صفات نساء أهل الجنة ما لا يتسع المقام لبسطه، فلينظر في دواوين الإسلام، وقد ألف الحافظ محمد بن أبي بكر القيم الجوزي كتاباً في أحوال الجنة سماه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) لم يؤلف في الإسلام قبله مثله، وهو أجمع ما جمع في هذا الباب، وقد لخصته بحذف الزوائد والأسانيد وسميته (مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام) فليرجع إليه، وقد ثبت عن النبي - ﷺ - في صفات أهل الجنة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون.
والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جداً ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وكذلك في صفات نساء أهل الجنة ما لا يتسع المقام لبسطه، فلينظر في دواوين الإسلام، وقد ألف الحافظ محمد بن أبي بكر القيم الجوزي كتاباً في أحوال الجنة سماه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) لم يؤلف في الإسلام قبله مثله، وهو أجمع ما جمع في هذا الباب، وقد لخصته بحذف الزوائد والأسانيد وسميته (مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام) فليرجع إليه، وقد ثبت عن النبي - ﷺ - في صفات أهل الجنة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون.
112
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦)
113
(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة) أنزل الله هذه الآية رداً على الكفار لما أنكروا ما ضربه سبحانه من الأمثال كقوله (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً) قوله (أو كصيب من السماء) فقالوا إن الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال، وقد قال الرازي أن الله تعالى لما بين الدليل كون القرآن معجزاً أورد ههنا شبهة أوردها الكفار قدحاً في ذلك؛ وأجاب عنها، وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل والعنكبوت والنمل، وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء؛ فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلاً عن كونه معجزاً؛ وأجاب الله عنها بأن صغر هذه الأشياء لا يقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملاً على حكمة بالغة انتهى.
ولا يخفاك أن تقرير هذه الشبهة على هذا الوجه وإرجاع الإنكار إلى مجرد الفصاحة لا مستند له ولا دليل عليه؛ وقد تقدمه إلى شيء من هذا صاحب الكشاف؛ والظاهر ما ذكرناه أولاً لكون هذه الآية جاءت بعقب المثلين اللذين هما مذكوران قبلها؛ ولا يستلزم استنكارهم لضرب الأمثال بالأشياء المحقرة أن يكون ذلك لكونه قادحاً في الفصاحة والإعجاز، والحياة تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم، كذا في الكشاف وتبعه الرازي في مفاتيح الغيب، وقال القرطبي الاستحياء الانقباض عن الشيء والإمتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح، وهذا محال على الله انتهى.
وقد اختلفوا في تأويل ما في هذه الآية من ذكر الحياة فقيل ساغ ذلك لكونه واقعاً في الكلام المحكى عن الكفار، وقيل هو من باب المشاكلة كما
ولا يخفاك أن تقرير هذه الشبهة على هذا الوجه وإرجاع الإنكار إلى مجرد الفصاحة لا مستند له ولا دليل عليه؛ وقد تقدمه إلى شيء من هذا صاحب الكشاف؛ والظاهر ما ذكرناه أولاً لكون هذه الآية جاءت بعقب المثلين اللذين هما مذكوران قبلها؛ ولا يستلزم استنكارهم لضرب الأمثال بالأشياء المحقرة أن يكون ذلك لكونه قادحاً في الفصاحة والإعجاز، والحياة تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم، كذا في الكشاف وتبعه الرازي في مفاتيح الغيب، وقال القرطبي الاستحياء الانقباض عن الشيء والإمتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح، وهذا محال على الله انتهى.
وقد اختلفوا في تأويل ما في هذه الآية من ذكر الحياة فقيل ساغ ذلك لكونه واقعاً في الكلام المحكى عن الكفار، وقيل هو من باب المشاكلة كما
113
تقدم، وقيل هو جار على سبيل التمثيل، وضرب المثل اعتماده وصنعه، والبعوض صغار البق، الواحدة بعوضة سميت بذلك لصغرها، قاله الجوهري وغيره، وهو من عجيب خلق الله في غاية الصغر شديد اللسع وله ستة أرجل وأربعة أجنحة وله ذنب وخرطوم مجوف، وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد الفيل والجاموس والجمل فيبلغ منه الغاية.
(فما فوقها) يعني الذباب والعنكبوت وما هو أعظم منهما في الجثة، قال الكسائي والفراء، الفاء هنا بمعنى إلى، وقيل معناه فما دونها وأصغر منها، وهذا القول أشبه بالآية لأن الغرض بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الصغير الحقير، وقد ضرب النبي - ﷺ - مثلاً للدنيا بجناح البعوضة وهو أصغر منها، وقد ضربت العرب المثل بالمحقرات فقيل هو أحقر من ذرة، وأجمع من نملة، وأطيش من فراشة، وألح من ذبابة.
(فأما الذين آمنوا) بمحمد- ﷺ - والقرآن (فيعلمون أنه) يعني ضرب المثل (الحق) أي الثابت الواقع موقعه، وهو المقابل للباطل، والحق واحد الحقوق، والمراد هنا الأول، وقد اتفق المسلمون على أنه يجوز إطلاق هذا اللفظ على الله سبحانه (من ربهم) لا يجوز إنكاره لأن ضرب الأمثال من الأمور المستحسنة في العقل وعند العرب (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً) أي بهذا المثل، والإرادة نقيض الكراهة، وقيل هي نزوع أي اشتياق النفس وميلها إلى فعل بحيث يحملها عليه، أو هي قوة هي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وإرادته سبحانه ترجيح أحد مقدوريه على الآخر بالإيقاع أو معنى يوجب هذا الترجيح، والإرادة صفة له ذاتية قديمة زائدة على العلم.
(يضل به كثيراً) أي من الكفار، وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون به ضلالاً (ويهدي به كثيراً) يعني المؤمنين يصدقونه ويعلمون أنه حق، وهو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بإما فهو خبر من الله سبحانه، وقيل هو حكاية لقول الكافرين كأنهم قالوا ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى، وليس هذا بصحيح، فإن الكافرين لا يقرون بأن في
(فما فوقها) يعني الذباب والعنكبوت وما هو أعظم منهما في الجثة، قال الكسائي والفراء، الفاء هنا بمعنى إلى، وقيل معناه فما دونها وأصغر منها، وهذا القول أشبه بالآية لأن الغرض بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الصغير الحقير، وقد ضرب النبي - ﷺ - مثلاً للدنيا بجناح البعوضة وهو أصغر منها، وقد ضربت العرب المثل بالمحقرات فقيل هو أحقر من ذرة، وأجمع من نملة، وأطيش من فراشة، وألح من ذبابة.
(فأما الذين آمنوا) بمحمد- ﷺ - والقرآن (فيعلمون أنه) يعني ضرب المثل (الحق) أي الثابت الواقع موقعه، وهو المقابل للباطل، والحق واحد الحقوق، والمراد هنا الأول، وقد اتفق المسلمون على أنه يجوز إطلاق هذا اللفظ على الله سبحانه (من ربهم) لا يجوز إنكاره لأن ضرب الأمثال من الأمور المستحسنة في العقل وعند العرب (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً) أي بهذا المثل، والإرادة نقيض الكراهة، وقيل هي نزوع أي اشتياق النفس وميلها إلى فعل بحيث يحملها عليه، أو هي قوة هي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وإرادته سبحانه ترجيح أحد مقدوريه على الآخر بالإيقاع أو معنى يوجب هذا الترجيح، والإرادة صفة له ذاتية قديمة زائدة على العلم.
(يضل به كثيراً) أي من الكفار، وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون به ضلالاً (ويهدي به كثيراً) يعني المؤمنين يصدقونه ويعلمون أنه حق، وهو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بإما فهو خبر من الله سبحانه، وقيل هو حكاية لقول الكافرين كأنهم قالوا ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى، وليس هذا بصحيح، فإن الكافرين لا يقرون بأن في
114
القرآن شيئاً من الهداية، ولا يعترفون على أنفسهم بشيء من الضلالة.
وقد أطال المتكلمون الخصام في تفسير الضلال المذكور هنا وفي نسبته إلى الله سبحانه وقد نقح الرازي في تفسيره في هذا الموضع تنقيحاً نفيساً، وجوده وطوله وأوضح فروعه وأصوله فليرجع إليه فإنه مفيد جداً، وأما صاحب الكشاف فقد اعتمد هنا على عصاه التي يتوكأ عليها في تفسيره، فجعل إسناد الإضلال إلى الله سبحانه لكونه سبباً فهو من الإسناد المجازي إلى ملابس للفاعل الحقيقي، وحكى القرطبي عن أهل الحق من المفسرين أن المراد بقوله يضل يخذل.
(وما يضل به إلا الفاسقين) يعني الكافرين وقيل المنافقين وقيل اليهود، ولا خلاف في أن هذا من كلام الله سبحانه، قال القرطبي، فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن الهدى والضلال من الله، والفسق الخروج عن الشيء، ذكر معنى هذا الفراء، وقد زعم ابن الإعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم " فاسق " وهذا مردود عليه فقد حكى ذلك عن العرب وأنه من كلامهم جماعة من أئمة اللغة كابن فارس والجوهري وابن الأنباري وغيرهم.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي - ﷺ - أنه قال " خمس فواسق " الحديث، وقال في الكشاف الفسق الخروج عن القصد، ثم قال والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة ١هـ. وقال القرطبي الفسق في عرف الإستعمال الشرعي الخروج عن طاعة الله عز وجل فقد يقع على من خرج بكفر، وعلى من خرج بعصيان ١هـ. وهذا هو أنسب للمعنى اللغوي، ولا وجه لقصره على بعض الخارجين دون بعض.
قال الرازي في تفسيره واختلف أهل القبلة هل هو مؤمن أو كافر، فعند أصحابنا هو مؤمن، وعند الخوارج أنه كافر، وعند المعتزلة أنه لا مؤمن ولا كافر، واحتج المخالف بقوله (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) قوله (إن المنافقين هم الفاسقون) وقوله (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام إهـ.
وقد أطال المتكلمون الخصام في تفسير الضلال المذكور هنا وفي نسبته إلى الله سبحانه وقد نقح الرازي في تفسيره في هذا الموضع تنقيحاً نفيساً، وجوده وطوله وأوضح فروعه وأصوله فليرجع إليه فإنه مفيد جداً، وأما صاحب الكشاف فقد اعتمد هنا على عصاه التي يتوكأ عليها في تفسيره، فجعل إسناد الإضلال إلى الله سبحانه لكونه سبباً فهو من الإسناد المجازي إلى ملابس للفاعل الحقيقي، وحكى القرطبي عن أهل الحق من المفسرين أن المراد بقوله يضل يخذل.
(وما يضل به إلا الفاسقين) يعني الكافرين وقيل المنافقين وقيل اليهود، ولا خلاف في أن هذا من كلام الله سبحانه، قال القرطبي، فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن الهدى والضلال من الله، والفسق الخروج عن الشيء، ذكر معنى هذا الفراء، وقد زعم ابن الإعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم " فاسق " وهذا مردود عليه فقد حكى ذلك عن العرب وأنه من كلامهم جماعة من أئمة اللغة كابن فارس والجوهري وابن الأنباري وغيرهم.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي - ﷺ - أنه قال " خمس فواسق " الحديث، وقال في الكشاف الفسق الخروج عن القصد، ثم قال والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة ١هـ. وقال القرطبي الفسق في عرف الإستعمال الشرعي الخروج عن طاعة الله عز وجل فقد يقع على من خرج بكفر، وعلى من خرج بعصيان ١هـ. وهذا هو أنسب للمعنى اللغوي، ولا وجه لقصره على بعض الخارجين دون بعض.
قال الرازي في تفسيره واختلف أهل القبلة هل هو مؤمن أو كافر، فعند أصحابنا هو مؤمن، وعند الخوارج أنه كافر، وعند المعتزلة أنه لا مؤمن ولا كافر، واحتج المخالف بقوله (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) قوله (إن المنافقين هم الفاسقون) وقوله (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام إهـ.
115
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
116
(الذين ينقضون عهد الله) النقض إفساد ما أبرم من بناء أو حبل أو عهد، والنقاضة ما نقض من حبل الشعر، وقيل أصل النقض الفسخ وفك المركب، والمعنى متقارب، والمعنى يتركون ويخالفون، وأصل العهد حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال والعهد قيل هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره وهو قوله (ألست بربكم قالوا بلى) وقيل هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله، ونقضهم ذلك ترك العمل به، وقيل بل هو نصب الأدلة على وحدانيته بالسموات والأرض وسائر مخلوقاته، ونقضه ترك النظر فيه، وقيل هو ما عهده إلى الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس.
(من بعد ميثاقه) الضمير للعهد أو لله تعالى، قاله السمين، وعلى الأول مصدر مضاف إلى المفعول، وعلى الثاني مضاف للفاعل، " ومن " لابتداء الغاية فإن ابتداء النقض بعد الميثاق، والميثاق العهد المؤكد باليمين مفعال من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط جميعاً، والجمع المواثيق والمياثيق، واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الإستعارة.
(ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) القطع معروف والمصدر في الرحم القطيعة، واختلفوا ما هو الشيء الذي أمر الله بوصله فقيل الأرحام وموالاة
(من بعد ميثاقه) الضمير للعهد أو لله تعالى، قاله السمين، وعلى الأول مصدر مضاف إلى المفعول، وعلى الثاني مضاف للفاعل، " ومن " لابتداء الغاية فإن ابتداء النقض بعد الميثاق، والميثاق العهد المؤكد باليمين مفعال من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط جميعاً، والجمع المواثيق والمياثيق، واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الإستعارة.
(ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) القطع معروف والمصدر في الرحم القطيعة، واختلفوا ما هو الشيء الذي أمر الله بوصله فقيل الأرحام وموالاة
116
المؤمنين، وقيل وصل القول بالعمل لزوم الجماعات المفروضة، وقيل أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب البعض الآخر، وقيل المراد به حفظ شرائعه وحدوده التي أمر في كتبه المنزلة على ألسن رسله بالمحافظة عليها، وقيل سائر ما فيه رفض خير أو تعاطي شر، فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين عبده فهي عامة، وبه قال الجمهور وهو الحق، والأمر هو القول الطالب للفعل، وقيل مع العلو، وقيل مع الاستعلاء، وبه الأمر الذي هو واحد الأمور تسمية للمفعول به بالمصدر فإنه مما يؤمر به.
(ويفسدون في الأرض) يعني بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن والاستهزاء بالحق وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه، فالمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به كعبادة غيره، والإضرار بعباده، وتغيير ما أمر بحفظه، وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعاً أو عقلاً فهو فساد، وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء، والقطع بالوصل كان عملهم فساداً لما نقضوا أنفسهم من الفلاح والربح، وعن قتادة قال ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به الله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث ثابتة في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة النهي عن نقض العهد والوعيد الشديد عليه.
(أولئك هم الخاسرون) أي المغبونون بإهمال العقل عن النظر، واقتناص ما يفيدهم الحياة الأبدية، وأصل الخسار والخسران النقصان، والخاسر هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز، قال مقاتل: الخاسرون هم أهل النار، وقال ابن عباس كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام مثل خاسر ومسرف وظالم ومجرم وفاسق فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذم.
(ويفسدون في الأرض) يعني بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن والاستهزاء بالحق وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه، فالمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به كعبادة غيره، والإضرار بعباده، وتغيير ما أمر بحفظه، وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعاً أو عقلاً فهو فساد، وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء، والقطع بالوصل كان عملهم فساداً لما نقضوا أنفسهم من الفلاح والربح، وعن قتادة قال ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به الله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث ثابتة في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة النهي عن نقض العهد والوعيد الشديد عليه.
(أولئك هم الخاسرون) أي المغبونون بإهمال العقل عن النظر، واقتناص ما يفيدهم الحياة الأبدية، وأصل الخسار والخسران النقصان، والخاسر هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز، قال مقاتل: الخاسرون هم أهل النار، وقال ابن عباس كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام مثل خاسر ومسرف وظالم ومجرم وفاسق فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذم.
