تفسير سورة الأنبياء

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ الآية هذه السورة مكية بلا خلاف ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر قل كل متربص فتربصوا قال مشركو قريش محمد يهددنا بالبعث والجزاء على الأعمال وليس بصحيح فأنزل الله اقترب للناس حسابهم واقترب افتعل بمعنى الفعل المجرد وهو قرب كما تقول كما تقول ارتقب ورقب والناس مشركو مكة وغيرهم ممن ينكر البعث * والحساب في اللغة الكمية من مبلغ العدد وقد يطلق على المحسوب وجعل ذلك اقتراباً لأن كل ما هو آت وإن طال وقت انتظاره قريب والواو في:﴿ وَهُمْ ﴾ واو الحال وأخبر عنهم بخبرين ظاهرهما التنافي لأن الغفلة عن الشىء والإِعراض عنه متنافيان لكن يجمع بينهما باختلاف حالين أخبر عنهم أولاً بأنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما يؤول إليه أمرهم ثم أخبر عنهم ثانياً أنهم إذا نبهوا من سنة الغفلة وذكروا بما يؤول إليه أمر المحسن والمسيء أعرضوا عنه ولم يبالوا بذلك * والذكر هنا ما ينزل من القرآن شيئاً بعد شىء ومن زائدة وذكر فاعل ووصفه بالحدوث إذ كان القرآن لنزوله وقتاً بعد وقت. و ﴿ ٱسْتَمَعُوهُ ﴾ جملة حالية من الضمير المنصوب في يأتيهم تقديره إلا مستمعيه.﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ جملة حالية من ضمير استمعوه. و ﴿ لاَهِيَةً ﴾ حال من ضمير يلعبون أو من ضمير استمعوه فيكون حالاً بعد حال واللاهية من قول العرب لها عنه إذا ذهل وغفل يقال لها يلهى لهياً ولهياناً أي وان فطنوا فلا يجدي ذلك لاستيلاء الغفلة والذهول وعدم التبصر بقولهم. و ﴿ ٱلنَّجْوَى ﴾ من التناجي ولا يكون إلا خفية والواو في وأسروا فاعل ضمير يعود على ما قبله. و ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ بدل منه.﴿ هَلْ هَـٰذَآ ﴾ قبله حال محذوفة تقديره قائلين هل هذا إلا بشر وهو استفهام معناه التعجب أي خص دونكم بالبنون مع مماثلته لكم في البشرية.﴿ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ ﴾ استفهام معناه التوبيخ والسحر عنوا به ما ظهر على يديه من المعجزات التي أعظمها القرآن وهاتان الجملتان الاستفهاميتان الظاهر أنهما متعلقان بقوله: وأسروا النجوى وأنهما محكيتان للنجوى لأنه بمعنى القول الخفي فهما في موضع نصب على المفعول بالنجوى.﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ جملة حالية وللزمخشري فيه تخبيط رددناه عليه في البحر.﴿ قُلْ ﴾ أمر لنبيه صلى الله عليه وسلم والقول أعم من أن يكون سراً وجهراً ثم ثنى ذلك بقوله: وهو السميع لأقوالكم العليم بما انطوت عليه ضمائركم.﴿ بَلْ قَالُوۤاْ ﴾ ذكر اضطرابهم في مقالاتهم فذكر أنهم أضربوا عن نسبة السحر إليه وقالوا: ما يأتي به إنما هو أضغاث أحلام وتقدّم تفسيرها في يوسف ثم أضربوا عن هذا فقالوا: بل افتراه أي اختلقه أي وليس من عند الله ثم أضربوا عن هذا فقالوا بل هو شاعر وهكذا المبطل لا يثبت على قول بل يبقى متحيراً وهذه الأقوال الظاهر أنها صدرت من قائلين متفقين انتقلوا من قول إلى قول أو مختلفين قال كل منهم مقالة والكاف في كما أرسل يجوز أن تكون في موضع النعت لآية وما أرسل في تقدير المصدر والمعنى بآية مثل آية إرسال الأولين وفي قولهم كما أرسل الأولون دلالة على معرفتهم إيتان الرسل.﴿ مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ ﴾ المراد بهم قوم صالح وقوم فرعون وغيرهما ومعنى أهلكناها حكمنا بإِهلاكها بما اقترحوا من الآيات.﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ استبعاد وإنكار أي هؤلاء أعتى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ﴾ الآية تقدم الكلام على مثله في يوسف.﴿ إِلاَّ رِجَالاً ﴾ أي بشراً ولم يكونوا ملاكئة كما اعتقدتم ثم أحالهم على أهل الذكر وهم اخبار أهل الكتابين وشهادتهم تقوم بها الحجة في إرسال الله البشر.﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً ﴾ أي ذوي جسد ولما ثبت أنهم كانوا أجساداً يأكلون الطعام بين أن مآلهم إلى الفناء والنفاد ونفى عنهم الخلود وهو البقاء السرمدي أي هؤلاء الرسل بشر أجساد يطعمون ويموتون كغيرهم من البشر والذي صاروا به رسلاً هو ظهور المعجزة على أيديهم وعصمتهم من الصفات القادحة في التبليغ وغيره.﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ ﴾ فكذلك يصدق نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما وعدهم به من النصر وظهور الكلمة وهذه عدة للمؤمنين ووعيد للكافرين وصدقناهم الوعد من باب اختار وهو ما يتعدى الفعل فيه إلى واحد وإلى الآخر بحرف الجر ويجوز حذف ذلك الحرف أي في الوعد.﴿ وَمَن نَّشَآءُ ﴾ هم المؤمنون والمسرفون هم الكفار ولما توعدهم في هذه الآية أعقب ذلك بوعده بنعمته عليهم فقال:﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ والكتاب هو القرآن وعن ابن عباس ذكر شرفكم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ كم خبرية معناه كثيراً والقصم أفظع الكسر عبر به عن الإِهلاك الشديد وكم منصوبة بقصمنا.﴿ مِن قَرْيَةٍ ﴾ هو على حذف مضاف أي من أهل قرية.﴿ كَانَتْ ﴾ أي كان أهلها.﴿ وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا ﴾ أي بعد إهلاك أهلها وعن ابن عباس أن القرية هي حضوراء قرية باليمن ومن حديثها أن الله بعث إليهم نبياً فقتلوه فسلط الله عليهم بخت نصر كما سلطه على أهل بيت المقدس بعث إليهم جيشاً فهزموه ثم بعث إليهم آخر فهزموه فخرج إليهم بنفسه فهزمهم في الثالثة فلما أخذ القتل فيهم ركضوا هاربين.﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ ﴾ أي باشروه بالإِحساس والضمير في أحسوا عائد على أهل المحذوف من قوله: وكم قصمنا من قرية والضمير في منها عائد على القرية والظاهر أنهم لما أدركتهم مقدمة العذاب ركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين وإذا الفجائية جواب قوله: فلما * وقوله: لا تركضوا، قال ابن عطية: يحتمل أن تكون من قول رجال بخت نصر فالمعنى على هذا أنهم فدعوهم واستهزؤوا بهم بأن قالوا للهاربين منهم لا تفروا وارجعوا إلى منازلكم لعلكم تسألون صلحاً أو جزية أو أمراً يتفق عليه فلما انصرفوا أمر بخت نصر أن ينادي فيهم بالثارات للنبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم " انتهى " ويجوز أن يكون لا تركضوا من كلام بعضهم لبعض لما هزموا الجيش ثاني مرة.﴿ وَمَسَاكِنِكُمْ ﴾ معطوف على ما الموصولة بأترفتم والإِتراف إبطار النعمة والتقدير وإلى مساكنكم وفي قوله: لعلكم تسألون، دليل على أن من كان قاراً في مسكنه مترفاً فيه جدير بأن يكون يسأل في المهمات ويعتمد عليه فيها ونداء الويل هو على سبيل المجاز كأنهم قالوا يا هلكتنا وتقدم تفسير الويل في البقرة والظلم هنا الإِشراك وتكذيب الرسل وإيقاع أنفسهم في الهلاك واسم زالت هو اسم الإِشارة وهو تلك وهو إشارة إلى الجملة المقولة ودعواهم الخبر ويجوز العكس قاله الزجاج وبعض أصحابنا إذا لم يكن مبين الاسم والخبر الأول جعل الاسم والثاني الخبر كما قالوا في ضرب موسى عيسى أي فما زالت تلك الدعوى دعواهم قال المفسرون: فما زالوا يكررون تلك الكلمة فلم تنفعهم كقوله تعالى:﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾[غافر: ٨٥] والدعوى مصدر دعا يقال دعا دعوى ودعوة لأن المذلول كأنه يدعو الويل وقوله: حصيداً أي بالعذاب تركوا كالحصيد خامدين أي موتى دون أرواح مشبهين بالنار إذا أطفئت ولما ذكر تعالى قصم تلك القرى الظالمة اتبع ذلك بما يدل على أنه فعل ذلك عدلاً منه ومجازاة على ما فعلوا وأنه ما أنشأ هذا العالم العلوي المحتوي على عجائب صنعه وغرائب من فعله وهذا العالم السفلي وما أودع فيه من عجائب الحيوان والنبات والمعادن وما بينهما من الهواء والسحاب والرياح على سبيل اللعب بل لفوائد دينية تقضي بسعادة الأبد أو بشقاوته ودنياوية لا تعد ولا تحصى كقوله تعالى:﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾[ص: ٢٧].
﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ﴾ أصل اللهو ما تسرع إليه الشهوة ويدعو إليه الهوى وقال ابن عباس وغيره اللهو هنا الولد.﴿ بَلْ نَقْذِفُ ﴾ أي ترمي بسرعة وهذا من مجاز التمثيل شبه الحق بالصخرة الصلبة والباطل بالرخو وأنه قذف الصخرة على الرخو.﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ أي يصيب دماغه وذلك مهلك في البشر وكذلك الحق يهلك الباطل.﴿ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ ﴾ خطاب للكفار أي الخزي والهم.﴿ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ أي تصفونه بما لا يليق به تعالى من اتخاذ الصاحبة والولد والظاهر أن قوله: وله من في السماوات والأرض استئناف اخبار بأن جميع العالم ملكه وعند هنا لا يراد بها ظرف المكان لأنه تعالى منزه عن المكان بل المعنى شرف المكانة وعلو المنزلة.﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ جملة حالية.﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي لا يكلون ولا يسامون وبينه ما بعده من قوله:﴿ يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ * أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ لما ذكر الدلائل على وحدانيته وأن من في السماوات والأرض ملك له وأن الملائكة المكرمين هم في خدمته عاد إلى ما كان عليه من توبيخ المشركين وذمهم وتسفيه أحلامهم وأم هنا منقطعة تتقدر ببل والهمزة وفيها إضراب وانتقال من خبر إلى خبر واستفهام معناه التعجب والإِنكار أي اتخذوا آلهة من الأرض يتصفون بالاحياء ويقدرون عليها وعلى الاماتة أي لم يتخذوا آلهة بهذا الوصف بل اتخذوا آلهة جماداً لا تتصف بالقدرة على شىء فهي غير آلهة لأن من صفة الإِله القدرة على الإِحياء والإِماتة.﴿ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ صفة لقوله: آلهة بعد وصفه بالمجرور الذي هو من الأرض والضمير في فيهما عائد على السماء والأرض وهما كناية عن العالم والا صفة لآلهة أي آلهة غير الله وكون الا يوصف بها معهود في لسان العرب ومن ذلك ما أنشده سيبويهوكل أخ مفارقه أخوه   لعمر أبيك إلا الفرقدانأي وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه وقال أبو العباس المبرد في إلا الله أن يكون بدلاً لأن ما بعد لو غير موجب في المعنى والبدل في غير الواجب أحسن من الوصف والذي يظهر أن معنى الآية وجود الفساد فيهما مرتباً على وجود الآلهة المغايرة لله وهذا الوجود لم يقع فلا يقع ما يترتب عليه وهو الفساد.
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾ نزه نفسه عما وصفه به أهل الجهل ثم وصف نفسه بأنه مالك هذا المخلوق العظيم الذي جميع العالم هو متضمنهم ثم وصف نفسه بكمال القدرة ونهاية الحكمة فقال: لا يسأل عما يفعل إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء وفعله على أقصى درجات الحكمة فلا اعتراض ولا تعقب عليه والظاهر في قوله: لا يسأل العموم في الأزمان.﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ عن أعمالهم ثم كرر تعالى عليهم الإِنكار والتوبيخ فقال: أم اتخذوا من دونه آلهة استفظاعاً لشأنهم واستعظاماً لكفرهم وزاد في هذا التوبيخ قوله: من دونه فكأنه وبخهم على قصد الكفر بالله عز وجل ثم دعاهم إلى الإِتيان بالحجة على ما اتخذوا ولا حجة تقوم على أن لله شريكاً لا من جهة العقل ولا النقل بل كتب الله السابقة شاهدة بتنزيهه تعالى عن الشركاء والانداد كما في الوحي الذي جئتكم به.﴿ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ ﴾ أي عظة للذين معي وهم أمته.﴿ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ وهم أمم الأنبياء والذكر هنا مراد به الكتب الإِلهية ويجوز أن يكون هذا إشارة إلى القرآن والمعنى في ذكر الأولين والآخرين بالدعوة وبيان الشرع وذكر الأولين بقص أخبارهم وذكر الغيوب في أمورهم والمعنى على هذا عرض القرآن في معرض البرهان أي:﴿ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ فهذا برهاني في ذلك ظاهر.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾ الآية أخبر تعالى أنه ما أرسل من رسول إلا جاء مقرراً لتوحيد الله وإفراده بالإِلهية والأمر بالعبادة ولما كان من رسول عاماً وكان له لفظ ومعنى أفرد على اللفظ في قوله:﴿ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ ﴾ ثم جمع على المعنى في قوله:﴿ فَٱعْبُدُونِ ﴾ ولم يأت التركيب فاعبدني ويحتمل أن يكون الأمر له ولأمته ثم نزه تعالى نفسه عما نسبوا إليه من الولد قيل ونزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله وقالت النصارى نحو هذا في عيسى واليهود في عزير ثم أضرب تعالى عن نسبة الولد إليه فقال.﴿ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ تقديره بل هم عباد مكرمون ويشمل هذا اللفظ الملائكة وعزيراً والمسيح.﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ ﴾ المعنى أنهم يتبعون قوله: ولا يقولون شيئاً حتى يقوله: فلا يسبق قولهم قوله:﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ فكما أن قولهم تابع لقوله: كذلك فعلهم مبني على أمره لا يعملون عملاً ما لم يؤمروا به وهذه عبارة عن توغلهم في طاعته والامتثال لأمره.﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ ﴾ لما كانوا مقهورين تحت أمره وملكوته وهو محيط بهم لم يجسروا على أن يشفعوا.﴿ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ ﴾ الله تعالى وأهله للشفاعة في زيادة الثواب والتعظيم ثم هم مع ذلك.﴿ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ متوقعون حذرون لا يأمنون مكر الله وقال ابن عباس: لمن ارتضى هو من قال: لا إله إلا الله وشفاعتهم الاستغفار.﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ ﴾ بعد أن وصف كرامتهم عليه وأثنى عليهم وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية فاجأ بالوعيد الشديد وأنذر بعذاب جهنم من ادعى منهم أنه إله وذلك على سبيل الفرض والتمثيل مع علمه بأنه لا يكون كقوله تعالى:﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾[الأنعام: ٨٨] قصد بذلك تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد.﴿ كَذَلِكَ ﴾ مثل ذلك الجزاء نجزي الظالمين وهم الكافرون الواضعون الشىء في غير موضعه وأداة الشرط تدخل على الممكن والممتنع نحو قوله تعالى:﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾[الزمر: ٦٥].