117
(كيف) هو للسؤال عن الأحوال، والمراد هنا الأحوال التي يقع عليها
117
الكفر على الطريق البرهاني من العسر واليسر والسفر والإقامة والكبر والصغر والعز والذل وغير ذلك، وهذا الاستفهام هو للإنكار عليهم والتعجيب من حالهم، وفيه تبكيت وتعنيف لهم (تكفرون بالله) بعد نصب الدلائل ووضع البراهين الدالة على وحدانيته، والخطاب على طريقة الإلتفات ثم ذكر الدلائل فقال (وكنتم أمواتاً) يعني نطفاً في أصلاب آبائكم وعلقاً ومضغاً (فأحياكم) يعني في الأرحام بنفخ الروح وفي الدنيا (ثم يميتكم) أي عند انقضاء آجالكم (ثم يحييكم) بالنشور يوم نفخ الصور، واختلف المفسرون في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين، والحاصل أن المراد بالموت الأول العدم السابق، وبالحياة الأولى الخلق، وبالموت الثاني الموت المعهود، وبالحياة الثانية الحياة للبعث، فجاءت الفاء وثم على بابيهما من التعقيب والتراخي على هذا التفسير، وهو أحسن الأقوال، وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم.
قال ابن عطية وهذا القول هو المراد بالآية وهو الذي لا محيد للكفار عنه، وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين ثم أحياء في الدنيا ثم أمواتاً فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى، قال غيره والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا، وقيل أن المراد كنتم أمواتاً في ظهر آدم عليه السلام ثم أخرجكم من ظهره كالذر ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم، وقيل كنتم أمواتاً أي نطفاً في أصلاب الرجال ثم يحييكم حياة الدنيا، ثم يميتكم بعد هذه الحياة ثم يحييكم في القبور ثم يميتكم فيها ثم يحمييكم الحياة التي ليس بعدها موت، قال القرطبي فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات وثلاث، إحياءات، وكونهم موتى في ظهر آدم وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفاً في أصلاب الرجال، فعلى هذا يجيء أربع موتات وأربع إحياءات، وقد قيل إن الله أوجدهم قبل خلق آدم كالبهائم وأماتهم فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات، وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في الحديث " ولكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن في الشفاعة فجيء بهم إلى أن قال:
قال ابن عطية وهذا القول هو المراد بالآية وهو الذي لا محيد للكفار عنه، وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين ثم أحياء في الدنيا ثم أمواتاً فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى، قال غيره والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا، وقيل أن المراد كنتم أمواتاً في ظهر آدم عليه السلام ثم أخرجكم من ظهره كالذر ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم، وقيل كنتم أمواتاً أي نطفاً في أصلاب الرجال ثم يحييكم حياة الدنيا، ثم يميتكم بعد هذه الحياة ثم يحييكم في القبور ثم يميتكم فيها ثم يحمييكم الحياة التي ليس بعدها موت، قال القرطبي فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات وثلاث، إحياءات، وكونهم موتى في ظهر آدم وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفاً في أصلاب الرجال، فعلى هذا يجيء أربع موتات وأربع إحياءات، وقد قيل إن الله أوجدهم قبل خلق آدم كالبهائم وأماتهم فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات، وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في الحديث " ولكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن في الشفاعة فجيء بهم إلى أن قال:
118
فينبتون نبات الحبة في حميل السيل " وهو في الصحيح من حديث أبي سعيد.
(ثم إليه ترجعون) أي تردون في الآخرة إلى الله سبحانه فيجازيكم بأعمالكم، قال في الكشاف عطف الأول بالفاء وما بعده بثم، لأن الاحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ، وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء، والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخياً ظاهراً، وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخ عن النشور، انتهى.
ولا يخفاك أنه إن أراد بقوله إن الإحياء الأول قد تعقب الموت أنه وقع على ما هو متصف بالموت فالموت الآخر وقع على ما هو متصف بالحياة وإن أراد أنه وقع الإحياء الأول عند أول اتصافه بالموت بخلاف الثاني فغير مسلم فإنه وقع عند آخر أوقات موته كما وقع الثاني عند آخر أوقات حياته، فتأمل هذا، وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال لم تكونوا شيئاً فخلقكم ثم يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.
(ثم إليه ترجعون) أي تردون في الآخرة إلى الله سبحانه فيجازيكم بأعمالكم، قال في الكشاف عطف الأول بالفاء وما بعده بثم، لأن الاحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ، وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء، والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخياً ظاهراً، وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخ عن النشور، انتهى.
ولا يخفاك أنه إن أراد بقوله إن الإحياء الأول قد تعقب الموت أنه وقع على ما هو متصف بالموت فالموت الآخر وقع على ما هو متصف بالحياة وإن أراد أنه وقع الإحياء الأول عند أول اتصافه بالموت بخلاف الثاني فغير مسلم فإنه وقع عند آخر أوقات موته كما وقع الثاني عند آخر أوقات حياته، فتأمل هذا، وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال لم تكونوا شيئاً فخلقكم ثم يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.
119
(هو الذي خلق لكم ما في الأرض) قال ابن كيسان أي خلق من أجلكم ما فيها من المعادن والنبات والحيوان والجبال والبحار لتنتفعوا به في مصالح الدين والدنيا، أما الدين فهو الاعتبار والتفكر في عجائب مخلوقات الله الدالة على وحدانيته، وأما الدنيا فهو الانتفاع بما خلق فيها، وقيل اللام للاختصاص، وقيل للملك والإباحة، وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل، ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر، وفي التأكيد بقوله (جميعاً) أقوى دلالة على هذا.
وقد استدل بهذه الآية على تحريم أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض، دون نفس الارض، وقال الرازي في تفسيره إن لقائل أن يقول أن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الارض فيكون جامعاً للوصفين، ولا شك
وقد استدل بهذه الآية على تحريم أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض، دون نفس الارض، وقال الرازي في تفسيره إن لقائل أن يقول أن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الارض فيكون جامعاً للوصفين، ولا شك
119
أن المعادن داخلة في ذلك، وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى البعض لها، ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه إهـ.
وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال: فإن قلت هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة. قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء وتراد الجهات العلوية جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية أهـ. وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه وهو أيضاً ضار ليس مما ينتفع به أكلاً، ولكنه ينتفع به في منافع أخرى، وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة الأكل بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه، وأما السم القاتل ففيه نفع لأجل دفع الحيوانات المؤذية وقتلها فلا يراد أنه لا نفع فيه.
(ثم استوى إلى السماء) أي قصد وأقبل على خلقها. وقيل عمد، وقال ابن عباس ارتفع وقال الأزهري صعد أمره، وكذا ذكره صاحب المحكم، وذلك أن الله خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء، وأصل " ثم " يقتضي تراخياً زمانياً ولا زمان هنا فقيل هي إشارة إلى التراخي بين رتبتي خلق الأرض والسماء. قاله القرطبي، والاستواء في اللغة الاعتدال والانتصاب والاستقامة، وضده الاعوجاج قاله في الكشاف والرازي، ويطلق على الإرتفاع والعلو على الشيء، قال تعالى: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) وقال (لتستووا على ظهوره) وهذا المعنى هو المناسب لهذه الآية.
وقد قيل إن هذه الآية من المشكلات، وقد ذهب كثير من الأئمة إلى الإيمان بها وترك التعرض لتفسيرها، وخالفهم آخرون، وقد استدل بقوله (ثم استوى) على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء، وكذلك الآية التي في (حم) السجدة وقال تعالى في النازعات (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها) فوصف خلقها ثم قال (والأرض بعد ذلك دحاها) فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وكذلك قوله تعالى (والحمد لله الذي خلق السموات
وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال: فإن قلت هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة. قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء وتراد الجهات العلوية جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية أهـ. وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه وهو أيضاً ضار ليس مما ينتفع به أكلاً، ولكنه ينتفع به في منافع أخرى، وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة الأكل بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه، وأما السم القاتل ففيه نفع لأجل دفع الحيوانات المؤذية وقتلها فلا يراد أنه لا نفع فيه.
(ثم استوى إلى السماء) أي قصد وأقبل على خلقها. وقيل عمد، وقال ابن عباس ارتفع وقال الأزهري صعد أمره، وكذا ذكره صاحب المحكم، وذلك أن الله خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء، وأصل " ثم " يقتضي تراخياً زمانياً ولا زمان هنا فقيل هي إشارة إلى التراخي بين رتبتي خلق الأرض والسماء. قاله القرطبي، والاستواء في اللغة الاعتدال والانتصاب والاستقامة، وضده الاعوجاج قاله في الكشاف والرازي، ويطلق على الإرتفاع والعلو على الشيء، قال تعالى: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) وقال (لتستووا على ظهوره) وهذا المعنى هو المناسب لهذه الآية.
وقد قيل إن هذه الآية من المشكلات، وقد ذهب كثير من الأئمة إلى الإيمان بها وترك التعرض لتفسيرها، وخالفهم آخرون، وقد استدل بقوله (ثم استوى) على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء، وكذلك الآية التي في (حم) السجدة وقال تعالى في النازعات (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها) فوصف خلقها ثم قال (والأرض بعد ذلك دحاها) فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وكذلك قوله تعالى (والحمد لله الذي خلق السموات
120
والأرض) وقد قيل أن خلق جرم الأرض متقدم على السماء، ودحوها متأخر وقد ذكر نحو هذا جماعة من أهل العلم، وهذا جمع جيد لا بد من المصير إليه، ولكن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد الدحو والآية المذكورة هنا دلت على أنه خلق ما في الأرض قبل خلق السماء، وهذا يقتضي بماء الإشكال وعدم التخلص عنه بمثل هذا الجمع، قاله الشوكاني.
قلت: ذكر رحمه الله في السورتين المذكورتين أن " ثم " للتراخي الرتبي لا للتراخي الزماني، أو أن " بعد " بمعنى مع كما في قوله (عتل بعد ذلك زنيم) أو أنها بمعنى قبل كقوله (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) أي من قبل الذكر فيزول ما ذكره رحمه الله تعالى من بقاء الإشكال.
وقال الفراء الإستواء في كلام العرب على وجهين (أحدهما) أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته أو يستوي من اعوجاج، وقال البيهقي الاستواء بمعنى الإقبال صحيح لأن الإقبال هو القصد، والقصد هو الإرادة وذلك جائز في صفات الله، وقال سفيان بن عيينة أي قصد إليها وقيل علا دون تكييف ولا تحديد واختاره الطبري، وقال أبو العالية استوى ارتفع وقال قتادة إن السماء خلقت أولاً، حكاه عنه الطبري، والبحث في ذلك يطول، وقد استوفاه الرازي في تفسيره، وأجاب عنه بوجوه ثم قال: الجواب الصحيح أن قوله " ثم " ليس للترتيب ههنا، وإنما هو على جهة تعديد النعم والله أعلم.
(فسواهن) أي عدل خلقهن فلا اعوجاج فيه ولا فطور، وقيل معناه سوى سطوحهن بالإملاس وقيل جعلهن سواء (سبع سموات) مستويات لا صدع فيها ولا فطور، وفي هذا التصريح بأن السموات سبع، وأما الأرض فلم يأت في ذكر عددها إلا قوله تعالى (ومن الأرض مثلهن) فقيل في العدد وقيل في غلظهن وما بينهن. وقال الماوردي أن الأرض سبع، ولكن لم يفتق بعضها من بعض، والصحيح أنها سبع كالسموات: وعلى أنها سبع أرضين متفاصلة
قلت: ذكر رحمه الله في السورتين المذكورتين أن " ثم " للتراخي الرتبي لا للتراخي الزماني، أو أن " بعد " بمعنى مع كما في قوله (عتل بعد ذلك زنيم) أو أنها بمعنى قبل كقوله (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) أي من قبل الذكر فيزول ما ذكره رحمه الله تعالى من بقاء الإشكال.
وقال الفراء الإستواء في كلام العرب على وجهين (أحدهما) أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته أو يستوي من اعوجاج، وقال البيهقي الاستواء بمعنى الإقبال صحيح لأن الإقبال هو القصد، والقصد هو الإرادة وذلك جائز في صفات الله، وقال سفيان بن عيينة أي قصد إليها وقيل علا دون تكييف ولا تحديد واختاره الطبري، وقال أبو العالية استوى ارتفع وقال قتادة إن السماء خلقت أولاً، حكاه عنه الطبري، والبحث في ذلك يطول، وقد استوفاه الرازي في تفسيره، وأجاب عنه بوجوه ثم قال: الجواب الصحيح أن قوله " ثم " ليس للترتيب ههنا، وإنما هو على جهة تعديد النعم والله أعلم.
(فسواهن) أي عدل خلقهن فلا اعوجاج فيه ولا فطور، وقيل معناه سوى سطوحهن بالإملاس وقيل جعلهن سواء (سبع سموات) مستويات لا صدع فيها ولا فطور، وفي هذا التصريح بأن السموات سبع، وأما الأرض فلم يأت في ذكر عددها إلا قوله تعالى (ومن الأرض مثلهن) فقيل في العدد وقيل في غلظهن وما بينهن. وقال الماوردي أن الأرض سبع، ولكن لم يفتق بعضها من بعض، والصحيح أنها سبع كالسموات: وعلى أنها سبع أرضين متفاصلة
121
بعضها فوق بعض تختص دعوة الإسلام بأهل الأرض العليا، ولا تلزم من في غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز، وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم للضوء منها قولان (أحدهما) أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها، وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة (والثاني) أنهم لا يشاهدون السماء فإن الله تعالى خلق لهم ضياء يستمدون منه، وهذا قول من جعل الأرض كروية، وفي الآية قول ثالث حكاه الطيبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض، تفرق بينها البحار وتظل جميعها السماء انتهى، وسيأتي تحقيق ما هو الحق في آخر سورة الطلاق إن شاء الله تعالى.
وقد ثبت في الصحيح قوله - ﷺ - " من أخذ من الأرض شبراً ظلماً طوقه الله من سبع أرضين "، وهو ثابت من حديث عائشة وسعيد بن زيد.
وقد أطنب الرازي في تفسيره في بيان السموات هل هي سبع أو ثمان، وذكر مذاهب الحكماء في ذلك وأجابهم بوجوه ثم قال: أعلم أن هذا الخبط مما ينبهك على أنه لا سبيل للعقول البشرية إلى إدراك هذه الأشياء، وأنه لا يحيط بها إلا علم فاطرها وخالقها فوجب الإقتصار فيه على الدلائل السمعية.
فإن قال قائل: فهل يدل التنصيص على سبع سموات على نفي العدد الزائد؟ قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد انتهى، وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الحكماء من الزيادة على السبع.
ونحن نقول أنه لم يأتنا عن الله ولا عن رسوله إلا السبع فنقتصر على ذلك ولا نعمل بالزيادة إلا إذا جاءت من طريق الشرع، ولم يأت شيء من ذلك، عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في هذه الآية قالوا إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء
وقد ثبت في الصحيح قوله - ﷺ - " من أخذ من الأرض شبراً ظلماً طوقه الله من سبع أرضين "، وهو ثابت من حديث عائشة وسعيد بن زيد.
وقد أطنب الرازي في تفسيره في بيان السموات هل هي سبع أو ثمان، وذكر مذاهب الحكماء في ذلك وأجابهم بوجوه ثم قال: أعلم أن هذا الخبط مما ينبهك على أنه لا سبيل للعقول البشرية إلى إدراك هذه الأشياء، وأنه لا يحيط بها إلا علم فاطرها وخالقها فوجب الإقتصار فيه على الدلائل السمعية.
فإن قال قائل: فهل يدل التنصيص على سبع سموات على نفي العدد الزائد؟ قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد انتهى، وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الحكماء من الزيادة على السبع.
ونحن نقول أنه لم يأتنا عن الله ولا عن رسوله إلا السبع فنقتصر على ذلك ولا نعمل بالزيادة إلا إذا جاءت من طريق الشرع، ولم يأت شيء من ذلك، عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في هذه الآية قالوا إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء
122
فجعله أرضاً واحدة ثم فتقها سبع أرضين في يومين الأحد والإثنين، فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله (ن والقلم) والحوت قائم على ظهر صفاة والصفاة ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فذلك قوله تعالى (وجعل لها رواسي أن تميد بكم) وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وسخرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء، وذلك قوله (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض) إلى قوله (وبارك فيها) يقول أنبت شجرها فيها (وقدر فيها أقواتها) يقول أقوات أهلها في أربعة أيام سواء للسائلين يقول من سأل، فهكذا الأمر (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض (وأوحى في كل سماء أمرها) قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظاً من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش أخرجه البيهقي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير.
وقد ثبت عن النبي - ﷺ - من حديث أبي هريرة في الصحيح قال أخذ النبي ﷺ بيدي فقال " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيه الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة بعد العصر (١) ".
_________
(١) هناك رجال مغرمون بالتجديد، فلم يجدوا غير حديث الرسول - ﷺ - يتخذونه مطية لهم: يردونه تارة، ويؤولونه تارة، فلما رأوا في هذا الحديث أن الخلق بدأ يوم السبت وانتهى يوم الجمعة، فتصير سبعة أيام، وقد روي في الصحيح، طاروا فرحاً، وقالوا كيف يصح وهو معارض بالآيات القائلة أن الخلق في ستة -[١٢٤]- أيام، وعموا عن نص الآيات والحديث، فالآيات تنص على أن خلق السموات والأرض في ستة أيام وأما الحديث فيتفق معها تماماً، لأنه يقول إن الذي خلق في السابع إنما هو آدم وآدم غير السموات والأرض، وإنما هو أصل النوع الذي يعمر الأرض، وتسخر له السموات وما فيها.
وقد ثبت عن النبي - ﷺ - من حديث أبي هريرة في الصحيح قال أخذ النبي ﷺ بيدي فقال " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيه الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة بعد العصر (١) ".
_________
(١) هناك رجال مغرمون بالتجديد، فلم يجدوا غير حديث الرسول - ﷺ - يتخذونه مطية لهم: يردونه تارة، ويؤولونه تارة، فلما رأوا في هذا الحديث أن الخلق بدأ يوم السبت وانتهى يوم الجمعة، فتصير سبعة أيام، وقد روي في الصحيح، طاروا فرحاً، وقالوا كيف يصح وهو معارض بالآيات القائلة أن الخلق في ستة -[١٢٤]- أيام، وعموا عن نص الآيات والحديث، فالآيات تنص على أن خلق السموات والأرض في ستة أيام وأما الحديث فيتفق معها تماماً، لأنه يقول إن الذي خلق في السابع إنما هو آدم وآدم غير السموات والأرض، وإنما هو أصل النوع الذي يعمر الأرض، وتسخر له السموات وما فيها.
123
وقد ثبت عن النبي - ﷺ - من طرق عند أهل السنن وغيرهم عن جماعة من الصحابة أحاديث في وصف السموات وإن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام، وأنها سبع سموات، وأن الأرض سبع أرضين، ولم يأت في التنزيل ولا في السنة المطهرة تصريح بأن فيهن من يعقل من العوالم والاوادم وأنبيائهم، والآثار من الصحابة ومن بعدهم إن جاءت بسند صحيح لا تصلح للاحتجاج على ذلك، فكيف بما لم يصح سنده أو صح ولكن لم يتابع عليه أو توبع عليه ولكن لم يساعده نص من الله ورسوله، وكذلك ثبت في وصف السماء آثار من جماعة من الصحابة وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور بعض ذلك في تفسير هذه الآية، وإنما تركنا ذكره هنا لكونه غير متعلق بهذه الآية على الخصوص بل هو متعلق بما هو أعم منها (١).
(وهو بكل شيء عليم) أي يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات وأنما أثبت سبحانه لنفسه العلم بكل شيء لأنه يجب أن يكون عالماً بجميع ما ثبت أنه خالقه.
_________
(١) جاء في فتح الباري ٦/ ٢٩٣.
روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: " أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وأن سمك كل سماء كذلك وأن بين كل أرض وأرض خمسمائة عام " وأخرجه اسحق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه ولأبي داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعاً " بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة " وجمع بين الحديثين بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته.
وروى ابن جرير من طريق شعبة عن عمر بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في هذه الآية (ومن الأرض مثلهن) قال: " في كل أرض مثل إبراهيم، ونحو ما على الأرض من الخلق، هكذا أخرجه مختصراً وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطولاً، وأوله أي سبع أرضين، في كل أرض آدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وعيسى كعيسى. ونبي كنبيكم " قال البيهقي إسناده صحيح، إلا أنه شاذ بمرة، وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
(وهو بكل شيء عليم) أي يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات وأنما أثبت سبحانه لنفسه العلم بكل شيء لأنه يجب أن يكون عالماً بجميع ما ثبت أنه خالقه.
_________
(١) جاء في فتح الباري ٦/ ٢٩٣.
روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: " أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وأن سمك كل سماء كذلك وأن بين كل أرض وأرض خمسمائة عام " وأخرجه اسحق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه ولأبي داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعاً " بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة " وجمع بين الحديثين بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته.
وروى ابن جرير من طريق شعبة عن عمر بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في هذه الآية (ومن الأرض مثلهن) قال: " في كل أرض مثل إبراهيم، ونحو ما على الأرض من الخلق، هكذا أخرجه مختصراً وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطولاً، وأوله أي سبع أرضين، في كل أرض آدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وعيسى كعيسى. ونبي كنبيكم " قال البيهقي إسناده صحيح، إلا أنه شاذ بمرة، وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
124
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١)
125
(وإذ قال ربك) أي واذكر يا محمد إذ قال، وكل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله، وقيل إذ زائدة والأول أوجه (للملائكة) جمع ملك بوزن فعل قاله ابن كيسان، وقيل جمع ملاك بوزن مفعل، قاله أبو عبيده، وأراد بالملائكة الذين كانوا في الأرض، وذلك أن الله تعالى خلق الأرض وأسكن فيها الجن واسكن في السماء الملائكة، فأفسدت الجن في الأرض فبعث إليهم طائفة من الملائكة فطردتهم إلى جزائر البحار ورؤوس الجبال، وأقاموا مكانهم (١)، وقيل: القول لمطلق الملائكة وكان ذلك تعليماً للمشاورة وتعظيماً لآدم، وبياناً لكون الحكمة تقتضي إيجاد ما يغلب خيره على شره، واللام في للملائكة للتبليغ وهو أحد المعاني التي جاءت لها اللام.
(إني جاعل في الأرض خليفة) أي خالق بدلاً منكم ورافعكم إلي، وجاعل هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين، وذكر المطرزي أنه بمعنى الخالق، وذلك يقتضي أنه متعد إلى مفعول واحد، وصيغة اسم الفاعل بمعنى المستقبل، والأرض هنا هي هذه الغبراء، ولا يختص ذلك بمكان دون مكان، وقيل إنها مكة كما ورد في مرسل ضعيف، وقال ابن كثير أنه مدرج، والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة، ويجوز أن يكون بمعنى المخلوف أي يخلفه غيره، قيل هو آدم كما دل عليه السياق، وقيل كل من له خلافة في الارض، ويقوي الأول قوله (خليفة) دون الخلائف واستغنى بذكر آدم عن ذكر من
_________
(١) لم نعثر على دليل على هذا القول.
(إني جاعل في الأرض خليفة) أي خالق بدلاً منكم ورافعكم إلي، وجاعل هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين، وذكر المطرزي أنه بمعنى الخالق، وذلك يقتضي أنه متعد إلى مفعول واحد، وصيغة اسم الفاعل بمعنى المستقبل، والأرض هنا هي هذه الغبراء، ولا يختص ذلك بمكان دون مكان، وقيل إنها مكة كما ورد في مرسل ضعيف، وقال ابن كثير أنه مدرج، والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة، ويجوز أن يكون بمعنى المخلوف أي يخلفه غيره، قيل هو آدم كما دل عليه السياق، وقيل كل من له خلافة في الارض، ويقوي الأول قوله (خليفة) دون الخلائف واستغنى بذكر آدم عن ذكر من
_________
(١) لم نعثر على دليل على هذا القول.
125
بعده، والصحيح أنه إنما سمي خليفة لأنه خليفة الله في أرضه لإقامة حدوده وتنفيذ قضاياه، قيل خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب لا للمشورة ولكن لاستخراج ما عندهم، قيل وفيه إرشاد عباده إلى المشاورة وأن الحكمة تقتضي اتخاذ ما يغلب خيره وإن كان فيه نوع شر، وأنه لا رأي مع وجود النص، وهو أصل في المسائل التعبدية.
قال بعض المفسرين أن في الكلام حذفاً والتقدير إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا فكرهوا ذلك و (قالوا) أي أستكشافاً عما خفي عليهم من الحكمة الباهرة، وليس باعتراض على الله ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة، فإنهم أعلى من أن يظن بهم ذلك لقوله (بل عباد مكرمون) وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله أو تلق من اللوح المحفوظ أو مقياس لأحد الثقلين على الآخر (أتجعل فيها من يفسد فيها) بالمعاصي بمقتضى القوة الشهوانية، والفساد ضد الصلاح (ويسفك الدماء) بغير حق بمقتضى القوة الغضبية كما فعل الجن، وسفك الدم صبه، قاله ابن فارس والجوهري والمهدوي ولا يستعمل السفك إلا في الدم.
(ونحن نسبح) أي نقول سبحان الله وبحمده وهي صلاة الخلق وعليها يرزقون، عن أبي ذر أن رسول الله - ﷺ - سئل أي الكلام أفضل قال " ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده (١) أخرجه مسلم، وقال ابن عباس كل ما جاء في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة فيكون المعنى ونحن نصلي لك، وأصل التسبيح في كلام العرب التنزيه والتبعيد من السوء على وجه التعظيم، فيكون المعنى ونحن ننزهك عن كل سوء ونقيصة (بحمدك) أي حامدين لك أو متلبسين بحمدك فإنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق لم نتمكن من ذلك (ونقدس لك) وأصل التقديس التطهير أي ونطهرك عن النقائص وعن كل ما لا يليق بك من سوء ومما نسبه إليك الملحدون، وافتراه الجاحدون،
_________
(١) مسلم/٢٧٣١.
قال بعض المفسرين أن في الكلام حذفاً والتقدير إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا فكرهوا ذلك و (قالوا) أي أستكشافاً عما خفي عليهم من الحكمة الباهرة، وليس باعتراض على الله ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة، فإنهم أعلى من أن يظن بهم ذلك لقوله (بل عباد مكرمون) وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله أو تلق من اللوح المحفوظ أو مقياس لأحد الثقلين على الآخر (أتجعل فيها من يفسد فيها) بالمعاصي بمقتضى القوة الشهوانية، والفساد ضد الصلاح (ويسفك الدماء) بغير حق بمقتضى القوة الغضبية كما فعل الجن، وسفك الدم صبه، قاله ابن فارس والجوهري والمهدوي ولا يستعمل السفك إلا في الدم.
(ونحن نسبح) أي نقول سبحان الله وبحمده وهي صلاة الخلق وعليها يرزقون، عن أبي ذر أن رسول الله - ﷺ - سئل أي الكلام أفضل قال " ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده (١) أخرجه مسلم، وقال ابن عباس كل ما جاء في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة فيكون المعنى ونحن نصلي لك، وأصل التسبيح في كلام العرب التنزيه والتبعيد من السوء على وجه التعظيم، فيكون المعنى ونحن ننزهك عن كل سوء ونقيصة (بحمدك) أي حامدين لك أو متلبسين بحمدك فإنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق لم نتمكن من ذلك (ونقدس لك) وأصل التقديس التطهير أي ونطهرك عن النقائص وعن كل ما لا يليق بك من سوء ومما نسبه إليك الملحدون، وافتراه الجاحدون،
_________
(١) مسلم/٢٧٣١.
126
وذكر في الكشاف أن معنى التسبيح والتقديس واحد وهو تبعيد الله من السوء، وفي القاموس وغيره من كتب اللغة ما يرشد إلى ما ذكرناه، والتأسيس خير من التأكيد خصوصاً في كلام الله سبحانه، وقيل معناه نطهر أنفسنا لطاعتك وعبادتك والأول أولى.
وعن ابن مسعود وناس من الصحابة نقدس لك أي نصلي لك، وقال مجاهد نعظمك ونكبرك واللام زائدة، والجملة حال أي فنحن أحق بالاستخلاف.
ولما كان سؤالهم واقعاً على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم أجاب الله سبحانه عليهم فقال (إني أعلم ما لا تعلمون) وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل، لأن من علم ما لا يعلم الخاطب له كان حقيقاً بأن يسلم له ما يصدر عنه، وعلى من لا يعرف أن يعترف لمن يعلم بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم وتقتضيه المصلحة الراجحة والحكمة البالغة، ولم يذكر متعلق قوله (تعلمون) ليفيد التعميم، ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ويعترف بالعجز ويقر بالقصور.
عن ابن عباس قال: إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه قال وقد كان فيها أي في الأرض قبل أن يخلق بألفي عام: الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنوداً من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، فلما قال (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعل أولئك الجان فقال (إني أعلم ما لا تعلمون) أخرجه الحاكم وصححه عنه.
وفي الباب آثار من الصحابة كثيرة، وعن قتادة كان في علم الله أنه سيكون من الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة، وقيل أعلم أنهم
وعن ابن مسعود وناس من الصحابة نقدس لك أي نصلي لك، وقال مجاهد نعظمك ونكبرك واللام زائدة، والجملة حال أي فنحن أحق بالاستخلاف.
ولما كان سؤالهم واقعاً على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم أجاب الله سبحانه عليهم فقال (إني أعلم ما لا تعلمون) وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل، لأن من علم ما لا يعلم الخاطب له كان حقيقاً بأن يسلم له ما يصدر عنه، وعلى من لا يعرف أن يعترف لمن يعلم بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم وتقتضيه المصلحة الراجحة والحكمة البالغة، ولم يذكر متعلق قوله (تعلمون) ليفيد التعميم، ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ويعترف بالعجز ويقر بالقصور.
عن ابن عباس قال: إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه قال وقد كان فيها أي في الأرض قبل أن يخلق بألفي عام: الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنوداً من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، فلما قال (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعل أولئك الجان فقال (إني أعلم ما لا تعلمون) أخرجه الحاكم وصححه عنه.
وفي الباب آثار من الصحابة كثيرة، وعن قتادة كان في علم الله أنه سيكون من الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة، وقيل أعلم أنهم
127
يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم، وقيل أعلم من وجود المصلحة والحكمة ما لا تعلمون أنتم.
وقد ثبت في كتب الحديث المعتبرة أحاديث من طريق جماعة من الصحابة، في صفة خلقه سبحانه لآدم وهي موجودة فلا نطول بذكرها، قيل خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال فيجابون بذلك الجواب، وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم، وظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض لكونهم مظنة للإفساد في الأرض، وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن تتقدم لهم معرفة ببني آدم بل قبل وجود آدم، فضلاً عن ذريته لعلم قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه، لأنهم لا يعلمون الغيب، قال بهذا جماعة من المفسرين.
وقد ثبت في كتب الحديث المعتبرة أحاديث من طريق جماعة من الصحابة، في صفة خلقه سبحانه لآدم وهي موجودة فلا نطول بذكرها، قيل خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال فيجابون بذلك الجواب، وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم، وظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض لكونهم مظنة للإفساد في الأرض، وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن تتقدم لهم معرفة ببني آدم بل قبل وجود آدم، فضلاً عن ذريته لعلم قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه، لأنهم لا يعلمون الغيب، قال بهذا جماعة من المفسرين.