﴿ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ الآية هذا استفهام توبيخ لمن ادعى مع الله آلهة ودلالة على تنزيهه عن الشريك وتوكيد لما تقدّم من أدلة التوحيد وقوله:﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ قال الزجاج: السماوات جمع أريد به الواحد ولهذا قال: كانتا رتقاً لأنه أراد السماء والأرض قال ابن عباس: وجماعة كانتا شيئاً واحداً ففضل الله بينهما بالهواء وقيل في الرتق والفتق غير ذلك يقال رتق الشىء سده فارتقق ومنه الرتقاء للمنضنمة الفرج وفتق فصل ما بين المتصلين.﴿ وَجَعَلْنَا ﴾ ان تعدت الواحد كانت بمعنى خلقنا.﴿ مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ ﴾ حيوان أي مادته النطفة وإن تعدت إلى اثنين فالمعنى صيرنا كل.﴿ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ متسبباً من الماء لا بد له منه.﴿ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ استفهام إنكار وفيه معنى التعجب من ضعف عقولهم والمعنى أفلا يتدبرون هذه الأدلة ويعملوا بمقتضاها.﴿ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ تقدم نظيره في النحل والظاهر أن الضمير فيها عائد على الأرض وقيل على الرواسي وجاء هنا تقديم فجاجاً على قوله سبلاً وفي سورة نوح لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً لأجل الفواصل.﴿ وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾ وما رفع وسمك على شىء فهو سقف وعن بن عباس" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى السماء فقال: إن السماء سقف مرفوع وموج مكفوف يجري كما يجري السهم محفوظاً من الشياطين ".﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا ﴾ أي عما وضع الله تعالى فيها من الأدلة والعبر بالشمس والقمر وسائر النيرات ومسايرها وطلوعها وغروبها على الحساب القويم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ﴾ قدم الليل لأن الظلمة تسبق النور والشمس على القمر لأن القمر يستمد النور منها.﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ الفلك الجسم الدائر دورة اليوم والليلة وعن ابن عباس الفلك السماء وقال أكثر المفسرين: الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر كل في فلك الذي حذف مضافة يجوز أن يعود الضمير عليه مفرداً كقوله تعالى:﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ ﴾[الإسراء: ٨٤] ويجوز أن يعود عليه جمعاً كقوله تعالى:﴿ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾[الأنفال: ٥٤] وجاء هنا بمضير الجمع في قوله: يسبحون رعيا للفواصل وكني بالسبح عن الجريان وجاء الضمير مجموعاً وإن كان عائداً على الشمس والقمر باعتبار أوقات مطالعهما لكثرة المطالع.﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ ﴾ قيل ان بعض المسلمين قال: ان محمداً لا يموت وإنما هو مخلد فأنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت والفاء في أفان مت للعطف وقدمت عليها همزة الاستفهام له صدر الكلام وهمزة الاستفهام دخلت على أن الشرطية والجملة بعدها جواب الشرط وليست مصب الاستفهام فتكون الهمزة داخلة عليها واعترض الشرط بينهما فحذف جوابه هذا مذهب سيبويه وزعم يونس أن تلك الجملة هي مصب الاستفهام والشرط معترض بينهما وجوابه محذوف وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه وللمذهبين تقرير في علم النحو:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾ تقدّم الكلام عليه.﴿ وَنَبْلُوكُم ﴾ نختبركم وقدم الشر لأن الابتلاء به أكثر ولأن العرب تقدم الأقل والأرد أو عن ابن عباس الخير والشر هنا عام في الغنى والفقر والصحة والمرض والطاعة والمعصية.﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ فنجازيكم على ما صدر منكم في حالة الابتلاء من الصبر والشكر وفي غير الابتلاء.﴿ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ الآية، قال السدي: ومقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي جهل وأبي سفيان فقال أبو جهل: هذا نبي بني عبد مناف فقال أبو سفيان وما تنكر أن يكون نبياً في بني عبد مناف فسمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبي جهل ما تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة وأما أنت يا أبا سفيان فإِنما قلت ما قتله حمية فنزلت وان نافية بمعنى ما والظاهر أن جواب إذا هو أن يتخذونك وجوب إذا بان النافية لم يرد منه في القرآن إلا هذا وقوله في الفرقان وإذا رأوك. أن يتخذونك الا هزأ ولم يحتج إلى الفاء في الجواب كما لم تحتج إليه ما إذا وقت جواباً كقوله تعالى:﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ ﴾[الجاثية: ٢٥] بخلاف أدوات الشرط فإِنها إذا كان الجواب مصدراً بما النافية فلا بد من الفاء نحو أن تزرنا فما نسيء إليك.﴿ أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾ أهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب والذكر يكون بالخير والشر فإِذا لم يذكر متعلقة فالقرينة تدل عليه فإِن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم ومنه قالوا سمعنا فتى يذكرهم أي بسوء وكذلك هنا أي أهذا الذي يذكر آلهتكم ثم نعي عليهم إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي وهم بذكر الرحمن هم كافرون أي منكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حالة لا ينبغي أن ينكر على من يعيب آلهتهم والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإِقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولاً ذم الإِنسان على فراط العجلة وأنه مطبوع عليها والظاهر أنه يراد بالإِنسان هنا إسم الجنس وكونه خلق من عجل هو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منهم كثيراً كما تقول لمكثر اللعب أنت من لعب.﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ ﴾ فمتى استفهام على جهة الهزؤ وكان المسلمون يتوعدونهم على لسان الشرع * ومتى في موضع الخبر لهذا فموضعه رفع وهو على حذف مضاف تقديره حتى انجاز هذا الوعد.﴿ لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الآية الظاهر أن مفعول يعلم محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستبطؤه وحين منصوب بالمفعول الذي هو مجيء ويجوز أن يكون من باب الأعمال على حذف مضاف وأعمل الثاني والمعنى لو يعلمون مباشرة النار حين لا يكفونها عن وجوههم وذكر الوجه لأنه أشرف ما في الإِنسان ومحل حواسه والإِنسان أحرص على الدفاع عنه من غيره من أعضائه ثم عطف عليها الظهور والمراد عموم النار لجميع أبدانهم ولا أحد يمنعهم من العذاب وجواب لو محذوف تفسيره لسعوا فيما يخلصهم من عذاب الله والظاهر أن الضمير في تأتيهم عائد على النار بغتة أي فجأة.﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ أي لا يؤخرون عما حل بهم من العذاب ولما تقدم قوله: إن يتخذونك إلا هزؤا سلاه تعالى بأن من تقدمه من الرسل وقع من أحمهم الاستهزاء بهم وأن ثمرة استهزائهم جنوها هلاكاً وعقاباً في الدنيا والآخرة فكذلك حال هؤلاء المستهزئين وتقدم تفسير مثل هذه الآية في الانعام ثم أمره تعالى أن يسألهم من الذي يحفظكم في أوقاتكم من يأس الله أي: لا أحد يحفظكم منه وهو استفهام توبيخ وتقريع وفي الكلام تقدير محذوف كأنه قال ليس لهم ما نع ولا كالىء وعلى هذا النفي تركبت بل في قوله تعالى: ﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾.