128
(وعلم آدم الأسماء كلها) سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض وهو وجهها وقيل لأنه كان آدم اللون، والأدمة هي السمرة، ولما خلق الله آدم وتم خلقه علمه أسماء الأشياء كلها قال في الكشاف وما آدم إلا اسم أعجمي وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالع وأشباه ذلك اهـ واشتقاقه من الأدمة وغيرها تعسف قاله البيضاوي، وقال السمين بعد كلام طويل أن ادعاء الاشتقاق فيه بعيد لأن الأسماء الأعجمية لا يدخلها اشتقاق ولا تصريف اهـ.
والأسماء هي العبارات والمراد أسماء المسميات قال بذلك أكثر العلماء، وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله (كلها) يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج، عن هذا شيء منها كائناً ما كان، وقال ابن جرير إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم، ثم رجح هذا وهو غير راجح، وقيل صنعة كل شيء قال ابن عباس علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة، وقيل خلق الله كل شيء من الحيوان والجماد وغير ذلك وعلم آدم الأسماء كلها فقال يا آدم هذا بعير، وهذا فرس، وهذه شاة حتى أتى على آخرها، وقيل علمه اللغات كلها أي جميع اللغات لكن بنوه تفرقوا في اللغات فحفظ بعضهم العربية ونسي
والأسماء هي العبارات والمراد أسماء المسميات قال بذلك أكثر العلماء، وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله (كلها) يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج، عن هذا شيء منها كائناً ما كان، وقال ابن جرير إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم، ثم رجح هذا وهو غير راجح، وقيل صنعة كل شيء قال ابن عباس علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة، وقيل خلق الله كل شيء من الحيوان والجماد وغير ذلك وعلم آدم الأسماء كلها فقال يا آدم هذا بعير، وهذا فرس، وهذه شاة حتى أتى على آخرها، وقيل علمه اللغات كلها أي جميع اللغات لكن بنوه تفرقوا في اللغات فحفظ بعضهم العربية ونسي
128
غيرها، والمراد علم الأسماء لفظاً ومعنى، مفرداً ومركباً، حقيقة ومجازاً، والمراد بالإسم ما يدل على معنى ذاتاً كان أو عرضاً، فهو أعم من الاسم والفعل والحرف، وقال في المظهري وعندي أن الله علم آدم الأسماء الإلهية كلها ثم رجح هذا بكلام طويل وهو غير راجح مع ما فيه من البعد والتكلف، ولم يقل به أحد من المفسرين، ويأباه ظاهر النظم وسياقه، واستدل بالآية من قال إن اللغات توقيفية وضعها الله وعلمها بالوحي.
(ثم عرضهم على الملائكة) يعني تلك الأشخاص، وإنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لتغليب العقلاء عليهم، واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات أو الأسماء، والظاهر الأول لأن عرض نفس الأسماء غير واضح، وعرض الشيء إظهاره، قال ابن عطية والذي يظهر أن الله علم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصاً ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم فقال لهم آدم هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا، قال الماوردي فكان الأصح توجه العرض إلى المسمى، ثم في زمن عرضهم قولان (أحدهما) أنه عرضهم بعد أن خلقهم (الثاني) أنه صورهم بقلوب الملائكة ثم عرضهم.
(فقال أنبؤني) أي أخبروني أمر تعجيز، والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة وإيثاره على الإخبار للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها (بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منهم وأعلم، أمره
سبحانه للملائكة بهذا لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك
(ثم عرضهم على الملائكة) يعني تلك الأشخاص، وإنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لتغليب العقلاء عليهم، واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات أو الأسماء، والظاهر الأول لأن عرض نفس الأسماء غير واضح، وعرض الشيء إظهاره، قال ابن عطية والذي يظهر أن الله علم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصاً ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم فقال لهم آدم هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا، قال الماوردي فكان الأصح توجه العرض إلى المسمى، ثم في زمن عرضهم قولان (أحدهما) أنه عرضهم بعد أن خلقهم (الثاني) أنه صورهم بقلوب الملائكة ثم عرضهم.
(فقال أنبؤني) أي أخبروني أمر تعجيز، والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة وإيثاره على الإخبار للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها (بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منهم وأعلم، أمره
سبحانه للملائكة بهذا لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك
129
(قالوا) يعني الملائكة (سبحانك) تنزيهاً لك وذلك لما ظهر عجزهم، وفيه إشعار بأن سؤالهم كان استفساراً، ولم يكن اعتراضاً (وسبحان) مصدر لا يكاد يستعمل إلا مضافاً منصوباً بإضمار فعله كمعاذ الله (لا علم لنا إلا ما علمتنا) أي إنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا (إنك أنت العليم) أي بخلقك، وهو من أسماء الصفات التامة وهو المحيط بكل المعلومات (والحكيم) أي في أمرك. وله معنيان (أحدهما) أنه القاضي العدل (الثاني) المحكم للأمر كي لا يتطرق إليه الفساد.
129
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)
130
(قال) يعني الله تعالى (يا آدم) استدل به على أن آدم نبي متكلم (أنبئهم بأسمائهم) وذلك لما ظهر عجز الملائكة فسمى كل شيء باسمه وذكر وجه الحكمة التي خلق لأجلها بأن قال لهم هذا الجرم يسمى القصعة وحكمته وضع الطعام فيه وهكذا (فلما أنبأهم بأسمائهم) فيه دليل على مزية العلم، وأنه شرط في الخلافة وفضل آدم على الملائكة، قال الإمام لما أراد الله إظهار فضل آدم على الملائكة لم يظهره إلا بالعلم فلو كان في الإمكان شيء أشرف من العلم كان إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم، ولذلك أمر الله تعالى الملائكة بالسجود له لأجل فضيلة العلم.
قلت ويؤخذ من هذا استحباب القيام للعالم، وقال الطيبي أفادت هذه الآية علم اللغة فوق التخلي بالعبادة فكيف علم الشريعة.
(قال) يعني الله تعالى (ألم أقل لكم) يا ملائكتي (أني أعلم غيب السموات والأرض) يعني ما كان وما سيكون، وذلك أنه سبحانه علم أحوال آدم قبل أن يخلقه، وفي اختصاصه بعلم غيب السموات والأرض رد لما يتكلفه كثير من العباد من الاطلاع على شيء من علم الغيب كالمنجمين والكهان، وأهل الرمل والسحر والشعوذة (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) أي ما تظهرون وما تسرون كما يفيده معنى ذلك عند العرب، ومن فسره بشيء خاص فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل.
قلت ويؤخذ من هذا استحباب القيام للعالم، وقال الطيبي أفادت هذه الآية علم اللغة فوق التخلي بالعبادة فكيف علم الشريعة.
(قال) يعني الله تعالى (ألم أقل لكم) يا ملائكتي (أني أعلم غيب السموات والأرض) يعني ما كان وما سيكون، وذلك أنه سبحانه علم أحوال آدم قبل أن يخلقه، وفي اختصاصه بعلم غيب السموات والأرض رد لما يتكلفه كثير من العباد من الاطلاع على شيء من علم الغيب كالمنجمين والكهان، وأهل الرمل والسحر والشعوذة (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) أي ما تظهرون وما تسرون كما يفيده معنى ذلك عند العرب، ومن فسره بشيء خاص فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل.
130
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)
131
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) قيل هذا خطاب مع ملائكة الأرض والأصح أنه خطاب مع جميع الملائكة وهو الظاهر من قوله (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) والسجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع، وغايته وضع الوجه على الأرض، والإسجاد إدامة النظر، وفي هذه الآية فضيلة لآدم عليه السلام عظيمة حيث أسجد الله له ملائكته وقيل أن السجود كان لله ولم يكن لآدم، وإنما كانوا مستقبلين له عند السجود، ولا ملجأ لهذا فإن السجود للبشر قد يكون جائزاً في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح، وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم وكذلك الآية الاخرى أعني قوله (فإذا سويته ونفخت فيه من روحيِ فقعوا له ساجدين) وقال تعالى (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً) فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد - ﷺ - أن يكون كذلك في سائر الشرائع.
ومعنى السجود هنا وضع الجبهة على الأرض وإليه ذهب الجمهور، قال قوم هو مجرد التذلل والانقياد والاول أولى، وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الاسماء أم بعده؟ وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره، وظاهر السياق أنه وقع التعليم وتعقبه الأمر بالسجود وتعقبه إسكانه الجنة ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض.
وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة في تفضيل الأنبياء على الملائكة، وهذه القصة ذكرت في القرآن في سبع سور، في هذه السورة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه وص، ولعل السر في تكريرها تسلية رسول الله - ﷺ - فإنه كان في محنة عظيمة في قومه وأهل زمانه، فكأنه قال أو لا ترى أن أول الأنبياء وهو آدم كان في محنة عظيمة للخلق، ذكره الخطيب والظاهر أنه لإظهار شرف آدم وفضله على سائر الخلق حتى الملائكة، وليس في هذه القصة ما يدل على
ومعنى السجود هنا وضع الجبهة على الأرض وإليه ذهب الجمهور، قال قوم هو مجرد التذلل والانقياد والاول أولى، وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الاسماء أم بعده؟ وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره، وظاهر السياق أنه وقع التعليم وتعقبه الأمر بالسجود وتعقبه إسكانه الجنة ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض.
وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة في تفضيل الأنبياء على الملائكة، وهذه القصة ذكرت في القرآن في سبع سور، في هذه السورة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه وص، ولعل السر في تكريرها تسلية رسول الله - ﷺ - فإنه كان في محنة عظيمة في قومه وأهل زمانه، فكأنه قال أو لا ترى أن أول الأنبياء وهو آدم كان في محنة عظيمة للخلق، ذكره الخطيب والظاهر أنه لإظهار شرف آدم وفضله على سائر الخلق حتى الملائكة، وليس في هذه القصة ما يدل على
131
محنة آدم.
(فسجدوا) وكان السجود يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر، قيل أول من سجد لآدم جبرائيل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون، والله أعلم (إلا ابليس) استثناء متصل، لأنه كان من الملائكة على ما قاله الجمهور، قال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين كان من الجن الذين كانوا في الأرض فيكون الاستثناء على هذا منقطعاً، واستدلوا على هذا بقوله تعالى (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وبقوله تعالى (إلا إبليس كان من الجن) والجن غير الملائكة (١) وأجاب الأولون بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس عن جملة الملائكة لما سبق في علم الله من شقائه عدلاً منه (لا يسئل عما يفعل) وليس في خلقه من نار ولا تركب الشهوة فيه حين غضب الله عليه ما يدفع أنه من الملائكة، وأيضاً على تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون الاستثناء متصلاً تغليباً للملائكة الذين هم ألوف مؤلفة على إبليس الذي هو فرد واحد بين أظهرهم، وسمي به لأنه أبلس من رحمة الله أي يئس وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية الحرث، فلما عصى غير اسمه فسمي ابليس وغيرت صورته.
قال ابن عباس كان إبليس من الملائكة بدليل أنه استثناه منهم، وقيل أنه من الجن وأنه أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، والأول أصح لأن الخطاب كان مع الملائكة فهو داخل فيهم ثم استثناه منهم وعليه أكثر المفسرين كالبغوي والواحدي والقاضي، وقالوا المعنى كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعاً أو لأن الملائكة قد يسمون جناً لاختفائهم.
(أبى) امتنع من فعل ما أمر به من السجود فلم يسجد، فيه رد على
_________
(١) إبليس كان من الجن، ولم يكن من الملائكة ولا طاوس الملائكة كما يزعمون، والأمر بالسجود كان موجهاً إلى الملائكة والجن، وإنما جاء القرآن بذكر الملائكة فقط اكتفاء بذكر الأشرف، وذلك كما تقول: سار خلف نعش الزعيم: الوزراء والأمراء والكبراء، مع أن هذا لا ينفي أنه سار خلفه طبقات العمال والفلاحين والتلاميذ.
(فسجدوا) وكان السجود يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر، قيل أول من سجد لآدم جبرائيل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون، والله أعلم (إلا ابليس) استثناء متصل، لأنه كان من الملائكة على ما قاله الجمهور، قال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين كان من الجن الذين كانوا في الأرض فيكون الاستثناء على هذا منقطعاً، واستدلوا على هذا بقوله تعالى (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وبقوله تعالى (إلا إبليس كان من الجن) والجن غير الملائكة (١) وأجاب الأولون بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس عن جملة الملائكة لما سبق في علم الله من شقائه عدلاً منه (لا يسئل عما يفعل) وليس في خلقه من نار ولا تركب الشهوة فيه حين غضب الله عليه ما يدفع أنه من الملائكة، وأيضاً على تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون الاستثناء متصلاً تغليباً للملائكة الذين هم ألوف مؤلفة على إبليس الذي هو فرد واحد بين أظهرهم، وسمي به لأنه أبلس من رحمة الله أي يئس وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية الحرث، فلما عصى غير اسمه فسمي ابليس وغيرت صورته.
قال ابن عباس كان إبليس من الملائكة بدليل أنه استثناه منهم، وقيل أنه من الجن وأنه أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، والأول أصح لأن الخطاب كان مع الملائكة فهو داخل فيهم ثم استثناه منهم وعليه أكثر المفسرين كالبغوي والواحدي والقاضي، وقالوا المعنى كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعاً أو لأن الملائكة قد يسمون جناً لاختفائهم.
(أبى) امتنع من فعل ما أمر به من السجود فلم يسجد، فيه رد على
_________
(١) إبليس كان من الجن، ولم يكن من الملائكة ولا طاوس الملائكة كما يزعمون، والأمر بالسجود كان موجهاً إلى الملائكة والجن، وإنما جاء القرآن بذكر الملائكة فقط اكتفاء بذكر الأشرف، وذلك كما تقول: سار خلف نعش الزعيم: الوزراء والأمراء والكبراء، مع أن هذا لا ينفي أنه سار خلفه طبقات العمال والفلاحين والتلاميذ.
132
الجبرية إذ لا يوصف بالإباء إلا من هو قادر على المطلوب (واستكبر) أي تعظم عن السجود لآدم والاستكبار والاستعظام للنفس، وقد ثبت في الصحيح عنه - ﷺ - " أن الكبر بطر الحق وغمط الناس " وفي رواية غمص الناس، وإنما قدم الإباء عليه وإن كان متأخراً عنه في الترتيب لأنه من الأفعال الظاهرة بخلاف الاستكبار فإنه من أفعال القلوب، واقتصر في سورة ص على ذكر الاستكبار، وفي سورة الحجر على ذكر الإباء (وكان من الكافرين) أي من جنسهم في علم الله تعالى، وإنما وجبت له النار لسابق علم الله تعالى بشقاوته، وقيل إن (كان) هنا بمعنى صار قال ابن فورك أنه خطأ ترده الأصول.
وأفادت الآية استقباح التكبر والخوض في سر الله تعالى، وإن الأمر للوجوب، وإن الذي علم الله من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتيم وإن كان بحكم الحال مؤمناً، وهذه مسئلة الموافاة المنسوبة إلى أبي الحسن الأشعري ومعناها أن العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه أي يأتي متصفاً به في آخر حياته وأول منازل آخرته، وحيث أطلقت مسئلة الموافاة فالمراد بها ذلك، وهي مما اختلف فيها الشافعية والحنفية والماتريدية، وللسبكي فيها تأليف مستقل، ومن فروعها أنه يصح أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله، ويبتنى عليها مسئلة الإحباط في الأعمال بالردة.
قال الخفاجي مسئلة الموافاة من أمهات المسائل وفصلها النسفي في شرح التمهيد فقال ما حاصله أن الشافعي يقول إن الشقي شقي في بطن أمه وكذا السعيد فلا تبديل في ذلك ويظهر ذلك عند الموت ولقاء الله وهو معنى الموافاة والماتريدية يقولون يمحو الله ما يشاء ويثبت فيصير السعيد شقياً والشقي سعيداً إلا أنهم يقولون من مات مسلماً مخلد في الجنة ومن مات كافراً مخلد في العذاب باتفاق الفريقين فلا ثمرة للخلاف أصلاً، إلا أن يقال إن من كان مسلماً وورث أباه السلم إذا مات كافراً يرد ما أخذه إلى بقية الورثة المسلمين، وكذا الكافر وتبطل جميع أعماله، والمنقول في المذهب خلافه فحينئذ لا ثمرة له إلا أنه يصلح منه أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله بقصد التعليق في المستقبل حتى
وأفادت الآية استقباح التكبر والخوض في سر الله تعالى، وإن الأمر للوجوب، وإن الذي علم الله من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتيم وإن كان بحكم الحال مؤمناً، وهذه مسئلة الموافاة المنسوبة إلى أبي الحسن الأشعري ومعناها أن العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه أي يأتي متصفاً به في آخر حياته وأول منازل آخرته، وحيث أطلقت مسئلة الموافاة فالمراد بها ذلك، وهي مما اختلف فيها الشافعية والحنفية والماتريدية، وللسبكي فيها تأليف مستقل، ومن فروعها أنه يصح أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله، ويبتنى عليها مسئلة الإحباط في الأعمال بالردة.
قال الخفاجي مسئلة الموافاة من أمهات المسائل وفصلها النسفي في شرح التمهيد فقال ما حاصله أن الشافعي يقول إن الشقي شقي في بطن أمه وكذا السعيد فلا تبديل في ذلك ويظهر ذلك عند الموت ولقاء الله وهو معنى الموافاة والماتريدية يقولون يمحو الله ما يشاء ويثبت فيصير السعيد شقياً والشقي سعيداً إلا أنهم يقولون من مات مسلماً مخلد في الجنة ومن مات كافراً مخلد في العذاب باتفاق الفريقين فلا ثمرة للخلاف أصلاً، إلا أن يقال إن من كان مسلماً وورث أباه السلم إذا مات كافراً يرد ما أخذه إلى بقية الورثة المسلمين، وكذا الكافر وتبطل جميع أعماله، والمنقول في المذهب خلافه فحينئذ لا ثمرة له إلا أنه يصلح منه أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله بقصد التعليق في المستقبل حتى
133
وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)
لا يكون شكا في الإيمان حالاً، ولا حاجة لتأويله، والماتريدية يمنعون ذلك مطلقاً انتهى.
لا يكون شكا في الإيمان حالاً، ولا حاجة لتأويله، والماتريدية يمنعون ذلك مطلقاً انتهى.
134
(وقلنا) هو من خطاب الأكابر والعظماء أخبر سبحانه عن نفسه بصيغة الجمع لأنه ملك الملوك (يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة) أي اتخذ الجنة مأوى ومنزلاً ومسكناً وهو محل السكون، وأما ما قاله بعض المفسرين أن قوله (أسكن) تنبيه على الخروج لأن السكنى لا يكون ملكاً، وأخذ ذلك من قول جماعة من العلماء أن من أسكن رجلاً منزلاً له فإنه لا يملكه بذلك وإن له أن يخرجه منه، فهو معنى عرفي، والواجب الأخذ بالمعنى العربي إذا لم يثبت في اللفظ حقيقة شرعية.
والزوج هي حواء بالمد وهي في اللغة الفصيحة بغير هاء وقد جاء بها قليلاً كما في صحيح مسلم قال يا فلان " هذه زوجتي فلانة " الحديث، وكان خلق حواء من ضلعه الأيسر فلذا كان كل إنسان ناقصاً ضلعاً من الجانب الأيسر، فجهة اليمين أضلاعها ثمانية عشر، وجهة اليسار أضلاعها سبعة عشر، وقصة خلقها مبسوطة في كتب السنة لا نطول بذكرها هنا فيه دلالة عن أن الجنة مخلوقة الآن.
واختلفوا في الجنة التي أمر آدم بسكناها فقيل إنها جنة كانت في الأرض، وقيل هي دار الجزاء والثواب، لأنها المعهودة، وقيل هي جنة بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان، خلقها الله امتحاناً لآدم، وحمل الإهباط على النقل منها إلى أرض الهند كما في قوله تعالى (اهبطوا مصراً) لما أن خلق آدم كان في الأرض بلا خلاف، ولم يذكر في هذه القصة رفعه إلا السماء ولو وقع ذلك لكان أولى
والزوج هي حواء بالمد وهي في اللغة الفصيحة بغير هاء وقد جاء بها قليلاً كما في صحيح مسلم قال يا فلان " هذه زوجتي فلانة " الحديث، وكان خلق حواء من ضلعه الأيسر فلذا كان كل إنسان ناقصاً ضلعاً من الجانب الأيسر، فجهة اليمين أضلاعها ثمانية عشر، وجهة اليسار أضلاعها سبعة عشر، وقصة خلقها مبسوطة في كتب السنة لا نطول بذكرها هنا فيه دلالة عن أن الجنة مخلوقة الآن.
واختلفوا في الجنة التي أمر آدم بسكناها فقيل إنها جنة كانت في الأرض، وقيل هي دار الجزاء والثواب، لأنها المعهودة، وقيل هي جنة بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان، خلقها الله امتحاناً لآدم، وحمل الإهباط على النقل منها إلى أرض الهند كما في قوله تعالى (اهبطوا مصراً) لما أن خلق آدم كان في الأرض بلا خلاف، ولم يذكر في هذه القصة رفعه إلا السماء ولو وقع ذلك لكان أولى
134
بالذكر والتذكير، لما أنه من أعظم النعم، ولأنها لو كانت دار الخلد لما دخلها إبليس وقيل أنها كانت في السماء السابعة بدليل (اهبطوا) ثم أن الأهباط الأول كان منها إلى السماء الدنيا، والثاني منها إلى الأرض، وقيل الكل ممكن والأدلة النقلية متعارضة فوجب التوقف وترك القطع، قاله أبو السعود.
قلت وقد استوعب الحافظ ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأقراح دلائل الفريقين من غير تصريح برجحان أحد القولين والله تعالى أعلم.
(وكلا منها) أي اجمعا بين الإستقرار والأكل من رزق الجنة (رغداً) رغد العيش اتسع ولأن أي رزقاً واسعاً ليناً، وأرغد القوم أخصبوا الرغيدة الزبد (حيث شئتما) أي في أي مكان من الجنة شئتما، وسع الأمر عليهما إزاحة للعلة والعذر في التناول من الشجرة المنهى عنها من بين أشجارها التي لا تنحصر (ولا تقربا هذه الشجرة) يعني للأكل، والقرب الدنو.
قال الأصمعي: والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة ولهذا جاء به عوضاً عن الأكل، ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل لأنه قد يأكل من ثمرة الشجرة من هو بعيد عنها إذا حمل إليه، فالأولى أن يقال المنع من الأكل مستفاد من القام، والشجر ما كان له ساق من نبات الأرض وواحده شجرة.
واختلف أهل العلم في تعيين هذه الشجرة فقيل هي الكرم وقيل هي السنبلة قاله ابن عباس، وله عنه طريق صحيحة، وقيل التين، وقيل الحنطة، وقيل اللوز، وقيل النخلة، وقيل هي شجرة القلم، وقيل الكافور، وقيل الأترج، وقيل هي شبه البر وتسمى الدعة، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم، وقيل عن جنس من الشجرة، وقيل ليس في ظاهر الكلام ما يدل على التبيين إذ لا حاجة إليه لأنه ليس المقصود تعرف عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصوداً لا يجب بيانه.
قلت وقد استوعب الحافظ ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأقراح دلائل الفريقين من غير تصريح برجحان أحد القولين والله تعالى أعلم.
(وكلا منها) أي اجمعا بين الإستقرار والأكل من رزق الجنة (رغداً) رغد العيش اتسع ولأن أي رزقاً واسعاً ليناً، وأرغد القوم أخصبوا الرغيدة الزبد (حيث شئتما) أي في أي مكان من الجنة شئتما، وسع الأمر عليهما إزاحة للعلة والعذر في التناول من الشجرة المنهى عنها من بين أشجارها التي لا تنحصر (ولا تقربا هذه الشجرة) يعني للأكل، والقرب الدنو.
قال الأصمعي: والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة ولهذا جاء به عوضاً عن الأكل، ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل لأنه قد يأكل من ثمرة الشجرة من هو بعيد عنها إذا حمل إليه، فالأولى أن يقال المنع من الأكل مستفاد من القام، والشجر ما كان له ساق من نبات الأرض وواحده شجرة.
واختلف أهل العلم في تعيين هذه الشجرة فقيل هي الكرم وقيل هي السنبلة قاله ابن عباس، وله عنه طريق صحيحة، وقيل التين، وقيل الحنطة، وقيل اللوز، وقيل النخلة، وقيل هي شجرة القلم، وقيل الكافور، وقيل الأترج، وقيل هي شبه البر وتسمى الدعة، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم، وقيل عن جنس من الشجرة، وقيل ليس في ظاهر الكلام ما يدل على التبيين إذ لا حاجة إليه لأنه ليس المقصود تعرف عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصوداً لا يجب بيانه.
135
(فتكونا من الظالمين) يعني إن أكلتما من هذه الشجرة ظلمتما أنفسكما فمن جوز ارتكاب الذنوب على الأنبياء قال ظلم نفسه بالمعصية، والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه، ومن لم يجوز ذلك على الأنبياء حمل الظلم على أنه فعل ما كان الأولى أن لا يفعله، وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه، وقد أطال البحث في ذلك الرازى في تفسيره في هذا الوضع فليرجع إليه فإنه مفيد.
136
(فأزلهما الشيطان) أي استزل آدم وحواء (عنها) أي الجنة ودعاهما إلى الزلة وهي الخطيئة أي إستزلهما وأوقعهما فيها، وقيل من الإزالة وهي التنحية أي نحاهما وقيل من الزوال.
وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما فقيل أنه كان ذلك بمشافهة منه لهما وإليه ذهب الجمهور، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) والمقاسمة ظاهرها المشافهة، وقيل لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة، والمفاعلة ليست على بابها بل للمبالغة وقيل غير ذلك.
(فأخرجهما مما كانا فيه) أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية، وقيل الضمير للجنة، وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما، وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه هو الذي تولى اغواء آدم حتى أكل من الشجرة (وقلنا اهبطوا) أي انزلوا إلى الأرض، خطاب لآدم وحواء وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الاثنين أقل الجمع عند البعض من أئمة العربية، وقيل أنه خطاب لهما ولإبليس وللحية.
فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وأهبطت حواء بجدة وإبليس بالايلة من أعمال البصرة والحية بأصبهان، وقيل خطاب
وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما فقيل أنه كان ذلك بمشافهة منه لهما وإليه ذهب الجمهور، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) والمقاسمة ظاهرها المشافهة، وقيل لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة، والمفاعلة ليست على بابها بل للمبالغة وقيل غير ذلك.
(فأخرجهما مما كانا فيه) أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية، وقيل الضمير للجنة، وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما، وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه هو الذي تولى اغواء آدم حتى أكل من الشجرة (وقلنا اهبطوا) أي انزلوا إلى الأرض، خطاب لآدم وحواء وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الاثنين أقل الجمع عند البعض من أئمة العربية، وقيل أنه خطاب لهما ولإبليس وللحية.
فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وأهبطت حواء بجدة وإبليس بالايلة من أعمال البصرة والحية بأصبهان، وقيل خطاب
136
لهما ولذريتهما لأنهما لما كانا أصل هذا النوع الإنساني جعلا بمنزلته، ويدل على ذلك قوله (بعضكم لبعض عدو) فإن هذه الجملة الواقعة حالاً مبيناً للهيئة الثابتة للمأمورين بالهبوط تفيد ذلك يعني العداوة التي بين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس.
وإليه الإشارة بقوله تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) والعدو خلاف الصديق وهو من عدا إذا ظلم، والعدوان الظلم الصراح وقيل إنه مأخوذ من المجاوزة يقال عداه إذا جاوزه، والمعنيان متقاربان، فإن من ظلم فقد تجاوز.
قال ابن فارس العدو اسم جامع للواحد والاثنين والثلاثة، والعداوة التي بين ذرية آدم والحية هي ما روى عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ - " من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن " أخرجه أبو داود، وله عن ابن مسعود أن رسول الله - ﷺ - قال " اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف من ثارهن فليمس مني " وفي رواية إلا الجان الأبيض " الذي كأنه قضيب فضة " وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - ﷺ - قال: " إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان " وفي رواية " أن بهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئاً فحرجوا عليه ثلاثاً فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر ".
(ولكم في الأرض مستقر) المراد بالمستقر موضع الإستقرار، ومنه (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً) وقد يكون بمعنى الاستقرار، ومنه (إلى ربك يومئذ المستقر) فالآية محتملة للمعنيين ومثلها قوله (وجعل لكم الأرض قراراً) (ومتاع) المتاع ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها أي بلغة ومستمتع (إلى حين) أي إلى وقت انقضاء آجالكم.
واختلف المفسرون في قوله (حين) فقيل إلى الموت وقيل إلى قيام الساعة، وأصل معنى الحين في اللغة الوقت البعيد، ومنه (هل أتى على
وإليه الإشارة بقوله تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) والعدو خلاف الصديق وهو من عدا إذا ظلم، والعدوان الظلم الصراح وقيل إنه مأخوذ من المجاوزة يقال عداه إذا جاوزه، والمعنيان متقاربان، فإن من ظلم فقد تجاوز.
قال ابن فارس العدو اسم جامع للواحد والاثنين والثلاثة، والعداوة التي بين ذرية آدم والحية هي ما روى عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ - " من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن " أخرجه أبو داود، وله عن ابن مسعود أن رسول الله - ﷺ - قال " اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف من ثارهن فليمس مني " وفي رواية إلا الجان الأبيض " الذي كأنه قضيب فضة " وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - ﷺ - قال: " إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان " وفي رواية " أن بهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئاً فحرجوا عليه ثلاثاً فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر ".
(ولكم في الأرض مستقر) المراد بالمستقر موضع الإستقرار، ومنه (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً) وقد يكون بمعنى الاستقرار، ومنه (إلى ربك يومئذ المستقر) فالآية محتملة للمعنيين ومثلها قوله (وجعل لكم الأرض قراراً) (ومتاع) المتاع ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها أي بلغة ومستمتع (إلى حين) أي إلى وقت انقضاء آجالكم.
واختلف المفسرون في قوله (حين) فقيل إلى الموت وقيل إلى قيام الساعة، وأصل معنى الحين في اللغة الوقت البعيد، ومنه (هل أتى على
137
الإنسان حين من الدهر) والحين الساعة ومنه (أو تقول حين ترى العذاب) والحين القطعة من الدهر ومنه (فذرهم في غمرتهم حتى حين) أي حتى تفنى آجالهم ويطلق على السنة وقيل على ستة أشهر، ومنه (تؤتى أكلها كل حين) ويطلق على المساء والصباح ومنه (حين تمسون وحين تصبحون) قال ابن العربي الحين المجهول لا يتعلق به حكم والحين المعلوم سنة.
138
(فتلقى آدم من ربه كلمات) ومعنى التلقي أخذه لها وقبوله لا فيها وعلمه بها وقيل فهمه لها وفطانته لما تضمنته (١)، وأصل معنى التلقي الاستقبال أي أستقبل الكلمات الموحاة إليه، وقيل إن معنى تلقي تلقن، ولا وجه له في العربية، واختلف السلف في تعيين هذه الكلمات فعن ابن عباس قال هي قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وعنه قال علم شأن الحج وهي الكلمات، وعن عبد الله بن زيد قال لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً، وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، وروي نحوه عن أنس وسعيد بن جبير (فتاب عليه) أي فتجاوز عنه وغفر له، وأصل التوبة من تاب يتوب إذا رجع (إنه هو التواب) أي الرجاع على عبادة بقبول التوبة (الرحيم) بخلقه.