﴿ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا ﴾ أي: من جهة غير جهتنا ويجوز أن يكون في موضع الصفة لقوله: آلهة أي كائنة من جهتنا تمنعهم لما ذكر تعالى نفي منع آلهتهم وذكر أيضاً عنهم أنهم لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منقادون منا أي يؤخذون منا يقال أصحب فلان فلاناً إذا أقاده ومنه قول الشاعر: ولست بذي رثيه امر إذا قيد مستكرهاً أصحبا يريد إنقاد والرثية البطؤ في الشىء والأمر الرجل الذي يطيع كل ما أمر.﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ قال أكثر المفسرين: انها نزلت في كفار مكة وهؤلاء إشارة إلى المخاطبين من كفار مكة ومن اتخذ آلهة من دون الله أخبر تعالى أنه متع هؤلاء الكفار وآباءهم من قبلهم بما رزقهم من حطام الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة وتدعوا في الضلالة بإِمهاله إياهم وتأخيرهم إلى الوقت الذي يأخذهم فيه.﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ ﴾ تقدم تفسير هذه الجملة في آخر الرعد وفي قوله: ﴿ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ دليل على أنهم هم المغلوبون فهو استفهام فيه تقريع لهم وتوبيخ حيث لم يعتبروا بما يجري عليهم ثم أمره تعالى أن يقول لهم إنما أنذركم بالوحي أي أعلمكم بما تخافون منه بوحي من الله لا من تلقاء نفسي وما كان من جهة الله فهو الصدق الواقع لا محالة كما رأيتم بالعيان من نقصان الأرض من أطرافها * ثم أخبر أنهم مع إنذارهم معرضون عما أنذروا به والإِنذار لا يجدي فيهم إذ هم صم عن سماعه ولما كان الوحي من المسموعات كان ذكر الصم مناسباً والصم هم المنذرون فأل فيه للعهد وناب الظاهر مناب المضمر لأن فيه التصريح بتصامهم وسد أسماعهم إذ أنذروا ونفي السماع هنا هو نفي جدواه ثم أخبر تعالى أن هؤلاء الذين صموا عن سماع ما أنذروا به إذ نالهم شىء مما أنذروا به ولو كان يسيراً نادوا بالهلاك وأقروا بأنهم كانوا ظالمين نبهوا على العلة التي أوجبت لهم العذاب وهو ظلم الكفر وذلوا وأذعنوا قال ابن عباس: نفحة طرف وعنه هو الجوع الذي نزل بمكة ولما ذكر حالهم في الدنيا إذا أصيبوا بشيء استطرد لما يكون في الآخرة التي هي مقر الثواب والعقاب فأخبر تعالى عن عدله وأسند ذلك إلى نفسه بنون العظمة فقال:﴿ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ﴾ وتقدم الكلام على الموازين في أول الاعراف والقسط مصدر قسط وصفت به الموازين مبالغة فكأنها جعلت في أنفسها القسط أو على حذف مضاف أي ذوات القسط ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي لأجل القسط وقرىء:﴿ مِثْقَالَ ﴾ بالرفع فاعل لكان وهي تامة ومثقال بالنصب على خبر كان واسمها مضمرمة تقديره وإن كان هو أي العمل أو الشىء والجملة دالة على جميع ما يفعل الإِنسان من صغير وكبير وتفسيره بـ﴿ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ مبالغة في التقليل وأنث الضمير في بها وهو عائد على مذكر وهو مثقال لإِضافته إلى مؤنث.﴿ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ فيه توعد وبنا فاعل والباء زائدة نحو كفى بالله وهو إشارة إلى ضبط أعمالهم من الحساب وهو العد والإِحصاء والظاهر أن حاسبين تمييز لقبوله من ويجوز أن يكون حالاً.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ ﴾ لما ذكر ما آتى رسوله وحال مشركي العرب حال ذكر ما أوتي موسى وهارون بإِشارة إلى قصتها مع قومهما مع ما أوتوا من الفرقان والضياء والذكر ثم نبه على ما آتى رسوله من الذكر المبارك ثم استفهم على سبيل الإِنكار على إنكارهم ما آتى رسله والفرقان التوراة وهو الضياء والذكر أي كتاباً هو فرقان وضياء وذكر ويدل على هذا المعنى قراءة ابن عباس ضياء بغير واو.﴿ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ استئناف اخبار عنهم وأن يكون معطوفاً على صلة الذين وتكون الصلة الأولى مشعرة بالتجدد دائماً كأنها حالتهم فيما يتعلق بالدنيا والصلة الثانية من مبتدأ وخبر عنه بالاسم المشعر بثبوت الوصف كأنها حالتهم فيما يتعلق بالآخرة ولما ذكر ما آتى بموسى وهارون عليهما السلام أشار إلى ما آتى محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: وهذا ذكر أي وهذا القرآن ذكر مبارك أي كثير منافعه غزير خيره وجاءنا هنا الوصف بالاسم بالجملة جرياً على الأشهر.﴿ وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ تقدم الكلام عليه في الانعام.﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ وهو خطاب للمشركين والضمير في له عائد على ذكر وهو القرآن وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ أنكر ذلك المشركون كما أنكر أسلاف اليهود ما أنزل الله على موسى عليه السلام.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية لما تقدم الكلام في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد اتبع ذلك بذكر أنبياء وما جرى لهم كل ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليتأسى بهم فيما جرى عليه من قومه وقرىء:﴿ رُشْدَهُ ﴾ ورشده والرشد الظاهر أنها النبوة والمضاف إليه من قبل محذوف وهو معرفة ولذلك بني قبل أي من قبل موسى وهارون والضمير في به الظاهر أنه عائد على إبراهيم وعلمه تعالى به أنه علم منه أحوالاً عجيبة وأسراراً بديعة فأهله لخلته كقوله تعالى:﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾[الأنعام: ١٢٤] * وهذا من أعظم المدح وأبلغه إذ أخبر تعالى أنه آتاه الرشد وأنه عالم بما آتاه ربه صلى الله عليه وسلم ثم استطرد من ذلك إلى تفسير الرشد وهو الدعاء إلى توحيد الله تعالى ورفض ما عبد من دونه وإذ معمولة لآتينا وبدأ أولاً بذكر أبيه لأنه الأهم عنده في النصيحة وإنقاذه من الضلالة ثم عطف عليه قومه كقوله تعالى:﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ ﴾[الشعراء: ٢١٤] وفي قوله:﴿ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ﴾ تحقير لها وتصغير لشأنها وتجاهل بها مع علمه بها وبتعظيمهم لما وفي خطابه لهم بقوله: أنتم استهانة بهم وتوقيف على سوء صنيعهم والتمثال الصورة المصنوعة مشبهة لمخلوق من مخلوقات الله ومنه مثلث الشىء بالشىء إذا شبهته به * وقال امرؤ القيس: ويا رب يوم قد لهوت وليلة   بآنسة كأنها خط تمثالوعكف يتعدى بعلى كقوله تعالى:﴿ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ﴾[الأعراف: ١٣٨] فقيل لها بمعنى عليها كما قيل في قوله: وإن أسأتم فلها والظاهر أن اللام في لها لام التعليل أي لتعظيمها وصلة عاكفون محذوفة أي على عبادتها وقيل ضمن عاكفون معنى عابدين فعداه باللام ولما سألهم أجابوه بالتقليد البحت وأنه فعل آبائهم اقتدوا به من غير برهان فلما أجابوه بما لا شبهة لهم فيه.﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ ﴾ أي حيرة واضحة لا التباس فيها وحكم بالضلال على المقلدين والمقلدين وجعل الضلال مستقراً لهم وأنتم توكيد للضمير الذي هو اسم كان * أم أنت من اللاعبين جملة معادلة للجملة التي قبلها والمعنى أجئتنا بالحق أم بغير الحق وهو اللعب.﴿ بَل رَّبُّكُمْ ﴾ قبلها جملة محذوفة تقديرها ليست تلك التماثيل أرباباً بل ربكم.﴿ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ ﴾ الظاهر أنه عائد على السماوات والأرض وتخيل ابن عطية وغيره أن الضمير في فطرهن يخص من يعقل وليس بصحيح بل هو لفظ مشترك بين من يعقل وما لا يعقل من المؤنث المجموع ومن ذلك قوله تعالى:﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾[التوبة: ٣٦] والضمير عائد على الأشهر الأربعة الحرم والإِشارة بقوله: ذلكم إلى ربوبيته تعالى ووصفه بالاختراع لهذا العالم ومن للتبعيض أي الذين يشهدون الربوبية كثيرون وأنا بعض منهم.