_________
(١) ألم تخلقني بيدك؛ قال: بلى: قال: ألم تنفخ فيّ من روحك قال: بلى قال: ألم تسبق رحمتك إليّ قبل غضبك؟ قال: بلى، قال: ألم تسجد لي ملائكتك وتسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: أي رب [أرأيت] إن تبت وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم.
وفي رواية أنه قال: اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فارحمني، فأنت خير الراحمين [اللهم] لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي. إنك أنت التواب الرحيم.. رواه ابن أبي نجيع عن مجاهد.
_________
(١) ألم تخلقني بيدك؛ قال: بلى: قال: ألم تنفخ فيّ من روحك قال: بلى قال: ألم تسبق رحمتك إليّ قبل غضبك؟ قال: بلى، قال: ألم تسجد لي ملائكتك وتسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: أي رب [أرأيت] إن تبت وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم.
وفي رواية أنه قال: اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فارحمني، فأنت خير الراحمين [اللهم] لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي. إنك أنت التواب الرحيم.. رواه ابن أبي نجيع عن مجاهد.
138
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)
139
(قلنا اهبطوا منها جميعاً) إما في زمان واحد أو في أزمنة متفرقة، لأن المراد الاشتراك في أصل الفعل، وهذا هو الفرق بين جاءوا جميعاً، وجاءوا معاً يعني هؤلاء الأربعة أو آدم وحواء وذريتهما، وكرر قوله اهبطوا للتوكيد والتغليظ، وقيل إنه لما تعلق به حكم غير الحكم الأول كرره، ولا تزاحم بين المقتضيات، فقد يكون التكرير للأمرين معاً أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وعنه ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة، وعن الحسن قال لبث آدم في الجنة ساعة من نهار. تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا.
وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم (١)، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها "، وقد ثبت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما في محاجة آدم وموسى عليهما السلام، وحج موسى بقوله أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند وعنه إلى أرض بين مكة والطائف، وعن علي أطيب ريح الأرض الهند
_________
(١) المستدرك ٤/ ١٧٥.
وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم (١)، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها "، وقد ثبت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما في محاجة آدم وموسى عليهما السلام، وحج موسى بقوله أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند وعنه إلى أرض بين مكة والطائف، وعن علي أطيب ريح الأرض الهند
_________
(١) المستدرك ٤/ ١٧٥.
139
هبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة، وقد روي عن جماعة من الصحابة أن آدم أهبط إلا أرض الهند، منهم جابر وابن عمر وعلي، وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم حكايات في صفة هبوط آدم من الجنة وما أهبط معه وما صنع عند وصوله إلى الأرض، ولا حاجة لنا ببسط جميع ذلك، وقد ذكر طرفاً منها الحافظ ابن القيم في الحادي.
(فإما يأتينكم مني هدى) أي رشد وبيان وشريعة، وقيل كتاب ورسول، وقيل التوفيق للهداية (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) فيما يستقبلهم، وقيل عند الفزع الأكبر (ولا هم يحزنون) أي على ما خلفوا وفاتهم من الدنيا، وقال ابن جبير لا خوف عليهم في الآخرة ولا يحزنون للموت، والخوف هو الذعر، ولا يكون إلا في المستقبل، والحزن ضد السرور، قال اليزيدي حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم.
(فإما يأتينكم مني هدى) أي رشد وبيان وشريعة، وقيل كتاب ورسول، وقيل التوفيق للهداية (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) فيما يستقبلهم، وقيل عند الفزع الأكبر (ولا هم يحزنون) أي على ما خلفوا وفاتهم من الدنيا، وقال ابن جبير لا خوف عليهم في الآخرة ولا يحزنون للموت، والخوف هو الذعر، ولا يكون إلا في المستقبل، والحزن ضد السرور، قال اليزيدي حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم.
140
(والذين كفروا) أي جحدوا عطف على (فمن تبع) قسيم له (وكذبوا بآياتنا) أي بالقرآن (أولئك أصحاب النار) أي يوم القيامة وصحبة أهل النار لها بمعنى الاقتران والملازمة (هم فيها خالدون) أي لا يخرجون منها ولا يموتون فيها، وبقي قسم ثالث وهو من آمن ولم يعمل الطاعات فليس داخلاً في الآيتين، وقد تقدم تفسير الخلود.
(يا بني اسرائيل) اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحق ابن إبراهيم عليهم السلام، ومعناه عبد الله، لأن إسر في لغتهم هو العبد، وإيل هو الله، وكذلك جبريل هو عبد الله وميكائيل عبد الله، قال القفال إن إسر بالعبرانية في معنى إنسان فكأنه قيل رجل الله، وقيل معناه صفوة الله، والأول أولى، والمعنى يا أولاد يعقوب.
والخطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من ولد يعقوب في أيام محمد- ﷺ -، قيل أن له اسمين. وقيل أن اسرائيل لقب له وهو اسم أعجمي غير منصرف، وقد تصرفت فيه العرب بلغات كثيرة أفصحها لغة القرآن وهي
والخطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من ولد يعقوب في أيام محمد- ﷺ -، قيل أن له اسمين. وقيل أن اسرائيل لقب له وهو اسم أعجمي غير منصرف، وقد تصرفت فيه العرب بلغات كثيرة أفصحها لغة القرآن وهي
140
قراءة الجمهور، استدل به على دخول أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد.
(اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) أي اشكروا، وإنما عبر عنه بالذكر لأن من ذكر النعمة فقد شكرها، ومن جحدها فقد كفرها: والذكر بالكسر هو ضد الإنصات، وبالضم ضد النسيان، وجعله بعض أهل العلم مشتركاً بين ذكر القلب واللسان، وقال الكسائي ما كان بالقلب فهو مضموم الذال، وما كان باللسان فهو مكسور الذال.
قال ابن الأنباري: والمعنى في الآية اذكر واشكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وهي اسم جنس، وحدها أنها المنفعة الفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وقيل المنفعة الحسنة والأول أولى، والكلام على قيود هذا الحد وضروب النعمة مستوفى في تفسير الرازي فليراجعه.
والنعم المخصوصة ببني إسرائيل كثيرة من جملتها أنه جعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتاب والمن والسلوى، وأخرج لهم الماء من الحجر ونجاهم من آل فرعون وفلق لهم البحر وأغرق فرعون وظللهم بالغمام وغير ذلك من نعم كثيرة، وقيل إن هذه النعمة هي إدراك المخاطبين بها زمن محمد ﷺ والأول أولى قال ابن الفارس فيه دليل على أن لله على الكفار نعمة خلافاً لمن قال لا نعمة لله عليهم، وإنما النعمة للمؤمنين.
(وأوفوا بعهدي) أي امتثلوا أمري، يقال أوفى ووفى مشدداً، ووفى مخففاً ثلاث لغات بمعنى واحد وقيل يقال وفيت ووفيت بالعهد وأوفيت بالكيل لا غير، واختلف أهل العلم في العهد المذكور في هذه الآية ما هو فقيل هو المذكور في قوله تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة) وقيل هو ما في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً) وقيل هو قوله (ولقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) وقيل أن المراد من هذا العهد ما أثبته في الكتب المتقدمة من وصف محمد - ﷺ - وإنه سيبعثه على ما صرح بذلك في سورة المائدة بقوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) إلى قوله (لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) وقال في سورة الأعراف
(اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) أي اشكروا، وإنما عبر عنه بالذكر لأن من ذكر النعمة فقد شكرها، ومن جحدها فقد كفرها: والذكر بالكسر هو ضد الإنصات، وبالضم ضد النسيان، وجعله بعض أهل العلم مشتركاً بين ذكر القلب واللسان، وقال الكسائي ما كان بالقلب فهو مضموم الذال، وما كان باللسان فهو مكسور الذال.
قال ابن الأنباري: والمعنى في الآية اذكر واشكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وهي اسم جنس، وحدها أنها المنفعة الفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وقيل المنفعة الحسنة والأول أولى، والكلام على قيود هذا الحد وضروب النعمة مستوفى في تفسير الرازي فليراجعه.
والنعم المخصوصة ببني إسرائيل كثيرة من جملتها أنه جعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتاب والمن والسلوى، وأخرج لهم الماء من الحجر ونجاهم من آل فرعون وفلق لهم البحر وأغرق فرعون وظللهم بالغمام وغير ذلك من نعم كثيرة، وقيل إن هذه النعمة هي إدراك المخاطبين بها زمن محمد ﷺ والأول أولى قال ابن الفارس فيه دليل على أن لله على الكفار نعمة خلافاً لمن قال لا نعمة لله عليهم، وإنما النعمة للمؤمنين.
(وأوفوا بعهدي) أي امتثلوا أمري، يقال أوفى ووفى مشدداً، ووفى مخففاً ثلاث لغات بمعنى واحد وقيل يقال وفيت ووفيت بالعهد وأوفيت بالكيل لا غير، واختلف أهل العلم في العهد المذكور في هذه الآية ما هو فقيل هو المذكور في قوله تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة) وقيل هو ما في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً) وقيل هو قوله (ولقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) وقيل أن المراد من هذا العهد ما أثبته في الكتب المتقدمة من وصف محمد - ﷺ - وإنه سيبعثه على ما صرح بذلك في سورة المائدة بقوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) إلى قوله (لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) وقال في سورة الأعراف
141
(ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل).
وأما عهد الله معهم فهو أن ينجز لهم ما وعدهم من وضع ما كان عليهم من الإصر والاغلال التي كانت في أعناقهم، وقال (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق) الآية وقال (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) وقال ابن عباس إن الله تعالى كان عهد إلى بني إسرائيل في التوراة إني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن تبعه وصدق بالنور الذي يأتي به أي بالقرآن غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة، وجعلت له أجرين، أجراً باتباع ما جاء به موسى وجاءت به سائر أنبياء بني اسرائيل، وأجراً باتباع ما جاء به محمد النبي الأمي من ولد إسماعيل، وتصديق هذا في القرآن في قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) إلى قوله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا).
وكان علي بن عيسى يقول تصديق ذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته) وتصديقه أيضاً فيما روى أبو موسى الأشعري عن النبي - ﷺ - أنه قال (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بعيسى ثم آمن بمحمد - ﷺ - فله أجران، ورجل أدب أَمَتَهُ فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ورجل أطاع الله وأطاع سيده فله أجران ".
ولنذكر الآن بعض ما جاء في كتب الأنبياء المتقدمين من البشارة بمقدم محمد - ﷺ -.
فالأول: جاء في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة إن هاجر لما غضبت عليها سارة تراءى لها ملك الله فقال لها يا هاجر أين تريدين ومن أين أقبلت، قالت أهرب من سيدتي سارة فقال لها ارجعي إلى سيدتك واخفضي لها فإن
وأما عهد الله معهم فهو أن ينجز لهم ما وعدهم من وضع ما كان عليهم من الإصر والاغلال التي كانت في أعناقهم، وقال (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق) الآية وقال (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) وقال ابن عباس إن الله تعالى كان عهد إلى بني إسرائيل في التوراة إني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن تبعه وصدق بالنور الذي يأتي به أي بالقرآن غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة، وجعلت له أجرين، أجراً باتباع ما جاء به موسى وجاءت به سائر أنبياء بني اسرائيل، وأجراً باتباع ما جاء به محمد النبي الأمي من ولد إسماعيل، وتصديق هذا في القرآن في قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) إلى قوله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا).
وكان علي بن عيسى يقول تصديق ذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته) وتصديقه أيضاً فيما روى أبو موسى الأشعري عن النبي - ﷺ - أنه قال (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بعيسى ثم آمن بمحمد - ﷺ - فله أجران، ورجل أدب أَمَتَهُ فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ورجل أطاع الله وأطاع سيده فله أجران ".
ولنذكر الآن بعض ما جاء في كتب الأنبياء المتقدمين من البشارة بمقدم محمد - ﷺ -.
فالأول: جاء في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة إن هاجر لما غضبت عليها سارة تراءى لها ملك الله فقال لها يا هاجر أين تريدين ومن أين أقبلت، قالت أهرب من سيدتي سارة فقال لها ارجعي إلى سيدتك واخفضي لها فإن
142
الله سيكثر زرعك وذريتك وستحبلين وتلدين ابناً وتسميه إسماعيل من أجل أن الله سمع تبتلك وخشوعك، وهو يكون عين الناس، وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع وهو يشكر على رغم جميع إخوته.
واعلم أن الاستدلال بهذا الكلام أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة وليس يجوز أن يبشر الملك من قبل الله بالظلم والجور، وبأمر لا يتم إلا بالكذب على الله تعالى، ومعلوم أن إسماعيل وولده لم يكونوا متصرفين في الكل أعني في معظم الدنيا ومعظم الأمم، ولا كانوا مخالطين للكل على سبيل الإستيلاء إلا بالإسلام لأنهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية لا يتجاسرون على الدخول في أوائل العراق وأوائل الشام إلا على أتم خوف، فلما جاء الإسلام استولوا على الشرق والغرب بالإسلام ومازجوا الأمم ووطئوا بلادهم ومازجتهم الأمم وحجوا بيتهم ودخلوا باديتهم بسبب مجاورة الكعبة.
فلو لم يكن النبي - ﷺ - صادقاً لكانت هذه المخالطة منهم للأمم ومن الأمم هم معصية لله تعالى وخروجاً عن طاعته إلى طاعة الشيطان، والله يتعالى عن أن يبشر بما هذا سبيله.
والثاني: جاء في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس: أن الرب إلهكم يقيم لكم نبياً مثلي من بينكم ومن إخوانكم، وفي هذا الفصل أن الرب تعالى قال لموسى إني مقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوانهم وأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها عني ذلك الرجل باسمي أنا أنتقم منه.
وهذا الكلام يدل على أن النبي الذي يقيمه الله تعالى ليس من بني إسرائيل كما أن من قال لبني هاشم أنه سيكون من إخوانكم إمام، عقل منه أنه لا يكون من بني هاشم، ثم أن يعقوب عليه السلام هو إسرائيل ولم يكن له أخ إلا العيص، ولم يكن للعيص ولد من الأنبياء سوى أيوب، وأنه كان قبل موسى عليه السلام فلا يجوز أن يكون موسى عليه السلام مبشراً به، وأما إسماعيل فإنه كان أخاً لإسحاق والد يعقوب، ثم أن كل نبي بعث بعد موسى كان من بني إسرائيل، فالنبي عليه السلام ما كان منهم، لكنه كان من
واعلم أن الاستدلال بهذا الكلام أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة وليس يجوز أن يبشر الملك من قبل الله بالظلم والجور، وبأمر لا يتم إلا بالكذب على الله تعالى، ومعلوم أن إسماعيل وولده لم يكونوا متصرفين في الكل أعني في معظم الدنيا ومعظم الأمم، ولا كانوا مخالطين للكل على سبيل الإستيلاء إلا بالإسلام لأنهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية لا يتجاسرون على الدخول في أوائل العراق وأوائل الشام إلا على أتم خوف، فلما جاء الإسلام استولوا على الشرق والغرب بالإسلام ومازجوا الأمم ووطئوا بلادهم ومازجتهم الأمم وحجوا بيتهم ودخلوا باديتهم بسبب مجاورة الكعبة.
فلو لم يكن النبي - ﷺ - صادقاً لكانت هذه المخالطة منهم للأمم ومن الأمم هم معصية لله تعالى وخروجاً عن طاعته إلى طاعة الشيطان، والله يتعالى عن أن يبشر بما هذا سبيله.
والثاني: جاء في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس: أن الرب إلهكم يقيم لكم نبياً مثلي من بينكم ومن إخوانكم، وفي هذا الفصل أن الرب تعالى قال لموسى إني مقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوانهم وأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها عني ذلك الرجل باسمي أنا أنتقم منه.
وهذا الكلام يدل على أن النبي الذي يقيمه الله تعالى ليس من بني إسرائيل كما أن من قال لبني هاشم أنه سيكون من إخوانكم إمام، عقل منه أنه لا يكون من بني هاشم، ثم أن يعقوب عليه السلام هو إسرائيل ولم يكن له أخ إلا العيص، ولم يكن للعيص ولد من الأنبياء سوى أيوب، وأنه كان قبل موسى عليه السلام فلا يجوز أن يكون موسى عليه السلام مبشراً به، وأما إسماعيل فإنه كان أخاً لإسحاق والد يعقوب، ثم أن كل نبي بعث بعد موسى كان من بني إسرائيل، فالنبي عليه السلام ما كان منهم، لكنه كان من
143
إخوانهم لأنه من ولد إسماعيل الذي هو أخو إسحاق عليهم السلام.
فإن قيل قوله " من بينكم " يمنع من أن يكون المراد محمداً - ﷺ -، لأنه لم يقم من بين بني إسرائيل.
قلنا بل قد قام من بينهم لأنه عليه السلام ظهر بالحجاز فبعث بمكة وهاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كانوا كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم، وأيضاً فإن الحجاز يقارب الشام وجمهور اليهود كانوا إذ ذاك بالشام، فإذا قام محمد - ﷺ - بالحجاز فقد قام من بينهم وأيضاً فإنه إذا كان من اخوانهم فقد قام من بينهم فإنه ليس ببعيد منهم.
والثالث: قال في الفصل العشرين من هذا السفر: أن الرب تعالى جاء في طور سيناء وطلع لنا من ساعير وظهر من جبال فاران وصف عن يمينه عنوات القديسين فمنحهم العز وحببهم إلى الشعوب ودعا لجميع قديسيه بالبركة.
وجه الاستدلال أن جبل فاران وهو بالحجاز لأن في التوراة أن إسماعيل تعلم الرمي في برية فاران ومعلوم أنه إنما سكن بمكة.
إذا ثبت هذا فنقول إن قوله " فمنحهم العز " لا يجوز أن يكون المراد إسماعيل عليه السلام لأنه لم يحصل عقيب سكنى إسماعيل عليه السلام هناك عز ولا اجتمع هناك ربوات القديسين، فوجب حمله على محمد - ﷺ -، قالت اليهود المراد أن النار لما ظهرت من طور سيناء ظهرت من ساعير نار أيضاً ومن جبل فاران أيضاً فانتشرت في هذه المواضع.
قلنا هذا لا يصح لأن الله تعالى لو خلق ناراً في موضع فإنه لا يقال جاء الله في ذلك الموضع إلا إذا تبع تلك الواقعة وحي نزل في ذلك الموضع أو عقوبة وما أشبه ذلك، وعندكم أنه لم يتبع ظهور النار وحي ولا كلام إلا من طور سيناء، فما كان ينبغي إلا أن يقال جاء الله من طور سيناء، فأما أن يقال ظهر من ساعير ومن جبل فاران فلا يجوز وروده كما لا يقال جاء الله من الغمام إذا ظهر في الغمام احتراق ونيران كما يتفق ذلك في أيام الربيع.
فإن قيل قوله " من بينكم " يمنع من أن يكون المراد محمداً - ﷺ -، لأنه لم يقم من بين بني إسرائيل.
قلنا بل قد قام من بينهم لأنه عليه السلام ظهر بالحجاز فبعث بمكة وهاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كانوا كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم، وأيضاً فإن الحجاز يقارب الشام وجمهور اليهود كانوا إذ ذاك بالشام، فإذا قام محمد - ﷺ - بالحجاز فقد قام من بينهم وأيضاً فإنه إذا كان من اخوانهم فقد قام من بينهم فإنه ليس ببعيد منهم.
والثالث: قال في الفصل العشرين من هذا السفر: أن الرب تعالى جاء في طور سيناء وطلع لنا من ساعير وظهر من جبال فاران وصف عن يمينه عنوات القديسين فمنحهم العز وحببهم إلى الشعوب ودعا لجميع قديسيه بالبركة.
وجه الاستدلال أن جبل فاران وهو بالحجاز لأن في التوراة أن إسماعيل تعلم الرمي في برية فاران ومعلوم أنه إنما سكن بمكة.
إذا ثبت هذا فنقول إن قوله " فمنحهم العز " لا يجوز أن يكون المراد إسماعيل عليه السلام لأنه لم يحصل عقيب سكنى إسماعيل عليه السلام هناك عز ولا اجتمع هناك ربوات القديسين، فوجب حمله على محمد - ﷺ -، قالت اليهود المراد أن النار لما ظهرت من طور سيناء ظهرت من ساعير نار أيضاً ومن جبل فاران أيضاً فانتشرت في هذه المواضع.
قلنا هذا لا يصح لأن الله تعالى لو خلق ناراً في موضع فإنه لا يقال جاء الله في ذلك الموضع إلا إذا تبع تلك الواقعة وحي نزل في ذلك الموضع أو عقوبة وما أشبه ذلك، وعندكم أنه لم يتبع ظهور النار وحي ولا كلام إلا من طور سيناء، فما كان ينبغي إلا أن يقال جاء الله من طور سيناء، فأما أن يقال ظهر من ساعير ومن جبل فاران فلا يجوز وروده كما لا يقال جاء الله من الغمام إذا ظهر في الغمام احتراق ونيران كما يتفق ذلك في أيام الربيع.
144
وأيضاً ففي كتاب حبقوق بيان ما قلنا وهو جاء الله من طور سيناء والقدس من جبل فاران لو انكشفت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده يكون شعاع منظره مثل النور يحفظ بلده بعزه تسير المنايا أمامه، ويصحب سباع الطير أجناده قام فمسح الأرض وتأمل الأمم وبحث عنها فتضعضعت الجبال القديمة واتضعت الروابي الدهروية وتزعزعت ستور أهل مدين، ركبت الخيول وعلوت مراكب الانقياد والغوث وستنزع في قسيك اغراقاً ونزعاً وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء وتخور الأرض بالأنهار، ولقد رأتك الجبال فارتاعت وانحرف عنك شؤبوب السيل، ونفرت المهاري نفيراً ورعباً ورفعت أيديها وجلاً وفرقاً وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما، وسارت العساكر في برق سهامك ولمعان بيانك تدوخ الأرض غضباً، وتدوس الأمم زجراً لأنك ظهرت بخلاص أمتك، وانقاذ تراب ابائك، هكذا نقل عن ابن رزين الطبري.
أما النصارى فقال أبو الحسين رحمه الله تعالى في كتاب الغرر قد رأيت في نقولهم " وظهر من جبال فاران لقد تقطعت السماء من بهاء محمد الحمود وترتوي السهام بأمرك المحمود لأنك ظهرت بخلاص أمتك وانقاذ مسيحك ".
فظهر بما ذكرنا أن قوله تعالى في التوراة ظهر الرب من جبال فاران، ليس معناه ظهور النار منه بل معناه ظهور شخص موصوف بهذه الصفات، وما ذاك إلا رسولنا محمد - ﷺ -.
فإن قالوا المراد مجيء الله تعالى، ولهذا قال في آخر الكلام: وانقاذ مسيحك.
قلنا لا يجوز وصف الله تعالى بأنه يركب الخيول وبأن شعاع منظره مثل النور، وبأنه جاز المشاعر القديمة، وأما قوله: وانقاذ مسيحك فإن محمداً عليه السلام أنقذ المسيح من كذب اليهود والنصارى.
والرابع: ما جاء في كتاب شعيا في الفصل الثاني والعشرين منه " قومي
أما النصارى فقال أبو الحسين رحمه الله تعالى في كتاب الغرر قد رأيت في نقولهم " وظهر من جبال فاران لقد تقطعت السماء من بهاء محمد الحمود وترتوي السهام بأمرك المحمود لأنك ظهرت بخلاص أمتك وانقاذ مسيحك ".
فظهر بما ذكرنا أن قوله تعالى في التوراة ظهر الرب من جبال فاران، ليس معناه ظهور النار منه بل معناه ظهور شخص موصوف بهذه الصفات، وما ذاك إلا رسولنا محمد - ﷺ -.
فإن قالوا المراد مجيء الله تعالى، ولهذا قال في آخر الكلام: وانقاذ مسيحك.
قلنا لا يجوز وصف الله تعالى بأنه يركب الخيول وبأن شعاع منظره مثل النور، وبأنه جاز المشاعر القديمة، وأما قوله: وانقاذ مسيحك فإن محمداً عليه السلام أنقذ المسيح من كذب اليهود والنصارى.
والرابع: ما جاء في كتاب شعيا في الفصل الثاني والعشرين منه " قومي
145
فازهري مصباحك، يريد مكة فقد دنا وقتك وكرامة الله تعالى طالعة عليك، فقد تجلل الأرض الظلام وغطى على الامم الضباب، والرب يشرق عليك إشراقاً، ويظهر كرامته عليك، تسير الأمم إلى نورك والملوك إلى ضوء طلوعك، وارفعي بصرك إلى ما حولك، وتأملي فإنهم مستجمعون عندك ويحجونك ويأتيك ولدك من بعيد لأنك أم القرى، فأولاد سائر البلاد كأنهم أولاد مكة وتتزين ثيابك على الارائك والسرر. حين ترين ذلك تسرين وتبتهجين من أجل أنه يميل إليك ذخائر البحر، ويحج إليك عساكر الأمم، ويساق إليك كباش مدين، ويأتيك أهل سبأ ويتحدثون بنعم الله ويمجدونه وتسير إليك أغنام فاران، ويرفع إلى مذبحي ما يرضيني وأحدث حينئذ لبيت محمدتي حمداً ".
فوجه الاستدلال أن هذه الصفات كلها موجودة لمكة فإنه قد حج إليها عساكر الأمم ومال إليها ذخائر البحر، وقوله أحدث لبيت محمدتي حمداً، معناه أن العرب كانت تلبي قبل الإسلام فتقول لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ثم صار في الإسلام: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، فهذا هو الحمد الذي جدده الله لبيت محمدته.
فإن قيل المراد بذلك بيت المقدس وسيكون ذلك فيما بعد.
قلنا لا يجوز أن يقول الحكيم قد دنا وقتك مع أنه ما دنا بل الذي دنا أمر لا يوافق رضاه ومع ذلك لا يحذر منه.
وأيضاً فإن كتاب شعيا مملوء من ذكر البادية وصفتها وذلك يبطل قولهم.
الخامس: روى السمان في تفسيره في السفر الأول من التوراة أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام قال قد أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه فكبرته وعظمته جداً جداً، وسيلد اثني عشر عظيماً وأجعله لأمة عظيمة.
والاستدلال به أنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لأمة عظيمة غير نبينا محمد - ﷺ - فأما دعاء إبراهيم عليه السلام وإسماعيل فكان لرسولنا عليه الصلاة والسلام لما فرغا من بناء الكعبة وهو قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو
فوجه الاستدلال أن هذه الصفات كلها موجودة لمكة فإنه قد حج إليها عساكر الأمم ومال إليها ذخائر البحر، وقوله أحدث لبيت محمدتي حمداً، معناه أن العرب كانت تلبي قبل الإسلام فتقول لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ثم صار في الإسلام: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، فهذا هو الحمد الذي جدده الله لبيت محمدته.
فإن قيل المراد بذلك بيت المقدس وسيكون ذلك فيما بعد.
قلنا لا يجوز أن يقول الحكيم قد دنا وقتك مع أنه ما دنا بل الذي دنا أمر لا يوافق رضاه ومع ذلك لا يحذر منه.
وأيضاً فإن كتاب شعيا مملوء من ذكر البادية وصفتها وذلك يبطل قولهم.
الخامس: روى السمان في تفسيره في السفر الأول من التوراة أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام قال قد أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه فكبرته وعظمته جداً جداً، وسيلد اثني عشر عظيماً وأجعله لأمة عظيمة.
والاستدلال به أنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لأمة عظيمة غير نبينا محمد - ﷺ - فأما دعاء إبراهيم عليه السلام وإسماعيل فكان لرسولنا عليه الصلاة والسلام لما فرغا من بناء الكعبة وهو قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو
146
عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) ولهذا كان يقول عليه الصلاة والسلام " أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى " وهو قوله (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)، فإنه مشتق من الحمد، والاسم المشتق من الحمد ليس إلا لنبينا، فإن اسمه محمد وأحمد ومحمود، وقيل أن صفته في التوراة أن مولده بمكة ومسكنه بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون (١).
والسادس: قال المسيح للحواريين أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما يقول كما يقال له، وتصديق ذلك (إن أتبع إلا ما يوحى الي) وقوله (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) أما الفارقليط ففي تفسيره وجهان (أحدهما) أنه الشافع المشفع، وهذا أيضاً صفته عليه الصلاة والسلام (الثاني) قال بعض النصارى الفارقليط هو الذي يفرق بين الحق والباطل، وكان في الأصل فاروق، كما يقال راووق للذي يروق به، وأما ليط فهو التحقيق في الأمر كما يقال شيب أشيب ذو شيب، وهذا أيضاً صفة شرعنا لأنه هو الذي يفرق بين الحق والباطل.
والسابع: قال دانيال لبخت نصر حين سأله عن الرؤيا التي كان رآها من غير أن قصها عليه رأيت أيها الملك منظراً هائلاً رأسه من الذهب الإبريز وساعده من الفضة وبطنه وفخذاه من نحاس وساقاه من حديد وبعض رجليه من حديد وبعضها من خزف، ورأيت حجراً يقطع من غير قاطع، وصك
_________
(١) عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة (قبيلة من اليمن)، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم (يعني نفسه) ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً- دحية.
والسادس: قال المسيح للحواريين أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما يقول كما يقال له، وتصديق ذلك (إن أتبع إلا ما يوحى الي) وقوله (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) أما الفارقليط ففي تفسيره وجهان (أحدهما) أنه الشافع المشفع، وهذا أيضاً صفته عليه الصلاة والسلام (الثاني) قال بعض النصارى الفارقليط هو الذي يفرق بين الحق والباطل، وكان في الأصل فاروق، كما يقال راووق للذي يروق به، وأما ليط فهو التحقيق في الأمر كما يقال شيب أشيب ذو شيب، وهذا أيضاً صفة شرعنا لأنه هو الذي يفرق بين الحق والباطل.
والسابع: قال دانيال لبخت نصر حين سأله عن الرؤيا التي كان رآها من غير أن قصها عليه رأيت أيها الملك منظراً هائلاً رأسه من الذهب الإبريز وساعده من الفضة وبطنه وفخذاه من نحاس وساقاه من حديد وبعض رجليه من حديد وبعضها من خزف، ورأيت حجراً يقطع من غير قاطع، وصك
_________
(١) عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة (قبيلة من اليمن)، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم (يعني نفسه) ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً- دحية.
147
رجل ذلك الصنم ودقها دقاً شديداً فتفتت الصنم كله حديده ونحاسه وفضته وذهبه وصارت رفاتاً، وعصفت بها الرياح فلم يوجد لها أثر، وصار ذلك الحجر الذي صك ذلك الرجل من ذلك الصنم جبلاً عالياً امتلأت به الأرض، فهذا رؤياك أيها الملك.
وأما تفسيرها فأنت الرأس الذي رأيته من الذهب ويقوم بعدك مملكة أخرى دونك والمملكة الثالثة التي تشبه النحاس تنبسط على الأرض كلها، والمملكة الرابعة تكون قوتها مثل الحديد، وأما الرجل التي كان بعضها من حديد وبعضها من خزف، فإن بعض المملكة يكون عزيزاً وبعضها يكون ذليلاً، وتكون كلمة الملك متفرقة ويقيم إله السماء في تلك الأيام مملكة أبدية لا تتغير ولا تزول. وأنها تزيل جميع الممالك، وسلطانها يبطل جميع السلاطين، وتقوم هي إلى الدهر، فهذا تفسير الحجر الذي رأيت أنه يقطع من جبل بلا قاطع حتى دق الحديد والنحاس والخزف، والله أعلم بما يكون في آخر الزمان.