﴿ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ بادرهم أولاً بالقول المنبه على دلالة العقل ثم بالفعل الذي يقتضي تقطيع أصنامهم وفك أجزائها فقال: وتالله لأكيدن والكيد الاحتيال في وصول الضرر إلى المكيد والظاهر أنه خاطب بها أباه وقومه وقوله:﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾ أي إلى عيد كان لهم يحضرون له وتخلف هو عنهم لما يقصده.﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً ﴾ قبله محذوف تقديره فتولوا إلى عيدهم وقصد هو ما كان نواه فجعلهم أي الأصنام جذاذاً أي مفكوكة الأجزاء وقرىء: جذاذاً بضم الجيم وكسرها والجذ القطع وقوله:﴿ إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾ إستثناء من الضمير في فجعلهم أي فلم يكسره قيل وكانت الأصنام مصطفة وصنم منها عظيم مستقبل الباب من ذهب وفي عينيه درتان مضيئتان فكسرها بفاس إلا ذلك الصنم وعلق الفاس في عنقه وقيل في يده والضمير في لهم يحتمل أن يعود على الأصنام أو على عباده والكبر هنا عظم الجثة أو كبيراً عندهم في المنزلة لكونهم صاغوه من ذهب وجعلوا في عينيه جوهرتين مضيئتين بالليل والنهار والضمير في إليه عائد على إبراهيم أي فعل ذلك ترجياً منه بعقب ذلك رجعة إليه وإلى شرعه.﴿ قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا ﴾ الآية في الكلام محذوف تقديره فلما رجعوا من عيدهم إلى آلهتهم ورأوا ما فعل بها استفهموا على سبيل البحث والإِنكار فقالوا: من فعل هذا التكسير والتحطيم انه لظالم إلى اجترائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير.﴿ قَالُواْ ﴾ أي سمعوا قوله: وتالله لأكيدن أصنامكم يذكرهم بسوء.﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ يحتمل أن يكون جواباً لسؤال مقدر لما قالوا سمعنا فتى يذكرهم وأتوا به منكراً قيل من يقال له فقيل: يقال له إبراهيم وارتفع إبراهيم على أنه مقدر بجملة محكية يقال اما على النداء أي يقال له حين يدعي يا إبراهيم واما على خبر مبتدأ محذوف أي هو إبراهيم أو على أنه مفرد مفعول ما لم يسم فاعله ويكون من إِسناد للفظ لا المدلولة أي يطلق عليه هذا اللفظ.﴿ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ ﴾ أي أحضروه بمرأى منهم فعلى أعين الناس في موضع الحال وعلى معناها الاستعلاء المجازي كأنهم لتحديقهم إليه وارتفاع أبصارهم لرؤيته مستعل على أبصارهم.﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ جوابه إذا سألوه عن تلك الأصنام.﴿ قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا ﴾ أي الكسر والهشم.﴿ بِآلِهَتِنَا ﴾ وارتفاع أنت المختار أنه يفعل محذوف يفسره فعلت ولما حذف انفصل الضمير ويجوز أن يكون مبتدأ وإذا تقدّم الاسم في نحو هذا التركيب على الفعل كان الفعل صادراً واستفهم عن فاعله وهو المشكوك فيه وإذا تقدم الفعل كان الفاعل مشكوكاً فيه فاستفهم عنه أوقع ذلك أو لم يقع والظاهر أن بل للإِضراب عن جملة محذوفة أي قال: لم أفعله إنما الفاعل حقيقة هو الله تعالى.﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ﴾ وأسند الفعل إلى كبيرهم على جهة المجاز لما كان سبباً في كسر هذه الأصنام هو تعظيمهم وعبادتهم له ولما دونه من الأصنام كان ذلك حاملاً على تحطيمها وكسرها فأسند الفعل إلى الكبير إذ كان تعظيمهم له أكثر من تعظيم ما دونه.﴿ فَاسْأَلُوهُمْ ﴾ لا يريد حقيقة السؤال بل ذلك على سبيل التعجيز والاستهزاء بهم كأنه قال:﴿ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ فاسألوهم وهم لا ينطقون فلا يصح السؤال.﴿ فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ قال ابن عباس: حين عبدتم ما لا ينطق ولا يصلح للعبادة.﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ أي ارتبكوا في ضلالهم وعلموا أن الأصنام لا تنطق فساءهم ذلك حين نبه على قيام الحجة عليهم ونكسهم كناية عن مجادلتهم ومكابرتهم.﴿ مَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ جملة منفية في موضع نصب معلق عنها الفعل الذي هو علمت قال:﴿ أَفَتَعْبُدُونَ ﴾ لما ظهرت الحجة له عليهم أخذ يقرعهم ويوبخهم بعبادة تماثيل لا تنفع ولا تضر ثم أبدى لهم التضجر منهم ومن معبوداتهم وتقدم الخلاف في أف في سبحان واللام في لكم لبيان المتأفف به أي لكم وللآلهتكم هذا التأفف ثم نبههم على ما تدرك به حقائق الأشياء وهو العقل فقال:﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أي قبح ما أنتم عليه وهو استفهام توبيخ وإنكار.﴿ قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ ﴾ قالوا حرّقوه أي قال بعضهم لبعض: وقيل أشار بإِحراقه نمرود ولما نبههم على قبيح مرتكبهم واعلمهم بإِقامة الحجة عليهم لاذوا بالإِيذاء له والتعصب لآلهتهم واختاروا أشد العذاب وهو الإِحراق بالنار التي هي سبب للإِعدام المحض قال ابن عطية: روي أن الذي أشار بإِحراقه رجل من الأكراد من أعراب فارس أي باديتها فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة وروي أنهم اتخذوا منجنيقاً قيل بتعليم إبليس، إذ كان لم يصنع فشد إبراهيم رباطاً ووقع في كفه المنجنيق ورمي به فوقع في النار وروي أن جبريل عليه السلام جاءه وهو في الهواء فقاله له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا وعن ابن عباس إنما نجا إبراهيم عليه السلام بقوله: حسبي الله ونعم الوكيل.﴿ قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي ﴾ الآية، لما كانت النار تنفعل لما أراده الله منهما كما ينفعل من يعقل عبر عن ذلك بالقول ها والنداء والأمر.﴿ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً ﴾ المعنى ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كان ذاتها برد وسلام.﴿ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً ﴾ قيل هو إلقاؤه في النار.﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ ﴾ أي المبالغين في الخسران وهو إبطال ما راموه به * والضمير في ونجيناه عائد على إبراهيم وضمن معنى أخرجناه بنجاتنا إلى الأرض ولذلك تعدى نجيناه بإِلى ويحتمل أن يكون إلى متعلقاً بمحذوف تقديره منتهياً إلى الأرض فيكون في موضع الحال ولا تضمين في ونجيناه على هذا والأرض التي خرجا منها هي كوثى من أرض العراق والتي صار إليها هي أرض الشام * وبركتها ما فيها من الخصب والأنهار والأشجار وبعث أكثر الأنبياء منها وقيل أرض مصر وبركتها نيلها وزكاة زرعها وعمارة مواضعها وروي أن إبراهيم عليه السلام خرج مهاجراً إلى ربه ومعه لوط وكان ابن أخيه فآمنت به سارة وهي ابنة عمه هازان الأكبر فأخرجها معه فارا بدينه وفي هذه الخرجة لقي الجبار الذي رام أخذها منه فنزل حران ومكث بها زماناً ثم قدم مصر ثم خرج منها إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة على مسيرة يوم وليلة من السبع أو أقرب فبعثه الله نبياً * والنافلة العطية وكلا يشمل من ذكر إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب * يهدون بأمرنا يرشدون الناس إلى الدين * وأئمة قدوة لغيرهم وقرىء: أئمة بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإبدالها همزة محضة.﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ ﴾ أي خصصناهم بشرف النبوة لأن الإِيحاء هو التنبئة وفعل الخيرات بدأ أولاً في الإِيحاء بعام وهو فعل الخيرات ثم بخاص وهو إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وجاء إقام الصلاة بغير تاء التأنيث والقياس إقامة بالتاء كما تقول أطال إطالة قال ابن عطية: والإِقام مصدر وفي هذا نظر " انتهى " وأي نظر في هذا وقد نص سيبويه على أنه مصدر بمعنى الإِقامة وإن كان الأكثر الإِقامة بالتاء وهو المقيس في مصدر أفعل إذا اعتلت عينه وحسن حذف التاء هنا مقابلته لقوله: وإيتاء بغير تاء التأنيث وانتصب * ولوطاً على الاشتغال تقديره وآتينا لوطاً والحكم النبوة.﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ﴾ أي من عذاب أهل القرية والقرية سدوم وكانت قراهم سبعاً عبر عنها بالواحدة لاتفاق أهلها على الفاحشة ونسب عمل الخبائث إلى القرية مجازاً وهو لأهلها وانتصب الخبائث على معنى يعمل الاعمال أو الفعلات الخبيثة وهي ما ذكره تعالى في غير هذه السورة مضافاً إلى كفرهم بالله وتكذيبهم نبيه.﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ ﴾ أي في أهل رحمتنا أو في الجنة سماها رحمة إذ كانت أثر الرحمة ولما ذكر تعالى قصة إبراهيم عليه السلام وهو أبو العرب وتنجيته من أعدائه ذكر قصة أبي العالم الأنس كلهم وهو الأب الثاني لآدم لأنه ليس أحد إلا من نسله من حام وسام ويافث وانتصب.﴿ وَنُوحاً ﴾ على إضمار اذكر أي واذكر نوحاً أي قصته إذ نادى ومعنى نادى دعا مجملاً بقوله:﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ ﴾[القمر: ١٠] ومفصلاً بقوله:﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ ﴾[نوح: ٢٦] الآيات والكرب أقصى الغم والأخذ بالنفس وهو هنا الغرق عبر عنه بأول أحوال ما يأخذ الغريق.﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ عطفاً على ونوحاً وكان داود ملكاً نبياً يحكم بين الناس فوقعت هذه النازلة وكان ابنه إذ ذاك قد كبر وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم وكانوا يدخلون إلى داود من باب ويخرجون من آخر فتخاصم إليه رجل له زرع وقيل كرم والحارث فعلى أنه كرم رأى أن الغنم تقاوم ما أفسدت من ثمن الغلة وعلى أنه زرع رأى أنها تقاوم الحارث والغلة فخرجا على سليمان فشكى صاحب الغنم فجاء سليمان فقال يا نبي الله إني أرى ما هو أرفق بالجميع أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل فإذا عاد الحرث إلى حاله صرف كل مال صاحبه إليه فرجعت الغنم إلى ربها والحرث إلى ربه فقال داود: وفقت يا بني وقضى بينهما بذلك والنفش رعي الماشية بالليل بغير راع والهمل رعيها بالنهار بغير راع.﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ ﴾ المعنى وكنا للحكم الذي صدر في هذه القضية.﴿ شَاهِدِينَ ﴾ فالمصدر هنا لا يراد به العلاج بل يراد به وجود الحقيقة والضمير في:﴿ فَفَهَّمْنَاهَا ﴾ عائد على الحكومة أو الفتوى.﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ ﴾ ذكر ما امتاز به داود عن سليمان والظاهر أن يسبحن جملة من الجبال أي مسبحات والظاهر وقوله التسبيح منها بالنطق خلق الله تعالى فيها الكلام كما سبح الحصى في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع الناس ذلك وانتصب والطير عطفاً على الجبال ولا يلزم من العطف دخوله في قيد التسبيح وقيل هو مفعول معه أي يسجن مع الطير.﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ أي فاعلين هذه الأعاجيب من تسخير الجبال وتسبيحهن والطير لمن نخصه بكرامتنا * قال الزمخشري: فإِن قلت لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإِعجاز لأنها جماد والطير حيوان ناطق " انتهى " قوله: حيوان ناطق إن عني به أنه ذو نفس ناطقة كما يقولون في حد الإِنسان أنه حيوان ناطق فيلزم أن يكون الطير إنساناً وإن عني به أنه متكلم كما يتكلم الإِنسان فليس بصحيح وإنما عني به أنه مصوت أي له صوت ووصف الطير بالنطق مجاز لأنها في الحقيقة لا نطق لها.﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ اللبوس الملبوس فعول بمعنى مفعول كالركوب بمعنى المركوب وهو الدرع هنا واللبوس ما يلبس وقال الشاعر: عليها أسود ضاريات لبوسهم   سوابغ بيض لا يخرقها النبلامتن تعالى عليه بإِيتائه حكماً وعلماً وتسخير الجبال والطير معه وتعليم صنعة اللبوس وفي ذلك فضل هذه الصنعة إذ اسند تعالى تعليمها إياه إليه ثم امتن علينا بها بقوله:﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ ﴾ أي ليكون وقاية لكم في حربكم وسبب نجاة من عدوكم وقرىء: بالنون والياء والتاء فالنون ضمير الله والتاء عائد على الدروع والياء على اللبوس.﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ استفهام يتضمن الأمر أي اشكروا الله على ما أنعم به عليكم لقوله تعالى:﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾[المائدة: ٩١]، أي: انتهوا عما حرم الله ولما ذكر تعالى ما خص به نبيه داود ذكر ما خص به ابنه سليمان فقال:﴿ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ ﴾ وجاء التركيب هنا حين ذكر تسخير الريح لسليمان باللام وحين ذكر تسخير الجبال جاء بلفظ مع فقال: وسخرنا مع داود الجبال وكذا يا جبال أوبي معه وقال فسخرنا له الريح تجري بأمره وذلك أنه لما اشتركا في التسبيح ناسب ذكر مع الدالة على الاستصعاب ولما كانت الريح مسخرة لسليمان أضيفت إليه بلام التمليك لأنها في طاعته وتحت أمره. و ﴿ عَاصِفَةً ﴾ حال العامل فيها سخرنا، ويقال: عصفت الريح فهي عاصف وعاصفة ولغة أسد أعصفت فهي معصفة ومعصف ووصفت هذه الريح بالعصف وبالرخاء والعصف الشدة في السير والرخاء اللين وقيل: كان ذلك بالنسبة إلى الوقت الذي يريد فيه سليمان أحد الوصفين فلم يتخذ الزمان وقيل الجمع بين الوصفين كونهما رخاء في نفسها طيبة كالنسيم عاصفة في عملها تبعد في مدة يسيرة كما قال عدوها شهر وردفها شهر وقيل الرخاء في البداءة والعصف بعد ذلك ولما ذكر تعالى تسخير الريح له وهي جسم شفاف لا يعقل ولا يدرك بالبصر ذكر تسخير الشياطين له وهم أجسام لطيفة تعقل والجامع بينهما أيضاً سرعة الانتقال ألا ترى إلى قوله:﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ ﴾[النمل: ٣٩] ومن في موضع نصب أي وسخرنا من الشياطين من يغوصون أو في موضع رفع على الابتداء والخبر في الجار والمجرور قبله وجمع الضمير في يغوصون حملاً على معنى من وحسن ذلك تقدم جمع قبله ومعنى يغوصون أي في البحار لاستخراج اللآلىء ودل الغوص على المغاص فيه وعلى ما يغاص لاستحزابه وهو الجوهر ومعنى له أي لسليمان لأن الغائص قد يغوص لنفسه ولغيره فذكر أن الغوص ليس لأنفسهم إنما هو لأجل سليمان وامتثالهم أمره والإِشارة بذلك إلى الغوص أي دون الغوص من بناء المدائن والقصور وغير ذلك كما قال تعالى:﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ ﴾[سبأ: ١٣] الآية، وقيل الحمام والنورة والطاحون والقوارير والصابون من استخراجهم.﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ أي من أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يغيروا أو يوجد منهم فساد فيما هم فيه مسخرون.﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ الآية روي أن أيوب كان رومياً من ولد إسحاق بن يعقوب استنبأه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله فابتلاه الله بالمرض في بدنه.﴿ وَذَا ٱلْكِفْلِ ﴾ قيل كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً * وقال الأكثرون هو نبي.﴿ وَذَا ٱلنُّونِ ﴾ النون الحوت وذا بمعنى صاحب كما قال تعالى:﴿ نۤ وَٱلْقَلَمِ ﴾[القلم: ١] وانتصب.﴿ مُغَاضِباً ﴾ على الحال فقيل معناه غضباناً وقيل مغاضباً لقومه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه فأوعدهم بالعذاب ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج.﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة.﴿ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ ﴾ في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في والصافات وجمع الظلمات لشدة تكاثفها فإِنها ظلمة مع ظلمة وقيل ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل وروي أن يونس عليه السلام سجد سجدة في بطن الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر الماء.﴿ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ ﴾ أن تفسيرية لأنه سبق فنادى وهو فيه معنى القول ويجوز أن يكون التقدير بأنه فتكون مخففة من الثقيلة حصر الألوهية فيه تعالى ثم نزهه عن سمات النقص ثم أقر بما بعد ذلك وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له. و ﴿ ٱلْغَمِّ ﴾ ما كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه.﴿ وَزَكَرِيَّآ ﴾ تقدم الكلام عليه في آل عمران.﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ روي أنها كانت سيئة الخلق فحسن الله خلقها والضمير في أنهم عائد على زكريا ويحيى والزوجة.﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾ أي وقت الرغبة والرهبة.﴿ وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام والظاهر أن الفرج هنا حياء المرأة أحصنته أي منعته من الحلال والحرام وقيل الفرج أيضاً جيب قميصها وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف وأفرد آية لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة وهي ولادة مريم عيسى عليه السلام من غير فعل وإن كان في مريم آيات وفي عيسى آيات لكنه هنا لحظ أمر الولادة من غير ذكر وذلك هو آية واحدة * قال الزمخشري: فإِن قلت نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال الله تعالى:﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾[الحجر: ٢٩، ص: ٧٢] أي أحييته وإذا ثبت ذلك كان قوله: ونفخنا فيها من روحنا ظاهر الاشكال لأنه يدل على إحياء مريم * قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها أي أحييناه في جوفها ونحو ذلك أن يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي نفخت في المزمار في بيته " انتهى " لا اشكال في ذلك لأنه على حذف مضاف أي: فنفخنا في ابنها روحنا وقوله: قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها استعمل نفخ متعدياً والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديته إلى سماع وغير متعد استعمله هو في قوله: نفخت في المزمار في بيته وقوله: للعالمين أي لمن اعتبر بها من عالمي زمانهم فمن بعدهم وناسب ذكر قصة زكريا وزوجه ويحيى للقرابة التي بينهم قال الشاعر: ألا رب مولود وليس له أب   وذي ولد لم يلده أبوانيريد عيسى وآدم صلى الله عليهما وسلم.
﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ الظاهر أن قوله: أمتكم خطاب لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه إشارة إلى أن ملة الإِسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا أنتم عليها لا تنحرفون عنها ملة واحدة غير مختلفة.﴿ وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أخبر تعالى أنهم بعد ذلك اختلفوا وتقطعوا أمرهم والضمير في تقطعوا عائد على ضمير الخطاب على سبيل الإِلتفات أي وتقطعتم ولما كان هذا الفعل من أقبح المرتكبات عدل عن الخطاب إلى الغيبة كان هذا الفعل ما صدر من المخاطب لأن في الاخبار عنهم بذلك نعياً عليهم ما أفسدوه وكأنه يخبر غيرهم بما صدر عنهم من قبيح فعلهم ويقول: ألا ترى ما ارتكب هؤلاء في دين الله جعلوا أمر دينهم قطعا كما تتوزع الجماعة الشىء لهذا نصيب ولهذا نصيب تمثيلاً لاختلافهم ثم توعدهم برجوع هذه الفرقة المختلفة إلى جزائه.﴿ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ ذكر حال المحسن وأنه لا يكفر سعيه والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه إذ قيل لله شكور ولا لنفي الجنس فهو أبلغ من قوله: فلا نكفر سعيه والكتابة عبارة عن إثبات عمله الصالح في صحيفة الأعمال ليثاب عليه ولا يضيع.﴿ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ ﴾ استعير الحرام للممتنع وجوده ومعنى أهلكناها قدرنا إهلاكها على ما هي عليه من الكفر فالإِهلاك هنا إهلاك عن كفر ولا في لا يرجعون زائدة أي لا يرجعون إلى الإِيمان كقوله:﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾[الأعراف: ١٢] والمعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا عليهم إهلاكهم لكفرهم رجوع في الدنيا إلى الإِيمان إلى أن تقوم القيامة فحينئذٍ يرجعون ويقولون يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا وغيا بما قرب من مجيء الساعة وهو فتح يأجوج ومأجوج وتقدّم الكلام على يأجوج والضمير في وهم عائد على يأجوج ومأجوج.﴿ مِّن كُلِّ حَدَبٍ ﴾ أي من الأماكن المرتفعة.﴿ يَنسِلُونَ ﴾ يتساقطون ويسرعون.﴿ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ﴾ أي الوعد بالبعث.﴿ ٱلْحَقُّ ﴾ الذي لا شك فيه والفاء جواب إذا السابقة وإذا الفجائية وهي ضمير القصة مبتدأ وأبصار مبتدأ وشاخصة خبره والجملة خبر عن ضمير القصة وقال الزمخشري: هي ضمير مبهم يوضحه الابصار ويفسره كما فسروا الذين ظلموا وأسروا " انتهى " لم يذكر غير هذا الوجه وهو قول الفراء.﴿ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ أي مما وجدنا الآن وتبينا من الحقائق ثم أضربوا عن قولهم: قد كنا في غفلة وأخبروا بما كانوا قد تعمدوه من الكفر والإِعراض عن الإِيمان فقالوا:﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ والخطاب بقوله:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ للكفار المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سيما أهل مكة ومعبوداتهم هي الأصنام * والحصب ما يحصب به أي يرمي به في نار جهنم.﴿ أَنتُمْ لَهَا ﴾ أي النار.﴿ وَارِدُونَ ﴾ الورود هنا ورود دخول.﴿ لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ أي الأصنام التي يعبدونها.﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾ أي ما دخلوها.﴿ وَكُلٌّ فِيهَا ﴾ أي كل من العابدين ومعبوداتهم.﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ الزفير صوت نفس المغموم يخرج من وسط القلب والظاهر أن الزفير إنما يكون ممن تقوم به الحياة وهم العابدون والمعبودون ممن كان يدعي الإِلهية كفرعون وغلاة الإِسماعيلية الذين كانوا ملوك مصر من بني عبيد الله أول ملوكهم ويجوز أن يجعل الله تعالى للأصنام التي عبدت حياة فيكون لها زفير.﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ ما يسرهم بل يسمعون كلام من يتولى عذابهم من الزبانية كما قال تعالى:﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً ﴾[الإسراء: ٩٧].
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ﴾ الآية سبب نزولها قول ابن الزبعري حين سمع أنكم وما تعبدون الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال صلى الله عليه وسلم: بل عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك فأنزل الله الآية. و ﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن إما السعادة وإما البشرى بالثواب * والحسيس الصوت الذي يحس من حركة الإِجرام والشهوة طلب النفس اللذة * والفزع الأكبر عام في كل هول يكون في القيامة.﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ بالسلام عليكم وعن ابن عباس تتلقاهم الملائكة بالرحمة عند خروجهم من القبور قائلين لهم:﴿ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ بالكرامة والثواب والنعيم فيه.﴿ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ ﴾ المعنى طياً مثل طي السجل قال الزمخشري: العامل في يوم من قوله: يوم نطوي الفزع " انتهى " هذا ليس بجائز لأن الفزع مصدر وقد وصف قبل أخذ معموله فلا يجوز ما ذكر والعامل فيه اذكر مقدرة التقدير أذكر يوم نطوي وطي مصدر مضاف إلى المفعول أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة والظاهر أن الكاف ليست مكفوفة بل هي جارة وما بعدها مصدرية ينسبك منها مع الفعل مصدر هو في موضع جر بالكاف * وأول خلق مفعول بدأنا والمعنى نعبد أول خلق إعادة مثل بدأتنا له أي: كما أبرزناه من العدم إلى الوجود كذلك نعيده من العدم إلى الوجود وانتصب.﴿ وَعْداً ﴾ على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة الخبرية قبله.﴿ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ تأكيد لتحتم الخبر أي نحن قادرون على أن نفعل * والزبور الظاهر أنه زبور داود وقيل الزبور يعم الكتب المنزلة * والذكر اللوح المحفوظ * والأرض قال ابن عباس: هي أرض الجنة قال تعالى:﴿ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾[الزمر: ٧٤] نتبوأ والإِشارة في قوله: ان في هذا لبلاغاً إلى المذكور في هذه السورة من الاخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة.﴿ لَبَلاَغاً ﴾ كفاية يبلغ بها إلى الخير وكونه عليه السلام رحمة لكونه جاءهم بما يسعدهم. و ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ قيل خاص بمن آمن به وقيل عام وكونه رحمة للكافرين حيث أخر عقوبتهم ولم يستأصل الكفار بالعذاب، قال: عوفي مما أصاب غيرهم من الأمم من مسخ وخسف وغرق وقذف وأخر أمره إلى الآخرة * قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون معناه وما أرسلناك للعالمين إلا رحمة أي هو رحمة في نفسه وهدى بين أخذ به من أخذ وأعرض عنه من أعرض " انتهى " لا يجوز على المشهور أن يتعلق الجار بعد إلا بالفعل قبلها إلا ان كان العامل مفرغاً له نحو ما مررت إلا بزيد * قال الزمخشري: إنما لقصر الحكم على شىء أو لقصر الشىء على حكم كقوله: إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وقد اجتمع المثالان في هذه الآية لأن إنما يوحى إلي مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد وإنما إلهكم إله واحد بمنزلة إنما زيد قائم * وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم مقصور على استئثار الله بالوحدانية " انتهى " أما ما ذكره في إنما انها لقصر ما ذكر فهو مبني على أن إنما للحصر وقد قررنا أنها لا تكون للحصر وأن ما مع أن كهي مع كأن ومع لعل فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي فكذا لا تفيده مع أن وأما جعله إنما المفتوحة الهمزة مثل مكسورتها تدل على القصر فلا نعلم الخلاف إلا في إنما بالكسر وأما بالفتح فحرف مصدري ينسبك منه مع ما بعده مصدر فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة ولو كانت إنما دالة على الحصر لزم أن يقال: أنه لم يوح إليه شىء إلا التوحيد وذلك لا يصح في الحصر إذ قد أوحي إليه أشياء غير التوحيد.﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ استفهام يتضمن الأمر بإِخلاص التوحيد والانقياد إلى الله تعالى.﴿ ءَاذَنتُكُمْ ﴾ أعلمتكم ويتضمن معنى التحذير والنذارة.﴿ عَلَىٰ سَوَآءٍ ﴾ لم أحض أحداً دون أحد وهذا الإِنذار إعلام بما يحل بمن تولى من العذاب وغلبة الإِسلام ولكني لا أدري متى يكون ذلك وان نافية وأدري معلقة * والجملة الاستفهامية في موضع نصب بأدري وتأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة إذ لو كان التركيب.﴿ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ لم تكن فاصلة وكثيراً ما يرجح الحكم في الشىء لكونه فاصلة آخر آية والمعنى: أنه تعالى لم يعلمني علمه ولم يطلعني عليه والله هو العالم الذي لا يخفى عليه شىء وما في قوله: ما توعدون فاعل بقريب تقديره أيقرب ما توعدون أم يبعد.﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ ﴾ أي: لعل تأخير هذا الوعد امتحان لكم لينظر كيف تعملون أو متاع لكم إلى حين ليكون ذلك حجة وليقع الموعد في وقت هو حكمه وأدري هي هنا معلقة أيضاً وجملة الترجي هي مصب الفعل والكوفيون يجرون لعل مجرى هل فكما يقع التعليل عن هل فكذلك عن لعل وقد ذهب إلى ذلك أبو علي الفارسي وإن كان ذلك ظاهراً فيها كقوله تعالى:﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾[الشورى: ١٧] وقيل إلى حين إي إلى يوم القيامة.﴿ قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ قرىء: قل على الأمر وقال: على الخبر وهو من باب الإِلتفات انتقل من ضمير المتكلم في أدري إلى ضمير الغائب في قال: ورب منادى مضاف تقديره يا رب وقرىء: احكم على الأمر وقرىء: بإِسكان الياء في ربي أحكم جعله أفعل التفضيل فربي أحكم مبتدأ وخبر وقرىء: احكم فعلاً ماضياً وقرأ الجمهور تصفون بتاء الخطاب وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على أبيّ ما يصفون بياء الغيبة.
Icon