فهذه هي البشارات الواردة في الكتب المتقدمة بمبعث رسولنا محمد - ﷺ - ذكره الرازي، وقال الزجاج المراد بالعهد ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد - ﷺ -، وقيل هو أداء الفرائض، وقيل أراد جميع ما أمر الله به من غير تخصيص ببعض التكليف دون بعض، ولا مانع من حمله على جميع ذلك.
(أوف بعهدكم) أي بما ضمنت لكم من الجزاء، وقيل بالقبول والثواب عليه بدخول الجنة (وإياي فارهبون)، أي فخافون في نقضكم العهد، والرهب والرهبة الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد، وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص، قال صاحب الكشاف وهو آكد في إفادة التخصيص من (إياك نعبد) والفاء جواب أمر مقدر أي تنبهوا فارهبون، أو زائدة وسقطت الياء من قوله فارهبون لأنه رأس آية.
وأما تفسيرها فأنت الرأس الذي رأيته من الذهب ويقوم بعدك مملكة أخرى دونك والمملكة الثالثة التي تشبه النحاس تنبسط على الأرض كلها، والمملكة الرابعة تكون قوتها مثل الحديد، وأما الرجل التي كان بعضها من حديد وبعضها من خزف، فإن بعض المملكة يكون عزيزاً وبعضها يكون ذليلاً، وتكون كلمة الملك متفرقة ويقيم إله السماء في تلك الأيام مملكة أبدية لا تتغير ولا تزول. وأنها تزيل جميع الممالك، وسلطانها يبطل جميع السلاطين، وتقوم هي إلى الدهر، فهذا تفسير الحجر الذي رأيت أنه يقطع من جبل بلا قاطع حتى دق الحديد والنحاس والخزف، والله أعلم بما يكون في آخر الزمان.
فهذه هي البشارات الواردة في الكتب المتقدمة بمبعث رسولنا محمد - ﷺ - ذكره الرازي، وقال الزجاج المراد بالعهد ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد - ﷺ -، وقيل هو أداء الفرائض، وقيل أراد جميع ما أمر الله به من غير تخصيص ببعض التكليف دون بعض، ولا مانع من حمله على جميع ذلك.
(أوف بعهدكم) أي بما ضمنت لكم من الجزاء، وقيل بالقبول والثواب عليه بدخول الجنة (وإياي فارهبون)، أي فخافون في نقضكم العهد، والرهب والرهبة الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد، وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص، قال صاحب الكشاف وهو آكد في إفادة التخصيص من (إياك نعبد) والفاء جواب أمر مقدر أي تنبهوا فارهبون، أو زائدة وسقطت الياء من قوله فارهبون لأنه رأس آية.
148
وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)
149
(وآمنوا بما أنزلت) يعني القرآن (مصدقاً لما معكم) أي لما في التوراة من التوحيد والنبوة والأخبار ونعت النبي - ﷺ - (ولا تكونوا أول كافر به) المراد أهل الكتاب لأنهم العارفون بما يجب للأنبياء وما يلزم من التصديق، أي لا تكونوا يا معشر اليهود أول كافر بهذا النبي - ﷺ - مع كونكم قد وجدتموه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، مبشراً به في الكتب المنزلة عليكم.
وقد حكى الرازي في تفسيره في هذا الوضع ما وقف عليه من البشارات برسول الله - ﷺ - في الكتب السابقة، وقيل الضمير في " به " عائد إلى القرآن المدلول عليه بقوله " بما أنزلت " وقيل عائد إلى التوراة المدلول عليها بقوله لما معكم، والخطاب لجماعة، والكافر لفظه واحد وهو في معنى الجمع أي أول الكفار أو أول فريق كافر، ومفهوم الصفة غير مراد هنا فلا يرد أن المعنى بل آخر كافر، وإنما ذكرت الأولية لأنها أفحش لما فيها من الابتداء بالكفر، بل يجب أن تكونوا أول فريق مؤمن به لأنكم أهل نظر في معجزاته والعلم بشأنه وصفاته.
(ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً) أي لا تستبدلوا ببيان صفة محمد - ﷺ - التي في التوراة عوضاً يسيراً من الدنيا لأن الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كالشيء اليسير الحقير الذي لا قيمة له والذي كانوا يأخذونه من الدنيا كالشيء اليسير بالنسبة إلى جميعها فهو قليل القليل، وهذه الآية وإن كانت خطاباً لبني اسرائيل ونهياً لهم، فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب أو بلحنه، فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به أو إثبات باطل نهى الله عنه، أو
وقد حكى الرازي في تفسيره في هذا الوضع ما وقف عليه من البشارات برسول الله - ﷺ - في الكتب السابقة، وقيل الضمير في " به " عائد إلى القرآن المدلول عليه بقوله " بما أنزلت " وقيل عائد إلى التوراة المدلول عليها بقوله لما معكم، والخطاب لجماعة، والكافر لفظه واحد وهو في معنى الجمع أي أول الكفار أو أول فريق كافر، ومفهوم الصفة غير مراد هنا فلا يرد أن المعنى بل آخر كافر، وإنما ذكرت الأولية لأنها أفحش لما فيها من الابتداء بالكفر، بل يجب أن تكونوا أول فريق مؤمن به لأنكم أهل نظر في معجزاته والعلم بشأنه وصفاته.
(ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً) أي لا تستبدلوا ببيان صفة محمد - ﷺ - التي في التوراة عوضاً يسيراً من الدنيا لأن الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كالشيء اليسير الحقير الذي لا قيمة له والذي كانوا يأخذونه من الدنيا كالشيء اليسير بالنسبة إلى جميعها فهو قليل القليل، وهذه الآية وإن كانت خطاباً لبني اسرائيل ونهياً لهم، فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب أو بلحنه، فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به أو إثبات باطل نهى الله عنه، أو
149
امتنع من تعليم ما علمه الله وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به فقد اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً (وإياي فاتقون) بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن حطام الدنيا.
ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادىء لما في الآية الثانية فصلت بالرهبة التي هي من مقدمات التقوى، أو لأن الخطاب بها لما عم العالم والمقلد أمر فيها بالرهبة المتناولة للفريقين، وأما الخطاب بالثانية فحيث خص بالعلماء أمر فيها بالتقوى الذي هو المنتهى وباقي الكلام فيه كالكلام في قوله (وإياي فارهبون) وقد تقدم قريباً.
ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادىء لما في الآية الثانية فصلت بالرهبة التي هي من مقدمات التقوى، أو لأن الخطاب بها لما عم العالم والمقلد أمر فيها بالرهبة المتناولة للفريقين، وأما الخطاب بالثانية فحيث خص بالعلماء أمر فيها بالتقوى الذي هو المنتهى وباقي الكلام فيه كالكلام في قوله (وإياي فارهبون) وقد تقدم قريباً.
150
(ولا تلبسوا الحق بالباطل) أي ولا تكتبوا في التوراة ما ليس فيها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم، وقيل لا تخلطوا الحق من صفة محمد - ﷺ - بالباطل من تغيير صفته، واللبس الخلط، وقيل هو مأخوذ من التغطية أي لا تغطوا الحق بالباطل، والأول أولى، والباء للإلصاق على الأول وقيل للاستعانة واستبعده أبو حيان، وقال فيه صرف عن الظاهر من غير ضرورة، قال السمين ولا أدري ما هذا الاستبعاد مع وضوح هذا المعنى الحسن، والباطل في كلام العرب الزائل، والباطل الشيطان والمراد به هنا خلاف الحق والمراد النهي عن كتم حجج الله التي أوجب عليهم تبليغها وأخذ عليهم بيانها، ومن فسر اللبس أو الكتمان بشيء معين ومعنى خاص كما تقدم فلم يصب إن أراد أن ذلك هو المراد دون غيره لا إن أراد أنه مما يصدق عليه.
(وتكتموا الحق) لما فيه من الضرر والفساد، وفيه أن العالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه، وفيه تنبه لسائر الخلق وتحذير من مثله فصار هذا الخطاب وإن كان خاصاً في الصورة عاماً في المعنى، فعلى كل أحد أن لا يلبس الحق بالباطل ولا يكتم الحق (وأنتم تعلمون) فيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل، وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة، وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء
(وتكتموا الحق) لما فيه من الضرر والفساد، وفيه أن العالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه، وفيه تنبه لسائر الخلق وتحذير من مثله فصار هذا الخطاب وإن كان خاصاً في الصورة عاماً في المعنى، فعلى كل أحد أن لا يلبس الحق بالباطل ولا يكتم الحق (وأنتم تعلمون) فيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل، وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة، وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء
150
حتى يعلم بحكمه خصوصاً في أمور الدين، فإن التكلم فيها والتصديق للإصدار والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأساً في العلم فرداً في الفهم، وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم، والقعود في غير مقاعدهم.
وأعلم أن كثيراً من المفسرين جاؤوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهى عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه، وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف. فجاؤا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الأنصاف، ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف، كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه ومن تأخره.
وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرقاً على حسب الحوادث المقتضية لنزوله منذ نزل الوحي على رسول الله - ﷺ - إلى أن قبضه الله عز وجل إليه، وكل عاقل فضلاً عن عالم لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية لنزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها بل قد تكون متناقضة كتحريم أمر كان حلالاً وتحليل أمر كان حراماً، وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله، وتارة يكون الكلام مع المسلمين، وتارة مع الكافرين، وتارة مع من مضى، وتارة مع من حضر، وحيناً في عبادة، وحيناً في معاملة، ووقتاً في ترغيب، ووقتاً في ترهيب، وآونة في بشارة وآونة في نذارة، وطوراً في أمر دنيا، وطوراً في أمر آخرة، ومرة في تكاليف آتية، ومرة في أقاصيص ماضية.
وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الإختلاف، ومتباينة هذا التباين الذي لا يتيسر معه الإئتلاف، فالقرآن النازل فيها هو باعتبار نفسه مختلف كاختلافها فكيف يطلب العاقل المناسبة بين الضب والنون، والماء والنار،
وأعلم أن كثيراً من المفسرين جاؤوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهى عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه، وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف. فجاؤا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الأنصاف، ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف، كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه ومن تأخره.
وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرقاً على حسب الحوادث المقتضية لنزوله منذ نزل الوحي على رسول الله - ﷺ - إلى أن قبضه الله عز وجل إليه، وكل عاقل فضلاً عن عالم لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية لنزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها بل قد تكون متناقضة كتحريم أمر كان حلالاً وتحليل أمر كان حراماً، وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله، وتارة يكون الكلام مع المسلمين، وتارة مع الكافرين، وتارة مع من مضى، وتارة مع من حضر، وحيناً في عبادة، وحيناً في معاملة، ووقتاً في ترغيب، ووقتاً في ترهيب، وآونة في بشارة وآونة في نذارة، وطوراً في أمر دنيا، وطوراً في أمر آخرة، ومرة في تكاليف آتية، ومرة في أقاصيص ماضية.
وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الإختلاف، ومتباينة هذا التباين الذي لا يتيسر معه الإئتلاف، فالقرآن النازل فيها هو باعتبار نفسه مختلف كاختلافها فكيف يطلب العاقل المناسبة بين الضب والنون، والماء والنار،
151
والملاح والحادي، وهل هذا إلا من فتح أبواب الشك وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض، أو كان مرضه مجرد الجهل والقصور، فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن ويفردون ذلك بالتصنيف تقرر عنده أن هذا أمر لابد منه، وأنه لا يكون القرآن بليغاً معجزاً إلا إذا ظهر الوجه المقتضى للمناسبة؛ وتبين الأمر الموجب للإرتباط؛ فإن وجد الإختلاف بين الآيات رجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك فوجده تكلفاً محضاً وتعسفاً بيناً، انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية وسلامة.
هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتباً على هذا الترتيب الكائن في المصحف، فكيف وكل من له أدق علم بالكتاب وأيسر حظ من معرفته، يعلم علماً يقيناً أنه لم يكن كذلك، ومن شك في هذا وإن لم يكن مما يشك فيه أهل العلم، رجع إلى كلام أهل العلم العارفين بأسباب النزول المطلعين على حوادث النبوة فإنه يثلج صدره ويزول عنه الريب بالنظر في سورة من السور المتوسطة فضلاً عن المطولة فإنه لا محالة يجدها مشتملة على آيات نزلت في حوادث مختلفة، وأوقات متباينة، لا مطابقة بين أسبابها وما نزل فيها في الترتيب، بل يكفي المقصر أن يعلم أن أول ما نزل (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وبعده (يا أيها المدثر، يا أيها المزمل) وينظر أين موضع هذه الآيات والسور في ترتيب المصحف.
وإذا كان الأمر هكذا فأي معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعاً أنه قد تقدم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخراً، وتأخر ما أنزله الله متقدماً، فإن هذا عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن، بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة. وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمرته، وأحقر فائدته، بل هو عند من يفهم ما يقول وما يقال له من تضييع الأوقات وانفاق الساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله، ولا على من يقف عليه من الناس.
وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسبة بين ما قاله
هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتباً على هذا الترتيب الكائن في المصحف، فكيف وكل من له أدق علم بالكتاب وأيسر حظ من معرفته، يعلم علماً يقيناً أنه لم يكن كذلك، ومن شك في هذا وإن لم يكن مما يشك فيه أهل العلم، رجع إلى كلام أهل العلم العارفين بأسباب النزول المطلعين على حوادث النبوة فإنه يثلج صدره ويزول عنه الريب بالنظر في سورة من السور المتوسطة فضلاً عن المطولة فإنه لا محالة يجدها مشتملة على آيات نزلت في حوادث مختلفة، وأوقات متباينة، لا مطابقة بين أسبابها وما نزل فيها في الترتيب، بل يكفي المقصر أن يعلم أن أول ما نزل (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وبعده (يا أيها المدثر، يا أيها المزمل) وينظر أين موضع هذه الآيات والسور في ترتيب المصحف.
وإذا كان الأمر هكذا فأي معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعاً أنه قد تقدم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخراً، وتأخر ما أنزله الله متقدماً، فإن هذا عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن، بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة. وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمرته، وأحقر فائدته، بل هو عند من يفهم ما يقول وما يقال له من تضييع الأوقات وانفاق الساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله، ولا على من يقف عليه من الناس.
وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسبة بين ما قاله
152
رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاآته، أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحاً وأخرى هجاء وحيناً تشبيباً وحيناً رثاء وغير ذلك من الأنواع المتخالفة فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فقره ومقاطعه، ثم تكلف تكلفاً آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد والخطبة التي خطبها في الحج والخطبة التي خطبها في النكاح، ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك لعد هذا المتصدي لمثل هذا مصاباً في عقله، متلاعباً بأوقاته، عابثاً بعمره الذي هو رأس ماله.
وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر، فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب، وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وقحطان، وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي، وأنزله بلغة العرب، وسلك فيه مسالكهم في الكلام، وجرى فيه مجاريهم في الخطاب، وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون مختلفة وطرائق متباينة فضلاً عن المقامين فضلاً عن المقامات، فضلاً عن جميع ما قاله ما دام حياً، وكذلك شاعرهم.
ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي يعثر في ساحاتها كثير من المحققين، وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر ادم عليه السلام، فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله قلنا لا كيف:
وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر، فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب، وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وقحطان، وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي، وأنزله بلغة العرب، وسلك فيه مسالكهم في الكلام، وجرى فيه مجاريهم في الخطاب، وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون مختلفة وطرائق متباينة فضلاً عن المقامين فضلاً عن المقامات، فضلاً عن جميع ما قاله ما دام حياً، وكذلك شاعرهم.
ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي يعثر في ساحاتها كثير من المحققين، وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر ادم عليه السلام، فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله قلنا لا كيف: