تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
من ذلك؟ قالوا: لا، قال: "ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل يعلم عيسى شيئًا من ذلك إلا ما عُلِّم"؛ قالوا: لا، قال: "ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث، وأن عيسى كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث"؟ قالوا: بلى، فقال رسول الله: "فكيف يكون هذا كما زعمتم" فعرفوا الحق وسكتوا، ثم أبوا إلا الجحود، فأنزل الله تعالى من أول السورة ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...﴾ إلى نيف وثمانين آية.
ووجه الرد عليهم فيها: أنه تعالى بدأ بذكر التوحيد لينفي عقيدة التثليث من أول الأمر، ثم وصفه بما يؤكد ذلك من كونه حيًّا قيومًا؛ أي: قامت به السموات والأرض، وهي وجدت قبل عيسى، فكيف تقوم به قبل وجوده؟ ثم ذكر أنه تعالى نزَّل الكتاب وأنزل التوراة ليبين أنه قد أنزل الوحي وشرع الشرائع قبل وجوده، كما أنزل عليه الإنجيل وأنزل على من بعده، فليس هو المنزل للكتاب على الأنبياء، وإنما هو نبي مثلهم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه هو الذي وهب العقل للبشر؛ ليفرقوا بين الحق والباطل، وعيسى لم يكن واهبًا للعقول، ثم قال: أنه لا يخفى عليه شيء مطلقًا سواء أكان في هذا العالم أم في غيره من العوالم السماوية، وعيسى لم يكن كذلك، ثم بيَّن أن الإله هو الذي يصوِّر في الأرحام ليرد على ولادة عيسى من غير أب؛ إذ الولادة من غير أب ليست دليلًا على الألوهية، فالمخلوق عبدٌ كيفما خلق، وإنما الإله هو الخالق الذي يصور الأرحام كيف يشاء، وعيسى لم يصور أحدًا في رحم أمه، ثم صرَّح بعد هذا بكلمة التوحيد وبوصفه تعالى بالعزة والحكمة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الم (١)﴾ الله أعلم بمراده به، قال القرطبي في "تفسيره": اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سرٌّ، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا نحب أن نتكلم فيها، ولكن نؤمن بها وتُمرُّ
ووجه الرد عليهم فيها: أنه تعالى بدأ بذكر التوحيد لينفي عقيدة التثليث من أول الأمر، ثم وصفه بما يؤكد ذلك من كونه حيًّا قيومًا؛ أي: قامت به السموات والأرض، وهي وجدت قبل عيسى، فكيف تقوم به قبل وجوده؟ ثم ذكر أنه تعالى نزَّل الكتاب وأنزل التوراة ليبين أنه قد أنزل الوحي وشرع الشرائع قبل وجوده، كما أنزل عليه الإنجيل وأنزل على من بعده، فليس هو المنزل للكتاب على الأنبياء، وإنما هو نبي مثلهم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه هو الذي وهب العقل للبشر؛ ليفرقوا بين الحق والباطل، وعيسى لم يكن واهبًا للعقول، ثم قال: أنه لا يخفى عليه شيء مطلقًا سواء أكان في هذا العالم أم في غيره من العوالم السماوية، وعيسى لم يكن كذلك، ثم بيَّن أن الإله هو الذي يصوِّر في الأرحام ليرد على ولادة عيسى من غير أب؛ إذ الولادة من غير أب ليست دليلًا على الألوهية، فالمخلوق عبدٌ كيفما خلق، وإنما الإله هو الخالق الذي يصور الأرحام كيف يشاء، وعيسى لم يصور أحدًا في رحم أمه، ثم صرَّح بعد هذا بكلمة التوحيد وبوصفه تعالى بالعزة والحكمة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الم (١)﴾ الله أعلم بمراده به، قال القرطبي في "تفسيره": اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سرٌّ، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا نحب أن نتكلم فيها، ولكن نؤمن بها وتُمرُّ
كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
قال: وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر، وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله به عزّ وجل.
وذكر سيبويه في "الكتاب" (١): أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد، طريق التلفظ بها: الحكاية فقط، ساكنة الإعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء أو مسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما علم أن مغتفر في باب الوقف فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها، ثم يبدأ بما بعدها كما فعله الحسن والأعمش وغيرهما.
وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما، وما بعدها كلام مستأنف. والله أعلم.
٢ - ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق منكم العبادة أيها العباد هو: الإله الذي ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا ربَّ سواه. ﴿الْحَيُّ﴾؛ أي: المتصف بالحياة الدائمة التي لا ابتداء لها ولا انتهاء ﴿الْقَيُّومُ﴾؛ أي: القائم بنفسه، المستغني عن غيره، أو القائم بتدبير خلقه ومصالحهم فيما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم. وقرأ جماعة (٢) من الصحابة كعمر وأُبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهم شذوذًا: ﴿القيام﴾، وقال خارجة (٣) رحمه الله تعالى في مصحف عبد الله رضي الله عنه: ﴿القيم﴾ وروي هذا أيضًا عن علقمة وهو شاذ.
قال: وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر، وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله به عزّ وجل.
وذكر سيبويه في "الكتاب" (١): أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد، طريق التلفظ بها: الحكاية فقط، ساكنة الإعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء أو مسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما علم أن مغتفر في باب الوقف فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها، ثم يبدأ بما بعدها كما فعله الحسن والأعمش وغيرهما.
وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما، وما بعدها كلام مستأنف. والله أعلم.
٢ - ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق منكم العبادة أيها العباد هو: الإله الذي ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا ربَّ سواه. ﴿الْحَيُّ﴾؛ أي: المتصف بالحياة الدائمة التي لا ابتداء لها ولا انتهاء ﴿الْقَيُّومُ﴾؛ أي: القائم بنفسه، المستغني عن غيره، أو القائم بتدبير خلقه ومصالحهم فيما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم. وقرأ جماعة (٢) من الصحابة كعمر وأُبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهم شذوذًا: ﴿القيام﴾، وقال خارجة (٣) رحمه الله تعالى في مصحف عبد الله رضي الله عنه: ﴿القيم﴾ وروي هذا أيضًا عن علقمة وهو شاذ.
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
وقال الرازي رحمه الله تعالى (١): مطلع هذه السورة عجيب؛ لأنهم لما نازعوا كأنه قيل: إما أن تنازعوا في معرفة الله، أو في النبوة، فإن كان في الأول: فهو باطل؛ لأن الأدلة العقلية دلت على أنه حيٌّ قيوم، والحي القيوم يستحيل أن يكون له ولد، وإن كان في الثاني: فهو باطل؛ لأن الطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل هو بعينه قائم هنا، وذلك هو المعجزة. انتهى.
٣ - هو سبحانه وتعالى ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن بالتدريج بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وإنما فسرنا كذلك؛ لأن فعَّل المضعف يدل على التكرير، وأتى (٢) هنا بذكر المنزل عليه وهو قوله: ﴿عَلَيْكَ﴾ ولم يأتِ بذكر المنزل عليه في التوراة، ولا في الإنجيل تخصيصًا له وتشريفًا بالذكر، وجاء بذكر الخطاب؛ لما في الخطاب من المؤانسة، وأتى بلفظة ﴿على﴾ لما فيها من الاستعلاء كأن الكتاب تجلله وتغشاه - ﷺ -.
فإن قلت (٣): إن القرآن وقت نزول هذه الآية لم يتكامل نزوله؟
قلت: إما أن يراد بالكتاب ما نزل منه إذ ذلك، أو يقال: الفعل مستعمل في الماضي والمستقبل.
وقرأ الجمهور: ﴿نَزَّلَ﴾ مشددًا ﴿الْكِتَابَ﴾ بالنصب. وقرأ النخعي والأعمش وابن أبي عبلة رحمهم الله تعالى شذوذًا: ﴿نزلَ﴾ مخففًا و ﴿الكتابُ﴾ بالرفع، وفي هذه القراءة تحتمل الآية وجهين:
أحدهما: أن تكون منقطعة.
والثاني: أن تكون متصلة بما قبلها؛ أي: نزل الكتاب عليك من عنده.
٣ - هو سبحانه وتعالى ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن بالتدريج بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وإنما فسرنا كذلك؛ لأن فعَّل المضعف يدل على التكرير، وأتى (٢) هنا بذكر المنزل عليه وهو قوله: ﴿عَلَيْكَ﴾ ولم يأتِ بذكر المنزل عليه في التوراة، ولا في الإنجيل تخصيصًا له وتشريفًا بالذكر، وجاء بذكر الخطاب؛ لما في الخطاب من المؤانسة، وأتى بلفظة ﴿على﴾ لما فيها من الاستعلاء كأن الكتاب تجلله وتغشاه - ﷺ -.
فإن قلت (٣): إن القرآن وقت نزول هذه الآية لم يتكامل نزوله؟
قلت: إما أن يراد بالكتاب ما نزل منه إذ ذلك، أو يقال: الفعل مستعمل في الماضي والمستقبل.
وقرأ الجمهور: ﴿نَزَّلَ﴾ مشددًا ﴿الْكِتَابَ﴾ بالنصب. وقرأ النخعي والأعمش وابن أبي عبلة رحمهم الله تعالى شذوذًا: ﴿نزلَ﴾ مخففًا و ﴿الكتابُ﴾ بالرفع، وفي هذه القراءة تحتمل الآية وجهين:
أحدهما: أن تكون منقطعة.
والثاني: أن تكون متصلة بما قبلها؛ أي: نزل الكتاب عليك من عنده.
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الجمل.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الجمل.
حالة كون ذلك الكتاب ملتبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالعدل فيما خصك به من شرف النبوة، وقيل: بالعدل في أحكامه أو بالصدق في أخباره عن القرون الماضية، وفي وعده ووعيده، وقيل. معنى بالحق: بالبراهين القاطعة والحجج المحققة أنها من عند الله تعالى، أو بالقول الفصل وليس بالهزل ولا بالمعاني الفاسدة المتناقضة.
وحالة كون ذلك الكتاب ﴿مُصَدِّقًا﴾ وموافقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أي؛ لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى التوحيد والإيمان وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه، وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية، وفي الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، وأما (١) في الشرائع المختلفة فيها فمن حيث أن أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم.
وفائدة (٢) تقييد التنزيل بهذه الحال - أعني: ﴿مُصَدِّقًا﴾ - حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل، وتنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتمًا.
﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ جملة على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ جملة على عيسى بن
٤ - مريم عليهما السلام ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل تنزيل القرآن ﴿هُدًى﴾؛ أي: حال كونهما هاديين من الضلالة ﴿لِلنَّاسِ﴾ في زمانهما يعني بني إسرائيل فهو حال من التوراة والإنجيل، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر، ويصح كونه مفعولًا له، والعامل فيه ﴿أنزل﴾؛ أي: أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما.
وعبر فيهما بـ ﴿أنزل﴾، وفي القرآن بـ ﴿نَزَّلَ﴾ المقتضي للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلاف القرآن، قاله السيوطي رحمه الله تعالى. وقيل هذا التعليل منتقض بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، وبقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
وحالة كون ذلك الكتاب ﴿مُصَدِّقًا﴾ وموافقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أي؛ لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى التوحيد والإيمان وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه، وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية، وفي الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، وأما (١) في الشرائع المختلفة فيها فمن حيث أن أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم.
وفائدة (٢) تقييد التنزيل بهذه الحال - أعني: ﴿مُصَدِّقًا﴾ - حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل، وتنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتمًا.
﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ جملة على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ جملة على عيسى بن
٤ - مريم عليهما السلام ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل تنزيل القرآن ﴿هُدًى﴾؛ أي: حال كونهما هاديين من الضلالة ﴿لِلنَّاسِ﴾ في زمانهما يعني بني إسرائيل فهو حال من التوراة والإنجيل، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر، ويصح كونه مفعولًا له، والعامل فيه ﴿أنزل﴾؛ أي: أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما.
وعبر فيهما بـ ﴿أنزل﴾، وفي القرآن بـ ﴿نَزَّلَ﴾ المقتضي للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلاف القرآن، قاله السيوطي رحمه الله تعالى. وقيل هذا التعليل منتقض بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، وبقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
(١) أبو السعود.
(٢) الكرخي.
(٢) الكرخي.
173
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وبقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾، وحينئذٍ فالأَولى أن يقال: اختلاف التعبير في الموضعين للتفنن.
﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل جميع الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر الكتب الثلاثة أولًا ليعم ما عداها من بقية الكتب المنزلة، فكأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، فيكون من عطف العام على الخاص؛ حيث ذكر أولًا الكتب الثلاثة، ثم عمم الكتب كلها؛ ليختص المذكور أولًا بمزيد شرف، قاله الكرخي رحمه الله تعالى.
وقال ابن عطية رحمه الله تعالى (١): المراد بالفرقان القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له ومدح من كونه فارقًا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله.
وقيل الفرقان: كل أمر فرق بين الحق والباطل فيما قدم وحدث، فدخل في هذا التأويل طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، وفرق البحر لغرق فرعون، ويوم بدر وسائر أفعال الله المفرقة بين الحق والباطل، وقيل الفرقان: النصر.
وقال الفخر الرازي رحمه الله تعالى (٢): المختار أن المراد بالفرقان: هو المعجزات التي قرنها الله تعالى بإنزال هذه الكتب الثلاثة؛ لأنه لما أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق دعوى الرسل حصلت المفارقة بين دعوى الصادق ودعوى الكاذب، فالفرقان هي المعجزة، وقال ابن جرير: أنزل بإنزال القرآن الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل، وقيل غير ذلك.
وقال المراغي رحمه الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل العقل الذي يفرق به بين الحق والباطل في العقائد، وغيرها، وقال السدي (٣) رحمه الله
﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل جميع الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر الكتب الثلاثة أولًا ليعم ما عداها من بقية الكتب المنزلة، فكأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، فيكون من عطف العام على الخاص؛ حيث ذكر أولًا الكتب الثلاثة، ثم عمم الكتب كلها؛ ليختص المذكور أولًا بمزيد شرف، قاله الكرخي رحمه الله تعالى.
وقال ابن عطية رحمه الله تعالى (١): المراد بالفرقان القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له ومدح من كونه فارقًا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله.
وقيل الفرقان: كل أمر فرق بين الحق والباطل فيما قدم وحدث، فدخل في هذا التأويل طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، وفرق البحر لغرق فرعون، ويوم بدر وسائر أفعال الله المفرقة بين الحق والباطل، وقيل الفرقان: النصر.
وقال الفخر الرازي رحمه الله تعالى (٢): المختار أن المراد بالفرقان: هو المعجزات التي قرنها الله تعالى بإنزال هذه الكتب الثلاثة؛ لأنه لما أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق دعوى الرسل حصلت المفارقة بين دعوى الصادق ودعوى الكاذب، فالفرقان هي المعجزة، وقال ابن جرير: أنزل بإنزال القرآن الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل، وقيل غير ذلك.
وقال المراغي رحمه الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل العقل الذي يفرق به بين الحق والباطل في العقائد، وغيرها، وقال السدي (٣) رحمه الله
(١) ابن عطية.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) الخازن.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) الخازن.
174
تعالى: في الآية تقديم وتأخير تقديره: وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا وأنكروا وكذبوا ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الناطقة بتوحيده وتنزيهه عما لا يليق بشأنه الجليل المبشرة بنزول القرآن ومبعث رسول الله - ﷺ -، فكذبوا بالقرآن أولًا، ثم بسائر الكتب تبعًا لذلك وردوها بالباطل كوفد نصارى نجران وغيرهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾؛ أي: عظيم أليم بسبب كفرهم في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالخلود في النار.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما قرر أمر الألوهية وأمر النبوة بذكر الكتب المنزلة.. توعَّد من كفر بآيات الله من كتبه المنزلة وغيرها بالعذاب الشديد من عذاب الدنيا؛ كالقتل والأسر والغلبة وعذاب الآخرة؛ كالنار. والذين كفروا عامٌّ داخل فيه من نزلت الآية بسببهم، وهم وفد نصارى نجران، وغيرهم.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: منيع الجناب عظيم السلطان غالب لا يغلب ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾؛ أي: ذو عقوبة شديدة لمن كفر بآياته، والانتقام: المبالغة في العقوبة فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، وذو الانتقام إشارة إلى كونه فاعلًا للعقاب.
والمعنى (٢): أن الله بقدرته ينفذ سنته، وينتقم ممن خالفها بسلطانه الذي لا يعارض.
٥ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يَخْفَى﴾ ولا يستتر ﴿عَلَيْهِ﴾ ولا يغيب ولا يعزب عن علمه ﴿شَيْءٌ﴾ من الموجودات ولا أمر من أمور العالم كليًّا كان أو جزئيًّا إيمانًا كان أو كفرًا ﴿في﴾ جميع نواحي ﴿الْأَرْضِ وَلَا﴾ كائن ﴿في﴾ جميع أرجاء ﴿السَّمَاءِ﴾ فهو مطلع على كل ما في الكون لا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا وأنكروا وكذبوا ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الناطقة بتوحيده وتنزيهه عما لا يليق بشأنه الجليل المبشرة بنزول القرآن ومبعث رسول الله - ﷺ -، فكذبوا بالقرآن أولًا، ثم بسائر الكتب تبعًا لذلك وردوها بالباطل كوفد نصارى نجران وغيرهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾؛ أي: عظيم أليم بسبب كفرهم في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالخلود في النار.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما قرر أمر الألوهية وأمر النبوة بذكر الكتب المنزلة.. توعَّد من كفر بآيات الله من كتبه المنزلة وغيرها بالعذاب الشديد من عذاب الدنيا؛ كالقتل والأسر والغلبة وعذاب الآخرة؛ كالنار. والذين كفروا عامٌّ داخل فيه من نزلت الآية بسببهم، وهم وفد نصارى نجران، وغيرهم.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: منيع الجناب عظيم السلطان غالب لا يغلب ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾؛ أي: ذو عقوبة شديدة لمن كفر بآياته، والانتقام: المبالغة في العقوبة فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، وذو الانتقام إشارة إلى كونه فاعلًا للعقاب.
والمعنى (٢): أن الله بقدرته ينفذ سنته، وينتقم ممن خالفها بسلطانه الذي لا يعارض.
٥ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يَخْفَى﴾ ولا يستتر ﴿عَلَيْهِ﴾ ولا يغيب ولا يعزب عن علمه ﴿شَيْءٌ﴾ من الموجودات ولا أمر من أمور العالم كليًّا كان أو جزئيًّا إيمانًا كان أو كفرًا ﴿في﴾ جميع نواحي ﴿الْأَرْضِ وَلَا﴾ كائن ﴿في﴾ جميع أرجاء ﴿السَّمَاءِ﴾ فهو مطلع على كل ما في الكون لا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، ففيه إشارة إلى كمال علمه المتعلق بجميع المعلومات، فينزل لعباده من الكتب ما فيه صلاحهم إذا أقاموه، ويعلم سرهم وجهرهم، فلا يخفى عليه حال الصادق في إيمانه ولا حال الكافر ولا حال من استبطن النفاق وأظهر الإيمان، ولا حال من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، وفي التعبير بعدم خفاء شيء عليه إشارة إلى أن علمه لا يوازن علم المخلوقين، بل هو الغاية في الوضوح وعدم الخفاء.
وعبر (١) عن الكون بالأرض والسماء؛ إذ الحس لا يتجاوزهما وإنما قدم الأرض ترقيًّا من الأدنى إلى الأعلى؛ ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها، فهو كالدليل على كونه حيًّا.
٦ - و ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾؛ أي: يخلقكم في أرحام أمهاتكم ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ ويجعلكم على صور مختلفة متغايرة، وأنتم في الأرحام من النطف إلى العلق إلى المضغ، ومن ذكورة وأنوثة، ومن حسن وقبح، ومن طول وقصر، ومن سعادة وشقاوة، ومن بياض وسواد، وكمال ونقصان. والمعنى: هو الذي يصوركم في ظلمات الأرحام صورًا مختلفة في الشكل والطبع، وذلك من نطفة، وكل هذا على أتم ما يكون دِقَّة ونظامًا. ومستحيل أن يكون هذا من قبيل الاتفاق والمصادفة، بل هو من صنع عليم خبير بالدقائق، وهذه الجملة كالدليل على القيومية. وقرىء شذوذًا (٢): "تصوَّركم"، أي: صوَّركم لنفسِه وعبادته، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - ﷺ - وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون
وعبر (١) عن الكون بالأرض والسماء؛ إذ الحس لا يتجاوزهما وإنما قدم الأرض ترقيًّا من الأدنى إلى الأعلى؛ ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها، فهو كالدليل على كونه حيًّا.
٦ - و ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾؛ أي: يخلقكم في أرحام أمهاتكم ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ ويجعلكم على صور مختلفة متغايرة، وأنتم في الأرحام من النطف إلى العلق إلى المضغ، ومن ذكورة وأنوثة، ومن حسن وقبح، ومن طول وقصر، ومن سعادة وشقاوة، ومن بياض وسواد، وكمال ونقصان. والمعنى: هو الذي يصوركم في ظلمات الأرحام صورًا مختلفة في الشكل والطبع، وذلك من نطفة، وكل هذا على أتم ما يكون دِقَّة ونظامًا. ومستحيل أن يكون هذا من قبيل الاتفاق والمصادفة، بل هو من صنع عليم خبير بالدقائق، وهذه الجملة كالدليل على القيومية. وقرىء شذوذًا (٢): "تصوَّركم"، أي: صوَّركم لنفسِه وعبادته، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - ﷺ - وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون
(١) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
176
بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها". متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "وكل الله بالرحم ملكًا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فكتب له ذلك في بطن أمه". متفق عليه.
وقيل (١): إن هذه الآية واردة في الرد على النصارى، وذلك أن النصارى ادعوا إلهية عيسى بأمرين: بالعلم، والقدرة. فإن عيسى كان يخبر عن الغيوب، فيقول لهذا: أنت أكلت في دارك كذا، ووضعت في دارك كذا، وكان يحيي الموتى، ويبرِىء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا، ثم إنه تعالى استدل على بطلان قولهم في إلهية عيسى، وفي التثليث بقوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ فالإله يجب أن يكون حيًّا قيومًا، وعيسى لم يكن كذلك، فيلزم القطع بأنه لم يكن إلهًا، ولما قالوا إن عيسى أخبر عن الغيوب.. فوجب أن يكون إلهًا ردَّ عليهم بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾ والمعنى: لا يلزم من كونه عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلهًا؛ لاحتمال أنه علم ذلك بتعليم الله تعالى ذلك، ولما قالوا: إن عيسى كان يحيي الموتى فوجب أن يكون إلهًا ردَّ الله عليهم بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ والمعنى: إن حصول الإحياء على وفق قول عيسى في بعض الصور لا يدل على كونه إلهًا لاحتمال أن الله تعالى أكرمه بذلك الإحياء إظهارًا لمعجزته وإكرامًا له.
ولما قالوا: أنتم أيها المسلمون توافقونا على أن عيسى لم يكن له أب من البشر، فوجب أن يكون ابنًا لله.. أجاب الله تعالى عن ذلك أيضًا بقوله: {هُوَ
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "وكل الله بالرحم ملكًا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فكتب له ذلك في بطن أمه". متفق عليه.
وقيل (١): إن هذه الآية واردة في الرد على النصارى، وذلك أن النصارى ادعوا إلهية عيسى بأمرين: بالعلم، والقدرة. فإن عيسى كان يخبر عن الغيوب، فيقول لهذا: أنت أكلت في دارك كذا، ووضعت في دارك كذا، وكان يحيي الموتى، ويبرِىء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا، ثم إنه تعالى استدل على بطلان قولهم في إلهية عيسى، وفي التثليث بقوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ فالإله يجب أن يكون حيًّا قيومًا، وعيسى لم يكن كذلك، فيلزم القطع بأنه لم يكن إلهًا، ولما قالوا إن عيسى أخبر عن الغيوب.. فوجب أن يكون إلهًا ردَّ عليهم بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾ والمعنى: لا يلزم من كونه عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلهًا؛ لاحتمال أنه علم ذلك بتعليم الله تعالى ذلك، ولما قالوا: إن عيسى كان يحيي الموتى فوجب أن يكون إلهًا ردَّ الله عليهم بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ والمعنى: إن حصول الإحياء على وفق قول عيسى في بعض الصور لا يدل على كونه إلهًا لاحتمال أن الله تعالى أكرمه بذلك الإحياء إظهارًا لمعجزته وإكرامًا له.
ولما قالوا: أنتم أيها المسلمون توافقونا على أن عيسى لم يكن له أب من البشر، فوجب أن يكون ابنًا لله.. أجاب الله تعالى عن ذلك أيضًا بقوله: {هُوَ
(١) المراح.
177
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} فإن هذا التصوير إذا كان من الله تعالى إن شاء صوَّره من نطفة الأب، وإن شاء صوَّره ابتداء من غير أب، ولما قالوا للرسول - ﷺ -: ألست تقول إن عيسى روح الله وكلمته فهذا يدل على أنه ابن الله؟ أجاب الله عن ذلك: بأن هذا اللفظ من باب المتشابهات، فوجب رده إلى التأويل وذلك هو المراد بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ فظهر بذلك المذكور أن قوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ إشارة إلى أن عيسى ليس بالإله، ولا بابن الإله، وأما قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ﴾.. فهو جواب عن الشبهة المتعلقة بالعلم، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ جواب عن تمسكهم بقدرة عيسى على الإحياء ونحوه؛ لأنه لو قدر على الإحياء لقدر على الإماتة، ولو قدر على الإماتة لأمات اليهود الذين قتلوه على زعم النصارى، فثبت أن حصول الإحياء في بعض الصور لا يدل على كونه إلهًا، وهو جواب أيضًا عن تمسكهم بأن من لم يكن له أب من البشر.. وجب أن يكون ابنًا لله، فكأنه تعالى يقول: كيف يكون عيسى ولدًا لله وقد صوَّرهُ في الرحم والمصور لا يكون أبًا للمصور؟.
وأما قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ...﴾ إلى آخر الآيات.. فهو جواب عن تمسكهم بما ورد في القرآن: أن عيسى روح الله وكلمته، ثم إنه تعالى لما أجاب عن شبهتهم.. أعاد كلمة التوحيد زجرًا لسائر النصارى عن قولهم بالتثليث فقال:
﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا رب سواه منفرد بالألوهية والربوبية ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه، فهو المنفرد بالإيجاد والتصوير، العزيز الذي لا يغلب على ما قضى به علمه، وتعلقت به إرادته، الحكيم المنزه عن العبث، فهو يوجد الأشياء على مقتضى الحكمة ومن ثَمَّ خلقكم على هذا النمط البديع الذي لا يتصور ما هو أدق منه وأحكم كما قيل: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهذا
وأما قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ...﴾ إلى آخر الآيات.. فهو جواب عن تمسكهم بما ورد في القرآن: أن عيسى روح الله وكلمته، ثم إنه تعالى لما أجاب عن شبهتهم.. أعاد كلمة التوحيد زجرًا لسائر النصارى عن قولهم بالتثليث فقال:
﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا رب سواه منفرد بالألوهية والربوبية ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه، فهو المنفرد بالإيجاد والتصوير، العزيز الذي لا يغلب على ما قضى به علمه، وتعلقت به إرادته، الحكيم المنزه عن العبث، فهو يوجد الأشياء على مقتضى الحكمة ومن ثَمَّ خلقكم على هذا النمط البديع الذي لا يتصور ما هو أدق منه وأحكم كما قيل: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهذا
178
إثبات لما تقدم من أن علم عيسى ببعض الغيوب وقدرته على الإحياء في بعض الصور لا يكفي في كونه إلهًا فإن الإله لا بد وأن يكون كامل القدرة وهو العزيز وكامل العلم وهو الحكيم.
٧ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿أَنْزَلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن العظيم منقسمًا إلى قسمين: قسم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؛ أي: واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، أو محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المعنى المراد ﴿هُنَّ﴾؛ أي: تلك المحكمات ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾، أي: أصل القرآن الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات، كقوله تعالى في شأن عيسى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ وكقوله فيه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)﴾ وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله ﴿و﴾ قسم منه آيات ﴿أخر﴾ جمع أخرى ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾؛ أي: محتملات لمعانٍ متشابهة لا يتضح مقصودها؛ لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلا بنظر دقيق وتأمل أنيق.
أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد؛ كقوله تعالى في شأن عيسى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾؛ أي: ميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج عنه إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾؛ أي: فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ إلى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فقال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾؛ أي: طلب الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو
٧ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿أَنْزَلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن العظيم منقسمًا إلى قسمين: قسم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؛ أي: واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، أو محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المعنى المراد ﴿هُنَّ﴾؛ أي: تلك المحكمات ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾، أي: أصل القرآن الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات، كقوله تعالى في شأن عيسى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ وكقوله فيه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)﴾ وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله ﴿و﴾ قسم منه آيات ﴿أخر﴾ جمع أخرى ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾؛ أي: محتملات لمعانٍ متشابهة لا يتضح مقصودها؛ لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلا بنظر دقيق وتأمل أنيق.
أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد؛ كقوله تعالى في شأن عيسى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾؛ أي: ميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج عنه إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾؛ أي: فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ إلى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فقال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾؛ أي: طلب الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو
179
حجة عليهم لا لهم، أو طلب الفتنة في الدين وهي الضلال عنه فإنهم متى أوقعوا تلك المتشابهات في الدين صار بعضهم مخالفًا لبعض، وذلك يفضي إلى الهرج والتقاتل ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: وطلب تأويل المتشابه على ما ليس في كتاب الله عليه دليل ولا بيان وطلب تحريفه على ما يريدون.
وذلك كاحتجاج النصارى على عقيدتهم الفاسدة بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الاحتجاج بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ وبقوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه عبد من عباد الله ورسول من رسله.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾؛ أي: والحال أنه ما يعلم تأويل المتشابه وتفسيره حقيقة ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وحده، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفسير القرآن على أربعة أنحاء: تفسير لا يسع لأحد جهله، وتفسير تعرفه العرب بألسنتها، وتفسير يعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى. انتهى.
وقال المراغي قوله (١): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ معناه: فأما الذين يميلون عن الحق ويتبعون أهواءَهم الباطلة، فينكرون المتشابه وينفِّرون الناس منه، ويستعينون على ذلك بما في غرائز الناس وطبائعهم من إنكار ما لم يصل إليه علمهم، ولا يناله حسهم؛ كالإحياء بعد الموت، وجميع شؤون العالم الأخروي، ويأخذونه على ظاهره بدون نظرٍ إلى الأصل المحكم؛ ليفتنوا الناس بدعوته إلى أهوائهم.. فيقولون: إن الله روح، والمسيح روح مثله، فهو من جنسه، وجنسه لا يتجزأ فهو هو، ومعنى ابتغاء تأويله: أنهم يرجعونه إلى أهوائهم وتقاليدهم، لا إلى الأصل المحكم الذي بُني عليه الاعتقاد، فيحولون خبر الإحياء بعد الموت وأخبار الحساب والجنة والنار عن معانيها، ويصرفونها إلى معانٍ من أحوال الناس في الدنيا ليخرجوا الناس
وذلك كاحتجاج النصارى على عقيدتهم الفاسدة بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الاحتجاج بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ وبقوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه عبد من عباد الله ورسول من رسله.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾؛ أي: والحال أنه ما يعلم تأويل المتشابه وتفسيره حقيقة ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وحده، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفسير القرآن على أربعة أنحاء: تفسير لا يسع لأحد جهله، وتفسير تعرفه العرب بألسنتها، وتفسير يعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى. انتهى.
وقال المراغي قوله (١): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ معناه: فأما الذين يميلون عن الحق ويتبعون أهواءَهم الباطلة، فينكرون المتشابه وينفِّرون الناس منه، ويستعينون على ذلك بما في غرائز الناس وطبائعهم من إنكار ما لم يصل إليه علمهم، ولا يناله حسهم؛ كالإحياء بعد الموت، وجميع شؤون العالم الأخروي، ويأخذونه على ظاهره بدون نظرٍ إلى الأصل المحكم؛ ليفتنوا الناس بدعوته إلى أهوائهم.. فيقولون: إن الله روح، والمسيح روح مثله، فهو من جنسه، وجنسه لا يتجزأ فهو هو، ومعنى ابتغاء تأويله: أنهم يرجعونه إلى أهوائهم وتقاليدهم، لا إلى الأصل المحكم الذي بُني عليه الاعتقاد، فيحولون خبر الإحياء بعد الموت وأخبار الحساب والجنة والنار عن معانيها، ويصرفونها إلى معانٍ من أحوال الناس في الدنيا ليخرجوا الناس
(١) المراغي.
180
عن دينهم، والقرآن مليء بالرد عليهم من نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. انتهى.
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؛ أي: والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه وعضوا فيه بضرس قاطع، وهذا كلام مستأنف عند الجمهور، والوقف عندهم على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه، وهو مبتدأ عندهم، والخبر قوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾؛ أي: بالمتشابه أنه من عند الله، ولا نعلم معناه، وعدم التعرض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ﴿كُلٌّ﴾ من المحكم والمتشابه ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾؛ أي: من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه.
والراسخ في العلم (١): هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل القطعية اليقينية، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية، وعرف أنه تعالى لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا رأى شيئًا متشابهًا، ودل الدليل القطعي على أن الظاهر ليس مرادًا لله تعالى.. علم حينئذٍ قطعًا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره، ثم فوض تعيين ذلك المراد إلى علمه تعالى، وقطع بأن ذلك المعنى على أيِّ شيءٍ كان فهو الحق والصواب؛ لأنه علم أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى.
وقيل الراسخ في العلم (٢): من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النفس. ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ أي: وما يتعظ بما في القرآن وما يتيقظ له ويتدبر له إلا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون إلى الأهواء الزائغة، وهذا مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر.
٨ - ولما آمن الراسخون في العلم بكل ما أنزل الله تعالى من المحكمات
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؛ أي: والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه وعضوا فيه بضرس قاطع، وهذا كلام مستأنف عند الجمهور، والوقف عندهم على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه، وهو مبتدأ عندهم، والخبر قوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾؛ أي: بالمتشابه أنه من عند الله، ولا نعلم معناه، وعدم التعرض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ﴿كُلٌّ﴾ من المحكم والمتشابه ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾؛ أي: من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه.
والراسخ في العلم (١): هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل القطعية اليقينية، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية، وعرف أنه تعالى لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا رأى شيئًا متشابهًا، ودل الدليل القطعي على أن الظاهر ليس مرادًا لله تعالى.. علم حينئذٍ قطعًا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره، ثم فوض تعيين ذلك المراد إلى علمه تعالى، وقطع بأن ذلك المعنى على أيِّ شيءٍ كان فهو الحق والصواب؛ لأنه علم أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى.
وقيل الراسخ في العلم (٢): من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النفس. ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ أي: وما يتعظ بما في القرآن وما يتيقظ له ويتدبر له إلا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون إلى الأهواء الزائغة، وهذا مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر.
٨ - ولما آمن الراسخون في العلم بكل ما أنزل الله تعالى من المحكمات
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
والمتشابهات.. تضرعوا إلى الله تعالى بقولهم: ﴿رَبَّنَا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿لَا تُزِغْ﴾ ولا تمل ﴿قُلُوبَنَا﴾ عن الحق والهدى، كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ؛ أي: لا تمل قلوبنا عن دينك. قراءة الجمهور: بضم التاء ونصب القلوب، وقرىء شذوذًا بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾؛ أي: وفقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك، أو يقال: يا ربنا لا تجعل قلوبنا مائلة إلى الباطل بعد أن تجعلها مائلة إلى الحق ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾؛ أي: أعطنا من فضلك وكرمك رحمة تثبتنا بها على دينك الحق والإيمان بكتابك، أو المعنى: أعطنا من عندك نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب ونور الطاعة والعبودية والخدمة في الأعضاء، وسهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفافة في الدنيا، وسهولة سكرات الموت عند الموت، وسهولة السؤال والظلمة في القبر، وغفران السيئات وترجيح الحسنات في القيامة. ﴿إِنَّكَ أَنْتَ﴾ يا ربنا ﴿الْوَهَّابُ﴾ الهبة العظيم الخالية عن الأعواض والأغراض، فإن هذا الذي طلبنا منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلينا، لكنه حقير بالنسبة إلى كمال كرمك وغاية جودك ورحمتك. والوهاب في أسماء الله: هو الذي يعطي كل أحد على قدر استحقاقه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: "قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله - ﷺ -: " اللهم مصرِّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم.
وهذا الحديث من أحاديث الصفات، يجب الإيمان به وإمراره كما جاء من غير تعرض لتأويل ولا تكييف ولا لمعرفة معناه، بل نؤمن به كما جاء وأنه حق، ونكل علمه إلى مراد الله ورسوله - ﷺ -، وهذا القول هو مذهب أهل السنة من سلف الأمة وخلفها من أهل الحديث وغيرهم وهو الأعلم الأسلم الذي نعض
٩ - عليه بالنواجذ ويقولون أيضًا: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ﴾؛ أي؛ يا ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك في وقوعه فجازنا فيه أحسن الجزاء. {إِنَّ اللَّه
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: "قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله - ﷺ -: " اللهم مصرِّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم.
وهذا الحديث من أحاديث الصفات، يجب الإيمان به وإمراره كما جاء من غير تعرض لتأويل ولا تكييف ولا لمعرفة معناه، بل نؤمن به كما جاء وأنه حق، ونكل علمه إلى مراد الله ورسوله - ﷺ -، وهذا القول هو مذهب أهل السنة من سلف الأمة وخلفها من أهل الحديث وغيرهم وهو الأعلم الأسلم الذي نعض
٩ - عليه بالنواجذ ويقولون أيضًا: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ﴾؛ أي؛ يا ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك في وقوعه فجازنا فيه أحسن الجزاء. {إِنَّ اللَّه
182
سبحانه وتعالى ﴿لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾؛ أي: لا يترك وفاء ما وعده لعباده، وهذا من بقية كلام الراسخين في العلم؛ وذلك لأنهم لما طلبوا من ربهم أن يصونهم عن الزيغ، وأن يخصهم بالهداية وأنواع الرحمة.. فكأنهم قالوا: ليس غرضنا من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقرضة، وإنما غرضنا الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة، فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ونعلم أن وعدك بالجزاء والحساب والميزان والصراط والجنة والنار لا يكون خلفًا، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد، ومن أعطيته الهداية والرحمة بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد.
تنبيهات
الأول منها: اختلفت عبارة العلماء في تفسير (١) المحكم والمتشابه على أقوال فقيل: إن المحكم ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، ومن القائلين بهذا القول: جابر بن عبد الله والشعبي وسفيان الثوري قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
وقيل: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما يحتمل وجوهًا. فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي.. صار المتشابه محكمًا، وقيل: إن المحكم: ناسخة وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه، والمتشابه: منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به. ورُوي هذا القول عن ابن عباس، وقيل: المحكم: الناسخ. والمتشابه: المنسوخ وبه قال: ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك. وقيل: المحكم: الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له. والمتشابه: ما فيه تصريف وتحريف وتأويل، وبه قال: مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية: وهذا أحسن الأقوال. وقيل: إن المحكم ما أطلع الله عباده على معناه. والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة؛ مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول
تنبيهات
الأول منها: اختلفت عبارة العلماء في تفسير (١) المحكم والمتشابه على أقوال فقيل: إن المحكم ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، ومن القائلين بهذا القول: جابر بن عبد الله والشعبي وسفيان الثوري قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
وقيل: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما يحتمل وجوهًا. فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي.. صار المتشابه محكمًا، وقيل: إن المحكم: ناسخة وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه، والمتشابه: منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به. ورُوي هذا القول عن ابن عباس، وقيل: المحكم: الناسخ. والمتشابه: المنسوخ وبه قال: ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك. وقيل: المحكم: الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له. والمتشابه: ما فيه تصريف وتحريف وتأويل، وبه قال: مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية: وهذا أحسن الأقوال. وقيل: إن المحكم ما أطلع الله عباده على معناه. والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة؛ مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول
(١) الشوكاني.
183
عيسى وطلوع الشمس من مغربها وفناء الدنيا وقيام الساعة، فجميع هذا ما استأثر الله بعلمه.
وبهذا القول اختار القرطبي والطبري، وقيل: إن المحكم: سائر القرآن. والمتشابه: هي الحروف المقطعة في أوائل السور إلى غير ذلك.
والثاني منها: ما قيل (١): إن الله سبحانه وتعالى قد جعل القرآن هنا محكمًا ومتشابهًا، وجعله في موضع آخر كله محكمًا، كقوله في أول سورة هود: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾، وجعله في موضع آخر كله متشابهًا، كقوله في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ فكيف الجمع بين هذه الآيات؟ قلت: حيث جعله كله محكمًا أراد به أنه كله حق وصدق، ليس فيه عبث ولا هزل. وحيث جعله متشابهًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا في الحسن والحق والصدق. وحيث جعله هنا بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا فقد اختلفت عبارات العلماء في تفسيرهما آنفًا.
والثالث منها (٢): سؤال يخطر بالبال، وهو: لم كان في القرآن متشابه لا يعلمه إلا الله، والراسخون في العلم، ولم يكن كله محكمًا يتساوى في فهمه جميع الناس، لأنه نزل لإرشاد العباد هاديًا لهم، والمتشابه يحول دون الهداية؛ لوقوع اللبس في فهمه وفتح باب الفتنة في تأويله لأهل التأويل؟
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة:
منها: أن في إنزال المتشابه امتحانًا لقلوبنا، في التصديق به؛ إذ لو كان ما جاء في الكتاب معقولًا لا شبهة فيه لأحد.. لما كان في الإيمان به شيء من الخضوع لأمر الله والتسليم لرسله.
ومنها: أن في وجود المتشابه في القرآن حافزًا لعقول المؤمنين إلى النظر
وبهذا القول اختار القرطبي والطبري، وقيل: إن المحكم: سائر القرآن. والمتشابه: هي الحروف المقطعة في أوائل السور إلى غير ذلك.
والثاني منها: ما قيل (١): إن الله سبحانه وتعالى قد جعل القرآن هنا محكمًا ومتشابهًا، وجعله في موضع آخر كله محكمًا، كقوله في أول سورة هود: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾، وجعله في موضع آخر كله متشابهًا، كقوله في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ فكيف الجمع بين هذه الآيات؟ قلت: حيث جعله كله محكمًا أراد به أنه كله حق وصدق، ليس فيه عبث ولا هزل. وحيث جعله متشابهًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا في الحسن والحق والصدق. وحيث جعله هنا بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا فقد اختلفت عبارات العلماء في تفسيرهما آنفًا.
والثالث منها (٢): سؤال يخطر بالبال، وهو: لم كان في القرآن متشابه لا يعلمه إلا الله، والراسخون في العلم، ولم يكن كله محكمًا يتساوى في فهمه جميع الناس، لأنه نزل لإرشاد العباد هاديًا لهم، والمتشابه يحول دون الهداية؛ لوقوع اللبس في فهمه وفتح باب الفتنة في تأويله لأهل التأويل؟
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة:
منها: أن في إنزال المتشابه امتحانًا لقلوبنا، في التصديق به؛ إذ لو كان ما جاء في الكتاب معقولًا لا شبهة فيه لأحد.. لما كان في الإيمان به شيء من الخضوع لأمر الله والتسليم لرسله.
ومنها: أن في وجود المتشابه في القرآن حافزًا لعقول المؤمنين إلى النظر
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
184
فيه؛ كيلا تضعف وتموت، إذ السهل الجلي لا عمل للعقل فيه، وإذا لم يجد العقل مجالًا للبحث.. مات. والدين أعز شيء على الإنسان فإذا ضعف عقله في فهمه.. ضعف في كل شيء، ومن ثم قال: والراسخون في العلم، ولم يقل: والراسخون في الدين؛ لأن العلم أعم وأشمل، فمن رحمته أن جعل في الدين مجالًا لبحث العقل بما أودع فيه من المتشابه؛ إذ بحثه يستلزم النظر في الأدلة الكونية والبراهين العقلية ووجوه الدلالة ليصل إلى فهمه ويهتدي إلى تأويله.
ومنها: أن الأنبياء بعثوا إلى الناس كافة، وفيهم العالم والجاهل والذكي والبليد، وكان من المعاني الحكم الدقيقة التي لا يمكن التعبير عنها بعبارة تكشف عن حقيقتها، فجعل فهم هذا من حظ الخاصة، وأمر العامة بتفويض الأمر فيه إلى الله والوقوف عند فهم المحكم؛ ليكون لكل نصيبه على قدر استعداده فإطلاق كلمة الله، وروح الله على عيسى يفهم منه الخاصة ما لا يفهمه العامة، ومن ثم فُتن النصارى بمثل هذا التعبير؛ إذ لم يقفوا عند حد المحكم وهو التنزيه واستحالة أن يكون لله أم أو ولد بمثل ما دل عليه قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾.
ومنها: أن القرآن نزل بألفاظ العرب وعلى أسلوبهم وكلامهم على ضربين:
الأول: الموجز الذي لا يخفى على سامع وهذا هو الضرب الأول.
والثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلويحات، وهذا الضرب هو المستحسن عندهم، فأنزل القرآن على الضربين ليتحقق عجزهم، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم. ولو نزل كله محكمًا لقالوا؛ هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا.
والرابع منها: اختلف في الوقف في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فذهب الجمهور إلى أن الوقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ الواو في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للاستئناف، وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير وغيرهم، ويؤيد هذا القول قراءة أبي وابن عباس فيما رواه طاووس عنه شذوذًا: {إلا الله
ومنها: أن الأنبياء بعثوا إلى الناس كافة، وفيهم العالم والجاهل والذكي والبليد، وكان من المعاني الحكم الدقيقة التي لا يمكن التعبير عنها بعبارة تكشف عن حقيقتها، فجعل فهم هذا من حظ الخاصة، وأمر العامة بتفويض الأمر فيه إلى الله والوقوف عند فهم المحكم؛ ليكون لكل نصيبه على قدر استعداده فإطلاق كلمة الله، وروح الله على عيسى يفهم منه الخاصة ما لا يفهمه العامة، ومن ثم فُتن النصارى بمثل هذا التعبير؛ إذ لم يقفوا عند حد المحكم وهو التنزيه واستحالة أن يكون لله أم أو ولد بمثل ما دل عليه قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾.
ومنها: أن القرآن نزل بألفاظ العرب وعلى أسلوبهم وكلامهم على ضربين:
الأول: الموجز الذي لا يخفى على سامع وهذا هو الضرب الأول.
والثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلويحات، وهذا الضرب هو المستحسن عندهم، فأنزل القرآن على الضربين ليتحقق عجزهم، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم. ولو نزل كله محكمًا لقالوا؛ هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا.
والرابع منها: اختلف في الوقف في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فذهب الجمهور إلى أن الوقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ الواو في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للاستئناف، وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير وغيرهم، ويؤيد هذا القول قراءة أبي وابن عباس فيما رواه طاووس عنه شذوذًا: {إلا الله
185
ويقول الراسخون في العلم آمنا به}، وقراءة عبد الله: (ابتغاء تأويله إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون) وهي شاذة ومعناه: إن الله استأثر بعلمه تأويل المتشابه وحينئذٍ فحال الراسخين التصديق به.
وجرى قوم على أن ﴿الراسخون﴾ معطوف على ﴿اللَّهُ﴾، ويقولون حال من الراسخون، فالوقف حينئذٍ على أولو الألباب؛ لتعلق ما قبل ذلك بعضه ببعض، وروي هذا القول: عن ابن عباس أيضًا ومجاهد والربيع بن أنس وغيرهم، والمعنى: إن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم، فالمراد ما للفكر والنظر فيه مجال.
قال البغوي: والقول الأول أقيس بالعربية وأشبه بظاهر الآية، وقال الفخر الرازي: في الثاني لو كان الراسخون في العلم عالمين بتأويله.. لما كان لتخصيصهم بالإيمان وجه، فإنهم لما عرفوه بالدلائل.. صار الإيمان كالإيمان بالمحكم، فلا يكون في الإيمان به بخصوصه مزيد مدح.
الإعراب
﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾.
اعلم أن فواتح السور إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام؛ كأذكر أو أقرأ أو نحوهما؛ كعليك والزم كما سبق ذلك كله في مبتدأ تفسير هذه السورة، وقد تقدم الكلام في إعرابه أيضًا في أول البقرة فراجعه. ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن. ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره: موجود. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء، وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: خبران آخران
وجرى قوم على أن ﴿الراسخون﴾ معطوف على ﴿اللَّهُ﴾، ويقولون حال من الراسخون، فالوقف حينئذٍ على أولو الألباب؛ لتعلق ما قبل ذلك بعضه ببعض، وروي هذا القول: عن ابن عباس أيضًا ومجاهد والربيع بن أنس وغيرهم، والمعنى: إن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم، فالمراد ما للفكر والنظر فيه مجال.
قال البغوي: والقول الأول أقيس بالعربية وأشبه بظاهر الآية، وقال الفخر الرازي: في الثاني لو كان الراسخون في العلم عالمين بتأويله.. لما كان لتخصيصهم بالإيمان وجه، فإنهم لما عرفوه بالدلائل.. صار الإيمان كالإيمان بالمحكم، فلا يكون في الإيمان به بخصوصه مزيد مدح.
الإعراب
﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾.
اعلم أن فواتح السور إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام؛ كأذكر أو أقرأ أو نحوهما؛ كعليك والزم كما سبق ذلك كله في مبتدأ تفسير هذه السورة، وقد تقدم الكلام في إعرابه أيضًا في أول البقرة فراجعه. ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن. ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره: موجود. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء، وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: خبران آخران
186
للاسم الشريف، أو خبران لمبتدأ محذوف؛ أي: هو الحي القيوم. وقيل: إنهما صفتان للفظ الجلالة، أو بدلان منه أو من الخبر.
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣)﴾.
﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الجلالة ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية إما مستأنفة، أو خبر آخر للفظ الجلالة ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الكتاب تقديره: ملتبسًا بالحق ﴿مُصَدِّقًا﴾: حال ثانية من ﴿الْكِتَابَ﴾ مؤكدة؛ لأنه لا يكون إلا مصدقًا، وبهذا قال الجمهور، وجوز بعضهم كونه منتقلة على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره. قال أبو البقاء: وإن شئت جعلته بدلًا من موضع قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وإن شئت جعلته حالًا من الضمير في المجرور. انتهى. ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ اللام حرف جر ﴿ما﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر باللام متعلق بـ ﴿مُصَدِّقًا﴾ ﴿بَيْنَ﴾: منصوب على الظرفية الاعتبارية، وهو مضاف. ﴿يدي﴾: مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بالمثنى نظير: لبيك، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه، والظرف إما صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: الواو عاطفة. ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿نزل﴾، ﴿التَّوْرَاةَ﴾: مفعول به ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: معطوف عليه.
﴿مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنزل﴾. ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ ﴿هُدًى﴾: حال من ﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر كما مر، ولكنه في تأويل المشتق تقديره: حالة كونهما هاديين. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق بهدى، أو صفة له. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون حالًا من ﴿الإنجيل﴾، ودل على حال للتوراة محذوف؛ كما يدل أحد الخبرين على الآخر. ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ الواو عاطفة ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْفُرْقَانَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿نزل﴾ كالجملة التي قبلها.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾.
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣)﴾.
﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الجلالة ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية إما مستأنفة، أو خبر آخر للفظ الجلالة ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الكتاب تقديره: ملتبسًا بالحق ﴿مُصَدِّقًا﴾: حال ثانية من ﴿الْكِتَابَ﴾ مؤكدة؛ لأنه لا يكون إلا مصدقًا، وبهذا قال الجمهور، وجوز بعضهم كونه منتقلة على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره. قال أبو البقاء: وإن شئت جعلته بدلًا من موضع قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وإن شئت جعلته حالًا من الضمير في المجرور. انتهى. ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ اللام حرف جر ﴿ما﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر باللام متعلق بـ ﴿مُصَدِّقًا﴾ ﴿بَيْنَ﴾: منصوب على الظرفية الاعتبارية، وهو مضاف. ﴿يدي﴾: مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بالمثنى نظير: لبيك، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه، والظرف إما صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: الواو عاطفة. ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿نزل﴾، ﴿التَّوْرَاةَ﴾: مفعول به ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: معطوف عليه.
﴿مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنزل﴾. ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ ﴿هُدًى﴾: حال من ﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر كما مر، ولكنه في تأويل المشتق تقديره: حالة كونهما هاديين. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق بهدى، أو صفة له. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون حالًا من ﴿الإنجيل﴾، ودل على حال للتوراة محذوف؛ كما يدل أحد الخبرين على الآخر. ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ الواو عاطفة ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْفُرْقَانَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿نزل﴾ كالجملة التي قبلها.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾.
187
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها، ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾، ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿شَدِيدٌ﴾: صفة له، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة إن مستأنفة استئنافًا نحويًّا. ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ، ﴿عَزِيزٌ﴾: خبر أول ﴿ذُو﴾: خبر ثانٍ مرفوع بالواو، وهو مضاف، ﴿انْتِقَامٍ﴾ مضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَخْفَى﴾: فعل مضارع ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿شَيْءٌ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿شَيْءٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿يَخْفَى﴾ ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾: الواو عاطفة ﴿لَا﴾: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله ﴿فِي الْأَرْضِ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾.
﴿هُوَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير لعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿فِي الْأَرْحَامِ﴾: متعلق بـ ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾، أو حال من ضمير المخاطبين؛ أي: يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ، قاله العُكبَري. ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾: ﴿كَيْفَ﴾: اسم (١) شرط غير جازم لعد دخول: ﴿ما﴾ عليه في محل النصب على الحالية بـ ﴿يَشَاءُ﴾ ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول ﴿يَشَاءُ﴾: محذوف معلوم مما قبله تقديره: كيف يشاء تصويركم، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ فعل شرط ﴿كَيْفَ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَخْفَى﴾: فعل مضارع ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿شَيْءٌ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿شَيْءٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿يَخْفَى﴾ ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾: الواو عاطفة ﴿لَا﴾: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله ﴿فِي الْأَرْضِ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾.
﴿هُوَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير لعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿فِي الْأَرْحَامِ﴾: متعلق بـ ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾، أو حال من ضمير المخاطبين؛ أي: يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ، قاله العُكبَري. ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾: ﴿كَيْفَ﴾: اسم (١) شرط غير جازم لعد دخول: ﴿ما﴾ عليه في محل النصب على الحالية بـ ﴿يَشَاءُ﴾ ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول ﴿يَشَاءُ﴾: محذوف معلوم مما قبله تقديره: كيف يشاء تصويركم، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ فعل شرط ﴿كَيْفَ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط
(١) الجمل.
188
معلوم مما قبله تقديره: كيف يشاء تصويركم يصوركم، وجملة ﴿كَيْفَ﴾ مستأنفة، وإن كانت في المعنى متعلقة بما قبلها نظير قولهم: أنت ظالم إن فعلت، التقدير: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم، وعند من يجيز تقديم الجزاء على الشرط الصريح يجعل: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ المتقدم هو الجزاء و ﴿كَيْفَ﴾: منصوب على الحال بالفعل بعده، والمعنى: على أي حال شاء أن يصوركم صوركم، وقال بعضهم (١): ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ في موضع الحال معمول ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾، ومعنى الحال؛ أي: يصوركم في الأرحام قادرًا على تصويركم مالكًا ذلك، وقيل التقدير: في هذه الحال يصوركم على مشيئته؛ أي: مريدًا، فيكون حالًا من ضمير اسم الله، ذكره أبو البقاء، وجوز أن يكون حالًا من المفعول؛ أي: من كاف المخاطبين؛ أي: يصوركم متقلبين على مشيئته، وقال الحوفي: يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر، المعنى: يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة وكما يشاء.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
﴿لَا﴾: نافية ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾: محذوف جوازًا تقديره: موجود، وجملة ﴿لَا﴾ مستأنفة ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ خبران لمبتدأ محذوف، أو بدلان من ﴿هُوَ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾.
﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: خبره، والجملة مستأنفة ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿آيَاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿مُحْكَمَاتٌ﴾: صفة لـ ﴿آيَاتٌ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب حال من ﴿الْكِتَابَ﴾ ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾: مبتدأ وخبر مضاف إليه، والجملة في محل الرفع صفة ثانية لـ ﴿آيَاتٌ﴾ وقال الشيخ السمين: وأخبر بلفظ المفرد - وهو ﴿أم﴾ - عن
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
﴿لَا﴾: نافية ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾: محذوف جوازًا تقديره: موجود، وجملة ﴿لَا﴾ مستأنفة ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ خبران لمبتدأ محذوف، أو بدلان من ﴿هُوَ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾.
﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: خبره، والجملة مستأنفة ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿آيَاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿مُحْكَمَاتٌ﴾: صفة لـ ﴿آيَاتٌ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب حال من ﴿الْكِتَابَ﴾ ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾: مبتدأ وخبر مضاف إليه، والجملة في محل الرفع صفة ثانية لـ ﴿آيَاتٌ﴾ وقال الشيخ السمين: وأخبر بلفظ المفرد - وهو ﴿أم﴾ - عن
(١) البحر المحيط.
189
الجمع وهو هن، إما لأن المراد أن كل واحدة منهن ﴿أُمُّ﴾، وإما لأن المجموع بمنزلة أم واحدة، كقوله: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ وإما لأنه مفرد واقع موقع الجمع، وقيل: لأنه بمعنى أصل الكتاب، والأصل يوحد ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾: الواو عاطفة ﴿وَأُخَرُ﴾: معطوف على ﴿آيَاتٌ﴾، ولكنه على حذف موصوف تقديره: ومنه آيات أخر ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾: صفة لـ ﴿أخر﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.
﴿فَأَمَّا﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت انقسام، الكتاب إلى نوعين، وأردت بيان أقسام من يتبعه.. فأقول لك ﴿أما﴾: حرف شرط، ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ. ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم ﴿زَيْغٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿أما﴾ واقعة في غير موضعها ﴿يتبعون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، والجملة الإسمية جواب ﴿أما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿أما﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا ﴿مَا تَشَابَهَ﴾ ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يتبعون﴾. ﴿تَشَابَهَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير الفاعل ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور حال، من فاعل ﴿تَشَابَهَ﴾ ﴿ابْتِغَاءَ﴾: مفعول لأجله وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾: مضاف إليه ﴿وَابْتِغَاءَ﴾: معطوف على ﴿ابْتِغَاءَ﴾ الأول، وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾ مضاف إليه، تأويل مضاف، والهاء: مضاف إليه.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
﴿وَمَا يَعْلَمُ﴾ الواو حالية ﴿ما﴾: نافية ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع ﴿تَأْوِيلَهُ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهُ﴾ فاعل،
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.
﴿فَأَمَّا﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت انقسام، الكتاب إلى نوعين، وأردت بيان أقسام من يتبعه.. فأقول لك ﴿أما﴾: حرف شرط، ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ. ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم ﴿زَيْغٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿أما﴾ واقعة في غير موضعها ﴿يتبعون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، والجملة الإسمية جواب ﴿أما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿أما﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا ﴿مَا تَشَابَهَ﴾ ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يتبعون﴾. ﴿تَشَابَهَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير الفاعل ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور حال، من فاعل ﴿تَشَابَهَ﴾ ﴿ابْتِغَاءَ﴾: مفعول لأجله وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾: مضاف إليه ﴿وَابْتِغَاءَ﴾: معطوف على ﴿ابْتِغَاءَ﴾ الأول، وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾ مضاف إليه، تأويل مضاف، والهاء: مضاف إليه.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
﴿وَمَا يَعْلَمُ﴾ الواو حالية ﴿ما﴾: نافية ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع ﴿تَأْوِيلَهُ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهُ﴾ فاعل،
190
والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير في قوله: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾. ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾: الواو استئنافية ﴿الراسخون﴾: مبتدأ ﴿فِي الْعِلْمِ﴾: متعلق به ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة، وإن شئت قلت: الواو عاطفة ﴿الراسخون﴾: معطوف على الجلالة، وجملة ﴿يَقُولُونَ﴾ حال من ﴿الراسخون﴾. ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾: مقول محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿آمَنَّا﴾، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿كُلٌّ﴾: مبتدأ ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾: جار ومجرور ومضافان إليه متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿وَمَا﴾ الواو استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿يَذَّكَّرُ﴾: فعل مضارع. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فاعل ومضاف إليه مرفوع بالواو، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)﴾.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ مقول محكى لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿لَا تُزِغْ﴾: ﴿لَا﴾: دعائية ﴿تُزِغْ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿قُلُوبَنَا﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول القول على كونها جوابًا للنداء. ﴿بَعْدَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿إِذْ﴾: حرف زائد بين المضاف والمضاف إليه لا معنى له ﴿هَدَيْتَنَا﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿بَعْدَ﴾ ﴿وَهَبْ لَنَا﴾ الواو عاطفة، ﴿هب﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا تُزِغْ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿هب﴾، ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾. ﴿مِن﴾ حرف جر، ﴿لدن﴾ ظرف مكان بمعنى: عند في محل الجر بـ ﴿مِن﴾ مبني على السكون لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًّا. ﴿لدن﴾ مضاف، والكاف: مضاف إليه والظرف متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿رَحْمَةً﴾: مفعول به. ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، والكاف اسمها. ﴿أَنْتَ﴾: ضم
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)﴾.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ مقول محكى لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿لَا تُزِغْ﴾: ﴿لَا﴾: دعائية ﴿تُزِغْ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿قُلُوبَنَا﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول القول على كونها جوابًا للنداء. ﴿بَعْدَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿إِذْ﴾: حرف زائد بين المضاف والمضاف إليه لا معنى له ﴿هَدَيْتَنَا﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿بَعْدَ﴾ ﴿وَهَبْ لَنَا﴾ الواو عاطفة، ﴿هب﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا تُزِغْ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿هب﴾، ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾. ﴿مِن﴾ حرف جر، ﴿لدن﴾ ظرف مكان بمعنى: عند في محل الجر بـ ﴿مِن﴾ مبني على السكون لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًّا. ﴿لدن﴾ مضاف، والكاف: مضاف إليه والظرف متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿رَحْمَةً﴾: مفعول به. ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، والكاف اسمها. ﴿أَنْتَ﴾: ضم
191
فصل أو مؤكد لاسم إن ﴿الْوَهَّابُ﴾: خبر إن، والجملة في محل النصب مقول القول.
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول. ﴿إِنَّكَ﴾: حرف نصب واسمها ﴿جَامِعُ النَّاسِ﴾ خبر ﴿إن﴾ ومضاف إليه، وجملة (إن) جواب النداء في محل النصب مقول القول ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَامِعُ﴾، واللام فيه بمعنى: في ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: ﴿لَا﴾ نافية ﴿رَيْبَ﴾ في محل النصب اسمها ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿لَا﴾ تقديره: لا ريب موجود فيه وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها ﴿لَا يُخْلِفُ﴾: ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يُخْلِفُ﴾؛ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْمِيعَادَ﴾: مفعول به وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾ أو مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
واختلف في: عمران الذي سميت به هذه السورة، فقيل المراد به: أبو موسى وهارون، فآله: هم موسى وهارون، وقيل المراد به: أبو مريم فالمراد بآله: مريم وابنها عيسى، ويرجح هذا القول ذكرُ قصتهما إثر ذكره وبين عمران أبي موسى وهارون، وعمران أبي مريم ألف وثمان مئة عام.
﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أم لا لكونهما أعجميين؟ فذهب جماعة إلى الأول، فقالوا: التوراة مشتقة من قولهم: وري الزند يري إذا قدح فخرج منه نار، فلما كانت التوراة فيها ضياء ونور يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور.. سمي هذا الكتاب بالتوراة. فأصلها (١): وورية فأبدلت الواو
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول. ﴿إِنَّكَ﴾: حرف نصب واسمها ﴿جَامِعُ النَّاسِ﴾ خبر ﴿إن﴾ ومضاف إليه، وجملة (إن) جواب النداء في محل النصب مقول القول ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَامِعُ﴾، واللام فيه بمعنى: في ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: ﴿لَا﴾ نافية ﴿رَيْبَ﴾ في محل النصب اسمها ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿لَا﴾ تقديره: لا ريب موجود فيه وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها ﴿لَا يُخْلِفُ﴾: ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يُخْلِفُ﴾؛ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْمِيعَادَ﴾: مفعول به وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾ أو مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
واختلف في: عمران الذي سميت به هذه السورة، فقيل المراد به: أبو موسى وهارون، فآله: هم موسى وهارون، وقيل المراد به: أبو مريم فالمراد بآله: مريم وابنها عيسى، ويرجح هذا القول ذكرُ قصتهما إثر ذكره وبين عمران أبي موسى وهارون، وعمران أبي مريم ألف وثمان مئة عام.
﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أم لا لكونهما أعجميين؟ فذهب جماعة إلى الأول، فقالوا: التوراة مشتقة من قولهم: وري الزند يري إذا قدح فخرج منه نار، فلما كانت التوراة فيها ضياء ونور يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور.. سمي هذا الكتاب بالتوراة. فأصلها (١): وورية فأبدلت الواو
(١) العكبري.
192
الأولى تاء وأبدلت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها. وقال الفراء: أصلها تورية على وزن تفعلة كتوصية من وري في كلامه تورية، ثم أبدلت من الكسرة الفتحة، فانقلبت الياء ألفًا كما قالوا في ناصية: ناصاة. ويجوز إمالتها؛ لأن أصل ألفها ياء.
﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: إفعيل من النجل، وهو التوسعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ووسعته، ومنه عين نجلاء، أي: واسعة الشق فسمي الإنجيل بذلك؛ لأنَّ فيه توسعة لم تكن في التوراة؛ إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة فيها، والصحيح أنهما ليسا مشتقين بل اسمان عبرانيان، وقرأ الحسن شذوذًا: (الأنجيل) - بفتح الهمزة - ولا يعرف له نظير؛ إذ ليس في الكلام أفعيل إلا أن الحسن ثقة فيجوز أن يكون سمعها.
﴿الْفُرْقَانَ﴾: فعلان من الفرق وهو في الأصل مصدر، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق، أو المفروق، ويجوز أن يكون التقدير: ذا الفرقان.
﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ الانتقام: افتعال من النقمة، وهي السطوة والانتصار، وقيل: هي المعاقبة على الذنب مبالغة في ذلك، ويقال: نقم ونقم إذا أنكر وانتقم إذا عاقبه بسبب ذنب تقدم منه.
﴿يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ يقال: صوَّره إذا جعل له صورة، والصورة الهيئة التي يكون عليها الشيء بالتأليف وهو بناء مبالغة من صاره إلى كذا يصوره إذا أماله إليه، فالصورة مائلة إلى هيئة وشبه مخصوص، وقال المروزي: التصوير ابتداء مثال من غير أن يسبقه نظير.
و ﴿الأرحام﴾: جمع رحم مشتق من الرحمة؛ لأنه مما يتراحم به.
﴿زَيْغٌ﴾. الزيغ مصدر زاغ يزيغ زيغًا من باب باع، ومعناه: الميل ومنه: زاغت الشمس، وزاغت الأبصار، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين.
﴿ابتغاء تأويله﴾ التأويل مصدر أوَّل من باب: فعَّل المضعف، ومعناه آخر
﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: إفعيل من النجل، وهو التوسعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ووسعته، ومنه عين نجلاء، أي: واسعة الشق فسمي الإنجيل بذلك؛ لأنَّ فيه توسعة لم تكن في التوراة؛ إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة فيها، والصحيح أنهما ليسا مشتقين بل اسمان عبرانيان، وقرأ الحسن شذوذًا: (الأنجيل) - بفتح الهمزة - ولا يعرف له نظير؛ إذ ليس في الكلام أفعيل إلا أن الحسن ثقة فيجوز أن يكون سمعها.
﴿الْفُرْقَانَ﴾: فعلان من الفرق وهو في الأصل مصدر، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق، أو المفروق، ويجوز أن يكون التقدير: ذا الفرقان.
﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ الانتقام: افتعال من النقمة، وهي السطوة والانتصار، وقيل: هي المعاقبة على الذنب مبالغة في ذلك، ويقال: نقم ونقم إذا أنكر وانتقم إذا عاقبه بسبب ذنب تقدم منه.
﴿يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ يقال: صوَّره إذا جعل له صورة، والصورة الهيئة التي يكون عليها الشيء بالتأليف وهو بناء مبالغة من صاره إلى كذا يصوره إذا أماله إليه، فالصورة مائلة إلى هيئة وشبه مخصوص، وقال المروزي: التصوير ابتداء مثال من غير أن يسبقه نظير.
و ﴿الأرحام﴾: جمع رحم مشتق من الرحمة؛ لأنه مما يتراحم به.
﴿زَيْغٌ﴾. الزيغ مصدر زاغ يزيغ زيغًا من باب باع، ومعناه: الميل ومنه: زاغت الشمس، وزاغت الأبصار، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين.
﴿ابتغاء تأويله﴾ التأويل مصدر أوَّل من باب: فعَّل المضعف، ومعناه آخر
193
الشيء ومآله ﴿الراسخون﴾: جمع راسخ اسم فاعل من رسخ - من باب خضع - يرسخ رسوخًا، والرسوخ: الثبوت.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة والفصاحة أنواعًا كثيرة (١):
منها: حسن الإبهام؛ وهو فيما افتتحت به لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
ومنها: مجاز التشبيه في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾؛ لأن حقيقة التنزيل طرح جرم من علو إلى أسفل، والقرآن مثبت في اللوح المحفوظ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل، فشبِّه به وأُطلق عليه لفظ التنزيل.
وعبر أيضًا عن القرآن بالكتاب الذي هو اسم جنس إيذانًا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، كأنه الحقيق بأن يطلق عليه اسم الكتاب.
وفي قوله: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ شبَّه القرآن المصدق لما تقدمه من الكتب بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئًا فشيئًا.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمرًا؛ أي: يستره لما فيها من المعاني الغامضة، وشبه الإنجيل لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النبلاء، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد الطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ لأنه شبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين.
وفي قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ شبه أمره بقوله: كن، أو تعلق إرادته بكونه جاء
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة والفصاحة أنواعًا كثيرة (١):
منها: حسن الإبهام؛ وهو فيما افتتحت به لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
ومنها: مجاز التشبيه في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾؛ لأن حقيقة التنزيل طرح جرم من علو إلى أسفل، والقرآن مثبت في اللوح المحفوظ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل، فشبِّه به وأُطلق عليه لفظ التنزيل.
وعبر أيضًا عن القرآن بالكتاب الذي هو اسم جنس إيذانًا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، كأنه الحقيق بأن يطلق عليه اسم الكتاب.
وفي قوله: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ شبَّه القرآن المصدق لما تقدمه من الكتب بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئًا فشيئًا.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمرًا؛ أي: يستره لما فيها من المعاني الغامضة، وشبه الإنجيل لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النبلاء، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد الطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ لأنه شبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين.
وفي قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ شبه أمره بقوله: كن، أو تعلق إرادته بكونه جاء
(١) البحر المحيط.
194
على غاية من الأحكام والصنع بمصوِّر يمثِّل شيئًا فيضم جرمًا إلى جرم ويصور منه صورة.
وفي قوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه، وفي غير ذلك، وقيل: هذه كلها استعارات ولا تشبيه فيها؛ لأنه لم يصرح فيها بذكر أداة التشبيه.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ على تفسير من فسَّره بالزبور، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل؛ لأن أصحاب الكتب، إذ ذاك المؤمنون واليهود والنصارى. وفي قوله: ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ خصهما بالذكر؛ لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا. وفي قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم وفي قوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز والنظر والاعتبار وفي قوله: ﴿لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ اختص القلوب؛ لأن بها صلاح الجسد وفساده وليس كذلك بقية الأعضاء؛ ولأنها محل الإيمان، إلى غير ذلك ومنها الالتفات في قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
وفي قوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه، وفي غير ذلك، وقيل: هذه كلها استعارات ولا تشبيه فيها؛ لأنه لم يصرح فيها بذكر أداة التشبيه.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ على تفسير من فسَّره بالزبور، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل؛ لأن أصحاب الكتب، إذ ذاك المؤمنون واليهود والنصارى. وفي قوله: ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ خصهما بالذكر؛ لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا. وفي قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم وفي قوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز والنظر والاعتبار وفي قوله: ﴿لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ اختص القلوب؛ لأن بها صلاح الجسد وفساده وليس كذلك بقية الأعضاء؛ ولأنها محل الإيمان، إلى غير ذلك ومنها الالتفات في قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
195
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
المناسبة
لما حكى الله تعالى عن المؤمنين دعاءهم أن يثبتهم الله على الإيمان.. حكى عن الكافرين سبب كفرهم وهو: اغترارهم في هذه الحياة الدنيا بكثرة المال والبنين، وبين أنها لن تدفع عنهم عذاب الله كما لم تغنِ عنهم شيئًا في الدنيا. وضرب على ذلك الأمثال بغزوة بدر حيث التقى فيها جند الرحمن بجند الشيطان، وكانت النتيجة اندحار الكافرين مع كثرتهم وانتصار المؤمنين مع قلتهم، فلم تنفعهم الأموال ولا الأولاد، ثم أعقب تعالى ذلك بذكر شهوات الدنيا، ومُتع الحياة التي يتنافس الناس فيها، ثم ختمها بالتذكير بأن ما عند الله خير للأبرار.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ...﴾ سبب نزوله (١): ما روى
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
المناسبة
لما حكى الله تعالى عن المؤمنين دعاءهم أن يثبتهم الله على الإيمان.. حكى عن الكافرين سبب كفرهم وهو: اغترارهم في هذه الحياة الدنيا بكثرة المال والبنين، وبين أنها لن تدفع عنهم عذاب الله كما لم تغنِ عنهم شيئًا في الدنيا. وضرب على ذلك الأمثال بغزوة بدر حيث التقى فيها جند الرحمن بجند الشيطان، وكانت النتيجة اندحار الكافرين مع كثرتهم وانتصار المؤمنين مع قلتهم، فلم تنفعهم الأموال ولا الأولاد، ثم أعقب تعالى ذلك بذكر شهوات الدنيا، ومُتع الحياة التي يتنافس الناس فيها، ثم ختمها بالتذكير بأن ما عند الله خير للأبرار.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ...﴾ سبب نزوله (١): ما روى
(١) لباب النقول.
196
أبو داود في "سننه" والبيهقي في "الدلائل" من طريق أبي إسحاق عن محمَّد ابن أبي محمَّد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - ﷺ - لما أصاب قريشًا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال لهم: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشًا فقد عرفتم أني نبي مرسل، فقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال - يعني: جهالًا لا علم لهم بالحرب - إنك والله لو قاتلتنا.. لعرفت أنا نحن الرجال، وأنك لم تلقَ مثلنا، فأنزل الله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ الآية إلى قوله: ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
وأخرج ابن جرير (١) عن ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، وكان المشركون مثليهم ست مئة وستة وعشرين، فأيد الله المؤمنين.
التفسير وأوجه القراءة
١٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا ما قد عرفوه من نبوة محمَّد - ﷺ - سواء كانوا من بني إسرائيل، أم من كفار العرب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ﴾؛ أي: لن تدفع عنهم ولن تنجيهم، ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ الذين يتناصرون ويتفاخرون بهم في مهام أمورهم ويعولون عليهم في الخطوب النازلة ﴿مِنَ﴾ عذاب ﴿اللَّهِ شَيْئًا﴾ وقد كانوا يقولون نحن أكثر أموالًا وأولادًا وما نحن بمعذبين، فرد الله عليهم بقوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ ﴿وَأُولَئِكَ﴾ الكفرة ﴿هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: حطب النار الذي تسجر
وأخرج ابن جرير (١) عن ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، وكان المشركون مثليهم ست مئة وستة وعشرين، فأيد الله المؤمنين.
التفسير وأوجه القراءة
١٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا ما قد عرفوه من نبوة محمَّد - ﷺ - سواء كانوا من بني إسرائيل، أم من كفار العرب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ﴾؛ أي: لن تدفع عنهم ولن تنجيهم، ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ الذين يتناصرون ويتفاخرون بهم في مهام أمورهم ويعولون عليهم في الخطوب النازلة ﴿مِنَ﴾ عذاب ﴿اللَّهِ شَيْئًا﴾ وقد كانوا يقولون نحن أكثر أموالًا وأولادًا وما نحن بمعذبين، فرد الله عليهم بقوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ ﴿وَأُولَئِكَ﴾ الكفرة ﴿هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: حطب النار الذي تسجر
(١) الشوكاني.
وتسعر به؛ أي: سيكونون يوم القيامة حطبًا لجهنم التي تُسعَّر بهم.
وقيل: المراد بهؤلاء الكفرة: وفد نجران، وذلك لأن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه كرز: إني لأعلم أن محمدًا رسول الله حقًّا، وهو النبي الذي كنا ننتظره، ولكني إن أظهرت إيماني بمحمد أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال الكثير والجاه، فالله تعالى بين أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة.
وقرأ أبو عبد الرحمن ﴿لن يغني﴾ بالياء على تذكير العلامة، وقرأ علي: (لن تغني) بسكون الياء، وقرأ الحسن ﴿لن يغني﴾ بالياء أولًا وبالياء الساكنة آخرًا وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع، وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة وينبغي أن لا يخص بها إذ كثر ذلك في كلامهم وكل هذه القراءة شاذ عدا قراءة الجمهور ﴿تغنيَ﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿وَقُودُ﴾ بفتح الواو بمعنى: الحطب الذي توقد به النار، وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف شذوذًا: ﴿وُقُود﴾ بضم الواو وهو مصدر: وقدت النار تقد وقودًا، ويكون على حذف مضاف؛ أي: أهل وقود النار أو حطب وقود النار، أو جعلهم نفس الحطب مبالغة، وقد قيل في المصدر أيضًا: وَقود بفتح الواو، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو فيحتاج إلى تقدير مضاف؛ أي: هم أهل وقود النار.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن من كفر وكذب بالله، مآله إلى النار، ولن يغني عنه ماله ولا ولده.. ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله - ﷺ - وترتب العذاب على كفرهم كشأن من تقدم من كفار الأمم الماضية وأخذوا بذنوبهم وعذبوا عليها، ونبه على آل فرعون؛ لأن الكلام مع بني إسرائيل، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخرًا إلى النار وظهور بني إسرائيل عليهم وتوريثهم أماكن ملكهم، ففي هذا كله بشارة لرسول الله - ﷺ - ولمن
١١ - آمن به: أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاستئصال، وفي الآخرة إلى النار، كما جرى لآل فرعون؛ أُهلكوا في الدنيا وصاروا إلى النار، فقال: {كَدَأْبِ آلِ
وقيل: المراد بهؤلاء الكفرة: وفد نجران، وذلك لأن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه كرز: إني لأعلم أن محمدًا رسول الله حقًّا، وهو النبي الذي كنا ننتظره، ولكني إن أظهرت إيماني بمحمد أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال الكثير والجاه، فالله تعالى بين أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة.
وقرأ أبو عبد الرحمن ﴿لن يغني﴾ بالياء على تذكير العلامة، وقرأ علي: (لن تغني) بسكون الياء، وقرأ الحسن ﴿لن يغني﴾ بالياء أولًا وبالياء الساكنة آخرًا وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع، وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة وينبغي أن لا يخص بها إذ كثر ذلك في كلامهم وكل هذه القراءة شاذ عدا قراءة الجمهور ﴿تغنيَ﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿وَقُودُ﴾ بفتح الواو بمعنى: الحطب الذي توقد به النار، وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف شذوذًا: ﴿وُقُود﴾ بضم الواو وهو مصدر: وقدت النار تقد وقودًا، ويكون على حذف مضاف؛ أي: أهل وقود النار أو حطب وقود النار، أو جعلهم نفس الحطب مبالغة، وقد قيل في المصدر أيضًا: وَقود بفتح الواو، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو فيحتاج إلى تقدير مضاف؛ أي: هم أهل وقود النار.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن من كفر وكذب بالله، مآله إلى النار، ولن يغني عنه ماله ولا ولده.. ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله - ﷺ - وترتب العذاب على كفرهم كشأن من تقدم من كفار الأمم الماضية وأخذوا بذنوبهم وعذبوا عليها، ونبه على آل فرعون؛ لأن الكلام مع بني إسرائيل، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخرًا إلى النار وظهور بني إسرائيل عليهم وتوريثهم أماكن ملكهم، ففي هذا كله بشارة لرسول الله - ﷺ - ولمن
١١ - آمن به: أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاستئصال، وفي الآخرة إلى النار، كما جرى لآل فرعون؛ أُهلكوا في الدنيا وصاروا إلى النار، فقال: {كَدَأْبِ آلِ
فِرْعَوْنَ}؛ أي: شأن هؤلاء الكفرة في تكذيبهم محمدًا - ﷺ - وكفرهم بشريعته وصنيعهم وعادتهم، كدأب آل فرعون، أي: كشأن فرعون وقومه وعادتهم في تكذيبهم موسى وشريعته ﴿وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾؛ أي: وكدأب الأمم الذين من قبل قوم فرعون من كفار الأمم الماضية في تكذيبهم أنبياءهم كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم إبراهيم وغيرهم ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: قد كذب آل فرعون ومن قبلهم بآياتنا ومعجزاتنا الدالة على صدق رسلنا وأنكروها، ومتى كذبوا بها. فقد كذبوا الأنبياء بلا شك ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: عاقب الله آل فرعون ومن قبلهم ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾؛ أي: أهلكهم بتكذيبهم المعجزات الدالة على صدق الرسل، وإنكارها، ونَصَر الرسل ومن آمن معهم ولم يجدوا من بأس الله محيصًا ولا مهربًا؛ إذ عقابه أثر طبيعي لاجتراح الذنوب وارتكاب الموبقات. وجملة ﴿كَذَّبُوا﴾؛ إلى آخرها تفسير لدأبهم مما فعلوا أو فعل بهم.
وإنما استعمل الأخذ في العقاب؛ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأسور المأخوذ الذي لا يقدر على التخلص ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؛ أي: أليم العذاب شديد البطش، والغرض من الآية أن كفار قريش كفروا كما كفر أولئك المعاندون من آل فرعون ومن سبقهم، فلما لم تنفع أولئك أموالهم ولا أولادهم.. فكذا لن تنفع هؤلاء، وفي هذه الجملة إشارة إلى شدة سطوة الله على من كفر بآياته وكذب
١٢ - بها، ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال: ﴿قُل﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: ليهود المدينة ومشركي مكة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾؛ أي: يغلبكم المسلمون عن قريب في الدنيا وقد صدق الله تعالى وعده بقتل بني قريظة، فقد قتل منهم النبي - ﷺ - في يوم واحد ست مئة، جمعهم في سوق بني قينقاع وأمر السياف بضرب أعناقهم، وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها، وبإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على أهلها وبالأسر على بعض ولله الحمد. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾؛ أي: تجمعون وتساقون ﴿إلى﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾؛ أي: قبح المهاد والفراش الذي مهدتموه وفرشتموه لأنفسكم، والمخصوص بالذم نار جهنم، ودلت الآية على حصول البعث في يوم القيامة والنشر والحشر وعلى أن مرد الكافرين النار.
وإنما استعمل الأخذ في العقاب؛ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأسور المأخوذ الذي لا يقدر على التخلص ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؛ أي: أليم العذاب شديد البطش، والغرض من الآية أن كفار قريش كفروا كما كفر أولئك المعاندون من آل فرعون ومن سبقهم، فلما لم تنفع أولئك أموالهم ولا أولادهم.. فكذا لن تنفع هؤلاء، وفي هذه الجملة إشارة إلى شدة سطوة الله على من كفر بآياته وكذب
١٢ - بها، ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال: ﴿قُل﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: ليهود المدينة ومشركي مكة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾؛ أي: يغلبكم المسلمون عن قريب في الدنيا وقد صدق الله تعالى وعده بقتل بني قريظة، فقد قتل منهم النبي - ﷺ - في يوم واحد ست مئة، جمعهم في سوق بني قينقاع وأمر السياف بضرب أعناقهم، وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها، وبإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على أهلها وبالأسر على بعض ولله الحمد. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾؛ أي: تجمعون وتساقون ﴿إلى﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾؛ أي: قبح المهاد والفراش الذي مهدتموه وفرشتموه لأنفسكم، والمخصوص بالذم نار جهنم، ودلت الآية على حصول البعث في يوم القيامة والنشر والحشر وعلى أن مرد الكافرين النار.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف (١): ﴿سيغلبون ويحشرون﴾ بالياء على الغيبة. وقرأ باقي السبعة: بالتاء خطابًا؛ أي: قل لهم في خطابك إياهم ستغلبون وتحشرون. فتكون الجملتان مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾، وعلى قراءة الياء لا تكون الجملة محكية بـ ﴿قُلْ﴾ بل محكية بقول آخر تقديره: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة.
والفرق بينهما (٢): أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى،
١٣ - وعلى الغيبة يكون بلفظه. ثم حذرهم وأنذرهم بأن لا يغتروا بكثرة العَدَد والعُدَّة فلهم مما يشاهدون عبرة فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾. وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقدير مضمون ما قبله، ولم يقل: كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله: لكم، وقال ابن جرير: الخطاب فيه لليهود والمعنى: قل يا محمَّد لليهود: واللهِ لقد كانت وحصلت لكم علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم من أنكم ستغلبون ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾؛ أي في فرقتين اجتمعتا يوم بدر للقتال ﴿فِئَةٌ﴾؛ أي: فرقة منهما ﴿تُقَاتِلُ﴾ وتجاهد ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في طاعة الله؛ لإعلاء كلمته، وهم رسول الله - ﷺ - وأصحابه، وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومئتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرًا بين كل أربعة منهم بعير واحد ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمرو ولمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة دروع وثمانية سيوف. وقراءة العامة: ﴿فِئَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما. وقرأ الحسن ومجاهد وحميد شذوذًا: ﴿فئةٍ﴾ بالجر على البدلية من فئتين. وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: ﴿فئة﴾ بالنصب، فيكون نصب الأولى على المدح، والثاني على الذم، وكأنه قال: أمدح فئة تقاتل
والفرق بينهما (٢): أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى،
١٣ - وعلى الغيبة يكون بلفظه. ثم حذرهم وأنذرهم بأن لا يغتروا بكثرة العَدَد والعُدَّة فلهم مما يشاهدون عبرة فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾. وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقدير مضمون ما قبله، ولم يقل: كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله: لكم، وقال ابن جرير: الخطاب فيه لليهود والمعنى: قل يا محمَّد لليهود: واللهِ لقد كانت وحصلت لكم علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم من أنكم ستغلبون ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾؛ أي في فرقتين اجتمعتا يوم بدر للقتال ﴿فِئَةٌ﴾؛ أي: فرقة منهما ﴿تُقَاتِلُ﴾ وتجاهد ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في طاعة الله؛ لإعلاء كلمته، وهم رسول الله - ﷺ - وأصحابه، وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومئتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرًا بين كل أربعة منهم بعير واحد ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمرو ولمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة دروع وثمانية سيوف. وقراءة العامة: ﴿فِئَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما. وقرأ الحسن ومجاهد وحميد شذوذًا: ﴿فئةٍ﴾ بالجر على البدلية من فئتين. وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: ﴿فئة﴾ بالنصب، فيكون نصب الأولى على المدح، والثاني على الذم، وكأنه قال: أمدح فئة تقاتل
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
200
في سبيل الله، وأذم أخرى كافرة. وقرأ الجمهور: ﴿تُقَاتِلُ﴾ بالتاء على تأنيث الفئة، وقرأ مجاهد ومقاتل شذوذًا: ﴿يقاتل﴾ بالياء على التذكير نظرًا لكون الفئة بمعنى القوم ﴿و﴾ فرقة ﴿أخرى كافرة﴾ كافرة بالله ورسوله وهم مشركوا مكة، وكانوا تسع مئة وخمسين رجلًا من المقاتلة، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، وكان رئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان فيهم مئة فرس، وكانت معهم من الإبل سبع مئة وأهل الخيل كلهم كانوا دارعين وكان في الرجال دروع سوى ذلك، وكانت وقعة بدر أول مشهد شهده رسول الله - ﷺ - بعد الهجرة ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾؛ أي: يرى المشركون المؤمنين بعد ما شرعوا في القتال ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾؛ أي: مثلي عدد المشركين قريبًا من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفًا وعشرين ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾؛ أي: في رأي العين؛ أي: رؤية ظاهرة محققة بالعين لا بالوهم والخيال، وذلك أنه تعالى كَثَّر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا ويجبنوا عن قتالهم ولا يعارض هذا ما قال في سورة الأنفال: ﴿ويقللكم في أعينهم﴾؛ لأنهم قللوا أولًا في أعينهم حتى اجترؤوا على قتالهم، فلما اجتمعوا. كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المجمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى لها: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾، ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية.
وهذا (١) على قراءة الجمهور بالياء التحتانية، وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة وسهل ويعقوب ﴿ترونهم﴾ بالتاء على الخطاب، والمعنى: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة، ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدًّا، فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم، وقرأ ابن عباس وطلحة ﴿تُرَونهم﴾ بضم التاء على الخطاب، وقرأ السلمي: بضم الباء على الغيبة.
وهذا (١) على قراءة الجمهور بالياء التحتانية، وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة وسهل ويعقوب ﴿ترونهم﴾ بالتاء على الخطاب، والمعنى: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة، ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدًّا، فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم، وقرأ ابن عباس وطلحة ﴿تُرَونهم﴾ بضم التاء على الخطاب، وقرأ السلمي: بضم الباء على الغيبة.
(١) البحر المحيط.
201
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ويقوي ﴿بِنَصْرِهِ﴾ وعونه ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ ويريد نصره على عدوه ولو بدون الأسباب العادية ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ النصر لمحمد - ﷺ - وأصحابه يوم بدر مع قلتهم عَدَدًا وعُدَدًا أو رؤية القليل كثيرًا، أو في غلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح ﴿لَعِبْرَةً﴾ عظيمة؛ أي: لعظة عظيمة ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾؛ أي: لأصحاب العقول الكاملة والأفكار السليمة المستقيمة والمعنى: إن في هذا النصر مع قلة عددهم وكثرة عدوهم عظةٌ لمن عقل وتدبر فعرف الحق وثلج قلبه ببرد اليقين.
ووجه (١) نظم هذه الآية أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله - ﷺ - لما دعاهم إلى الإِسلام.. أظهروا التمرد، وقالوا: لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما يغلب كل من ينازعنا، فالله تعالى قال لهم: إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب العدد والعدة.. فإنكم ستغلبون، ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
١٤ - وروي أنه - ﷺ - لما دعا اليهود إلى الإِسلام بعد غزوة بدر.. أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبين الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، فقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾؛ أي: حسن لجنس الناس والآدميين. قرأ الجمهور: ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمفعول. وقرأ الضحاك: ﴿زَيَّنَ﴾ بالبناء للفاعل، والشهوات: جمع شهوة وهو توقان النفس إلى الشيء المشتهى، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؛ أي: حسن لهم حب المشتهيات المذكورة، سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾، والمزيِّن لها هو الله تعالى عند أهل السنّة لا الشيطان كما قالت المعتزلة؛ لأنه
ووجه (١) نظم هذه الآية أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله - ﷺ - لما دعاهم إلى الإِسلام.. أظهروا التمرد، وقالوا: لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما يغلب كل من ينازعنا، فالله تعالى قال لهم: إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب العدد والعدة.. فإنكم ستغلبون، ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
١٤ - وروي أنه - ﷺ - لما دعا اليهود إلى الإِسلام بعد غزوة بدر.. أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبين الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، فقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾؛ أي: حسن لجنس الناس والآدميين. قرأ الجمهور: ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمفعول. وقرأ الضحاك: ﴿زَيَّنَ﴾ بالبناء للفاعل، والشهوات: جمع شهوة وهو توقان النفس إلى الشيء المشتهى، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؛ أي: حسن لهم حب المشتهيات المذكورة، سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾، والمزيِّن لها هو الله تعالى عند أهل السنّة لا الشيطان كما قالت المعتزلة؛ لأنه
(١) المراح.
202
تعالى خالق كل شيء ولا شريك له في ملكه، ولعله زينه ابتلاءً، أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى، ولأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع الإنساني. وتزيين الله: عبارة عن جعل القلوب متعلقة بها مائلة إليها، وتزيين الشيطان ووسوسته وتحسينه الميل إليها حالة كون تلك المشتهيات ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾، والإماء داخلة فيها وإنما بدأ بذكر النساء؛ لأن الالتذاذ بهن أكثر، والاستئناس بهن أتم، ولأنهن حبائل الشيطان وأقرب إلى الافتتان ﴿و﴾ من ﴿البنين﴾: جمع ابن، وإنما خص البنين بالذكر؛ لأن حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى؛ لأنه يتكثر به ويعضده، ويقوم مقامه، وقد جعل الله تعالى في قلب الإنسان حب الزوجة والولد لحكمة بالغة، وهي بقاء التوالد. ولولا تلك المحبة لما حصل ذلك ﴿و﴾ من ﴿القناطير﴾؛ أي: ومن الأموال الكثيرة والكنوز الوفيرة ﴿الْمُقَنْطَرَةِ﴾؛ أي: المجموعة أو المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير، وإنما كانا محبوبين؛ لأنهما جعلا ثمن جمع الأشياء، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء، وقوله: ﴿مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾ بيان للقناطير، أو حال منه، والواو فيه بمعنى: أو المانعة الخلو فتجوز الجمع. قيل: سُمي الذهب ذهبًا؛ لسرعة ذهابه بالإنفاق، والفضة فضة لأنها تنفض؛ أي: تتفرق بالإنفاق، والفض: التفرق ﴿و﴾ من ﴿الخيل المسومة﴾؛ أي: المرعية في المروج والمسارح، يقال: سامت الدابة إذا سرحت ورعت، والمقصود أنها إذا رعت زاد حسنها، أو المعلمة بعلامة خلقية بأن تكون غرًّا محجلة، أو بعلامة طارئة لتتميز عن غيرها كالكي، وقيل: الحسان المعدة للجهاد ﴿و﴾ من ﴿الأنعام﴾ جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم؛ لأن منها المركب والمطعم والزينة ﴿و﴾ من ﴿الحرث﴾؛ أي: ومن المزروع والمغروس وهو مصدر بمعنى: المحروث الشامل للمغروس؛ لأن فيه تحصيل أقواتهم ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الأصناف السابقة ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: ما يتمتع ويتنعم به مدة الحياة الدنيا، ثم يذهب ولا يبقى ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾؛ أي: المآب الحسن؛ أي؛ المرجع الحسن الدائم الذي لا يفنى في الآخرة وهو الجنة، لمن ترك ذلك. وفيه تزهيد من الدنيا وترغيب في الآخرة، وقيل: فيه إشارة إلى
203
أن من آتاه الله الدنيا كان الواجب عليه أن يصرفها فيما يكون فيه صلاحه في الآخرة؛ لأنها السعادة القصوى.
إيضاح معنى الآية: معنى تزيين حب الشهوات للناس: أن حبها مستحسن لديهم، لا يرون فيه قبحًا ولا غضاضة، ومن ثمَّ لا يكادون يرجعون عنه، وهذا أقصى مراتب الحب، وصاحبه قلما يفطن لقبحه أو ضرره إن كان قبيحًا أو ضارًّا، ولا يحب أن يرجع عنه وإن تأذى به وقد يحب الإنسان شيئًا وهو يراه شيئًا لا زينًا، وضارًّا لا نافعًا، كما يحب بعض الناس شرب الدخان على تأذيه منه، ومن أحب شيئًا ولم يزين له يوشك أن يرجع عنه يومًا ما، ومن زين له حبه فلا يكاد يرجع عنه.
والمعنى: أن الله تعالى فطر الناس على حب هذه الشهوات الستة المبينة في الآية وغيرها كآلات الملاهي:
فأولها: النساء: وهي موضع الرغبة ومطمح الأنظار، وإليهن تسكن النفوس، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ الآية، وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدهم وجدهم، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن، فإسرافهم في حبهن له الأثر العظيم في شؤون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.
وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهن قد يزول وحب الأولاد لا يزول؛ لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلو والإسراف كحب المرأة، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده، فكثير ممن تزوجوا فوق الواحدة أفرطو في حب واحدة وقلوا أخرى وأهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق، وقد وسعوه على أولاد المحبوبة. وكم من غني عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم، فهو يفعل ذلك للتقرب عندها وابتغاء الزلفى إليها.
وثانيها: البنون: والمراد بهم الأولاد مطلقًا كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
إيضاح معنى الآية: معنى تزيين حب الشهوات للناس: أن حبها مستحسن لديهم، لا يرون فيه قبحًا ولا غضاضة، ومن ثمَّ لا يكادون يرجعون عنه، وهذا أقصى مراتب الحب، وصاحبه قلما يفطن لقبحه أو ضرره إن كان قبيحًا أو ضارًّا، ولا يحب أن يرجع عنه وإن تأذى به وقد يحب الإنسان شيئًا وهو يراه شيئًا لا زينًا، وضارًّا لا نافعًا، كما يحب بعض الناس شرب الدخان على تأذيه منه، ومن أحب شيئًا ولم يزين له يوشك أن يرجع عنه يومًا ما، ومن زين له حبه فلا يكاد يرجع عنه.
والمعنى: أن الله تعالى فطر الناس على حب هذه الشهوات الستة المبينة في الآية وغيرها كآلات الملاهي:
فأولها: النساء: وهي موضع الرغبة ومطمح الأنظار، وإليهن تسكن النفوس، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ الآية، وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدهم وجدهم، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن، فإسرافهم في حبهن له الأثر العظيم في شؤون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.
وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهن قد يزول وحب الأولاد لا يزول؛ لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلو والإسراف كحب المرأة، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده، فكثير ممن تزوجوا فوق الواحدة أفرطو في حب واحدة وقلوا أخرى وأهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق، وقد وسعوه على أولاد المحبوبة. وكم من غني عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم، فهو يفعل ذلك للتقرب عندها وابتغاء الزلفى إليها.
وثانيها: البنون: والمراد بهم الأولاد مطلقًا كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
204
وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، وفي الحديث: "الولد مجبنة مبخلة".
والعلة في حب الزوجة والولد واحدة: وهي تسلسل النسل وبقاء النوع، وهي حكمة مطردة في غير الإنسان من الحيوانات الأخرى.
وحب البنين أقوى من حب البنات لأسباب كثيرة:
ومنها: أنهم عمود النسب الذي به تتصل سلسلة النسل، وبه يبقى ما يحرص عليه الإنسان من بقاء الذكر وحسن الأحدوثة بين الناس.
ومنها: أمل الوالد في كفالتهم له حين الحاجة إليهم لضعف أو كبر.
ومنها؛ أنه يرجي بهم من الشرف ما لا يرجي الإناث كنبوغ في علم أو عمل أو رياسة أو قيادة جيش للدفاع عن الوطن وحفظ كيان الأمة.
ومنها: الشعور بأن الأنثى حين الكبر تنفصل من عشيرتها، وتتصل بعشيرة أخرى.
وثالثها: القناطير المقنطرة من الذهب والفضة: والعرب تريد بالقنطار المال الكثير والمقنطرة مأخوذة منه على سبيل التوكيد، وقد جرت عادتهم بأن يصفوا الشيء بما يشتق منه مبالغة، كما قالوا: ألوف مؤلفة، وظل ظليل، وليل أليل وهذا التعبير يشعر بالكثرة التي تكون مظنة الافتتان، والتي تشغل القلب للتمتع بها وتستغرق في تدبيرها الوقت الكثير حتى لا يبقى بعد ذلك منفذ للشعور بالحاجة إلى نصرة الحق والاستعداد لأعمال الآخرة.
ومن ثمَّ كان الأغنياء في كل الأمم لدى بعثة الرسل أول الكافرين المستكبرين عن تلبية دعوتهم وإن أجابوها وآمنوا.. فهم أقل الناس عملًا وأكثرهم بعدًا عن هدي الدين انظر إلى قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾.
وحب المال مما أودع في غرائز البشر واختلط بلحمهم ودمهم، وسر هذا: أنه وسيلة إلى جلب الرغائب وسبيل إلى نيل اللذات والشهوات، ورغبات الإنسان
والعلة في حب الزوجة والولد واحدة: وهي تسلسل النسل وبقاء النوع، وهي حكمة مطردة في غير الإنسان من الحيوانات الأخرى.
وحب البنين أقوى من حب البنات لأسباب كثيرة:
ومنها: أنهم عمود النسب الذي به تتصل سلسلة النسل، وبه يبقى ما يحرص عليه الإنسان من بقاء الذكر وحسن الأحدوثة بين الناس.
ومنها: أمل الوالد في كفالتهم له حين الحاجة إليهم لضعف أو كبر.
ومنها؛ أنه يرجي بهم من الشرف ما لا يرجي الإناث كنبوغ في علم أو عمل أو رياسة أو قيادة جيش للدفاع عن الوطن وحفظ كيان الأمة.
ومنها: الشعور بأن الأنثى حين الكبر تنفصل من عشيرتها، وتتصل بعشيرة أخرى.
وثالثها: القناطير المقنطرة من الذهب والفضة: والعرب تريد بالقنطار المال الكثير والمقنطرة مأخوذة منه على سبيل التوكيد، وقد جرت عادتهم بأن يصفوا الشيء بما يشتق منه مبالغة، كما قالوا: ألوف مؤلفة، وظل ظليل، وليل أليل وهذا التعبير يشعر بالكثرة التي تكون مظنة الافتتان، والتي تشغل القلب للتمتع بها وتستغرق في تدبيرها الوقت الكثير حتى لا يبقى بعد ذلك منفذ للشعور بالحاجة إلى نصرة الحق والاستعداد لأعمال الآخرة.
ومن ثمَّ كان الأغنياء في كل الأمم لدى بعثة الرسل أول الكافرين المستكبرين عن تلبية دعوتهم وإن أجابوها وآمنوا.. فهم أقل الناس عملًا وأكثرهم بعدًا عن هدي الدين انظر إلى قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾.
وحب المال مما أودع في غرائز البشر واختلط بلحمهم ودمهم، وسر هذا: أنه وسيلة إلى جلب الرغائب وسبيل إلى نيل اللذات والشهوات، ورغبات الإنسان
205
غير محدودة، ولذاته لا عد لها ولا حصر، وكلما حصل على لذة طلب المزيد منها، وما وصل إلى غاية في جمع المال إلا تاقت نفسه إلى ما فوقها حتى يبلغ به النهم في جمعه أن ينسى أن المال وسيلة لا مقصد، فيتفنن في الوصول إليه الفنون المختلفة والطرق التي تعن له، ولا يبالي أمن حلال كسب أم من حرام؟
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قوله - ﷺ -: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" ولقد أعمَّتْ فتنة المال كثيرًا من الناس، فشغلتهم عن حقوق الله وحقوق الأمة والوطن، بل عن حقوق من يعاملهم، بل عن حقوق بيوتهم وعيالهم، بل عن أنفسهم، ومنهم من يقصر في النفقة على نفسه وعياله بالقدر الذي يزري بمروءته، فيظهر بمظهر المسترذل بين الناس في مأكله ومشربه وملبسه، ومنهم من يثلم بشرفه ويفتح ثغره للطاعنين والقائلين فيه بالحق وبالباطل؛ لأجل المال ومن ثم قالوا: المال ميّال.
ورابعها: ﴿الخيل المسومة﴾ التي ترعى في الأودية يقال: سام الدابة: رعاها وأسامها أخرجها إلى المرعى وكل من الخيل الراعية التي تقتنى للتجارة والمعلمة التي يقتنيها العظماء والأغنياء، من المتاع الذي يتنافس فيه الناس ويتفاخرون حتى لقد يتغالى بعضهم في ذلك إلى حد هو أشبه بالجنون.
وخامسها: ﴿الأنعام﴾: وهي مال أهل البادية، ومنها تكون ثروتهم ومعايشهم ومرافقهم، وبها تفاخرهم وتكاثرهم، وقد امتن الله بها على عباده بقوله: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)﴾ إلى قوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وسادسها: ﴿الحرث﴾ وعليه قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر والحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الأنواع السالفة، والانتفاع به أتم منها، لكنه أخر عنها لأنه لما عم الارتفاق به.. كانت زينته في القلوب أقلَّ، وقلما يكون الانتفاع به صادرًا عن الاستعداد لأعمال الآخرة، أو مانعًا من نصرة الحق.
وهناك ما هو أعم نفعًا وأعظم فائدة في الحياة وهو: الضوء والهواء، فلا
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قوله - ﷺ -: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" ولقد أعمَّتْ فتنة المال كثيرًا من الناس، فشغلتهم عن حقوق الله وحقوق الأمة والوطن، بل عن حقوق من يعاملهم، بل عن حقوق بيوتهم وعيالهم، بل عن أنفسهم، ومنهم من يقصر في النفقة على نفسه وعياله بالقدر الذي يزري بمروءته، فيظهر بمظهر المسترذل بين الناس في مأكله ومشربه وملبسه، ومنهم من يثلم بشرفه ويفتح ثغره للطاعنين والقائلين فيه بالحق وبالباطل؛ لأجل المال ومن ثم قالوا: المال ميّال.
ورابعها: ﴿الخيل المسومة﴾ التي ترعى في الأودية يقال: سام الدابة: رعاها وأسامها أخرجها إلى المرعى وكل من الخيل الراعية التي تقتنى للتجارة والمعلمة التي يقتنيها العظماء والأغنياء، من المتاع الذي يتنافس فيه الناس ويتفاخرون حتى لقد يتغالى بعضهم في ذلك إلى حد هو أشبه بالجنون.
وخامسها: ﴿الأنعام﴾: وهي مال أهل البادية، ومنها تكون ثروتهم ومعايشهم ومرافقهم، وبها تفاخرهم وتكاثرهم، وقد امتن الله بها على عباده بقوله: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)﴾ إلى قوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وسادسها: ﴿الحرث﴾ وعليه قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر والحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الأنواع السالفة، والانتفاع به أتم منها، لكنه أخر عنها لأنه لما عم الارتفاق به.. كانت زينته في القلوب أقلَّ، وقلما يكون الانتفاع به صادرًا عن الاستعداد لأعمال الآخرة، أو مانعًا من نصرة الحق.
وهناك ما هو أعم نفعًا وأعظم فائدة في الحياة وهو: الضوء والهواء، فلا
206
يستغني عنهما حي من الأحياء، ومع ذلك قلما يلتفت الإنسان إليهما، ولا يفكر في غبطته بهما.
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: هذا الذي ذكر من الأصناف الستة المتقدمة هو ما يتمتع به الناس قليلًا في هذه الحياة الفانية، ويجعلونه وسيلة في معايشهم وسببًا لقضاء شهواتهم، وقد زين لهم حبها في عاجل دنياهم. ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ في الحياة الآخرة التي تكون بعد موتهم وبعثهم، فلا ينبغي لهم أن يجعلوا كل همهم في هذا المتاع القريب العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لخير الآجل، وفي هذه الجملة دلالة على أنه ليس فيما عدد عاقبة محمودة، فعلى المؤمن أن لا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها أكبر همه، والشغل الشاغل له عن آخرته، فإذا استمتع بها بالقصد والاعتدال، ووقف عند حدود الله.. سَعِد في الدارين، ووفق لخير الحياتين كما قال: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
١٥ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد للكفار أو للناس عامة، وهو أمر للنبي - ﷺ - بتفصيل ما أجمل أولًا في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾. ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾؛ أي: هل أخبركم أيها الناس بشيء أفضل من ذلكم المذكور من النساء والبنين إلى آخره. وجيء بالكلام على صورة الاستفهام التشبيثي لتوجيه النفوس إلى الجواب، وتشويقها إليه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: ﴿أأنبئكم﴾ - بتحقيق الهمزة الأولى، وتسهيل الثانية -. والباقون: بالتحقيق فيهما، مع زيادة مد بينهما لبعضهم، وبدون زيادة لبعض آخر فالقراءات ثلاث، وليس في القرآن همزة مضمومة بعد مفتوحة إلا ما هنا، وما في ص: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾، وما في اقتربت: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا﴾. وقوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾ يشعر بأن تلك الشهوات خير في ذاتها، ولا شك في ذلك؛ إذ هي من أجل النعم التي أنعم الله بها على الناس، وإنما يعرض الشر فيها كما يعرض في سائر نعم الله على عباده كالحواس والعقول وغيرها، فما مثل المسرف في حب النساء حتى يعطي امرأته حق غيرها، أو يهمل لأجلها تربية أولاده.. إلا مثل من يستعمل عقله في استنباط الحيل ليبتز
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: هذا الذي ذكر من الأصناف الستة المتقدمة هو ما يتمتع به الناس قليلًا في هذه الحياة الفانية، ويجعلونه وسيلة في معايشهم وسببًا لقضاء شهواتهم، وقد زين لهم حبها في عاجل دنياهم. ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ في الحياة الآخرة التي تكون بعد موتهم وبعثهم، فلا ينبغي لهم أن يجعلوا كل همهم في هذا المتاع القريب العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لخير الآجل، وفي هذه الجملة دلالة على أنه ليس فيما عدد عاقبة محمودة، فعلى المؤمن أن لا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها أكبر همه، والشغل الشاغل له عن آخرته، فإذا استمتع بها بالقصد والاعتدال، ووقف عند حدود الله.. سَعِد في الدارين، ووفق لخير الحياتين كما قال: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
١٥ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد للكفار أو للناس عامة، وهو أمر للنبي - ﷺ - بتفصيل ما أجمل أولًا في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾. ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾؛ أي: هل أخبركم أيها الناس بشيء أفضل من ذلكم المذكور من النساء والبنين إلى آخره. وجيء بالكلام على صورة الاستفهام التشبيثي لتوجيه النفوس إلى الجواب، وتشويقها إليه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: ﴿أأنبئكم﴾ - بتحقيق الهمزة الأولى، وتسهيل الثانية -. والباقون: بالتحقيق فيهما، مع زيادة مد بينهما لبعضهم، وبدون زيادة لبعض آخر فالقراءات ثلاث، وليس في القرآن همزة مضمومة بعد مفتوحة إلا ما هنا، وما في ص: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾، وما في اقتربت: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا﴾. وقوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾ يشعر بأن تلك الشهوات خير في ذاتها، ولا شك في ذلك؛ إذ هي من أجل النعم التي أنعم الله بها على الناس، وإنما يعرض الشر فيها كما يعرض في سائر نعم الله على عباده كالحواس والعقول وغيرها، فما مثل المسرف في حب النساء حتى يعطي امرأته حق غيرها، أو يهمل لأجلها تربية أولاده.. إلا مثل من يستعمل عقله في استنباط الحيل ليبتز
207
حقوق الناس ويؤذيهم فسلوك الناس في الانتفاع بالنعم لا يدل على أنها هي في ذاتها شرٌّ، ولا كون حبها شرًّا مع القصد والاعتدال والوقوف عند حدود الشريعة. ثم أجاب عن هذا الاستفهام على نظير قولك: هل أدلك على تاجر عظيم في السوق يصدق في المعاملة، ويرخص السعر، ويفي بالوعد هو: فلان، فقال: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ﴾ هذه الجملة مستأنفة لبيان ما هو خير؛ أي: للذين اجتنبوا الشرك والمعاصي والشهوات النفسانية، وتبتلوا إلى طاعة الله، وأعرضوا عما سواها.. فلا تشغلهم الزينة عن طاعة الله تعالى، بساتينُ مؤبدة، وحدائق منضدة حالة كونها مدخرة لهم عند ربهم. وقرأ يعقوب: ﴿جناتٍ﴾ بالجر بدلًا من قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾. ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾؛ أي: تسيل وتطرد من تحت أشجارها ومساكنها أنهار الخمر والعسل واللبن والماء حالة كونهم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها ﴿و﴾ لهم فيها ﴿أزواج مطهرة﴾؛ أي: زوجات منظفة مهذبة من الحيض والنفاس والبصاق والمني وتشويه الخلقة وسوء العشرة والأخلاق الذميمة وسائر ما يستقذر لا يغوطن ولا يتبولن ولا يحضن ولا ينفسن ولا يعتريهن ما يعتري نساء الدنيا ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: ولهم فيها رضا ربهم أكبر ما فيهم، فيه من النعيم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "إنَّ الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". متفق عليه.
وقيل: إن العبد إذا علم أن الله تعالى قد رضي عنه.. كان أتم لسروره وأعظم لفرحه.
وجاء في معنى هذه الآية قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "إنَّ الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". متفق عليه.
وقيل: إن العبد إذا علم أن الله تعالى قد رضي عنه.. كان أتم لسروره وأعظم لفرحه.
وجاء في معنى هذه الآية قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
208
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)}، وقوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ الآية.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن: ﴿رُضوان﴾ بضم الراء ما عدا الثاني في سورة المائدة وهو قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ ففيه عنه خلاف. وقرأ باقي السبعة: بالكسر، وهما لغتان.
وخلاصة المعنى: أن للذين اتقوا وأخبتوا إلى ربهم، وأنابوا إليه نوعين من الجزاء:
أحدهما: جسماني: وهو الجنات وما فيها من النعيم والخيرات والأزواج المبرأة من العيوب التي في نساء الدنيا خَلْقًا وخُلُقًا.
وثانيهما: روحاني عقلي: وهو رضوان الله الذي لا يشوبه سخط، ولا يعقبه غضب، وهو أعظم اللذات كلها في الآخرة عند المتقين.
وفي الآية إيماء إلى أن أهل الجنة مراتب وطبقات، كما نرى ذلك في الدنيا، فمنهم من لا يفقه لرضوان الله معنى، ولا يكون ذلك باعثًا له على فعل الخير وترك الشر، وإنما يفقه اللذات الحسية التي جربها في الدنيا ففي مثلها يرغب.
ومنهم من ارتقى إدراكه وعظم قربه من ربه، فيتمنى رضاه، ويجعله الغاية القصوى والسعادة التي ليس وراءها سعادة.
وقد نبه بهذه الآية على نعمه، فأدناها متاع الدنيا، وأعلاها رضوان الله تعالى؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وأوسطها الجنة ونعيمها.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: بصير بأعمالهم مطلع عليها عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا، فيجازي كلًّا بعمله، فيثيب ويعاقب على قدر
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن: ﴿رُضوان﴾ بضم الراء ما عدا الثاني في سورة المائدة وهو قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ ففيه عنه خلاف. وقرأ باقي السبعة: بالكسر، وهما لغتان.
وخلاصة المعنى: أن للذين اتقوا وأخبتوا إلى ربهم، وأنابوا إليه نوعين من الجزاء:
أحدهما: جسماني: وهو الجنات وما فيها من النعيم والخيرات والأزواج المبرأة من العيوب التي في نساء الدنيا خَلْقًا وخُلُقًا.
وثانيهما: روحاني عقلي: وهو رضوان الله الذي لا يشوبه سخط، ولا يعقبه غضب، وهو أعظم اللذات كلها في الآخرة عند المتقين.
وفي الآية إيماء إلى أن أهل الجنة مراتب وطبقات، كما نرى ذلك في الدنيا، فمنهم من لا يفقه لرضوان الله معنى، ولا يكون ذلك باعثًا له على فعل الخير وترك الشر، وإنما يفقه اللذات الحسية التي جربها في الدنيا ففي مثلها يرغب.
ومنهم من ارتقى إدراكه وعظم قربه من ربه، فيتمنى رضاه، ويجعله الغاية القصوى والسعادة التي ليس وراءها سعادة.
وقد نبه بهذه الآية على نعمه، فأدناها متاع الدنيا، وأعلاها رضوان الله تعالى؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وأوسطها الجنة ونعيمها.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: بصير بأعمالهم مطلع عليها عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا، فيجازي كلًّا بعمله، فيثيب ويعاقب على قدر
209
الأعمال، فلا تخفى عليه خافية من أمرهم، وهو المجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
وقد ختم سبحانه وتعالى هذه الآية بتلك الجملة؛ ليحاسب الإنسانُ نفسه على التقوى، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعد متقيًا، وإنما
١٦ - المتقي من يعلم منه ربه التقوى، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الجنة للمتقين.. ذكر شيئًا من صفاتهم فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى وأساسه فقال: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يقولون في الدنيا ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ وصدقنا بك وبرسولك إجابةً لدعوتك ﴿فَاغْفِرْ﴾ اللهم ﴿لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ واسترها وتجاوز عنا بعفوك عنها وترك العقوبة عليها ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾؛ أي: وادفع عنا عذاب النار بفضلك وكرمك إنك أنت الغفور الرحيم، وقد خصوا هذا العذاب بالمسألة؛ لأن من زحزح عن النار
١٧ - يومئذٍ.. فقد فاز بالنجاة وحسن المآب، ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به عن غيرهم، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال: أمدح ﴿الصَّابِرِينَ﴾ على تكاليف امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس ﴿وَالصَّادِقِينَ﴾ في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾؛ أي: المطيعين لربهم المواظبين على العبادات وقيل هم المصلون. ﴿المنفقين﴾؛ أي: الباذلين أموالهم في وجوه الخير، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾؛ أي: الطالبين من ربهم مغفرة الذنوب في أواخر الليل؛ لأنها وقت إجابة الدعاء، ووقت الخلوة والفراغ. قال لقمان لابنه: يا بني لا يكن الديكُ أكيس منك ينادي بالأسحار، وقيل: المصلين التهجد: في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم، ويشق فيه القيام، وتكون النفس فيه أصفى، والقلب أفرغ من الشواغل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: مَنْ يدعوني.. فأستجيب له، مَنْ يسألني.. فأعطيه، مَنْ يستغفرني.. فأغفر له" متفق
وقد ختم سبحانه وتعالى هذه الآية بتلك الجملة؛ ليحاسب الإنسانُ نفسه على التقوى، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعد متقيًا، وإنما
١٦ - المتقي من يعلم منه ربه التقوى، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الجنة للمتقين.. ذكر شيئًا من صفاتهم فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى وأساسه فقال: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يقولون في الدنيا ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ وصدقنا بك وبرسولك إجابةً لدعوتك ﴿فَاغْفِرْ﴾ اللهم ﴿لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ واسترها وتجاوز عنا بعفوك عنها وترك العقوبة عليها ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾؛ أي: وادفع عنا عذاب النار بفضلك وكرمك إنك أنت الغفور الرحيم، وقد خصوا هذا العذاب بالمسألة؛ لأن من زحزح عن النار
١٧ - يومئذٍ.. فقد فاز بالنجاة وحسن المآب، ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به عن غيرهم، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال: أمدح ﴿الصَّابِرِينَ﴾ على تكاليف امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس ﴿وَالصَّادِقِينَ﴾ في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾؛ أي: المطيعين لربهم المواظبين على العبادات وقيل هم المصلون. ﴿المنفقين﴾؛ أي: الباذلين أموالهم في وجوه الخير، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾؛ أي: الطالبين من ربهم مغفرة الذنوب في أواخر الليل؛ لأنها وقت إجابة الدعاء، ووقت الخلوة والفراغ. قال لقمان لابنه: يا بني لا يكن الديكُ أكيس منك ينادي بالأسحار، وقيل: المصلين التهجد: في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم، ويشق فيه القيام، وتكون النفس فيه أصفى، والقلب أفرغ من الشواغل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: مَنْ يدعوني.. فأستجيب له، مَنْ يسألني.. فأعطيه، مَنْ يستغفرني.. فأغفر له" متفق
210
عليه. وفي لفظ مسلم: "فيقول: أنا الملك أنا الملك مَنْ ذا الذي يدعوني... " الحديث، وله في رواية أخرى: "فيقول: هل من سائل فيُعطى، هل من داعٍ فيستجابَ له، هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح". وهذا الحديث من أحاديث الصفات، فمذهب السلف فيه الإيمان به وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية عنه، وهو الأسلم الأعلم، وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم.. أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح. رواه ابن أبي حاتم.
وخلاصة الكلام: أن المتقين هم الذين جمعوا هذه الصفات المذكورة التي لكل منها درجة في الفضل وشرف ورفعة، وبها نالوا هذا الوعد وهي خمسة:
إحداها: الصبر، وأكمل أنواعه: الصبر على أداء الطاعات، وترك المحرمات، فإذا هبت أعاصير الشهوات، وجمحت بالنفس إلى ارتكاب المعاصي، فلا سبيل لردعها إلا بالصبر، فهو الذي يثبت الإيمان ويقف بها عند حدود الشرع، وهو الحافظ لشرف الإنسان في الدنيا عند المكاره، ولحقوق الناس أن تغتالها أيدي المطامع، وهو كالشرط في كل ما يذكر بعده من الصدق والقنوت والاستغفار بالأسحار.
ثانيتها: الصدق، وهو منتهى الكمال، وحسبك في بيان فضيلته قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤)﴾.
وثالثتها: القنوت، وهو المداومة على الطاعة والإخبات إلى الله مع الخشوع والخضوع وهو لبُّ العبادة وروحها وبدونه تكون العبادة جسمًا بلا روح وشجرة بلا ثمرة.
ورابعتها: الإنفاق للمال في جميع السبل التي حث عليها الدين سواء أكانت النفقة واجبة أم مستحبة فالإنفاق في وجوه الخير جميعًا مما حث عليه الشارع وندب إليه.
وخلاصة الكلام: أن المتقين هم الذين جمعوا هذه الصفات المذكورة التي لكل منها درجة في الفضل وشرف ورفعة، وبها نالوا هذا الوعد وهي خمسة:
إحداها: الصبر، وأكمل أنواعه: الصبر على أداء الطاعات، وترك المحرمات، فإذا هبت أعاصير الشهوات، وجمحت بالنفس إلى ارتكاب المعاصي، فلا سبيل لردعها إلا بالصبر، فهو الذي يثبت الإيمان ويقف بها عند حدود الشرع، وهو الحافظ لشرف الإنسان في الدنيا عند المكاره، ولحقوق الناس أن تغتالها أيدي المطامع، وهو كالشرط في كل ما يذكر بعده من الصدق والقنوت والاستغفار بالأسحار.
ثانيتها: الصدق، وهو منتهى الكمال، وحسبك في بيان فضيلته قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤)﴾.
وثالثتها: القنوت، وهو المداومة على الطاعة والإخبات إلى الله مع الخشوع والخضوع وهو لبُّ العبادة وروحها وبدونه تكون العبادة جسمًا بلا روح وشجرة بلا ثمرة.
ورابعتها: الإنفاق للمال في جميع السبل التي حث عليها الدين سواء أكانت النفقة واجبة أم مستحبة فالإنفاق في وجوه الخير جميعًا مما حث عليه الشارع وندب إليه.
211
وخامستها: الاستغفار بالأسحار؛ أي: التهجد في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم ويشق القيام وتكون النفس فيه أصفى والقلب فارغًا والاستغفار المطلوب: هو ما يقرن بالتوبة النصوح والعلم على ميزان الشرع، ولا يكفي الاستغفار باللسان مع الإدمان على فعل المنكر، فإن المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزىء بربه، ولا يغتر بمثل هذا الاستغفار إلا جاهل بدينه أو غر في معاملته لربه، ومن ثمَّ أثر عن بعضهم قوله: إنَّ استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
الإعراب
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب اسمها ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿لَن﴾: حرف نصب ونفي. ﴿تُغْنِيَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿لَن﴾ ﴿عَنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ معطوف على ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من شيئًا؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ الواو استئنافية أو عاطفة. ﴿أولئك﴾): مبتدأ أول ﴿هُمْ﴾ مبتدأ ثانٍ، أو ضمير فصل، ﴿وَقُودُ النَّارِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة مقررة لعدم الإغناء، أو معطوفة على خبر (أن) وعلى كلا الاحتمالين ففيها تعيين للعذاب الذي بين أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم منه شيئًا، ذكره أبو السعود.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
﴿كَدَأْبِ آلِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، آل مضاف، ﴿فِرْعَوْنَ﴾: مضاف إليه، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دأبهم كدأب
الإعراب
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب اسمها ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿لَن﴾: حرف نصب ونفي. ﴿تُغْنِيَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿لَن﴾ ﴿عَنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ معطوف على ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من شيئًا؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ الواو استئنافية أو عاطفة. ﴿أولئك﴾): مبتدأ أول ﴿هُمْ﴾ مبتدأ ثانٍ، أو ضمير فصل، ﴿وَقُودُ النَّارِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة مقررة لعدم الإغناء، أو معطوفة على خبر (أن) وعلى كلا الاحتمالين ففيها تعيين للعذاب الذي بين أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم منه شيئًا، ذكره أبو السعود.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
﴿كَدَأْبِ آلِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، آل مضاف، ﴿فِرْعَوْنَ﴾: مضاف إليه، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دأبهم كدأب
212
آل فرعون، والجملة مستأنفة ﴿وَالَّذِينَ﴾ في محل الجر معطوف على ﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة الموصول.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
﴿كَذَّبُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾، والجملة الفعلية جملة مفسِّرة لـ (دأب آل فرعون)، أو في محل النصب حال من ﴿آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ولكنه على تقدير: قد، ويحتمل كون ﴿الذين من قبلهم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿كَذَّبُوا﴾ خبره، والجملة مستأنفة، ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ الفاء عاطفة سببية (أخذهم الله): فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾ ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ (أخذهم). ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة مفيدة لتعليل ما قبلها، والإضافة فيه من إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها والأصل: والله شديد عقابه.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)﴾.
﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: جار ومجرور وصلة الموصول متعلق بـ ﴿قُل﴾ ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُل﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾: فعل مغير الصيغة، ونائب فاعله، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ جملة فعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ ﴿إِلَى جَهَنَّمَ﴾: ﴿إِلَى﴾: حرف جر ﴿جَهَنَّمَ﴾: مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى: الطبقة، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿تحشرون﴾. ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾: الواو عاطفة، أو استئنافية. ﴿بئس﴾: فعل ماضٍ، وهو من أفعال الذم ﴿الْمِهَادُ﴾: فاعل، والجملة في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف هو المخصوص بالذم تقديره: بئس المهاد جهنم، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، أو جملة مستأنفة.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
﴿كَذَّبُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾، والجملة الفعلية جملة مفسِّرة لـ (دأب آل فرعون)، أو في محل النصب حال من ﴿آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ولكنه على تقدير: قد، ويحتمل كون ﴿الذين من قبلهم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿كَذَّبُوا﴾ خبره، والجملة مستأنفة، ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ الفاء عاطفة سببية (أخذهم الله): فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾ ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ (أخذهم). ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة مفيدة لتعليل ما قبلها، والإضافة فيه من إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها والأصل: والله شديد عقابه.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)﴾.
﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: جار ومجرور وصلة الموصول متعلق بـ ﴿قُل﴾ ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُل﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾: فعل مغير الصيغة، ونائب فاعله، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ جملة فعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ ﴿إِلَى جَهَنَّمَ﴾: ﴿إِلَى﴾: حرف جر ﴿جَهَنَّمَ﴾: مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى: الطبقة، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿تحشرون﴾. ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾: الواو عاطفة، أو استئنافية. ﴿بئس﴾: فعل ماضٍ، وهو من أفعال الذم ﴿الْمِهَادُ﴾: فاعل، والجملة في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف هو المخصوص بالذم تقديره: بئس المهاد جهنم، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، أو جملة مستأنفة.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
213
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، أو تام ﴿آيَةٌ﴾ اسمها مؤخر، أو فاعل ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبرها مقدم على اسمها أو متعلق بـ ﴿كَانَ﴾. ﴿فِي فِئَتَيْنِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿آيَةٌ﴾، ولكنه على تقدير مضاف تقديره: في قصة فئتين، أو متعلق بـ ﴿كَانَ﴾، والتقدير على كونها ناقصة: قد كانت آية حاصلة في قصة فئتين كائنة لكم، وعلى كونها تامة: قد كان وحصل لكم في فئتين آية دالة على صدق ما أقول لكم من قول: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾، وجملة ﴿كَانَ﴾ من اسمها وخبرها، أو من الفعل والفاعل: جواب لقسم محذوف لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾، والتقدير: قل لهم يا محمَّد: واللهِ قد كان لكم آية في فئتين... إلى آخر الآية. ﴿الْتَقَتَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر صفة لـ ﴿فِئَتَيْنِ﴾ تقديره: فئتين ملتقيتين.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾.
﴿فِئَةٌ﴾: مبتدأ، سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل، ﴿تُقَاتِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿فِئَةٌ﴾ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُقَاتِلُ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فئة مقاتلة في سبيل الله، والجملة الإسمية في محل الجر بدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾ بدل تفصيل من مُجمل، وأما على قراءة الجر فبدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾، وعلى قراءة النصب فمنصوب على المدح بفعل محذوف. ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾: الواو عاطفة ﴿أخرى﴾: مبتدأ، ولكنه على حذف موصوف تقديره: وفئة أخرى. ﴿كَافِرَةٌ﴾: خبره، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة قوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ على كونها بدلًا من ﴿فِئَتَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به؛ لأن رأى بصرية. ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾: حال من مفعول (يرون) منصوب بالياء، والضمير مضاف إليه، ولكنه على تأويله بمشتق
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾.
﴿فِئَةٌ﴾: مبتدأ، سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل، ﴿تُقَاتِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿فِئَةٌ﴾ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُقَاتِلُ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فئة مقاتلة في سبيل الله، والجملة الإسمية في محل الجر بدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾ بدل تفصيل من مُجمل، وأما على قراءة الجر فبدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾، وعلى قراءة النصب فمنصوب على المدح بفعل محذوف. ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾: الواو عاطفة ﴿أخرى﴾: مبتدأ، ولكنه على حذف موصوف تقديره: وفئة أخرى. ﴿كَافِرَةٌ﴾: خبره، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة قوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ على كونها بدلًا من ﴿فِئَتَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به؛ لأن رأى بصرية. ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾: حال من مفعول (يرون) منصوب بالياء، والضمير مضاف إليه، ولكنه على تأويله بمشتق
214
تقديره: حالة كون الفرقة المسلمة مماثلين للفرقة الكافرة، وجملة (يرون) (١) من الفعل والفاعل خبر ثانٍ لقوله: ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ أو صفة له، أو نعت لقوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهذه الاحتمالات على قراءة الياء التحتية، وأما على قراءة التاء الفوقية، فتكون الجملة مستقلة ومستأنفة راجعة لقوله: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾، وأيًّا ما كان. فالقصد من هذا الوصف تقرير الآية التي في الفئتين وفي التقائهما واجتماعهما. تأملْ ذكره في "الفتوحات الإلهية". ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: مصدر مؤكد لعامله منصوب على المفعولية المطلقة بـ (يرون) و ﴿الْعَيْنِ﴾ مضاف إليه.
﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
﴿وَاللَّهُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿الله﴾: مبتدأ. ﴿يُؤَيِّدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿قَدْ كَانَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، ﴿بِنَصْرِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾: ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يُؤَيِّدُ﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة ﴿مَن﴾، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: يشاؤه، وهو العائد على ﴿مَن﴾ الموصولة. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِي ذَلِكَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ مقدم على اسمها. ﴿لَعِبْرَةً﴾ اللام حرف ابتداء، عبرةً: اسم ﴿إِنَّ﴾ مؤخر وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة ﴿لَعِبْرَةً﴾ تقديره: إن عبرة كائنة لأولي الأبصار لكائنة في ذلك المذكور.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾.
﴿زُيِّنَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق
﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
﴿وَاللَّهُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿الله﴾: مبتدأ. ﴿يُؤَيِّدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿قَدْ كَانَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، ﴿بِنَصْرِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾: ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يُؤَيِّدُ﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة ﴿مَن﴾، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: يشاؤه، وهو العائد على ﴿مَن﴾ الموصولة. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِي ذَلِكَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ مقدم على اسمها. ﴿لَعِبْرَةً﴾ اللام حرف ابتداء، عبرةً: اسم ﴿إِنَّ﴾ مؤخر وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة ﴿لَعِبْرَةً﴾ تقديره: إن عبرة كائنة لأولي الأبصار لكائنة في ذلك المذكور.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾.
﴿زُيِّنَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق
(١) الجمل.
215
بـ ﴿زُيِّنَ﴾ ﴿حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾: نائب فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿الشَّهَوَاتِ﴾ ﴿وَالْبَنِينَ﴾: معطوف على ﴿النِّسَاءِ﴾ ﴿وَالْقَنَاطِيرِ﴾: معطوف على النساء أيضًا، ﴿الْمُقَنْطَرَةِ﴾ صفة لـ ﴿قناطير﴾ ﴿مِنَ الذَّهَبِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿القناطير﴾ ﴿وَالْفِضَّةِ﴾: معطوف عليه. ﴿وَالْخَيْلِ﴾: معطوف على ﴿النِّسَاءِ﴾ ﴿الْمُسَوَّمَةِ﴾: صفة للخيل ﴿وَالْأَنْعَامِ﴾: معطوف على ﴿النِّسَاءِ﴾، وكذا قوله: ﴿وَالْحَرْثِ﴾: معطوف عليه جريًا على القاعدة المشهورة عند النحاة: أن المعطوفات إذا كثرت، وكان العطف بغير مرتب.. يكون العطف على الأول لا غير. كما ذكرته في "الباكورة الجنية على متن الآجرومية".
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ﴾: خبر ومضاف إليه ﴿الدُّنْيَا﴾ صفة لـ ﴿الحياة﴾، والجملة مستأنفة، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ أول ﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾ مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه. ﴿عِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر المبتدأ الثاني تقدير الكلام: والله حسن المآب كائن عنده، والجملة مستأنفة.
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإنْ شئت قلتَ: ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام التقريري مبنية على الفتح، ولكن ليس (١) المراد هنا بالتقرير: طلب الإقرار والاعتراف من المخاطبين، كما هو معنى الاستفهام التقريري في الأصل، بل المراد به هنا: التحقيق والتثبيت في نفوس المخاطبين؛ أي: تحقيق خيرية ما عند الله وأفضليته على شهوات الدنيا، (أنبئكم): فعل
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ﴾: خبر ومضاف إليه ﴿الدُّنْيَا﴾ صفة لـ ﴿الحياة﴾، والجملة مستأنفة، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ أول ﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾ مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه. ﴿عِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر المبتدأ الثاني تقدير الكلام: والله حسن المآب كائن عنده، والجملة مستأنفة.
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإنْ شئت قلتَ: ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام التقريري مبنية على الفتح، ولكن ليس (١) المراد هنا بالتقرير: طلب الإقرار والاعتراف من المخاطبين، كما هو معنى الاستفهام التقريري في الأصل، بل المراد به هنا: التحقيق والتثبيت في نفوس المخاطبين؛ أي: تحقيق خيرية ما عند الله وأفضليته على شهوات الدنيا، (أنبئكم): فعل
(١) الجمل.
216
مضارع ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾ ﴿بِخَيْرٍ﴾: جار ومجرور في محل النصب مفعول ثانٍ لـ ﴿نبأ﴾، ونبأ هنا (١) تعدَّتْ إلى مفعولين: أحدهما: بنفسه، والآخر: بحرف الجر، قاله أبو حيان في "النهر" ﴿مِنْ ذَلِكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بِخَيْرٍ﴾ ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿اتَّقَوْا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر - أعني قوله: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ - ويجوز أن يكون الظرف حالًا من ﴿جَنَّاتٌ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فتنصب حالًا ﴿جَنَّاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية جواب للاستفهام السابق في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾.
ويقرأ شذوذًا (٢): ﴿جناتٍ﴾ بكسر التاء، وفيه حينئذٍ وجهان:
أحدهما: هو مجرور بدلًا من (خير)، فيكون: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ على هذا صفة لـ (خير).
والثاني: أن يكون منصوبًا على إضمار: أعني، أو بدلًا من موضع ﴿بِخَيْرٍ﴾، ويجوز أن يكون الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو جنات.
﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الآتي، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿جَنَّاتٌ﴾ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾ أو حال من فاعل ﴿تَجْرِي﴾؛ أي: تجري الأنهار حالة كونها كائنة تحتها. ﴿خَالِدِينَ﴾: حال من ﴿الذين اتقوا﴾، والعامل فيها الاستقرار المحذوف. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿وَأَزْوَاجٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾: صفة لـ ﴿أزواج﴾، وكذا قوله؛ ﴿وَرِضْوَانٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رضوان﴾. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾: الواو استئنافية ﴿اللَّهِ﴾: مبتدأ. ﴿بَصِيرٌ﴾: خبره، والجملة مستأنفة، ﴿بِالْعِبَادِ﴾ متعلق بـ ﴿بَصِيرٌ﴾.
ويقرأ شذوذًا (٢): ﴿جناتٍ﴾ بكسر التاء، وفيه حينئذٍ وجهان:
أحدهما: هو مجرور بدلًا من (خير)، فيكون: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ على هذا صفة لـ (خير).
والثاني: أن يكون منصوبًا على إضمار: أعني، أو بدلًا من موضع ﴿بِخَيْرٍ﴾، ويجوز أن يكون الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو جنات.
﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الآتي، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿جَنَّاتٌ﴾ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾ أو حال من فاعل ﴿تَجْرِي﴾؛ أي: تجري الأنهار حالة كونها كائنة تحتها. ﴿خَالِدِينَ﴾: حال من ﴿الذين اتقوا﴾، والعامل فيها الاستقرار المحذوف. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿وَأَزْوَاجٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾: صفة لـ ﴿أزواج﴾، وكذا قوله؛ ﴿وَرِضْوَانٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رضوان﴾. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾: الواو استئنافية ﴿اللَّهِ﴾: مبتدأ. ﴿بَصِيرٌ﴾: خبره، والجملة مستأنفة، ﴿بِالْعِبَادِ﴾ متعلق بـ ﴿بَصِيرٌ﴾.
(١) النهر.
(٢) العكبري.
(٢) العكبري.
217
﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: في محل الجر بدل من (الذين اتقوا)، أو نعت له ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئتَ قلتَ: ﴿رب﴾: منادى مضاف و ﴿نا﴾ مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾. ﴿إِنَّنَا﴾: (إنَّ) حرف نصب، ونا اسمها، ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول القول. ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾: الفاء عاطفة. ﴿اغفر﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾. قال الكرخي: وفي ترتيب هذا السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كافٍ في استحقاق المغفرة، وفيه ردٌّ على أهل الاعتزال؛ لأنهم يقولون: إن استحقاق المغفرة لا يكون بمجرد الإيمان. انتهى. ﴿ذُنُوبَنَا﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿وَقِنَا﴾: الواو عاطفة ﴿قِ﴾: فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، والكسرة قبلها دليل عليها؛ لأنه من وقى يقي، وفاعله ضمير يعود على الله و ﴿نا﴾: مفعول أول ﴿عَذَابَ﴾: مفعول ثانٍ ﴿النَّارِ﴾: مضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾.
﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
﴿الصَّابِرِينَ﴾: نعت ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، أو لـ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ مجرور بالياء، وقوله: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ﴾ كلها معطوفات على ﴿الصَّابِرِينَ﴾. ﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: متعلق بـ ﴿المستغفرين﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾: من أغنى الرباعي يغني إغناءً، والإغناء: الدفع والنفع، وفلان عظيم الغنى؛ أي: الدفع والنفع. ﴿وَقُودُ﴾: الوقود؛ بفتح الواو على قراءة الجمهور اسم لما توقد به النار من الحطب، وبضمها مصدر: وقدت
﴿الَّذِينَ﴾: في محل الجر بدل من (الذين اتقوا)، أو نعت له ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئتَ قلتَ: ﴿رب﴾: منادى مضاف و ﴿نا﴾ مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾. ﴿إِنَّنَا﴾: (إنَّ) حرف نصب، ونا اسمها، ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول القول. ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾: الفاء عاطفة. ﴿اغفر﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾. قال الكرخي: وفي ترتيب هذا السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كافٍ في استحقاق المغفرة، وفيه ردٌّ على أهل الاعتزال؛ لأنهم يقولون: إن استحقاق المغفرة لا يكون بمجرد الإيمان. انتهى. ﴿ذُنُوبَنَا﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿وَقِنَا﴾: الواو عاطفة ﴿قِ﴾: فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، والكسرة قبلها دليل عليها؛ لأنه من وقى يقي، وفاعله ضمير يعود على الله و ﴿نا﴾: مفعول أول ﴿عَذَابَ﴾: مفعول ثانٍ ﴿النَّارِ﴾: مضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾.
﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
﴿الصَّابِرِينَ﴾: نعت ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، أو لـ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ مجرور بالياء، وقوله: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ﴾ كلها معطوفات على ﴿الصَّابِرِينَ﴾. ﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: متعلق بـ ﴿المستغفرين﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾: من أغنى الرباعي يغني إغناءً، والإغناء: الدفع والنفع، وفلان عظيم الغنى؛ أي: الدفع والنفع. ﴿وَقُودُ﴾: الوقود؛ بفتح الواو على قراءة الجمهور اسم لما توقد به النار من الحطب، وبضمها مصدر: وقدت
218
النار تَقدُ وقودًا إذا اتقدت.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾: والدأب: الاجتهاد، وهو مصدر: دأب الرجل في عمله يدأب - من بابي: قطع وخضع - دأبًا ودؤبًا، إذا جدَّ واجتهد وتعب فيه، وغلب استعماله في العادة والشأن والحال، والمراد به هنا: كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾: تثنية: فئة، والفئة: الجماعة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: فئات، وقد تجمع بالواو والنون جبرًا لما نقص، وسميت الجماعة من الناس فئة؛ لأنها يفاء إليها عند الشدة؛ أي: يرجع إليها في وقت الشدة.
﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: هو مصدر مؤكد ورأى هنا بصرية. ﴿يُؤَيِّدُ﴾؛ أي: يقوي، مضارع أيده تأييدًا إذا نصره وأعانه. ﴿لَعِبْرَةً﴾: العبرة: الاتعاظ، وهو اسم مصدر لاعتبر اعتبارًا، والاعتبار: الانتقال من حالة الجهل إلى حالة العلم، واشتقاقها من العبور، وهي مجاوزة الشيء إلى الشيء ومنه: عبور النهر، وفي "الخازن": العبرة: الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدية إلى العلم، وأصلها من العبور كالجلسة من الجلوس، كأنه طريق يعبرونه، فيوصلهم إلى مرادهم، وقيل: العبرة: هي التي يعبر عنها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم. انتهى.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾: والتزيين: تحسين الشيء وتجميله في أعين الناس، والشهوات: جمع شهوة: اسم مصدر من اشتهى اشتهاءً، والشهوة: ثوران النفس وميلها إلى الشيء المشتهى، فالمصدر هنا بمعنى: اسم المفعول، عبر به عنه مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبًا فيها كأنها نفس الشهوات.
﴿القناطير﴾: جمع قنطار: وهو في الأصل عقد الشيء وإحكامه، يقال: قنطرتُ الشيء إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة؛ أي: المحكمة الطاق، وفي نونه قولان:
أحدهما: وهو قول جماعة أصلية، فوزنه فعلال كقرطاس.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾: والدأب: الاجتهاد، وهو مصدر: دأب الرجل في عمله يدأب - من بابي: قطع وخضع - دأبًا ودؤبًا، إذا جدَّ واجتهد وتعب فيه، وغلب استعماله في العادة والشأن والحال، والمراد به هنا: كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾: تثنية: فئة، والفئة: الجماعة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: فئات، وقد تجمع بالواو والنون جبرًا لما نقص، وسميت الجماعة من الناس فئة؛ لأنها يفاء إليها عند الشدة؛ أي: يرجع إليها في وقت الشدة.
﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: هو مصدر مؤكد ورأى هنا بصرية. ﴿يُؤَيِّدُ﴾؛ أي: يقوي، مضارع أيده تأييدًا إذا نصره وأعانه. ﴿لَعِبْرَةً﴾: العبرة: الاتعاظ، وهو اسم مصدر لاعتبر اعتبارًا، والاعتبار: الانتقال من حالة الجهل إلى حالة العلم، واشتقاقها من العبور، وهي مجاوزة الشيء إلى الشيء ومنه: عبور النهر، وفي "الخازن": العبرة: الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدية إلى العلم، وأصلها من العبور كالجلسة من الجلوس، كأنه طريق يعبرونه، فيوصلهم إلى مرادهم، وقيل: العبرة: هي التي يعبر عنها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم. انتهى.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾: والتزيين: تحسين الشيء وتجميله في أعين الناس، والشهوات: جمع شهوة: اسم مصدر من اشتهى اشتهاءً، والشهوة: ثوران النفس وميلها إلى الشيء المشتهى، فالمصدر هنا بمعنى: اسم المفعول، عبر به عنه مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبًا فيها كأنها نفس الشهوات.
﴿القناطير﴾: جمع قنطار: وهو في الأصل عقد الشيء وإحكامه، يقال: قنطرتُ الشيء إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة؛ أي: المحكمة الطاق، وفي نونه قولان:
أحدهما: وهو قول جماعة أصلية، فوزنه فعلال كقرطاس.
219
الثاني: أنها زائدة فوزنه: فنعال، والمراد به هنا: المال الكثير، واختلفوا فيه هل هو محدود أم لا؟ على قولين، وعلى الأول اختلفوا في حده، فقيل: هو مئة رطل، وقيل: ألف ومئتا أوقية، وقيل: أننا عشر ألف أوقية، وقيل: ألف ومئتا دينار، وكل هذه الأقوال رويت عن النبي - ﷺ -، وعلى الثاني قال أبو عبيدة: القنطار وزن لا يحد، وقال ابن عطية: القنطار معيار يوزن به كما أن الرطل معيار.
﴿وَالْخَيْلِ﴾: والخيل فيه قولان:
أحدهما: أنه جمع لا واحد له من لفظه، بل مفرده: فرس، فهو نظير قوم ورهط ونساء.
والثاني: أن مفرده: خائل، فهو نظير ركب وراكب وتاجر وتجر وطائر وطير، وفي اشتقاقها وجهان:
أحدهما: من الاختيال، وهو العجب سميت بذلك لاختيالها في مشيتها بطول أذنابها.
والثاني: من التخيل، قيل: لأنها تتخيل في صورة من هو أعظم منها.
﴿وَالْأَنْعَامِ﴾: جمع نعم، والنعم اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو يذكر ويؤنَّث، ويطلق على الإبل والبقر والغنم، وجمعه على: أنعام باعتبار أنواعه الثلاثة ﴿وَالْحَرْثِ﴾: مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: المحروث، والمراد به المزروع سواء كان جوباص أم بقلًا أم ثمرًا، ولم يجمع كما جمعت أخواته نظرًا لأصله وهو المصدر يقال: حرث الرجل حرثًا إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع، وقال ابن الإعرابي: الحرث: التفتيش.
﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾: المآب (١): فعَل - بفتح العين - من آب يؤوب من باب: قال؛ أي: رجع، والأصل: المَأْوَب فنقلت حركة الواو إلى الهمزة الساكنة
﴿وَالْخَيْلِ﴾: والخيل فيه قولان:
أحدهما: أنه جمع لا واحد له من لفظه، بل مفرده: فرس، فهو نظير قوم ورهط ونساء.
والثاني: أن مفرده: خائل، فهو نظير ركب وراكب وتاجر وتجر وطائر وطير، وفي اشتقاقها وجهان:
أحدهما: من الاختيال، وهو العجب سميت بذلك لاختيالها في مشيتها بطول أذنابها.
والثاني: من التخيل، قيل: لأنها تتخيل في صورة من هو أعظم منها.
﴿وَالْأَنْعَامِ﴾: جمع نعم، والنعم اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو يذكر ويؤنَّث، ويطلق على الإبل والبقر والغنم، وجمعه على: أنعام باعتبار أنواعه الثلاثة ﴿وَالْحَرْثِ﴾: مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: المحروث، والمراد به المزروع سواء كان جوباص أم بقلًا أم ثمرًا، ولم يجمع كما جمعت أخواته نظرًا لأصله وهو المصدر يقال: حرث الرجل حرثًا إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع، وقال ابن الإعرابي: الحرث: التفتيش.
﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾: المآب (١): فعَل - بفتح العين - من آب يؤوب من باب: قال؛ أي: رجع، والأصل: المَأْوَب فنقلت حركة الواو إلى الهمزة الساكنة
(١) الفتوحات الإلهية.
220
قبلها، فقلبت الواو ألفًا وهو هنا اسم مصدر بمعنى الرجوع، وقد يستعمل اسم مكان أو زمان تقول: آب يؤوب أوبًا وإيابًا، فالأوب والإياب مصدرين، والمآب اسم لهما، ذكره السمين.
﴿وَرِضْوَانٌ﴾ بكسر الراء وضمها مصدران لـ (رضي) فهما بمعنى واحد، وإن كان الثاني سماعيًّا، والأول قياسيًّا، ونظير الكسر كالإتيان والقربان ونظير الضم كالشكران والكفران، فالكسر لغة أهل الحجاز والضم لغة تميم وبكر وقيس وغيلان وقيل الكسر للاسم ومنه: رضوان خازن الجنة، والضم للمصدر.
﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: جمع سَحَر بفتح الحاء وسكونها، وقال قوم منهم الزجاج: السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر، ومنه يقال: سحر إذا أكل في ذلك الوقت، واستسحر إذا سار فيه.
البلاغة
﴿مِنَ اللَّهِ﴾: فيه مجازٌ بالحذف، والأصل من عذاب الله. ﴿شَيْئًا﴾: التنكير فيه للتقليل؛ أي: لن تنفعهم نفعًا ما ولو قليلًا. ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: أتى بالجملة الإسمية للدلالة على ثبوت الأمر وتحققه، وفيها التشبيه؛ لأنه شبههم بالحطب الذي لا ينتفع به إلا في الوقود، وفيها التأكيد؛ لأنه أكدها بلفظة ﴿هُمْ﴾.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ فيه التفات عن الحاضر إلى الغيبة، والأصل: فأخذناهم.
﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: فيه ذكر العام وإرادة الخاص على قول عامة المفسرين: إن المراد بهم اليهود، وهذا من تكوين الخطاب.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ الأصل: آية لكم وقدم للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والتنكير في آية للتفخيم والتهويل؛ أي: آية عظيمة.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ في هذا الكلام من المحسنات البديعية شبه احتباك، وهو أن يحذف من أحد متقابلين نظير ما اشتبه
﴿وَرِضْوَانٌ﴾ بكسر الراء وضمها مصدران لـ (رضي) فهما بمعنى واحد، وإن كان الثاني سماعيًّا، والأول قياسيًّا، ونظير الكسر كالإتيان والقربان ونظير الضم كالشكران والكفران، فالكسر لغة أهل الحجاز والضم لغة تميم وبكر وقيس وغيلان وقيل الكسر للاسم ومنه: رضوان خازن الجنة، والضم للمصدر.
﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: جمع سَحَر بفتح الحاء وسكونها، وقال قوم منهم الزجاج: السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر، ومنه يقال: سحر إذا أكل في ذلك الوقت، واستسحر إذا سار فيه.
البلاغة
﴿مِنَ اللَّهِ﴾: فيه مجازٌ بالحذف، والأصل من عذاب الله. ﴿شَيْئًا﴾: التنكير فيه للتقليل؛ أي: لن تنفعهم نفعًا ما ولو قليلًا. ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: أتى بالجملة الإسمية للدلالة على ثبوت الأمر وتحققه، وفيها التشبيه؛ لأنه شبههم بالحطب الذي لا ينتفع به إلا في الوقود، وفيها التأكيد؛ لأنه أكدها بلفظة ﴿هُمْ﴾.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ فيه التفات عن الحاضر إلى الغيبة، والأصل: فأخذناهم.
﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: فيه ذكر العام وإرادة الخاص على قول عامة المفسرين: إن المراد بهم اليهود، وهذا من تكوين الخطاب.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ الأصل: آية لكم وقدم للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والتنكير في آية للتفخيم والتهويل؛ أي: آية عظيمة.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ في هذا الكلام من المحسنات البديعية شبه احتباك، وهو أن يحذف من أحد متقابلين نظير ما اشتبه
221
في الآخر، والأصل (١): فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبت مقابله في الثانية، ومن الثانية ما أثبت نظيره في الأولى، فذكر في الأولى لازم الإيمان وهو: القتال في سبيل الله، وذكر في الثانية ملزوم القتال في سبيل الشيطان: وهو الكفر.
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: فيه من المحسنات البديعية: التجنيس المغاير والاحتراس في ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ قالوا: لئلا يعتقد أنه من رؤية القلب، فهو من باب الحزر وغلبة الظن ومن ضروب البلاغة: الإبهام في قوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾، وفي إيقاع التزيين على حب مسامحة، لأجل المبالغة. والمزين حقيقة: هو المشتهيات، قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة، كأنها نفس الشهوات وتبنيها على خستها؛ لأن الشهوة رذيلة عند الحكماء وفي قوله: ﴿وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ﴾، من المحسنات: التجنيس المماثل.
﴿بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ إبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المتقين لإظهار مزيد اللطف بهم. ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾: التنكير فيه للتفخيم. ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ﴾ إدخال الواو في مثل هذه الصفات للتفخيم؛ لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة يمدح الموصوف بها، وللدلالة على كماله في كل واحدة منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: فيه من المحسنات البديعية: التجنيس المغاير والاحتراس في ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ قالوا: لئلا يعتقد أنه من رؤية القلب، فهو من باب الحزر وغلبة الظن ومن ضروب البلاغة: الإبهام في قوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾، وفي إيقاع التزيين على حب مسامحة، لأجل المبالغة. والمزين حقيقة: هو المشتهيات، قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة، كأنها نفس الشهوات وتبنيها على خستها؛ لأن الشهوة رذيلة عند الحكماء وفي قوله: ﴿وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ﴾، من المحسنات: التجنيس المماثل.
﴿بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ إبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المتقين لإظهار مزيد اللطف بهم. ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾: التنكير فيه للتفخيم. ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ﴾ إدخال الواو في مثل هذه الصفات للتفخيم؛ لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة يمدح الموصوف بها، وللدلالة على كماله في كل واحدة منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) البحر المحيط.
222
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾.
المناسبة
لما مدح الله تعالى المؤمنين، وأثنى عليهم بقوله: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾.. أردفه ببيان أن دلائل الإيمان ظاهرة جلية فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ثم بيَّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وأمر الرسول بأن يعلن باستسلامه لله، وانقياده لدين الله، وأعقبه بذكر ضلالات أهل الكتاب، واختلافهم في أمر الدين اختلافًا كبيرًا، وإعراضهم عن قبول حكم الله.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ...﴾ سبب نزول هذه الآية: أن حبرين (١) من أحبار الشام قدما على النبي - ﷺ -، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي - ﷺ -.. عرفاه بالصفة فقالا له: أنت محمَّد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد؟ قال: نعم، قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أنت أخبرتنا به.. آمنا
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾.
المناسبة
لما مدح الله تعالى المؤمنين، وأثنى عليهم بقوله: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾.. أردفه ببيان أن دلائل الإيمان ظاهرة جلية فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ثم بيَّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وأمر الرسول بأن يعلن باستسلامه لله، وانقياده لدين الله، وأعقبه بذكر ضلالات أهل الكتاب، واختلافهم في أمر الدين اختلافًا كبيرًا، وإعراضهم عن قبول حكم الله.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ...﴾ سبب نزول هذه الآية: أن حبرين (١) من أحبار الشام قدما على النبي - ﷺ -، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي - ﷺ -.. عرفاه بالصفة فقالا له: أنت محمَّد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد؟ قال: نعم، قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أنت أخبرتنا به.. آمنا
(١) خازن وقرطبي.
223
بك وصدقناك، قال: اسألاني، قالا: فأخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عزّ وجلّ، فأنزل الله هذه الآية، فأسلم الحبران.
وقيل (١): إن هذه الآية نزل في نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليه السلام.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...﴾ سبب نزولها: لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية.. ردَّ الله عليهم فقال: إن الدين عند الله الإِسلام، وقال الكلبي: قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (دخل رسول الله - ﷺ - بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دينٍ أنت يا محمَّد؟ قال: على ملة إبراهيم ودينه، قالا: إن إبراهيم كان يهوديًّا، فقال رسول الله - ﷺ -: هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله: ﴿يَفْتَرُونَ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١٨ - ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾؛ أي: أخبر الله سبحانه وتعالى، وأعلم وبيّن لعباده بالدلائل السمعية والآيات العقلية ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: أن الشأن والحال ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿و﴾ شهدت ﴿الملائكة﴾ كلهم وأقرَّت بتوحيد الله تعالى بما عاينوا من عظيم قدرته تعالى
وقيل (١): إن هذه الآية نزل في نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليه السلام.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...﴾ سبب نزولها: لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية.. ردَّ الله عليهم فقال: إن الدين عند الله الإِسلام، وقال الكلبي: قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (دخل رسول الله - ﷺ - بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دينٍ أنت يا محمَّد؟ قال: على ملة إبراهيم ودينه، قالا: إن إبراهيم كان يهوديًّا، فقال رسول الله - ﷺ -: هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله: ﴿يَفْتَرُونَ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١٨ - ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾؛ أي: أخبر الله سبحانه وتعالى، وأعلم وبيّن لعباده بالدلائل السمعية والآيات العقلية ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: أن الشأن والحال ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿و﴾ شهدت ﴿الملائكة﴾ كلهم وأقرَّت بتوحيد الله تعالى بما عاينوا من عظيم قدرته تعالى
(١) الخازن والقرطبي.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
224
﴿و﴾ شهد ﴿أولو العلم﴾؛ أي: أقر أصحاب العلم بذلك التوحيد، وهم الذين عرفوا وحدانية الله تعالى بالدلائل القاطعة؛ لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونًا بالعلم، والمراد بهم المؤمنون كلهم، فمعنى شهادة الله لتوحيده: أنه خلق الدلائل الدالة على توحيده وشهادة الملائكة وأولي العلم هي: إقرارهم بتوحيده تعالى وهذه الآية تدل على أن الدرجة العالية، والمرتبة الشريفة ليست إلا لعلماء الأصول.
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء لقَرنه الله تعالى باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء ويكفي في شرف العلم قوله لنبيه - ﷺ -: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وقوله - ﷺ -: "أن العلماء ورثة الأنبياء"، ولقد أجاد من قال في بيان فضل العلم:
عِلْمُ الْعَلِيْمِ وَعَقْلُ الْعَاقِلِ اخْتَلَفَا... مَنْ ذَا الَّذِيْ مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا
فَالْعِلْمُ قَالَ: أَنَا أَحْرَزْتُ غَايَتَهُ... وَالْعَقْلُ قَالَ: أَنَا الرَّحْمنُ بِي عُرِفَا
فَأَفْصَحَ الْعِلْمُ إِفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ:... بِأَيِّنَا اللهُ في فُرْقَانِهِ اتَّصَفَا
فَبَانَ لِلْعَقْلِ أَنَّ الْعِلْمَ سَيِّدُهُ... فَقَبَّلَ الْعَقْلُ رَأْسَ الْعِلْمِ وَانْصَرَفَا
وقوله: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ حال لازمة من لفظ الجلالة، والعامل فيه معنى جملة: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: تفرد سبحانه وتعالى حالة كونه قائمًا ومتصفًا بالقسط والعدل في تدبير أمور خلقه من الأرزاق والآجال والإحياء والإماتة والرفع والخفض والثواب والعقاب، وهذا بيان لكماله تعالى في أفعاله بعد بيان كماله في ذاته، وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود إلا هو سبحانه وتعالى، كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد، وقيل: إن الأول: وصف وتوحيد والثاني: رسم تعليم؛ أي: قولوا لا إله إلا هو، وقيل: فائدة تكرارها الإعلام بأن هذه الكلمة أعظم الكلام وأشرفه، ففيه حث للعباد على تكريرها والاشتغال بها، فإنه من اشتغل بها.. فقد اشتغل بأفضل العبادات. ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فالعزة تلائم الوحدانية، والحكمة تلائم القيام
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء لقَرنه الله تعالى باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء ويكفي في شرف العلم قوله لنبيه - ﷺ -: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وقوله - ﷺ -: "أن العلماء ورثة الأنبياء"، ولقد أجاد من قال في بيان فضل العلم:
عِلْمُ الْعَلِيْمِ وَعَقْلُ الْعَاقِلِ اخْتَلَفَا... مَنْ ذَا الَّذِيْ مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا
فَالْعِلْمُ قَالَ: أَنَا أَحْرَزْتُ غَايَتَهُ... وَالْعَقْلُ قَالَ: أَنَا الرَّحْمنُ بِي عُرِفَا
فَأَفْصَحَ الْعِلْمُ إِفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ:... بِأَيِّنَا اللهُ في فُرْقَانِهِ اتَّصَفَا
فَبَانَ لِلْعَقْلِ أَنَّ الْعِلْمَ سَيِّدُهُ... فَقَبَّلَ الْعَقْلُ رَأْسَ الْعِلْمِ وَانْصَرَفَا
وقوله: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ حال لازمة من لفظ الجلالة، والعامل فيه معنى جملة: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: تفرد سبحانه وتعالى حالة كونه قائمًا ومتصفًا بالقسط والعدل في تدبير أمور خلقه من الأرزاق والآجال والإحياء والإماتة والرفع والخفض والثواب والعقاب، وهذا بيان لكماله تعالى في أفعاله بعد بيان كماله في ذاته، وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود إلا هو سبحانه وتعالى، كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد، وقيل: إن الأول: وصف وتوحيد والثاني: رسم تعليم؛ أي: قولوا لا إله إلا هو، وقيل: فائدة تكرارها الإعلام بأن هذه الكلمة أعظم الكلام وأشرفه، ففيه حث للعباد على تكريرها والاشتغال بها، فإنه من اشتغل بها.. فقد اشتغل بأفضل العبادات. ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فالعزة تلائم الوحدانية، والحكمة تلائم القيام
225
بالقسط، فأتى بهما لتقرير الأمرين على ترتيب ذكرهما.
وفي "المدارك" (١): "من قرأ هذه الآية عند منامه وقال بعدها: أشهد بما شهد الله به، واستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة، يقول الله يوم القيامة: إن لعبدي هذا عندي عهدًا، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة".
وعن عبد الله بن مسعود (٢): قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ عبدي عهد إليَّ، وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة".
وقرأ أبو الشعثاء (٣): ﴿شُهِد﴾ بضم الشين مبنيًّا للمفعول، فيكون: ﴿أَنَّهُ﴾ في موضع البدل؛ أي: شهد وحدانية الله وألوهيته. وارتفاع الملائكة على هذه على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والملائكة وأولو العلم يشهدون، وحذف الخبر لدلالة المعنى عليه.
وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار: ﴿شهداءَ الله﴾ على وزن فعلاء جمعًا منصوبًا على الحال من الضمير في المستغفرين، وهو إما جمع شهيد، كظرفاء وظريف، أو جمع شاهد، كعلماء وعالم.
وروي عنه وعن أبي نهيك: ﴿شهداءُ الله﴾ بالرفع؛ أي: هم شهداء الله، وفي هاتين القراءتين: شهداء مضاف إلى لفظ الجلالة.
وذكر الزمخشري أنه قرأ: ﴿شهداءُ لله﴾ برفع الهمزة ونصبها وبلام الجر داخلة على اسم الله، فوجه النصب على الحال من المذكورين والرفع على إضمارهم، ووجه رفع الملائكة على هاتين القراءتين عطفًا على الضمير المستكن في شهداء، وجاز ذلك لوقوع الفاصل بينهما.
وروي عن أبي المهلب: ﴿شُهُدًا﴾ بضم الشين والهاء جمع شهيد، كنذير
وفي "المدارك" (١): "من قرأ هذه الآية عند منامه وقال بعدها: أشهد بما شهد الله به، واستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة، يقول الله يوم القيامة: إن لعبدي هذا عندي عهدًا، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة".
وعن عبد الله بن مسعود (٢): قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ عبدي عهد إليَّ، وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة".
وقرأ أبو الشعثاء (٣): ﴿شُهِد﴾ بضم الشين مبنيًّا للمفعول، فيكون: ﴿أَنَّهُ﴾ في موضع البدل؛ أي: شهد وحدانية الله وألوهيته. وارتفاع الملائكة على هذه على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والملائكة وأولو العلم يشهدون، وحذف الخبر لدلالة المعنى عليه.
وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار: ﴿شهداءَ الله﴾ على وزن فعلاء جمعًا منصوبًا على الحال من الضمير في المستغفرين، وهو إما جمع شهيد، كظرفاء وظريف، أو جمع شاهد، كعلماء وعالم.
وروي عنه وعن أبي نهيك: ﴿شهداءُ الله﴾ بالرفع؛ أي: هم شهداء الله، وفي هاتين القراءتين: شهداء مضاف إلى لفظ الجلالة.
وذكر الزمخشري أنه قرأ: ﴿شهداءُ لله﴾ برفع الهمزة ونصبها وبلام الجر داخلة على اسم الله، فوجه النصب على الحال من المذكورين والرفع على إضمارهم، ووجه رفع الملائكة على هاتين القراءتين عطفًا على الضمير المستكن في شهداء، وجاز ذلك لوقوع الفاصل بينهما.
وروي عن أبي المهلب: ﴿شُهُدًا﴾ بضم الشين والهاء جمع شهيد، كنذير
(١) المراح.
(٢) ابن كثير.
(٣) البحر المحيط.
(٢) ابن كثير.
(٣) البحر المحيط.
226
ونذر، وهو منصوب على الحال، واسم الله منصوب.
وذكر النقَّاش: أنه قرئ كذلك بضم الدال وبفتحها مضافًا لاسم الله في القراءتين.
وقراءة الجمهور: ﴿شَهِدَ اللهُ﴾ على أنه فعل وفاعل فجملة القراءات في: ﴿شهد﴾ تسعة مع قراءة الجمهور، وكلها شاذة عدا قراءة الجمهور.
وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه بإدغام واو ﴿هُوَ﴾ في واو ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾.
وذكر ابن جرير (١) أن ابن عباس قرأ: ﴿شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن الدين عند الله الإِسلام﴾ بكسر: إنه، وفتح: أن الدين الإِسلام؛ أي: شهد هو والملائكة وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإِسلام، وتكون جملة قوله: أنه لا إله إلا هو جملةٌ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهي. قراءة شاذة والجمهور قرؤوها بكسر همزة: إن الدين، وفتح همزة: أنه، وكلا المعنيين صحيح، ولكن المعنى على قراءة الجمهور أظهر والله أعلم.
وقرأ أبو حنيفة: ﴿قَيِّمًا بالقسط﴾ وقرأ ابن مسعود: ﴿القائم﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو القائم بالقسط، وكلا القراءتين شاذتان.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾؛ أي: إن الشرع المرضي المقبول عند الله تعالى هو الإِسلام والانقياد لأمر الله ونهيه، واعتقاد ما جاءت به الرسل من صفات الله تعالى والبعث والجزاء، فلا دين مرضيًّا لله تعالى سوى الإِسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة التي عليها الرسل عليهم السلام.
وتقدم لك قريبًا أن الجمهور قرؤوا بكسر همزة: أن، على أن الجملة مستأنفة، وقال الكسائي (٢): أنا أفتحهما جميعًا يعني قوله: ﴿شهد الله أنه﴾،
وذكر النقَّاش: أنه قرئ كذلك بضم الدال وبفتحها مضافًا لاسم الله في القراءتين.
وقراءة الجمهور: ﴿شَهِدَ اللهُ﴾ على أنه فعل وفاعل فجملة القراءات في: ﴿شهد﴾ تسعة مع قراءة الجمهور، وكلها شاذة عدا قراءة الجمهور.
وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه بإدغام واو ﴿هُوَ﴾ في واو ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾.
وذكر ابن جرير (١) أن ابن عباس قرأ: ﴿شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن الدين عند الله الإِسلام﴾ بكسر: إنه، وفتح: أن الدين الإِسلام؛ أي: شهد هو والملائكة وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإِسلام، وتكون جملة قوله: أنه لا إله إلا هو جملةٌ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهي. قراءة شاذة والجمهور قرؤوها بكسر همزة: إن الدين، وفتح همزة: أنه، وكلا المعنيين صحيح، ولكن المعنى على قراءة الجمهور أظهر والله أعلم.
وقرأ أبو حنيفة: ﴿قَيِّمًا بالقسط﴾ وقرأ ابن مسعود: ﴿القائم﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو القائم بالقسط، وكلا القراءتين شاذتان.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾؛ أي: إن الشرع المرضي المقبول عند الله تعالى هو الإِسلام والانقياد لأمر الله ونهيه، واعتقاد ما جاءت به الرسل من صفات الله تعالى والبعث والجزاء، فلا دين مرضيًّا لله تعالى سوى الإِسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة التي عليها الرسل عليهم السلام.
وتقدم لك قريبًا أن الجمهور قرؤوا بكسر همزة: أن، على أن الجملة مستأنفة، وقال الكسائي (٢): أنا أفتحهما جميعًا يعني قوله: ﴿شهد الله أنه﴾،
(١) ابن كثير.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
227
١٩ - وقوله: ﴿أن الدين الإِسلام﴾ بمعنى شهد الله أنه كذا، وأن الدين الإِسلام. قال ابن كيسان: أن الثانية بدل من الأولى، وهذه رواية شاذة عن الكسائي رحمه الله تعالى.
وخلاصة معنى هذه الجملة (١): أن جميع الملل والشرائع التي جاءت بها الأنبياء والرسل روحها الإِسلام، والانقياد والخضوع. وإن اختلفت في بعض التكاليف وصور الأعمال، وبه كان الأنبياء يوصون، فالمسلم الحقيقي مَنْ كان خالصًا من شوائب الشرك مخلصًا في أعماله مع الإيمان من أي ملة كان، وفي أي زمان وجد، وهذا هو المراد بقوله جلَّ ذكره: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
وذلك أن الله شرع الدين لأمرين:
أحدهما: تصفية الأرواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبية للمخلوقات، بها تستطيع التصرف في الكائنات؛ لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها.
وثانيهما: إصلاح القلوب بحسن العمل وإخلاص النية لله.
وأما العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الخلقي؛ ليسهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الدينية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله وهو: دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءَه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
وخطب علي رضي الله عنه قال: الإِسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل، ثم قال: إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه، إن المؤمن
وخلاصة معنى هذه الجملة (١): أن جميع الملل والشرائع التي جاءت بها الأنبياء والرسل روحها الإِسلام، والانقياد والخضوع. وإن اختلفت في بعض التكاليف وصور الأعمال، وبه كان الأنبياء يوصون، فالمسلم الحقيقي مَنْ كان خالصًا من شوائب الشرك مخلصًا في أعماله مع الإيمان من أي ملة كان، وفي أي زمان وجد، وهذا هو المراد بقوله جلَّ ذكره: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
وذلك أن الله شرع الدين لأمرين:
أحدهما: تصفية الأرواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبية للمخلوقات، بها تستطيع التصرف في الكائنات؛ لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها.
وثانيهما: إصلاح القلوب بحسن العمل وإخلاص النية لله.
وأما العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الخلقي؛ ليسهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الدينية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله وهو: دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءَه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
وخطب علي رضي الله عنه قال: الإِسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل، ثم قال: إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه، إن المؤمن
(١) المراغي.
228
يعرف إيمانه في عمله، والكافر يعرف كفره بإنكاره، أيها الناس دينَكُم دينَكُم، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره؛ إن السيئة فيه تغفر وأن الحسنة في غيره لا تقبل.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ وتفرق ﴿الَّذِينَ أُوتُوا﴾ وأعطوا ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإِسلام، وأنكروا نبوة محمَّد - ﷺ -، وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ﴾ وحصل لهم ﴿الْعِلْمُ﴾ والمعرفة بصدق محمَّد - ﷺ - بما عرفوه في كتبهم من نعته ووصفه قبل بعثته. ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: ما خالفوه وأنكروه إلا لأجل الحسد الكائن منهم وطلب الرياسة لا لشُبهةٍ وخفاءٍ في أمره.
وقال الأخفش (١): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيًا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو: خلافهم في كون نبينا - ﷺ - نبيًّا أم لا، وقيل: اختلافهم في دين الإِسلام، فقال قوم؛ إنه حق، وقال قوم: إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقًا، وقيل: اختلافهم في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقيل: اختلافهم في نبوة عيسى وقيل: اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيء.
وقيل معنى الآية (٢): وما خرج أهل الكتاب من الإِسلام الذي جاء به أنبياؤهم وصاروا مذاهب وشيعًا يقتتلون في الدين، والدين واحد، لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحد من الرؤساء، ولولا بغيهم ونصرهم مذهبًا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأي والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه.. لما حدث هذا الاختلاف، والقصد من إخبار هذا الاختلاف أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب، كما فعل مَن قبلنا،
﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ وتفرق ﴿الَّذِينَ أُوتُوا﴾ وأعطوا ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإِسلام، وأنكروا نبوة محمَّد - ﷺ -، وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ﴾ وحصل لهم ﴿الْعِلْمُ﴾ والمعرفة بصدق محمَّد - ﷺ - بما عرفوه في كتبهم من نعته ووصفه قبل بعثته. ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: ما خالفوه وأنكروه إلا لأجل الحسد الكائن منهم وطلب الرياسة لا لشُبهةٍ وخفاءٍ في أمره.
وقال الأخفش (١): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيًا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو: خلافهم في كون نبينا - ﷺ - نبيًّا أم لا، وقيل: اختلافهم في دين الإِسلام، فقال قوم؛ إنه حق، وقال قوم: إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقًا، وقيل: اختلافهم في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقيل: اختلافهم في نبوة عيسى وقيل: اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيء.
وقيل معنى الآية (٢): وما خرج أهل الكتاب من الإِسلام الذي جاء به أنبياؤهم وصاروا مذاهب وشيعًا يقتتلون في الدين، والدين واحد، لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحد من الرؤساء، ولولا بغيهم ونصرهم مذهبًا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأي والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه.. لما حدث هذا الاختلاف، والقصد من إخبار هذا الاختلاف أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب، كما فعل مَن قبلنا،
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
229
ولكن واأسفًا وقعنا فيما وقع فيه السالفون، وتفرقنا طرائق قددًا، وأصابنا من الخذلان والذل بسبب هذا التفرق ما لا نَزَال نَئِنَّ منه، ونرجو أن يشملنا الله بعفوه ورحمته ويمدنا بروح من عنده، فيسعى أهل الإيمان الصادق في نبذ الاختلاف والشقاق، والعودة إلى الوحدة والاتفاق حتى يعود المسلمون إلى سيرتهم الأولى في عهد النبي - ﷺ - وخلفائه الراشدين ومن تبعهم بإحسان.
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، أي: ومن ينكر بالآيات الدالة على أن الدين المرضي عند الله هو الإِسلام بأن لم يعمل بمقتضاها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾؛ أي: المجازاة له على كفره؛ أي: فإنه يحاسبه على كفره ويجازيه عليه قريبًا، ولا يخفى ما فيه من الوعيد والتهديد.
وخلاصة هذا الكلام: ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين ووحدته وحرمة الاختلاف والتفرق فيه ويترك الإذعان لها.. فالله يجازيه ويعاقبه على ما اجترح من السيئات، والله سريع الحساب. والمراد بآيات الله هنا: هي آياته التكوينية في الأنفس والآفاق، ويدخل في ترك الإذعان لها صرفُها عن وجهها؛ لتوافق مذاهب أهل الزيغ والإلحاد. وآياتهُ التشريعية التي أنزلها على رسله. والله أعلم.
٢٠ - ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: خاصمك يا محمَّد أهل الكتاب اليهود والنصارى أو غيرهم في أن الدين عند الله هو الإِسلام بعد قيام الحجة عليهم ﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾؛ أي: أسلمت ذاتي من إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو أخلصت عملي وعبادتي ﴿لِلِّهِ﴾ سبحانه وتعالى وحده لا أشرك به في ذلك غيره ﴿و﴾ أسلم ﴿من اتبعنِ﴾ وجوهُهم لله تعالى، فهو معطوف على التاء في ﴿أَسْلَمْتُ﴾، وجاز ذلك لوجود الفصل بالمفعول، والمعنى: أنه - ﷺ - أسلم وجهه لله، وهم أسلموا وجوههم لله تعالى. وأثبت (١) الياء في: ﴿اتَّبَعَنِ﴾ نافع وأبو عمرو وصلًا، وحذفاها وقفًا، وأثبتها يعقوب وصلًا ووقفًا، والباقون حذفوها وقفًا ووصلًا
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، أي: ومن ينكر بالآيات الدالة على أن الدين المرضي عند الله هو الإِسلام بأن لم يعمل بمقتضاها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾؛ أي: المجازاة له على كفره؛ أي: فإنه يحاسبه على كفره ويجازيه عليه قريبًا، ولا يخفى ما فيه من الوعيد والتهديد.
وخلاصة هذا الكلام: ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين ووحدته وحرمة الاختلاف والتفرق فيه ويترك الإذعان لها.. فالله يجازيه ويعاقبه على ما اجترح من السيئات، والله سريع الحساب. والمراد بآيات الله هنا: هي آياته التكوينية في الأنفس والآفاق، ويدخل في ترك الإذعان لها صرفُها عن وجهها؛ لتوافق مذاهب أهل الزيغ والإلحاد. وآياتهُ التشريعية التي أنزلها على رسله. والله أعلم.
٢٠ - ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: خاصمك يا محمَّد أهل الكتاب اليهود والنصارى أو غيرهم في أن الدين عند الله هو الإِسلام بعد قيام الحجة عليهم ﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾؛ أي: أسلمت ذاتي من إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو أخلصت عملي وعبادتي ﴿لِلِّهِ﴾ سبحانه وتعالى وحده لا أشرك به في ذلك غيره ﴿و﴾ أسلم ﴿من اتبعنِ﴾ وجوهُهم لله تعالى، فهو معطوف على التاء في ﴿أَسْلَمْتُ﴾، وجاز ذلك لوجود الفصل بالمفعول، والمعنى: أنه - ﷺ - أسلم وجهه لله، وهم أسلموا وجوههم لله تعالى. وأثبت (١) الياء في: ﴿اتَّبَعَنِ﴾ نافع وأبو عمرو وصلًا، وحذفاها وقفًا، وأثبتها يعقوب وصلًا ووقفًا، والباقون حذفوها وقفًا ووصلًا
(١) الجمل.
230
موافقة للرسم، وحسَّن ذلك أيضًا كونها فاصلة ورأس آية نحو: ﴿أكرمن﴾ و ﴿أهانن﴾ وقال بعضهم: حذف هذه مع نون الوقاية خاصة فإن لم تكن نون.. فالكثير إثباتها، ومعنى الكلام: فإن جادلك أهل الكتاب أو غيرهم - وقد كان النبي - ﷺ - يدعوا اليهود في المدينة إلى ترك ما أحدثوه في دينهم، وتعودوه من التحريف والتأويل، والرجوع إلى حقيقة الدين وإسلام الوجه لله، والإخلاص له بعد أن أقيمت عليهم البراهين والبينات - وجئتهم بالحق، فقل لهم: أقبلت بعبادتي على ربي مخلصًا له معرضًا عما سواه أنا ومن اتبعني من المؤمنين.
والخلاصة: أنه لا فائدة في الجدل مع مثل هؤلاء؛ لأنه لا يكون إلا فيما فيه خفاء أما وقد قامت الأدلة وبطلت شبهات الضالين، فهو مكابرة وعناد، ولا يستحق منك إلا الإعراض وعدم إضاعة الوقت سدى.
﴿وَقُلْ﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾؛ أي: لليهود والنصارى ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾؛ أي: مشركي العرب الذين لا كتاب لهم، وخص هؤلاء بالذكر مع أن البعثة عامة؛ لأنهم هم الذين خوطبوا أولًا بالدعوة ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾؛ أي: أتسلمون بعد أن أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام كما أسلمت أنا ومن اتبعني، أم تصرون على كفركم وعنادكم. وهذه الجملة صورته استفهام تقريري، ومعناه: أمر؛ أي: أسلموا، كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ تهديد، والمعنى: أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإِسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتًا لهم وتصغيرًا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق، وتعييرًا لهم بالبلادة وجمود القريحة ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ كما أسلمتم.. ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ للفوز والنجاة في الآخرة؛ أي: ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر، وفازوا بخيري الدنيا والآخرة. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾، أي: أعرضوا عن الإِسلام وقبول الحق والاتباع لدينك.. فلن يضروك شيئًا. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾؛ أي: ما عليك إلا إبلاغ ما أنزل إليك إليهم، وقد أدَّيته على أتم وجه وأكمله، ولست عليهم بمسيطر، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وهذا قبل الأمر بالقتال، فهو منسوخ بآية السيف. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن، فيجازي كلًّا منهم بعمله؛ أي:
والخلاصة: أنه لا فائدة في الجدل مع مثل هؤلاء؛ لأنه لا يكون إلا فيما فيه خفاء أما وقد قامت الأدلة وبطلت شبهات الضالين، فهو مكابرة وعناد، ولا يستحق منك إلا الإعراض وعدم إضاعة الوقت سدى.
﴿وَقُلْ﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾؛ أي: لليهود والنصارى ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾؛ أي: مشركي العرب الذين لا كتاب لهم، وخص هؤلاء بالذكر مع أن البعثة عامة؛ لأنهم هم الذين خوطبوا أولًا بالدعوة ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾؛ أي: أتسلمون بعد أن أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام كما أسلمت أنا ومن اتبعني، أم تصرون على كفركم وعنادكم. وهذه الجملة صورته استفهام تقريري، ومعناه: أمر؛ أي: أسلموا، كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ تهديد، والمعنى: أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإِسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتًا لهم وتصغيرًا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق، وتعييرًا لهم بالبلادة وجمود القريحة ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ كما أسلمتم.. ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ للفوز والنجاة في الآخرة؛ أي: ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر، وفازوا بخيري الدنيا والآخرة. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾، أي: أعرضوا عن الإِسلام وقبول الحق والاتباع لدينك.. فلن يضروك شيئًا. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾؛ أي: ما عليك إلا إبلاغ ما أنزل إليك إليهم، وقد أدَّيته على أتم وجه وأكمله، ولست عليهم بمسيطر، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وهذا قبل الأمر بالقتال، فهو منسوخ بآية السيف. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن، فيجازي كلًّا منهم بعمله؛ أي:
231
فهو تعالى أعلم بمن طمس على قلبه وجعل على بصره غشاوة فوقع اليأس من اهتدائه، وبمن يُرجى له الهداية والتوفيق بعد البلاغ.
روي (١) أن رسول الله - ﷺ -: لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا، فقال - ﷺ - لليهود: "أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده، ورسوله"، فقالوا: معاذ الله، وقال - ﷺ - للنصارى: "أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله"، فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدًا، وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.
٢١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: بالقرآن، وبما جاء به محمَّد - ﷺ - من اليهود والنصارى وغيرهم. فالآية وإن كانت قد نزلت في فريق من اليهود والنصارى إلا أنها عامة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ أي: بغير جرم ولا شبهة لديهم، وكان دأبهم قتل الأنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقرأ الحسن شذوذًا: (ويقتّلون النّبيين) بالتشديد، والتشديد فيه للتكثير وقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (٢) حال مؤكدة؛ لأن قتل الأنبياء لا يكون حقًّا. ﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ الدعاة ﴿الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ الناس ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل وينهونهم عن ارتكاب المعاصي والمنكر حال كون أولئك الدعاة ﴿مِنَ﴾ بعض ﴿النَّاسِ﴾. وقرأ حمزة (٣) وجماعة من غير السبعة: ﴿ويقاتلون الذين يأمرون بالقسط﴾ بالألف. وقرأها الأعمش شذوذًا: (وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط). وكذا هي في مصحف عبد الله وقرأ أبي شذوذًا أيضًا: ﴿يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط﴾.
ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وإبراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع؛ لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة لمن وقع عليه الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالقسط من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان، وقيل غير ذلك.
روي (١) أن رسول الله - ﷺ -: لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا، فقال - ﷺ - لليهود: "أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده، ورسوله"، فقالوا: معاذ الله، وقال - ﷺ - للنصارى: "أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله"، فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدًا، وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.
٢١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: بالقرآن، وبما جاء به محمَّد - ﷺ - من اليهود والنصارى وغيرهم. فالآية وإن كانت قد نزلت في فريق من اليهود والنصارى إلا أنها عامة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ أي: بغير جرم ولا شبهة لديهم، وكان دأبهم قتل الأنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقرأ الحسن شذوذًا: (ويقتّلون النّبيين) بالتشديد، والتشديد فيه للتكثير وقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (٢) حال مؤكدة؛ لأن قتل الأنبياء لا يكون حقًّا. ﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ الدعاة ﴿الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ الناس ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل وينهونهم عن ارتكاب المعاصي والمنكر حال كون أولئك الدعاة ﴿مِنَ﴾ بعض ﴿النَّاسِ﴾. وقرأ حمزة (٣) وجماعة من غير السبعة: ﴿ويقاتلون الذين يأمرون بالقسط﴾ بالألف. وقرأها الأعمش شذوذًا: (وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط). وكذا هي في مصحف عبد الله وقرأ أبي شذوذًا أيضًا: ﴿يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط﴾.
ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وإبراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع؛ لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة لمن وقع عليه الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالقسط من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان، وقيل غير ذلك.
(١) أبو السعود.
(٢) النسفي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) النسفي.
(٣) البحر المحيط.
روي أن اليهود قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًّا في أول النهار، فقام مئة رجل من عباد بني إسرائيل من أتباع الأنبياء فنصحوهم وذكروهم، فقتلوهم من آخر النهار جميعًا، ففيهم نزلت هذه الآية: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾؛ أي: أخبرهم يا محمَّد وأعلمهم ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: بعذاب مؤلم موجع مهين.
وعن (١) أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أيُّ الناس أشد عذابًا يوم القيامة، قال: "رجل قتل نبيًّا، أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة وسبعون رجلًا من بني إسرائيل، فأمروا مَنْ قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعًا في آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ".
٢٢ - ﴿أُولَئِكَ﴾ المتصفون بالصفات المذكورة القبيحة هم ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾؛ أي: بطلت محاسن أعمالهم في الدارين. أمَّا بطلانها في الدنيا فبإبدال المدح بالذم، والثناء باللعن، وبما ينزل بهم من القتل والسبي وأخذ المال منهم غنيمةً والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم. وأما بطلانها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب، وقيل: بطلان العمل هو أن لا يقبل في الدنيا؛ ولا يجازى عليه في الآخرة. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ من عذاب الله في إحدى الدارين؛ أي: ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.
٢٣ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ استفهام تعجيب للنبي، أو لكل من تتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ أي: ألم تنظر يا محمَّد إلى سوء صنيع الذين أوتوا وأعطوا نصيبًا في الكتاب؛ أي: حظًّا عظيمًا من علم التوراة،
وعن (١) أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أيُّ الناس أشد عذابًا يوم القيامة، قال: "رجل قتل نبيًّا، أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة وسبعون رجلًا من بني إسرائيل، فأمروا مَنْ قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعًا في آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ".
٢٢ - ﴿أُولَئِكَ﴾ المتصفون بالصفات المذكورة القبيحة هم ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾؛ أي: بطلت محاسن أعمالهم في الدارين. أمَّا بطلانها في الدنيا فبإبدال المدح بالذم، والثناء باللعن، وبما ينزل بهم من القتل والسبي وأخذ المال منهم غنيمةً والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم. وأما بطلانها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب، وقيل: بطلان العمل هو أن لا يقبل في الدنيا؛ ولا يجازى عليه في الآخرة. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ من عذاب الله في إحدى الدارين؛ أي: ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.
٢٣ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ استفهام تعجيب للنبي، أو لكل من تتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ أي: ألم تنظر يا محمَّد إلى سوء صنيع الذين أوتوا وأعطوا نصيبًا في الكتاب؛ أي: حظًّا عظيمًا من علم التوراة،
(١) ابن كثير.
وهم أحبار اليهود. والمراد بذلك النصيب: ما بُيِّن لهم في التوراة من العلوم والأحكام التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي - ﷺ - وحقيقة الإِسلام. والتعبير عنه بالنصيب للإشعار بكمال اختصاصه بهم وكونه حقًّا من حقوقهم التي تجب مراعاتها والعمل بموجبها حال كونهم ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾؛ أي: التوراة ﴿لِيَحْكُمَ﴾ ذلك الكتاب ﴿بَيْنَهُمْ﴾ والداعي لهم هو محمَّد - ﷺ -، وقرىء شذوذًا: (ليُحكَم) بالبناء للمفعول. ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: ثم يُدبر جماعة منهم عن مجلس النبي - ﷺ - ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم معرضون بقلوبهم عن قبول حكم ذلك الكتاب مكذبون له، وذلك أنهم أنكروا آية الرجم من التوراة، وسألوا النبي - ﷺ - عن حد المحْصَنَين إذا زنيا، فحكم بالرجم، فقالوا: جُرت يا محمَّد، فقال: بيني وبينكم التوراة، ثم أتوا بابن صوريا، فقرأ التوراة، فلما أتى على آية الرجم سترها بكفه عنها، وقرأها على رسول الله - ﷺ - وعلى اليهود فإذا فيها: "إن المحصن والمحصنة إذا زنيا، وقامت عليهما البينة.. رُجما، وإن كانت المرأة حبلى.. تتربص حتى تضع ما في بطنها". فأمر رسول الله - ﷺ - باليهوديين، فرُجما، فغضبت اليهود لذلك وانصرفوا، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ...﴾ إلخ. والقصة مذكورة في "صحيح البخاري" في كتاب التفسير.
٢٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ التولي والإعراض ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: بسبب أنهم ﴿قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾؛ أي؛ لن تصيبنا النار في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾؛ أي: أيامًا قلائل ومدة يسيرة - أربعين يومًا مدة عبادتهم العجل - ثم يخرجون منها ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ﴾؛ أي: في ثباتهم على دينهم اليهودية ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي؛ يختلقون من الكذب من قولهم: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، وإن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
وخلاصة ذلك: أنهم استخفوا بالعقوبة واستسهلوها اتكالًا على اتصال نسبهم بالأنبياء، واعتمادًا على مجرد الانتساب إلى هذا الدين، واعتقدوا أن هذا كافٍ في نجاتهم. ومن استخف بوعيد الله زعمًا منه أنه غير نازل حتمًا بمن يستحقه.. تزول من نفسه حرمة الأوامر والنواهي، فيقدم بلا مبالاة على انتهاك
٢٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ التولي والإعراض ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: بسبب أنهم ﴿قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾؛ أي؛ لن تصيبنا النار في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾؛ أي: أيامًا قلائل ومدة يسيرة - أربعين يومًا مدة عبادتهم العجل - ثم يخرجون منها ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ﴾؛ أي: في ثباتهم على دينهم اليهودية ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي؛ يختلقون من الكذب من قولهم: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، وإن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
وخلاصة ذلك: أنهم استخفوا بالعقوبة واستسهلوها اتكالًا على اتصال نسبهم بالأنبياء، واعتمادًا على مجرد الانتساب إلى هذا الدين، واعتقدوا أن هذا كافٍ في نجاتهم. ومن استخف بوعيد الله زعمًا منه أنه غير نازل حتمًا بمن يستحقه.. تزول من نفسه حرمة الأوامر والنواهي، فيقدم بلا مبالاة على انتهاك
حرمات الدين، ويتهاون في أداء الطاعات. وهكذا شأن الأمم حين تفسق عن دينها ولا تبالي باجتراع السيئات. وقد ظهر ذلك في اليهود والنصارى، ثم في المسلمين، فإن كثيرًا من المسلمين اليوم يعتقدون أن المسلم المرتكب للكبائر والإثم والفواحش؛ إما أن تدركه الشفاعات، أو تنجيه الكفارات؛ وإما أن يمنح العفو والمغفرة إحسانًا من الله وفضلًا، فإن فاته ذلك.. عُذِّب على قدر خطيئته، ثم يخرج من النار ويدخل الجنة، وأما المنتسبون إلى سائر الأديان فهم خالدون في النار مهما كانت أعمالهم.
والقرآن قد ناط أمر الفوز والنجاة من النار بالإيمان الذي ذكر الله علاماته وصفات أهله، وبالعمل الصالح، والخُلُق الفاضل، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما جعل المغفرة لمن لم تحط به خطيئته.
أما الذين صار همهم إرضاء شهواتهم، ولم يبق للدين سلطان على نفوسهم.. فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
٢٥ - ﴿فَكَيْفَ﴾ حالهم ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: جمعنا الخلائق للمجازاة ﴿لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ﴾؛ أي: في يوم لا شك في مجيئه ووقوع ما فيه وهو يوم القيامة ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ﴾؛ أي: وتوفى وتنال فيه ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ بَرَّةٍ، أو فاجرةٍ جزاء ﴿مَا كَسَبَتْ﴾؛ أي: عملت من خير أو شر. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم لا يظلمون في المجازاة بزيادة في سيئاتهم ونقصان في حسناتهم، فلا ينقص أحد من ثواب الطاعات، ولا يزاد على عقاب السيئات. والضمير عائد لكل نفس على المعنى؛ لأنه في معنى كل إنسان.
وهناك العدل الكامل والقضاء الفاصل: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)﴾.
الإعراب
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
والقرآن قد ناط أمر الفوز والنجاة من النار بالإيمان الذي ذكر الله علاماته وصفات أهله، وبالعمل الصالح، والخُلُق الفاضل، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما جعل المغفرة لمن لم تحط به خطيئته.
أما الذين صار همهم إرضاء شهواتهم، ولم يبق للدين سلطان على نفوسهم.. فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
٢٥ - ﴿فَكَيْفَ﴾ حالهم ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: جمعنا الخلائق للمجازاة ﴿لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ﴾؛ أي: في يوم لا شك في مجيئه ووقوع ما فيه وهو يوم القيامة ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ﴾؛ أي: وتوفى وتنال فيه ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ بَرَّةٍ، أو فاجرةٍ جزاء ﴿مَا كَسَبَتْ﴾؛ أي: عملت من خير أو شر. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم لا يظلمون في المجازاة بزيادة في سيئاتهم ونقصان في حسناتهم، فلا ينقص أحد من ثواب الطاعات، ولا يزاد على عقاب السيئات. والضمير عائد لكل نفس على المعنى؛ لأنه في معنى كل إنسان.
وهناك العدل الكامل والقضاء الفاصل: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)﴾.
الإعراب
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
235
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)}.
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أن: حرف نصب ومصدر، والهاء ضمير الشأن في محل النصب اسمها. ﴿لَا﴾ نافية تعمل عمل إن ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره موجود. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ، ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر (لا)، وجملة (لا) من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، وجملة ﴿أنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لشهد تقديره: شهد الله وبين عدم وجود معبود بحق سواه. ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على لفظ الجلالة ﴿وَأُولُو﴾: معطوف أيضًا على الجلالة، وهو مضاف. ﴿الْعِلْمِ﴾: مضاف إليه. ﴿قَائِمًا﴾: حال من الضمير الواقع بعد ﴿إِلَّا﴾ أو من لفظ الجلالة ﴿بِالْقِسْطِ﴾ متعلق بـ ﴿قَائِمًا﴾. وجملة ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ بدل من جملة قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ الأولى بدلُ كلٍّ من كل كرره تأكيدًا. ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ في إعرابه (١) ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بدل من ﴿هُوَ﴾.
الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف.
الثالث: أنه نعت لـ ﴿هُوَ﴾، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب الكسائي، فإنه يرى وصف الضمير الغائب.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿الدِّينَ﴾: اسمها. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الدين ﴿الْإِسْلَامُ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾، والجملة مستأنفة.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أن: حرف نصب ومصدر، والهاء ضمير الشأن في محل النصب اسمها. ﴿لَا﴾ نافية تعمل عمل إن ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره موجود. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ، ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر (لا)، وجملة (لا) من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، وجملة ﴿أنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لشهد تقديره: شهد الله وبين عدم وجود معبود بحق سواه. ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على لفظ الجلالة ﴿وَأُولُو﴾: معطوف أيضًا على الجلالة، وهو مضاف. ﴿الْعِلْمِ﴾: مضاف إليه. ﴿قَائِمًا﴾: حال من الضمير الواقع بعد ﴿إِلَّا﴾ أو من لفظ الجلالة ﴿بِالْقِسْطِ﴾ متعلق بـ ﴿قَائِمًا﴾. وجملة ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ بدل من جملة قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ الأولى بدلُ كلٍّ من كل كرره تأكيدًا. ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ في إعرابه (١) ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بدل من ﴿هُوَ﴾.
الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف.
الثالث: أنه نعت لـ ﴿هُوَ﴾، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب الكسائي، فإنه يرى وصف الضمير الغائب.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿الدِّينَ﴾: اسمها. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الدين ﴿الْإِسْلَامُ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾، والجملة مستأنفة.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.
(١) الجمل.
236
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ﴾ الواو استئنافية. ﴿ما﴾: نافية، ﴿اخْتَلَفَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿أُوتُوا﴾: فعل ماضٍ مغير، والواو نائب فاعل وهو المفعول الأول؛ لأن آتى بمعنى: أعطى ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿مِنْ بَعْدِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اخْتَلَفَ﴾، ﴿ما﴾: مصدرية ﴿جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿بَعْدِ﴾، ﴿بَغْيًا﴾: مفعول لأجله، والعامل فيه ﴿اخْتَلَفَ﴾، ﴿بَيْنَهُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة لـ ﴿بَغْيًا﴾.
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، وفي خبره (١) الأقوال الثلاثة أعني: فعل الشرط وحده، أو الجواب وحده، أو كليهما، وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدَّر؛ أي: سريع الحساب له. والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة، ﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَكْفُرْ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿إنَّ﴾: حرف نصب، ﴿الله﴾ اسمها، ﴿سَرِيعُ﴾: خبرها. ﴿الْحِسَابِ﴾: مضاف إليه، وجملة ﴿إنَّ﴾ من اسمها وخبرها في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وفي الحقيقة: هذه الجملة قائمة (٢) مقام الجواب علة، وتقدير الجواب: فإن الله يجازيه ويعاقبه عن قرب فإنه سريع الحساب.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن جواب
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، وفي خبره (١) الأقوال الثلاثة أعني: فعل الشرط وحده، أو الجواب وحده، أو كليهما، وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدَّر؛ أي: سريع الحساب له. والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة، ﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَكْفُرْ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿إنَّ﴾: حرف نصب، ﴿الله﴾ اسمها، ﴿سَرِيعُ﴾: خبرها. ﴿الْحِسَابِ﴾: مضاف إليه، وجملة ﴿إنَّ﴾ من اسمها وخبرها في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وفي الحقيقة: هذه الجملة قائمة (٢) مقام الجواب علة، وتقدير الجواب: فإن الله يجازيه ويعاقبه عن قرب فإنه سريع الحساب.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن جواب
(١) السمين.
(٢) أبو السعود.
(٢) أبو السعود.
237
شرط مقدر تقديره؛ إذا عرفت أن الدين المرضي عند الله الإِسلام، وأردت بيان ما تقول لمن حاجك فيه.. فأقول لك ﴿إن﴾: حرف شرط جازم ﴿حَاجُّوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه فعل شرط لإنْ. ﴿فَقُلْ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إنْ﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، يعود على محمد، وجملة (إنْ) الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا الشرطية المقدرة، وجملة إذا الشرطية مستأنفة. ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾: مقول محكي لـ ﴿قل﴾ منصوب بفتحة مقدرة، وإن شئت قلتَ: ﴿أَسْلَمْتُ﴾: فعل وفاعل، ﴿وَجْهِيَ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَسْلَمْتُ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾، ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾: الواو عاطفة ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع على الفاعلية معطوف على تاء ﴿أَسْلَمْتُ﴾، ﴿اتبع﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة تشبيهًا لهذه الكلمة برؤوس الآي: كـ ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾، ﴿أهانن﴾ - في محل النصب مفعول به.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، ﴿قل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قل﴾. ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: فعل ماضٍ مغير، ونائب فاعل، ومفعول ثان؛ لأن أتى بمعنى: أعطى، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب. ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾: معطوف على الموصول. ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾: مقول محكى لـ ﴿قل﴾، وإنْ شئت قلت: الهمزة للاستفهام التقريري، ولكن فيه معنى الأمر كما مرَّ ﴿أسلمتم﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾.
﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا امتثلت أمرنا بالقول لهم، وأردت بيان ما يترتب على ذلك القول.. فأقول لك
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، ﴿قل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قل﴾. ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: فعل ماضٍ مغير، ونائب فاعل، ومفعول ثان؛ لأن أتى بمعنى: أعطى، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب. ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾: معطوف على الموصول. ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾: مقول محكى لـ ﴿قل﴾، وإنْ شئت قلت: الهمزة للاستفهام التقريري، ولكن فيه معنى الأمر كما مرَّ ﴿أسلمتم﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾.
﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا امتثلت أمرنا بالقول لهم، وأردت بيان ما يترتب على ذلك القول.. فأقول لك
238
﴿إن أسلموا﴾: ﴿إن﴾: حرف شرط جازم، ﴿أَسْلَمُوا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿فَقَدِ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا؛ لاقترانه بـ ﴿قد﴾. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿اهْتَدَوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾: الواو عاطفة، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه شرطًا لها. ﴿فَإِنَّمَا﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية، ﴿إنما﴾: أداة حصر بمعنى: ما النافية وإلا المثبتة. ﴿عَلَيْكَ﴾: جار ومجرور خبر مقدَّم ﴿الْبَلَاغُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة. ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ ﴿بَصِيرٌ﴾: خبر ﴿بِالْعِبَادِ﴾: متعلق به، والجملة مستأنفة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها. ﴿يَكْفُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَكْفُرُونَ﴾، ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿يقتلون﴾؛ أي: حال كونهم ملتبسين بغير حق. ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿يَأْمُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿بِالْقِسْطِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَأْمُرُونَ﴾. ﴿مِنَ النَّاسِ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿يَأْمُرُونَ﴾ تقديره: حالة كونهم كائنين من بعض الناس، فهي حال مؤكدة؛ لأن من المعلوم أنهم من جملة الناس. ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾: الفاء رابطة لخبر ﴿إن﴾ باسمها
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها. ﴿يَكْفُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَكْفُرُونَ﴾، ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿يقتلون﴾؛ أي: حال كونهم ملتبسين بغير حق. ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿يَأْمُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿بِالْقِسْطِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَأْمُرُونَ﴾. ﴿مِنَ النَّاسِ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿يَأْمُرُونَ﴾ تقديره: حالة كونهم كائنين من بعض الناس، فهي حال مؤكدة؛ لأن من المعلوم أنهم من جملة الناس. ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾: الفاء رابطة لخبر ﴿إن﴾ باسمها
239
جوازًا؛ لما في الموصول من العموم. وعبارة السمين: ولما ضُمّن هذا الموصول معنى الشرط في العموم.. دخلت الفاء في خبره، وهو قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾. وخالف الأخفش فمنع دخولها، والسماع حجة عليه كهذه الآية. ﴿بشر﴾: فعل أمر ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة. ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: جار ومجرور وصفة، متعلق بـ ﴿بشرهم﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور ومعطوف، متعلق بـ ﴿حَبِطَتْ﴾، ﴿وَمَا لَهُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: حجازية أو تميمية. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿ما﴾ أو لمبتدأ مؤخر، ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: اسم ﴿ما﴾ مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على جملة حبطت على كونها صلة الموصول.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾.
﴿أَلَمْ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري، ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم. ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تر﴾، ورأى هنا علمية مضمنة معنى الانتهاء لتصح التعدية بإلى، والمعنى: ألم تعلم يا محمَّد منتهيًا علمك إلى قصة الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، ذكره السمين. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿أُوتُوا﴾: فعل مغير ونائب فاعل. ﴿نَصِيبًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نَصِيبًا﴾. ﴿يُدْعَوْنَ﴾ فعل مضارع مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل النصب حال من ﴿الَّذِينَ﴾. ﴿إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُدْعَوْنَ﴾.
﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور ومعطوف، متعلق بـ ﴿حَبِطَتْ﴾، ﴿وَمَا لَهُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: حجازية أو تميمية. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿ما﴾ أو لمبتدأ مؤخر، ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: اسم ﴿ما﴾ مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على جملة حبطت على كونها صلة الموصول.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾.
﴿أَلَمْ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري، ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم. ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تر﴾، ورأى هنا علمية مضمنة معنى الانتهاء لتصح التعدية بإلى، والمعنى: ألم تعلم يا محمَّد منتهيًا علمك إلى قصة الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، ذكره السمين. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿أُوتُوا﴾: فعل مغير ونائب فاعل. ﴿نَصِيبًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نَصِيبًا﴾. ﴿يُدْعَوْنَ﴾ فعل مضارع مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل النصب حال من ﴿الَّذِينَ﴾. ﴿إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُدْعَوْنَ﴾.
﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
240
﴿لِيَحْكُمَ﴾: اللام حرف جر وتعليل. (يحكم): منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام (كي)، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْكِتَابِ﴾، ﴿بَيْنَهُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يحكم﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أن﴾ المضمرة، ﴿أن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل تقديره: لحكمه، ﴿بَيْنَهُمْ﴾: الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُدْعَوْنَ﴾، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿يَتَوَلَّى فَرِيقٌ﴾: فعل وفاعل، ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿فَرِيقٌ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُدْعَوْنَ﴾، ﴿وَهُم﴾: الواو واو الحال ﴿هم معرضون﴾: مبتدأ وخبر، والجملة حال من ﴿فَرِيقٌ﴾، وصح مجيء الحال منه لوصفه بالجار والمجرور.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿بِأَنَّهُمْ﴾: الباء حرف جر، ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، والهاء: اسمها. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿قَالُوا﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ تقديره: بأنهم قائلون، وجملة ﴿أن﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالياء تقديره: ذلك بقولهم، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: ذلك التولي والإعراض كائن بسبب قولهم، والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة. ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾: مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿لَن﴾: حرف نفي ونصب. ﴿تَمَسَّنَا النَّارُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، منصوب بـ ﴿لَن﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾ ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَيَّامًا﴾: منصوب على الظرفية، ﴿مَعْدُودَاتٍ﴾: صفة لأيامًا، والظرف متعلق بـ ﴿تَمَسَّنَا﴾، ﴿وَغَرَّهُمْ﴾: الواو عاطفة. ﴿غر﴾: فعل ماضٍ، الهاء: مفعول به. ﴿فِي دِينِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿غرهم﴾، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿يَفْتَرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كان﴾ تقديره: ما كانوا مفترين، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يفترونه، وجملة (غرهم) في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿قَالُوا﴾ على كونها خبر ﴿أَنَّ﴾.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿بِأَنَّهُمْ﴾: الباء حرف جر، ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، والهاء: اسمها. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿قَالُوا﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ تقديره: بأنهم قائلون، وجملة ﴿أن﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالياء تقديره: ذلك بقولهم، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: ذلك التولي والإعراض كائن بسبب قولهم، والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة. ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾: مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿لَن﴾: حرف نفي ونصب. ﴿تَمَسَّنَا النَّارُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، منصوب بـ ﴿لَن﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾ ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَيَّامًا﴾: منصوب على الظرفية، ﴿مَعْدُودَاتٍ﴾: صفة لأيامًا، والظرف متعلق بـ ﴿تَمَسَّنَا﴾، ﴿وَغَرَّهُمْ﴾: الواو عاطفة. ﴿غر﴾: فعل ماضٍ، الهاء: مفعول به. ﴿فِي دِينِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿غرهم﴾، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿يَفْتَرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كان﴾ تقديره: ما كانوا مفترين، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يفترونه، وجملة (غرهم) في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿قَالُوا﴾ على كونها خبر ﴿أَنَّ﴾.
241
﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾.
﴿فَكَيْفَ﴾: الفاء بمعنى الواو الاستئنافية. (كيف): اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم لمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم، مبني على الفتح؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، حالهم: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿إِذَا﴾: ظرف مجرد عن الشرط، والظرف متعلق بالمبتدأ المحذوف. ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذا، ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾. ﴿لا﴾: نافية، ﴿رَيْبَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾. وفي "الفتوحات" (١): قوله: ﴿فَكَيْفَ﴾ ردٌّ لقولهم المذكور، وإبطال لما غرهم باستعظام ما سيقع لهم، وتهويل لما يحيق بهم من الأهوال. و ﴿كيف﴾: خبر مبتدأ محذوف قدَّره بقوله: حالهم. وعبارة السمين: ويجوز أن يكون ﴿كيف﴾ خبرًا مقدمًا، والمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم؟ وقوله: ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ ظرف محض من غير تضمين شرط، والعامل فيه هو العامل في ﴿كيف﴾ إن قلنا: إنها منصوبة بفعل، وإن قلنا: إنها خبر لمبتدأ مضمر، وهي منصوبة انتصاب الظرف.. كان العامل في إذا: الاستقرار العامل في ﴿كيف﴾؛ لأنها كالظرف، وإن قلنا: إنها اسم غير ظرف بل لمجرد السؤال.. كان العامل فيها نفس المبتدأ الذي قدرناه؛ أي: كيف حالهم في وقت جمعهم، وقوله: ﴿ليوم﴾ متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: لقضاء يوم أو لجزاء يوم و ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: صفة للظرف. انتهى. ﴿وَوُفِّيَتْ﴾: الواو عاطفة. ﴿وُفي﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، التاء علامة التأنيث؛ لاكتساب الفاعل التأنيث من المضاف إليه. ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿لَا رَيْبَ﴾ على كونها صفة لـ ﴿يوم﴾، والرابط محذوف تقديره: وتوفى فيه كل نفس. ﴿مَا كَسَبَتْ﴾: ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثانٍ
﴿فَكَيْفَ﴾: الفاء بمعنى الواو الاستئنافية. (كيف): اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم لمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم، مبني على الفتح؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، حالهم: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿إِذَا﴾: ظرف مجرد عن الشرط، والظرف متعلق بالمبتدأ المحذوف. ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذا، ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾. ﴿لا﴾: نافية، ﴿رَيْبَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾. وفي "الفتوحات" (١): قوله: ﴿فَكَيْفَ﴾ ردٌّ لقولهم المذكور، وإبطال لما غرهم باستعظام ما سيقع لهم، وتهويل لما يحيق بهم من الأهوال. و ﴿كيف﴾: خبر مبتدأ محذوف قدَّره بقوله: حالهم. وعبارة السمين: ويجوز أن يكون ﴿كيف﴾ خبرًا مقدمًا، والمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم؟ وقوله: ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ ظرف محض من غير تضمين شرط، والعامل فيه هو العامل في ﴿كيف﴾ إن قلنا: إنها منصوبة بفعل، وإن قلنا: إنها خبر لمبتدأ مضمر، وهي منصوبة انتصاب الظرف.. كان العامل في إذا: الاستقرار العامل في ﴿كيف﴾؛ لأنها كالظرف، وإن قلنا: إنها اسم غير ظرف بل لمجرد السؤال.. كان العامل فيها نفس المبتدأ الذي قدرناه؛ أي: كيف حالهم في وقت جمعهم، وقوله: ﴿ليوم﴾ متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: لقضاء يوم أو لجزاء يوم و ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: صفة للظرف. انتهى. ﴿وَوُفِّيَتْ﴾: الواو عاطفة. ﴿وُفي﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، التاء علامة التأنيث؛ لاكتساب الفاعل التأنيث من المضاف إليه. ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿لَا رَيْبَ﴾ على كونها صفة لـ ﴿يوم﴾، والرابط محذوف تقديره: وتوفى فيه كل نفس. ﴿مَا كَسَبَتْ﴾: ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثانٍ
(١) الجمل.
242
لـ ﴿وفيت﴾. ﴿كَسَبَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: كسبته ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾: الواو حالية ﴿هم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُظْلَمُونَ﴾: خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حل من قوله: ﴿كل نفس﴾.
وذكر (١) ضمير ﴿هم﴾ وجمعه باعتبار معنى كل نفس؛ لأنه في معنى كل الناس، كما اعتبر المعنى في قولهم: ثلاثة أنفس، بتأويل الأناس.
التصريف ومفردات اللغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: يقال: شهد الشيء يشهد شهادةً من باب: علم، إذا بين وأعلم وأخبر. قال الزجاج: الشاهد: هو الذي يعلم الشيء ويبيِّنه، فقد دلَّنا الله على وحدانيته بما خلق وبيَّن.
﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾: القسط: العدل يُجمع على أقساط، يقال: قسط قسطًا من باب: ضرب ونصر، وقسط الوالي وأقسط إذا عدل في حكمه.
﴿الْحَكِيمُ﴾ وعدل (٢) عن صيغة الحاكم إلى الحكيم؛ لأجل المبالغة، ولمناسبة العزيز. ومعنى المبالغة تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع أن الدين عند الله هو الإِسلام؛ إذ حكم في كل شريعة بذلك.
﴿الدِّينَ﴾: الجزاء، ويطلق على الملة وهو المراد هنا، وسُمّي الدِّين دِينًا؛ لأن الشخص يدان به.
﴿الْإِسْلَامُ﴾: الاستسلام والانقياد التام، ويقال: أسلم زيد إذا تدين بدين الإِسلام، وأخلص عمله لله. فالإِسلام إخلاص العمل والعقيدة لله تعالى.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: جادلوك ونازعوك، يقال: حاجَّه حجاجًا ومحاجَّةً إذا خاصمه.. فحَجَّه وغلبه، ويقال: تحاجَّا إذا تخاصما.
وذكر (١) ضمير ﴿هم﴾ وجمعه باعتبار معنى كل نفس؛ لأنه في معنى كل الناس، كما اعتبر المعنى في قولهم: ثلاثة أنفس، بتأويل الأناس.
التصريف ومفردات اللغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: يقال: شهد الشيء يشهد شهادةً من باب: علم، إذا بين وأعلم وأخبر. قال الزجاج: الشاهد: هو الذي يعلم الشيء ويبيِّنه، فقد دلَّنا الله على وحدانيته بما خلق وبيَّن.
﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾: القسط: العدل يُجمع على أقساط، يقال: قسط قسطًا من باب: ضرب ونصر، وقسط الوالي وأقسط إذا عدل في حكمه.
﴿الْحَكِيمُ﴾ وعدل (٢) عن صيغة الحاكم إلى الحكيم؛ لأجل المبالغة، ولمناسبة العزيز. ومعنى المبالغة تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع أن الدين عند الله هو الإِسلام؛ إذ حكم في كل شريعة بذلك.
﴿الدِّينَ﴾: الجزاء، ويطلق على الملة وهو المراد هنا، وسُمّي الدِّين دِينًا؛ لأن الشخص يدان به.
﴿الْإِسْلَامُ﴾: الاستسلام والانقياد التام، ويقال: أسلم زيد إذا تدين بدين الإِسلام، وأخلص عمله لله. فالإِسلام إخلاص العمل والعقيدة لله تعالى.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: جادلوك ونازعوك، يقال: حاجَّه حجاجًا ومحاجَّةً إذا خاصمه.. فحَجَّه وغلبه، ويقال: تحاجَّا إذا تخاصما.
(١) الكرخي.
(٢) النهر.
(٢) النهر.
243
﴿غرهم﴾ فتنهم، يقال: غر يغر غرورًا إذا خدع، فهو من المضاعف المعدَّى، والغِرُّ: الصغير، والغريرة: الصغيرة، سميا بذلك؛ لأنهما ينخدعان بالعجلة، والغرة منه يقال: أخذه على غرة؛ أي: تغفل وخداع.
البلاغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ قال الزمخشري (١): شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آيته الناطقة بالتوحيد، كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما، بشهادة الشاهد في البيان والكشف على طريق الاستعارة التصريحية، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. انتهى.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: كرر التهليل للتوكيد، أو لأن (٢) الأول: قول الله، والثاني: حكاية قول الملائكة وأولي العلم، أو لأن الأول جرى مجرى الشهادة، والثاني جرى مجرى الحكم بصحة ما شهد به الشهود. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ الجملة معرفة الطرفين، فتفيد الحصر؛ أي: لا دين إلا الإسلام.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ في التعبير (٣) عن اليهود والنصارى بقوله: ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ زيادة تقبيح لهم وتشنيع عليهم، فإن الاختلاف بعد إيتاء الكتاب أقبح، وقوله: ﴿إلا من بعد﴾ الخ زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد العلم أزيدُ في القباحة، وقوله: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ زيادة ثالثة؛ لأنه في حيز الحصر، فكأنه قال: وما اختلفوا إلا بغيًا؛ أي: لا لشبهة ولا لدليل، فيكون أزيد في القباحة ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ﴾ إظهار الاسم الجليل مع كون المقام للإضمار؛ لتربية المهابة، وإدخال الروعة في النفس.
البلاغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ قال الزمخشري (١): شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آيته الناطقة بالتوحيد، كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما، بشهادة الشاهد في البيان والكشف على طريق الاستعارة التصريحية، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. انتهى.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: كرر التهليل للتوكيد، أو لأن (٢) الأول: قول الله، والثاني: حكاية قول الملائكة وأولي العلم، أو لأن الأول جرى مجرى الشهادة، والثاني جرى مجرى الحكم بصحة ما شهد به الشهود. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ الجملة معرفة الطرفين، فتفيد الحصر؛ أي: لا دين إلا الإسلام.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ في التعبير (٣) عن اليهود والنصارى بقوله: ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ زيادة تقبيح لهم وتشنيع عليهم، فإن الاختلاف بعد إيتاء الكتاب أقبح، وقوله: ﴿إلا من بعد﴾ الخ زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد العلم أزيدُ في القباحة، وقوله: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ زيادة ثالثة؛ لأنه في حيز الحصر، فكأنه قال: وما اختلفوا إلا بغيًا؛ أي: لا لشبهة ولا لدليل، فيكون أزيد في القباحة ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ﴾ إظهار الاسم الجليل مع كون المقام للإضمار؛ لتربية المهابة، وإدخال الروعة في النفس.
(١) البحر المحيط.
(٢) الكرخي.
(٣) الجمل.
(٢) الكرخي.
(٣) الجمل.
244
﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾: فيه إطلاق الجزء وإرادة الكل، ففيه مجاز مرسل علاقته الكلية، وإنما خص الوجه؛ لشرفه ولاشتماله على معظم القوى والمشاعر، ولأنه معظم ما تقع به العبادة من السجود والقراءة، وبه يحصل التوجه إلى كل شيء.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: وضع (١) الموصول موضع الضمير؛ لرعاية التقابل بين وصفي المتعاطفين؛ لأن الأميين يقابلون بالذين أوتو الكتاب.
﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: الأصل في البشرة أن تكون في الخير، واستعمالها في الشر؛ للتهكم، ويسمَّى هذا: الأسلوب التهكمي؛ حيث نزل الإنذار منزلة البشارة السارة، كقوله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)﴾، وهو أسلوب مشهور.
قال أبو حيان (٢): ومن ضروب البلاغة في هذه الآيات:
منها: الاستفهام الذي يرد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
ومنها: الطباق المقدَّر في قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ ووجهه أن الإِسلام: الانقياد إلى الإِسلام والإقبال عليه، والتولي ضد الإقبال، والتقدير: وإن تولوا.. فقد ضلوا، والضلالة ضد الهداية.
ومنها: الحشو الحسن في قوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فإنه لم يقتل قطٌّ نبي بحق، وإنما أتى بهذه الحشوة؛ ليتأكد قبح قتل الأنبياء ويعظم أمره في قلب العازم عليه.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ تأكيدًا لقبح ذلك الفعل.
ومنها: الزيادة في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ زاد الفاء إيذانًا بأن الموصول ضمن معنى الشرط.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: وضع (١) الموصول موضع الضمير؛ لرعاية التقابل بين وصفي المتعاطفين؛ لأن الأميين يقابلون بالذين أوتو الكتاب.
﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: الأصل في البشرة أن تكون في الخير، واستعمالها في الشر؛ للتهكم، ويسمَّى هذا: الأسلوب التهكمي؛ حيث نزل الإنذار منزلة البشارة السارة، كقوله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)﴾، وهو أسلوب مشهور.
قال أبو حيان (٢): ومن ضروب البلاغة في هذه الآيات:
منها: الاستفهام الذي يرد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
ومنها: الطباق المقدَّر في قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ ووجهه أن الإِسلام: الانقياد إلى الإِسلام والإقبال عليه، والتولي ضد الإقبال، والتقدير: وإن تولوا.. فقد ضلوا، والضلالة ضد الهداية.
ومنها: الحشو الحسن في قوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فإنه لم يقتل قطٌّ نبي بحق، وإنما أتى بهذه الحشوة؛ ليتأكد قبح قتل الأنبياء ويعظم أمره في قلب العازم عليه.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ تأكيدًا لقبح ذلك الفعل.
ومنها: الزيادة في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ زاد الفاء إيذانًا بأن الموصول ضمن معنى الشرط.
(١) أبو السعود.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
245
ومنها: الاستفهام الذي أريد به التعجيب من حالهم والاستعظام لمقالتهم في قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾، وهذا الاستفهام لا يحتاج إلى جواب، وكذا أكثر استفهامات القرآن؛ لأنها من عالم الشهادة، وإنما استفهامه تعالى تقريع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
246
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.
المناسبة
لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة دلائل التوحيد والنبوة، وصحة دين الإِسلام، وحال النبي - ﷺ - مع المخاطبين بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب، فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، كما أنكر ذلك أمثالهم على الأنبياء من قبل، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل.. أردف بذكر هذه الآيات الآتية تسليةً للنبي - ﷺ - في مقام عناد المنكرين، ومكابرة الجاحدين، وتذكيرًا له بقدرته تعالى على نصره وإعلاء دينه، وكأنه يقول له: إذا توَلَّى هؤلاء الجاحدون عنك، ولم يقنعهم البرهان؛ فظل المشركون على جهلهم، وأهل الكتاب في غرورهم.. فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء.
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها؛ أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه من تعظيم الله تعالى والثناء عليه بالأفعال التي يختص بها.. ذكر ما يجب على المؤمن من معاملة
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.
المناسبة
لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة دلائل التوحيد والنبوة، وصحة دين الإِسلام، وحال النبي - ﷺ - مع المخاطبين بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب، فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، كما أنكر ذلك أمثالهم على الأنبياء من قبل، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل.. أردف بذكر هذه الآيات الآتية تسليةً للنبي - ﷺ - في مقام عناد المنكرين، ومكابرة الجاحدين، وتذكيرًا له بقدرته تعالى على نصره وإعلاء دينه، وكأنه يقول له: إذا توَلَّى هؤلاء الجاحدون عنك، ولم يقنعهم البرهان؛ فظل المشركون على جهلهم، وأهل الكتاب في غرورهم.. فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء.
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها؛ أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه من تعظيم الله تعالى والثناء عليه بالأفعال التي يختص بها.. ذكر ما يجب على المؤمن من معاملة
247
الخلق، وكانت الآيات السابقة في الكفار، فنهوا عن موالاتهم، وأمروا بالرغبة فيما عنده وعند أوليائه دون أعدائه؛ إذ هو تعالى مالك الملك.
أسباب النزول
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ روى (١) الواحد عن ابن عباس وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: أنه لما افتتح رسول الله - ﷺ - مكة.. وعد أمته مُلك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمدٍ ملك فارس والروم، هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدًا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟!، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله - ﷺ -: سأل ربه عز وجلّ أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله هذه الآية، وقيل: إن اليهود قالوا: والله لا نطيع رجلًا جاء بنقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم فنزلت هذه الآية.
وروي (٢) أنه - ﷺ -: لما خط الخندق في عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، وأخذوا يحفرون.. خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم، لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى النبي - ﷺ - ليخبره، فذهب إليه، فجاء رسول الله، وأخذ المعول من سلمان، فلما ضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها؛ أي: المدينة، كأنه مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر وكبّر المسلمون، وقال - ﷺ -: "أضاء لي منها قصور الحيرة، كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة على كلها، فأبشروا"، فقال المنافقون: ألا تعجبون من نبيكم يعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما
أسباب النزول
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ روى (١) الواحد عن ابن عباس وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: أنه لما افتتح رسول الله - ﷺ - مكة.. وعد أمته مُلك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمدٍ ملك فارس والروم، هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدًا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟!، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله - ﷺ -: سأل ربه عز وجلّ أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله هذه الآية، وقيل: إن اليهود قالوا: والله لا نطيع رجلًا جاء بنقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم فنزلت هذه الآية.
وروي (٢) أنه - ﷺ -: لما خط الخندق في عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، وأخذوا يحفرون.. خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم، لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى النبي - ﷺ - ليخبره، فذهب إليه، فجاء رسول الله، وأخذ المعول من سلمان، فلما ضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها؛ أي: المدينة، كأنه مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر وكبّر المسلمون، وقال - ﷺ -: "أضاء لي منها قصور الحيرة، كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة على كلها، فأبشروا"، فقال المنافقون: ألا تعجبون من نبيكم يعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
248
تحفرون من الخوف، فنزلت هذه الآية.
وروي أنها نزلت في شأن قريش لقولهم لرسول الله - ﷺ -: كسرى ينام على فرش الديباج، فإن كنت نبيًّا فأين ملكك؟
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ سبب نزولها (١): ما روى ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفرٍ من الأنصار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود، لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية.
وقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة.
وقيل: نزلت في عبد الله بن أُبي وأصحابه، كانوا يتولون المشركين واليهود، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
وقيل: إن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود، فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله، إن معي خمس مئة من اليهود، وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...﴾ قيل: نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى؛ حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، فنزلت هذه، فعرضها رسول الله - ﷺ - عليهم، فلم يقبلوها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وقف رسول الله - ﷺ - على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون
وروي أنها نزلت في شأن قريش لقولهم لرسول الله - ﷺ -: كسرى ينام على فرش الديباج، فإن كنت نبيًّا فأين ملكك؟
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ سبب نزولها (١): ما روى ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفرٍ من الأنصار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود، لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية.
وقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة.
وقيل: نزلت في عبد الله بن أُبي وأصحابه، كانوا يتولون المشركين واليهود، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
وقيل: إن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود، فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله، إن معي خمس مئة من اليهود، وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...﴾ قيل: نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى؛ حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، فنزلت هذه، فعرضها رسول الله - ﷺ - عليهم، فلم يقبلوها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وقف رسول الله - ﷺ - على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون
(١) الخازن.
249
لها، فقال: يا معشر قريش، والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، فقالت قريش: إنما نعبدها حبًّا لله؛ لتقربنا إلى الله زلفى، فنزلت هذه الآية.
وقيل: إنَّ نصارى نجران قالوا: إنما نقول هذا القول في عيسى حبًّا لله وتعظيمًا له، فأنزل: قل يا محمَّد إن كنتم تحبون الله.
التفسير وأوجه القراءة
﴿قُلْ﴾ يا محمَّد معظمًا لربك وشاكرًا له ومفوضًا إليه ومتوكلًا عليه ﴿اللَّهُمَّ﴾؛ أي: يا إلهي ويا معبودي ويا ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ ويا صاحب السلطنة والغلبة العامة لجميع الكائنات، وقيل: يا مالك الخلق من العرش إلى الفرش، ومدبرهم ومصرفهم، وقيل: يا مالك الدنيا والآخرة أنت ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى، والتصرف التام في تدبير الأمور، وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات، فأنت ﴿تُؤْتِي﴾ وتعطي ﴿الْمُلْكِ﴾ الخاص والسلطنة والغلبة ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾ وتريد إيتاءه وإعطاءه له من خلقك، فتملكه وتسلطه على من تشاء، أو تعطي النبوة من تشاء، كمحمد - ﷺ -؛ لأنها أعظم مراتب الملك؛ وذلك لأن النبي - ﷺ - له الأمر على الخلائق من جهة مالك الملوك، لا بالسياسة والأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾؛ أي: تسلب الملك ﴿مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ أن تسلبه منه؛ إما بالموت، أو إزالة العقل، أو إزالة القوى والحواس، أو بورود التلف على الأموال، أو بانحراف الناس عن الطريق السوي الحافظ للملك؛ من العدل، وحسن السياسة، وإعداد القوة بقدر المستطاع؛ كما نزعه من بني إسرائيل وغيرهم؛ بظلمهم وفسادهم، أو تنزع النبوة ممن تشاء، وتؤتيها من تشاء. ومعنى: نَزْعِها: نقلها من قومٍ إلى قومٍ؛ كما نقلها من بني إسرائيل إلى العرب، فأعطاها محمدًا - ﷺ - فإنه لا نبي بعده، ولم يشركه في نبوته ورسالته أحد. ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إعزازه بإعطائه الملك والسلطنة، وتنصره على عدوه، أو بالإيمان والحق وبالأموال الكثيرة من الناطق والصامت، وبإلقاء الهيبة في قلوب الناس، أو بالنبوة والرسالة، كمحمد - ﷺ - ﴿وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إذلاله بسلب ملكه، وتسليط عدوه عليه، أو بالكفر والباطل، أو بنزع النبوة منهم وضرب الجزية عليهم؛ كاليهود، فأنت
وقيل: إنَّ نصارى نجران قالوا: إنما نقول هذا القول في عيسى حبًّا لله وتعظيمًا له، فأنزل: قل يا محمَّد إن كنتم تحبون الله.
التفسير وأوجه القراءة
﴿قُلْ﴾ يا محمَّد معظمًا لربك وشاكرًا له ومفوضًا إليه ومتوكلًا عليه ﴿اللَّهُمَّ﴾؛ أي: يا إلهي ويا معبودي ويا ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ ويا صاحب السلطنة والغلبة العامة لجميع الكائنات، وقيل: يا مالك الخلق من العرش إلى الفرش، ومدبرهم ومصرفهم، وقيل: يا مالك الدنيا والآخرة أنت ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى، والتصرف التام في تدبير الأمور، وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات، فأنت ﴿تُؤْتِي﴾ وتعطي ﴿الْمُلْكِ﴾ الخاص والسلطنة والغلبة ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾ وتريد إيتاءه وإعطاءه له من خلقك، فتملكه وتسلطه على من تشاء، أو تعطي النبوة من تشاء، كمحمد - ﷺ -؛ لأنها أعظم مراتب الملك؛ وذلك لأن النبي - ﷺ - له الأمر على الخلائق من جهة مالك الملوك، لا بالسياسة والأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾؛ أي: تسلب الملك ﴿مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ أن تسلبه منه؛ إما بالموت، أو إزالة العقل، أو إزالة القوى والحواس، أو بورود التلف على الأموال، أو بانحراف الناس عن الطريق السوي الحافظ للملك؛ من العدل، وحسن السياسة، وإعداد القوة بقدر المستطاع؛ كما نزعه من بني إسرائيل وغيرهم؛ بظلمهم وفسادهم، أو تنزع النبوة ممن تشاء، وتؤتيها من تشاء. ومعنى: نَزْعِها: نقلها من قومٍ إلى قومٍ؛ كما نقلها من بني إسرائيل إلى العرب، فأعطاها محمدًا - ﷺ - فإنه لا نبي بعده، ولم يشركه في نبوته ورسالته أحد. ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إعزازه بإعطائه الملك والسلطنة، وتنصره على عدوه، أو بالإيمان والحق وبالأموال الكثيرة من الناطق والصامت، وبإلقاء الهيبة في قلوب الناس، أو بالنبوة والرسالة، كمحمد - ﷺ - ﴿وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إذلاله بسلب ملكه، وتسليط عدوه عليه، أو بالكفر والباطل، أو بنزع النبوة منهم وضرب الجزية عليهم؛ كاليهود، فأنت
250
المعطي (١) وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله محمَّد - ﷺ -، وعلى هذه الأمة؛ لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي خاتم الأنبياء على الإطلاق، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن، الذي جمع الله فيه محاسن مَن كان قبله، وخصه بخصائص لم يعطها نبيًّا من الأنبياء ولا رسولًا من الرسل، في العلم بالله، وشريعته، وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية، وكشفه له عن حقائق الآخرة، ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع. فصلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار.
واعلم: أن للعزة آثارًا وللذل مثلها؛ فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكًا للقلوب بجاهه أو علمه، النافع للناس مع بسطة في الرزق، وإحسان إلى الخلق.
والذليل يرضى بالضيم والمهانة، ويضعف عن حماية الحريم، ومقاومة العدو المهاجم، ولا عز أعظم من الاجتماع والاتفاق والتعاون على نشر دعوة الحق، ومقاومة الباطل، إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده، فأعدوا لكل أمر عدته، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة، فقد كان المشركون في مكة، واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي - ﷺ - والمؤمنين، ولكن لم يغنِ ذلك عنهم شيئًا كما قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ الآية.
والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الأرمية في شرق إفريقيا، على كثرة عدد كل شعب منها كيف استأمرها، وتحكم فيها ملوك الحبشة، على قلة عددهم. وما ذلك إلا لفشو الجهل، وتفرق الكلمة، والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته،
واعلم: أن للعزة آثارًا وللذل مثلها؛ فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكًا للقلوب بجاهه أو علمه، النافع للناس مع بسطة في الرزق، وإحسان إلى الخلق.
والذليل يرضى بالضيم والمهانة، ويضعف عن حماية الحريم، ومقاومة العدو المهاجم، ولا عز أعظم من الاجتماع والاتفاق والتعاون على نشر دعوة الحق، ومقاومة الباطل، إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده، فأعدوا لكل أمر عدته، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة، فقد كان المشركون في مكة، واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي - ﷺ - والمؤمنين، ولكن لم يغنِ ذلك عنهم شيئًا كما قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ الآية.
والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الأرمية في شرق إفريقيا، على كثرة عدد كل شعب منها كيف استأمرها، وتحكم فيها ملوك الحبشة، على قلة عددهم. وما ذلك إلا لفشو الجهل، وتفرق الكلمة، والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته،
(١) ابن كثير.
251
والسعي في إزالة طغيانه وتحكمه في الرقاب والبلاد، هذه مصيبة ما أعظمها. فإنا لله وإنا إليه راجعون، فنسأل الله أن ينصر المسلمين على أعدائهم، ويردَّ إليهم أراضيهم بتوفيقهم كلمة الحق. آمين.
﴿بِيَدِكَ﴾ يا إلهي لا بيد غيرك ﴿الْخَيْرُ﴾ كله من الإعزاز والنصرة والغنيمة، وكذا بيدك الشر من الإذلال والخذلان والهزيمة، فهو من باب الاكتفاء. إلا أنه خص الخير بالذكر؛ لأنه المنتفع به والمرغوب فيه، ولأنه المناسب للمقام، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي، وضعف أتباعه، وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز والنصر، وأن يذكره بأن الخير كله بيده فلا يعجزه أن يعطي نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطنة ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم، كما قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)﴾.
واليد صفة ثابتة له تعالى نؤمن بها ولا نكيفها ولا نمثلها، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ كما هو المذهب الأعلم الأسلم الذي عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ تريده من إيتاء الملك لمن تشاء ونزعه منه، وإعزاز من تشاء وإذلال من تشاء ﴿قَدِيرٌ﴾؛ أي: قادر عليه ولا يقدر على شيء أحد غيرك إلا بإقدارك.
٢٧ - ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ﴾؛ أي: إنك يا إلهي بقدرتك تدخل بعض ساعات الليل ﴿فِي النَّهَارِ﴾ فيكون النهار أطول بقدر ما نقص من الليل حتى يكون النهار خمسة عشر ساعة، وذلك غاية طول النهار، ويكون الليل تسع ساعات، وذلك غاية قصر الليل؛ كما يكون في زمن الصيف ﴿وَتُولِجُ النَّهَارَ﴾؛ أي: وتدخل بعض ساعات النهار ﴿فِي اللَّيْلِ﴾ فيكون الليل أطول بقدر ما نقص من النهار حتى يكون الليل خمسة عشر ساعة، وذلك غاية طوله، ويكون النهار تسع ساعات، وذلك غاية قصره؛ كما يكون في زمن الشتاء.
﴿بِيَدِكَ﴾ يا إلهي لا بيد غيرك ﴿الْخَيْرُ﴾ كله من الإعزاز والنصرة والغنيمة، وكذا بيدك الشر من الإذلال والخذلان والهزيمة، فهو من باب الاكتفاء. إلا أنه خص الخير بالذكر؛ لأنه المنتفع به والمرغوب فيه، ولأنه المناسب للمقام، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي، وضعف أتباعه، وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز والنصر، وأن يذكره بأن الخير كله بيده فلا يعجزه أن يعطي نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطنة ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم، كما قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)﴾.
واليد صفة ثابتة له تعالى نؤمن بها ولا نكيفها ولا نمثلها، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ كما هو المذهب الأعلم الأسلم الذي عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ تريده من إيتاء الملك لمن تشاء ونزعه منه، وإعزاز من تشاء وإذلال من تشاء ﴿قَدِيرٌ﴾؛ أي: قادر عليه ولا يقدر على شيء أحد غيرك إلا بإقدارك.
٢٧ - ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ﴾؛ أي: إنك يا إلهي بقدرتك تدخل بعض ساعات الليل ﴿فِي النَّهَارِ﴾ فيكون النهار أطول بقدر ما نقص من الليل حتى يكون النهار خمسة عشر ساعة، وذلك غاية طول النهار، ويكون الليل تسع ساعات، وذلك غاية قصر الليل؛ كما يكون في زمن الصيف ﴿وَتُولِجُ النَّهَارَ﴾؛ أي: وتدخل بعض ساعات النهار ﴿فِي اللَّيْلِ﴾ فيكون الليل أطول بقدر ما نقص من النهار حتى يكون الليل خمسة عشر ساعة، وذلك غاية طوله، ويكون النهار تسع ساعات، وذلك غاية قصره؛ كما يكون في زمن الشتاء.
252
وقيل (١): المراد أنه تعالى يأتي بسواد الليل عقيب ضوء النهار، ويأتي بضوء النهار بعد ظلمة الليل. والقول الأول أصح وأقرب إلى معنى الآية؛ لأنه إذا نقص الليل كان ذلك القدر زيادة في النهار، وبالعكس وهو معنى: الولوج.
والخلاصة: أنك بحكمتك في خلق الأرض مكورة، وجعل الشمس بنظام خاص تزيد في أحد الملوين الليل والنهار ما يكون سببًا في نقص الآخر، فليس بالمنكر بعد هذا أن تؤتي النبوة والملك من تشاء؛ كمحمد وأمته من العرب، وتنزعهما ممن تشاء؛ كبني إسرائيل، فما مثل تصرفك في شؤون الناس إلا مثل تصرفك في الليل والنهار.
﴿و﴾ إنك يا إلهي ﴿تخرج الحي﴾ حياة معنوية ﴿مِنَ الْمَيِّتِ﴾ موتًا معنويًّا؛ كالعالم من الجاهل، والمؤمن من الكافر؛ كعكرمة من أبي جهل؛ لأن المؤمن حي الفؤاد والكافر ميت الفؤاد، أو حياة وموتًا حسيين؛ كالإنسان من النطفة، والطائر من البيضة.
﴿وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ﴾ موتًا معنويًّا أو حسيًّا ﴿مِنَ الْحَيِّ﴾ حياة معنوية أو حسية؛ كالجاهل من العالم، والكافر من المؤمن؛ ككنعان من سيدنا نوح عليه السلام، وكالنطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، وكذلك سائر الحيوان.
﴿و﴾ إنك يا إلهي ﴿ترزق﴾ وتعطي ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾ وتريد رزقه رزقًا كثيرًا ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ومقدار لا يعرف الخلق عدده، ومقداره لكثرته وإن كان معلومًا عنده تعالى يعني من غير تضييق ولا تقتير، بل تبسط الرزق لمن تشاء وتوسعه عليه.
والخلاصة: أن من قدر على تلك الأفعال العجيبة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب.. فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم، ويذلهم، ويؤتيه العرب، ويعزهم فإن الأمر كله بيده، وفي بعض الكتب السالفة: أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني.. جعلتهم
والخلاصة: أنك بحكمتك في خلق الأرض مكورة، وجعل الشمس بنظام خاص تزيد في أحد الملوين الليل والنهار ما يكون سببًا في نقص الآخر، فليس بالمنكر بعد هذا أن تؤتي النبوة والملك من تشاء؛ كمحمد وأمته من العرب، وتنزعهما ممن تشاء؛ كبني إسرائيل، فما مثل تصرفك في شؤون الناس إلا مثل تصرفك في الليل والنهار.
﴿و﴾ إنك يا إلهي ﴿تخرج الحي﴾ حياة معنوية ﴿مِنَ الْمَيِّتِ﴾ موتًا معنويًّا؛ كالعالم من الجاهل، والمؤمن من الكافر؛ كعكرمة من أبي جهل؛ لأن المؤمن حي الفؤاد والكافر ميت الفؤاد، أو حياة وموتًا حسيين؛ كالإنسان من النطفة، والطائر من البيضة.
﴿وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ﴾ موتًا معنويًّا أو حسيًّا ﴿مِنَ الْحَيِّ﴾ حياة معنوية أو حسية؛ كالجاهل من العالم، والكافر من المؤمن؛ ككنعان من سيدنا نوح عليه السلام، وكالنطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، وكذلك سائر الحيوان.
﴿و﴾ إنك يا إلهي ﴿ترزق﴾ وتعطي ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾ وتريد رزقه رزقًا كثيرًا ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ومقدار لا يعرف الخلق عدده، ومقداره لكثرته وإن كان معلومًا عنده تعالى يعني من غير تضييق ولا تقتير، بل تبسط الرزق لمن تشاء وتوسعه عليه.
والخلاصة: أن من قدر على تلك الأفعال العجيبة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب.. فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم، ويذلهم، ويؤتيه العرب، ويعزهم فإن الأمر كله بيده، وفي بعض الكتب السالفة: أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني.. جعلتهم
(١) الخازن.
253
عليهم رحمة، وإنْ العباد عصوني.. جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشغلوا بسب الملوك، ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم. وهو معنى قوله عليه السلام: "كما تكونوا يولى، عليكم" وقيل معنى: ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾؛ أي: يرزقه بلا تكلف ولا تعب ولا ضيق؛ أي: ومن غير توقف على عمل منا، وإلا فلو توقف رزقه على عمل منا.. لما أعطانا شيئًا أبدًا، فسبحان الحليم الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه.
وقال أبو العباس المقري (١): ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه: بمعنى: التعب، كما في هذه الآية، وبمعنى: العدد، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وبمعنى: المطالبة؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
وشدد حفص ونافع وحمزة والكسائي (٢): ﴿الْمَيِّتِ﴾ في هذه الآية. وفي الأنعام والأعراف ويونس والروم وفاطر زاد نافع تشديد الياء في قوله: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ في الأنعام، ﴿والأرض الميتة﴾ في يونس، و ﴿لحم أخيه ميتًا﴾ في الحجرات، وقرأ الباقون بتخفيف ذلك، ولا فرق بين التشديد والتخفيف في الاستعمال؛ كما نقول: لَيْن ولَيِّن وهيْن وهيّن، ومن زعم أن المخفف لما قد مات، والمشدد لما لم يمت.. فيحتاج إلى دليل.
٢٨ - ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: لا يجعل المؤمنون ﴿الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾؛ أي: أصدقاءً وأنصارًا وأعوانًا ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من غير المؤمنين وسواهم؛ أي (٣): لا يوال المؤمنون الكافرين لا استقلالًا ولا اشتراكًا مع المؤمنين، وإنما الجائز لهم قصر الموالاة والمحبة على المؤمنين بأن يوالي بعضهم بعضًا فقط، فقوله: ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ حال من الفاعل؛ أي: حال كون المؤمنين متجاوزين بموالاتهم المؤمنين؛ أي: تاركين قصر الولاية عليهم، وذلك الترك يصدق
وقال أبو العباس المقري (١): ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه: بمعنى: التعب، كما في هذه الآية، وبمعنى: العدد، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وبمعنى: المطالبة؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
وشدد حفص ونافع وحمزة والكسائي (٢): ﴿الْمَيِّتِ﴾ في هذه الآية. وفي الأنعام والأعراف ويونس والروم وفاطر زاد نافع تشديد الياء في قوله: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ في الأنعام، ﴿والأرض الميتة﴾ في يونس، و ﴿لحم أخيه ميتًا﴾ في الحجرات، وقرأ الباقون بتخفيف ذلك، ولا فرق بين التشديد والتخفيف في الاستعمال؛ كما نقول: لَيْن ولَيِّن وهيْن وهيّن، ومن زعم أن المخفف لما قد مات، والمشدد لما لم يمت.. فيحتاج إلى دليل.
٢٨ - ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: لا يجعل المؤمنون ﴿الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾؛ أي: أصدقاءً وأنصارًا وأعوانًا ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من غير المؤمنين وسواهم؛ أي (٣): لا يوال المؤمنون الكافرين لا استقلالًا ولا اشتراكًا مع المؤمنين، وإنما الجائز لهم قصر الموالاة والمحبة على المؤمنين بأن يوالي بعضهم بعضًا فقط، فقوله: ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ حال من الفاعل؛ أي: حال كون المؤمنين متجاوزين بموالاتهم المؤمنين؛ أي: تاركين قصر الولاية عليهم، وذلك الترك يصدق
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.
254
بصورتين كونها مشتركة بين الكفار والمؤمنين، وكونها مخصصة بالكفار؛ أي: لا يصطف (١) المؤمنون الكافرين، فيكاشفوهم بالأسرار الخاصة بالشؤون الدينية، ويقدموا مصلحتهم على مصلحة المؤمنين؛ إذ في هذا تفضيل لهم عليهم وإعانة للكفر على الإيمان.
وخلاصة هذا: نهى المؤمنين عن موالاة الكافرين لقرابة أو صداقة جاهلية أو جوار، أو نحو ذلك من أسباب المصادقة والمعاشرة، بل ينبغي أن يراعوا ما هم عليه مما يقتضيه الإِسلام من الحب والبغض لمصلحة الدين فحسب. ومن ثَمَّ تكون موالاة المؤمنين أجدى لهم في دينهم من موالاة الكافرين.
فإن كانت الموالاة والمحالفة لمصلحة المؤمنين.. فلا مانع منها، فقد حالف النبي - ﷺ - خزاعة وهم على شركهم، كما لا مانع من ثقة المسلم بغيره وحسن معاملته في أمور الدنيا.
واعلم أن كون المؤمن مواليًا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون راضيًا بكفره ويتولاه لأجله، وهذا ممنوع؛ لأن الرضا بالكفر كفر.
وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، وذلك غير ممنوع.
وثالثها: الركون إلى الكفار والمعونة لهم والنصرة، إما بسبب القرابة، أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل، فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهيٌّ عنه؛ لأن المُوالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان دينه والرضا بطريقته، وذلك يخرجه عن الإِسلام، فهذا هو الذي هَدَّد الله فيه بقوله الآتي: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾، وقرأ الضبي شذوذًا: لا يتخذُ برفع الذال على النفي، والمراد به: النهي، وقد أجاز الكسائي فيه الرفع كقراءة الضبي وذلك شذوذًا كما سبق بيانه، قال أبو حيان (٢): وظاهر الآية تقتضي النهي عن موالاتهم إلا ما فسح
وخلاصة هذا: نهى المؤمنين عن موالاة الكافرين لقرابة أو صداقة جاهلية أو جوار، أو نحو ذلك من أسباب المصادقة والمعاشرة، بل ينبغي أن يراعوا ما هم عليه مما يقتضيه الإِسلام من الحب والبغض لمصلحة الدين فحسب. ومن ثَمَّ تكون موالاة المؤمنين أجدى لهم في دينهم من موالاة الكافرين.
فإن كانت الموالاة والمحالفة لمصلحة المؤمنين.. فلا مانع منها، فقد حالف النبي - ﷺ - خزاعة وهم على شركهم، كما لا مانع من ثقة المسلم بغيره وحسن معاملته في أمور الدنيا.
واعلم أن كون المؤمن مواليًا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون راضيًا بكفره ويتولاه لأجله، وهذا ممنوع؛ لأن الرضا بالكفر كفر.
وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، وذلك غير ممنوع.
وثالثها: الركون إلى الكفار والمعونة لهم والنصرة، إما بسبب القرابة، أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل، فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهيٌّ عنه؛ لأن المُوالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان دينه والرضا بطريقته، وذلك يخرجه عن الإِسلام، فهذا هو الذي هَدَّد الله فيه بقوله الآتي: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾، وقرأ الضبي شذوذًا: لا يتخذُ برفع الذال على النفي، والمراد به: النهي، وقد أجاز الكسائي فيه الرفع كقراءة الضبي وذلك شذوذًا كما سبق بيانه، قال أبو حيان (٢): وظاهر الآية تقتضي النهي عن موالاتهم إلا ما فسح
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
255
لنا فيه من اتخاذهم عبيدًا، والاستعانة بهم استعانة العزيز بالذليل، والأرفع بالأوضع، والنكاح فيهم، فهذا كله ضرب من الموالاة أذن لنا فيه، ولسنا ممنوعين منه، فالنهي ليس على عمومه. انتهى.
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾؛ أي: اتخاذ الكافرين أولياء بالاستقلال، أو بالاشتراك مع المؤمنين فيما يضر مصلحة الدين؛ بنقل الأخبار إليهم وإظهار عورة المسلمين لهم، أو يودهم ويحبهم ﴿فَلَيْسَ﴾ ذلك الموالي ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: من ولاية الله ودينه ﴿فِي شَيْءٍ﴾ قليل ولا كثير؛ أي: فليس بمطيع لله ولا ناصر لدينه، وصلة الإيمان بينه وبين ربه تكون منقطعة، ويكون من الكافرين كما جاء في آية أخرى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾، وهذا أمر معقول من أن ولاية المولى معاداة أعدائه، وموالاة الله وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾؛ أي: إلا أن تخافوا أيها المؤمنون من الكفار مخافة وضررًا؛ أي: إلا أن تخافوا من جهتهم أمرًا يجب اتقاؤه والاحتراز منه؛ بأن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك، أو مالك، فحينئذٍ يجوز إظهار الموالاة وإبطان المعاداة؛ أي: لا تتخذوا الكفار أولياء ظاهرًا أو باطنًا في حال من الأحوال إلا في حال اتقائكم وخوفكم من جهتهم اتقاءً ومخافةً.
والمعنى: نهى (١) الله سبحانه وتعالى المؤمنين من موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعًا عن نفسه، من غير أن يستحل دمًا حرامًا ومالًا حرامًا، أو غير ذلك من المحرمات، ومن غير أن يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع صحة النية.
وخلاصة الكلام (٢): أن ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شي تتقونه منهم، فلكم حينئذٍ أن تتقوهم بقدر ما يُتقى ذلك الشيء؛ إذ القاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح،
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾؛ أي: اتخاذ الكافرين أولياء بالاستقلال، أو بالاشتراك مع المؤمنين فيما يضر مصلحة الدين؛ بنقل الأخبار إليهم وإظهار عورة المسلمين لهم، أو يودهم ويحبهم ﴿فَلَيْسَ﴾ ذلك الموالي ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: من ولاية الله ودينه ﴿فِي شَيْءٍ﴾ قليل ولا كثير؛ أي: فليس بمطيع لله ولا ناصر لدينه، وصلة الإيمان بينه وبين ربه تكون منقطعة، ويكون من الكافرين كما جاء في آية أخرى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾، وهذا أمر معقول من أن ولاية المولى معاداة أعدائه، وموالاة الله وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾؛ أي: إلا أن تخافوا أيها المؤمنون من الكفار مخافة وضررًا؛ أي: إلا أن تخافوا من جهتهم أمرًا يجب اتقاؤه والاحتراز منه؛ بأن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك، أو مالك، فحينئذٍ يجوز إظهار الموالاة وإبطان المعاداة؛ أي: لا تتخذوا الكفار أولياء ظاهرًا أو باطنًا في حال من الأحوال إلا في حال اتقائكم وخوفكم من جهتهم اتقاءً ومخافةً.
والمعنى: نهى (١) الله سبحانه وتعالى المؤمنين من موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعًا عن نفسه، من غير أن يستحل دمًا حرامًا ومالًا حرامًا، أو غير ذلك من المحرمات، ومن غير أن يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع صحة النية.
وخلاصة الكلام (٢): أن ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شي تتقونه منهم، فلكم حينئذٍ أن تتقوهم بقدر ما يُتقى ذلك الشيء؛ إذ القاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح،
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
256
وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر، فأولى أن تجوز لمصلحة المؤمنين، وإذًا فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأولى إما بدفع خطر، أو جلب منفعة، وليس لها أن تواليها في شيء يضر بالمسلمين، ولا تخص هذه الموالاة بحال الضعف، بل هي جائزة في كل وقت.
وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية؛ بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق؛ لأجل توقي ضرر من الأعداء يعود إلى النفس أو العرض أو المال.
فمن نطق بكلمة الكفر مكرهًا وقايةً لنفسه من الهلاك، وقلبه مطمئن بالإيمان.. لا يكون كافرًا، بل يُعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر.. فوافقها مكرهًا وقلبه مليء بالإيمان، وفيه نزلت الآية: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)﴾.
وكما عذر الصحابي الذي قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: نعم، حين أخذ رجلين من أصحاب رسول الله - ﷺ -، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، فتركه، ودعا الآخر فقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ فقال: إني أصمُّ ثلاثًا، فقدمه وقتله، فبلغ ذلك رسول الله - ﷺ - فقال: "أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئًا له، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تَبِعة عليه". وهي من الرخص لأجل الضرورات العارضة، لا من أصول الدين المتبعة دائمًا، ومن ثمَّ وجب على المسلم الهجرة من المكان الذي يخاف فيه من إظهار دينه ويضطر فيه إلى التقية، ومن كمال الإيمان أن لا يخاف في الله لومة لائم كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، قال: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾.
وكان النبي - ﷺ - وأصحابه يتحملون الأذى في سبيل دعوة الدين، ويصبرون عليه.
وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية؛ بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق؛ لأجل توقي ضرر من الأعداء يعود إلى النفس أو العرض أو المال.
فمن نطق بكلمة الكفر مكرهًا وقايةً لنفسه من الهلاك، وقلبه مطمئن بالإيمان.. لا يكون كافرًا، بل يُعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر.. فوافقها مكرهًا وقلبه مليء بالإيمان، وفيه نزلت الآية: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)﴾.
وكما عذر الصحابي الذي قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: نعم، حين أخذ رجلين من أصحاب رسول الله - ﷺ -، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، فتركه، ودعا الآخر فقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ فقال: إني أصمُّ ثلاثًا، فقدمه وقتله، فبلغ ذلك رسول الله - ﷺ - فقال: "أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئًا له، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تَبِعة عليه". وهي من الرخص لأجل الضرورات العارضة، لا من أصول الدين المتبعة دائمًا، ومن ثمَّ وجب على المسلم الهجرة من المكان الذي يخاف فيه من إظهار دينه ويضطر فيه إلى التقية، ومن كمال الإيمان أن لا يخاف في الله لومة لائم كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، قال: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾.
وكان النبي - ﷺ - وأصحابه يتحملون الأذى في سبيل دعوة الدين، ويصبرون عليه.
257
ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم، وبذل المال لهم؛ لكف أذاهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع، فقد أخرج الطبراني قوله - ﷺ -: "ما وقى به المؤمن عرضه، فهو صدقة".
وعن عائشة رضي الله عنها: استأذن رجل على رسول الله - ﷺ - وأنا عنده، فقال رسول الله - ﷺ -: "بئس ابن العشيرة، أو أخو العشيرة، ثم أذن له، فألان له القول"، فلما خرج.. قلت: يا رسول الله قلت ما قلت، ثم ألنتَ له القول، فقال: "يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه" رواه البخاري وروى قوله - ﷺ - "إنا لنبَشُّ - نبتسم - في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتقليهم - تبغضهم" - وقرأ الجمهور: ﴿تُقَاةً﴾، وأمال الكسائي: ﴿تُقَاةً﴾ و ﴿حق تقاته﴾، ووافقه حمزة هنا. وقرأ ورش بين اللفظين، وفتح الباقون وقرىء: ﴿تقية﴾.
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: يخوفكم الله ﴿نَفْسَهُ﴾؛ أي: غضبه وسخطه عليكم؛ بأن ترتكبوا المنهي، أو تخالفوا المأمور، أو توالوا الكفار، فتستحقوا غضبه وعقابه على ذلك كله، فالكلام على حذف مضاف، وفائدة ذكر: ﴿نَفْسَهُ﴾ الإيماء إلى أن الوعيد صادر منه تعالى، وهو القادر على إنفاذه، ولا يعجزه شيء عنه.
وفي ذلك وعيد شديد، وتهديد عظيم لمن تعرض لسخطه بموالاة أعدائه؛ لأن شدة العقاب بحسب قوة المعاقِب وقدرته. ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾ لا إلى غيره ﴿الْمَصِيرُ﴾ والمرجع؛ أي: رجوع جميع الخلائق بالبعث من القبور إلى الله، فيجازي كلًّا على عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والمعنى: فاحذروه، ولا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه، وموالاة أعدائه، وهو وعيد آخر أيضًا.
٢٩ - ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾؛ أي: تسروا وتستروا ما في قلوبكم من موالاة الكفار ومودتهم، أو من البغض والعداوة لمحمد - ﷺ - إن قلنا: إن الآية نزلت في حق المنافقين واليهود، وإنما ذكر الصدر؛ لأنه وعاء القلب. ﴿أَوْ تُبْدُوهُ﴾؛ أي: أو تظهروا ما في قلوبكم من مودة الكفار قولًا وفعلًا، أو تظهروا ما في قلوبكم من بغض محمَّد وعداوته بالشتم له والطعن والمحاربة له
وعن عائشة رضي الله عنها: استأذن رجل على رسول الله - ﷺ - وأنا عنده، فقال رسول الله - ﷺ -: "بئس ابن العشيرة، أو أخو العشيرة، ثم أذن له، فألان له القول"، فلما خرج.. قلت: يا رسول الله قلت ما قلت، ثم ألنتَ له القول، فقال: "يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه" رواه البخاري وروى قوله - ﷺ - "إنا لنبَشُّ - نبتسم - في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتقليهم - تبغضهم" - وقرأ الجمهور: ﴿تُقَاةً﴾، وأمال الكسائي: ﴿تُقَاةً﴾ و ﴿حق تقاته﴾، ووافقه حمزة هنا. وقرأ ورش بين اللفظين، وفتح الباقون وقرىء: ﴿تقية﴾.
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: يخوفكم الله ﴿نَفْسَهُ﴾؛ أي: غضبه وسخطه عليكم؛ بأن ترتكبوا المنهي، أو تخالفوا المأمور، أو توالوا الكفار، فتستحقوا غضبه وعقابه على ذلك كله، فالكلام على حذف مضاف، وفائدة ذكر: ﴿نَفْسَهُ﴾ الإيماء إلى أن الوعيد صادر منه تعالى، وهو القادر على إنفاذه، ولا يعجزه شيء عنه.
وفي ذلك وعيد شديد، وتهديد عظيم لمن تعرض لسخطه بموالاة أعدائه؛ لأن شدة العقاب بحسب قوة المعاقِب وقدرته. ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾ لا إلى غيره ﴿الْمَصِيرُ﴾ والمرجع؛ أي: رجوع جميع الخلائق بالبعث من القبور إلى الله، فيجازي كلًّا على عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والمعنى: فاحذروه، ولا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه، وموالاة أعدائه، وهو وعيد آخر أيضًا.
٢٩ - ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾؛ أي: تسروا وتستروا ما في قلوبكم من موالاة الكفار ومودتهم، أو من البغض والعداوة لمحمد - ﷺ - إن قلنا: إن الآية نزلت في حق المنافقين واليهود، وإنما ذكر الصدر؛ لأنه وعاء القلب. ﴿أَوْ تُبْدُوهُ﴾؛ أي: أو تظهروا ما في قلوبكم من مودة الكفار قولًا وفعلًا، أو تظهروا ما في قلوبكم من بغض محمَّد وعداوته بالشتم له والطعن والمحاربة له
﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾؛ أي: يحفظه الله عليكم، فيجازيكم به ﴿و﴾ هو سبحانه وتعالى ﴿يعلم﴾ جميع ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ من الخير والشر والسر والعلانية، وهذه الجملة مستأنفة وليست بمعطوفة على جواب الشرط، وهي من إتمام التحذير، يعني: أنه تعالى إذا كان لا يخفى عليه شيء في السموات والأرض.. فكيف يخفى عليه حالكم، وموالاتُكم الكفار، وميلكم إليهم بقلوبكم؟.
والمعنى: أنه تعالى يعلم ما تنطوي عليه قلوبكم إذ توالون الكفار، أو توادونهم، أو تتقون منهم ما تتقون. فإن كان ذلك يميل بكم إلى الكفر.. جازاكم عليه، وإن كانت قلوبكم مطمئنة بالإيمان.. غفر لكم ولم يؤاخذكم على عمل لا جريمة فيه على الدين، ولا على أهله، وهو إنما يجازيكم بحسب علمه المحيط بما في السموات والأرض؛ لأنه الخالق لها، كما قال: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أهل السموات والأرض وثوابهم وعقابهم ﴿قَدِيرٌ﴾؛ أي: قادر، فهو يقدر على عقوبتهم، فلا تجترئوا على عصيانه وموالاة أعدائه؛ إذ ما من معصية خفيةً كانت أو ظاهرة إلا وهو مطلع عليها، قادر على عقاب فاعلها، وقدرته نافذة في جميع ذلك، وهذا (١) تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته؛ لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر مَن أنظر منهم، فإنه يمهل، ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال بعد هذا:
٣٠ - ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾؛ أي: اذكروا واحذروا عقوبته ﴿يَوْمَ تَجِدُ﴾، وتصيب كل نفس فيه جزاء ما عملته وكسبته من خير؛ وهو يوم القيامة حال كونه محضرًا؛ أي: مكتوبًا في ديوانها لم ينقص منه شيء، وتسر به. وقرأ الجمهور: ﴿مُحْضَرًا﴾ - بفتح الضاد - اسم مفعول، وقرأ عبيد بن عمير شذوذًا: (محضِرًا) - بكسر الضاد - اسم فاعل؛ أي: محضرًا للجنة، أو محضرًا مسرعًا به إلى الجنة من قولهم: أحضر الفرس إذا جرى وأسرع. ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾ مبتدأ، خبره جملة قوله:
والمعنى: أنه تعالى يعلم ما تنطوي عليه قلوبكم إذ توالون الكفار، أو توادونهم، أو تتقون منهم ما تتقون. فإن كان ذلك يميل بكم إلى الكفر.. جازاكم عليه، وإن كانت قلوبكم مطمئنة بالإيمان.. غفر لكم ولم يؤاخذكم على عمل لا جريمة فيه على الدين، ولا على أهله، وهو إنما يجازيكم بحسب علمه المحيط بما في السموات والأرض؛ لأنه الخالق لها، كما قال: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أهل السموات والأرض وثوابهم وعقابهم ﴿قَدِيرٌ﴾؛ أي: قادر، فهو يقدر على عقوبتهم، فلا تجترئوا على عصيانه وموالاة أعدائه؛ إذ ما من معصية خفيةً كانت أو ظاهرة إلا وهو مطلع عليها، قادر على عقاب فاعلها، وقدرته نافذة في جميع ذلك، وهذا (١) تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته؛ لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر مَن أنظر منهم، فإنه يمهل، ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال بعد هذا:
٣٠ - ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾؛ أي: اذكروا واحذروا عقوبته ﴿يَوْمَ تَجِدُ﴾، وتصيب كل نفس فيه جزاء ما عملته وكسبته من خير؛ وهو يوم القيامة حال كونه محضرًا؛ أي: مكتوبًا في ديوانها لم ينقص منه شيء، وتسر به. وقرأ الجمهور: ﴿مُحْضَرًا﴾ - بفتح الضاد - اسم مفعول، وقرأ عبيد بن عمير شذوذًا: (محضِرًا) - بكسر الضاد - اسم فاعل؛ أي: محضرًا للجنة، أو محضرًا مسرعًا به إلى الجنة من قولهم: أحضر الفرس إذا جرى وأسرع. ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾ مبتدأ، خبره جملة قوله:
(١) ابن كثير.
259
﴿تَوَدُّ﴾؛ أي: والذي عملته وكسبته نفس من سوء وعصيان حالة كونه محضرًا ومكتوبًا في ديوانها تود وتتمنى وتحب ﴿لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾؛ أي: تتمنى كون مسافة بعيدة طويلة بينها وبين ذلك السوء خوفًا من جزائه وعقوبته، قيل: كما بين المشرق والمغرب.
فما رأى (١) من عمله حسنًا.. سرَّه ذلك، وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ.. ساءَه وغصه وود لو أنه تبرأ منه، وكان بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان قرينًا به في الدنيا، وهو الذي جرأه على فعل السوء: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾، ثم قال تعالى مؤكدًا ومهددًا ومتوعدًا: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾؛ أي: يخوفكم عقابه، والعني: احذروا من سخط الله؛ بترجيح جانب الخير وعمله على ما يزينه لكم الشيطان من عمل السوء. ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وكرر هذه الجملة؛ إما للتأكيد، والأحسن ما قاله سعد الدين التفتازاني: إن ذكره أولًا للمنع من موالاة الكافرين، وثانيًا للحث على عمل الخير والمنع من عمل الشر، ثم قال جل جلاله مرجيًا لعباده؛ لئلا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: شديد الرحمة بهم؛ حيث قطع عذرهم ببيان ذلك في زمن يسع التوبة والرجوع إليه فيه، ومن جملة رأفته بهم: كثرة التكرار والتأكيد في الكلام؛ لعله يصل إلى قلوب السامعين، فيعملوا بمقتضاه.
قال الحسن البصري: ومن رأفته أن حذرهم نفسه، وعرفهم كمال علمه وقدرته؛ لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة.. دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه. انتهى.
ومن رأفته أيضًا أن جعل الفطرة الإنسانية ميَّالةً بطبعها إلى الخير، مبغضة لما يعرض لها من الشر، وأن جعل أثر الشرِّ في النفس قابلًا للمحو بالتوبة والعمل الصالح.
فما رأى (١) من عمله حسنًا.. سرَّه ذلك، وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ.. ساءَه وغصه وود لو أنه تبرأ منه، وكان بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان قرينًا به في الدنيا، وهو الذي جرأه على فعل السوء: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾، ثم قال تعالى مؤكدًا ومهددًا ومتوعدًا: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾؛ أي: يخوفكم عقابه، والعني: احذروا من سخط الله؛ بترجيح جانب الخير وعمله على ما يزينه لكم الشيطان من عمل السوء. ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وكرر هذه الجملة؛ إما للتأكيد، والأحسن ما قاله سعد الدين التفتازاني: إن ذكره أولًا للمنع من موالاة الكافرين، وثانيًا للحث على عمل الخير والمنع من عمل الشر، ثم قال جل جلاله مرجيًا لعباده؛ لئلا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: شديد الرحمة بهم؛ حيث قطع عذرهم ببيان ذلك في زمن يسع التوبة والرجوع إليه فيه، ومن جملة رأفته بهم: كثرة التكرار والتأكيد في الكلام؛ لعله يصل إلى قلوب السامعين، فيعملوا بمقتضاه.
قال الحسن البصري: ومن رأفته أن حذرهم نفسه، وعرفهم كمال علمه وقدرته؛ لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة.. دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه. انتهى.
ومن رأفته أيضًا أن جعل الفطرة الإنسانية ميَّالةً بطبعها إلى الخير، مبغضة لما يعرض لها من الشر، وأن جعل أثر الشرِّ في النفس قابلًا للمحو بالتوبة والعمل الصالح.
(١) ابن كثير.
260
٣١ - ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾: مناسبة الآية لما قبلها: لما ذكر الله سبحانه وتعالى جلال سلطانه، وعظيم كماله، ثم نهى المؤمنين عن موالاة أعدائه، وأكد ذلك بالوعيد الشديد.. ذكر هنا أن طريق محبته متابعة رسوله، وامتثال أوامره التي جاء بها، واجتناب ما نهى عنه، وبذلك يكون المرء أهلًا لمحبته، مستحقًا لغفران ذنوبه.
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾؛ أي: تريدون محبة الله وطاعته، وترغبون في العمل بما يقرب إليه طلبًا للثواب فيما عنده ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾؛ أي: فاقتدوا بي بامتثال ما نزل به الوحي منه إليَّ ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: يرضى الله عنكم أعمالكم ويثبكم عليها ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾؛ أي؛ ويتجاوز لكم عما فرط منكم من الأعمال السيئة والاعتقادات الباطلة، فيقربكم من جنات عزِّه، ويبوئكم في جوار قدسه؛ إذ في هذا الاتباع اعتقاد الحق والعمل الصالح، وهما يزيلان من النفس آثار المعاصي والرذائل، ويمحوان منها ظلمة الباطل، وأثر ذلك: المغفرة ورضوان الله.
وهذا حجة على من يدعي محبة الله في كل زمان، وأعماله تكذب ما يقول؛ إذ كيف يجتمع الحب مع الجهل بالمحبوب، وعدم العناية بأوامره ونواهيه؟ فهو كما قال الورَّاق:
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ لمن تحبب إليه بطاعته ﴿رَحِيمٌ﴾ بمن تقرب إليه باتباع نبيه في الدنيا والآخرة؛ إذ في هذا تزكية للنفس بصالح العمل، فيغفر لها ما فرط من زلاتها، ويتجاوز عن سيئاتها.
فائدة: والمحبة (١) ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه، بحيث يحملها على ما يقربها - أي: النفس - إليه، والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾؛ أي: تريدون محبة الله وطاعته، وترغبون في العمل بما يقرب إليه طلبًا للثواب فيما عنده ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾؛ أي: فاقتدوا بي بامتثال ما نزل به الوحي منه إليَّ ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: يرضى الله عنكم أعمالكم ويثبكم عليها ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾؛ أي؛ ويتجاوز لكم عما فرط منكم من الأعمال السيئة والاعتقادات الباطلة، فيقربكم من جنات عزِّه، ويبوئكم في جوار قدسه؛ إذ في هذا الاتباع اعتقاد الحق والعمل الصالح، وهما يزيلان من النفس آثار المعاصي والرذائل، ويمحوان منها ظلمة الباطل، وأثر ذلك: المغفرة ورضوان الله.
وهذا حجة على من يدعي محبة الله في كل زمان، وأعماله تكذب ما يقول؛ إذ كيف يجتمع الحب مع الجهل بالمحبوب، وعدم العناية بأوامره ونواهيه؟ فهو كما قال الورَّاق:
تَعْصِي الإِلهَ وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ | هَذَا لَعَمْرِي في الْقِيَاسِ بَدِيعٌ |
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ | إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحبُّ مَطِيعُ |
فائدة: والمحبة (١) ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه، بحيث يحملها على ما يقربها - أي: النفس - إليه، والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا
(١) الكرخي.
لله عَزَّ وَجلَّ، وأن كل ما يراه كمالًا من نفسه، أو من غيره، فهو من الله وبالله وإلى الله.. لم يكن حبه إلا لله وفي الله، وذلك يقتضي إرادة طاعته، والرغبة فيما يقربه إليه، فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول - ﷺ - في عبادته والحرص على مطاوعته، قاله القاضي.
وقال بعضهم: إن محبة العبد لله عبارة عن: إعظامه وإجلاله وإيثار طاعته واتباع أمره ومجانبة نهيه، ومحبة الله للعبد عبارة عن: ثنائه عليه ورضاه عنه وثوابه له وعفوه عنه، فذلك قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، وقيل (١): محبة الله: معرفته ودوام خشيته ودوام اشتغال القلب به بذكره ودوام الأنس به. وقيل: علامة المحبة أن يكون دائم التفكر، كثير الخلوة، دائم الصمت، لا يبصر إذا نظر، ولا يسمع إذا نودي، ولا يحزن إذا أُصيب، ولا يصرخ إذا أصاب، ولا يخشى أحدًا، ولا يرجوه. وروي أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ الآية قال عبد الله بن أبي رئيس المنافقين لأصحابه: إن محمدًا يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه؛ كما أحبت النصارى عيسى بن مريم. فأنزل الله عزّ
٣٢ - وجلّ أمرًا لكل أحد من خاص وعام ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾؛ أي: قل لهم يا محمَّد: أطيعوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وأطيعوا رسوله باتباع سنّته، والاهتداء بهديه.
وفي هذا إرشاد إلى أن الله إنما أوجب عليكم متابعته؛ لأنه رسوله، لا كما تقول النصارى في عيسى.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: فإن أعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غرورًا بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم على ملة إبراهيم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ الذين تصرفهم أهواؤهم عن النظر الصحيح في آياته، وعما أنزله على رسوله، فلا يرضى عنهم، بل يبعدهم عن جوار قدسه وحظيرة عزته، ويسخط عليهم يوم يرضى عن المؤمنين به، المطيعين لنبيه، المتبعين لما جاء به من عند ربه، وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
وقال بعضهم: إن محبة العبد لله عبارة عن: إعظامه وإجلاله وإيثار طاعته واتباع أمره ومجانبة نهيه، ومحبة الله للعبد عبارة عن: ثنائه عليه ورضاه عنه وثوابه له وعفوه عنه، فذلك قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، وقيل (١): محبة الله: معرفته ودوام خشيته ودوام اشتغال القلب به بذكره ودوام الأنس به. وقيل: علامة المحبة أن يكون دائم التفكر، كثير الخلوة، دائم الصمت، لا يبصر إذا نظر، ولا يسمع إذا نودي، ولا يحزن إذا أُصيب، ولا يصرخ إذا أصاب، ولا يخشى أحدًا، ولا يرجوه. وروي أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ الآية قال عبد الله بن أبي رئيس المنافقين لأصحابه: إن محمدًا يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه؛ كما أحبت النصارى عيسى بن مريم. فأنزل الله عزّ
٣٢ - وجلّ أمرًا لكل أحد من خاص وعام ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾؛ أي: قل لهم يا محمَّد: أطيعوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وأطيعوا رسوله باتباع سنّته، والاهتداء بهديه.
وفي هذا إرشاد إلى أن الله إنما أوجب عليكم متابعته؛ لأنه رسوله، لا كما تقول النصارى في عيسى.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: فإن أعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غرورًا بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم على ملة إبراهيم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ الذين تصرفهم أهواؤهم عن النظر الصحيح في آياته، وعما أنزله على رسوله، فلا يرضى عنهم، بل يبعدهم عن جوار قدسه وحظيرة عزته، ويسخط عليهم يوم يرضى عن المؤمنين به، المطيعين لنبيه، المتبعين لما جاء به من عند ربه، وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
(١) النسفي.
262
الْكَافِرِينَ} فيه إقامة الظاهر مقام المضمر، أي: لا يحبهم ولا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني.. دخل الجنة، ومن عصاني.. فقد أبى" أخرجه البخاري في "صحيحه".
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من أطاعني.. فقد أطاع الله، ومن عصاني.. فقد عصى الله، ومن يطع الأمير.. فقد أطاعني ومن يعصِ الأمير.. فقد عصاني" متفق عليه.
وروى مسلم في "صحيحه" عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: "إن الله إذا أحبَّ عبدًا.. دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا، فأحبَّه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا، فأحبُّوه، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا.. دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا، فأبغضْه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء؛ إن الله يبغض فلانًا، فأبغِضُوه، فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض.
وقرأ الجمهور (١): ﴿تُحبون﴾ و ﴿يحببكم﴾ - بضم التاء والياء - من: أحبَّ الرباعي، وقرأ أبو رجاء العطاردي شذوذًا: ﴿تَحبون ويَحببكم﴾ - بفتح التاء والياء - من: حبَّ الثلاثي، وهما لغتان، وذكر الزمخشري: أنه قرئ: ﴿يحبكم﴾ - بفتح الياء، والإدغام - وهو شاذ أيضًا وقرأ الزهري شذوذًا: ﴿فاتبعوني﴾ - بتشديد النون - أَلحق بفعل الأمر نون التوكيد، وأدغمها في نون الوقاية، ولم يحذف الواو؛ شبهًا بـ ﴿تحاجوني﴾، وهذا توجيه شذوذ، وروي عن أبي عمرو إدغام راء ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ في لام ﴿لَكُمْ﴾. وذكر ابن عطية عن الزجاج: أن ذلك خطأ وغلط، ولكن رؤساء الكوفة كأبي جعفر الرؤاسي والكسائي والفراء رووا ذلك عن العرب، ورأسان من أهل البصرة - وهما أبو
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني.. دخل الجنة، ومن عصاني.. فقد أبى" أخرجه البخاري في "صحيحه".
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من أطاعني.. فقد أطاع الله، ومن عصاني.. فقد عصى الله، ومن يطع الأمير.. فقد أطاعني ومن يعصِ الأمير.. فقد عصاني" متفق عليه.
وروى مسلم في "صحيحه" عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: "إن الله إذا أحبَّ عبدًا.. دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا، فأحبَّه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا، فأحبُّوه، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا.. دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا، فأبغضْه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء؛ إن الله يبغض فلانًا، فأبغِضُوه، فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض.
وقرأ الجمهور (١): ﴿تُحبون﴾ و ﴿يحببكم﴾ - بضم التاء والياء - من: أحبَّ الرباعي، وقرأ أبو رجاء العطاردي شذوذًا: ﴿تَحبون ويَحببكم﴾ - بفتح التاء والياء - من: حبَّ الثلاثي، وهما لغتان، وذكر الزمخشري: أنه قرئ: ﴿يحبكم﴾ - بفتح الياء، والإدغام - وهو شاذ أيضًا وقرأ الزهري شذوذًا: ﴿فاتبعوني﴾ - بتشديد النون - أَلحق بفعل الأمر نون التوكيد، وأدغمها في نون الوقاية، ولم يحذف الواو؛ شبهًا بـ ﴿تحاجوني﴾، وهذا توجيه شذوذ، وروي عن أبي عمرو إدغام راء ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ في لام ﴿لَكُمْ﴾. وذكر ابن عطية عن الزجاج: أن ذلك خطأ وغلط، ولكن رؤساء الكوفة كأبي جعفر الرؤاسي والكسائي والفراء رووا ذلك عن العرب، ورأسان من أهل البصرة - وهما أبو
(١) البحر المحيط.
263
عمرو ويعقوب - قرآ بذلك وروياه، فلا التفات لمن خالف في ذلك.
الإعراب
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾.
﴿قُلِ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ إلى قوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُمَّ﴾: منادى مفرد العلم في محل النصب على المفعولية مبني على الضم؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، والميم المشددة عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان، وهذا التعويض خاص بالاسم الجليل؛ كما اختص بجواز الجمع فيه بين (يا) و (أل) وبقطع همزته ودخول تاء القسم عليه. ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾: منادى مضاف، حذف منه حرف النداء تقديره: يا مالك الملك، وجملة النداء في النصب جزء المقول، وفي "الفتوحات": قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ فيه (١) أربعة أوجه: أحدهما: أنه بدل من ﴿اللَّهُمَّ﴾. الثاني: أنه عطف بيان. الثالث: أنه منادى ثانٍ حذف منه حرف النداء، أي؛ يا مالك الملك، وهذا هو البدل في الحقيقة؛ إذ البدل على نية تكرار العامل إلا أن الفرق أن هذا ليس بتابع. الرابع: أنه نعت لقوله: ﴿اللَّهُمَّ﴾ على الموضع؛ فلذلك نُصب. انتهى باختصار. ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾: فعل ومفعول ثانٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، ولكنها الآن في محل النصب جزء المقول. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول أول، ﴿تَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: تشاؤه. ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾: الواو عاطفة (تنزع الملك): فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿مِمَّنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تنزع﴾، وجملة ﴿تَشَاءُ﴾ صلة ﴿مَن﴾ الموصولة.
﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
الإعراب
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾.
﴿قُلِ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ إلى قوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُمَّ﴾: منادى مفرد العلم في محل النصب على المفعولية مبني على الضم؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، والميم المشددة عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان، وهذا التعويض خاص بالاسم الجليل؛ كما اختص بجواز الجمع فيه بين (يا) و (أل) وبقطع همزته ودخول تاء القسم عليه. ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾: منادى مضاف، حذف منه حرف النداء تقديره: يا مالك الملك، وجملة النداء في النصب جزء المقول، وفي "الفتوحات": قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ فيه (١) أربعة أوجه: أحدهما: أنه بدل من ﴿اللَّهُمَّ﴾. الثاني: أنه عطف بيان. الثالث: أنه منادى ثانٍ حذف منه حرف النداء، أي؛ يا مالك الملك، وهذا هو البدل في الحقيقة؛ إذ البدل على نية تكرار العامل إلا أن الفرق أن هذا ليس بتابع. الرابع: أنه نعت لقوله: ﴿اللَّهُمَّ﴾ على الموضع؛ فلذلك نُصب. انتهى باختصار. ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾: فعل ومفعول ثانٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، ولكنها الآن في محل النصب جزء المقول. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول أول، ﴿تَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: تشاؤه. ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾: الواو عاطفة (تنزع الملك): فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿مِمَّنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تنزع﴾، وجملة ﴿تَشَاءُ﴾ صلة ﴿مَن﴾ الموصولة.
﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
(١) الجمل.
264
﴿وَتُعِزُّ﴾ الواو عاطفة. ﴿تعز﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿تَشَاءُ﴾ صلة لها، والعائد محذوف تقديره: من تشاء إعزازه. ﴿وَتُذِلُّ﴾: الواو عاطفة. (تذل): فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿تُؤْتِي﴾، ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿تَشَاءُ﴾ صلته. ﴿بِيَدِكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر مقدم. ﴿الْخَيْرُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة ﴿تُؤْتِي﴾، ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، الكاف اسمها. ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بقوله: ﴿قَدِيرٌ﴾، وهو خبر ﴿إن﴾، والجملة مستأنفة.
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)﴾.
﴿تُولِجُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿اللَّيْلَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿تُؤْتِي﴾ ﴿فِي النَّهَارِ﴾: متعلق بـ ﴿تُولِجُ﴾. ﴿وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾: إعرابها مثل ما قبلها. ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾: الواو عاطفة. ﴿تخرج﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿الْحَيَّ﴾: مفعول به. ﴿مِنَ الْمَيِّتِ﴾: متعلق بـ ﴿تخرج﴾. ﴿وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ هذه الجملة مثل ما قبلها إعرابًا. ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ﴾: الواو عاطفة. ﴿ترزق﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿تَشَاءُ﴾ صلته. ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، يجوز (١) أن يكون حالًا من المفعول المحذوف تقديره: ترزق من تشاؤه غير محاسب، وأن يكون حالًا من ضمير الفاعل تقديره: غير محاسب له، أو غير مُضيِّق له، ويجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، أو مفعول محذوف تقديره: رزقًا غير قليل.
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)﴾.
﴿تُولِجُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿اللَّيْلَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿تُؤْتِي﴾ ﴿فِي النَّهَارِ﴾: متعلق بـ ﴿تُولِجُ﴾. ﴿وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾: إعرابها مثل ما قبلها. ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾: الواو عاطفة. ﴿تخرج﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿الْحَيَّ﴾: مفعول به. ﴿مِنَ الْمَيِّتِ﴾: متعلق بـ ﴿تخرج﴾. ﴿وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ هذه الجملة مثل ما قبلها إعرابًا. ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ﴾: الواو عاطفة. ﴿ترزق﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿تَشَاءُ﴾ صلته. ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، يجوز (١) أن يكون حالًا من المفعول المحذوف تقديره: ترزق من تشاؤه غير محاسب، وأن يكون حالًا من ضمير الفاعل تقديره: غير محاسب له، أو غير مُضيِّق له، ويجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، أو مفعول محذوف تقديره: رزقًا غير قليل.
(١) العكبري.
265
﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿لَا﴾: ناهية جازمة، أو نافية، ﴿يَتَّخِذِ﴾: مرفوع والمعنى: لا ينبغي أن يتخذوهم أولياء ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾: فاعل ﴿الْكَافِرِينَ﴾: مفعول أول، والجملة مستأنفة، ﴿أَوْلِيَاءَ﴾: مفعول ثانٍ. ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال (١) من الفاعل؛ أي: حال كون المؤمنين متجاوزين للمؤمنين؛ أي: متجاوزين الاستقلال بموالاة المؤمنين؛ أي؛ تاركين قصر الموالاة على المؤمنين، وقال (٢) أبو البقاء: ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في موضع نصب صفة لأولياء.
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾.
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ﴾ الواو استئنافية. ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر؛ إما جملة الشرط، وهو الراجح، أو جملة الجواب، أو هما كما مرَّ مِرارًا. ﴿يَفْعَلْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ (من)، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿ذَلِكَ﴾: مفعول به. ﴿فَلَيْسَ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿مِنَ﴾ الشرطية وجوبًا. ﴿ليس﴾؛ فعل ماضٍ ناقص، واسمها ضمير يعود على ﴿مِنَ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿شَيْءٍ﴾ الآن؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فيعرب حالًا. ﴿في شَيءٍ﴾: جار ومجرور خبر ﴿ليس﴾، وجملة ﴿ليس﴾ في محل الجزم بـ ﴿مِنَ﴾ على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مِنَ﴾ الشرطية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا.
﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.
﴿إلّا﴾: أداة استثناء مفرغ من المفعول لأجله، والعامل فيه ﴿لَا يَتَّخِذِ﴾، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر ﴿تَتَّقُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أَن﴾ المصدرية ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَتَّقُوا﴾ ﴿تُقَاةً﴾: منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المقدرة المتعلقة بقوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، والتقدير: لا
﴿لَا﴾: ناهية جازمة، أو نافية، ﴿يَتَّخِذِ﴾: مرفوع والمعنى: لا ينبغي أن يتخذوهم أولياء ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾: فاعل ﴿الْكَافِرِينَ﴾: مفعول أول، والجملة مستأنفة، ﴿أَوْلِيَاءَ﴾: مفعول ثانٍ. ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال (١) من الفاعل؛ أي: حال كون المؤمنين متجاوزين للمؤمنين؛ أي: متجاوزين الاستقلال بموالاة المؤمنين؛ أي؛ تاركين قصر الموالاة على المؤمنين، وقال (٢) أبو البقاء: ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في موضع نصب صفة لأولياء.
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾.
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ﴾ الواو استئنافية. ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر؛ إما جملة الشرط، وهو الراجح، أو جملة الجواب، أو هما كما مرَّ مِرارًا. ﴿يَفْعَلْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ (من)، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿ذَلِكَ﴾: مفعول به. ﴿فَلَيْسَ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿مِنَ﴾ الشرطية وجوبًا. ﴿ليس﴾؛ فعل ماضٍ ناقص، واسمها ضمير يعود على ﴿مِنَ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿شَيْءٍ﴾ الآن؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فيعرب حالًا. ﴿في شَيءٍ﴾: جار ومجرور خبر ﴿ليس﴾، وجملة ﴿ليس﴾ في محل الجزم بـ ﴿مِنَ﴾ على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مِنَ﴾ الشرطية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا.
﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.
﴿إلّا﴾: أداة استثناء مفرغ من المفعول لأجله، والعامل فيه ﴿لَا يَتَّخِذِ﴾، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر ﴿تَتَّقُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أَن﴾ المصدرية ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَتَّقُوا﴾ ﴿تُقَاةً﴾: منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المقدرة المتعلقة بقوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، والتقدير: لا
(١) الجمل.
(٢) العكبري.
(٢) العكبري.
266
يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين لشيء من الأشياء، ولا لغرض من الأغراض إلا لأجل اتقائكم منهم تقاة. ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ﴾: الواو استئنافية. ﴿يحذركم الله﴾: فعل ومفعول أول وفاعل، ﴿نَفْسَهُ﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه. وفي "السمين": قوله: ﴿نَفْسَهُ﴾ مفعول ثانٍ لـ ﴿يحذر﴾؛ لأنه في الأصل متعدٍ بنفسه إلى مفعول واحد، فازداد بالتضعيف آخر. انتهى، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿الْمَصِيرُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على الجملة الفعلية، أو مستأنفة.
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿تُخْفُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إِن﴾ الشرطية. ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل ﴿تُبْدُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على ﴿تُخْفُوا﴾ مجزوم على كونه فعل الشرط. ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول به وفاعل، مجزوم بـ ﴿إِن﴾ على كونه جواب الشرط لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿وَيَعْلَمُ﴾ الواو استئنافية، ﴿يعلم﴾: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿مَا﴾: أو صفة لها. ﴿وَمَا﴾: الواو عاطفة ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب معطوفة على ﴿مَا﴾ الأولى. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية أو عاطفة. ﴿الله﴾: مبتدأ، ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾، وهو خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة أو معطوفة على الجملة الفعلية المذكورة قبلها.
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿تُخْفُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إِن﴾ الشرطية. ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل ﴿تُبْدُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على ﴿تُخْفُوا﴾ مجزوم على كونه فعل الشرط. ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول به وفاعل، مجزوم بـ ﴿إِن﴾ على كونه جواب الشرط لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿وَيَعْلَمُ﴾ الواو استئنافية، ﴿يعلم﴾: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿مَا﴾: أو صفة لها. ﴿وَمَا﴾: الواو عاطفة ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب معطوفة على ﴿مَا﴾ الأولى. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية أو عاطفة. ﴿الله﴾: مبتدأ، ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾، وهو خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة أو معطوفة على الجملة الفعلية المذكورة قبلها.
267
﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾.
﴿يَوْمَ﴾: منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره: اذكروا يوم، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾، ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به لـ ﴿تَجِدُ﴾؛ لأن وجد هنا بمعنى: أصاب فيتعدَّى إلى مفعول واحد. ﴿عَمِلَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على النفس، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: عملته. ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَمِلَتْ﴾، أو حال من ضمير المفعول المحذوف. ﴿مُحْضَرًا﴾ حال من ﴿مَا﴾ الموصولة.
﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿وَمَا عَمِلَتْ﴾ الواو استئنافية ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ. ﴿عَمِلَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على النفس، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها. ﴿مِنْ سُوءٍ﴾: جار ومجرور حال من ضمير المفعول المحذوف ﴿تَوَدُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على النفس، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿لَوْ﴾: زائدة. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب ومصدر ﴿بَيْنَهَا﴾: ظرف، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر ﴿أَنَّ﴾ مقدَّم على اسمها. ﴿وَبَيْنَهُ﴾: معطوف عليه ﴿أَمَدًا﴾ اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر ﴿بَعِيدًا﴾ صفة لـ ﴿أمدًا﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا لـ ﴿تَوَدُّ﴾ تقديره: وما عملته من سوء تود كون أمد بعيد بينها وبينه. ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ تقدم إعرابها قريبًا، فلا عود ولا إعادة فراجعه. ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة ﴿بِالْعِبَادِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿رَءُوفٌ﴾.
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١)﴾.
﴿يَوْمَ﴾: منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره: اذكروا يوم، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾، ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به لـ ﴿تَجِدُ﴾؛ لأن وجد هنا بمعنى: أصاب فيتعدَّى إلى مفعول واحد. ﴿عَمِلَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على النفس، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: عملته. ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَمِلَتْ﴾، أو حال من ضمير المفعول المحذوف. ﴿مُحْضَرًا﴾ حال من ﴿مَا﴾ الموصولة.
﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿وَمَا عَمِلَتْ﴾ الواو استئنافية ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ. ﴿عَمِلَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على النفس، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها. ﴿مِنْ سُوءٍ﴾: جار ومجرور حال من ضمير المفعول المحذوف ﴿تَوَدُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على النفس، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿لَوْ﴾: زائدة. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب ومصدر ﴿بَيْنَهَا﴾: ظرف، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر ﴿أَنَّ﴾ مقدَّم على اسمها. ﴿وَبَيْنَهُ﴾: معطوف عليه ﴿أَمَدًا﴾ اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر ﴿بَعِيدًا﴾ صفة لـ ﴿أمدًا﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا لـ ﴿تَوَدُّ﴾ تقديره: وما عملته من سوء تود كون أمد بعيد بينها وبينه. ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ تقدم إعرابها قريبًا، فلا عود ولا إعادة فراجعه. ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة ﴿بِالْعِبَادِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿رَءُوفٌ﴾.
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١)﴾.
268
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِن﴾: حرف شرط ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب خبر ﴿كان﴾ تقديره: محبين الله ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إِن﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية. ﴿اتبعوني﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول به ونون وقاية، مبني على حذف النون، والجملة في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾: فعل مضارع ومفعول به وفاعل، مجزوم بالطلب السابق، والجملة في محل النصب مقول القول لـ ﴿قُل﴾. ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿يغفر﴾: معطوف على ﴿يُحْبِبْكُمُ﴾ مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يغفر﴾ ﴿ذُنُوبَكُمْ﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، لكنها في محل النصب مقول القول. ﴿رَحِيمٌ﴾: خبر ثانٍ.
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ إلى آخر الآية أو إلى قوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلتَ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول. ﴿وَالرَّسُولَ﴾: معطوف على لفظ الجلالة. ﴿فَإِنْ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا أمرتهم بطاعة الله والرسول، وأردت بيان حكم ما إذا تولوا عن طاعة الله.. فأقول لك، ﴿إن تولوا﴾: (إن): حرف شرط جازم. (تولوا): يحتمل أن يكون من تمام مقول القول، فيكون مضارعًا حذفت منه إحدى التاءين؛ أي: تتولوا، فيكون مجزومًا بحذف النون، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، فيكون ماضيًا في محل الجزم على كونه فعل الشرط لـ (إنْ)، والواو فاعل، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ إلى آخر الآية أو إلى قوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلتَ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول. ﴿وَالرَّسُولَ﴾: معطوف على لفظ الجلالة. ﴿فَإِنْ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا أمرتهم بطاعة الله والرسول، وأردت بيان حكم ما إذا تولوا عن طاعة الله.. فأقول لك، ﴿إن تولوا﴾: (إن): حرف شرط جازم. (تولوا): يحتمل أن يكون من تمام مقول القول، فيكون مضارعًا حذفت منه إحدى التاءين؛ أي: تتولوا، فيكون مجزومًا بحذف النون، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، فيكون ماضيًا في محل الجزم على كونه فعل الشرط لـ (إنْ)، والواو فاعل، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة
269
لجواب (إن) الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية (إنَّ): حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُحِبُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْكَافِرِينَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) من اسمها وخبرها في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة: ﴿إن﴾) الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب جزء المقول، أو مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
﴿تنزع﴾: يقال: نزع الله عنه الشر، أو الملك ينزع - من باب ضرب - إذا أزاله عنه، وسلبه منه. ونزع الشيء من مكانه: إذا قلعه منه.
﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾: من مزيد عَزَّ يعز عزًّا بكسر العين فيهما إذا قوي بعد ذله أو غلب، ومنه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾.
﴿وَتُذِلُّ﴾: من مزيد ذلَّ يذل - بالكسر - ذلًّا وذلةً إذا غلب وقهر. ﴿تُولِجُ﴾: يقال: ولج يلج - من باب: وعد - ولوجًا ولِجَة كعِدَة، والولوج: الدخول، والإيلاج الإدخال.
﴿تُقَاةً﴾: مصدر على وزن فعلة؛ لأنه مصدر تقَيته - بفتح القاف - كرميته رمية، وأصله: وقية؛ لأنه من الوقاية، فأبدلت الواو تاء، والياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، وفي "المختار": تقى يتقي كقضى يقضي، والتقوى والتقى واحد، والتقاة: التقية يقال: اتقى تقية وتقاة، وفي "القاموس": وتقيت الشيء أتقيه من باب ضرب اهـ.
﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ جمع: صَدْر، كفَلْس وفُلُوس، والصَّدْر معروف. ﴿أَمَدًا﴾: الأمد: غاية الشيء ومنتهاه، يجمع على آماد، والفرق بين الأمد والأبد: أن الأبد مدة من الزمان غير محدودة، والأمد مدة لها حد مجهول، والفرق بين الأمد والزمان: أن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدأ والغاية.
التصريف ومفردات اللغة
﴿تنزع﴾: يقال: نزع الله عنه الشر، أو الملك ينزع - من باب ضرب - إذا أزاله عنه، وسلبه منه. ونزع الشيء من مكانه: إذا قلعه منه.
﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾: من مزيد عَزَّ يعز عزًّا بكسر العين فيهما إذا قوي بعد ذله أو غلب، ومنه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾.
﴿وَتُذِلُّ﴾: من مزيد ذلَّ يذل - بالكسر - ذلًّا وذلةً إذا غلب وقهر. ﴿تُولِجُ﴾: يقال: ولج يلج - من باب: وعد - ولوجًا ولِجَة كعِدَة، والولوج: الدخول، والإيلاج الإدخال.
﴿تُقَاةً﴾: مصدر على وزن فعلة؛ لأنه مصدر تقَيته - بفتح القاف - كرميته رمية، وأصله: وقية؛ لأنه من الوقاية، فأبدلت الواو تاء، والياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، وفي "المختار": تقى يتقي كقضى يقضي، والتقوى والتقى واحد، والتقاة: التقية يقال: اتقى تقية وتقاة، وفي "القاموس": وتقيت الشيء أتقيه من باب ضرب اهـ.
﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ جمع: صَدْر، كفَلْس وفُلُوس، والصَّدْر معروف. ﴿أَمَدًا﴾: الأمد: غاية الشيء ومنتهاه، يجمع على آماد، والفرق بين الأمد والأبد: أن الأبد مدة من الزمان غير محدودة، والأمد مدة لها حد مجهول، والفرق بين الأمد والزمان: أن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدأ والغاية.
270
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة، وضروبًا من البلاغة (١):
منها: التكرار للتفخيم والتعظيم في قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾ وتكرار: ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾.
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿تُؤْتِي﴾، ﴿وَتَنْزِعُ﴾، ﴿وَتُعِزُّ﴾ ﴿وَتُذِلُّ﴾، وفي قوله: ﴿اللَّيْلَ﴾ و ﴿النَّهَارِ﴾، وفي قوله: ﴿الْحَيَّ﴾ و ﴿الْمَيِّتِ﴾، وفي قوله: ﴿تُبْدُوهُ﴾ و ﴿تُخْفُوا﴾، وفي: ﴿خَيْرٍ﴾ و ﴿سُوءٍ﴾ و ﴿مُحْضَرًا﴾ و ﴿بَعِيدًا﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿تُحِبُّونَ﴾ و ﴿يُحْبِبْكُمُ﴾.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله ﴿تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ وفي قوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾، و ﴿غَفُورٌ﴾.
ومنها: التعبير بالمحل عن الشيء في قوله: ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ عبر بها عن القلوب قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ الآية.
ومنها: الإشارة في قوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ الآية، أشار إلى انسلاخهم من ولاية الله.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾، وفي قوله: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾.
ومنها: التأنيس بعد الإيحاش في قوله: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
ومنها: الحذف في عدة مواضع قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾؛ أي: من تشاء إيتاءَه، ومثله و ﴿تنزع﴾. و ﴿تعز﴾ و ﴿تذل﴾.
ومنها: الخطاب العام الذي سببه خاص في قوله: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة، وضروبًا من البلاغة (١):
منها: التكرار للتفخيم والتعظيم في قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾ وتكرار: ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾.
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿تُؤْتِي﴾، ﴿وَتَنْزِعُ﴾، ﴿وَتُعِزُّ﴾ ﴿وَتُذِلُّ﴾، وفي قوله: ﴿اللَّيْلَ﴾ و ﴿النَّهَارِ﴾، وفي قوله: ﴿الْحَيَّ﴾ و ﴿الْمَيِّتِ﴾، وفي قوله: ﴿تُبْدُوهُ﴾ و ﴿تُخْفُوا﴾، وفي: ﴿خَيْرٍ﴾ و ﴿سُوءٍ﴾ و ﴿مُحْضَرًا﴾ و ﴿بَعِيدًا﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿تُحِبُّونَ﴾ و ﴿يُحْبِبْكُمُ﴾.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله ﴿تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ وفي قوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾، و ﴿غَفُورٌ﴾.
ومنها: التعبير بالمحل عن الشيء في قوله: ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ عبر بها عن القلوب قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ الآية.
ومنها: الإشارة في قوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ الآية، أشار إلى انسلاخهم من ولاية الله.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾، وفي قوله: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾.
ومنها: التأنيس بعد الإيحاش في قوله: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
ومنها: الحذف في عدة مواضع قوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾؛ أي: من تشاء إيتاءَه، ومثله و ﴿تنزع﴾. و ﴿تعز﴾ و ﴿تذل﴾.
ومنها: الخطاب العام الذي سببه خاص في قوله: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
(١) البحر المحيط.
271
الْكَافِرِينَ}.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وفي قوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ﴾ وفي قوله: ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ ﴿وَاللَّهُ عَلَى﴾، وفي قوله: ﴿مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ﴾، وفي قوله: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ﴾، وفي قوله: ﴿تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ و ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ و ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ وفي قوله: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾، وهو عبارة عن إدخال هذا على هذا، وهذا على هذا، فما ينقصه من الليل.. يزيده في النهار، والعكس، ولفظ الإيلاج أبلغ؛ لأنه يفيد إدخال كل منهما في الآخر بلطيف الممازجة، وشديد الملابسة.
ومنها: ذكر العام بعد الخاص تأكيدًا له وتقريرًا في قوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ بعد قوله: ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾، ولو جرى على سنن الكلام الأول.. لجاء بالكلام غيبة.
فائدة: وروي في الحديث (١): "أن من أراد قضاء دينه، قرأ كل يوم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ إلى ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، ويقول: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت تعطي منهما من تشاء، فاقضِ عني دَيْني، فلو كان ملء الأرض ذهبًا.. لأدَّاه الله عنه".
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: التكرار في قوله: ﴿الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وفي قوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ﴾ وفي قوله: ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ ﴿وَاللَّهُ عَلَى﴾، وفي قوله: ﴿مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ﴾، وفي قوله: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ﴾، وفي قوله: ﴿تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ و ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ و ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ وفي قوله: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾، وهو عبارة عن إدخال هذا على هذا، وهذا على هذا، فما ينقصه من الليل.. يزيده في النهار، والعكس، ولفظ الإيلاج أبلغ؛ لأنه يفيد إدخال كل منهما في الآخر بلطيف الممازجة، وشديد الملابسة.
ومنها: ذكر العام بعد الخاص تأكيدًا له وتقريرًا في قوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ بعد قوله: ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾، ولو جرى على سنن الكلام الأول.. لجاء بالكلام غيبة.
فائدة: وروي في الحديث (١): "أن من أراد قضاء دينه، قرأ كل يوم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ إلى ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، ويقول: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت تعطي منهما من تشاء، فاقضِ عني دَيْني، فلو كان ملء الأرض ذهبًا.. لأدَّاه الله عنه".
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) البحر المحيط.
272
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾.
المناسبة
مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الدين الحق هو دين الإِسلام والتوحيد، وأن اختلاف أهل الكتاب فيه إنما هو للبغي والحسد، وأن الفوز والفلاح منوط باتباع الرسول - ﷺ - وطاعته.. ذكر هنا من أحبهم واصطفاهم، ورفع درجاتهم، وجعل منهم الرسل الذين يبينون للناس طريق محبته وهي: الإيمان به مع طاعته، والعمل بما يرضيه، فبدأ بآدم أولهم، وهو أبو البشر، اصطفاه واجتباه؛ كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)﴾، وثنَّى بنوحٍ وهو الأب الثاني للبشر، فقد حدث على عهده ذلك الطوفان العظيم، فانقرض من السلاسل البشرية من انقرض، ونجا هو وأهله في الفلك العظيم، وجاء من ذريته كثير من النبيين والمرسلين، ثم تفرقت ذريته، وانتشرت في البلاد، وفشت فيهم الوثنية، ثم ثلَّث بآل إبراهيم، فاندرج فيهم رسول الله - ﷺ -؛ لأنه من ولد إسماعيل، ثم ربَّع بآل عمران، فاندرج فيهم عيسى عليه السلام، وأعقب ذلك
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾.
المناسبة
مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الدين الحق هو دين الإِسلام والتوحيد، وأن اختلاف أهل الكتاب فيه إنما هو للبغي والحسد، وأن الفوز والفلاح منوط باتباع الرسول - ﷺ - وطاعته.. ذكر هنا من أحبهم واصطفاهم، ورفع درجاتهم، وجعل منهم الرسل الذين يبينون للناس طريق محبته وهي: الإيمان به مع طاعته، والعمل بما يرضيه، فبدأ بآدم أولهم، وهو أبو البشر، اصطفاه واجتباه؛ كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)﴾، وثنَّى بنوحٍ وهو الأب الثاني للبشر، فقد حدث على عهده ذلك الطوفان العظيم، فانقرض من السلاسل البشرية من انقرض، ونجا هو وأهله في الفلك العظيم، وجاء من ذريته كثير من النبيين والمرسلين، ثم تفرقت ذريته، وانتشرت في البلاد، وفشت فيهم الوثنية، ثم ثلَّث بآل إبراهيم، فاندرج فيهم رسول الله - ﷺ -؛ لأنه من ولد إسماعيل، ثم ربَّع بآل عمران، فاندرج فيهم عيسى عليه السلام، وأعقب ذلك
273
بذكر ثلاث قصص: قصة ولادة مريم، وقصة ولادة يحيى، وقصة ولادة عيسى.
وكلها خوارق للعادة تدل على قدرة العلي القدير.
وقال أبو حيان (١): مناسبة هذه الآيات لما قبلها: لما قدم قبل ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾، وأردفه بقوله: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾، وختمها بأنه لا يحب الكافرين.. ذكر المصطفين الذين يجب اتباعهم، فبدأ أولًا بأولهم وجودًا وأصلهم، وثنى بنوح عليه السلام؛ إذ هو آدم الأصغر، ليس أحد على وجه الأرض إلا من نسله، ثم أتى ثالثًا بآل إبراهيم، فاندرج فيهم رسول الله - ﷺ - المأمور باتباعه وطاعته، وموسى عليه السلام، ثم أتى رابعًا بآل عمران، فاندرج في آله مريم وعيسى عليهما السلام، ونص على إبراهيم لخصوصية اليهود بهم، وعلى آل عمران لخصوصية النصارى بهم، فذكر تعالى جعل هؤلاء صفوة؛ أي: مختارين نَقاوة (٢)، والمعنى: أنه نَقَّاهم من الكَدَر، وهذا من تمثيل المعقول بالمحسوس.
أسباب النزول
قال ابن عباس رضي الله عنهما (٣): قالت اليهود: نحن من أبناء إبراهيم إسحاق ويعقوب، ونحن على دينهم، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: إن الله اصطفى هؤلاء بالإِسلام، وأنتم يا معشر اليهود على غير دين الإِسلام.
وقيل (٤): نزلت في نصارى نجران لما غلوا في عيسى، وجعلوه ابن الله تعالى واتخذوه إلهًا.. نزلت ردًّا عليهم وإعلامًا أن عيسى من ذرية البشر المتنقلين في الأطوار المستحيلة على الإله، واستطرد من ذلك إلى ولادة أمه، ثم إلى ولادته هو.
وكلها خوارق للعادة تدل على قدرة العلي القدير.
وقال أبو حيان (١): مناسبة هذه الآيات لما قبلها: لما قدم قبل ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾، وأردفه بقوله: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾، وختمها بأنه لا يحب الكافرين.. ذكر المصطفين الذين يجب اتباعهم، فبدأ أولًا بأولهم وجودًا وأصلهم، وثنى بنوح عليه السلام؛ إذ هو آدم الأصغر، ليس أحد على وجه الأرض إلا من نسله، ثم أتى ثالثًا بآل إبراهيم، فاندرج فيهم رسول الله - ﷺ - المأمور باتباعه وطاعته، وموسى عليه السلام، ثم أتى رابعًا بآل عمران، فاندرج في آله مريم وعيسى عليهما السلام، ونص على إبراهيم لخصوصية اليهود بهم، وعلى آل عمران لخصوصية النصارى بهم، فذكر تعالى جعل هؤلاء صفوة؛ أي: مختارين نَقاوة (٢)، والمعنى: أنه نَقَّاهم من الكَدَر، وهذا من تمثيل المعقول بالمحسوس.
أسباب النزول
قال ابن عباس رضي الله عنهما (٣): قالت اليهود: نحن من أبناء إبراهيم إسحاق ويعقوب، ونحن على دينهم، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: إن الله اصطفى هؤلاء بالإِسلام، وأنتم يا معشر اليهود على غير دين الإِسلام.
وقيل (٤): نزلت في نصارى نجران لما غلوا في عيسى، وجعلوه ابن الله تعالى واتخذوه إلهًا.. نزلت ردًّا عليهم وإعلامًا أن عيسى من ذرية البشر المتنقلين في الأطوار المستحيلة على الإله، واستطرد من ذلك إلى ولادة أمه، ثم إلى ولادته هو.
(١) البحر المحيط.
(٢) نقاوة الشيء - بضم النون -: خياره ومختاره.
(٣) الخازن.
(٤) البحر المحيط.
(٢) نقاوة الشيء - بضم النون -: خياره ومختاره.
(٣) الخازن.
(٤) البحر المحيط.
274
التفسير وأوجه القراءة
٣٣ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿اصْطَفَى﴾ واختار ﴿آدَمَ﴾ أبا البشر عليه السلام بالإِسلام والنبوة، وعاش آدم في الأرض تسع مئة وستين سنة، وأما مدة إقامته في الجنة، فلا تحسب ﴿و﴾ اختار ﴿نوحًا﴾ الأصل الثاني للبشر، بالتوحيد والنبوة والرسالة، وجعله من أولي العزم، ولقب بنوح؛ لكثرة نوحه بالدعوة إلى الله تعالى. قيل: اسمه عبد الغفار، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، وعُمِّر ألف سنة إلا خمسين عامًا.
وقيل: اصطفاء آدم عليه السلام بوجوه منها: خلقه أول هذا الجنس الشريف، وجعله خليفة في الأرض، وإسجاد الملائكة له، وإسكانه جنته، إلى غير ذلك مما شرفه الله به.
واصطفاء نوح عليه السلام بأشياء منها: أنه أول رسول بُعث إلى أهل الأرض بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر المحارم، وأنه أبو الناس بعد آدم، إلى غير ذلك.
واصطفاء آل إبراهيم عليه السلام: بأن جعل فيهم النبوة والكتاب.
﴿و﴾ اصطفى ﴿آل إبراهيم﴾؛ أي: عشيرته وأقاربه، والمراد بهم: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط والأنبياء من أولادهم، ومن جملتهم خاتم المرسلين سيدنا محمَّد - ﷺ -، وقيل: المراد بـ ﴿آل إبراهيم﴾: نفسه، فلفظ (آل) مُقحم؛ يعني: اختاره بالنبوة والرسالة والخلة، وعُمِّر إبراهيم مئة وسبعين سنة. ﴿و﴾ اصطفى ﴿آل عمران﴾؛ أي: أهله، قيل: المراد بعمران هذا: هو عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود، وهو أبو مريم البتول أمِّ عيسى عليه السلام، والمراد بآله: عيسى، وأمه مريم، وقيل: عمران بن يصهر أبو موسى وهارون، والمراد بآله: موسى وهارون، ولكن الأرجح القولُ الأول بقرينة السياق، وبين العمرانين ألف وثمان مئة سنة، وقرأ عبد الله شذوذًا: ﴿وآل محمَّد﴾. ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: على عالمي زمانهم. قال القرطبي: وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء؛ لأن الأنبياء والرسل جميعًا من نسلهم، والمعنى: اختارهم واصطفاهم
٣٣ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿اصْطَفَى﴾ واختار ﴿آدَمَ﴾ أبا البشر عليه السلام بالإِسلام والنبوة، وعاش آدم في الأرض تسع مئة وستين سنة، وأما مدة إقامته في الجنة، فلا تحسب ﴿و﴾ اختار ﴿نوحًا﴾ الأصل الثاني للبشر، بالتوحيد والنبوة والرسالة، وجعله من أولي العزم، ولقب بنوح؛ لكثرة نوحه بالدعوة إلى الله تعالى. قيل: اسمه عبد الغفار، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، وعُمِّر ألف سنة إلا خمسين عامًا.
وقيل: اصطفاء آدم عليه السلام بوجوه منها: خلقه أول هذا الجنس الشريف، وجعله خليفة في الأرض، وإسجاد الملائكة له، وإسكانه جنته، إلى غير ذلك مما شرفه الله به.
واصطفاء نوح عليه السلام بأشياء منها: أنه أول رسول بُعث إلى أهل الأرض بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر المحارم، وأنه أبو الناس بعد آدم، إلى غير ذلك.
واصطفاء آل إبراهيم عليه السلام: بأن جعل فيهم النبوة والكتاب.
﴿و﴾ اصطفى ﴿آل إبراهيم﴾؛ أي: عشيرته وأقاربه، والمراد بهم: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط والأنبياء من أولادهم، ومن جملتهم خاتم المرسلين سيدنا محمَّد - ﷺ -، وقيل: المراد بـ ﴿آل إبراهيم﴾: نفسه، فلفظ (آل) مُقحم؛ يعني: اختاره بالنبوة والرسالة والخلة، وعُمِّر إبراهيم مئة وسبعين سنة. ﴿و﴾ اصطفى ﴿آل عمران﴾؛ أي: أهله، قيل: المراد بعمران هذا: هو عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود، وهو أبو مريم البتول أمِّ عيسى عليه السلام، والمراد بآله: عيسى، وأمه مريم، وقيل: عمران بن يصهر أبو موسى وهارون، والمراد بآله: موسى وهارون، ولكن الأرجح القولُ الأول بقرينة السياق، وبين العمرانين ألف وثمان مئة سنة، وقرأ عبد الله شذوذًا: ﴿وآل محمَّد﴾. ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: على عالمي زمانهم. قال القرطبي: وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء؛ لأن الأنبياء والرسل جميعًا من نسلهم، والمعنى: اختارهم واصطفاهم
على العالمين؛ بما خصهم من النبوة والرسالة والخصائص الروحانية والجسمانية، ولذلك قووا على ما لم يقوَ عليه غيرهم.
٣٤ - ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: اصطفى الآلين حالة كونهم ذرية بعضها، متناسلون من بعض في النسب، وقيل: بعضها من بعض من التناصر والتعاضد، وقيل: متجانسين في الدين والتقى والصلاح، فكما أن الأصول أنبياء ورسل، وكذلك الذريةَ بل في بعضها ما يفوق الأصول جميعًا كمحمد - ﷺ -. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿سَمِيعٌ﴾ لأقوال العباد ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتهم وضمائرهم وأفعالهم، وإنما يصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولًا وفعلًا، وقيل: معناه: والله سميع لمقالة اليهود: نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران، فنحن أبناء الله وأحباؤه، وعلى دينه، ولمقالة النصارى: المسيح ابن الله، عليم بعقوبتهم.
٣٥ - واذكر لهم يا محمَّد قصة ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾ حنة بنت فاقوذ، أم مريم حين شاخت، وكانت يومًا في ظل شجرة، فرأت طائرًا يطعم فرخًا له ويسقيه، فعطفت، واشتاقت للولد من أجل رؤية ذلك الطائر، فدعت ربها أن يرزقها ولدًا، ونذرت أن تهبه لبيت المقدس يخدمه، وكان ما من رجل من أشراف بيت المقدس إلا وله ولد منذور لخدمته، فاستجاب الله دعاءَها، فحملت بمريم، فلما أحسَّت بالحمل.. جددت النذر ثانيًا، فقالت: يا ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾؛ أي: أوجبت على نفسي أن أجعل ما في بطني من الحمل محررًا لك، عتيقًا من أمر الدنيا لطاعتك، ومخلصًا لعبادتك وخادمًا لمن يدرس الكتاب ويعلم في بيت المقدس ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾؛ أي: خذ منى ما نذرته لك على وجه الرضا ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ لتضرعي ودعائي وندائي ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما في ضميري وقلبي ونيتي، وكان على أولادهم فرضًا أن يطيعوهم في نذرهم، فتصدقت بولدها على بيت المقدس، فلامها زوجها على ذلك؛ حيث أطلقت في نذرها، ولم تقيد بالذكر، فبقيت في حيرة وكرب إلى أن وضعت ومات زوجها
٣٦ - ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾؛ أي: ولدت المنذورة التي في بطنها ﴿قَالَتْ﴾ على وجه التحسر والاعتذار ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾؛ أي: ولدت المنذورة التي في بطني حالة كونها ﴿أُنْثَى﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما قالت هذا؛ لأنه لم يكن يُقبل في النذر إلا الذكور، قال
٣٤ - ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: اصطفى الآلين حالة كونهم ذرية بعضها، متناسلون من بعض في النسب، وقيل: بعضها من بعض من التناصر والتعاضد، وقيل: متجانسين في الدين والتقى والصلاح، فكما أن الأصول أنبياء ورسل، وكذلك الذريةَ بل في بعضها ما يفوق الأصول جميعًا كمحمد - ﷺ -. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿سَمِيعٌ﴾ لأقوال العباد ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتهم وضمائرهم وأفعالهم، وإنما يصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولًا وفعلًا، وقيل: معناه: والله سميع لمقالة اليهود: نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران، فنحن أبناء الله وأحباؤه، وعلى دينه، ولمقالة النصارى: المسيح ابن الله، عليم بعقوبتهم.
٣٥ - واذكر لهم يا محمَّد قصة ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾ حنة بنت فاقوذ، أم مريم حين شاخت، وكانت يومًا في ظل شجرة، فرأت طائرًا يطعم فرخًا له ويسقيه، فعطفت، واشتاقت للولد من أجل رؤية ذلك الطائر، فدعت ربها أن يرزقها ولدًا، ونذرت أن تهبه لبيت المقدس يخدمه، وكان ما من رجل من أشراف بيت المقدس إلا وله ولد منذور لخدمته، فاستجاب الله دعاءَها، فحملت بمريم، فلما أحسَّت بالحمل.. جددت النذر ثانيًا، فقالت: يا ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾؛ أي: أوجبت على نفسي أن أجعل ما في بطني من الحمل محررًا لك، عتيقًا من أمر الدنيا لطاعتك، ومخلصًا لعبادتك وخادمًا لمن يدرس الكتاب ويعلم في بيت المقدس ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾؛ أي: خذ منى ما نذرته لك على وجه الرضا ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ لتضرعي ودعائي وندائي ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما في ضميري وقلبي ونيتي، وكان على أولادهم فرضًا أن يطيعوهم في نذرهم، فتصدقت بولدها على بيت المقدس، فلامها زوجها على ذلك؛ حيث أطلقت في نذرها، ولم تقيد بالذكر، فبقيت في حيرة وكرب إلى أن وضعت ومات زوجها
٣٦ - ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾؛ أي: ولدت المنذورة التي في بطنها ﴿قَالَتْ﴾ على وجه التحسر والاعتذار ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾؛ أي: ولدت المنذورة التي في بطني حالة كونها ﴿أُنْثَى﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما قالت هذا؛ لأنه لم يكن يُقبل في النذر إلا الذكور، قال
276
الله تعالى تعظيمًا لولدها وتجهيلًا لها بقدر ذلك الولد: ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَعْلَمُ﴾ بقدر ﴿بِمَا وَضَعَتْ﴾؛ أي عالم بأن الذي ولدته وإن كان أنثى أحسنُ وأفضل من الذكر، وهي غافلة عن ذلك، فلذلك تحسرت، وكانت مريم أجمل نساء زمانها وأكملهن، وهذا المعنى على قراءة من قرأ بسكون التاء، وهي قراءة الجمهور، فيكون من كلام الله تعالى على جهة التعظيم لما وضعته، والتفخيم لشأنه والتجليل لها؛ حيث وقع منها التحسر والتحزن، مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آية للعالمين، وعبرة للمعتبرين، ويخصها بما لم يخص به أحدًا.
وقرأ أبو بكر شعبة وابن عامر ويعقوب: ﴿وضعتُ﴾ - بضم التاء - فيكون من جملة كلامها، ويكون متصلًا بما قبله، وفيه معنى التسليم لله، والخضوع والتنزيه له من أن يخفى عليه شيء، فإنها خافت من قولها: إني وضعتها أنثى أن يظن بذلك القول أنها تخبر الله تعالى.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما في رواية شاذة: ﴿بما وضعتِ﴾ بكسر التاء على أنه خطاب من الله تعالى لها؛ أي: إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب، وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام، وتتضافر عندها العقول من العجائب والآيات. ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾؛ أي: وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت، فإنَّ غاية ما أرادتْ من كونه ذكرًا أن يكون نذرًا خادمًا للكنيسة، وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم، وهذه الجملة معترضة بين المعطوف الذي هو قوله: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ وبين المعطوف عليه الذي هو قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾ مبيِّنة لما في الجملة الأولى - أعني قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ - من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته، وفي الكلام تقديم وتأخير، والأصل: وليس الأنثى كالذكر، والمراد منه تفضيل هذه الأنثى على الذكر، كأنها قالت: كان الذكر مطلوبي لخدمة البيت، وهذه الأنثى هي موهبة لله تعالى، وكانت مريم من أجمل النساء وأفضلهن في وقتها كما مر آنفًا، واللام في الذكر والأنثى للعهد.
هذا على قراءة الجمهور وعلى قراءة ابن عباس، وأما على قراءة أبي بكر
وقرأ أبو بكر شعبة وابن عامر ويعقوب: ﴿وضعتُ﴾ - بضم التاء - فيكون من جملة كلامها، ويكون متصلًا بما قبله، وفيه معنى التسليم لله، والخضوع والتنزيه له من أن يخفى عليه شيء، فإنها خافت من قولها: إني وضعتها أنثى أن يظن بذلك القول أنها تخبر الله تعالى.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما في رواية شاذة: ﴿بما وضعتِ﴾ بكسر التاء على أنه خطاب من الله تعالى لها؛ أي: إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب، وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام، وتتضافر عندها العقول من العجائب والآيات. ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾؛ أي: وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت، فإنَّ غاية ما أرادتْ من كونه ذكرًا أن يكون نذرًا خادمًا للكنيسة، وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم، وهذه الجملة معترضة بين المعطوف الذي هو قوله: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ وبين المعطوف عليه الذي هو قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾ مبيِّنة لما في الجملة الأولى - أعني قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ - من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته، وفي الكلام تقديم وتأخير، والأصل: وليس الأنثى كالذكر، والمراد منه تفضيل هذه الأنثى على الذكر، كأنها قالت: كان الذكر مطلوبي لخدمة البيت، وهذه الأنثى هي موهبة لله تعالى، وكانت مريم من أجمل النساء وأفضلهن في وقتها كما مر آنفًا، واللام في الذكر والأنثى للعهد.
هذا على قراءة الجمهور وعلى قراءة ابن عباس، وأما على قراءة أبي بكر
277
وابن عامر فيكون قوله: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ من جملة كلامها، ومن تمام تحسرها وتحزنها؛ أي: ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادمًا صالحًا للنذر، كالأنثى التي لا تصلح للنذر، والمراد منه: تفضيل الذكر على الأنثى؛ لأن الذكر يصلح لخدمة الكنيسة، ولا تصلح الأنثى لذلك؛ لضعفها وما يعرض لها من الحيض والنفاس؛ ولأنها عورة ولا يجوز لها الحضور مع الرجال، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت، وقوله: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ معطوف على قوله: ﴿إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ ومقصودها من هذا: الإخبار بالتسمية للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يكون فعلها مطابقًا لمعنى اسمها، فإن معنى مريم: خادم الرب بلغتهم، فهي وإن كانت غير صالحة لخدمة الكنيسة، فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات، وكأنها أرادت بهذه التسمية أن تطلب من الله تعالى أن يعصمها من آفات الدين والدنيا؛ لأن المعنى: وإني سميت هذه البنت المولودة لي عابدة الرب.
﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا﴾ أي: وإني يا إلهي أجيرها وأحفظها وأولادها بحفظك وعصمتك ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾؛ أي: من ضرر إبليس اللعين المطرود عن رحمتك، ووسوسته، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾ ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا﴾.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "ما من مولود يولد من بني آدم إلا نخسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من نخسه إياه، إلا مريم وابنها"، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إنْ شئتم: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
وروى البخاري عنه رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب ليطعن، فطعن في الحجاب".
والمراد: أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم
﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا﴾ أي: وإني يا إلهي أجيرها وأحفظها وأولادها بحفظك وعصمتك ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾؛ أي: من ضرر إبليس اللعين المطرود عن رحمتك، ووسوسته، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾ ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا﴾.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "ما من مولود يولد من بني آدم إلا نخسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من نخسه إياه، إلا مريم وابنها"، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إنْ شئتم: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
وروى البخاري عنه رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب ليطعن، فطعن في الحجاب".
والمراد: أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم
278
وابنها، فإن الله سبحانه وتعالى عصمها ببركة هذه الاستعاذة.
وفي المقام إشكال قوي لم أرَ من نبَّه عليه من المفسرين، وحاصله: أن قوله: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ﴾ معطوف على ما قبه، الواقع حيزًا لما وضعتها، فيقتضي أن طلب هذه الاستعاذة إنما وقع بعد الوضع، فلا يترتب عليه حفظ مريم من طعن الشيطان وقت نزولها وخروجها من بطن أمها، فلا يتلاقى الحديث مع الآية، بل مقتضى ظاهر الآية: أن إعاذتها من الشيطان الرجيم إنما كان بعد وضعها، وهذا لا ينافي تسلُّط الشيطان عليها بطعنها ونخسها وقت ولادتها الذي هو عادته، فإن عادته طعن المولود وقت خروجه من بطن أمه، تأمل.
قلتُ: الجواب أنه استعمل المضارع بمعنى الماضي بقرينة السياق، فكأنه قال: وإني أعذتها بك وذريتها، والله أعلم.
وفي "القرطبي": قال علماؤنا في هذا الحديث: إن الله استجاب دعاءَ أم مريم، وإن الشيطان ينخس جميع بني آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها، قال قتادة: كل مولود يطعنه الشيطان في جنبه حين يولد، غير عيسى وأمه، فإنه جعل بينهما حجاب هو المشيمة التي يكون فيها الولد، فأصابت الطعنة الحجاب، ولم ينفذ لهما منه شيء. وطعن الشيطان للأنبياء غير عيسى ليس فيه نقص لهم، ولا ينافي عصمتهم منه؛ لأنهم معصومون من وسوسته وإغوائه. والطعن من قبيل الأمراض والآلام المتعلقة بظاهر البدن، والأنبياء غير معصومين من مثل هذا، تأمل. انتهى.
٣٧ - ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾؛ أي: تقبل الله سبحانه وتعالى مريم من أمها قبولًا حسنًا، ورضي أن تكون محررة للعبادة وخدمة بيته على صغرها وأنوثتها، وكان التحرير لا يجوز إلا لغلام عاقل قادر على خدمة البيت ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾؛ أي: رباها الله سبحانه وتعالى، ونماها بما يصلح أحوالها؛ كما يربي النبات في الأرض الصالحة بعد تعهد الزراع إياه بالسقي، وقلع ما يضعفه من النبات الطفيلي، وهذه التربية تشمل التربية الروحية والجسدية، فقد نمَّى جسدَها، فكانت خير لذاتها جسمًا وقوة، كما نَمَّاها صلاحًا وعفةً وسداد رأيٍ. قيل: معنى
وفي المقام إشكال قوي لم أرَ من نبَّه عليه من المفسرين، وحاصله: أن قوله: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ﴾ معطوف على ما قبه، الواقع حيزًا لما وضعتها، فيقتضي أن طلب هذه الاستعاذة إنما وقع بعد الوضع، فلا يترتب عليه حفظ مريم من طعن الشيطان وقت نزولها وخروجها من بطن أمها، فلا يتلاقى الحديث مع الآية، بل مقتضى ظاهر الآية: أن إعاذتها من الشيطان الرجيم إنما كان بعد وضعها، وهذا لا ينافي تسلُّط الشيطان عليها بطعنها ونخسها وقت ولادتها الذي هو عادته، فإن عادته طعن المولود وقت خروجه من بطن أمه، تأمل.
قلتُ: الجواب أنه استعمل المضارع بمعنى الماضي بقرينة السياق، فكأنه قال: وإني أعذتها بك وذريتها، والله أعلم.
وفي "القرطبي": قال علماؤنا في هذا الحديث: إن الله استجاب دعاءَ أم مريم، وإن الشيطان ينخس جميع بني آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها، قال قتادة: كل مولود يطعنه الشيطان في جنبه حين يولد، غير عيسى وأمه، فإنه جعل بينهما حجاب هو المشيمة التي يكون فيها الولد، فأصابت الطعنة الحجاب، ولم ينفذ لهما منه شيء. وطعن الشيطان للأنبياء غير عيسى ليس فيه نقص لهم، ولا ينافي عصمتهم منه؛ لأنهم معصومون من وسوسته وإغوائه. والطعن من قبيل الأمراض والآلام المتعلقة بظاهر البدن، والأنبياء غير معصومين من مثل هذا، تأمل. انتهى.
٣٧ - ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾؛ أي: تقبل الله سبحانه وتعالى مريم من أمها قبولًا حسنًا، ورضي أن تكون محررة للعبادة وخدمة بيته على صغرها وأنوثتها، وكان التحرير لا يجوز إلا لغلام عاقل قادر على خدمة البيت ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾؛ أي: رباها الله سبحانه وتعالى، ونماها بما يصلح أحوالها؛ كما يربي النبات في الأرض الصالحة بعد تعهد الزراع إياه بالسقي، وقلع ما يضعفه من النبات الطفيلي، وهذه التربية تشمل التربية الروحية والجسدية، فقد نمَّى جسدَها، فكانت خير لذاتها جسمًا وقوة، كما نَمَّاها صلاحًا وعفةً وسداد رأيٍ. قيل: معنى
279
أنبتها نباتًا حسنًا؛ أي: جعل ثمرتها مثل عيسى، وقيل: القبول الحسن: تربيتها على نعت العِصْمة حتى قالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾، والنبات الحسن: الاستقامة على الطاعة وإيثار رضا الله في جميع الأوقات.
﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾؛ أي: جعل الله سبحانه وتعالى زكريا مربيًا لها، وضامنًا لمصالحها، وقائمًا بشؤونها؛ أي: كَفَّلها، لا بالوحي، بل بمقتضى القرعة، كما ذكره أبو السعود. قال أهل الأخبار: أن حنة حين وضعت مريم لفتها في خرقة، وحملتها إلى المسجد، ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون، وهم يلون يومئذٍ من بيت المقدس ما تلى الحجبة من الكعبة، وقالت: خذوا هذه النذيرة، فتنافسوا فيها؛ لأنها كانت بنت إمامهم الأعظم في العلم والصلاح، فقال زكريا: أنا أحق بها؛ لأن خالتها عندي، فقالت الأحبار: لا تقل ذلك، فإنها لو تركت لأحق الناس بها.. لتركت لأمها التي ولدتها، ولكنا نقترع عليها، فانطلقوا، وكانوا تسعة وعشرين إلى نهر جار في حلب يقال له: قرمق، فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون التوراة بها على أن كل من ارتفع قلمه فوق الماء، وثبت، فهو أولى بها من غيره، وعلى كل قلم اسم صاحبه، ثم ألقوا أقلامهم ثلاث مرات، ففي كل مرة يرتفع قلم زكريا فوق الماء، وترسب أقلامهم، فأخذها زكريا، ولما أخذها.. بنى لها غرفة في المسجد، وجعل بابها في وسطا لا يرقى إليه إلا بالسلم، ولا يصعد إليها غيره، وكان إذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها.
وقرأ الكوفيون (١): ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ - بتشديد الفاء - على إسناد الفعل إلى الله تعالى. وباقي السبعة ﴿وكفَلها﴾ بتخفيفها على إسناد الفعل إلى زكريا بمعنى: ضمها إليه، وقرأ أُبي: ﴿وأكفلها﴾ وهو بمعنى التشديد، وقرأ عبد الله المزني شذوذًا: ﴿وكفِلها﴾ بالتخفيف وكسر الفاء، وهي لغة، يقال: كفل يكفل كنصر ينصر، وكفل يكفل كعلم يعلم، والفعل مسند إلى زكريا، ففيه أربع قراءات ثنتان
﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾؛ أي: جعل الله سبحانه وتعالى زكريا مربيًا لها، وضامنًا لمصالحها، وقائمًا بشؤونها؛ أي: كَفَّلها، لا بالوحي، بل بمقتضى القرعة، كما ذكره أبو السعود. قال أهل الأخبار: أن حنة حين وضعت مريم لفتها في خرقة، وحملتها إلى المسجد، ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون، وهم يلون يومئذٍ من بيت المقدس ما تلى الحجبة من الكعبة، وقالت: خذوا هذه النذيرة، فتنافسوا فيها؛ لأنها كانت بنت إمامهم الأعظم في العلم والصلاح، فقال زكريا: أنا أحق بها؛ لأن خالتها عندي، فقالت الأحبار: لا تقل ذلك، فإنها لو تركت لأحق الناس بها.. لتركت لأمها التي ولدتها، ولكنا نقترع عليها، فانطلقوا، وكانوا تسعة وعشرين إلى نهر جار في حلب يقال له: قرمق، فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون التوراة بها على أن كل من ارتفع قلمه فوق الماء، وثبت، فهو أولى بها من غيره، وعلى كل قلم اسم صاحبه، ثم ألقوا أقلامهم ثلاث مرات، ففي كل مرة يرتفع قلم زكريا فوق الماء، وترسب أقلامهم، فأخذها زكريا، ولما أخذها.. بنى لها غرفة في المسجد، وجعل بابها في وسطا لا يرقى إليه إلا بالسلم، ولا يصعد إليها غيره، وكان إذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها.
وقرأ الكوفيون (١): ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ - بتشديد الفاء - على إسناد الفعل إلى الله تعالى. وباقي السبعة ﴿وكفَلها﴾ بتخفيفها على إسناد الفعل إلى زكريا بمعنى: ضمها إليه، وقرأ أُبي: ﴿وأكفلها﴾ وهو بمعنى التشديد، وقرأ عبد الله المزني شذوذًا: ﴿وكفِلها﴾ بالتخفيف وكسر الفاء، وهي لغة، يقال: كفل يكفل كنصر ينصر، وكفل يكفل كعلم يعلم، والفعل مسند إلى زكريا، ففيه أربع قراءات ثنتان
(١) البحر المحيط.
280
منها سبعية.
وقرأ مجاهد (١): ﴿فتقبلْها﴾ بإسكان اللام على صيغة الأمر والدعاء، ونصب ﴿ربَّها﴾ على أنَّه منادى مضاف، وقرأ أيضًا: ﴿وأنبتْها﴾ بإسكان التاء، ﴿وكفِّلْها﴾ بتشديد الفاء المكسورة، وإسكان اللام، ونصب ﴿زكرياء﴾ مع المد وذلك كله شذوذًا. وقرأ حفص وحمزة والكسائي: ﴿زَكَرِيَّا﴾ بغير مدِّ، ومده الباقون مع الهمز هكذا ﴿زكرياء﴾.
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾ وهو من ذرية سليمان بن داود؛ أي: في أي وقت دخل عليها زكريا المحراب والغرفة التي بنى لها في المسجد ﴿وَجَدَ عَندَهَا﴾؛ أي: رأى عند مريم ﴿رِزْقًا﴾؛ أي: نوعًا من أنواع الطعام غير الذي رآه في المرة الأولى، أو فاكهة في غير وقتها المعتاد. روي أنه كان لا يدخل عليها غيره، وإذا خرج.. أغلق عليها سبعة أبواب، فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف؛ مثل القصب، وفاكهة الصيف في الشتاء؛ مثل العنب، ولم ترضع ثديًا قط، بل يأتيها رزقها من الجنة.
وليس لدينا مستند صحيح من كتاب أو سنة يؤيد هذه الروايات الإسرائيلية.
﴿قَالَ﴾ زكريا ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ الرزق؛ أي: من أين لك هذا الرزق الآتي في غير حينه، الذي لا يشبه أرزاق الدنيا والأبواب مغلقة عليك؟ ﴿قَالَتْ﴾ مريم ﴿هُوَ﴾؛ أي: هذا الرزق ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى الذي يرزق الناس جميعًا، أتاني به جبريل من الجنة ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: بغير تقدير لكثرته، أو من غير استحقاف تفضلًا منه، أو من غير مسألة في حينه وفي غير حينه، وهذا يحتمل أن يكون من تمام كلام مريم، أو ابتداء كلام من الله عز وجلّ: فلما رأى زكريا ما أوتيت مريم من فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف.. قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير وقتها وحينها من غير سبب لقادرٌ على أن يصلح زوجي، ويهب
وقرأ مجاهد (١): ﴿فتقبلْها﴾ بإسكان اللام على صيغة الأمر والدعاء، ونصب ﴿ربَّها﴾ على أنَّه منادى مضاف، وقرأ أيضًا: ﴿وأنبتْها﴾ بإسكان التاء، ﴿وكفِّلْها﴾ بتشديد الفاء المكسورة، وإسكان اللام، ونصب ﴿زكرياء﴾ مع المد وذلك كله شذوذًا. وقرأ حفص وحمزة والكسائي: ﴿زَكَرِيَّا﴾ بغير مدِّ، ومده الباقون مع الهمز هكذا ﴿زكرياء﴾.
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾ وهو من ذرية سليمان بن داود؛ أي: في أي وقت دخل عليها زكريا المحراب والغرفة التي بنى لها في المسجد ﴿وَجَدَ عَندَهَا﴾؛ أي: رأى عند مريم ﴿رِزْقًا﴾؛ أي: نوعًا من أنواع الطعام غير الذي رآه في المرة الأولى، أو فاكهة في غير وقتها المعتاد. روي أنه كان لا يدخل عليها غيره، وإذا خرج.. أغلق عليها سبعة أبواب، فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف؛ مثل القصب، وفاكهة الصيف في الشتاء؛ مثل العنب، ولم ترضع ثديًا قط، بل يأتيها رزقها من الجنة.
وليس لدينا مستند صحيح من كتاب أو سنة يؤيد هذه الروايات الإسرائيلية.
﴿قَالَ﴾ زكريا ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ الرزق؛ أي: من أين لك هذا الرزق الآتي في غير حينه، الذي لا يشبه أرزاق الدنيا والأبواب مغلقة عليك؟ ﴿قَالَتْ﴾ مريم ﴿هُوَ﴾؛ أي: هذا الرزق ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى الذي يرزق الناس جميعًا، أتاني به جبريل من الجنة ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: بغير تقدير لكثرته، أو من غير استحقاف تفضلًا منه، أو من غير مسألة في حينه وفي غير حينه، وهذا يحتمل أن يكون من تمام كلام مريم، أو ابتداء كلام من الله عز وجلّ: فلما رأى زكريا ما أوتيت مريم من فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف.. قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير وقتها وحينها من غير سبب لقادرٌ على أن يصلح زوجي، ويهب
(١) الشوكاني.
281
لي ولدًا في غير حينه مع الكبر، وطمع في الولد، وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا، وكان زكريا قد كبر وشاخ، وأيس من الولد، فذلك قوله عزّ وجلّ:
٣٨ - ﴿هُنَالِكَ﴾؛ أي: في ذلك المكان الذي كان قاعدًا فيه عند مريم، وشاهد تلك الكرامات، أو في ذلك الوقت الذي رأى فيه خوارق العادات عندها ﴿دَعَا﴾ وسأل ﴿زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾، سبحانه وتعالى جوف الليل و ﴿قَالَ﴾ في مناجاته يا ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ﴾؛ أي: أعطني من عندك وبمحض قدرتك من غير سبب معتاد ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾؛ أي: ولدًا مباركًا تقيًّا صالحًا رضيًّا، كما وهبت لحنة العجوز العاقر مريم، وكان شيخًا كبيرًا، وامرأته عجوزًا عاقرًا، فإنه لما رأى حسن حال مريم ومعرفتها باللهِ.. تمنى أن يكون له ولد صالح مثلها هبة وفضلًا من عنده، فرؤية الأولاد النجباء مما تشوق نفوس الناظرين إليهم، وتجعلهم يتمنون أن يكون لهم مثلهم، والذرية تطلق على الواحد والجمع، والذكر والأنثى، والمراد بها هنا: الواحد، وإنما قال: ﴿طَيِّبَةً﴾ لتأنيث لفظ الذرية ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، سماع قبول؛ أي: سامع دعاء من دعاه ومجيبه، وهذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط؛ لأن فضل بعض الأقارب يدل على فضل الآخر، وهو حكمة قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، فأجاب الله سبحانه وتعالى دعاءَه، وبعث إليه الملائكة مبشرين له
٣٩ - ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)﴾ [آل عمران: ٣٩] ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾؛ أي: نادى زكريا جبريل، كما قال به جمهور من المفسرين؛ كابن جرير عن السدي، وإنما أخبر عنه بلفظ الجمع تعظيمًا لشأنه، ولأنه رئيس الملائكة، وقلَّ أن يبعث إلا ومعه جمع من الملائكة، أو نادته جماعة من الملائكة؛ كما يروى عن ابن جرير مع جماعة آخرين، إذ لا ضرورة تدعو إلى التأويل، وبهذا القول قال قتادة وعكرمة ومجاهد، قيل: نادته بعد مضي أربعين سنة من دعوته.
وقرأ حمزة والكسائي: ﴿فناداه﴾ بالإمالة والتذكير، وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود، وقرأ الباقون: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾. ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: والحال أن زكريا ﴿قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾؛ أي: قائم في الموضع العالي الشريف من المسجد مصليًّا، والمحراب موقف الإِمام من المسجد، والظاهر أن المحراب هو
٣٨ - ﴿هُنَالِكَ﴾؛ أي: في ذلك المكان الذي كان قاعدًا فيه عند مريم، وشاهد تلك الكرامات، أو في ذلك الوقت الذي رأى فيه خوارق العادات عندها ﴿دَعَا﴾ وسأل ﴿زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾، سبحانه وتعالى جوف الليل و ﴿قَالَ﴾ في مناجاته يا ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ﴾؛ أي: أعطني من عندك وبمحض قدرتك من غير سبب معتاد ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾؛ أي: ولدًا مباركًا تقيًّا صالحًا رضيًّا، كما وهبت لحنة العجوز العاقر مريم، وكان شيخًا كبيرًا، وامرأته عجوزًا عاقرًا، فإنه لما رأى حسن حال مريم ومعرفتها باللهِ.. تمنى أن يكون له ولد صالح مثلها هبة وفضلًا من عنده، فرؤية الأولاد النجباء مما تشوق نفوس الناظرين إليهم، وتجعلهم يتمنون أن يكون لهم مثلهم، والذرية تطلق على الواحد والجمع، والذكر والأنثى، والمراد بها هنا: الواحد، وإنما قال: ﴿طَيِّبَةً﴾ لتأنيث لفظ الذرية ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، سماع قبول؛ أي: سامع دعاء من دعاه ومجيبه، وهذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط؛ لأن فضل بعض الأقارب يدل على فضل الآخر، وهو حكمة قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، فأجاب الله سبحانه وتعالى دعاءَه، وبعث إليه الملائكة مبشرين له
٣٩ - ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)﴾ [آل عمران: ٣٩] ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾؛ أي: نادى زكريا جبريل، كما قال به جمهور من المفسرين؛ كابن جرير عن السدي، وإنما أخبر عنه بلفظ الجمع تعظيمًا لشأنه، ولأنه رئيس الملائكة، وقلَّ أن يبعث إلا ومعه جمع من الملائكة، أو نادته جماعة من الملائكة؛ كما يروى عن ابن جرير مع جماعة آخرين، إذ لا ضرورة تدعو إلى التأويل، وبهذا القول قال قتادة وعكرمة ومجاهد، قيل: نادته بعد مضي أربعين سنة من دعوته.
وقرأ حمزة والكسائي: ﴿فناداه﴾ بالإمالة والتذكير، وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود، وقرأ الباقون: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾. ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: والحال أن زكريا ﴿قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾؛ أي: قائم في الموضع العالي الشريف من المسجد مصليًّا، والمحراب موقف الإِمام من المسجد، والظاهر أن المحراب هو
282
المحراب المذكور في قوله: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾، وهذا يدل على مشروعية الصلاة في شريعتهم، وقيل: المراد بالصلاة هنا: الدعاء، وفيه أيضًا دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات، وفيه إجابة الدعوات وقضاء الحاجات، وقال ابن عطاء: ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر، وإخلاص الطاعات، ولزوم المحاريب. ﴿أنَّ اللَّهَ﴾ تعالى ﴿يُبَشِّرُكِ﴾ بولادة ولد يسمى ﴿بِيَحْيَى﴾ منك ومن امرأتك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تَسمَّى يحيى؛ لأن الله أحيا به عقر أمه، وقيل: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان، وقيل: لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يهتم بمعصية قط. روي أنه مر وهو طفل بصبيان يلعبون، فدعوه إلى اللعب، فقال: ما للعب خُلقت.
وقرأ ابن عامر وحمزة: ﴿إنَّ﴾ بكسر الهمزة على تأويل النداء بالقول، وقرأ الباقون: ﴿أن﴾ بفتح الهمزة على تقدير: بأن، وقرأ الجمهور: ﴿يُبَشِركَ﴾ بالتشديد وقرأ حمزة والكسائي ﴿يَبْشُرك﴾، وفي "المختار": بَشَره بالتخفيف من البشرى، وبابه نصر ودخل. وقرأ حميد بن قيس المكي شذوذًا: ﴿يُبشِرك﴾ بكسر الشين مع ضم حرف المضارعة، قال الأخفش: هي ثلاثة لغات بمعنى واحد، وقرأ عبد الله بن مسعود في رواية شاذة: ﴿يا زكريا إن الله﴾.
حالة كون يحيى ﴿مُصَدِّقًا﴾ ومؤمنا بعيسى ابن مريم المخلوق بلا واسطة أب، بل ﴿بِكَلِمَةٍ﴾ كن الواقعة ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى، لا بالسنة العامة في توالد البشر، وهي أن يكون الولد من أب وأم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن يحيى كان أكبر سنًّا من عيسى بستة أشهر، وقيل: بثلاث سنين، وكان يحيى أول من آمن وصدق بأنه كلمة لله، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى بمدة يسيرة. ﴿و﴾ حالة كون يحيى ﴿سيدًا﴾؛ أي: رئيسًا يسود ويفوق قومه، والناس جميعًا في الشرف والصلاح وعمل الخير، وفي العلم والحلم والورع، وقال ابن عباس: أي: حليمًا عن الجهل. وقال مجاهد: كريمًا على الله ﴿و﴾ حالة كونه ﴿حصورًا﴾؛ أي: مانعًا نفسه من النساء للعفة والزهد، لا للعجز عنها ﴿و﴾ حالة كونه ﴿نبيًّا﴾ مرسلًا يوحى إليه إذا هو بلغ سن النبوة، وحالة كونه ناشئًا ﴿مِّنَ﴾
وقرأ ابن عامر وحمزة: ﴿إنَّ﴾ بكسر الهمزة على تأويل النداء بالقول، وقرأ الباقون: ﴿أن﴾ بفتح الهمزة على تقدير: بأن، وقرأ الجمهور: ﴿يُبَشِركَ﴾ بالتشديد وقرأ حمزة والكسائي ﴿يَبْشُرك﴾، وفي "المختار": بَشَره بالتخفيف من البشرى، وبابه نصر ودخل. وقرأ حميد بن قيس المكي شذوذًا: ﴿يُبشِرك﴾ بكسر الشين مع ضم حرف المضارعة، قال الأخفش: هي ثلاثة لغات بمعنى واحد، وقرأ عبد الله بن مسعود في رواية شاذة: ﴿يا زكريا إن الله﴾.
حالة كون يحيى ﴿مُصَدِّقًا﴾ ومؤمنا بعيسى ابن مريم المخلوق بلا واسطة أب، بل ﴿بِكَلِمَةٍ﴾ كن الواقعة ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى، لا بالسنة العامة في توالد البشر، وهي أن يكون الولد من أب وأم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن يحيى كان أكبر سنًّا من عيسى بستة أشهر، وقيل: بثلاث سنين، وكان يحيى أول من آمن وصدق بأنه كلمة لله، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى بمدة يسيرة. ﴿و﴾ حالة كون يحيى ﴿سيدًا﴾؛ أي: رئيسًا يسود ويفوق قومه، والناس جميعًا في الشرف والصلاح وعمل الخير، وفي العلم والحلم والورع، وقال ابن عباس: أي: حليمًا عن الجهل. وقال مجاهد: كريمًا على الله ﴿و﴾ حالة كونه ﴿حصورًا﴾؛ أي: مانعًا نفسه من النساء للعفة والزهد، لا للعجز عنها ﴿و﴾ حالة كونه ﴿نبيًّا﴾ مرسلًا يوحى إليه إذا هو بلغ سن النبوة، وحالة كونه ناشئًا ﴿مِّنَ﴾
283
أصلاب القوم ﴿الصَّالِحِينَ﴾ والمرسلين؛ لكونه من نسل الأنبياء أو كائنًا من جملة الصالحين، ولا غرو أنه من جملة الصالحين، وأنه من أصلاب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
٤٠ - ﴿قَالَ﴾ زكريا لجبريل حين بشره بالولد ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾؛ أي: يا سيدي: على أي حال يكون لي ذلك الغلام أتردني وامرأتي إلى حال الشباب أم مع حال الكبر؟ ﴿قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾؛ أي: أدركني كبر السن ﴿امْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾؛ أي: عقيم لا تلد. قال ابن عباس: كان زكريا يوم بشر بالولد ابن مئة وعشرين سنة، وكانت امرأته أيشاع بنت فاقوذ بنت ثمان وتسعين سنة.
والظاهر (١): أن هذا الخطاب منه لله سبحانه، وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملد، وذلك لمزيد التضرع والجد في طلب الجواب عن سؤاله، وقيل: إنه أراد بالرب جبريل؛ أي: يا سيدي كما فسرنا، كذلك قيل: وفي معنى هذا الاستفهام وجهان:
أحدهما: أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من غيرها؟
والثاني: قيل: معناه بأي سبب استوجب هذا، وأنا وامرأتي على هذه الحال؟ وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظامًا لقدرة الله سبحانه وتعالى، لا لمحض الاستبعاد، وقيل: إنه قد مرَّ بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة، وقيل: عشرون سنة، فكان الاستبعاد من هذه الحيثية. والله أعلم
وفي "المراغي" (٢): أن زكريا لما رأى ما رأى من نعم الله على مريم، من كمال إيمانها، وحسن حالها، واعتقادها أن المسخر لها والرازق لما عندها هو من يرزق من يشاء بغير حساب.. أخذ عن نفسه، وغاب عن حسه، وانصرف عن العالم وما فيه، واستفرق قلبه في ملاحظة فضل الله ورحمته، فنطق بهذا الدعاء
٤٠ - ﴿قَالَ﴾ زكريا لجبريل حين بشره بالولد ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾؛ أي: يا سيدي: على أي حال يكون لي ذلك الغلام أتردني وامرأتي إلى حال الشباب أم مع حال الكبر؟ ﴿قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾؛ أي: أدركني كبر السن ﴿امْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾؛ أي: عقيم لا تلد. قال ابن عباس: كان زكريا يوم بشر بالولد ابن مئة وعشرين سنة، وكانت امرأته أيشاع بنت فاقوذ بنت ثمان وتسعين سنة.
والظاهر (١): أن هذا الخطاب منه لله سبحانه، وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملد، وذلك لمزيد التضرع والجد في طلب الجواب عن سؤاله، وقيل: إنه أراد بالرب جبريل؛ أي: يا سيدي كما فسرنا، كذلك قيل: وفي معنى هذا الاستفهام وجهان:
أحدهما: أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من غيرها؟
والثاني: قيل: معناه بأي سبب استوجب هذا، وأنا وامرأتي على هذه الحال؟ وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظامًا لقدرة الله سبحانه وتعالى، لا لمحض الاستبعاد، وقيل: إنه قد مرَّ بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة، وقيل: عشرون سنة، فكان الاستبعاد من هذه الحيثية. والله أعلم
وفي "المراغي" (٢): أن زكريا لما رأى ما رأى من نعم الله على مريم، من كمال إيمانها، وحسن حالها، واعتقادها أن المسخر لها والرازق لما عندها هو من يرزق من يشاء بغير حساب.. أخذ عن نفسه، وغاب عن حسه، وانصرف عن العالم وما فيه، واستفرق قلبه في ملاحظة فضل الله ورحمته، فنطق بهذا الدعاء
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
في حال غيبته، وإنما يكون الدعاء مستجابًا إذا جرى به اللسان بتلقين القلب حال استغراقه في الشعور بكمال الرب.
ولما عاد من سفره في عالم الوحدة إلى عالم الأسباب ومقام التفرقة، وقد أوذن بسماع ندائه، واستجابة دعائه.. سأل ربه عن كيفية تلك الاستجابة، وهي على غير السنة الكونية، فأجابه بقوله:
﴿قَالَ﴾ جبريل ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: الأمر كما قلت لك من خلق ولد منكما، وأنتما على حالكما من الكبر. ﴿اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ من الأفاعيل الخارقة للعادة، فمتى شاء أمرًا.. أوجد له سببه، أو خلقه بغير الأسباب المعروفة، فلا يحول دون مشيئته شيء، ففوض الأمر إليه، ولا تسأل عن الكيفية، فلا سبيل لك إلى الوصول بمعرفتها، وإنما قال في حق زكريا: ﴿يَفعَلُ﴾، وفي حق مريم: ﴿يخلق﴾ مع اشتراكهما في بشارتهما بولد؛ لأن استبعاد زكريا لم يكن لأمر خارق، بل نادر بعيد، فحسن التعبير بـ ﴿يَفعَلُ﴾، واستبعاد مريم لأمر خارق، أي: لأغربيته؛ لأنه اختراع بلا مادة؛ أي: من غير إحالة على سبب ظاهر، فكان ذكر الخلق أنسب.
٤١ - ﴿قَالَ﴾ زكريا ﴿رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾؛ أي: علامة في حبل امرأتي ﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿ءَايَتُكَ﴾؛ أي: علامتك في حبل امرأتك ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾؛ أي: أن لا تقدر على تكليم الناس من غير خرسٍ، لا على غيره من الأذكار وقرأ ابن أبي عبلة؛ ﴿أن﴾ لا تكلمُ برفع الميم على أنَّ: ﴿أن﴾ هي المخففة من الثقيلة. ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ متوالية بلياليها ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾؛ أي؛ إلا إيماءً وإشارة بالشفتين والحاجبين والعينين واليدين. وقرأ علقمة بن قيس ويحيى بن وثاب شذوذًا: (رُمُزًا) - بضم الراء واليم -، وخُرِّج على أنه جمع: رموز؛ كرسل ورسول وعلى أنه مصدر كرمز جاء على فُعْل، وأتبعت العين الفاء؛ كاليسر والعسر. وقرأ الأعمش شذوذًا أيضًا: (رمزًا) بفتح الراء واليم، وخُرِّج على أنه جمع رامزٍ كخادم وخدم وانتصابه إذا كان جمعًا على الحال من الفاعل، وهو الضمير في ﴿تكلم﴾، أو من المفعول، وهو: ﴿الناس﴾؛ أي: مسترًا مزينًا؛ كما يكلم الأخرس الناس ويكلمونه، ووجه جعل حبس لسانه عن كلام الناس تلك
ولما عاد من سفره في عالم الوحدة إلى عالم الأسباب ومقام التفرقة، وقد أوذن بسماع ندائه، واستجابة دعائه.. سأل ربه عن كيفية تلك الاستجابة، وهي على غير السنة الكونية، فأجابه بقوله:
﴿قَالَ﴾ جبريل ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: الأمر كما قلت لك من خلق ولد منكما، وأنتما على حالكما من الكبر. ﴿اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ من الأفاعيل الخارقة للعادة، فمتى شاء أمرًا.. أوجد له سببه، أو خلقه بغير الأسباب المعروفة، فلا يحول دون مشيئته شيء، ففوض الأمر إليه، ولا تسأل عن الكيفية، فلا سبيل لك إلى الوصول بمعرفتها، وإنما قال في حق زكريا: ﴿يَفعَلُ﴾، وفي حق مريم: ﴿يخلق﴾ مع اشتراكهما في بشارتهما بولد؛ لأن استبعاد زكريا لم يكن لأمر خارق، بل نادر بعيد، فحسن التعبير بـ ﴿يَفعَلُ﴾، واستبعاد مريم لأمر خارق، أي: لأغربيته؛ لأنه اختراع بلا مادة؛ أي: من غير إحالة على سبب ظاهر، فكان ذكر الخلق أنسب.
٤١ - ﴿قَالَ﴾ زكريا ﴿رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾؛ أي: علامة في حبل امرأتي ﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿ءَايَتُكَ﴾؛ أي: علامتك في حبل امرأتك ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾؛ أي: أن لا تقدر على تكليم الناس من غير خرسٍ، لا على غيره من الأذكار وقرأ ابن أبي عبلة؛ ﴿أن﴾ لا تكلمُ برفع الميم على أنَّ: ﴿أن﴾ هي المخففة من الثقيلة. ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ متوالية بلياليها ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾؛ أي؛ إلا إيماءً وإشارة بالشفتين والحاجبين والعينين واليدين. وقرأ علقمة بن قيس ويحيى بن وثاب شذوذًا: (رُمُزًا) - بضم الراء واليم -، وخُرِّج على أنه جمع: رموز؛ كرسل ورسول وعلى أنه مصدر كرمز جاء على فُعْل، وأتبعت العين الفاء؛ كاليسر والعسر. وقرأ الأعمش شذوذًا أيضًا: (رمزًا) بفتح الراء واليم، وخُرِّج على أنه جمع رامزٍ كخادم وخدم وانتصابه إذا كان جمعًا على الحال من الفاعل، وهو الضمير في ﴿تكلم﴾، أو من المفعول، وهو: ﴿الناس﴾؛ أي: مسترًا مزينًا؛ كما يكلم الأخرس الناس ويكلمونه، ووجه جعل حبس لسانه عن كلام الناس تلك
285
المدة آيةً له لتخلصَ تلك الأيام لذكر الله تعالى شكرًا على ما أنعم به عليه؛ قضاء لحق الشكر؛ كما قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾ باللسان والقلب في مدة الحبسة عن كلام الدنيا مع الخلق شكرًا لله تعالى على هذه النعمة ﴿كَثِيرًا﴾؛ أي: ذكرًا كثيرًا على كل حال ﴿وَسَبِّحْ﴾ أي: صلِّ ﴿بِالْعَشِيِّ﴾؛ أي: آخر النهار ﴿وَالْإِبْكَارِ﴾؛ أي: أوله؛ أي: صلِّ عشيًّا وبكرة كما كنت تصلي. والعشي هو من زوال الشمس إلى الغروب، وقيل: من العصر إلى نصف الليل. والإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى. وقريء شاذًا: (والأبكار) - بفتح الهمزة - جمع: بَكَر بفتح الفاء والعين، والعامة على الإبكار بالكسر اسم مفرد، وخص هذين الوقتين لفرضية الصلاة عليه فيهما، وقيل: المراد بالتسبيح التنزيه له تعالى بالصيغة المعروفة، فعَطْفه على ما قبله من عطف الخاص على العام.
الإعراب
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها. ﴿اصْطَفَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة. ﴿آدمَ﴾: مفعول به. ﴿وَنُوحًا﴾: معطوف عليه، وصرِّف مع كونه أعجميًّا؛ لخفته بسكون الوسط. ﴿وَءَالَ﴾: معطوف على ﴿آدَمَ﴾ ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. ﴿وَءَالَ﴾: معطوف أيضًا ﴿عِمْرَانَ﴾: مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون. ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اصْطَفَى﴾.
﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
﴿ذُرِّيَّةً﴾: منصوب على البدلية من نوحٍ وما عطف عليه، كما قاله أبو البقاء، أو بدل من الآلين، كما قاله الزمخشري، أو منصوب على الحال منهم أيضًا، والعامل فيها ﴿اصْطَفَى﴾ تقديره: حال كونهم متشعبًا. ﴿بَعْضُهَا﴾: مبتدأ ومضاف إليه. ﴿مِنْ بَعْضٍ﴾: جار ومجرور خبر، والجملة في محل النصب صفة
الإعراب
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها. ﴿اصْطَفَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة. ﴿آدمَ﴾: مفعول به. ﴿وَنُوحًا﴾: معطوف عليه، وصرِّف مع كونه أعجميًّا؛ لخفته بسكون الوسط. ﴿وَءَالَ﴾: معطوف على ﴿آدَمَ﴾ ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. ﴿وَءَالَ﴾: معطوف أيضًا ﴿عِمْرَانَ﴾: مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون. ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اصْطَفَى﴾.
﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
﴿ذُرِّيَّةً﴾: منصوب على البدلية من نوحٍ وما عطف عليه، كما قاله أبو البقاء، أو بدل من الآلين، كما قاله الزمخشري، أو منصوب على الحال منهم أيضًا، والعامل فيها ﴿اصْطَفَى﴾ تقديره: حال كونهم متشعبًا. ﴿بَعْضُهَا﴾: مبتدأ ومضاف إليه. ﴿مِنْ بَعْضٍ﴾: جار ومجرور خبر، والجملة في محل النصب صفة
286
لـ ﴿ذُرِّيَّةً﴾، ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾: مبتدأ وخبر ﴿عَلِيمٌ﴾: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة.
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: اذكر يا محمَّد لأمتك قصة إذ. ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي﴾: إلى آخر الآية: مقول محكي لـ ﴿قَالَتِ﴾، وإنْ شئت قلتَ ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف حذف حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب جزء المقول. ﴿إِنِّي﴾ إنَّ: حرف نصب وتوكيد، وياء المتكلم في محل النصب اسمها. ﴿نَذَرْتُ﴾: فعل وفاعل ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿نَذَرْتُ﴾ ﴿فِي بَطْنِي﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها. ﴿مُحَرَّرًا﴾: حال من ﴿مَا﴾، والعامل فيه ﴿نَذَرْتُ﴾، أو مفعول ثانٍ لـ (نذر) إن جعلناه بمعنى: جعلت، وجملة ﴿نَذَرْتُ﴾ من الفعل والفاعل في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول القول، ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾: الفاء عاطفة ﴿تقبل﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الرب ﴿مِنِّي﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إن﴾ على كونها مقول القول، ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، والكاف اسمها ﴿أَنتَ﴾: ضمير فصل أو مؤكد للضمير المنصوب ﴿السَّمِيعُ﴾: خبر أول لـ ﴿إنْ﴾، ﴿الْعَلِيمُ﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة في محل النصب مقول القول.
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)﴾.
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ﴾: الفاء عاطفة على محذوف تقديره: ووضعتها جارية ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم ﴿وضع﴾: فعل ماضٍ، التاء علامة تأنيث الفاعل، وفاعله ضمير يعود على المرأة، والهاء مفعول به عائد على ﴿مَا فِي بَطْنِي﴾؛ لأنه بمعنى الجارية، ﴿قَالَتِ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: اذكر يا محمَّد لأمتك قصة إذ. ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي﴾: إلى آخر الآية: مقول محكي لـ ﴿قَالَتِ﴾، وإنْ شئت قلتَ ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف حذف حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب جزء المقول. ﴿إِنِّي﴾ إنَّ: حرف نصب وتوكيد، وياء المتكلم في محل النصب اسمها. ﴿نَذَرْتُ﴾: فعل وفاعل ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿نَذَرْتُ﴾ ﴿فِي بَطْنِي﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها. ﴿مُحَرَّرًا﴾: حال من ﴿مَا﴾، والعامل فيه ﴿نَذَرْتُ﴾، أو مفعول ثانٍ لـ (نذر) إن جعلناه بمعنى: جعلت، وجملة ﴿نَذَرْتُ﴾ من الفعل والفاعل في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول القول، ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾: الفاء عاطفة ﴿تقبل﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الرب ﴿مِنِّي﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إن﴾ على كونها مقول القول، ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، والكاف اسمها ﴿أَنتَ﴾: ضمير فصل أو مؤكد للضمير المنصوب ﴿السَّمِيعُ﴾: خبر أول لـ ﴿إنْ﴾، ﴿الْعَلِيمُ﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة في محل النصب مقول القول.
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)﴾.
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ﴾: الفاء عاطفة على محذوف تقديره: ووضعتها جارية ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم ﴿وضع﴾: فعل ماضٍ، التاء علامة تأنيث الفاعل، وفاعله ضمير يعود على المرأة، والهاء مفعول به عائد على ﴿مَا فِي بَطْنِي﴾؛ لأنه بمعنى الجارية، ﴿قَالَتِ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على
287
المرأة، وجملة ﴿قَالَتْ﴾ جواب ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة (لما) من فعل شرطها وجوابها معطوفة على الجملة المحذوفة. وقوله: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَتْ﴾، وإن شئتَ قلت: ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب جزء المقول ﴿إنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب وتوكيد، وياء المتكلم اسمها. ﴿وَضَعَتْهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿أُنْثَى﴾: حال من الهاء مؤكدة؛ لأن كونها أنثى مفهوم من تأنيث الضمير، فجاءت أنثى مؤكدة، أو بدل منها، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة (إنّ) في محل النصب مقول القول. ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة معترضة لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه، ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾: ﴿وَضَعَتْ﴾ فعل ماضٍ والتاء علامة التأنيث، وفاعله ضمير يعود على أم مريم، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما وضعته. ﴿وَلَيْسَ﴾: الواو عاطفة (ليس): فعل ماضٍ ناقص. ﴿الذَّكَرُ﴾: اسمها. ﴿كَالْأُنْثَى﴾: جار ومجرور خبر (ليس)، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾ على كونها معترضة إن قلنا: إنها من كلام الله تعالى، ويحتمل أنها من كلامها، فتكون حينئذٍ من مقول القول. ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إنَّ﴾: حر نصب والياء اسمها. ﴿سَمَّيْتُهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿مَرْيَمَ﴾: مفعول ثانٍ، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إني وضعتها﴾ على كونها مقول القول ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا﴾: الواو عاطفة ﴿إن﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿أعيذ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على أم مريم، والهاء مفعول به. ﴿بِكَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أعيذ﴾ ﴿وَذُريتَهَا﴾: معطوف على ضمير المفعول، والهاء مضاف إليه ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أعيذ﴾ ﴿الرَّجِيمِ﴾: صفة الشيطان، وجملة ﴿أُعَيذُهَا﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب معطوفة على جملة قوله: إني وضعتها على كونها مقول القول.
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾.
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾.
288
﴿فَتَقَبَّلَهَا﴾ الفاء عاطفة تفريعية. ﴿تَقَبَّلَهَا﴾: فعل ومفعول، ﴿رَبُّهَا﴾ فاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾ ﴿بِقَبُولٍ﴾: الباء زائدة، ﴿قَبولٍ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿حَسَنٍ﴾: صفة له. ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾: الواو عاطفة. ﴿أَنْبَتَهَا﴾: فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿تقبل﴾ ﴿نَبَاتًا﴾: منصوب على المفعولية المطلقة ﴿حَسَنًا﴾ صفة له. ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾: الواو عاطفة ﴿كفلها﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿زَكَرِيَّا﴾: مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا﴾.
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾.
﴿كُلَّمَا﴾: اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على السكون، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿دَخَلَ﴾: فعل ماضٍ، ﴿عَلَيْهَا﴾ متعلق به. ﴿زَكَرِيَّا﴾: فاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿كُلَّمَا﴾ لا محل لها من الإعراب، ﴿الْمِحْرَابَ﴾ مفعول ﴿دَخَلَ﴾. وحق ﴿دَخَلَ﴾ أن يتعدى بفي أو بإلى لكنه اتسع فيه، فأوصل بنفسه إلى المفعول، فهو كقولهم: دخلت الدار، وسكنت الشام كما ذكره أبو البقاء. ﴿وَجَدَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿وَجَدَ﴾، ﴿رِزْقًا﴾: مفعول به لـ ﴿وَجَدَ﴾؛ لأنه متعد إلى واحد، وجملة ﴿وَجَدَ﴾ جواب ﴿كُلَّمَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿كُلَّمَا﴾ مستأنفة.
﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كانه قيل: فماذا قال زكريا عند مشاهدة هذه الآية؟ فقيل: قال: يا مريم أنى لك هذا؟. وفي "الفتوحات": والذي (١) يظهر أن جملة قوله: ﴿وَجَدَ﴾
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾.
﴿كُلَّمَا﴾: اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على السكون، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿دَخَلَ﴾: فعل ماضٍ، ﴿عَلَيْهَا﴾ متعلق به. ﴿زَكَرِيَّا﴾: فاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿كُلَّمَا﴾ لا محل لها من الإعراب، ﴿الْمِحْرَابَ﴾ مفعول ﴿دَخَلَ﴾. وحق ﴿دَخَلَ﴾ أن يتعدى بفي أو بإلى لكنه اتسع فيه، فأوصل بنفسه إلى المفعول، فهو كقولهم: دخلت الدار، وسكنت الشام كما ذكره أبو البقاء. ﴿وَجَدَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿وَجَدَ﴾، ﴿رِزْقًا﴾: مفعول به لـ ﴿وَجَدَ﴾؛ لأنه متعد إلى واحد، وجملة ﴿وَجَدَ﴾ جواب ﴿كُلَّمَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿كُلَّمَا﴾ مستأنفة.
﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كانه قيل: فماذا قال زكريا عند مشاهدة هذه الآية؟ فقيل: قال: يا مريم أنى لك هذا؟. وفي "الفتوحات": والذي (١) يظهر أن جملة قوله: ﴿وَجَدَ﴾
(١) الجمل.
289
في محل نصب على الحال من فاعل ﴿دَخَلَ﴾، ويكون جواب ﴿كُلَّمَا﴾ هو نفس ﴿قَالَ﴾، والتقدير: كلما دخل عليها زكريا المحراب واجدًا عندها الرزق.. قال، وهذا واضح جدًّا. انتهى ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإنْ شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء ﴿مريم﴾ منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَنَّى﴾: اسم استفام بمعنى: أين، في محل النصب على الظرفية المكانية، متعلق بمحذوف خبر مقدم ﴿هَذَا﴾: مبتدأ مؤخر ﴿لَكِ﴾: جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف، أو حال من الضمير المستكن في الخبر، ومن المبتدإِ على رأي سيبويه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿قَالَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَرْيَمُ﴾، والجملة مستأنفة. ﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾ ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾: اسمها، وجملة ﴿يَرْزُقُ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿مَنْ﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَرْزُقُ﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة ﴿مَن﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من يشاء رزقه، ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَرْزُقُ﴾.
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨)﴾.
﴿هُنَالِكَ﴾: اسم إشارة للمكان البعيد نظرًا إلى أصله، وأما في هذا المقام فهي مستعملة في الزمان تجوزًا، والظرف متعلق بدعا الآتي ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا﴾: فعل وفاعل ومفعول ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. قصة مستقلة سيقت في أثناء قصة مريم كما مرّ، ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾، والجملة مفسرة لجملة ﴿دَعَا﴾، ﴿رَبِّ هَبْ لِي﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإنْ شئتَ قلتَ: ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿هَبْ﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جواب النداء في محل
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨)﴾.
﴿هُنَالِكَ﴾: اسم إشارة للمكان البعيد نظرًا إلى أصله، وأما في هذا المقام فهي مستعملة في الزمان تجوزًا، والظرف متعلق بدعا الآتي ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا﴾: فعل وفاعل ومفعول ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. قصة مستقلة سيقت في أثناء قصة مريم كما مرّ، ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾، والجملة مفسرة لجملة ﴿دَعَا﴾، ﴿رَبِّ هَبْ لِي﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإنْ شئتَ قلتَ: ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿هَبْ﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جواب النداء في محل
290
النصب مقول القول ﴿لِي﴾ متعلق بـ ﴿هَبْ﴾، ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿هَبْ﴾ ﴿ذُرِّيَّةً﴾: مفعول ﴿هَبْ﴾، ﴿طَيِّبَةً﴾: صفة لـ ﴿ذُرِّيَّةً﴾ ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ: حرف نصب، والكاف: اسمها. ﴿سَمِيعُ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾ ﴿الدُّعَاءِ﴾: مضاف إليه، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة بحسب الأصل، ومقول القول هنا.
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
﴿فَنَادَتْهُ﴾: الفاء عاطفة تفريعية، ﴿نادته الملائكة﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿هُنَالِكَ دَعَا﴾، ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾: ﴿الواو﴾: حالية، ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير المفعول. ﴿يُصَلِّي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾، ﴿فِي الْمِحْرَابِ﴾: متعلق بـ ﴿يُصَلِّي﴾، أو بـ ﴿قَائِمٌ﴾، والجملة في محل النصب حال ثانية من مفعول النداء، أو خبر ثانٍ لـ ﴿هُوَ﴾. وفي "الفتوحات" (١) قوله: ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾ جملة حالية من مفعول النداء، و ﴿يُصَلِّي﴾ يحتمل أوجهًا:
أحدها: أن يكون خبرًا ثانيًا عند من يرى تعدده مطلقًا نحو: زيد شاعر فقيه.
الثاني: أنه حال ثانية من مفعول النداء، وذلك أيضًا عند من يُجوِّز تعدد الحال.
الثالث: أنه حال من الضمير المستتر في ﴿قَائِمٌ﴾؛ فيكون حالًا من حال.
الرابع: أن يكون صفة لـ ﴿قَائِمٌ﴾. "سمين"، انتهى.
﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ﴿إنْ﴾: - بكسر الهمزة في قراءة الكسر -: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها. ﴿يُبَشِّرُكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، ﴿بِيَحْيَى﴾: متعلق بـ ﴿يُبَشِرُكَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
﴿فَنَادَتْهُ﴾: الفاء عاطفة تفريعية، ﴿نادته الملائكة﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿هُنَالِكَ دَعَا﴾، ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾: ﴿الواو﴾: حالية، ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير المفعول. ﴿يُصَلِّي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾، ﴿فِي الْمِحْرَابِ﴾: متعلق بـ ﴿يُصَلِّي﴾، أو بـ ﴿قَائِمٌ﴾، والجملة في محل النصب حال ثانية من مفعول النداء، أو خبر ثانٍ لـ ﴿هُوَ﴾. وفي "الفتوحات" (١) قوله: ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾ جملة حالية من مفعول النداء، و ﴿يُصَلِّي﴾ يحتمل أوجهًا:
أحدها: أن يكون خبرًا ثانيًا عند من يرى تعدده مطلقًا نحو: زيد شاعر فقيه.
الثاني: أنه حال ثانية من مفعول النداء، وذلك أيضًا عند من يُجوِّز تعدد الحال.
الثالث: أنه حال من الضمير المستتر في ﴿قَائِمٌ﴾؛ فيكون حالًا من حال.
الرابع: أن يكون صفة لـ ﴿قَائِمٌ﴾. "سمين"، انتهى.
﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ﴿إنْ﴾: - بكسر الهمزة في قراءة الكسر -: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها. ﴿يُبَشِّرُكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، ﴿بِيَحْيَى﴾: متعلق بـ ﴿يُبَشِرُكَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
(١) الجمل.
291
﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: حال كون الملائكة قائلين له: إن الله يبشرك، ﴿مُصَدِّقًا﴾: حال من ﴿يحيى﴾، ﴿بِكَلِمَةٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُصَدَقَا﴾، ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿كلمة﴾، ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا﴾: معطوفات على مصدقًا على كونها حالًا من ﴿يحيى﴾ ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نبيًّا﴾.
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على زكريا، والجملة مستأنفة، ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ إلى قوله: ﴿عَاقِرٌ﴾: مقول محكي، وإنْ شئت قلتَ: ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء جزء المقول، ﴿أَنَّى﴾: اسم استفهام بمعنى: كيف، في محل النصب خبر ﴿يَكُونُ﴾ مقدم عليه، ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص، ﴿لِي﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿غُلَامٌ﴾: اسم ﴿يَكُونُ﴾، وجملة ﴿يَكُونُ﴾ في محل النصب مقول القول. وفي "الفتوحات"، قوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ يجوز في كان أن تكون هي الناقصة، وفي خبرها حينئذٍ وجهان:
أحدهما: أنى؛ لأنا بمعنى: كيف، أو بمعنى: من أين، ولي على هذا تبيين.
والثاني: أن الخبر الجار، وأنى: في محل النصب على الظرفية، ويجوز أن تكون تامة، فيكون الظرف والجار والمجرور كلاهما متعلقين بمحذوف على أنه حال من غلام؛ لأنه لو تأخر لكان صفةً له. انتهى.
﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾: الواو حالية ﴿قد﴾: حرف تحقيق ﴿بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾: فعل ومفعول، ونون وقاية، وفاعل، والجملة في محل النصب حال من الياء في ﴿لِي﴾ ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾: الواو حالية، ﴿وَامْرَأَتِي﴾: مبتدأ ومضاف إليه، ﴿عَاقِرٌ﴾ خبر، والجملة حال؛ إما من الياء في (لي) بناءً على جواز تعدد الحال، وإما من الياء في ﴿بَلَغَنِىَ﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على جبريل، والجملة مستأنفة ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئتَ قلت:
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على زكريا، والجملة مستأنفة، ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ إلى قوله: ﴿عَاقِرٌ﴾: مقول محكي، وإنْ شئت قلتَ: ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء جزء المقول، ﴿أَنَّى﴾: اسم استفهام بمعنى: كيف، في محل النصب خبر ﴿يَكُونُ﴾ مقدم عليه، ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص، ﴿لِي﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿غُلَامٌ﴾: اسم ﴿يَكُونُ﴾، وجملة ﴿يَكُونُ﴾ في محل النصب مقول القول. وفي "الفتوحات"، قوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ يجوز في كان أن تكون هي الناقصة، وفي خبرها حينئذٍ وجهان:
أحدهما: أنى؛ لأنا بمعنى: كيف، أو بمعنى: من أين، ولي على هذا تبيين.
والثاني: أن الخبر الجار، وأنى: في محل النصب على الظرفية، ويجوز أن تكون تامة، فيكون الظرف والجار والمجرور كلاهما متعلقين بمحذوف على أنه حال من غلام؛ لأنه لو تأخر لكان صفةً له. انتهى.
﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾: الواو حالية ﴿قد﴾: حرف تحقيق ﴿بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾: فعل ومفعول، ونون وقاية، وفاعل، والجملة في محل النصب حال من الياء في ﴿لِي﴾ ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾: الواو حالية، ﴿وَامْرَأَتِي﴾: مبتدأ ومضاف إليه، ﴿عَاقِرٌ﴾ خبر، والجملة حال؛ إما من الياء في (لي) بناءً على جواز تعدد الحال، وإما من الياء في ﴿بَلَغَنِىَ﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على جبريل، والجملة مستأنفة ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئتَ قلت:
292
﴿كَذَلِكَ﴾: صفة لمصدر محذوف منصوب بـ ﴿يَفْعَلُ﴾ الآتي، ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَفْعَلُ﴾ خبره، ﴿مَا يَشَاءُ﴾: مفعول ﴿يَفْعَلُ﴾، والتقدير: الله يفعل ما يشاء فعلًا كائنًا كذلك، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيةً﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾ والجملة مستأنفة ﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿اجْعَلْ لِي آيَةً﴾: مقول محكي، وإنْ شئتَ قلت: ﴿اجْعَلْ﴾: فعل أمر بمعنى صيِّر يتعدى لمفعولين، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿آيَةً﴾: مفعول أول، ﴿لِي﴾: مفعول ثانٍ، كما ذكر أبو البقاء، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿ءَايَتُكَ﴾: مبتدأ ومضاف إليه، ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر ﴿لا﴾: نافية ﴿تُكَلِّمَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾. ﴿النَّاسَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية صلة (أن) المصدرية، (أن) مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الخبرية تقديره: آيتك عدم تكليم الناس، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُكَلِّمَ﴾ ﴿إلّا﴾: أداة استثناء، ﴿رَمْزًا﴾: منصوب على الاستثناء، وهو منقطع؛ إذ الرمز لا يدخل تحت التكليم، ومن أطلق الكلام في اللغة على الإشارة الدالة على ما في نفس المشير، فلا يبعد أن يكون هذا استثناءً متصلًا على مذهبه.
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾.
﴿وَاذْكُرْ﴾ الواو عاطفة، ﴿اذكر﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على
﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيةً﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾ والجملة مستأنفة ﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿اجْعَلْ لِي آيَةً﴾: مقول محكي، وإنْ شئتَ قلت: ﴿اجْعَلْ﴾: فعل أمر بمعنى صيِّر يتعدى لمفعولين، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿آيَةً﴾: مفعول أول، ﴿لِي﴾: مفعول ثانٍ، كما ذكر أبو البقاء، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿ءَايَتُكَ﴾: مبتدأ ومضاف إليه، ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر ﴿لا﴾: نافية ﴿تُكَلِّمَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّا﴾. ﴿النَّاسَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية صلة (أن) المصدرية، (أن) مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الخبرية تقديره: آيتك عدم تكليم الناس، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُكَلِّمَ﴾ ﴿إلّا﴾: أداة استثناء، ﴿رَمْزًا﴾: منصوب على الاستثناء، وهو منقطع؛ إذ الرمز لا يدخل تحت التكليم، ومن أطلق الكلام في اللغة على الإشارة الدالة على ما في نفس المشير، فلا يبعد أن يكون هذا استثناءً متصلًا على مذهبه.
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾.
﴿وَاذْكُرْ﴾ الواو عاطفة، ﴿اذكر﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على
293
﴿زَكَرِيَّا﴾، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على الجملة الإسمية على كونها مقول القول، ﴿رَبَّكَ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿كَثِيرًا﴾: صفة مصدر محذوف تقديره: ذكرًا كثيرًا ﴿وَسَبِّحْ﴾ الواو عاطفة، ﴿سبح﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على زكريا، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿ذكر﴾. ﴿بِالْعَشِيِّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اذكر﴾، ﴿وَالْإِبْكَارِ﴾: معطوف على ﴿الْعَشِيِّ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿اصْطَفَى﴾: من الصفوة أصله: اصتفى من باب افتعل قلبت تاء الافتعال طاءً؛ لوقوعها إثر مُطْبَق.
﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: متعلق بـ ﴿اصْطَفَى﴾ ضمنَّه معنى فضل، فعداه بـ ﴿عَلَى﴾، ولو لم يضمنه معنى فضل لعُدِّي بـ ﴿من﴾.
﴿ذُرِّيَّةً﴾: قيل: مشتق من الذرء، وهو الخلق، فعلى هذا يطلق على الأصول حتى على آدم، كما يطلق على الفروع، وقيل: منسوب إلى الذَّرّ؛ لأن الله أخرجهم من ظهر آدم كالذَّرّ؛ أي: صغار النمل، ويكون هذا من النسب السماعي؛ إذ كان القياس فتح الذال.
﴿نَذَرْتُ لَكَ﴾: يقال نذر الشيء؛ إذا التزمه، والنذر لغةً الالتزام، وشرعًا: التزام قربة ليست لازمة في أصل الشرع. ﴿مُحَرَّرًا﴾: اسم مفعول من حَرَّر الرباعي معناه: عتيقًا من كل شغل من أشغال الدنيا، فهو مأخوذ من الحرية.
﴿أُعِيذُهَا﴾: مضارع عاذ بكذا إذا اعتصم به عوذًا وعياذًا ومعاذًا ومعاذةً، ومعناه: التجأ واعتصم، وقيل: اشتقاقه من العَوذ، وهو عوذ يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح.
﴿الرَّجِيمِ﴾: فقيل: من رجم إذا رمى وقذف، ومنه: رجمًا بالغيب؛ أي: رميًا به من غير تيقن، والرجيم: يحتمل أن يكون للمبالغة من فاعل؛ أي: أنه يرمي ويقذف بالشر والعصيان في قلب ابن آدم، ويحتمل أن يكون بمعنى:
التصريف ومفردات اللغة
﴿اصْطَفَى﴾: من الصفوة أصله: اصتفى من باب افتعل قلبت تاء الافتعال طاءً؛ لوقوعها إثر مُطْبَق.
﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: متعلق بـ ﴿اصْطَفَى﴾ ضمنَّه معنى فضل، فعداه بـ ﴿عَلَى﴾، ولو لم يضمنه معنى فضل لعُدِّي بـ ﴿من﴾.
﴿ذُرِّيَّةً﴾: قيل: مشتق من الذرء، وهو الخلق، فعلى هذا يطلق على الأصول حتى على آدم، كما يطلق على الفروع، وقيل: منسوب إلى الذَّرّ؛ لأن الله أخرجهم من ظهر آدم كالذَّرّ؛ أي: صغار النمل، ويكون هذا من النسب السماعي؛ إذ كان القياس فتح الذال.
﴿نَذَرْتُ لَكَ﴾: يقال نذر الشيء؛ إذا التزمه، والنذر لغةً الالتزام، وشرعًا: التزام قربة ليست لازمة في أصل الشرع. ﴿مُحَرَّرًا﴾: اسم مفعول من حَرَّر الرباعي معناه: عتيقًا من كل شغل من أشغال الدنيا، فهو مأخوذ من الحرية.
﴿أُعِيذُهَا﴾: مضارع عاذ بكذا إذا اعتصم به عوذًا وعياذًا ومعاذًا ومعاذةً، ومعناه: التجأ واعتصم، وقيل: اشتقاقه من العَوذ، وهو عوذ يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح.
﴿الرَّجِيمِ﴾: فقيل: من رجم إذا رمى وقذف، ومنه: رجمًا بالغيب؛ أي: رميًا به من غير تيقن، والرجيم: يحتمل أن يكون للمبالغة من فاعل؛ أي: أنه يرمي ويقذف بالشر والعصيان في قلب ابن آدم، ويحتمل أن يكون بمعنى:
294
مرجوم؛ أي: يرجم بالشهب أو يبعدْ ويطردْ.
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا﴾؛ أي: قبلها ورضيها مكان الذكر المنذور، فصيغة التفعل ليست هنا للتكلف ولا للمطاوعة، بل بمعنى أصل الفعل؛ كتعجب من كذا بمعنى: عجيب وتبرأ من كذا بمعنى برىء منه.
﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ قال الزجاج: الأصل؛ فتقبلها بتقبُّل حسن؛ لأن قبولًا مصدر لـ ﴿قبل﴾ الثلاثي، يقال: قبل الشيء قبولًا إذا رضيه، والقياس فيه: الضم، كالدخول والخروج، ولكنه جاء بالفتح، فالقبول هنا من المصادر التي حذفت زوائده؛ إذ لو جاء على تقبل لقيل: تقبلًا حسنًا.
﴿نَبَاتًا حَسَنًا﴾: النبات اسم مصدر لأنبت الرباعي، فهو بمعنى إنباتًا حسنًا ﴿وَكَفَّلَهَا﴾: الكفالة الضمان، يقال: كفل يكفل من بابي نصر وعلم، فهو كافل وكفيل، وهذا أصله، ثم يستعار للضم والقيام على الشيء ﴿زَكَرِيَّا﴾: هو اسم أعجمي شبه بما فيه الألف الممدودة والألف المقصورة، فهو ممدود ومقصور، ولذلك يمتنع صرفه نكرة، وهاتان اللغتان فيه عند أهل الحجاز.
﴿يحيى﴾ فيه قولان:
أحدهما: وهو المشهور عند المفسرين: أنه منقول من الفعل المضارع، وقد سموا بالأفعال كثيرًا نحو: يعيش ويعمِّر، وعلى هذا فهو ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ كيزيد ويشكر وتغلب.
والثاني: أنه أعجمي لا اشتقاق له، وهذا هو الظاهر، فامتناعه من الصرف للعلمية والعجمة الشخصية، ويقال في جمعه على كِلا القولين: يحيون رفعًا، ويحين نصبًا وجرًّا على حد قوله:
ويقال في تثنيته: يحييان رفعًا، ويحيين نصبًا وجرًّا على حد قوله:
ويقال في النسب إليه: يحيي بحذف الألف، ويحيوي بقلبها واوًا،
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا﴾؛ أي: قبلها ورضيها مكان الذكر المنذور، فصيغة التفعل ليست هنا للتكلف ولا للمطاوعة، بل بمعنى أصل الفعل؛ كتعجب من كذا بمعنى: عجيب وتبرأ من كذا بمعنى برىء منه.
﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ قال الزجاج: الأصل؛ فتقبلها بتقبُّل حسن؛ لأن قبولًا مصدر لـ ﴿قبل﴾ الثلاثي، يقال: قبل الشيء قبولًا إذا رضيه، والقياس فيه: الضم، كالدخول والخروج، ولكنه جاء بالفتح، فالقبول هنا من المصادر التي حذفت زوائده؛ إذ لو جاء على تقبل لقيل: تقبلًا حسنًا.
﴿نَبَاتًا حَسَنًا﴾: النبات اسم مصدر لأنبت الرباعي، فهو بمعنى إنباتًا حسنًا ﴿وَكَفَّلَهَا﴾: الكفالة الضمان، يقال: كفل يكفل من بابي نصر وعلم، فهو كافل وكفيل، وهذا أصله، ثم يستعار للضم والقيام على الشيء ﴿زَكَرِيَّا﴾: هو اسم أعجمي شبه بما فيه الألف الممدودة والألف المقصورة، فهو ممدود ومقصور، ولذلك يمتنع صرفه نكرة، وهاتان اللغتان فيه عند أهل الحجاز.
﴿يحيى﴾ فيه قولان:
أحدهما: وهو المشهور عند المفسرين: أنه منقول من الفعل المضارع، وقد سموا بالأفعال كثيرًا نحو: يعيش ويعمِّر، وعلى هذا فهو ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ كيزيد ويشكر وتغلب.
والثاني: أنه أعجمي لا اشتقاق له، وهذا هو الظاهر، فامتناعه من الصرف للعلمية والعجمة الشخصية، ويقال في جمعه على كِلا القولين: يحيون رفعًا، ويحين نصبًا وجرًّا على حد قوله:
وَحْذِفْ مِنَ الْمَقْصُوْرِ فِيْ جَمْعٍ عَلَى | حَدِّ الْمُثَنَّى مَا بِهِ تَكَمَّلاَ |
آخِرَ مَقْصُوْرٍ تُثَنِّ اجْعَلْهُ يَا | إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا |
295
ويحياوي بزيادة ألف قبل الواو المنقلبة عن الألف الأصلية على حد قوله:
ويقال في تصغيره: يحيِّي بوزن فعيعل على حد قوله:
﴿وَحَصُورًا﴾: الحصور: فعول محول عن فاعل للمبالغة؛ كضروب محول من ضارب، وهو الذي لا يأتي النساء، إما لطبعه على ذلك، وإما لمبالغة نفسه، وفي "القاموس": الحصور: من لا يأتي النساء، وهو قادر على ذلك، والممنوع منهن، أو: من لا يشتهيهن ولا يقربهن.
﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾: والعاقر من لا يولد له، رجلًا كان أو امرأةً، مشتق من العقر، وهو: القطع، لقطعه النسل، وفي "المصباح": عقرت الناقة عقرًا من باب ضرب، وفي لغة من باب قرب، انقطع حملها فهي عاقر.
﴿وَالْإِبْكَارِ﴾ - بكسر الهمزة - مصدر لـ ﴿أبكر﴾ الرباعي بمعنى: بكر، ثم استعمل اسمًا للوقت الذي هو البكرة، هكذا يؤخذ من "المختار"، وبفتح الهمزة جمع بَكَر بفتحتين بمعنى البكرة.
البلاغة
وفي هذه الآيات أنواع من الفصاحة والبلاغة:
منها: العموم الذي يراد به الخصوص في قوله: ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ﴾.
ومنها: الإبهام في قوله: ﴿مَا فِي بَطْنِي﴾ لما تعذر عليها الاطلاع على ما في بطنها.. أتت بلفظ ﴿مَا﴾ الذي يصدق على الذكر والأنثى والتأكيد في قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
ومنها: الخبر الذي يراد به الاعتذار في قولها: ﴿وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾.
ومنها: الاعتراض في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ في قراءة من سكَّن التاء أو كسرها.
وإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ | فَقَلْبُهَا وَاوًا وَحَذْفُهَا حَسَنْ |
فُعَيْعِلٌ مَعَ فُعَيْعِيْلَ لِمَا | فَاقَ كَجَعْلِ دِرْهَمٍ دُرَيْهِمَا |
﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾: والعاقر من لا يولد له، رجلًا كان أو امرأةً، مشتق من العقر، وهو: القطع، لقطعه النسل، وفي "المصباح": عقرت الناقة عقرًا من باب ضرب، وفي لغة من باب قرب، انقطع حملها فهي عاقر.
﴿وَالْإِبْكَارِ﴾ - بكسر الهمزة - مصدر لـ ﴿أبكر﴾ الرباعي بمعنى: بكر، ثم استعمل اسمًا للوقت الذي هو البكرة، هكذا يؤخذ من "المختار"، وبفتح الهمزة جمع بَكَر بفتحتين بمعنى البكرة.
البلاغة
وفي هذه الآيات أنواع من الفصاحة والبلاغة:
منها: العموم الذي يراد به الخصوص في قوله: ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ﴾.
ومنها: الإبهام في قوله: ﴿مَا فِي بَطْنِي﴾ لما تعذر عليها الاطلاع على ما في بطنها.. أتت بلفظ ﴿مَا﴾ الذي يصدق على الذكر والأنثى والتأكيد في قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
ومنها: الخبر الذي يراد به الاعتذار في قولها: ﴿وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾.
ومنها: الاعتراض في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ في قراءة من سكَّن التاء أو كسرها.
296
ومنها: تلوين الخطاب ومعدوله في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ في قراءة من كسر التاء، خرج من خطاب الغيبة في قولها: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ إلى خطاب المواجهة في قوله: ﴿بِمَا وَضَعَت﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَإِنِّي﴾، ﴿وَإِنِّي﴾، وفي قوله: ﴿زَكَرِيَّا﴾ و ﴿زَكَرِيَّا﴾، وفي قوله: ﴿مِنْ عَندِ اَللهِ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾.
ومنها: الدلالة على الاستمرار والتجدد في قوله: ﴿وَإِنّي أُعِيذُهَا﴾؛ حيث أتى بخبر ﴿إن﴾ فعلًا مضارعًا دلالة على طلب استمرار الاستعاذة دون انقطاعها.
ومنها: الدلالة على الانقطاع، حيث أتى بالخبرين فعلين ماضيين في قوله: ﴿إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾، ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا﴾.
ومنها: المجاز المرسل أو بالاستعارة في قوله: ﴿وَأنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾؛ لأنه مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها بطريق ذكر الملزوم وإرادة اللازم، أو بطريق الاستعارة التصريحية التبعية؛ إذ الزارع لم يزل يتعهد زرعه بسقيه، وإزالة الآفات عنه.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا﴾، وفي: ﴿رِزْقًا﴾ و ﴿يَرْزُقُ﴾.
ومنها: التعظيم والتفخيم في قوله: ﴿رِزْقًا﴾؛ حيث أتى به منكرًا مشيرًا إلى أنه ليس من جنس واحد، بل من أجناس كثيرة؛ لأن النكرة تقتضي الشيوع والكثرة.
ومنها: الطباق بين كلمتي: ﴿العشي﴾ و ﴿الإبكار﴾.
ومنها: الحذف في مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَإِنِّي﴾، ﴿وَإِنِّي﴾، وفي قوله: ﴿زَكَرِيَّا﴾ و ﴿زَكَرِيَّا﴾، وفي قوله: ﴿مِنْ عَندِ اَللهِ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾.
ومنها: الدلالة على الاستمرار والتجدد في قوله: ﴿وَإِنّي أُعِيذُهَا﴾؛ حيث أتى بخبر ﴿إن﴾ فعلًا مضارعًا دلالة على طلب استمرار الاستعاذة دون انقطاعها.
ومنها: الدلالة على الانقطاع، حيث أتى بالخبرين فعلين ماضيين في قوله: ﴿إِنِّي وَضَعْتُهَا﴾، ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا﴾.
ومنها: المجاز المرسل أو بالاستعارة في قوله: ﴿وَأنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾؛ لأنه مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها بطريق ذكر الملزوم وإرادة اللازم، أو بطريق الاستعارة التصريحية التبعية؛ إذ الزارع لم يزل يتعهد زرعه بسقيه، وإزالة الآفات عنه.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا﴾، وفي: ﴿رِزْقًا﴾ و ﴿يَرْزُقُ﴾.
ومنها: التعظيم والتفخيم في قوله: ﴿رِزْقًا﴾؛ حيث أتى به منكرًا مشيرًا إلى أنه ليس من جنس واحد، بل من أجناس كثيرة؛ لأن النكرة تقتضي الشيوع والكثرة.
ومنها: الطباق بين كلمتي: ﴿العشي﴾ و ﴿الإبكار﴾.
ومنها: الحذف في مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
297
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾
المناسبة
لما فرغ (١) الله سبحانه وتعالى عن قصة ولادة يحيى بن زكريا من عجوز عاقر وشيخ كبير قد بلغ من الكبر عتيًّا، وكان قد استطرد من قصة مريم إليها.. رجع إلى قصة مريم، وذكر فيها ما هو أبلغ وأروع في خرق العادات، فذكر قصة ولادة عيسى المسيح من غير أب، وهي شيء أعجب من الأول، وهكذا عادة أساليب العرب، متى ذكروا شيئًا.. استطردوا منه إلى غيره، ثم عادوا إلى الأول إن كان لهم غرض في العود إليه، والغرض من ذكر هذه القصة تبرئة مريم عن ما رمتها به اليهود، والردُّ على النصارى الذين ادعوا ألوهية عيسى، فذكر ولادته من مريم البتول؛ ليدل على بشريته، وأعقبه بذكر ما أيده به من المعجزات؛ ليشير إلى
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾
المناسبة
لما فرغ (١) الله سبحانه وتعالى عن قصة ولادة يحيى بن زكريا من عجوز عاقر وشيخ كبير قد بلغ من الكبر عتيًّا، وكان قد استطرد من قصة مريم إليها.. رجع إلى قصة مريم، وذكر فيها ما هو أبلغ وأروع في خرق العادات، فذكر قصة ولادة عيسى المسيح من غير أب، وهي شيء أعجب من الأول، وهكذا عادة أساليب العرب، متى ذكروا شيئًا.. استطردوا منه إلى غيره، ثم عادوا إلى الأول إن كان لهم غرض في العود إليه، والغرض من ذكر هذه القصة تبرئة مريم عن ما رمتها به اليهود، والردُّ على النصارى الذين ادعوا ألوهية عيسى، فذكر ولادته من مريم البتول؛ ليدل على بشريته، وأعقبه بذكر ما أيده به من المعجزات؛ ليشير إلى
(١) البحر المحيط.
298
رسالته، وأنه أحد الرسل الكرام الذين أظهر الله على أيديهم خوارق العادات، وليس له شيء من أوصاف الربوبية.
التفسير وأوجه القراءة
٤٢ - ﴿و﴾ اذكر يا محمَّد لأمتك قصة ﴿إذ قالت الملائكة﴾؛ أي: جبريل - ومن معه من الملائكة؛ لأنه نقل أنه لا ينزل لأمر إلا ومعه جماعة من الملائكة - لمريم ابنة عمران مشافهة.
وقرأ ابن مسعود وعبد الله بن عمرو شذوذًا: ﴿وإذ قال الملائكة﴾. ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿اصْطَفَاكِ﴾ واختارك أولًا حيث قبلك من أمك، وقبل تحريرك، ولم يسبق ذلك لغيرك من الإناث، وربَّاك في حجر زكريا، ورزقك من الجنة، وقيل: بتفرغك لعبادته وتخصيصك بأنواع اللطف والهداية والعصمة والكفاية في أمر المعيشة، وسماع كلام جبريل شفاهًا ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ من المعصية ومسيس الرجال، ومن الأفعال الذميمة، ومن مقالة اليهود وتهمتهم، وقيل: أنجاك من القتل، وقيل: من الحيض والنفاس، فكانت لا تحيض؛ أي: خلقك مطهرة مما للنساء ﴿اصْطَفَاكِ﴾؛ أي: اختارك آخرًا بولادة عيسى من غير أب ونطفة حال انفصاله من مريم حتى شهد ببراءتها عن التهمة. ﴿عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: عالمَي زمانها، وقيل: على جميع نساء العالمين، والمعتمد (١) أن مريم أفضل النساء على الإطلاق، كما هو ظاهر الآية، وقد نظم بعضهم ترتيب الأفضلية بينها وبين غيرها فقال:
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد". متفق عليه.
قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض، قيل: أراد وكيع بهذه
التفسير وأوجه القراءة
٤٢ - ﴿و﴾ اذكر يا محمَّد لأمتك قصة ﴿إذ قالت الملائكة﴾؛ أي: جبريل - ومن معه من الملائكة؛ لأنه نقل أنه لا ينزل لأمر إلا ومعه جماعة من الملائكة - لمريم ابنة عمران مشافهة.
وقرأ ابن مسعود وعبد الله بن عمرو شذوذًا: ﴿وإذ قال الملائكة﴾. ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿اصْطَفَاكِ﴾ واختارك أولًا حيث قبلك من أمك، وقبل تحريرك، ولم يسبق ذلك لغيرك من الإناث، وربَّاك في حجر زكريا، ورزقك من الجنة، وقيل: بتفرغك لعبادته وتخصيصك بأنواع اللطف والهداية والعصمة والكفاية في أمر المعيشة، وسماع كلام جبريل شفاهًا ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ من المعصية ومسيس الرجال، ومن الأفعال الذميمة، ومن مقالة اليهود وتهمتهم، وقيل: أنجاك من القتل، وقيل: من الحيض والنفاس، فكانت لا تحيض؛ أي: خلقك مطهرة مما للنساء ﴿اصْطَفَاكِ﴾؛ أي: اختارك آخرًا بولادة عيسى من غير أب ونطفة حال انفصاله من مريم حتى شهد ببراءتها عن التهمة. ﴿عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: عالمَي زمانها، وقيل: على جميع نساء العالمين، والمعتمد (١) أن مريم أفضل النساء على الإطلاق، كما هو ظاهر الآية، وقد نظم بعضهم ترتيب الأفضلية بينها وبين غيرها فقال:
فُضْلَى النِّسَا بِنْتُ عِمْرَانَ فَفَاطِمَهْ | خَدِيْجَةٌ ثُمَّ مَنْ قَدْ بَرَّأ اللهْ |
قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض، قيل: أراد وكيع بهذه
(١) الجمل.
الإشارة تفسير الضمير في قوله: خير نسائها، ومعناه أنهما خير كل النساء بين السماء والأرض، قال النووي: والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام"، متفق عليه. وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية؛ لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد، وآسية امرأة فرعون" أخرجه الترمذي.
٤٣ - ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾؛ أي: قالت الملائكة لها شفاهًا يا مريم دومي على طاعة ربك بأنواع العبادات شكرًا لذلك الاصطفاء، وقيل: أطيلي القيام في الصلاة شكرًا لربك.
وروى مجاهد (١): أنها لما خوطبت بهذا.. قامت حتى ورمت قدماها، وقال الأوزاعي: قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها تظنها جمادًا؛ لسكونها في طول قيامها. ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾؛ أي: ائتي بالسجود والركوع ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾؛ أي: مع المصلين، فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل؛ أي: صلي مع المصلين جماعة في بيت المقدس، فإنِّ اقتداء النساء بالرجال حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء، وإنما قدم السجود (٢) على الركوع؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب إنما هي للجمع، كأنه قيل لها: افعلي الركوع والسجود، وقيل: إنما قدم السجود على الركوع؛ لأنه كان
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام"، متفق عليه. وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية؛ لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد، وآسية امرأة فرعون" أخرجه الترمذي.
٤٣ - ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾؛ أي: قالت الملائكة لها شفاهًا يا مريم دومي على طاعة ربك بأنواع العبادات شكرًا لذلك الاصطفاء، وقيل: أطيلي القيام في الصلاة شكرًا لربك.
وروى مجاهد (١): أنها لما خوطبت بهذا.. قامت حتى ورمت قدماها، وقال الأوزاعي: قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها تظنها جمادًا؛ لسكونها في طول قيامها. ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾؛ أي: ائتي بالسجود والركوع ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾؛ أي: مع المصلين، فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل؛ أي: صلي مع المصلين جماعة في بيت المقدس، فإنِّ اقتداء النساء بالرجال حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء، وإنما قدم السجود (٢) على الركوع؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب إنما هي للجمع، كأنه قيل لها: افعلي الركوع والسجود، وقيل: إنما قدم السجود على الركوع؛ لأنه كان
(١) البحر المحيط.
(٢) أبو السعود.
(٢) أبو السعود.
كذلك في شريعتهم، أو لكون السجود أفضل الأركان، أو ليقترن ﴿اركعي﴾ بـ ﴿الرَّاكِعِينَ﴾، وإنما قال: ﴿وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، ولم يقل: مع الراكعات؛ لأن لفظ الراكعين أعم، فيدخل فيه الرجال والنساء، والصلاة مع الرجال أفضل وأنتم كما مر آنفًا. وقيل: معناه افعلي كفعل الراكعين.
٤٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من خبر حنة ومريم وزكريا ويحيى ﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾؛ أي: من أخبار ما غاب عنك يا محمَّد ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾؛ أي: نلقي ذلك الغيب إليك يا محمَّد بواسطة جبريل الأمين، ونرسله إليك ليعلمكه، والمعنى: هذا الذي قصصناه عليك من أخبار مريم وزكريا من الأخبار التي لم تشهدها أنت ولا أحد من قومك، ولم تقرأها في كتاب، ولا علمكها معلم، بل هي وحي نوحيه إليك على يد الروح الأمين؛ لتكون دلالة على صحة نبوتك، وإلزامًا لمن يحاجك من الجاحدين المعاندين.
والوحي في القرآن لأحد معانٍ أربعة (١):
الأول: لكلام جبريل للأنبياء، كما قال تعالى: ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾.
والثاني: للإلهام، كما قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾.
والثالث: لإلقاء المعنى المراد في النفس، كما قال تعالى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)﴾.
والرابع: للإشارة، كما قال تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾.
فالوحي: تعريف الموحى إليه بأمر خفي من إشارة أو كناية أو غيرهما.
﴿وَمَا كُنتَ﴾ يا محمَّد ﴿لَدَيْهِمْ﴾؛ أي: حاضرًا عند الذين تنازعوا في تربية مريم ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾؛ أي: حين يرمون في نهر الأردن أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركًا بها؛ ليعلموا جواب ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾؛ أي: ليعلموا جواب استفهام؛ أي: أحدهم يربي مريم ويقوم بمصالحها.
٤٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من خبر حنة ومريم وزكريا ويحيى ﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾؛ أي: من أخبار ما غاب عنك يا محمَّد ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾؛ أي: نلقي ذلك الغيب إليك يا محمَّد بواسطة جبريل الأمين، ونرسله إليك ليعلمكه، والمعنى: هذا الذي قصصناه عليك من أخبار مريم وزكريا من الأخبار التي لم تشهدها أنت ولا أحد من قومك، ولم تقرأها في كتاب، ولا علمكها معلم، بل هي وحي نوحيه إليك على يد الروح الأمين؛ لتكون دلالة على صحة نبوتك، وإلزامًا لمن يحاجك من الجاحدين المعاندين.
والوحي في القرآن لأحد معانٍ أربعة (١):
الأول: لكلام جبريل للأنبياء، كما قال تعالى: ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾.
والثاني: للإلهام، كما قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾.
والثالث: لإلقاء المعنى المراد في النفس، كما قال تعالى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)﴾.
والرابع: للإشارة، كما قال تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾.
فالوحي: تعريف الموحى إليه بأمر خفي من إشارة أو كناية أو غيرهما.
﴿وَمَا كُنتَ﴾ يا محمَّد ﴿لَدَيْهِمْ﴾؛ أي: حاضرًا عند الذين تنازعوا في تربية مريم ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾؛ أي: حين يرمون في نهر الأردن أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركًا بها؛ ليعلموا جواب ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾؛ أي: ليعلموا جواب استفهام؛ أي: أحدهم يربي مريم ويقوم بمصالحها.
(١) المراغي.
﴿وَمَا كُنتَ﴾ يا محمَّد شاهدًا ﴿لَدَيْهِمْ﴾؛ أي: حاضرًا عند المتنازعين ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾؛ أي: حين يتنازعون تنافسًا في كفالتها؛ أي: وما كنت عندهم إذ يتقارعون على تربية مريم، وإذ يختصمون بسببها، فتخبر قومك عن مشاهدة. ولا كنت قارئًا فتخبرهم عن دراسة، فلزم كون ذلك بطريق الوحي الدال على نبوتك.
وذلك أن حنة لما ولدت مريم.. أتت بها سدنة بيت المقدس، وقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافس فيها الأحبار؛ لكونها بنت إمامهم ورئيسهم، أو لكونها حررت لعبادة الله وخدمة المسجد، فاقترعوا عليها، فخرجت القرعة لزكريا؛ أخذها ورباها كما سبق. قال ابن كثير: وإنما قدر الله كون زكريا كافلًا لها؛ لسعادتها، ولتقتبس منه علمًا جمًّا وعملًا صالحًا.
وفي "الفتوحات الإلهية" (١): واعلم أن هذا الكلام ونحوه كقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ وإن كان معلومًا انتفاؤه جارٍ مجرى التهكم بمنكر الوحي يعني: أنه إذا علم أنك لم تعاصر أولئك ولم تدارس أحدًا في العلم.. فلم يبقَ اطلاعك عليه إلا من جهة الوحي. انتهى.
٤٥ - واذكر يا محمَّد لأمتك قصة ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾؛ أي: جبريل لمريم وقرأ ابن مسعود وابن عمرو: ﴿إذ قال الملائكة﴾. ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ﴾: سبحانه وتعالى ﴿يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾؛ أي: بولد مخلوق بكلمة واقعة من الله سبحانه وتعالى، وهي كلمة: كن؛ أي: من غير واسطة الأسباب العادية، فإن غير عيسى من كل مخلوق، وإن وجد بكلمة: كن، لكنه بواسطة أب، وقوله: ﴿مِنْهُ﴾ نعت لـ ﴿كلمة﴾ و ﴿من﴾ للابتداء؛ أي: كلمة كائنة من الله؛ أي: مبتدأة وناشئة منه تعالى.
واعلم (٢): أن أول المبشر به قوله: ﴿بِكَلِمَةٍ﴾، وآخره قوله: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، وقوله: ﴿قَالَتْ رَبِّ﴾ إلى قوله: ﴿فَيَكُونُ﴾ اعتراض في خلال المبشر به، فالمبشر به نحو خمسة عشر شيئًا: كونه ولدًا، وكون اسمه كذا، وكونه وجيهًا،
وذلك أن حنة لما ولدت مريم.. أتت بها سدنة بيت المقدس، وقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافس فيها الأحبار؛ لكونها بنت إمامهم ورئيسهم، أو لكونها حررت لعبادة الله وخدمة المسجد، فاقترعوا عليها، فخرجت القرعة لزكريا؛ أخذها ورباها كما سبق. قال ابن كثير: وإنما قدر الله كون زكريا كافلًا لها؛ لسعادتها، ولتقتبس منه علمًا جمًّا وعملًا صالحًا.
وفي "الفتوحات الإلهية" (١): واعلم أن هذا الكلام ونحوه كقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ وإن كان معلومًا انتفاؤه جارٍ مجرى التهكم بمنكر الوحي يعني: أنه إذا علم أنك لم تعاصر أولئك ولم تدارس أحدًا في العلم.. فلم يبقَ اطلاعك عليه إلا من جهة الوحي. انتهى.
٤٥ - واذكر يا محمَّد لأمتك قصة ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾؛ أي: جبريل لمريم وقرأ ابن مسعود وابن عمرو: ﴿إذ قال الملائكة﴾. ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ﴾: سبحانه وتعالى ﴿يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾؛ أي: بولد مخلوق بكلمة واقعة من الله سبحانه وتعالى، وهي كلمة: كن؛ أي: من غير واسطة الأسباب العادية، فإن غير عيسى من كل مخلوق، وإن وجد بكلمة: كن، لكنه بواسطة أب، وقوله: ﴿مِنْهُ﴾ نعت لـ ﴿كلمة﴾ و ﴿من﴾ للابتداء؛ أي: كلمة كائنة من الله؛ أي: مبتدأة وناشئة منه تعالى.
واعلم (٢): أن أول المبشر به قوله: ﴿بِكَلِمَةٍ﴾، وآخره قوله: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، وقوله: ﴿قَالَتْ رَبِّ﴾ إلى قوله: ﴿فَيَكُونُ﴾ اعتراض في خلال المبشر به، فالمبشر به نحو خمسة عشر شيئًا: كونه ولدًا، وكون اسمه كذا، وكونه وجيهًا،
(١) الجمل.
(٢) الجمل.
(٢) الجمل.
وكونه من المقربين، وكونه يكلم الناس في المهد، وكونه من الصالحين، وكونه يعلم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وكونه رسولًا إلى بني إسرائيل، فهذا كله قاله لها الملك قبل وجود عيسى. تأمل ﴿اسْمُهُ﴾؛ أي: اسم ذلك الولد ﴿الْمَسِيحُ﴾ قدم اللقب على الاسم لشهرته به، وإنما سُمي بالمسيح؛ لأنه يسيح في البلدان، أو لأنه ما مسح بيده ذا عاهة إلا برىء من مرضه، فهو فعيل بمعنى: فاعل، أو لأنه ممسوح القدمين، فليس فيهما خمص، والأخمص ما تجافى عن الأرض من باطن الرِّجْل، وكان عيسى أمسح القدم لا خمص له، أو لمسحه بالبركة، أو لمسحه بالدهن الذي يمسح به الأنبياء حين خرج من بطن أمه، أو لمسح الجمال إياه، وهو ظهوره عليه، أو لمسحه من الأقذار التي تنال المولودين؛ لأن أمه كانت لا تحيض، ولم تدنس بدم نفاس، فعلى هذه الأقوال، فهو فعيل بمعنى: مفعول، وقال أبو عبيد: أصله بالعبرانية مشيخًا، فغير، فعلى هذا يكون اسمًا مرتجلًا ليس هو مشتقًا من المسح، ولا من السياحة، فمشيخا معناه: المبارك ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وعيسى معرب: أيشوع، مشتق من العيس، وهو بياض يعلوه حمرة. فإن قلت: لِمَ قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وهذه ثلاثة أشياء الاسم والكنية واللقب؟.
قلتُ: المراد اسمه الذي يتميز به عن غيره، وهو لا يتميز إلا بمجموع الثلاثة، وبهذا تعلم أن الخبر عن اسمه إنما هو مجموع الثلاثة من حيث المعنى، لا كل واحد منها على حياله، فهذا على حد الرُّمان حلو حامض، وإنما نسبه الله تعالى إلى الأم إعلامًا لها بأنه محدث بغير الأب، فكان ذلك سببًا لزيادة فضله وعلو درجته، وإنما لم بقل: ابنك كما هو الظاهر إشارةً إلى أنه يكنى بهذه الكنية المشتملة على الإضافة للظاهر. ﴿وَجِيهًا﴾ حال مقدرة من ﴿كلمة﴾، وكذا قوله: ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾،
٤٦ - وقوله: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ﴾، وقوله: ﴿من الصالحين﴾ فهذه أربعة أحوال من ﴿كلمة﴾، والتذكير باعتبار معناها، وهي وإن كانت نكرة، لكنها موصوفة، أي: حالة كونه شريفًا رفيعًا ذا جاء وقدر. ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بالنبوة وبإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بسبب دعائه. ﴿و﴾ في ﴿الْآخِرَةِ﴾ بجعله شفيع أمته، وبقبول شفاعته فيهم، وبعلو درجته عند الله تعالى ﴿و﴾ حالة كونه كائنًا
قلتُ: المراد اسمه الذي يتميز به عن غيره، وهو لا يتميز إلا بمجموع الثلاثة، وبهذا تعلم أن الخبر عن اسمه إنما هو مجموع الثلاثة من حيث المعنى، لا كل واحد منها على حياله، فهذا على حد الرُّمان حلو حامض، وإنما نسبه الله تعالى إلى الأم إعلامًا لها بأنه محدث بغير الأب، فكان ذلك سببًا لزيادة فضله وعلو درجته، وإنما لم بقل: ابنك كما هو الظاهر إشارةً إلى أنه يكنى بهذه الكنية المشتملة على الإضافة للظاهر. ﴿وَجِيهًا﴾ حال مقدرة من ﴿كلمة﴾، وكذا قوله: ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾،
٤٦ - وقوله: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ﴾، وقوله: ﴿من الصالحين﴾ فهذه أربعة أحوال من ﴿كلمة﴾، والتذكير باعتبار معناها، وهي وإن كانت نكرة، لكنها موصوفة، أي: حالة كونه شريفًا رفيعًا ذا جاء وقدر. ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بالنبوة وبإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بسبب دعائه. ﴿و﴾ في ﴿الْآخِرَةِ﴾ بجعله شفيع أمته، وبقبول شفاعته فيهم، وبعلو درجته عند الله تعالى ﴿و﴾ حالة كونه كائنًا
﴿من المقربين﴾ إلى الله في جنة عدن، وهذا الوصف كالتنبيه على أن عيسى سيرفع إلى السماء، وتصاحبه الملائكة ﴿و﴾ حالة كونه ﴿يكلم الناس في﴾ زمن ﴿الْمَهْدِ﴾ والطفولة، وهو في حجر أمه إظهارًا لبراءة أمه مما قذفها به المفترون عليها، وحجة على نبوته؛ حيث قال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾، كما سيأتي في سورة "مريم"، وبعد ما تكلم بهذا الكلام.. سكت ولم يتكلم حتى بلغ أوان النطق عادة ﴿و﴾ يكلمهم حالة كونه ﴿كهلا﴾؛ أي: بالغًا كبيرًا بكلام الأنبياء، والدعوة إلى الله، فهو إشارة إلى نبوته. وزمن الكهولة من الثلاثين سنة إلى الأربعين، وفي وصفه بهذه الصفات المتغايرة إشارة إلى أنه بمعزل عن الألوهية، ففيه ردٌّ على النصارى، كانه قال: لو كان إلهًا كما زعمتم.. ما اعتراه هذا التغير من كونه صبيًّا وكهلًا وغير ذلك.
﴿و﴾ حالة كونه كائنًا من العباد ﴿الصَّالِحِينَ﴾ ومعدودًا منهم، الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، الذين تعرف مريم سيرتهم؛ مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى، وغيرهم من الأنبياء.
وإنما ختم (١) أوصاف عيسى عليه السلام بكونه من الصالحين، بعدما وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لأن الصلاح من أعظم المراتب وأشرف المقامات؛ لأنه لا يسمى المرء صالحًا حتى يكون مواظبًا على النهج الأصلح والطريق الأكمل في جميع أقواله وأفعاله، فلما وصفه الله تعالى بكونه وجيهًا في الدنيا والآخرة، ومن المقربين، وأنه يكلم الناس في المهد وكهلًا.. أردفه بقوله: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ ليكمل له أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
٤٧ - ﴿قَالَتْ﴾ مريم لجبريل لما بشرها بالولد، وقيل: تقوله لله عَزَّ وَجَلَّ - ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾؛ أي: يا سيدي من أين يكون لي ولد ﴿و﴾ الحال أني ﴿لم يمسسني بشر﴾؛ أي: لم يصبني رجل بالحلال ولا بالحرام؟؛ لأن المحررة لا تتزوج أبدًا كالذكر المحرر.
أي قالت: كيف يكون لي ولد وليس لي زوج؟ وقد يكون مرادها: أيحدث
﴿و﴾ حالة كونه كائنًا من العباد ﴿الصَّالِحِينَ﴾ ومعدودًا منهم، الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، الذين تعرف مريم سيرتهم؛ مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى، وغيرهم من الأنبياء.
وإنما ختم (١) أوصاف عيسى عليه السلام بكونه من الصالحين، بعدما وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لأن الصلاح من أعظم المراتب وأشرف المقامات؛ لأنه لا يسمى المرء صالحًا حتى يكون مواظبًا على النهج الأصلح والطريق الأكمل في جميع أقواله وأفعاله، فلما وصفه الله تعالى بكونه وجيهًا في الدنيا والآخرة، ومن المقربين، وأنه يكلم الناس في المهد وكهلًا.. أردفه بقوله: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ ليكمل له أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
٤٧ - ﴿قَالَتْ﴾ مريم لجبريل لما بشرها بالولد، وقيل: تقوله لله عَزَّ وَجَلَّ - ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾؛ أي: يا سيدي من أين يكون لي ولد ﴿و﴾ الحال أني ﴿لم يمسسني بشر﴾؛ أي: لم يصبني رجل بالحلال ولا بالحرام؟؛ لأن المحررة لا تتزوج أبدًا كالذكر المحرر.
أي قالت: كيف يكون لي ولد وليس لي زوج؟ وقد يكون مرادها: أيحدث
(١) الخازن.
304
ذلك بزواج أم يحصل بقدرتك؟ وقد يكون قصدها: التعجب من قدرة الله واستعظام شأنه. وفي "الفتوحات": والاستفهام هنا استفهام حقيقي عن كيفية خلقه منها، هل يكون وهي بهذه الحالة عزباء، أو بعد أن تتزوج؟ فأجابها: بأنه يخلقه منها، وهي على هذه الحالة، كما يدل عليه قولنا الآتي من خلق ولدٍ منك بلا أب. انتهى.
﴿قَالَ﴾ جبريل الأمر ﴿كَذَلِكِ﴾؛ أي: كما قلت لكِ من خلق ولد منك بلا أب ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ كيف شاء بسبب، وبلا سبب.
أو المعنى (١): مثل هذا الخلق العجيب، والإحداث البديع - وهو خلق الولد بغير أبٍ - يخلق الله ما يشاء، فالكاف صفة لمصدر محذوف على هذا المعنى.
فإن قلت (٢): لِمَ عبَّر هنا بالخلق، وفي قصة يحيى بالفعل؟
قلت: لأن ولادة العذراء من غير أن يمسها بشر، أبدع وأغرب من ولادة عجوز عاقر من شيخ كبير، فكأن الخلق المنبىء عن الاختراع أنسب بهذا المقام من مطلق الفعل كما سبق.
أي: هكذا يخلق الله منك ولدًا من غير أن يمسك بشر، فيجعله آية للناس وعبرة، فإنه ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾؛ أي: إذا أراد خلق شيء من الكائنات ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾؛ أي: لذلك الأمر ﴿كُن﴾ لا غير، أي: أحدث وأخرج من العدم ﴿فـ﴾ هو ﴿يكون﴾؛ أي: فذلك الأمر يوجد بسرعة من غير تباطؤ، فنفخ جبريل في جيب درعها، فوصل نَفَسه إلى فرجها فدخل رحمها، فحملت منه، وفيه إشارة إلى أنه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرجًا بأسباب ومواد.. يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك، وهذا تمثيل لكمال قدرته، ونفوذ مشيئته وتصوير لسرعة حصول ما يريد بلا إبطاء بصورة آمر مطاع لمأمور قادر على العمل مطيع يفعل ما يطلب منه
﴿قَالَ﴾ جبريل الأمر ﴿كَذَلِكِ﴾؛ أي: كما قلت لكِ من خلق ولد منك بلا أب ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ كيف شاء بسبب، وبلا سبب.
أو المعنى (١): مثل هذا الخلق العجيب، والإحداث البديع - وهو خلق الولد بغير أبٍ - يخلق الله ما يشاء، فالكاف صفة لمصدر محذوف على هذا المعنى.
فإن قلت (٢): لِمَ عبَّر هنا بالخلق، وفي قصة يحيى بالفعل؟
قلت: لأن ولادة العذراء من غير أن يمسها بشر، أبدع وأغرب من ولادة عجوز عاقر من شيخ كبير، فكأن الخلق المنبىء عن الاختراع أنسب بهذا المقام من مطلق الفعل كما سبق.
أي: هكذا يخلق الله منك ولدًا من غير أن يمسك بشر، فيجعله آية للناس وعبرة، فإنه ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾؛ أي: إذا أراد خلق شيء من الكائنات ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾؛ أي: لذلك الأمر ﴿كُن﴾ لا غير، أي: أحدث وأخرج من العدم ﴿فـ﴾ هو ﴿يكون﴾؛ أي: فذلك الأمر يوجد بسرعة من غير تباطؤ، فنفخ جبريل في جيب درعها، فوصل نَفَسه إلى فرجها فدخل رحمها، فحملت منه، وفيه إشارة إلى أنه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرجًا بأسباب ومواد.. يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك، وهذا تمثيل لكمال قدرته، ونفوذ مشيئته وتصوير لسرعة حصول ما يريد بلا إبطاء بصورة آمر مطاع لمأمور قادر على العمل مطيع يفعل ما يطلب منه
(١) المراغي.
(٢) الجمل.
(٢) الجمل.
305
على الفور.
وهذا الأمر يسمى أمر تكوين، وهناك أمر آخر هو أمر تكليف، يعرف بوحي الله لأنبيائه، والجاحدون لآيات الله ينكرون الحمل بعيسى من غير أب وقوفًا عند العادة، وذهولًا عن كيفية بدء العالم، ولكن ليس لهم دليل عقلي ينبيء بالاستحالة، وإنا نشاهد كل يوم حدوث شيء في الكون لم يكن معتادًا من قبل، بعضه له أسباب معروفة، فيسمونه: استكشافًا أو اختراعًا، وبعضه ليس بمعروف له سببٌ، ويسمونه: فلتات الطبيعة.
والمؤمنون يقولون: إن مثل هذا الذي جاء على غير الأسباب المعروفة يجب أن يهدي الحاقل إلى أن الأسباب ليست واجبة وجوبًا عقليًّا مطردًا.
وإن أبناء الجيل الحاضر الذين رأوا من الغرائب ما لو رآه السابقون.. لعدوه سحرًا، أو خرافة، أو أضافوه إلى الجن، ليس لهم عذر في إنكار الأشياء التي لم يعرفوا لها أسبابًا، وقد قرر فلاسفة العصر إمكان توالد الحيوان من غير حيوان، إذًا فتوالد الحيوان من حيوان واحد أقربُ إلى العقول، وأدنى إلى الإمكان.
٤٨ - ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ﴾ قرأ نافع وعاصم: ﴿يعلمه﴾ بالياء ويكون معطوفًا على الحال، أعني: قوله: وجيهًا، فكأن جبريل قال: حالة كونه وجيهًا ومعلمًا الكتاب، وما بعده بفتح اللام، أو على: ﴿يُبَشِرُكِ﴾، وقرأ الباقون: ﴿ونعلمه﴾ - بالنون - فيكون معمولًا لقول محذوف من كلام الملك تقديره: ويقول الله نعلمه إلخ، ويكون في المعنى معطوفًا على الحال أيضًا تقديره: وجيهًا ومقولًا فيه نعلمه، أو على ﴿يُبَشِّرُكَ﴾؛ أي: إن الله يبشرك بعيسى، ويقول: نعلمه الكتاب، ويصح كونه مستأنفًا سيق تطييبًا لقلبها، وإزاحة لما أَهَمَّها من خوف الملامة حين علمت أنها تلد من غير زوج.
أي: ويعلمه الكتاب؛ أي: الكتابة والخط باليد، وكان أحسن الناس خطًّا في زمانه، وقيل: يعلمه كتب الأنبياء ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾؛ أي: العلم المقترن بالعمل، وتهذيب الأخلاق ﴿وَالتَّوْرَاةَ﴾ التي أنزلت على موسى ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ الذي أنزل عليه،
وهذا الأمر يسمى أمر تكوين، وهناك أمر آخر هو أمر تكليف، يعرف بوحي الله لأنبيائه، والجاحدون لآيات الله ينكرون الحمل بعيسى من غير أب وقوفًا عند العادة، وذهولًا عن كيفية بدء العالم، ولكن ليس لهم دليل عقلي ينبيء بالاستحالة، وإنا نشاهد كل يوم حدوث شيء في الكون لم يكن معتادًا من قبل، بعضه له أسباب معروفة، فيسمونه: استكشافًا أو اختراعًا، وبعضه ليس بمعروف له سببٌ، ويسمونه: فلتات الطبيعة.
والمؤمنون يقولون: إن مثل هذا الذي جاء على غير الأسباب المعروفة يجب أن يهدي الحاقل إلى أن الأسباب ليست واجبة وجوبًا عقليًّا مطردًا.
وإن أبناء الجيل الحاضر الذين رأوا من الغرائب ما لو رآه السابقون.. لعدوه سحرًا، أو خرافة، أو أضافوه إلى الجن، ليس لهم عذر في إنكار الأشياء التي لم يعرفوا لها أسبابًا، وقد قرر فلاسفة العصر إمكان توالد الحيوان من غير حيوان، إذًا فتوالد الحيوان من حيوان واحد أقربُ إلى العقول، وأدنى إلى الإمكان.
٤٨ - ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ﴾ قرأ نافع وعاصم: ﴿يعلمه﴾ بالياء ويكون معطوفًا على الحال، أعني: قوله: وجيهًا، فكأن جبريل قال: حالة كونه وجيهًا ومعلمًا الكتاب، وما بعده بفتح اللام، أو على: ﴿يُبَشِرُكِ﴾، وقرأ الباقون: ﴿ونعلمه﴾ - بالنون - فيكون معمولًا لقول محذوف من كلام الملك تقديره: ويقول الله نعلمه إلخ، ويكون في المعنى معطوفًا على الحال أيضًا تقديره: وجيهًا ومقولًا فيه نعلمه، أو على ﴿يُبَشِّرُكَ﴾؛ أي: إن الله يبشرك بعيسى، ويقول: نعلمه الكتاب، ويصح كونه مستأنفًا سيق تطييبًا لقلبها، وإزاحة لما أَهَمَّها من خوف الملامة حين علمت أنها تلد من غير زوج.
أي: ويعلمه الكتاب؛ أي: الكتابة والخط باليد، وكان أحسن الناس خطًّا في زمانه، وقيل: يعلمه كتب الأنبياء ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾؛ أي: العلم المقترن بالعمل، وتهذيب الأخلاق ﴿وَالتَّوْرَاةَ﴾ التي أنزلت على موسى ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ الذي أنزل عليه،
وإنما أفردهما بالذكر على تقدير كون المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة؛ لزيادة فضلهما على غيرهما، فكان يحفظهما على ظهر قلبه.
وهذا إخبار من الله تعالى لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به، من الكرامة وعلو المنزلة.
٤٩ - ﴿و﴾ حالة كونه ﴿رسولًا إلى بني إسرائيل﴾ كلهم، وتخصيص (١) بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم.
وقرأ اليزيدي شذوذًا: ﴿ورسولِ﴾ - بالجر - وخرجه الزمخشري على أنه معطوف على قوله: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾، وهي قراءة شاذة في القياس؛ لطول البعد بين المعطوف والمعطوف عليه.
والمعتمد عند الجمهور (٢): أن عيسى إنما نبىء على رأس الأربعين، وأنه عاش في الأرض قبل رفعه مئة وعشرين سنة، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل كما أن أولهم يوسف بن يعقوب، وسيأتي بسط ذلك عند قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ إن شاء الله تعالى.
﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ - بفتح الهمزة - على قراءة الجمهور، فيكون مجرورًا بباء الملابسة المقدرة المتعلقة بمحذوف حال من رسول المقدر؛ لما فيه من معنى النطق، والتقدير: فلما جاءهم.. قال: إني رسول الله إليكم حالة كوني ملتبسًا بمجيئي إياكم بآية وعلامة تدل على صدق رسالتي، وتلك الآية: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير إلخ، وهذا التقدير أحسن (٣)؛ لأن قصة البشارة قد تمت، وهذا شروع في قصة ما وقع له بعد وجوده في الخارج.
وقريء بكسر همزة ﴿إني﴾ وهي شاذة، فيكون مفعولًا لقول محذوف تقديره: فلما جاءهم.. قال لهم: إني قد جئتكم بآية. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: بعلامة دالة على صدقي كائنة من ربكم، وإنما قال: ﴿بِآيَةٍ﴾، وقد جاء بآيات
وهذا إخبار من الله تعالى لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به، من الكرامة وعلو المنزلة.
٤٩ - ﴿و﴾ حالة كونه ﴿رسولًا إلى بني إسرائيل﴾ كلهم، وتخصيص (١) بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم.
وقرأ اليزيدي شذوذًا: ﴿ورسولِ﴾ - بالجر - وخرجه الزمخشري على أنه معطوف على قوله: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾، وهي قراءة شاذة في القياس؛ لطول البعد بين المعطوف والمعطوف عليه.
والمعتمد عند الجمهور (٢): أن عيسى إنما نبىء على رأس الأربعين، وأنه عاش في الأرض قبل رفعه مئة وعشرين سنة، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل كما أن أولهم يوسف بن يعقوب، وسيأتي بسط ذلك عند قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ إن شاء الله تعالى.
﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ - بفتح الهمزة - على قراءة الجمهور، فيكون مجرورًا بباء الملابسة المقدرة المتعلقة بمحذوف حال من رسول المقدر؛ لما فيه من معنى النطق، والتقدير: فلما جاءهم.. قال: إني رسول الله إليكم حالة كوني ملتبسًا بمجيئي إياكم بآية وعلامة تدل على صدق رسالتي، وتلك الآية: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير إلخ، وهذا التقدير أحسن (٣)؛ لأن قصة البشارة قد تمت، وهذا شروع في قصة ما وقع له بعد وجوده في الخارج.
وقريء بكسر همزة ﴿إني﴾ وهي شاذة، فيكون مفعولًا لقول محذوف تقديره: فلما جاءهم.. قال لهم: إني قد جئتكم بآية. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: بعلامة دالة على صدقي كائنة من ربكم، وإنما قال: ﴿بِآيَةٍ﴾، وقد جاء بآيات
(١) البيضاوي.
(٢) الجمل والمراح.
(٣) الجمل.
(٢) الجمل والمراح.
(٣) الجمل.
307
كثيرة؛ لأن الكل دال على شيء واحد، وهو صدقه في الرسالة. قرأ الجمهور: ﴿بِآيَةٍ﴾ بالإفراد، وفي مصحف عبد الله شذوذًا: (بآيات) بالجمع في الموضعين، فلما قال ذلك عيسى لبني إسرائيل.. قالوا: ما تلك الآية؟ قال هي ﴿أَنِّي أَخْلُقُ﴾ وأصور وأقدر ﴿لَكُمْ﴾؛ أي: لأجل هدايتكم وتصديقكم بي ﴿مِنَ الطِّينِ﴾؛ أي: من التراب الرطب ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾؛ أي: شيئًا مثل صورة الطير.
قرأ الجمهور: ﴿أَنِّي﴾ - بفتح الهمزة - على كونه خبر مبتدأ محذوف كما قدرنا، أو على كونه بدلًا من آية، فيكون في محل جر. وقرأ نافع ﴿إنيَ﴾ بالكسر على الاستئناف، أو على إضمار القول. وقرأ الجمهور ﴿كَهَيْئَةِ﴾ بفتحتين بينهما ياء ساكنة. وقرأ الزهري شذوذًا: (كهِيَّة) بكسر الهاء وياء مشددة مفتوحة بعدها تاء التأنيث. وقرأ الجمهور: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع في المتواتر: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾.
﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾؛ أي: في فم ذلك الشيء المماثل للطير، فالضمير للكاف. وقرأ بعض القراء شذوذًا؛ (فأنفخ فيها) بالتأنيث كما هو كذلك في المائدة، فالضمير للهيئة. ﴿فَيَكُونُ﴾؛ أي: فيصير ذلك المماثل الذي أنفخ فيه ﴿طَيْرًا﴾ حيًّا يطير بين السماء والأرض ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ أي: بأمر الله وتكوينه وتخليقه، وفيه إشارة إلى أن إحياءَه من الله تعالى، لا منه، وهذه هي المعجزة الأولى. وقرأ نافع ويعقوب هنا وفي المائدة: ﴿طائرًا﴾، وقرأ الباقون: ﴿طيرا﴾.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: الخَفَّاش، وإنما طالبوه بخلق الخفاش؛ لأنه أكمل الطير خلقًا، وأبلغ دلالة على القدرة؛ لأن له نابًا وأسنانًا، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويطير بغير ريش، ولا يبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، إنما يرى في ساعتين: ساعة بعد المغرب، وساعة بعد طلوع الفجر، والأنثى منه لها ثدي وتحيض وتطهر وتلد.
وخلاصة الكلام: أن من علامات نبوتي - إن كنتم فيه تمترون - أني أقتطع من الطين جزءًا مصورًا بصورة طير من الطيور التي تريدون، ثم أنفخ فيه، فيصير
قرأ الجمهور: ﴿أَنِّي﴾ - بفتح الهمزة - على كونه خبر مبتدأ محذوف كما قدرنا، أو على كونه بدلًا من آية، فيكون في محل جر. وقرأ نافع ﴿إنيَ﴾ بالكسر على الاستئناف، أو على إضمار القول. وقرأ الجمهور ﴿كَهَيْئَةِ﴾ بفتحتين بينهما ياء ساكنة. وقرأ الزهري شذوذًا: (كهِيَّة) بكسر الهاء وياء مشددة مفتوحة بعدها تاء التأنيث. وقرأ الجمهور: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع في المتواتر: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾.
﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾؛ أي: في فم ذلك الشيء المماثل للطير، فالضمير للكاف. وقرأ بعض القراء شذوذًا؛ (فأنفخ فيها) بالتأنيث كما هو كذلك في المائدة، فالضمير للهيئة. ﴿فَيَكُونُ﴾؛ أي: فيصير ذلك المماثل الذي أنفخ فيه ﴿طَيْرًا﴾ حيًّا يطير بين السماء والأرض ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ أي: بأمر الله وتكوينه وتخليقه، وفيه إشارة إلى أن إحياءَه من الله تعالى، لا منه، وهذه هي المعجزة الأولى. وقرأ نافع ويعقوب هنا وفي المائدة: ﴿طائرًا﴾، وقرأ الباقون: ﴿طيرا﴾.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: الخَفَّاش، وإنما طالبوه بخلق الخفاش؛ لأنه أكمل الطير خلقًا، وأبلغ دلالة على القدرة؛ لأن له نابًا وأسنانًا، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويطير بغير ريش، ولا يبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، إنما يرى في ساعتين: ساعة بعد المغرب، وساعة بعد طلوع الفجر، والأنثى منه لها ثدي وتحيض وتطهر وتلد.
وخلاصة الكلام: أن من علامات نبوتي - إن كنتم فيه تمترون - أني أقتطع من الطين جزءًا مصورًا بصورة طير من الطيور التي تريدون، ثم أنفخ فيه، فيصير
308
طيرًا حيًّا يحلق في جو السماء، كما تفعل بقية الطيور.
وقد روي أنه عليه السلام لما أعلن النبوة، وأظهر المعجزات.. طالبوه بخلق خَفَّاش، فأخذ طينًا، وصوره، ونفخ فيه، فإذا هو يطير بين السماء والأرض، قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم.. سقط ميتًا؛ ليتميز عن خلق الله تعالى.
وقد جرت سنّة الله أن تجرى الآيات على أيدي الأنبياء عند طلب قومهم لها، وجعل الإيمان موقوفًا عليها، فإن كانوا سألوه شيئًا من ذلك.. فقد فعل، ولا حاجة بنا إلى تعيين نوع الطير؛ إذ لم يرد عندنا نص من كتاب أو سنّة يعينه، فنقف حينئذٍ عند لفظ الآية.
فلما صور لهم خفاشًا.. قالوا: هذا سحر، فهل عندك غيره؟ قال: نعم. ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾؛ أي: وأشفي الذي ولد أعمى، أو الممسوح العينين، وأصححه من عماه ﴿و﴾ أشفي ﴿الأبرص﴾ وأصححه من مرضه؛ وهو الذي في جلده بياض شديد، وهذه هي المعجزة الثانية، ولم يقل في هذه المعجزة، وفي المعجزة الرابعة: بإذن الله؛ لأنهما ليس فيهما كبير غرابة بالنسبة إلى الآخرين، فتوهم الألوهية فيهما بعيد، فلا يحتاج للتنبيه على نفيه خصوصًا وكان فيهم أطباء كثيرون، وإنما خُصَّا بالذكر؛ لأن مداواتهما أعيت الأطباء، وقد كان الطب متقدمًا جدًّا في زمن عيسى، فأراهم الله المعجزة من ذلك الجنس، وقد جرت السنّة الإلهية أن تكون معجزة كل نبي من جنس ما اشتهر في زمنه؛ فأعطى موسى العصا، وابتلعت ما كانوا يأفكون؛ لأن المصريين في ذلك العصر كانوا مشهورين بالسحر؛ وأعطى عيسى من المعجزات ما هو من جنس الطب الذي حذقه أطباء عصره؛ وأعطى محمدًا - ﷺ - معجزة القرآن؛ لأن التفاخر في ذلك العصر كان بالفصاحة والبيان.
فلما فعل ذلك قالوا: هذا سحر، فهل عندك غيره؟ قال: نعم. ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ أي: وأحيي بعض الأموات بإرادة الله ودعائه، وكان يدعو لإحيائهم باسم الله الأعظم، وهو يا حي يا قيوم، وهذه هي المعجزة الثالثة.
وقد روي أنه عليه السلام لما أعلن النبوة، وأظهر المعجزات.. طالبوه بخلق خَفَّاش، فأخذ طينًا، وصوره، ونفخ فيه، فإذا هو يطير بين السماء والأرض، قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم.. سقط ميتًا؛ ليتميز عن خلق الله تعالى.
وقد جرت سنّة الله أن تجرى الآيات على أيدي الأنبياء عند طلب قومهم لها، وجعل الإيمان موقوفًا عليها، فإن كانوا سألوه شيئًا من ذلك.. فقد فعل، ولا حاجة بنا إلى تعيين نوع الطير؛ إذ لم يرد عندنا نص من كتاب أو سنّة يعينه، فنقف حينئذٍ عند لفظ الآية.
فلما صور لهم خفاشًا.. قالوا: هذا سحر، فهل عندك غيره؟ قال: نعم. ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾؛ أي: وأشفي الذي ولد أعمى، أو الممسوح العينين، وأصححه من عماه ﴿و﴾ أشفي ﴿الأبرص﴾ وأصححه من مرضه؛ وهو الذي في جلده بياض شديد، وهذه هي المعجزة الثانية، ولم يقل في هذه المعجزة، وفي المعجزة الرابعة: بإذن الله؛ لأنهما ليس فيهما كبير غرابة بالنسبة إلى الآخرين، فتوهم الألوهية فيهما بعيد، فلا يحتاج للتنبيه على نفيه خصوصًا وكان فيهم أطباء كثيرون، وإنما خُصَّا بالذكر؛ لأن مداواتهما أعيت الأطباء، وقد كان الطب متقدمًا جدًّا في زمن عيسى، فأراهم الله المعجزة من ذلك الجنس، وقد جرت السنّة الإلهية أن تكون معجزة كل نبي من جنس ما اشتهر في زمنه؛ فأعطى موسى العصا، وابتلعت ما كانوا يأفكون؛ لأن المصريين في ذلك العصر كانوا مشهورين بالسحر؛ وأعطى عيسى من المعجزات ما هو من جنس الطب الذي حذقه أطباء عصره؛ وأعطى محمدًا - ﷺ - معجزة القرآن؛ لأن التفاخر في ذلك العصر كان بالفصاحة والبيان.
فلما فعل ذلك قالوا: هذا سحر، فهل عندك غيره؟ قال: نعم. ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ أي: وأحيي بعض الأموات بإرادة الله ودعائه، وكان يدعو لإحيائهم باسم الله الأعظم، وهو يا حي يا قيوم، وهذه هي المعجزة الثالثة.
309
وإنما كرر (١): بإذن الله هنا وفيما مرَّ؛ لنفي توهم الألوهية في عيسى، فهو رد على النصارى؛ لأن الإحياء والخلق ليس من جنس الأفعال البشرية، وأما إبراء الأكمه والأبرص، فهو من جنس أفعالهم، فلذا لم يذكر بإذن الله بعده، وذكر في المائدة أربعًا بلفظ: إذني؛ لأنه هنا من كلام عيسى، وثم من كلام الله تعالى، وأتى بهذه الأربع بلفظ المضارع دلالة على تجدد ذلك كل وقت طلب منه.
روي أنه أحيا أربعة أنفس: أحيا عازَر بوزن هاجر بعد موته بثلاثة أيام حتى عاش، وولد له، وأحيا ابن العجوز وهو ميت محمول على السرير، فنزل عن سريره حيًّا، ورجع إلى أهله، وعاش وولد له، وأحيا بنت العاشر؛ أي: الذي يأخذ العشور من الناس بعد يوم من موتها، فعاشت، وولد لها، فقالوا لعيسى: إنك تحيي من كان قريب العهد من الموت، فلعلهم لم يموتوا حقيقة، بل أصابهم سكتة، فأحي لنا سام بن نوح، وهو قد مضى من موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقام على قبره، فدعا الله باسمه الأعظم، فقام من قبره، وقال للقوم: صدقوه فإنه نبي الله، ومات في الحال، فآمن به بعضهم، وكذبه آخرون، فقالوا: هذا سحر فهل عندك غيره؟ قال: نعم. ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ﴾؛ أي؛ وأخبركم بما تطعمون وتشربون غدوة وعشية ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾؛ أي: وأخبركم ما ترفعون وتخبئون في بيوتكم من غداء لعشاء، ومن عشاء لغداء لتأكلوه فيما بعد ذلك. قيل: كان عيسى عليه السلام يخبر الرجل بما أكل البارحة، وبما يأكله اليوم، وبما يدخره للعشاء، وقال قتادة: إنما كان هذا في نزول المائدة، وكان خوانًا ينزل عليهم أينما كانوا، فيه من طعام الجنة، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغدٍ، فخانوا وادخروا، فكان عيسى عليه السلام يخبرهم بما أكلوا من المائدة، وما ادخروا منها، فمسخهم الله خنازير، وهذه هي المعجزة الرابعة، وفي هذا دليل قاطع على صحة نبوة عيسى عليه السلام، ومعجزة عظيمة له، وهي: إخباره عن المغيبات مع ما تقدم له من الآيات الباهرات من: إبراء الأكمه
روي أنه أحيا أربعة أنفس: أحيا عازَر بوزن هاجر بعد موته بثلاثة أيام حتى عاش، وولد له، وأحيا ابن العجوز وهو ميت محمول على السرير، فنزل عن سريره حيًّا، ورجع إلى أهله، وعاش وولد له، وأحيا بنت العاشر؛ أي: الذي يأخذ العشور من الناس بعد يوم من موتها، فعاشت، وولد لها، فقالوا لعيسى: إنك تحيي من كان قريب العهد من الموت، فلعلهم لم يموتوا حقيقة، بل أصابهم سكتة، فأحي لنا سام بن نوح، وهو قد مضى من موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقام على قبره، فدعا الله باسمه الأعظم، فقام من قبره، وقال للقوم: صدقوه فإنه نبي الله، ومات في الحال، فآمن به بعضهم، وكذبه آخرون، فقالوا: هذا سحر فهل عندك غيره؟ قال: نعم. ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ﴾؛ أي؛ وأخبركم بما تطعمون وتشربون غدوة وعشية ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾؛ أي: وأخبركم ما ترفعون وتخبئون في بيوتكم من غداء لعشاء، ومن عشاء لغداء لتأكلوه فيما بعد ذلك. قيل: كان عيسى عليه السلام يخبر الرجل بما أكل البارحة، وبما يأكله اليوم، وبما يدخره للعشاء، وقال قتادة: إنما كان هذا في نزول المائدة، وكان خوانًا ينزل عليهم أينما كانوا، فيه من طعام الجنة، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغدٍ، فخانوا وادخروا، فكان عيسى عليه السلام يخبرهم بما أكلوا من المائدة، وما ادخروا منها، فمسخهم الله خنازير، وهذه هي المعجزة الرابعة، وفي هذا دليل قاطع على صحة نبوة عيسى عليه السلام، ومعجزة عظيمة له، وهي: إخباره عن المغيبات مع ما تقدم له من الآيات الباهرات من: إبراء الأكمه
(١) الجمل.
310
والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى، وإخباره عن الغيوب بإعلام الله إياه ذلك، وهذا مما لا سبيل لأحد من البشر إليه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور الذي قلته لكم من خلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والإخبار عن المغيبات ﴿لَأَيَة﴾؛ أي: لمعجزة قوية دالة على صحة رسالتي دلالة واضحة ﴿لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ومصدقين للحق غير معاندين انتفعتم بهذه الآيات. وقرأ الجمهور: ﴿تَدَّخِرُونَ﴾ بذال مشددة. وقرأ مجاهد والزهري وأيوب السختياني: ﴿تذخرون﴾ بذال ساكنة وخاء مفتوحة. وقرأ أبو شعيب السوسي: ﴿وما تذدخرون﴾ بذال ساكنة ودال مفتوحة من غير إدغام، وهذا الفك جائز، وقراءة الجمهور بالإدغام أجود، وما عداه شاذ.
وتقدم أن في مصحف عبد الله بن مسعود: ﴿لآيات﴾ بالجمع، فمن أفرد أراد الجنس، وهو صالح للقليل والكثير.
٥٠ - ﴿وَمُصَدِّقًا﴾ عطف ومصدقًا على قوله: بآية؛ إذ الباء فيه للحال، ولا تكون للتعدية؛ لفساد المعنى، فالمعنى: وجئتكم مصحوبًا بآية من ربكم، ومصدقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ﴾؛ أي: لما قبلي ﴿مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ ومؤيدًا لها، ومعنى تصديقه للتوراة: الإيمان بها وإن كانت شريعته تخالفها في أشياء، وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسع مئة سنة وخمس وسبعون سنة.
والخلاصة: أي وجئتكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة، لا ناسخًا لها، ولا مخالفًا شيئًا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددًا عليهم فيها، وهو الذي ذكره بقوله ﴿و﴾ جئتكم ﴿لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم﴾؛ أي: ولأحل لكم بعض الطيبات التي حرمت عليكم في شريعة موسى بسبب ظلمكم، وكثرة سؤالكم؛ كما قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ من الشحوم والشروب، وهي شحم الكرش والأمعاء رقيق للبقر والغنم ولحوم الإبل، ومما لا صيصية له؛ أي: شوكة يؤذي بها من السمك والطير، ومن العمل في يوم السبت، وهذا لا يقدح في كونه مصدقًا للتوراة؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان.
وتقدم أن في مصحف عبد الله بن مسعود: ﴿لآيات﴾ بالجمع، فمن أفرد أراد الجنس، وهو صالح للقليل والكثير.
٥٠ - ﴿وَمُصَدِّقًا﴾ عطف ومصدقًا على قوله: بآية؛ إذ الباء فيه للحال، ولا تكون للتعدية؛ لفساد المعنى، فالمعنى: وجئتكم مصحوبًا بآية من ربكم، ومصدقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ﴾؛ أي: لما قبلي ﴿مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ ومؤيدًا لها، ومعنى تصديقه للتوراة: الإيمان بها وإن كانت شريعته تخالفها في أشياء، وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسع مئة سنة وخمس وسبعون سنة.
والخلاصة: أي وجئتكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة، لا ناسخًا لها، ولا مخالفًا شيئًا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددًا عليهم فيها، وهو الذي ذكره بقوله ﴿و﴾ جئتكم ﴿لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم﴾؛ أي: ولأحل لكم بعض الطيبات التي حرمت عليكم في شريعة موسى بسبب ظلمكم، وكثرة سؤالكم؛ كما قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ من الشحوم والشروب، وهي شحم الكرش والأمعاء رقيق للبقر والغنم ولحوم الإبل، ومما لا صيصية له؛ أي: شوكة يؤذي بها من السمك والطير، ومن العمل في يوم السبت، وهذا لا يقدح في كونه مصدقًا للتوراة؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان.
قرأ الجمهور: ﴿حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ بالبناء للمفعول مع التشديد، وقرأ عكرمة شذوذًا: (حَرّم عليكم) بالتشديد مبنيًّا للفاعل، والفاعل ضمير يعود على ﴿ما﴾ في قوله: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ﴾، أو يعود على الله منزل التوراة، أو على موسى صاحب التوراة، والظاهر الأول؛ لأنه مذكور، وقرأ إبراهيم النخعي شذوذًا أيضًا: (حَرُم) بوزن: كَرُم. ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: وقد جئتكم بآية بعد آية من ربكم دالة على صدق مقالتي، وشاهدة على صحة رسالتي مما ذكرت لم: من خلق الطير، وإبراء الأكمه والأبرص، والإحياء والإنباء بالمغيبات إلى نحو ذلك (١)، وقرىء شذوذًا: ﴿بآيات﴾ بلفظ الجمع، وكرر هذا ليرتب عليه الأمر الذي ذكره بقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ أي: خافوا عقاب الله يا بني إسرائيل في عدم قبولها ﴿وَأَطِيعُونِ﴾؛ أي: امتثلوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه عن الله تعالى، ثم ختم مقاله بالإقرار بالتوحيد، والاعتراف بالعبودية، فقال:
٥١ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾؛ أي: خالقي وخالقكم، ومالكي ومالككم، وتكرار: ﴿رَبِّي﴾ ﴿وَرَبُّكُمْ﴾ أبلغ في التزام العبودية من قوله: ربنا، وأدل على التبري من الربوبية، وأقر بالعبودية لئلا يتقولوا عليه الباطل، فيقولوا: إنه إله وابن إله؛ لأن إقراره بالعبودية لله يمنعُ مما تدعيه جهال النصارى عليه ﴿فَاعْبُدُوه﴾؛ أي: وحدوه ولازموا طاعته التي هي الإتيان بالأوامر، والانتهاء عن المناهي ﴿هَذَا﴾؛ أي: الجمع بين التوحيد والعبادة ﴿صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾؛ أي: دين قويم يرضاه الله تعالى، وهو الإِسلام الموصل إلى خيري الدنيا والآخرة.
الإعراب
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢)﴾.
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾: الواو استئنافية ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان. ﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾،
٥١ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾؛ أي: خالقي وخالقكم، ومالكي ومالككم، وتكرار: ﴿رَبِّي﴾ ﴿وَرَبُّكُمْ﴾ أبلغ في التزام العبودية من قوله: ربنا، وأدل على التبري من الربوبية، وأقر بالعبودية لئلا يتقولوا عليه الباطل، فيقولوا: إنه إله وابن إله؛ لأن إقراره بالعبودية لله يمنعُ مما تدعيه جهال النصارى عليه ﴿فَاعْبُدُوه﴾؛ أي: وحدوه ولازموا طاعته التي هي الإتيان بالأوامر، والانتهاء عن المناهي ﴿هَذَا﴾؛ أي: الجمع بين التوحيد والعبادة ﴿صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾؛ أي: دين قويم يرضاه الله تعالى، وهو الإِسلام الموصل إلى خيري الدنيا والآخرة.
الإعراب
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢)﴾.
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾: الواو استئنافية ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان. ﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾،
(١) قوله إلى نحو ذلك: كولادتي من غير أب، وكلامي في المهد اهـ.
312
والظرف متعلق بمحذوف تقديره: واذكر وقت قول الملائكة لمريم، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ إلى قوله: ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَتِ﴾، وإنْ شئت قلت: ﴿يَا مَرْيَمُ﴾: ﴿يا﴾: حرف نداء. ﴿مريم﴾ منادى مفرد علم، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ ﴿قال﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها، ﴿اصْطَفَاكِ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إِنِّ﴾ في محل النصب مقول (قال)، وجملة قوله: ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿وَاصْطَفَاكِ﴾، وكذا قوله: ﴿وَاصْطَفَاكِ﴾ الثاني. ﴿عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿وَاصْطَفَاكِ﴾.
﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)﴾.
﴿يَا مَرْيَمُ﴾: منادى مفرد العلم، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿اقْنُتِي﴾: فعل وفاعل ﴿لِرَبِّكِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿اقْنُتِي﴾، والجملة في محل النصب مقول القول ﴿وَاسْجُدِي﴾: فعل وفاعل، وكذا قوله: ﴿وَارْكَعِي﴾، والجملتان في محل النصب معطوفتان على جملة ﴿اقْنُتِي﴾. ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿اركعي﴾.
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)﴾.
﴿ذلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿نُوحِيهِ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة (١) الفعلية مستأنفة، والضمير في ﴿نُوحِيهِ﴾ عائد على ﴿الْغَيْبِ﴾؛ أي: الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب، ونعلمك به، ونظهرك على قصص من تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والأخبار ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾: الواو استئنافية ﴿ما﴾:
﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)﴾.
﴿يَا مَرْيَمُ﴾: منادى مفرد العلم، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿اقْنُتِي﴾: فعل وفاعل ﴿لِرَبِّكِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿اقْنُتِي﴾، والجملة في محل النصب مقول القول ﴿وَاسْجُدِي﴾: فعل وفاعل، وكذا قوله: ﴿وَارْكَعِي﴾، والجملتان في محل النصب معطوفتان على جملة ﴿اقْنُتِي﴾. ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿اركعي﴾.
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)﴾.
﴿ذلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿نُوحِيهِ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة (١) الفعلية مستأنفة، والضمير في ﴿نُوحِيهِ﴾ عائد على ﴿الْغَيْبِ﴾؛ أي: الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب، ونعلمك به، ونظهرك على قصص من تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والأخبار ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾: الواو استئنافية ﴿ما﴾:
(١) الجمل.
313
نافية ﴿كُنتَ﴾: فعل ناقص، واسمه. ﴿لَدَيْهِمْ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بخبر ﴿كان﴾، والجملة مستأنفة. ﴿إذ﴾ ظرف لما مضى. ﴿يُلْقُونَ﴾ فعل وفاعل، ﴿أَقْلَامَهُمْ﴾ مفعول ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾، والظرف متعلق بـ ﴿كان﴾، أو بالاستقرار الذي وقع خبرًا لـ ﴿كان﴾، والتقدير: وما كنت لديهم وقت إلقائهم أقلامهم. ﴿أَيُّهُمْ﴾ اسم استفهام مبتدأ مرفوع. ﴿يَكْفُلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿أي﴾. ﴿مَريَمَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: أيهم كافل مريم، والجملة الإسمية في محل النصب معمول لمحذوف، ولكنه على تقدير مضاف تقديره: إذ يلقون أقلامهم ليعلموا جواب أيهم يكفل مريم. ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ إعرابه مثل إعراب قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾.
﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥)﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى، ﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَة﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكر يا محمَّد قصة وقت قول الملائكة ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَتِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا مَرْيَمُ﴾ منادى مفرد العلم، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: حرف نصب، واسمها ﴿يُبَشِّرُكِ﴾: فعل مضارع ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول ﴿بِكَلِمَةٍ﴾: متعلق بـ ﴿يُبَشِّرُكِ﴾ ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿كلمة﴾. ﴿اسْمُهُ﴾: مبتدأ ومضاف إليه ﴿الْمَسِيحُ﴾ خبره ﴿عِيسَى﴾ بدل منه، أو عطف بيان. ﴿ابنُ مَرْيَمَ﴾ بدل ثانٍ، أو عطف، والجملة الإسمية في محل الجر صفة لـ ﴿كلمة﴾، والرابط ضمير اسمه، وقال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون ﴿عِيسَى﴾ خبرًا آخر؛ لأن تعدد الأخبار يوجب تعدد المبتدأ، والمبتدأ هنا مفرد، وهو قوله: ﴿اسْمُهُ﴾، ولو كان ﴿عِيسَى﴾ خبرًا آخر لكان التقدير: أسماؤه، وأجاز أيضًا أن يكون ﴿ابْنُ مَريَمَ﴾ خبر
﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥)﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى، ﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَة﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكر يا محمَّد قصة وقت قول الملائكة ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَتِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا مَرْيَمُ﴾ منادى مفرد العلم، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: حرف نصب، واسمها ﴿يُبَشِّرُكِ﴾: فعل مضارع ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول ﴿بِكَلِمَةٍ﴾: متعلق بـ ﴿يُبَشِّرُكِ﴾ ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿كلمة﴾. ﴿اسْمُهُ﴾: مبتدأ ومضاف إليه ﴿الْمَسِيحُ﴾ خبره ﴿عِيسَى﴾ بدل منه، أو عطف بيان. ﴿ابنُ مَرْيَمَ﴾ بدل ثانٍ، أو عطف، والجملة الإسمية في محل الجر صفة لـ ﴿كلمة﴾، والرابط ضمير اسمه، وقال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون ﴿عِيسَى﴾ خبرًا آخر؛ لأن تعدد الأخبار يوجب تعدد المبتدأ، والمبتدأ هنا مفرد، وهو قوله: ﴿اسْمُهُ﴾، ولو كان ﴿عِيسَى﴾ خبرًا آخر لكان التقدير: أسماؤه، وأجاز أيضًا أن يكون ﴿ابْنُ مَريَمَ﴾ خبر
314
مبتدأ محذوف؛ أي: هو ابن مريم ﴿وَجِيهًا﴾: حال من ﴿كلمة﴾، والتذكير باعتبار معناها؛ لأنها بمعنى: مولود، وجاز مجيء الحال منها مع كونها نكرة لوصفها بالجار والمجرور بعدها ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿وَجِيهًا﴾ ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾: جار ومجرور معطوف على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونه حالًا من ﴿كلمة﴾.
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦)﴾.
﴿وَيُكَلِّمُ﴾ الواو عاطفة ﴿يكلم الناس﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿كلمة﴾؛ لأنها بمعنى: مولود ﴿فِي الْمَهْدِ﴾: متعلق بـ ﴿يكلم﴾، أو حال من الضمير في ﴿يكلم﴾؛ أي: يكلمهم صغيرًا. ﴿وَكَهْلًا﴾: يجوز أن يكون حالًا معطونة على ﴿وَجِيهًا﴾، وأن يكون معطوفًا على موضع ﴿فِي الْمَهْدِ﴾ إذا جعلناه حالًا، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونها حالًا من ﴿كلمة﴾. ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: جار ومجرور، ومعطوف على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونه حالًا من ﴿كلمة﴾.
﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾.
﴿قَالَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مريم﴾، والجملة مستأنفة. ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾ إلى قوله: ﴿بَشَرٌ﴾: مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبِّ﴾: مناد مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿أَنَّى﴾: اسم استفهام بمعنى: من أين في محل النصب على الظرفية متعلق بـ ﴿يَكُونُ﴾. ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص ﴿لِي﴾: جار ومجرور خبرها، ﴿وَلَدٌ﴾ اسمها، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾، وتقدم مثل هذا الكلام في قصة زكريا، فراجعه ﴿وَلَمْ﴾: الواو حالية ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم. ﴿يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل، ونون وقاية، والجملة في محل النصب حال من ياء المتكلم في قوله: ﴿لِي﴾. ﴿قالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على جبريل، والجملة مستأنفة ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكيٌّ، وإن شئت قلتَ: ﴿كَذلِكِ﴾: جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الأمر كذلك،
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦)﴾.
﴿وَيُكَلِّمُ﴾ الواو عاطفة ﴿يكلم الناس﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿كلمة﴾؛ لأنها بمعنى: مولود ﴿فِي الْمَهْدِ﴾: متعلق بـ ﴿يكلم﴾، أو حال من الضمير في ﴿يكلم﴾؛ أي: يكلمهم صغيرًا. ﴿وَكَهْلًا﴾: يجوز أن يكون حالًا معطونة على ﴿وَجِيهًا﴾، وأن يكون معطوفًا على موضع ﴿فِي الْمَهْدِ﴾ إذا جعلناه حالًا، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونها حالًا من ﴿كلمة﴾. ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: جار ومجرور، ومعطوف على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونه حالًا من ﴿كلمة﴾.
﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾.
﴿قَالَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مريم﴾، والجملة مستأنفة. ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾ إلى قوله: ﴿بَشَرٌ﴾: مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبِّ﴾: مناد مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿أَنَّى﴾: اسم استفهام بمعنى: من أين في محل النصب على الظرفية متعلق بـ ﴿يَكُونُ﴾. ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص ﴿لِي﴾: جار ومجرور خبرها، ﴿وَلَدٌ﴾ اسمها، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾، وتقدم مثل هذا الكلام في قصة زكريا، فراجعه ﴿وَلَمْ﴾: الواو حالية ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم. ﴿يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل، ونون وقاية، والجملة في محل النصب حال من ياء المتكلم في قوله: ﴿لِي﴾. ﴿قالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على جبريل، والجملة مستأنفة ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكيٌّ، وإن شئت قلتَ: ﴿كَذلِكِ﴾: جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الأمر كذلك،
315
والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، ﴿يَخلُقُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿يَخْلُقُ﴾ ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: يشاؤه.
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
﴿إِذَا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان مضمنة معنى الشرط ﴿قَضَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿أَمْرًا﴾: مفعول به، والجملة في محل الخفض فعل شرط لإذا، والعامل (١) في ﴿إِذَا﴾ محذوف يدل عليه الجواب من قوله: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾، والتقدير: إذا قضى أمرًا.. يكون ويحصل، فلفظ: يكون المقدر، هو العامل في ﴿إِذَا﴾ ﴿فَإِنَّمَا﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إذَا﴾ جوازًا، ﴿إنما﴾: أداة حصر. ﴿يَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية دالة على جواب ﴿إذَا﴾ ﴿كُن﴾: مقول محكي لـ ﴿يَقُولُ﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿كُن﴾: فعل أمر بمعنى: أُحدث من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على ﴿أَمْرًا﴾، ﴿فَيَكوُنُ﴾: الفاء عاطفة ﴿يكون﴾: فعل مضارع بمعنى يحصل من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على أمرًا، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَقُولُ﴾، وجملة ﴿إِذَا﴾ من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول ﴿قال﴾. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿فَيَكوُنُ﴾ الجمهور (٢) على رفعه فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون مستأنفًا؛ أي: خبرأ لمبتدأ محذوف؛ أي: فهو يكون، ويعزى لسيبويه.
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
﴿إِذَا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان مضمنة معنى الشرط ﴿قَضَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿أَمْرًا﴾: مفعول به، والجملة في محل الخفض فعل شرط لإذا، والعامل (١) في ﴿إِذَا﴾ محذوف يدل عليه الجواب من قوله: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾، والتقدير: إذا قضى أمرًا.. يكون ويحصل، فلفظ: يكون المقدر، هو العامل في ﴿إِذَا﴾ ﴿فَإِنَّمَا﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إذَا﴾ جوازًا، ﴿إنما﴾: أداة حصر. ﴿يَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية دالة على جواب ﴿إذَا﴾ ﴿كُن﴾: مقول محكي لـ ﴿يَقُولُ﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿كُن﴾: فعل أمر بمعنى: أُحدث من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على ﴿أَمْرًا﴾، ﴿فَيَكوُنُ﴾: الفاء عاطفة ﴿يكون﴾: فعل مضارع بمعنى يحصل من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على أمرًا، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَقُولُ﴾، وجملة ﴿إِذَا﴾ من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول ﴿قال﴾. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿فَيَكوُنُ﴾ الجمهور (٢) على رفعه فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون مستأنفًا؛ أي: خبرأ لمبتدأ محذوف؛ أي: فهو يكون، ويعزى لسيبويه.
(١) الجمل ج ١ ص ٩٩.
(٢) الجمل ج ١ ص ٩٩.
(٢) الجمل ج ١ ص ٩٩.
316
الثاني: أن يكون معطوفًا على ﴿كُن﴾ من حيث المعنى، وهو قول الفارسي، وقرأ ابن عامر بالنصب هنا، وفي البقرة. انتهى.
﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)﴾.
﴿وَيُعَلِّمُهُ﴾ الواو عاطفة ﴿يعلمه﴾: فعل مضارع ومفعول أول ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول ثانٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونها حالًا من ﴿كلمة﴾ على قراءة الياء، وأما على قراءة النون، فالجملة مستأنفة. وقال أبو البقاء (١): ﴿ونعلمه﴾ يقرأ بالنون حملًا على قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ ويقرأ بالياء حملًا على ﴿يُبَشِّرُكِ﴾، وموضعه حال معطوفة على ﴿وَجِيهًا﴾ انتهى. ﴿وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: معطوفات على ﴿الْكِتَابَ﴾.
﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
﴿وَرَسُولًا﴾: حال معطوف على ﴿وَجِيهًا﴾. ﴿إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿رسولًا﴾؛ لأنه بمعنى مرسلًا. ﴿أَنِّي﴾: أن: حرف نصب ومصدر، والياء اسمها ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق ﴿جِئْتُكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول ﴿بِآيَةٍ﴾: متعلق به، أو في موضع الحال؛ أي: محتجًّا بآية، ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: متعلق بمحذوف صفة لآية، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (أن)، وجملة ﴿أَن﴾ في تأويل مصدر مجرور بباء الملابسة المقدرة، المتعلقة بمحذوف حال من رسول المقدر تقديره: فلما جاءهم.. قال: إني رسول الله إليكم حالة كوني ملتبسًا بمجيئي إياكم بآية من ربكم، وعلى قراءة الكسر: تكون مقولًا لقول محذوف تقديره: فلما جاءهم.. قال لهم: إني قد جئتكم بآية من ربكم، كما مرت الإشارة إلى ذلك كله في مقام التفسير وأوجه القراءة.
﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾.
﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)﴾.
﴿وَيُعَلِّمُهُ﴾ الواو عاطفة ﴿يعلمه﴾: فعل مضارع ومفعول أول ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول ثانٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على ﴿وَجِيهًا﴾ على كونها حالًا من ﴿كلمة﴾ على قراءة الياء، وأما على قراءة النون، فالجملة مستأنفة. وقال أبو البقاء (١): ﴿ونعلمه﴾ يقرأ بالنون حملًا على قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ ويقرأ بالياء حملًا على ﴿يُبَشِّرُكِ﴾، وموضعه حال معطوفة على ﴿وَجِيهًا﴾ انتهى. ﴿وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: معطوفات على ﴿الْكِتَابَ﴾.
﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
﴿وَرَسُولًا﴾: حال معطوف على ﴿وَجِيهًا﴾. ﴿إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿رسولًا﴾؛ لأنه بمعنى مرسلًا. ﴿أَنِّي﴾: أن: حرف نصب ومصدر، والياء اسمها ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق ﴿جِئْتُكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول ﴿بِآيَةٍ﴾: متعلق به، أو في موضع الحال؛ أي: محتجًّا بآية، ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: متعلق بمحذوف صفة لآية، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (أن)، وجملة ﴿أَن﴾ في تأويل مصدر مجرور بباء الملابسة المقدرة، المتعلقة بمحذوف حال من رسول المقدر تقديره: فلما جاءهم.. قال: إني رسول الله إليكم حالة كوني ملتبسًا بمجيئي إياكم بآية من ربكم، وعلى قراءة الكسر: تكون مقولًا لقول محذوف تقديره: فلما جاءهم.. قال لهم: إني قد جئتكم بآية من ربكم، كما مرت الإشارة إلى ذلك كله في مقام التفسير وأوجه القراءة.
﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾.
(١) العكبري.
317
﴿أَنِّي أَخْلُقُ﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر، والياء اسمها، ﴿أَخْلُقُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على عيسى ﴿لَكُمْ﴾: متعلق به، وكذا ﴿مِنَ الطِّينِ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أن﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الخبرية لمبتدأ محذوف تقديره: وهي؛ أي: تلك الآية خلقي لكم من الطين، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. وقال أبو البقاء (١): ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ﴾ يقرأ بفتح الهمزة، وفي موضعه حينئذٍ ثلاثة أوجه:
أحدها: الجر بدلًا من ﴿آية﴾.
والثاني: الرفع؛ أي: هي أني.
والثالث: أن يكون بدلًا من ﴿أَنِّي﴾ الأولى. ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف، أو على إضمار القول. انتهى. ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لمحذوف تقديره: أني أخلق لكم من الطين هيئةً كائنة كهيئة الطير؛ أي: صورة كصورة الطير.
﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
﴿فَأَنْفُخُ﴾: الفاء عاطفة ﴿أنفخ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على عيسى. ﴿فِيهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾. ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا﴾: الفاء عاطفة ﴿يكون﴾: فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير يعود على الشيء المصوَّر ﴿طَيْرًا﴾ خبرها، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أنفخ﴾. ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يكون﴾. ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالْأَبْرَصَ﴾: معطوف عليه، وفاعله ضمير يعود على عيسى، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾ ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى﴾: فعل ومفعول. ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: متعلق به، وفاعله
أحدها: الجر بدلًا من ﴿آية﴾.
والثاني: الرفع؛ أي: هي أني.
والثالث: أن يكون بدلًا من ﴿أَنِّي﴾ الأولى. ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف، أو على إضمار القول. انتهى. ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لمحذوف تقديره: أني أخلق لكم من الطين هيئةً كائنة كهيئة الطير؛ أي: صورة كصورة الطير.
﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
﴿فَأَنْفُخُ﴾: الفاء عاطفة ﴿أنفخ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على عيسى. ﴿فِيهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾. ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا﴾: الفاء عاطفة ﴿يكون﴾: فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير يعود على الشيء المصوَّر ﴿طَيْرًا﴾ خبرها، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أنفخ﴾. ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يكون﴾. ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالْأَبْرَصَ﴾: معطوف عليه، وفاعله ضمير يعود على عيسى، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾ ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى﴾: فعل ومفعول. ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: متعلق به، وفاعله
(١) العكبري.
318
ضمير يعود على عيسى، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾.
﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
﴿وَأُنَبِّئُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على عيسى. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور في موضع المفعول الثاني. ﴿تَأْكُلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تأكلونه، وجملة ﴿أنبئكم﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾ ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾: معطوف على قوله: ﴿بِمَا تَأْكُلُونَ﴾. ﴿فِي بُيُوتِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَدَّخِرُونَ﴾. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿في ذلِكَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لإنَّ ﴿لَآيَةً﴾: اسمها مؤخر، واللام فيه لام الابتداء، ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور صفة ﴿لَآيَةً﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿إن﴾ حرف شرط جازم. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها ﴿مُؤْمِنِينَ﴾: خبر كان، وجواب ﴿إن﴾ محذوف تقديره: انتفعتم بهذه الآيات، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠)﴾.
﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ﴾ الواو عاطفة ﴿مصدقًا﴾: حال معطوفة على قوله: ﴿بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: وجئتكم حال كوني محتجًا بآية من ربكم، وحالة كوني مصدقًا لما بين يدي ﴿لِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مصدقًا﴾ ﴿بَيْنَ يَدَيَّ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف؛ إما صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها ﴿مِنَ التَّوْرَاةِ﴾: جار ومجرور في موضع نصب (١) على الحال من الضمير المستتر في الظرف، وهو ﴿بَيْنَ﴾، والعامل فيها الاستقرار، أو نفس الظرف، ويجوز أن يكون حالًا
﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
﴿وَأُنَبِّئُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على عيسى. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور في موضع المفعول الثاني. ﴿تَأْكُلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تأكلونه، وجملة ﴿أنبئكم﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿أَخْلُقُ﴾ ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾: معطوف على قوله: ﴿بِمَا تَأْكُلُونَ﴾. ﴿فِي بُيُوتِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَدَّخِرُونَ﴾. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿في ذلِكَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لإنَّ ﴿لَآيَةً﴾: اسمها مؤخر، واللام فيه لام الابتداء، ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور صفة ﴿لَآيَةً﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿إن﴾ حرف شرط جازم. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها ﴿مُؤْمِنِينَ﴾: خبر كان، وجواب ﴿إن﴾ محذوف تقديره: انتفعتم بهذه الآيات، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠)﴾.
﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ﴾ الواو عاطفة ﴿مصدقًا﴾: حال معطوفة على قوله: ﴿بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: وجئتكم حال كوني محتجًا بآية من ربكم، وحالة كوني مصدقًا لما بين يدي ﴿لِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مصدقًا﴾ ﴿بَيْنَ يَدَيَّ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف؛ إما صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها ﴿مِنَ التَّوْرَاةِ﴾: جار ومجرور في موضع نصب (١) على الحال من الضمير المستتر في الظرف، وهو ﴿بَيْنَ﴾، والعامل فيها الاستقرار، أو نفس الظرف، ويجوز أن يكون حالًا
(١) العكبري.
319
من ﴿ما﴾، فيكون العامل فيه ﴿مصدقًا﴾. ﴿وَلِأُحِلَّ﴾: الواو عاطفة. ﴿لأحل﴾: اللام حرف جر وتعليل، (أحل): فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على عيسى. ﴿لَكُم﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿بَعْضَ﴾: مفعول به وهو مضاف ﴿الَّذِي﴾ مضاف إليه، ﴿حُرِّمَ﴾ ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائبه ضمير يعود على الموصول ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿حُرِّمَ﴾، وجملة ﴿حُرِّمَ﴾ صلة الموصول، وجملة ﴿أحل﴾ صلة إن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المتعلقة بمعلول محذوف تقديره: وجئتكم لإحلالي لكم بعض الذي حرم عليكم، وهذا المحذوف معطوف في المعنى على قوله: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. ﴿جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿جئتكم﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله السابق؛ ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، فهذه مؤكدة للسابقة لاتحادهما لفظًا ومعنى. ﴿بِآيَةٍ﴾: متعلق بمحذوف حال من تاء الفاعل تقديره: وجئتكم حالة كوني ملتبسًا بآية، ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿آية﴾. ﴿فَاتقُواْ اَللهَ وَأَطِيعُونِ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم مجيئي لكم بآية من ربكم، وأردتم بيان ما هو الأصلح لكم.. فأقول لكم: اتقوا الله. ﴿اتقوا﴾: فعل وفاعل، ولفظ الجلالة مفعول به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة ﴿وَأَطِيعُونِ﴾: الواو عاطفة ﴿أطيعون﴾: فعل وفاعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة للفاصلة، أو استغناء عنها بكسر نون الوقاية، في محل النصب مفعول به، والجملة معطوفة على جملة: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها. ﴿رَبِّي﴾: خبرها ومضاف إليه، وكذلك قوله: ﴿وَرَبُّكُمْ﴾ معطوف عليه، وجملة ﴿إِنَّ﴾. مستأنفة ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا غرفتم كون معبودي ومعبودكم واحدًا، وأردتم بيان ما هو النصيحة لكم.. فأقول
﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها. ﴿رَبِّي﴾: خبرها ومضاف إليه، وكذلك قوله: ﴿وَرَبُّكُمْ﴾ معطوف عليه، وجملة ﴿إِنَّ﴾. مستأنفة ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا غرفتم كون معبودي ومعبودكم واحدًا، وأردتم بيان ما هو النصيحة لكم.. فأقول
320
لكم فاعبدوه. (عبدوه): فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ ﴿صِرَاطٌ﴾: خبره ﴿مُسْتَقِيمٌ﴾: صفة لـ ﴿صِرَاطٌ﴾، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالعبادة. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾: الأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر الهام، وهو اسم مصدر لأنبأ ينبىء إنباءً إذا أخبر بالخبر الذي يعتنى به. ﴿نوُحِيهِ﴾: الوحي: إلقاء المعنى في النفس في خفاء، فقد يكون بالمَلَك للرسل، وبالإلهام كما في النحل، والإشارة كما في زكريا وهو في المحراب، وهو اسم مصدر لأوحى يوحي إيحاءً ووحيًا إذا ألهم وأعلم.
﴿أَقلَامَهُمْ﴾: جمع قلم، والقلم معروف، وهو الذي يكتب به، ويُطلق على السهم يقترع به، وهو فعل بمعنى مفعول؛ لأنه يقلم، أي: يبرى ويسوى، وقيل: هو مشتق من القلامة، وهي نبت ضعيف لترقيقه.
﴿فِي الْمَهْدِ﴾: المهد: ما يمهد للصبي ويوطأ له لينام فيه، والكلام على حذف المضاف؛ أي: في زمان المهد.
﴿وَكَهْلًا﴾: الكهل: اسم من اكتهل النبات إذا قوي وعلا، ومنه: الكاهل، وقال ابن فارس: اكتهل الرجل إذا خطه الشيب، من قولهم: اكتهلت الروضة إذا عمها النور، ويقال للرجل: كهل، وللمرأة: كهلة، والكهل: هو الذي بلغ سن الكهولة، وآخرها ستون، وقيل: خمسون، وقيل: اثنان وخمسون، ثم يدخل سن الشيخوخة، واختلف في أول سن الكهولة، فقيل: ثلاثون، وقيل: اثنان وثلاثون، وقيل: ثلاثة وثلاثون، وقيل: خمسة وثلاثون، وقيل: أربعون عامًا.
فائدة: ونقل عن (١) الأئمة في ترتيب سن المولود وتنقل أحواله، أنه في
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾: الأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر الهام، وهو اسم مصدر لأنبأ ينبىء إنباءً إذا أخبر بالخبر الذي يعتنى به. ﴿نوُحِيهِ﴾: الوحي: إلقاء المعنى في النفس في خفاء، فقد يكون بالمَلَك للرسل، وبالإلهام كما في النحل، والإشارة كما في زكريا وهو في المحراب، وهو اسم مصدر لأوحى يوحي إيحاءً ووحيًا إذا ألهم وأعلم.
﴿أَقلَامَهُمْ﴾: جمع قلم، والقلم معروف، وهو الذي يكتب به، ويُطلق على السهم يقترع به، وهو فعل بمعنى مفعول؛ لأنه يقلم، أي: يبرى ويسوى، وقيل: هو مشتق من القلامة، وهي نبت ضعيف لترقيقه.
﴿فِي الْمَهْدِ﴾: المهد: ما يمهد للصبي ويوطأ له لينام فيه، والكلام على حذف المضاف؛ أي: في زمان المهد.
﴿وَكَهْلًا﴾: الكهل: اسم من اكتهل النبات إذا قوي وعلا، ومنه: الكاهل، وقال ابن فارس: اكتهل الرجل إذا خطه الشيب، من قولهم: اكتهلت الروضة إذا عمها النور، ويقال للرجل: كهل، وللمرأة: كهلة، والكهل: هو الذي بلغ سن الكهولة، وآخرها ستون، وقيل: خمسون، وقيل: اثنان وخمسون، ثم يدخل سن الشيخوخة، واختلف في أول سن الكهولة، فقيل: ثلاثون، وقيل: اثنان وثلاثون، وقيل: ثلاثة وثلاثون، وقيل: خمسة وثلاثون، وقيل: أربعون عامًا.
فائدة: ونقل عن (١) الأئمة في ترتيب سن المولود وتنقل أحواله، أنه في
(١) البحر المحيط.
321
الرحم جنين، فإذا ولد فوليد، فإذا لم يستتم الأسبوع فصديع، وإذا دام يرضع فرضيع، وإذا فطم ففطيم، وإذا لم يرضع فجحوش، فإذا دبَّ ونما فدارج، فإذا سقطت رواضعه فمثغور، فإذا نبتت بعد السقوط فمتغر بالتاء والثاء، فإذا كان يجاوز العشر فمترعرع وناشىء، فإذا كان يبلغ الحلم فيافع ومراهق، فإذا احتلم فمحزور، وهو في جميع هذه الأحوال غلام، فإذا اخضر شاربه وسال عذاره فباقل، فإذا صار ذاقنًا ففتى وشارخ، فإذا أكملت لحيته فمجتمع، ثم ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شاب، ثم هو كهل إلى أن يستوفي الستين. هذا هو المشهور عند أهل اللغة.
﴿اَلطِّينِ﴾: معروف، يقال: طانه الله على كذا وطامه بإبدال النون ميمًا، إذا جبله وخلقه على كذا، ومطينٌ لقبٌ لمحدِّث معروف.
﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾: الهيئة: الشَّكْل والصورة، وأصله مصدر، يقال: هاء الشيء يهاء - من باب هاب - هيئًا وهيئةً إذا ترتب واستقر على حال ما، وتعدِّيه بالتضعيف، فتقول: هيَّأته. قال تعالى: ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ﴾.
﴿الطَّيْرِ﴾: اسم جمع والطائر مفرده.
﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾: الإبراء: إزالة العلَّة والمرض، وفي "المصباح" برأ من المرض يبرأ من بابي نفع وتعب، وبروء برءًا من باب: قرب لغة فيه، وفيه أيضًا: كمه كمهًا من باب تعب فهو أكمه، والمرأة كمهاء مثل أحمر وحمراء، وهو العمى يولد عليه الإنسان، وربما كان عارضًا.
وفيه أيضًا: برص الجسم من باب تعب فالذكر أبرص، والأنثى برصاء، والجمع برص مثل: أحمر وحمراء وحمر، وفي "السمين": والبرص: داء معروف، وهو بياض يظهر على الجلد، ولم تكن العرب تنفر من شيء نُفْرتَها منه.
﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾: يقال: ذخر الشيء يذخره إذا خبأه، والذُّخر: المذخور،
﴿اَلطِّينِ﴾: معروف، يقال: طانه الله على كذا وطامه بإبدال النون ميمًا، إذا جبله وخلقه على كذا، ومطينٌ لقبٌ لمحدِّث معروف.
﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾: الهيئة: الشَّكْل والصورة، وأصله مصدر، يقال: هاء الشيء يهاء - من باب هاب - هيئًا وهيئةً إذا ترتب واستقر على حال ما، وتعدِّيه بالتضعيف، فتقول: هيَّأته. قال تعالى: ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ﴾.
﴿الطَّيْرِ﴾: اسم جمع والطائر مفرده.
﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾: الإبراء: إزالة العلَّة والمرض، وفي "المصباح" برأ من المرض يبرأ من بابي نفع وتعب، وبروء برءًا من باب: قرب لغة فيه، وفيه أيضًا: كمه كمهًا من باب تعب فهو أكمه، والمرأة كمهاء مثل أحمر وحمراء، وهو العمى يولد عليه الإنسان، وربما كان عارضًا.
وفيه أيضًا: برص الجسم من باب تعب فالذكر أبرص، والأنثى برصاء، والجمع برص مثل: أحمر وحمراء وحمر، وفي "السمين": والبرص: داء معروف، وهو بياض يظهر على الجلد، ولم تكن العرب تنفر من شيء نُفْرتَها منه.
﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾: يقال: ذخر الشيء يذخره إذا خبأه، والذُّخر: المذخور،
322
ويقال؛ إذ تخر من الذخر، أبدلت التاء دالًا، فصار: إذ دخر، ثم أدغمت الذال في الدال فقيل: ادّخر كما قيل: ادّكر في: اذدكر، فأصل تدخرون: تذدخرون؛ لأنه من باب افتعل كما مر في مقام التفسير.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة:
منها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾ إذا أريد بالملائكة جبريل، فهو من باب تسمية الخاص باسم العام تعظيمًا له، فهو مجاز مرسل علاقته العموم.
ومنها: التكرار المسمى بالإطناب في قوله: ﴿اصْطَفَاكِ﴾، وفي ﴿يَا مَرْيَمُ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾.
ومنها: التقديم والتأخير في ﴿وَاسْجُدِي﴾ ﴿وَارْكَعِي﴾ على بعض الأقوال.
وقال "أبو السعود" (١): وتكرير النداء في قوله: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي﴾ للإيذان بأن المقصود بهذا الخطاب ما يرد بعده، وأن الخطاب الأول من تذكير النعمة تمهيدًا لهذا التكليف وترغيبًا في العمل به. انتهى. وقال أيضًا: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ﴾ لا يخفى ما فيه من التهكم؛ إذ هو تقرير لكون ما ذكر وحيًا على طريقة التهكم بمنكريه، فإن طريق هذه الأمور الغريبة؛ إما المشاهدة، وإما السماع، وعدمه محقق عندهم، فبقي احتمال المعاينة المستحيلة باعترافهم، فنفيت تهكمًا بهم. انتهى.
﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ﴾: التكرير فيه مع تحقيق المقصود بعطف ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ على؛ ﴿إِذْ يُلْقُونَ﴾ للدلالة على أن كل واحد من عدم حضوره إلقاء الأقلام، وعدم حضوره عند الاختصام، مستقل بالشهادة على بنوته.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة:
منها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾ إذا أريد بالملائكة جبريل، فهو من باب تسمية الخاص باسم العام تعظيمًا له، فهو مجاز مرسل علاقته العموم.
ومنها: التكرار المسمى بالإطناب في قوله: ﴿اصْطَفَاكِ﴾، وفي ﴿يَا مَرْيَمُ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾.
ومنها: التقديم والتأخير في ﴿وَاسْجُدِي﴾ ﴿وَارْكَعِي﴾ على بعض الأقوال.
وقال "أبو السعود" (١): وتكرير النداء في قوله: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي﴾ للإيذان بأن المقصود بهذا الخطاب ما يرد بعده، وأن الخطاب الأول من تذكير النعمة تمهيدًا لهذا التكليف وترغيبًا في العمل به. انتهى. وقال أيضًا: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ﴾ لا يخفى ما فيه من التهكم؛ إذ هو تقرير لكون ما ذكر وحيًا على طريقة التهكم بمنكريه، فإن طريق هذه الأمور الغريبة؛ إما المشاهدة، وإما السماع، وعدمه محقق عندهم، فبقي احتمال المعاينة المستحيلة باعترافهم، فنفيت تهكمًا بهم. انتهى.
﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ﴾: التكرير فيه مع تحقيق المقصود بعطف ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ على؛ ﴿إِذْ يُلْقُونَ﴾ للدلالة على أن كل واحد من عدم حضوره إلقاء الأقلام، وعدم حضوره عند الاختصام، مستقل بالشهادة على بنوته.
(١) الجمل.
323
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾؛ لأنه سمى الولد كلمة؛ لوجوده بكلمة: كن، فهو من باب إطلاق السبب على المسبَّب.
ومنها: العموم (١) الذي أريد به الخصوص في قوله: ﴿عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: الاستعارة عند من قال: القنوت والسجود والركوع ليس كناية عن الهيئات التي في الصلاة.
ومنها: الإشارة بـ ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿أَقْلَامَهُمْ﴾ إذا قلنا: إنه أراد القداح؛ أي: السهام.
ومنها: إسناد الفعل للآمر به لا لفاعله في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ﴾؛ إذ هم المشافهون بالبشارة، والله الآمر بها، ومثله: نادى السلطان في البلد بكذا.
ومنها: الاحتراس في قوله: ﴿وَكَهْلًا﴾ من ما جرت به العادة أن من تكلم في حال الطفولة.. لا يعيش.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ كنَّت بالمس عن الوطء، ما كني عنه بالحدث واللباس والمباشر.
ومنها: السؤال والجواب في قوله: ﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾، وفي قوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ وفي قوله: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ﴾ وفي قوله: ﴿الطَّيْرِ﴾، وفي قوله: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿رَبِي وَرَبُّكُم﴾، ﴿ما﴾ وفي قوله: ﴿بِمَا تَأْكُلُونَ﴾.
ومنها: التعبير عن الجمع بالمفرد في الآية: ﴿الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾، وفي قوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى﴾، وفي قوله: ﴿لأحل﴾ و ﴿حُرِّمَ﴾.
ومنها: العموم (١) الذي أريد به الخصوص في قوله: ﴿عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: الاستعارة عند من قال: القنوت والسجود والركوع ليس كناية عن الهيئات التي في الصلاة.
ومنها: الإشارة بـ ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿أَقْلَامَهُمْ﴾ إذا قلنا: إنه أراد القداح؛ أي: السهام.
ومنها: إسناد الفعل للآمر به لا لفاعله في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ﴾؛ إذ هم المشافهون بالبشارة، والله الآمر بها، ومثله: نادى السلطان في البلد بكذا.
ومنها: الاحتراس في قوله: ﴿وَكَهْلًا﴾ من ما جرت به العادة أن من تكلم في حال الطفولة.. لا يعيش.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ كنَّت بالمس عن الوطء، ما كني عنه بالحدث واللباس والمباشر.
ومنها: السؤال والجواب في قوله: ﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾، وفي قوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ وفي قوله: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ﴾ وفي قوله: ﴿الطَّيْرِ﴾، وفي قوله: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿رَبِي وَرَبُّكُم﴾، ﴿ما﴾ وفي قوله: ﴿بِمَا تَأْكُلُونَ﴾.
ومنها: التعبير عن الجمع بالمفرد في الآية: ﴿الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾، وفي قوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى﴾، وفي قوله: ﴿لأحل﴾ و ﴿حُرِّمَ﴾.
(١) البحر المحيط.
324
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿ونعلمه﴾ عند من قرأ بالنون.
ومنها: التفسير بعد الإبهام فيمن قال: الكتاب مبهم غير مُبين، والتوراة والإنجيل تفسير له.
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: التفسير بعد الإبهام فيمن قال: الكتاب مبهم غير مُبين، والتوراة والإنجيل تفسير له.
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
325
قال الله سبحانه جل وعلا:
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)﴾.
المناسبة
لما ذكر الله سبحانه وتعالى قبل هذه بشارة الملائكة لمريم بعيسى عليه السلام، وكلامه الناس في المهد، وإيتائه الكتاب والحكمة والنبوة، وإرساله رسولًا إلى بني إسرائيل، وذكر براءة أمه التي تقدم ذكرها.. ذكر هنا خبره مع قومه، وما لاقاه منهم من الصد والإعراض، ومقاساة الأهوال، وهمهم بقتله، وإنجاء الله إياه، ووعيد الكافرين به، وعذابهم في الدنيا والآخرة، وطوى ذكر ما بينهما من خبر ولادته وبعثته مؤيدًا بتلك الآيات التي تقدمت اكتفاءً بحكاية الملائكة، وثقة بما فصل في المواضع الأخرى.
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)﴾.
المناسبة
لما ذكر الله سبحانه وتعالى قبل هذه بشارة الملائكة لمريم بعيسى عليه السلام، وكلامه الناس في المهد، وإيتائه الكتاب والحكمة والنبوة، وإرساله رسولًا إلى بني إسرائيل، وذكر براءة أمه التي تقدم ذكرها.. ذكر هنا خبره مع قومه، وما لاقاه منهم من الصد والإعراض، ومقاساة الأهوال، وهمهم بقتله، وإنجاء الله إياه، ووعيد الكافرين به، وعذابهم في الدنيا والآخرة، وطوى ذكر ما بينهما من خبر ولادته وبعثته مؤيدًا بتلك الآيات التي تقدمت اكتفاءً بحكاية الملائكة، وثقة بما فصل في المواضع الأخرى.
326
أسباب النزول
قوله تعالى (١): ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ...﴾ أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: "أتى رسول الله - ﷺ - راهبان من نجران، فقال أحدهما: من أبو عيسى؟ وكان رسول الله - ﷺ - لا يعجل حتى يؤامر ربه، فنزل عليه: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾ إلى ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾.
وأخرج (٢) ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رهطًا من أهل نجران قدموا على النبي - ﷺ -، وكان فيهم السيد والعاقب، فقالوا: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال: من هو؟ قالوا: عيسى، تزعم أنه عبد الله قالوا: فهل رأيت مثل عيسى، وأنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده، فجاء جبريل، فقال: قل لهم إذا أتوك: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ إلى آخر الآية، وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين.
وقد أخرج (٣) البخاري ومسلم وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه: أن العاقب والسيد أتيا رسول الله - ﷺ -، فأراد أن يلاعنهما، فقال: أحدهما لصاحبه: لا نلاعنه، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعننا لا نفلح أبدًا نحن ولا عقبنا من بعدنا، فقالوا له: نعطيك ما سألت فأبعث معنا رجلًا أمينًا، فقال: قم يا أبا عبيدة، فلما قام قال: هذا أمين هذه الأمة.
وأخرج (٤) البيهقي في "الدلائل" من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده: أن رسول الله - ﷺ - كتب إلى أهل نجران - قبل أن ينزل عليه طس سليمان باسم إله إبراهيم إسحاق ويعقوب - "من محمَّد النبي... " الحديث، وفيه: بعثوا إليه شرحبيل بن وداعة الهمداني، وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي، وجبارًا الحرثي، فانطلقوا، فأتوه، فسألهم وسألوه، فلم يزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى؟ قال: ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم،
قوله تعالى (١): ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ...﴾ أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: "أتى رسول الله - ﷺ - راهبان من نجران، فقال أحدهما: من أبو عيسى؟ وكان رسول الله - ﷺ - لا يعجل حتى يؤامر ربه، فنزل عليه: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾ إلى ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾.
وأخرج (٢) ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رهطًا من أهل نجران قدموا على النبي - ﷺ -، وكان فيهم السيد والعاقب، فقالوا: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال: من هو؟ قالوا: عيسى، تزعم أنه عبد الله قالوا: فهل رأيت مثل عيسى، وأنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده، فجاء جبريل، فقال: قل لهم إذا أتوك: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ إلى آخر الآية، وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين.
وقد أخرج (٣) البخاري ومسلم وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه: أن العاقب والسيد أتيا رسول الله - ﷺ -، فأراد أن يلاعنهما، فقال: أحدهما لصاحبه: لا نلاعنه، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعننا لا نفلح أبدًا نحن ولا عقبنا من بعدنا، فقالوا له: نعطيك ما سألت فأبعث معنا رجلًا أمينًا، فقال: قم يا أبا عبيدة، فلما قام قال: هذا أمين هذه الأمة.
وأخرج (٤) البيهقي في "الدلائل" من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده: أن رسول الله - ﷺ - كتب إلى أهل نجران - قبل أن ينزل عليه طس سليمان باسم إله إبراهيم إسحاق ويعقوب - "من محمَّد النبي... " الحديث، وفيه: بعثوا إليه شرحبيل بن وداعة الهمداني، وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي، وجبارًا الحرثي، فانطلقوا، فأتوه، فسألهم وسألوه، فلم يزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى؟ قال: ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم،
(١) لباب النقول.
(٢) الشوكاني.
(٣) الشوكاني.
(٤) لباب النقول.
(٢) الشوكاني.
(٣) الشوكاني.
(٤) لباب النقول.
327
فأصبح الغد، وقد أنزل الله هذه الآيات: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
وأخرج (١) ابن سعد في "الطبقات" عن الأزرق بن قيس قال: قدم على النبي - ﷺ - أسقفُّ نجران والعاقب، فعرض عليهما الإسلام، فقالا: إنا كنا مسلمين قبلك، قال: كذبتما، إنه منع منكما الإِسلام ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدًا، وأكلكما لحم الخنزير، وسجودكما للصنم، قالا: فمن أبو عيسى؟ فما درى رسول الله - ﷺ - ما يرد عليهم حتى أنزل الله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فدعاهما إلى الملاعنة فأبيا، وأقرا بالجزية، ورجعا.
التفسير وأوجه القراءة
٥٢ - ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾؛ أي: فلما علم عيسى من قومه بني إسرائيل التصميم على الكفر، والاستمرار على الضلال والعناد، وقصد الإيذاء، فقد صح أنه لقي من اليهود شدائد كثيرة، فقد كانوا يجتمعون عليه، ويستهزئون به ويقولون له: يا عيسى ما أكل فلان البارحة، وما ادخر في بيته لغد، فيخبرهم فيسخرون منه، حتى طال ذلك به وبهم، وطلبوا قتله؛ لأنهم كانوا عارفين بأنه هو المسيح المبشر به في التوراة، وأنه ينسخ دينهم، فخافهم واختفى عنهم، وخرج هو وأمه يسيحان في الأرض.
وفي هذا عبرةٌ وتسلية للنبي - ﷺ -، وبيان بأن الآيات الكونية مهما كثرت لا تفضي إلى الإيمان إلا إذا كان للمدعو استعداد للقبول، ومن الداعي حسن بيان.
فلما رأى منهم ذلك ﴿قَالَ﴾ وعيسى للحواريين: - كما تدل عليه آية الصف ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ - ﴿مَنْ أَنْصَارِي﴾ حالة كوني ملتجئًا ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ ومتوجهًا إليه، أو ذاهبًا إليه أو في الدعوة إلى الله {قَالَ
وأخرج (١) ابن سعد في "الطبقات" عن الأزرق بن قيس قال: قدم على النبي - ﷺ - أسقفُّ نجران والعاقب، فعرض عليهما الإسلام، فقالا: إنا كنا مسلمين قبلك، قال: كذبتما، إنه منع منكما الإِسلام ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدًا، وأكلكما لحم الخنزير، وسجودكما للصنم، قالا: فمن أبو عيسى؟ فما درى رسول الله - ﷺ - ما يرد عليهم حتى أنزل الله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فدعاهما إلى الملاعنة فأبيا، وأقرا بالجزية، ورجعا.
التفسير وأوجه القراءة
٥٢ - ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾؛ أي: فلما علم عيسى من قومه بني إسرائيل التصميم على الكفر، والاستمرار على الضلال والعناد، وقصد الإيذاء، فقد صح أنه لقي من اليهود شدائد كثيرة، فقد كانوا يجتمعون عليه، ويستهزئون به ويقولون له: يا عيسى ما أكل فلان البارحة، وما ادخر في بيته لغد، فيخبرهم فيسخرون منه، حتى طال ذلك به وبهم، وطلبوا قتله؛ لأنهم كانوا عارفين بأنه هو المسيح المبشر به في التوراة، وأنه ينسخ دينهم، فخافهم واختفى عنهم، وخرج هو وأمه يسيحان في الأرض.
وفي هذا عبرةٌ وتسلية للنبي - ﷺ -، وبيان بأن الآيات الكونية مهما كثرت لا تفضي إلى الإيمان إلا إذا كان للمدعو استعداد للقبول، ومن الداعي حسن بيان.
فلما رأى منهم ذلك ﴿قَالَ﴾ وعيسى للحواريين: - كما تدل عليه آية الصف ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ - ﴿مَنْ أَنْصَارِي﴾ حالة كوني ملتجئًا ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ ومتوجهًا إليه، أو ذاهبًا إليه أو في الدعوة إلى الله {قَالَ
(١) لباب النقول.
328
الْحَوَارِيُّونَ}؛ أي: قال الأصفياء من أتباعه وخواصهم ﴿نَحْنُ أَنصارُ اللهِ﴾؛ أي: نحن أنصار دين الله والباذلون كل ما في الوسع في تأييد دعوتك، والآخذون بتعاليمك، والمنصرفون عن التقاليد السالفة، وهذا النصر لا يستلزم القتال، بل يكفى فيه العمل بالدين والدعوة إليه.
﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾؛ أي: صدقنا بوحدانية الله، وبما جئتنا به، وهذا جارٍ مجرى بيان السبب في نصر دينه، والمعنى: يجب علينا أن نكون من أنصار الله لأجل أننا آمنا بالله، فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين الله، والذبَّ عن أولياء الله، والمحاربة لأعدائه ﴿وَاشْهَدْ﴾ لنا يا عيسى يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ أي مخلصون منقادون لأوامره، وفي هذا دليل على أن الإِسلام دين الله على لسان كل نبي، وإن اختلفت الأنبياء في بعض صوره وأشكاله وأحكامه وأعماله، وإنما طلبوا شهادته؛ لأن الرسل يشهدون لأممهم يوم القيامة، وإنما قال هنا: ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، وفي المائدة: ﴿بأننا﴾؛ لأن ما فيها أول كلام الحواريين، فجاء على الأصل، وما هنا تكرار له بالمعنى، فناسب فيه التخفيف؛ لأن كلًّا من التخفيف والتكرار فرع، والفرع بالفرع أولى، وإنما طلبوا منه عليه السلام الشهادة بذلك يوم القيامة إيذانًا بأن غرضهم السعادة الأخروية.
والحواريون: جمع حواري، وحواريُّ الرجل: صفوته وخلاصته، والحواري أيضًا: الناصر، ومنه قوله - ﷺ -: "لكل نبي حواري، وحواريي الزبير" أخرجه الشيخان. وهذا المعنى هو الصحيح، قاله ابن كثير. وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك، فقيل: لبياض ثيابهم، وقيل: لخلوص نياتهم، وقيل: لأنهم خاصة الأنبياء، وكانوا اثني عشر رجلًا، وقيل: تسعة وعشرين رجلًا آمنوا بعيسى عليه السلام واتبعوه، وكانوا إذا جاعوا.. قالوا: جعنا يا روح الله، فيضرب بيده الأرض ليخرج لكل واحد رغيفان، وإذا عطشوا.. قالوا: عطشنا، فيضرب بيده الأرض، فيخرج منها الماء، فيشربون، فقالوا: من أفضل منا، نأكل من حيث شئنا، قال عليه السلام: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب للناس بالأجرة، فسموا حواريين.
﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾؛ أي: صدقنا بوحدانية الله، وبما جئتنا به، وهذا جارٍ مجرى بيان السبب في نصر دينه، والمعنى: يجب علينا أن نكون من أنصار الله لأجل أننا آمنا بالله، فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين الله، والذبَّ عن أولياء الله، والمحاربة لأعدائه ﴿وَاشْهَدْ﴾ لنا يا عيسى يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ أي مخلصون منقادون لأوامره، وفي هذا دليل على أن الإِسلام دين الله على لسان كل نبي، وإن اختلفت الأنبياء في بعض صوره وأشكاله وأحكامه وأعماله، وإنما طلبوا شهادته؛ لأن الرسل يشهدون لأممهم يوم القيامة، وإنما قال هنا: ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، وفي المائدة: ﴿بأننا﴾؛ لأن ما فيها أول كلام الحواريين، فجاء على الأصل، وما هنا تكرار له بالمعنى، فناسب فيه التخفيف؛ لأن كلًّا من التخفيف والتكرار فرع، والفرع بالفرع أولى، وإنما طلبوا منه عليه السلام الشهادة بذلك يوم القيامة إيذانًا بأن غرضهم السعادة الأخروية.
والحواريون: جمع حواري، وحواريُّ الرجل: صفوته وخلاصته، والحواري أيضًا: الناصر، ومنه قوله - ﷺ -: "لكل نبي حواري، وحواريي الزبير" أخرجه الشيخان. وهذا المعنى هو الصحيح، قاله ابن كثير. وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك، فقيل: لبياض ثيابهم، وقيل: لخلوص نياتهم، وقيل: لأنهم خاصة الأنبياء، وكانوا اثني عشر رجلًا، وقيل: تسعة وعشرين رجلًا آمنوا بعيسى عليه السلام واتبعوه، وكانوا إذا جاعوا.. قالوا: جعنا يا روح الله، فيضرب بيده الأرض ليخرج لكل واحد رغيفان، وإذا عطشوا.. قالوا: عطشنا، فيضرب بيده الأرض، فيخرج منها الماء، فيشربون، فقالوا: من أفضل منا، نأكل من حيث شئنا، قال عليه السلام: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب للناس بالأجرة، فسموا حواريين.
329
٥٣ - فلما أشهدوا عيسى على إيمانهم وإسلامهم.. تضرعوا إلى الله تعالى، وقالوا مبالغة في إظهار أمرهم يا ﴿رَبَّنَا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿آمَنَّا﴾ وصدقنا ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ على عيسى من كتابك الإنجيل ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾؛ أي: وامتثلنا أمر رسولك عيسى فيما أتانا به من عندك ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾؛ أي: فاكتبنا في جملة من شهد لك بالوحدانية، ولرسلك بالرسالة بتصديقهم واتباعهم؛ أي: فثبِّت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به، وقال ابن عباس رضي الله عنهما فاكتبنا في زمرة الأنبياء؛ لأن كل نبي شاهد لقومه، أو فاكتبنا مع محمَّد وأمته؛ لأنهم هم المخصوصون بأداء الشهادة يوم القيامة، فإنهم يشهدون للرسل بالبلاغ، وهذا يقتضي أن يكون للشاهدين الذين سأل الحواريون أن يكونوا معهم مزيد فضل عليهم.
٥٤ - ﴿وَمَكَرُوا﴾؛ أي: ومكر أولئك القوم الذين علم عيسى - عليه السلام - كفرهم من اليهود، واحتالوا في قتله بأن وكلوا به من يقتله غيلة ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾؛ أي: أبطل الله مكرهم، فلم ينجحوا فيه، ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾؛ أي: أقواهم مكرًا، وأنفذهم كيدًا، وأقدرهم على إيصال التفسير إليهم من حيث لا يحتسبون؛ حيث جعل تدميرهم في تدبيرهم، فتدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه، وإتمام حكمته، وكلها خير في نفسها، وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم وسوء اختيارهم.
واعلم: أن مكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون، قاله الفراء وغيره، وقال الزجاج: مكر الله: مجازاتهم على مكرهم فمعنى: ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾؛ أي: جازاهم على مكرهم، فحيث أضمروا على أخذ عيسى من حيث لا يحتسب.. جازاهم على ذلك وأخذهم من حيث لم يحتسبوا؛ حيث ألقى شبه عيسى عليه السلام على قاصد قتله فقتل، ورفع عيسى فسُمي الجزاء باسم الابتداء، كقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾. ﴿وَهُوَ خَدِعُهُمْ﴾ وأصل المكر: الاغتيال والخدع، حكاه ابن فارس، وهو إيصال الضرر إلى الغير بطريق خفي، وعلى هذا فلا يطلق
٥٤ - ﴿وَمَكَرُوا﴾؛ أي: ومكر أولئك القوم الذين علم عيسى - عليه السلام - كفرهم من اليهود، واحتالوا في قتله بأن وكلوا به من يقتله غيلة ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾؛ أي: أبطل الله مكرهم، فلم ينجحوا فيه، ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾؛ أي: أقواهم مكرًا، وأنفذهم كيدًا، وأقدرهم على إيصال التفسير إليهم من حيث لا يحتسبون؛ حيث جعل تدميرهم في تدبيرهم، فتدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه، وإتمام حكمته، وكلها خير في نفسها، وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم وسوء اختيارهم.
واعلم: أن مكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون، قاله الفراء وغيره، وقال الزجاج: مكر الله: مجازاتهم على مكرهم فمعنى: ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾؛ أي: جازاهم على مكرهم، فحيث أضمروا على أخذ عيسى من حيث لا يحتسب.. جازاهم على ذلك وأخذهم من حيث لم يحتسبوا؛ حيث ألقى شبه عيسى عليه السلام على قاصد قتله فقتل، ورفع عيسى فسُمي الجزاء باسم الابتداء، كقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾. ﴿وَهُوَ خَدِعُهُمْ﴾ وأصل المكر: الاغتيال والخدع، حكاه ابن فارس، وهو إيصال الضرر إلى الغير بطريق خفي، وعلى هذا فلا يطلق
على الله إلا على طريق المشاكلة، فمعنى المشاكلة؛ الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى؛ إذ لا يجوز أن يوسف الله تعالى بالمكر إلا لأجل ما ذكر معه من لفظ آخر مسند لمن يليق به، هكذا قيل. وقد جاء إسناد المكر إلى الله تعالى من غير مقابلة في قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩)﴾. وفي الحديث: "اللهم أمكر لي ولا تمكر عليّ". قال أبو حيان: سأل رجل الجنيد، فقال: كيف رضي الله سبحانه لنفسه المكر، وقد عاب به غيره؛ فقال: لا أدري، ولكن أنشدني فلان الظهراني شعرًا:
ثم قال: قد أجبتُك إن كنت تعقل. والمذهب الأسلم الذي عليه سلف الأمة إثبات المكر لله سبحانه وتعالى، فإذًا فالمكر صفة ثابتة لله تعالى نؤمن بها ونعتقدها ونثبتها من غير تمثيل ولا تعطيل، وهذا هو الذي نلقى الله عليه.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ملك بني إسرائيل اسمه: يهوذا، لما قصد قتل عيسى عليه السلام.. أمره جبريل أن يدخل بيتًا فيه روزنة - والروزنة: فرجة في سقف البيت - فرفعه جبريل من تلك الروزنة إلى السماء، فقال الملك لرجل خبيث منهم يقال له تطيانوس: أدخل عليه فاقتله، فدخل البيت فلم يرَ عيسى، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام عليه، فخرج يخبرهم أنه ليس في البيت، فقتلوه وصلبوه، ثم قالوا: وجهه يشبه وجه عيسى، وبدنه يشبه بدن صاحبنا، فإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فوقع بينهم قتال عظيم.
٥٥ - وقوله: ﴿إذ قالَ اَللهُ﴾ ظرف لمكر الله؛ أي: مكر الله سبحانه وتعالى بهم حين قال لنبيه ورسوله عيسى عليه السلام: ﴿يَعِيسى﴾ ابن مريم ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾؛ أي: مستوفي أجلك المسمى، ومؤخرك إلى تمامه، وعاصمك من أن يقتلك الكفار، أو (١) قابضك من الأرض من توفيت مالي، أو متوفيك نائمًا؛ إذ رُوي أنه
وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاكَ الْفِعْلُ عِنْدِيْ | فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا |
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ملك بني إسرائيل اسمه: يهوذا، لما قصد قتل عيسى عليه السلام.. أمره جبريل أن يدخل بيتًا فيه روزنة - والروزنة: فرجة في سقف البيت - فرفعه جبريل من تلك الروزنة إلى السماء، فقال الملك لرجل خبيث منهم يقال له تطيانوس: أدخل عليه فاقتله، فدخل البيت فلم يرَ عيسى، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام عليه، فخرج يخبرهم أنه ليس في البيت، فقتلوه وصلبوه، ثم قالوا: وجهه يشبه وجه عيسى، وبدنه يشبه بدن صاحبنا، فإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فوقع بينهم قتال عظيم.
٥٥ - وقوله: ﴿إذ قالَ اَللهُ﴾ ظرف لمكر الله؛ أي: مكر الله سبحانه وتعالى بهم حين قال لنبيه ورسوله عيسى عليه السلام: ﴿يَعِيسى﴾ ابن مريم ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾؛ أي: مستوفي أجلك المسمى، ومؤخرك إلى تمامه، وعاصمك من أن يقتلك الكفار، أو (١) قابضك من الأرض من توفيت مالي، أو متوفيك نائمًا؛ إذ رُوي أنه
(١) البيضاوي.
331
رفع نائمًا، أو مميتك عن الشهوات العاتقة عن العروج إلى عالم الملكوت، وقيل: أماته الله سبع ساعات، ثم رفعه إلى السماء، وإليه ذهبت النصارى، والله أعلم بحقيقة الحال. ﴿وَرَافِعُكَ﴾ من الأرض ﴿إلَيَّ﴾؛ أي: إلى سمائي ومحل كرامتي، ومقر ملائكتي. ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: مخرجك من بينهم، ومنجيك منهم؛ أي: مما كانوا يريدونه بك من الشر، أو مما كانوا يرمونه به من القبائح، ونسبة السوء إليه، وفي هذا بشارة بنجاته من مكرهم، واستيفاء أجله، وأنهم لا ينالون منه ما كانوا يريدونه بمكرهم وخبثهم.
وللعلماء في تأويل هذه الآية رأيان (١):
الأول: أن فيها تقديمًا وتأخيرًا، والأصل إني رافعك إليّ ومتوفيك؛ أي؛ إني رافعك الآن، ومميتك بعد النزول من السماء في الحين الذي قدر لك، وعلى هذا فهو رفع حيًّا بجسمه وروحه، وأنه سينزل آخر الزمان، فيحكم بين الناس بشريعتنا، ثم يتوفاه الله تعالى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"، زاد في رواية: "حتى تكون السجدة خيرًا من الدنيا وما فيها"، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: "ليس بيني وبينه - يعني: عيسى - نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه، فاعرفوه؛ فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين - أي: ثوبين مصبوغين بالممصرة، الممصرة: تراب أحمر يصبغ به - كأن رأسه يقطر ماءً، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الملل في زمانه كلها إلا الإِسلام، ويهلك المسيح الدجالَ، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة،
وللعلماء في تأويل هذه الآية رأيان (١):
الأول: أن فيها تقديمًا وتأخيرًا، والأصل إني رافعك إليّ ومتوفيك؛ أي؛ إني رافعك الآن، ومميتك بعد النزول من السماء في الحين الذي قدر لك، وعلى هذا فهو رفع حيًّا بجسمه وروحه، وأنه سينزل آخر الزمان، فيحكم بين الناس بشريعتنا، ثم يتوفاه الله تعالى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"، زاد في رواية: "حتى تكون السجدة خيرًا من الدنيا وما فيها"، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: "ليس بيني وبينه - يعني: عيسى - نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه، فاعرفوه؛ فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين - أي: ثوبين مصبوغين بالممصرة، الممصرة: تراب أحمر يصبغ به - كأن رأسه يقطر ماءً، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الملل في زمانه كلها إلا الإِسلام، ويهلك المسيح الدجالَ، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة،
(١) المراغي.
332
ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون" أخرجه أبو داود.
والقول الثاني: أن الآية على ظاهرها، وأن التوفي هو الإماتة العادية، وأن الرفع بعده للروح، ولا غرابة في خطاب الشخص وإرادة روحه، فالروح هي حقيقة الإنسان، والجسد كالثوب المستعار يزيد وينقص ويتغير، والإنسان إنسان؛ لأن روحه هي هي.
والمعنى: إني مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع عندي، كما قال تعالى في إدريس عليه السلام: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)﴾، وحديث الرفع والنزول آخر الزمان حديثه آحاد، يتعلق بأمر اعتقادي، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالدليل القاطع من قرآن أو حديث متواتر، ولا يوجد هنا واحد منهما.
أو أن المراد بنزوله وحكمه في الأرض: غلبة رُوحه، وسرد رسالته على الناس بالأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها، والتمسك بقشورها دون لبابها.
﴿وَجَاعِل اَلَذِينَ أتَّبَعُوكَ﴾؛ أي: وجاعل الذين آمنوا بأنك عبد الله ورسوله، والذين صدَّقوا بنبوتك وادعوا محبتك كالنصارى ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ومكروا بك، وهم اليهود بالحجة والسيف والقهر والسلطان والاستعلاء والنصرة ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾؛ أي: إن هذه الفوقية مستمرة لهم ما دامت السموات والأرض، وبعدئذٍ يفعل بهم ما يشاء، وهذه الفوقية؛ إما فوقية دينية روحانية، وهي فضلهم عليهم في حسن الأخلاق، وكمال الآداب، والقرب من الحق؛ والبعد من الباطل، وإما فوقية دنيوية، وهي كونهم أصحاب السيادة عليهم، وفي هذا إخبار عن ذل اليهود ومسكنتهم إلى يوم القيامة، وقد تحقق ذلك؛ فإن مُلك اليهود قد ذهب، لم تبق لهم قلعة ولا سلطان ولا شوكة في جميع الأرض، فلا يرى ملك يهودي، ولا بلد مستقل لهم، بل يكونون مقهورين أين ما كانوا بالذلة والمسكنة، وملك النصارى باقٍ قائم إلى قريب من قيام الساعة، فإنا نرى أن دولة النصارى في الدنيا أعظم وأقوى من أمر اليهود، ولكن هذا لم يتحقق زمن المسيح لأتباعه، بل كان اليهود يغلبونهم على أمرهم، فالوجه الأول أولى بالاعتبار.
والقول الثاني: أن الآية على ظاهرها، وأن التوفي هو الإماتة العادية، وأن الرفع بعده للروح، ولا غرابة في خطاب الشخص وإرادة روحه، فالروح هي حقيقة الإنسان، والجسد كالثوب المستعار يزيد وينقص ويتغير، والإنسان إنسان؛ لأن روحه هي هي.
والمعنى: إني مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع عندي، كما قال تعالى في إدريس عليه السلام: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)﴾، وحديث الرفع والنزول آخر الزمان حديثه آحاد، يتعلق بأمر اعتقادي، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالدليل القاطع من قرآن أو حديث متواتر، ولا يوجد هنا واحد منهما.
أو أن المراد بنزوله وحكمه في الأرض: غلبة رُوحه، وسرد رسالته على الناس بالأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها، والتمسك بقشورها دون لبابها.
﴿وَجَاعِل اَلَذِينَ أتَّبَعُوكَ﴾؛ أي: وجاعل الذين آمنوا بأنك عبد الله ورسوله، والذين صدَّقوا بنبوتك وادعوا محبتك كالنصارى ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ومكروا بك، وهم اليهود بالحجة والسيف والقهر والسلطان والاستعلاء والنصرة ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾؛ أي: إن هذه الفوقية مستمرة لهم ما دامت السموات والأرض، وبعدئذٍ يفعل بهم ما يشاء، وهذه الفوقية؛ إما فوقية دينية روحانية، وهي فضلهم عليهم في حسن الأخلاق، وكمال الآداب، والقرب من الحق؛ والبعد من الباطل، وإما فوقية دنيوية، وهي كونهم أصحاب السيادة عليهم، وفي هذا إخبار عن ذل اليهود ومسكنتهم إلى يوم القيامة، وقد تحقق ذلك؛ فإن مُلك اليهود قد ذهب، لم تبق لهم قلعة ولا سلطان ولا شوكة في جميع الأرض، فلا يرى ملك يهودي، ولا بلد مستقل لهم، بل يكونون مقهورين أين ما كانوا بالذلة والمسكنة، وملك النصارى باقٍ قائم إلى قريب من قيام الساعة، فإنا نرى أن دولة النصارى في الدنيا أعظم وأقوى من أمر اليهود، ولكن هذا لم يتحقق زمن المسيح لأتباعه، بل كان اليهود يغلبونهم على أمرهم، فالوجه الأول أولى بالاعتبار.
333
وقيل: إن الخطاب في قوله: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ﴾ لنبينا محمَّد - ﷺ -، فيكون الوقف على قوله من الذين كفروا تامًّا، والابتداء بما بعده، وجاز هذا لدلالة الحال عليه؛ أي: جاعلهم قاهرين لهم إلى يوم القيامة يعني: أنهم ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفار بالغلبة في الدنيا؛ فأما يوم القيامة.. فيحكم الله بينهم، فيدخل الطائع الجنة، والعاصي النار، وليس المعنى على انقطاع ارتفاع المؤمنين على الكافرين بعد الدنيا وانقضائها؛ لأن لهم استعلاء آخر غير هذا الاستعلاء.
﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء الدنيا، وقيام الساعة ﴿إِليَّ﴾ لا إلى غيري ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم ومصيركم إليَّ بالموت والبعث، والخطاب لعيسى ومن آمن معه ومن كفر به، وغلب المخاطبين على الغائبين. ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ يومئذٍ ﴿فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؛ أي: فيما اختلفتم فيه من أمور الدين.
٥٦ - ثم بيَّن جزاء المحق والمبطل وكيفيته فقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وكذبوك، وهم اليهود ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ بإذلالهم بالقتل والأسر والجزية وتسليط الأمم عليهم ﴿و﴾ في ﴿الآخرة﴾ بالنار، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾؛ أي: مانعين من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
٥٧ - ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ باللهِ والكتاب، وبنبوة عيسى، وبنبوة محمَّد - ﷺ - ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فيما بينهم وبين ربهم؛ بأن امتثلوا الأوامر، واجتنبوا النواهي ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾؛ أي: يعطيهم الله تعالى أجور أعمالهم وثوابها في الجنة موفرًا كاملًا غير منقوص.
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: لا يريد إيصال الخير إلى المشركين، أو المعنى: والله لا يحب من ظلم غيره حقًّا له، أو وضع شيئًا في غير موضعه، فكيف بظلم عباده له؟ فهو يجازيه بما يستحق، وفي هذا وعيد منه للكافرين به وبرسله، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله، وفي هذه (١) الآية قال: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ بالياء على قراءة حفص ورويس وذلك على سبيل الالتفات والخروج من ضمير المتكلم
﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء الدنيا، وقيام الساعة ﴿إِليَّ﴾ لا إلى غيري ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم ومصيركم إليَّ بالموت والبعث، والخطاب لعيسى ومن آمن معه ومن كفر به، وغلب المخاطبين على الغائبين. ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ يومئذٍ ﴿فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؛ أي: فيما اختلفتم فيه من أمور الدين.
٥٦ - ثم بيَّن جزاء المحق والمبطل وكيفيته فقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وكذبوك، وهم اليهود ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ بإذلالهم بالقتل والأسر والجزية وتسليط الأمم عليهم ﴿و﴾ في ﴿الآخرة﴾ بالنار، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾؛ أي: مانعين من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
٥٧ - ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ باللهِ والكتاب، وبنبوة عيسى، وبنبوة محمَّد - ﷺ - ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فيما بينهم وبين ربهم؛ بأن امتثلوا الأوامر، واجتنبوا النواهي ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾؛ أي: يعطيهم الله تعالى أجور أعمالهم وثوابها في الجنة موفرًا كاملًا غير منقوص.
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: لا يريد إيصال الخير إلى المشركين، أو المعنى: والله لا يحب من ظلم غيره حقًّا له، أو وضع شيئًا في غير موضعه، فكيف بظلم عباده له؟ فهو يجازيه بما يستحق، وفي هذا وعيد منه للكافرين به وبرسله، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله، وفي هذه (١) الآية قال: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ بالياء على قراءة حفص ورويس وذلك على سبيل الالتفات والخروج من ضمير المتكلم
(١) البحر المحيط.
إلى ضمير الغيبة للتنوع في الفصاحة. وقرأ الجمهور: ﴿فنوفيهم﴾؛ أي: نعطيهم أجورهم كاملة موفرة - بالنون الدالة على المتكلم المعظم نفسه -، ولم يأت بالهمزة كما في تلك الآية؛ ليخالف في الإخبار بين النسبة الإسنادية فيما يفعله بالكافر، وبالمؤمن؛ كما خالف في الفعل؛ ولأن المؤمن العامل للصالحات عظيم عند الله، فناسبه الإخبار عن المجازي بنون العظمة.
٥٨ - ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور الذي ذكرته لك من خبر عيسى، وأمه مريم، وأمها، وزكريا، وابنه يحيى، ومن خبر الحواريين واليهود. ﴿نَتلُوُه﴾؛ أي: نقرأه ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد على لسان جبريل الأمين، وإنما أضاف ما يتلوه جبريل إلى نفسه سبحانه وتعالى؛ لأنه من عنده وبأمره من غير تفاوت أصلًا، فأضافه إليه حالة كونه ﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾؛ أي: من العلامات الدالة على نبوتك يا محمَّد؛ لأنها إخبار لا يعلمها إلا من يقرأ ويكتب، أو نبي يُوحى إليه، وأنت أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب، فثبت أن ذلك من الوحي السماوي الذي أنزل عليك ﴿وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾؛ أي: القرآن المحكم الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)﴾.
وقد روى - كما مر لك -: أنه حضر وفد نصارى نجران على رسول الله - ﷺ -، فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا ونسبه؟ فقال: مَنْ هو؟ قالوا: عيسى، قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنه عبد، قال: أجل هو عبد الله، ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب؟ ومن لا أب له فهو ابن الله، ثم خرجوا من عنده - ﷺ -، فجاءه جبريل فقال: قل لهم إذا أتوك:
٥٩ - ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى﴾؛ أي: إن شأن عيسى وصفته في خلق الله تعالى إياه على غير مثال سابق؛ أي: من غير أب ﴿كَمَثَلِءَادَمَ﴾ أبي البشر؛ أي: كشأن آدم وصفته، ثم فسر هذا المثل وفصل ما أجمله فقال: ﴿خَلَقَهُ﴾؛ أي: خلق آدم وأوجده وكوَّن جسمه ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾ ميت؛ حيث أصابه الماء، فكان طينًا لازبًا لزجًا؛ أي: خلقه بلا أب وأم ﴿ثُمَّ﴾ بعد ما كوَّن جسمه من التراب ﴿قَالَ﴾ الله ﴿لَهُ﴾؛ أي: لآدم ﴿كُن﴾ بشرًا حساسًا بنفخ الروح فيه ﴿فَيَكُونُ﴾؛ أي: فكان بشرًا حساسًا ناطقًا ضاحكًا، والتعبير بالمضارع على حكاية الحال الماضية، أو
٥٨ - ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور الذي ذكرته لك من خبر عيسى، وأمه مريم، وأمها، وزكريا، وابنه يحيى، ومن خبر الحواريين واليهود. ﴿نَتلُوُه﴾؛ أي: نقرأه ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد على لسان جبريل الأمين، وإنما أضاف ما يتلوه جبريل إلى نفسه سبحانه وتعالى؛ لأنه من عنده وبأمره من غير تفاوت أصلًا، فأضافه إليه حالة كونه ﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾؛ أي: من العلامات الدالة على نبوتك يا محمَّد؛ لأنها إخبار لا يعلمها إلا من يقرأ ويكتب، أو نبي يُوحى إليه، وأنت أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب، فثبت أن ذلك من الوحي السماوي الذي أنزل عليك ﴿وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾؛ أي: القرآن المحكم الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)﴾.
وقد روى - كما مر لك -: أنه حضر وفد نصارى نجران على رسول الله - ﷺ -، فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا ونسبه؟ فقال: مَنْ هو؟ قالوا: عيسى، قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنه عبد، قال: أجل هو عبد الله، ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب؟ ومن لا أب له فهو ابن الله، ثم خرجوا من عنده - ﷺ -، فجاءه جبريل فقال: قل لهم إذا أتوك:
٥٩ - ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى﴾؛ أي: إن شأن عيسى وصفته في خلق الله تعالى إياه على غير مثال سابق؛ أي: من غير أب ﴿كَمَثَلِءَادَمَ﴾ أبي البشر؛ أي: كشأن آدم وصفته، ثم فسر هذا المثل وفصل ما أجمله فقال: ﴿خَلَقَهُ﴾؛ أي: خلق آدم وأوجده وكوَّن جسمه ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾ ميت؛ حيث أصابه الماء، فكان طينًا لازبًا لزجًا؛ أي: خلقه بلا أب وأم ﴿ثُمَّ﴾ بعد ما كوَّن جسمه من التراب ﴿قَالَ﴾ الله ﴿لَهُ﴾؛ أي: لآدم ﴿كُن﴾ بشرًا حساسًا بنفخ الروح فيه ﴿فَيَكُونُ﴾؛ أي: فكان بشرًا حساسًا ناطقًا ضاحكًا، والتعبير بالمضارع على حكاية الحال الماضية، أو
للفاصلة، وكذلك قال له: كن من غير أب.. فكان ولدًا بلا أب، فإذا كان آدم كذلك، ولم يكن ابنًا لله.. فكذلك عيسى، فمن لم يقرَّ بأن الله خلق عيسى من غير أب مع إقراره بخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو خارج عن طور العقلاء، وأيضًا: إذا جاز أن يخلق الله آدم من التراب.. فيجوز خلق الله تعالى عيسى من دم مريم من باب أولى، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم أقربُ إلى العقل من تولده من التراب اليابس.
ثم أكد الله سبحانه وتعالى صدق هذا القصص، فقال:
٦٠ - ﴿الحق من ربك﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الحق؛ أي: ما قصصنا عليك يا محمَّد في شأن عيسى وأمه مريم، هو الخبر الحق، والقول الصدق، والأمر الثابت الذي لا شك فيه حالة كونه موحى إليك من ربك، لا ما تعتقده النصارى في المسيح من أنه إله، أو ابن الله، ولا ما تزعمه اليهود من رمي مريم بيوسف النجار. ﴿فَلَا تَكنُ﴾ يا محمَّد ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾؛ أي: من الشاكين فيما بينت لك في شأن عيسى وأمه، وهو كونه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم؛ أي: فلا تشكن في أمرهما بعد أن جاءك العلم اليقيني به، وهذا الخطاب للنبي - ﷺ -، ولكن المقصود به نهي غيره لعصمته عن مثل ذلك الامتراء.
وفي النهي للنبي - ﷺ - مع استحالة وقوع الامتراء منه فائدة من وجهين:
الأول: إذا سمع - ﷺ - مثل هذا الخطاب.. ازداد رغبة في الثبات على اليقين، واطمئنان النفس.
والثاني: إذا سمعه غيره ازدجر ونزع عما يورث الامتراء؛ إذ أنه - ﷺ - على جلالة قدره خوطب بمثل هذا، فما بالك بغيره.
وخلاصة ذلك: دم على يقينك يا محمَّد، وعلى ما أنت عليه من الاطمئنان إلى الحق، والتنزه عن الشك فيه.
٦١ - ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ﴾ وخاصمك وجادلك ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في شأن عيسى، وهم النصارى الذين وفدوا إلى رسول الله - ﷺ - من نجران، كما مر في مقام أسباب النزول. ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ﴾؛ أي: بعد الذي جاءك وأوحي إليك ﴿مِنَ الْعِلْمِ﴾؛ أي: من الآيات البينات التي تفيد العلم واليقين، بأن
ثم أكد الله سبحانه وتعالى صدق هذا القصص، فقال:
٦٠ - ﴿الحق من ربك﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الحق؛ أي: ما قصصنا عليك يا محمَّد في شأن عيسى وأمه مريم، هو الخبر الحق، والقول الصدق، والأمر الثابت الذي لا شك فيه حالة كونه موحى إليك من ربك، لا ما تعتقده النصارى في المسيح من أنه إله، أو ابن الله، ولا ما تزعمه اليهود من رمي مريم بيوسف النجار. ﴿فَلَا تَكنُ﴾ يا محمَّد ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾؛ أي: من الشاكين فيما بينت لك في شأن عيسى وأمه، وهو كونه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم؛ أي: فلا تشكن في أمرهما بعد أن جاءك العلم اليقيني به، وهذا الخطاب للنبي - ﷺ -، ولكن المقصود به نهي غيره لعصمته عن مثل ذلك الامتراء.
وفي النهي للنبي - ﷺ - مع استحالة وقوع الامتراء منه فائدة من وجهين:
الأول: إذا سمع - ﷺ - مثل هذا الخطاب.. ازداد رغبة في الثبات على اليقين، واطمئنان النفس.
والثاني: إذا سمعه غيره ازدجر ونزع عما يورث الامتراء؛ إذ أنه - ﷺ - على جلالة قدره خوطب بمثل هذا، فما بالك بغيره.
وخلاصة ذلك: دم على يقينك يا محمَّد، وعلى ما أنت عليه من الاطمئنان إلى الحق، والتنزه عن الشك فيه.
٦١ - ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ﴾ وخاصمك وجادلك ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في شأن عيسى، وهم النصارى الذين وفدوا إلى رسول الله - ﷺ - من نجران، كما مر في مقام أسباب النزول. ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ﴾؛ أي: بعد الذي جاءك وأوحي إليك ﴿مِنَ الْعِلْمِ﴾؛ أي: من الآيات البينات التي تفيد العلم واليقين، بأن
336
عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم.
﴿فَقُلْ﴾ لهم يا محمَّد: ﴿تَعَالَوْا﴾؛ أي: هلموا وأقبلوا إليّ. قرأ الجمهور: ﴿تَعَالَوْا﴾ بفتح اللام وهم الأصل والقياس. وقرأ الحسن وأبو واقد وأبو السِّمال شذوذًا بضم اللام على أن أصله: تعاليوا، فنقلت الضمة إلى اللام، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وهذا تعليل شاذ. ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا﴾؛ أي: نخرج أبناءنا ﴿وَأَبْنَاءَكُمْ﴾؛ أي: أخرجوا أنتم أبناءكم ﴿وَنِسَاءَنَا﴾؛ أي: نخرج نساءنا ﴿وَنِسَاءَكُمْ﴾؛ أي: وأخرجوا أنتم نساءكم ﴿وَأنفُسَنَا﴾؛ أي: نخرج بأنفسنا ﴿وَأَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: اخرجوا أنتم بأنفسكم. ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾؛ أي: نتضرع ونجتهد ونبالغ في الدعاء ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ وغضبه فيما بيننا ﴿عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ منا ومنكم في شأن عيسى؛ أي: فقل لهم أقبلوا، وليدعُ كل منا ومنكم أبناءه ونساءه للمباهلة، وليقل: لعنة الله على الكاذبين منا ومنكم، أو اللهم العنْ الكاذب منا في شأن عيسى.
وفي تقديم هؤلاء على النفس في المباهلة مع أن الرجل يخاطر بنفسه لهم إيذانٌ بكمال أمته - ﷺ -، وتمام ثقته بأمره، وقوة يقينه بأنه لن يصيبهم في ذلك مكروه، وهذه الآية تسمى: آية المباهلة.
وروى أن النبي - ﷺ -: اختار للمباهلة عليًّا، وفاطمة، وولديهما رضي الله عنهم، وخرج بهم، وقال: إن أنا دعوت.. فأمنوا أنتم.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر عن أبيه: أنه لما نزلت هذه الآية.. جاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، ولا شك أن الذي يفهم من الآية أن النبي - ﷺ - أمر أن يدعو المحاجين والمجادلين في شأن عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالًا ونساءً وأطفالًا، ويجمع هو المؤمنين رجالًا ونساءً وأطفالًا، ويبتهلوا إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى.
وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه وثقته بما يقول، كما يدل امتناع من دُعوا إلى ذلك من أهل الكتاب من نصارى نجران وسواهم على امترائهم في حجاجهم، وكونهم على غير بيّنة فيما يعتقدون.
﴿فَقُلْ﴾ لهم يا محمَّد: ﴿تَعَالَوْا﴾؛ أي: هلموا وأقبلوا إليّ. قرأ الجمهور: ﴿تَعَالَوْا﴾ بفتح اللام وهم الأصل والقياس. وقرأ الحسن وأبو واقد وأبو السِّمال شذوذًا بضم اللام على أن أصله: تعاليوا، فنقلت الضمة إلى اللام، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وهذا تعليل شاذ. ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا﴾؛ أي: نخرج أبناءنا ﴿وَأَبْنَاءَكُمْ﴾؛ أي: أخرجوا أنتم أبناءكم ﴿وَنِسَاءَنَا﴾؛ أي: نخرج نساءنا ﴿وَنِسَاءَكُمْ﴾؛ أي: وأخرجوا أنتم نساءكم ﴿وَأنفُسَنَا﴾؛ أي: نخرج بأنفسنا ﴿وَأَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: اخرجوا أنتم بأنفسكم. ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾؛ أي: نتضرع ونجتهد ونبالغ في الدعاء ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ وغضبه فيما بيننا ﴿عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ منا ومنكم في شأن عيسى؛ أي: فقل لهم أقبلوا، وليدعُ كل منا ومنكم أبناءه ونساءه للمباهلة، وليقل: لعنة الله على الكاذبين منا ومنكم، أو اللهم العنْ الكاذب منا في شأن عيسى.
وفي تقديم هؤلاء على النفس في المباهلة مع أن الرجل يخاطر بنفسه لهم إيذانٌ بكمال أمته - ﷺ -، وتمام ثقته بأمره، وقوة يقينه بأنه لن يصيبهم في ذلك مكروه، وهذه الآية تسمى: آية المباهلة.
وروى أن النبي - ﷺ -: اختار للمباهلة عليًّا، وفاطمة، وولديهما رضي الله عنهم، وخرج بهم، وقال: إن أنا دعوت.. فأمنوا أنتم.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر عن أبيه: أنه لما نزلت هذه الآية.. جاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، ولا شك أن الذي يفهم من الآية أن النبي - ﷺ - أمر أن يدعو المحاجين والمجادلين في شأن عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالًا ونساءً وأطفالًا، ويجمع هو المؤمنين رجالًا ونساءً وأطفالًا، ويبتهلوا إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى.
وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه وثقته بما يقول، كما يدل امتناع من دُعوا إلى ذلك من أهل الكتاب من نصارى نجران وسواهم على امترائهم في حجاجهم، وكونهم على غير بيّنة فيما يعتقدون.
337
وفي الآية عبرة لمن ادَّكر؛ لأنه طلب فيها مشاركة النساء للرجال في الاجتماع للمفاضلة الدينية، وفي هذا دليل على أن المرأة كالرجل، حتى في الأمور العامة، إلا في بعض مسائل؛ ككونها لا تباشر الحرب بنفسها، بل تشتغل بخدمة المحاربين ومداواة الجرحى، ولا تتولى القضاء في الجنايات ونحوها، وأين هذا من حال نساء المسلمين اليوم، في جهلهن بأمور الدين، وعدم مشاركتهن للرجال في عمل من الأعمال الدينية، أو الشؤون الاجتماعية، ولا هَمَّ لنساء الأغنياء في المدن إلا الزينة، والتنوق (١) في المطاعم والمشارب والملابس، والتفرج بآلات الملاهي المحرمة، والأغاني الخبيثة، وإضاعة الأوقات فيها، كما لا عمل لنساء الفقراء في القرى والدساكر إلا الخدمة في الحقول والمنازل، فهن كالأُتن الحاملة، والبقر العاملة، وكان من جزاء هذا أن صغُرتْ نفوسهن، وضعفت آدابهن، وصرن كالدواجن في البيوت، أو السوائم في الصحراء، وساءت تربية البنين والبنات، وسرى الفساد من الأفراد إلى الجماعات، وعمَّ الأُسَر والعشائر والشعوب والقبائل.
وقد قام في هذا العهد الأخير جماعات من العقلاء في كثير من البلاد الإِسلامية يطالبون بتحرير المرأة، ومشاركتها الرجل في العلم والأدب وشؤون الحياة، وصادفت هذه الدعوة آذانًا صاغية، فبدأ المسلمون يعلِّمون بناتهم، ولكن ينبغي أن يصحب هذا التعليم شيء كثير من التربية الدينية، والإصلاح في الأخلاق والعادات.
وقد كان هذا عاملًا من عوامل الانقلاب الاجتماعي الذي لا ندري ما تكون عاقبته في إصلاح الأسر الإِسلامية، ولا ما سينتج منه من نفع للإسلام والمسلمين، أو تتبع للنصارى والمشركين.
فائدة: وأتى (٢) بـ ﴿ثُمَّ﴾ في قوله: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ تنبيهًا لهم على خطئهم في
وقد قام في هذا العهد الأخير جماعات من العقلاء في كثير من البلاد الإِسلامية يطالبون بتحرير المرأة، ومشاركتها الرجل في العلم والأدب وشؤون الحياة، وصادفت هذه الدعوة آذانًا صاغية، فبدأ المسلمون يعلِّمون بناتهم، ولكن ينبغي أن يصحب هذا التعليم شيء كثير من التربية الدينية، والإصلاح في الأخلاق والعادات.
وقد كان هذا عاملًا من عوامل الانقلاب الاجتماعي الذي لا ندري ما تكون عاقبته في إصلاح الأسر الإِسلامية، ولا ما سينتج منه من نفع للإسلام والمسلمين، أو تتبع للنصارى والمشركين.
فائدة: وأتى (٢) بـ ﴿ثُمَّ﴾ في قوله: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ تنبيهًا لهم على خطئهم في
(١) التنوق: يقال تنوق في المطعم والمشرب إذا أخذ أجوده وأحسنه اهـ.
(٢) الجمل.
(٢) الجمل.
338
مباهلته، كأنه يقول لهم: لا تعجلوا، وتَأَنَّوا؛ لعله أن يظهر لكم الحق، فلذلك أتى بحرف التراخي.
قوله: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ هذه (١)، والتي في النور في قوله: ﴿والخامسة أن لعنت الله عليه﴾، يكتبان بالتاء المبسوطة، وما عداهما بالهاء على الأصل.
٦٢ - ﴿إنَّ هَذَا﴾ المذكور الذي ذكرته لك يا محمَّد من الدلائل التي دلت على أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ولم يكن إلهًا، ولا ولده، ولا شريكه، ومن الدعاء إلى المباهلة مع وفد نجران ﴿لَهُوَ اَلقَصَصُ الْحَقُّ﴾؛ أي: لهو الخبر الصدق، والقول الحق الذي لا شك فيه دون أكاذيب النصارى، وافتراء اليهود ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ﴾ بلا شريك، ولا ولد، ولا زوجة ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب الذي لا يُمنع، القادر على جميع المقدورات ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ أي: العالم بجميع المعلومات، وبجميع عواقب الأمور، فذكر العزيز الحكيم ها هنا إشارة إلى الجواب عن النصارى في الشبهتين لعيسى: القدرة على الإحياء ونحوه، وإخبار الغيوب؛ أي: لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة، والحكمة البالغة، ليشاركه في الإلهية.
٦٣ - ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: فإن أعرضوا عن اتباعك وتصديقك، ولم يقبلوا عقيدة التوحيد التي جئت بها، ولم يجيبوك إلى المباهلة.. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عليم بـ﴾ حال ﴿المفسدين﴾ في الدين، ونياتهم، وأغراضهم الفاسدة، فيجازيهم بخبيث سرائرهم وسيىء أعمالهم.
وخلاصة المعنى: فإن أبوا عن قبول الحق، وأعرضوا عما وصفت من أن الله هو الواحد، وأنه يجب أن يكون عالمًا قادرًا على جميع المقدورات، عالمًا بالنهايات، محيطًا بالمعلومات، مع اعترافهم بأن عيسى لم يكن كذلك، ومع قولهم: إن اليهود قتلوه.. فاعلم أن إباءهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد، فاقطع كلامك عنهم، وفوض أمرهم إلى الله، فإن الله عليم بفساد المفسدين،
قوله: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ هذه (١)، والتي في النور في قوله: ﴿والخامسة أن لعنت الله عليه﴾، يكتبان بالتاء المبسوطة، وما عداهما بالهاء على الأصل.
٦٢ - ﴿إنَّ هَذَا﴾ المذكور الذي ذكرته لك يا محمَّد من الدلائل التي دلت على أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ولم يكن إلهًا، ولا ولده، ولا شريكه، ومن الدعاء إلى المباهلة مع وفد نجران ﴿لَهُوَ اَلقَصَصُ الْحَقُّ﴾؛ أي: لهو الخبر الصدق، والقول الحق الذي لا شك فيه دون أكاذيب النصارى، وافتراء اليهود ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ﴾ بلا شريك، ولا ولد، ولا زوجة ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب الذي لا يُمنع، القادر على جميع المقدورات ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ أي: العالم بجميع المعلومات، وبجميع عواقب الأمور، فذكر العزيز الحكيم ها هنا إشارة إلى الجواب عن النصارى في الشبهتين لعيسى: القدرة على الإحياء ونحوه، وإخبار الغيوب؛ أي: لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة، والحكمة البالغة، ليشاركه في الإلهية.
٦٣ - ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: فإن أعرضوا عن اتباعك وتصديقك، ولم يقبلوا عقيدة التوحيد التي جئت بها، ولم يجيبوك إلى المباهلة.. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عليم بـ﴾ حال ﴿المفسدين﴾ في الدين، ونياتهم، وأغراضهم الفاسدة، فيجازيهم بخبيث سرائرهم وسيىء أعمالهم.
وخلاصة المعنى: فإن أبوا عن قبول الحق، وأعرضوا عما وصفت من أن الله هو الواحد، وأنه يجب أن يكون عالمًا قادرًا على جميع المقدورات، عالمًا بالنهايات، محيطًا بالمعلومات، مع اعترافهم بأن عيسى لم يكن كذلك، ومع قولهم: إن اليهود قتلوه.. فاعلم أن إباءهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد، فاقطع كلامك عنهم، وفوض أمرهم إلى الله، فإن الله عليم بفساد المفسدين،
(١) الجمل.
339
مطلِّع على ما في قلوبهم من الأغراض الفاسدة، قادر على مجازاتهم.
الإعراب
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ﴾ الفاء استئنافية (لما): حرف شرط غير جازم ﴿أَحَسَّ عِيسَى﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْهُمُ﴾: متعلق بـ ﴿أَحَسَّ﴾، أو حال من ﴿الكُفرَ﴾ تقديره: أحسَّ الكفر حال كونه صادرًا منهم، كما قاله أبو البقاء. ﴿الْكُفْرَ﴾: مفعول به لأحس، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿عِيسَى﴾، والجملة جواب ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لما﴾ مستأنفة، ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام مبتدأ، ﴿أَنْصَارِي﴾: خبر ومضاف إليه ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من ياء المتكلم متعلق بمحذوف تقديره: حالة كوني ملتجئًا إلى الله، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ إلى قوله ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾، ﴿ءَامَنَّا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِاللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾: الواو عاطفة ﴿اشهد﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على ﴿عِيسَى﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ على كونها مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿بِأَنَّا﴾: الباء حرف جر، أن: حرف نصب ومصدر، ونا: ضمير المتكلمين اسمها. ﴿مُسْلِمُونَ﴾: خبرها، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء المتعلقة بـ ﴿أشهد﴾ تقديره؛ وأشهد بكوننا مسلمين.
الإعراب
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ﴾ الفاء استئنافية (لما): حرف شرط غير جازم ﴿أَحَسَّ عِيسَى﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْهُمُ﴾: متعلق بـ ﴿أَحَسَّ﴾، أو حال من ﴿الكُفرَ﴾ تقديره: أحسَّ الكفر حال كونه صادرًا منهم، كما قاله أبو البقاء. ﴿الْكُفْرَ﴾: مفعول به لأحس، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿عِيسَى﴾، والجملة جواب ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لما﴾ مستأنفة، ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام مبتدأ، ﴿أَنْصَارِي﴾: خبر ومضاف إليه ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من ياء المتكلم متعلق بمحذوف تقديره: حالة كوني ملتجئًا إلى الله، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ إلى قوله ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾، ﴿ءَامَنَّا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِاللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾: الواو عاطفة ﴿اشهد﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على ﴿عِيسَى﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ على كونها مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿بِأَنَّا﴾: الباء حرف جر، أن: حرف نصب ومصدر، ونا: ضمير المتكلمين اسمها. ﴿مُسْلِمُونَ﴾: خبرها، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء المتعلقة بـ ﴿أشهد﴾ تقديره؛ وأشهد بكوننا مسلمين.
340
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)﴾.
﴿رَبَّنَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿بِمَاَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمَنَّا﴾، ﴿أَنْزَلْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما أنزلته. ﴿وَاتَّبَعْنَا﴾: الواو عاطفة، (اتبعنا) فعل وفاعل. ﴿الرَّسُولَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾ على كونها مقول القول. ﴿فَاكْتُبْنَا﴾: الفاء عاطفة تفريعية، ﴿اكتبنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾، ﴿مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿اكتبنا﴾، أو حال من ضمير المفعول.
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤)﴾.
﴿وَمَكَرُوا﴾ الواو استئنافية، ﴿مكروا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستئانفة ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿مكروا﴾، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية، ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.
﴿إذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان ﴿قَالَ اَللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذ، والظرف متعلق بـ ﴿مكر الله﴾؛ أي: مكرهم الله وقت قوله لعيسى: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلتَ ﴿يَا عِيسَى﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿إِنِّي﴾: إنَّ: حرف نصب وتوكيد، والياء اسمها، ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾: خبرها ومضاف إليه ﴿وَرَافِعُكَ﴾: معطوف على ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ ﴿إلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿رافعك﴾، وجملة ﴿إن﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَمُطَهِّرُكَ﴾: معطوف على ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾. ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾:
﴿رَبَّنَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿بِمَاَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمَنَّا﴾، ﴿أَنْزَلْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما أنزلته. ﴿وَاتَّبَعْنَا﴾: الواو عاطفة، (اتبعنا) فعل وفاعل. ﴿الرَّسُولَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾ على كونها مقول القول. ﴿فَاكْتُبْنَا﴾: الفاء عاطفة تفريعية، ﴿اكتبنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾، ﴿مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿اكتبنا﴾، أو حال من ضمير المفعول.
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤)﴾.
﴿وَمَكَرُوا﴾ الواو استئنافية، ﴿مكروا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستئانفة ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿مكروا﴾، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية، ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.
﴿إذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان ﴿قَالَ اَللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذ، والظرف متعلق بـ ﴿مكر الله﴾؛ أي: مكرهم الله وقت قوله لعيسى: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلتَ ﴿يَا عِيسَى﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿إِنِّي﴾: إنَّ: حرف نصب وتوكيد، والياء اسمها، ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾: خبرها ومضاف إليه ﴿وَرَافِعُكَ﴾: معطوف على ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ ﴿إلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿رافعك﴾، وجملة ﴿إن﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَمُطَهِّرُكَ﴾: معطوف على ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾. ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾:
341
متعلق بـ ﴿مطهرك﴾ ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿وَجَاعِلُ﴾: معطوف على ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾، وهو مضاف ﴿الَّذِينَ﴾ مضاف إليه ﴿اتَّبَعُوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿فَوْقَ الَّذِينَ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بمحذوف مفعول ثانٍ لـ ﴿جاعل﴾ تقديره: ظاهرين فوقهم. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿جاعل﴾ يعني: أن هذا الجعل مستمر إلى ذلك اليوم، ويجوز أن يتعلق بما تعلق به الظرف؛ أعني: فوق الذين كفروا.
﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتب وتراخٍ، ﴿إِلَيَّ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لإفادة الحصر. ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿فَأَحْكُمُ﴾: الفاء: حرف عطف وتعقيب، ﴿أحكم﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، فالجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ على كونها مقول القول، ﴿بَيْنَكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿أحكم﴾، ﴿فِيمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أحكم﴾، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمها ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾ وجملة ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾: خبر كان، وجملة كان صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير فيه، والتقدير: فأحكم بينكم فيما كنتم مختلفين فيه.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦)﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت رجوعكم إليّ وحكمي بينكم، وأردت بيان كيفية ذلك الحكم.. فأقول لك ﴿ما﴾: حرف شرط وتفصيل. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾: الفاء
﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتب وتراخٍ، ﴿إِلَيَّ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لإفادة الحصر. ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿فَأَحْكُمُ﴾: الفاء: حرف عطف وتعقيب، ﴿أحكم﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، فالجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ على كونها مقول القول، ﴿بَيْنَكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿أحكم﴾، ﴿فِيمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أحكم﴾، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمها ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾ وجملة ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾: خبر كان، وجملة كان صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير فيه، والتقدير: فأحكم بينكم فيما كنتم مختلفين فيه.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦)﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت رجوعكم إليّ وحكمي بينكم، وأردت بيان كيفية ذلك الحكم.. فأقول لك ﴿ما﴾: حرف شرط وتفصيل. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾: الفاء
342
رابطة لجواب ﴿أما﴾ ﴿أعذبهم﴾: فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَذَابًا﴾: مفعول مطلق. ﴿شَدِيدًا﴾ صفة ﴿عَذَابًا﴾. ﴿فِي الدُّنْيَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ (أعذبهم) ﴿وَالْآخِرَةِ﴾: معطوف على ﴿الدُّنْيَا﴾، وجملة (أعذبهم) في محل الرفع خبر المبتدأ، ولكنها خبر سيِّىءٌ تقديره: فأما الذين كفروا.. فمعذب أنا إياهم، والجملة الإسمية جواب ﴿أما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة (أما) من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿وَمَا لَهُمْ﴾: الواو عاطفة، (ما): حجازية أو تميمية (لهم): جار ومجرور خبر (ما) الحجازية، أو خبر المبتدأ المؤخر. ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: اسم (ما) الحجازية، أو مبتدأ مؤخر تقديره: وما ناصرون كائنين أو كائنون لهم، والجملة معطوفة على جملة ﴿ما﴾) على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧)﴾.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ﴾ الواو عاطفة ﴿ما﴾): حرف شرط ﴿الذين﴾: مبتدأ ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنُوا﴾، ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾: الفاء رابطة لجواب (أما) (يوفيهم): فعل مضارع ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾ ﴿أُجُورَهُمْ﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، ولكنه خبر سيِّئ، والجملة الإسمية جواب (أما) لا محل لها من الإعراب، وجملة (أما) في محل النصب معطوفة على جملة (أما) الأولى ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو عاطفة (الله): مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية ﴿يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾: فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة (أما).
﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ ﴿نَتلُوُهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾،
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧)﴾.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ﴾ الواو عاطفة ﴿ما﴾): حرف شرط ﴿الذين﴾: مبتدأ ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنُوا﴾، ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾: الفاء رابطة لجواب (أما) (يوفيهم): فعل مضارع ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾ ﴿أُجُورَهُمْ﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، ولكنه خبر سيِّئ، والجملة الإسمية جواب (أما) لا محل لها من الإعراب، وجملة (أما) في محل النصب معطوفة على جملة (أما) الأولى ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو عاطفة (الله): مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية ﴿يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾: فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة (أما).
﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ ﴿نَتلُوُهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾،
343
والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة لا محل لها من الإعراب ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلقان بـ ﴿نتلوه﴾ ﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾: جار ومجرور حال من ضمير ﴿نَتلُوُه﴾ ﴿وَالذكِرِ﴾: معطوف على ﴿الْآيَاتِ﴾ ﴿الْحَكِيمِ﴾؛ صفة لـ ﴿ذكر﴾.
﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿مَثَلَ﴾: اسمها، ﴿عِيسَى﴾: مضاف إليه ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف حال من الضمير المستكن في خبر ﴿إِنَّ﴾ الآتي، وقال أبو حيان (١): والعامل في ﴿عِندَ﴾ العاملُ في كاف التشبيه. ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿خَلَقَهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ (خلق)، والجملة الفعلية جملة مفسرة لـ ﴿مثل آدم﴾ لا محل لها من الإعراب، وقيل: حال من ﴿آدَمَ﴾ على تقديره: قد، قال أبو حيان (٢): وهذه الجملة تفسيرية لـ ﴿مثل آدم﴾، فلا موضع لها من الإعراب. وقيل: هي في موضع الحال، وقد مع ﴿خَلَقَهُ﴾ مقدرةٌ، والعامل فيها معنى التشبيه. قال ابن عطية؛ ولا يجوز أن يكون ﴿خَلَقَهُ﴾ صفة لآدم، ولا حالًا منه إذ الماضي لا يكون حالًا أنت فيها، بل هو كلام مقطوع منه، مُضَمَّنه تفسير المثل. انتهى كلامه، وفيه نظر اهـ.
﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قالَ﴾، وجملة ﴿قَالَ﴾ معطوفة على جملة ﴿خَلَقَهُ﴾، ﴿كُن﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿كُن﴾: فعل أمر من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على ﴿آدَمَ﴾، والجملة معطوفة على جملة
﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿مَثَلَ﴾: اسمها، ﴿عِيسَى﴾: مضاف إليه ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف حال من الضمير المستكن في خبر ﴿إِنَّ﴾ الآتي، وقال أبو حيان (١): والعامل في ﴿عِندَ﴾ العاملُ في كاف التشبيه. ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿خَلَقَهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ (خلق)، والجملة الفعلية جملة مفسرة لـ ﴿مثل آدم﴾ لا محل لها من الإعراب، وقيل: حال من ﴿آدَمَ﴾ على تقديره: قد، قال أبو حيان (٢): وهذه الجملة تفسيرية لـ ﴿مثل آدم﴾، فلا موضع لها من الإعراب. وقيل: هي في موضع الحال، وقد مع ﴿خَلَقَهُ﴾ مقدرةٌ، والعامل فيها معنى التشبيه. قال ابن عطية؛ ولا يجوز أن يكون ﴿خَلَقَهُ﴾ صفة لآدم، ولا حالًا منه إذ الماضي لا يكون حالًا أنت فيها، بل هو كلام مقطوع منه، مُضَمَّنه تفسير المثل. انتهى كلامه، وفيه نظر اهـ.
﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قالَ﴾، وجملة ﴿قَالَ﴾ معطوفة على جملة ﴿خَلَقَهُ﴾، ﴿كُن﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿كُن﴾: فعل أمر من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على ﴿آدَمَ﴾، والجملة معطوفة على جملة
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
344
﴿قَالَ﴾ ﴿فَيَكُونُ﴾ الفاء استئنافية ﴿يكون﴾ فعل مضارع تام مرفوع بالضمة والفاعل هو والجملة مستأنفة.
﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)﴾.
﴿الْحَقُّ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا هو الحق، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من ﴿الْحَقُّ﴾ تقديره: حال كونه كائنًا من ربك. ﴿فَلَا تَكُنْ﴾: الفاء عاطفة تفريعية ﴿لا﴾: ناهية جازمة ﴿تَكُنْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، واسمها ضمير يعود على محمَّد. ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿تكن﴾ تقديره: فلا تكن كائنًا من الممترين، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾.
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا﴾.
﴿فَمَنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن هذا المذكور في شأن عيسى هو الحق من ربك، وأردت بيان كيفية المعارضة مع من حاجك فيه.. فأقول لك ﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو جملة الجواب، أو هما، أو موصولة بمعنى الذي في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة قوله: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا﴾، ودخلت الفاء في خبره لشبه الموصول بالشرط في العموم ﴿حَاجَّكَ﴾: فعل ماضٍ ومفعول في محل الجزم بـ (مَنْ) الشرطية، وفاعله ضمير يعود على (من) ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿حَاجَّكَ﴾، ﴿من بعد ما﴾؛ جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿حَاجَّكَ﴾. ﴿جَاَءَكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها ﴿مِنَ الْعِلْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿جَاَءَكَ﴾ تقديره: حال كونه كائنًا من العلم. ﴿فَقُلْ﴾: الفاء رابطة لجواب (من) الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية (قل): فعل أمر في محل الجزم بـ (من) الشرطية على كونه جوابًا لها مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، وجملة ﴿من﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا الشرطية، وجملة إذا الشرطية مستأنفة. ﴿تَعَالَوْا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت
﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)﴾.
﴿الْحَقُّ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا هو الحق، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من ﴿الْحَقُّ﴾ تقديره: حال كونه كائنًا من ربك. ﴿فَلَا تَكُنْ﴾: الفاء عاطفة تفريعية ﴿لا﴾: ناهية جازمة ﴿تَكُنْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، واسمها ضمير يعود على محمَّد. ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿تكن﴾ تقديره: فلا تكن كائنًا من الممترين، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾.
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا﴾.
﴿فَمَنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن هذا المذكور في شأن عيسى هو الحق من ربك، وأردت بيان كيفية المعارضة مع من حاجك فيه.. فأقول لك ﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو جملة الجواب، أو هما، أو موصولة بمعنى الذي في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة قوله: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا﴾، ودخلت الفاء في خبره لشبه الموصول بالشرط في العموم ﴿حَاجَّكَ﴾: فعل ماضٍ ومفعول في محل الجزم بـ (مَنْ) الشرطية، وفاعله ضمير يعود على (من) ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿حَاجَّكَ﴾، ﴿من بعد ما﴾؛ جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿حَاجَّكَ﴾. ﴿جَاَءَكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها ﴿مِنَ الْعِلْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿جَاَءَكَ﴾ تقديره: حال كونه كائنًا من العلم. ﴿فَقُلْ﴾: الفاء رابطة لجواب (من) الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية (قل): فعل أمر في محل الجزم بـ (من) الشرطية على كونه جوابًا لها مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، وجملة ﴿من﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا الشرطية، وجملة إذا الشرطية مستأنفة. ﴿تَعَالَوْا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت
345
قلتَ: ﴿تَعَالَوْا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾.
﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
﴿نَدْعُ﴾: فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على النبي، ومن يخاصمه من النصارى، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾ ﴿أَبْنَاءَنَا﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿وَأَبْنَاءَكُمْ﴾: معطوف على ﴿أَبْنَاءَنَا﴾، وكذلك معطوف عليه قوله: ﴿وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخٍ. ﴿نَبْتَهِلْ﴾: فعل مضارع معطوف على ﴿نَدْعُ﴾ على كونه مجزومًا بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على النبي، ومن يخاصمه من النصارى ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ فعل مضارع ومفعول أول ومضاف إليه، معطوف على ﴿نَدْعُ﴾ على كونه مجزومًا بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على النبي، ومن يخاصمه ﴿عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾: جار ومجرور في محل النصب مفعول ثانٍ لـ ﴿نجعل﴾.
﴿إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿هَذَا﴾: اسمها ﴿لَهُوَ﴾: اللام حرف ابتداء ﴿هو﴾: ضمير فصل ﴿اَلقَصَصُ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾ ﴿الْحَقُّ﴾: صفة لـ ﴿قصص﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾: الواو عاطفة أو استئنافية ﴿ما﴾: نافية، ﴿من﴾: زائدة زيدت لإفادة الاستغراق والعموم ﴿إِلَهٍ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم النافي عليه ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿اللَّهُ﴾: خبر المبتدأ، والجملة عاطفة على جملة ﴿إِنَّ﴾، أو مستأنفة. وفي "الفتوحات الإلهية" قوله (١): ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن ﴿مِنْ إِلَهٍ﴾: مبتدأ، و ﴿مِنْ﴾ مزيدة فيه، وإلا الله خبره تقديره: ما إله إلا الله، وزيدت ﴿مِنْ﴾ للاستغراق والعموم.
﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
﴿نَدْعُ﴾: فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على النبي، ومن يخاصمه من النصارى، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾ ﴿أَبْنَاءَنَا﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿وَأَبْنَاءَكُمْ﴾: معطوف على ﴿أَبْنَاءَنَا﴾، وكذلك معطوف عليه قوله: ﴿وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخٍ. ﴿نَبْتَهِلْ﴾: فعل مضارع معطوف على ﴿نَدْعُ﴾ على كونه مجزومًا بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على النبي، ومن يخاصمه من النصارى ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ فعل مضارع ومفعول أول ومضاف إليه، معطوف على ﴿نَدْعُ﴾ على كونه مجزومًا بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على النبي، ومن يخاصمه ﴿عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾: جار ومجرور في محل النصب مفعول ثانٍ لـ ﴿نجعل﴾.
﴿إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿هَذَا﴾: اسمها ﴿لَهُوَ﴾: اللام حرف ابتداء ﴿هو﴾: ضمير فصل ﴿اَلقَصَصُ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾ ﴿الْحَقُّ﴾: صفة لـ ﴿قصص﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾: الواو عاطفة أو استئنافية ﴿ما﴾: نافية، ﴿من﴾: زائدة زيدت لإفادة الاستغراق والعموم ﴿إِلَهٍ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم النافي عليه ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿اللَّهُ﴾: خبر المبتدأ، والجملة عاطفة على جملة ﴿إِنَّ﴾، أو مستأنفة. وفي "الفتوحات الإلهية" قوله (١): ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن ﴿مِنْ إِلَهٍ﴾: مبتدأ، و ﴿مِنْ﴾ مزيدة فيه، وإلا الله خبره تقديره: ما إله إلا الله، وزيدت ﴿مِنْ﴾ للاستغراق والعموم.
(١) الجمل.
346
الثاني: أن يكون الخبر مضمرًا تقديره: وما من إله لنا إلا الله و ﴿إلّا اللَّهُ﴾: بدل من موضع ﴿مِنْ إِلَهٍ﴾؛ لأن موضعه رفع بالابتداء اهـ. "سمين". انتهى. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: الواو عاطفة أو استئنافية (إن): حرف نصب ﴿اللهَ﴾: اسمها ﴿لَهُوَ﴾: اللام حرف ابتداء ﴿هو﴾: ضمير فصل ﴿الْعَزِيزُ﴾: خبر أول لـ ﴿إنَّ﴾ ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر ثانٍ لها، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾ الأولى.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)﴾.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت كيفية المحاجة معهم، وأردت بيان حكم ما إذا تولوا عن قبول الحق بعد المحاجة.. فأقول لك. ﴿إنْ﴾ حرف شرط جازم ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل ماضٍ، وفاعل، في محل الجزم بـ (إن) على كونه فعل شرط لها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطةٍ لجواب (إن) الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية (إن): حرف نصب ﴿اللَّهَ﴾: اسمها ﴿عَلِيمٌ﴾؛ خبرها. ﴿بِالْمُفْسِدِينَ﴾: متعلق بـ ﴿عَلِيمٌ﴾، وجملة (إنَّ) في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة (إنْ) الشرطية من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾: الإحساس: الإدراك ببعض الحواس الخمس، وهي: الذوق والشم واللمس والسمع والبصر، يقال: أحسست الشيء وبالشيء وحسست به، ويقال: حسيت به بإبدال سينه الثانية ياءً، وأحست بحذف سينه الأولى، وقال سيبويه: وما شذَّ من المضاعف - يعني: في الحذف - فشبيه بباب أقمت، وذلك قولهم: أحست وأحسن، يريدون أحسست وأحسسن، والمراد بالإحساس هنا: الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة.
﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾: والأنصار جمع: نصير، نحو شريف وأشراف.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)﴾.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت كيفية المحاجة معهم، وأردت بيان حكم ما إذا تولوا عن قبول الحق بعد المحاجة.. فأقول لك. ﴿إنْ﴾ حرف شرط جازم ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل ماضٍ، وفاعل، في محل الجزم بـ (إن) على كونه فعل شرط لها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطةٍ لجواب (إن) الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية (إن): حرف نصب ﴿اللَّهَ﴾: اسمها ﴿عَلِيمٌ﴾؛ خبرها. ﴿بِالْمُفْسِدِينَ﴾: متعلق بـ ﴿عَلِيمٌ﴾، وجملة (إنَّ) في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة (إنْ) الشرطية من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾: الإحساس: الإدراك ببعض الحواس الخمس، وهي: الذوق والشم واللمس والسمع والبصر، يقال: أحسست الشيء وبالشيء وحسست به، ويقال: حسيت به بإبدال سينه الثانية ياءً، وأحست بحذف سينه الأولى، وقال سيبويه: وما شذَّ من المضاعف - يعني: في الحذف - فشبيه بباب أقمت، وذلك قولهم: أحست وأحسن، يريدون أحسست وأحسسن، والمراد بالإحساس هنا: الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة.
﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾: والأنصار جمع: نصير، نحو شريف وأشراف.
347
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾: جمع حواري، وهو الناصر، وهو مصروف وإن ماثل المفاعل؛ لأن ياء النسب فيه عارضة، وهو مشتق من الحور، وفعله من باب طَرِب يقال: حورت العين إذا صفا بياض بياضا وسواد سوادها، فسموا حواريين لخلوص بياض ألوانهم ونياتهم وسرائرهم، فعلى هذا القول الحَوَر وهو البياض قائمٌ بذواتهم وقلوبهم، وقيل: مأخوذ من التحوير وهو: التبييض؛ لأنهم يحورون الثياب، ويقصرونا؛ أي: يبيضونها. ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ والمكر (١): الخداع والخبث، وأصله: الستر، يقال: مكر الليل وأمكر إذا أظلم، واشتقاقه من: المكر، وهو: شجر ملتف، فكأن المذكور به يلتف به المكر ويشتمل عليه ويقال: امرأة ممكورة إذا كانت ملتفة الخلق، والمكر أيضًا ضرب من النبات، وفسره بعضم بأنه: صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان:
محمود: وهو أن يتحرى به فعلَ جميلَ، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
ومذموم: وهو أن يتحرى به فعل قبيحٍ؛ نحو: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾. اهـ. "سمين".
﴿فَقُلْ تَعَالَوْا﴾: العامة على فتح اللام؛ لأنه أمر من: تعالى يتعالى؛ كترامى يترامى، وأصل ألفه ياء، وأص هذه الياء واو؛ وذلك لأنه مشتق من العلو وهو: الارتفاع، والواو متى وقعت رابعة فصاعدًا قلبت ياءً، فصار تعالى فتحرك حرف العلة - وهو الياء -، وانفتح ما قبله، فقُلب ألفًا، فصار: تعالى كترامى، فإذا أمرتَ منه الواحد.. قلت: تعالَ يا زيد؛ بحذف الألف؛ لبناء الأمر على حذفها، وكذا إذا أمرت الجمع المذكر.. قلت: تعالَو!؛ لأنك لما حذفت الألف لأجل الأمر.. أبقيتَ الفتحة مشعرة بها، وإنْ شئت قلت: الأصل: تعاليوا، وأصل هذه الياء واو - كما تقدم -، ثم استثقلت الصفة على الياء، فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - وهو الياء - لالتقاء الساكنين، وتركت الفتحة على حالها، وإنْ
محمود: وهو أن يتحرى به فعلَ جميلَ، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
ومذموم: وهو أن يتحرى به فعل قبيحٍ؛ نحو: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾. اهـ. "سمين".
﴿فَقُلْ تَعَالَوْا﴾: العامة على فتح اللام؛ لأنه أمر من: تعالى يتعالى؛ كترامى يترامى، وأصل ألفه ياء، وأص هذه الياء واو؛ وذلك لأنه مشتق من العلو وهو: الارتفاع، والواو متى وقعت رابعة فصاعدًا قلبت ياءً، فصار تعالى فتحرك حرف العلة - وهو الياء -، وانفتح ما قبله، فقُلب ألفًا، فصار: تعالى كترامى، فإذا أمرتَ منه الواحد.. قلت: تعالَ يا زيد؛ بحذف الألف؛ لبناء الأمر على حذفها، وكذا إذا أمرت الجمع المذكر.. قلت: تعالَو!؛ لأنك لما حذفت الألف لأجل الأمر.. أبقيتَ الفتحة مشعرة بها، وإنْ شئت قلت: الأصل: تعاليوا، وأصل هذه الياء واو - كما تقدم -، ثم استثقلت الصفة على الياء، فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - وهو الياء - لالتقاء الساكنين، وتركت الفتحة على حالها، وإنْ
(١) الجمل.
348
شئت قلت: لما كان الأصل: تعاليوا.. تحرك حرف العلة، وانفتح ما قبله - وهو الياء -، فقلبت ألفًا، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - وهو الألف - وبقيت الفتحة دالة عليها.
والفرق بين هذا وبين الوجه الأول: أن الألف في الوجه الأول حذفت لأجل الأمر، وإن لم يتصل به وأو ضمير، وفي هذا حُذفت لالتقائها ساكنة مع واو الضمير، وكذلك إذا أمرت الواحدة.. تقولُ لها: تعالي، فهذه الياء هي ياء الفاعلة من جملة الضمائر، والتصريف فيه كما تقدم في أمر جماعة المذكور، فتأتي هنا الوجوه الثلاثة، فيقال: حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع ياء المخاطبة، وبقيت الفتحة دالة عليها، أو يقال: استثقلت الكسرة على الياء التي هي من أصل الكلمة، فحذفت، فالتقى ساكنان، وهما الياءَان فحذفت الأولى، أو يقال: تحركت الياء الأولى وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وأما إذا أمرت المثنى.. فإن الياء تثبت فتقول: يا زيدان تعاليا، ويا هندان تعاليا أيضًا؛ يستوي فيه المذكران والمؤنثان، وكذلك أمر جماعة الإناث، تثبت فيه الياء فتقول: يا نسوة تعالَين، قال تعالى: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾؛ إذ لا مقتضى للحذف، ولا للقلب، وهو ظاهر بما تمهد من القواعد الصرفية.
وقرأ الحسن شاذًا: ﴿تعالُوا﴾ بضم اللام، والذي يظهر في توجيه هذه القراءة أنهم تناسوا الحرف المحذوف، حتى كأنهم توهموا أن الكلمة بُنيت على ذلك، وأن اللام هي الآخر في الحقيقة، فلذلك عوملت معاملة الآخر حقيقة، فضمت قبل واو الضمير، وكسرت قبل يائه. وتعال: فعل أمر صريح، وليس باسم فعل؛ لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة به.
﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾: والابتهال: افتعال من البهلة - بفتح الباء وضمها - وهي: اللعنة، هذا أصله، ثم استعمل في كل دعاء مجتهد فيه، وإن لم يكن التعانًا، وفي "القاموس": والبهل: اللعن، والترك، والاجتهاد في الدعاء، وإخلاصه، وفي "المصباح": بهله بهلًا من باب نفع إذا لعنه، واسم الفاعل باهل، والأنثى: باهله، وبها سميت قبيلة، والاسم البُهْلة بالضم وزان: الغرفة، وباهله مباهلةً من
والفرق بين هذا وبين الوجه الأول: أن الألف في الوجه الأول حذفت لأجل الأمر، وإن لم يتصل به وأو ضمير، وفي هذا حُذفت لالتقائها ساكنة مع واو الضمير، وكذلك إذا أمرت الواحدة.. تقولُ لها: تعالي، فهذه الياء هي ياء الفاعلة من جملة الضمائر، والتصريف فيه كما تقدم في أمر جماعة المذكور، فتأتي هنا الوجوه الثلاثة، فيقال: حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع ياء المخاطبة، وبقيت الفتحة دالة عليها، أو يقال: استثقلت الكسرة على الياء التي هي من أصل الكلمة، فحذفت، فالتقى ساكنان، وهما الياءَان فحذفت الأولى، أو يقال: تحركت الياء الأولى وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وأما إذا أمرت المثنى.. فإن الياء تثبت فتقول: يا زيدان تعاليا، ويا هندان تعاليا أيضًا؛ يستوي فيه المذكران والمؤنثان، وكذلك أمر جماعة الإناث، تثبت فيه الياء فتقول: يا نسوة تعالَين، قال تعالى: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾؛ إذ لا مقتضى للحذف، ولا للقلب، وهو ظاهر بما تمهد من القواعد الصرفية.
وقرأ الحسن شاذًا: ﴿تعالُوا﴾ بضم اللام، والذي يظهر في توجيه هذه القراءة أنهم تناسوا الحرف المحذوف، حتى كأنهم توهموا أن الكلمة بُنيت على ذلك، وأن اللام هي الآخر في الحقيقة، فلذلك عوملت معاملة الآخر حقيقة، فضمت قبل واو الضمير، وكسرت قبل يائه. وتعال: فعل أمر صريح، وليس باسم فعل؛ لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة به.
﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾: والابتهال: افتعال من البهلة - بفتح الباء وضمها - وهي: اللعنة، هذا أصله، ثم استعمل في كل دعاء مجتهد فيه، وإن لم يكن التعانًا، وفي "القاموس": والبهل: اللعن، والترك، والاجتهاد في الدعاء، وإخلاصه، وفي "المصباح": بهله بهلًا من باب نفع إذا لعنه، واسم الفاعل باهل، والأنثى: باهله، وبها سميت قبيلة، والاسم البُهْلة بالضم وزان: الغرفة، وباهله مباهلةً من
349
باب قاتل إذا لَعَن كل واحد منهما الآخر، وابتهل إلى الله إذا تضرع إليه. اهـ.
﴿لَهُوَ الْقَصَصُ﴾: والقصَص: مصدر قولهم: قصَّ فلانٌ الحديثَ، يقصه قصًّا قصصًا، وأصله: تتبع الأثر، يقال: فلان خرج يقص أثر فلان؛ أي: يتبعه ليعرف أين ذهب، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾؛ أي: اتبعي أثره، وكذلك القاص في الكلام؛ لأنه يتتبع خبرًا بعد خبر.
البلاغة
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ﴾: فيه استعارة تصريحية تبعية؛ إذ لا يحس إلا ما كان متجسدًا، والكفر ليس بمحسوس، وإنما يعلم ويفطن به، ولا يدرك بالحس، إلا إذا كان أحس بمعنى: رأى أو سمع منهم كلمة الكفر، فيكون أَحسَّ لا استعارة فيه؛ إذ يكون المعنى: أدرك ذلك منهم بحاسة البصر، أو بحاسة الأذن.
ومن ضروب البلاغة أيضًا في هذه الآيات:
منها: السؤال والجواب في قوله: ﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾، وقوله: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ و ﴿الْمَاكِرِينَ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق بين لفظ ﴿مكروا﴾ و ﴿الْمَاكِرِينَ﴾.
ومنها: إسناد الفعل إلى غير فاعله في قوله: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى﴾، والله لم يشافهه بذلك، بل بإخبار جبريل أو غيره من الملائكة.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾، وفي قوله: ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
ومنها: التفصيل لِمَا أجمل في قوله: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ بقوله: ﴿فَأَمَّا﴾، ﴿وأما﴾.
ومنها: مقابلة الجمع بالجمع في قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ﴾، {وَأَمَّا
350
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ على قراءة الياء من ضمير المتكلم، وفي قوله: ﴿فَأُعُذبُهُمْ﴾ إلى ضمير الغيبة.
ومنها: التعبير بالمضارع عن الماضي في قوله: ﴿نَتلُوهُ﴾، وفي قوله: ﴿فَيَكُونُ﴾.
ومنها: تشبيه الغريب بالأغرب في قوله: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾؛ لأن فاقد الأبوين أغرب من فاقد الأب، فكان أشد خرقًا للعادة من الموجود من غير أب، وأقطع الخصم، وأحسم لمادة شبهته، والجامع: كون كل منهما من غير أب.
ومنها: الإلهاب والتهييج في قوله: ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾. إلى غير ذلك من ضروب البلاغة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ على قراءة الياء من ضمير المتكلم، وفي قوله: ﴿فَأُعُذبُهُمْ﴾ إلى ضمير الغيبة.
ومنها: التعبير بالمضارع عن الماضي في قوله: ﴿نَتلُوهُ﴾، وفي قوله: ﴿فَيَكُونُ﴾.
ومنها: تشبيه الغريب بالأغرب في قوله: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾؛ لأن فاقد الأبوين أغرب من فاقد الأب، فكان أشد خرقًا للعادة من الموجود من غير أب، وأقطع الخصم، وأحسم لمادة شبهته، والجامع: كون كل منهما من غير أب.
ومنها: الإلهاب والتهييج في قوله: ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾. إلى غير ذلك من ضروب البلاغة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
351
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾.
المناسبة
لما (١) بين الله سبحانه وتعالى فيما سلف أحوال عيسى عليه السلام، وما يعتوره من الأطوار المنافية للألوهية، ثم ذكر دعوته - ﷺ - الناس إلى التوحيد والإِسلام، وظهور عناد أهل الكتاب حتى اضطر إلى دعوتهم إلى المباهلة فأعرضوا، وبذلك انقطعت حججهم، ودلَّ ذلك على أنهم ليسوا على يقين من اعتقاد ألوهية المسيح، ومن يفقد اليقين يتزلزل حينما يدعى إلى شيء مما يخاف عاقبته.. دعاهم هنا إلى أمر آخر هو أصل الدين، وروحه الذي اتفقت عليه دعوة الأنبياء جميعًا، وهو سواء وعدل بين الفريقين لا يرجح فيه طرف على طرف،
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾.
المناسبة
لما (١) بين الله سبحانه وتعالى فيما سلف أحوال عيسى عليه السلام، وما يعتوره من الأطوار المنافية للألوهية، ثم ذكر دعوته - ﷺ - الناس إلى التوحيد والإِسلام، وظهور عناد أهل الكتاب حتى اضطر إلى دعوتهم إلى المباهلة فأعرضوا، وبذلك انقطعت حججهم، ودلَّ ذلك على أنهم ليسوا على يقين من اعتقاد ألوهية المسيح، ومن يفقد اليقين يتزلزل حينما يدعى إلى شيء مما يخاف عاقبته.. دعاهم هنا إلى أمر آخر هو أصل الدين، وروحه الذي اتفقت عليه دعوة الأنبياء جميعًا، وهو سواء وعدل بين الفريقين لا يرجح فيه طرف على طرف،
(١) المراغي.
352
وهو عبادة الله وَحْده لا شريك له، فلما أعرضوا.. أمر بأن يقول لهم: ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
ولما بين أيضًا أن من دأب أهل الكتاب أن يعرضوا عن الحق بعد ما تبين لهم، ولا يجدي معهم الدليل ولا البرهان، فدعوتهم إلى دين الإِسلام الذي كان عليه إبراهيم والأنبياء بعده، لا تجد منهم أذنًا صاغية، ولا قلوبًا واعية.. ذكر شأنًا آخر لهم، وهو أنهم كانوا أشد الناس حرصًا على إضلال المؤمنين، فلا يَدعون فرصة إلا انتهزوها بالتفنن في إلقاء الشبه في نفوس المؤمنين، وقد كان النزاع بالغًا أشده بين الفريقين، فإذا تمسكنا نحن وأنتم بها، وصدَّقناها.. كنا على السواء والاستقامة، وفي قراءةٍ شاذةٍ لابن مسعود: ﴿إلى كلمة عدل بيننا وبينكم﴾.
ثم فسر الكلمة بقوله هي: ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾؛ أي تلك الكلمة: عدم عبادتنا سوى الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾؛ أي: وعدم إشراكنا به سبحانه وتعالى شيئًا من المخلوقات في العبادة ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: وعدم اتخاذ وجعل بعض منا بعضًا آخرنا ربًّا ومعبودًا ومطاعًا من دون الله سبحانه وتعالى؛ أي لا يطع أحد منا أحدًا من الرؤساء في معصية الله، وفيما أحدثوا من التحريم والتحليل، ولا نقول عُزيرٌ ابنُ الله ولا المسيح ابن الله؛ لأنهما بشران مثلنا، ولا نطيع الأحبار والرهبان فيما أحلوا أو حرموا.
روي أنه لما نزلت هذه الآية.. قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال - ﷺ -: "أما كانوا يحلون لكم، ويحرمون عليكم، فتأخذون بقولهم"؟ قال: نعم، فقال النبي - ﷺ -: "هو ذاك".
وتفسير الكلمة بهذه الجمل؛ لأن العرب تسمي كل قصة أو قصيدة لها أول وآخر: كلمة.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: فإن أعرضوا عن التوحيد، ورفضوا قبول تلك الكلمة العادلة، وأَبَو إلا الإصرار على الشرك.. ﴿فَقُولُوا﴾ أنتم؛ أيها النبي والمؤمنون
ولما بين أيضًا أن من دأب أهل الكتاب أن يعرضوا عن الحق بعد ما تبين لهم، ولا يجدي معهم الدليل ولا البرهان، فدعوتهم إلى دين الإِسلام الذي كان عليه إبراهيم والأنبياء بعده، لا تجد منهم أذنًا صاغية، ولا قلوبًا واعية.. ذكر شأنًا آخر لهم، وهو أنهم كانوا أشد الناس حرصًا على إضلال المؤمنين، فلا يَدعون فرصة إلا انتهزوها بالتفنن في إلقاء الشبه في نفوس المؤمنين، وقد كان النزاع بالغًا أشده بين الفريقين، فإذا تمسكنا نحن وأنتم بها، وصدَّقناها.. كنا على السواء والاستقامة، وفي قراءةٍ شاذةٍ لابن مسعود: ﴿إلى كلمة عدل بيننا وبينكم﴾.
ثم فسر الكلمة بقوله هي: ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾؛ أي تلك الكلمة: عدم عبادتنا سوى الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾؛ أي: وعدم إشراكنا به سبحانه وتعالى شيئًا من المخلوقات في العبادة ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: وعدم اتخاذ وجعل بعض منا بعضًا آخرنا ربًّا ومعبودًا ومطاعًا من دون الله سبحانه وتعالى؛ أي لا يطع أحد منا أحدًا من الرؤساء في معصية الله، وفيما أحدثوا من التحريم والتحليل، ولا نقول عُزيرٌ ابنُ الله ولا المسيح ابن الله؛ لأنهما بشران مثلنا، ولا نطيع الأحبار والرهبان فيما أحلوا أو حرموا.
روي أنه لما نزلت هذه الآية.. قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال - ﷺ -: "أما كانوا يحلون لكم، ويحرمون عليكم، فتأخذون بقولهم"؟ قال: نعم، فقال النبي - ﷺ -: "هو ذاك".
وتفسير الكلمة بهذه الجمل؛ لأن العرب تسمي كل قصة أو قصيدة لها أول وآخر: كلمة.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: فإن أعرضوا عن التوحيد، ورفضوا قبول تلك الكلمة العادلة، وأَبَو إلا الإصرار على الشرك.. ﴿فَقُولُوا﴾ أنتم؛ أيها النبي والمؤمنون
353
لأهل الكتاب ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾؛ أي: اعترفوا لنا يا معشر أهل الكتاب بأنَّنا منقادون لأوامر الله، مُقِرُّون لله بالوحدانية، مخلصون لهُ بالعبادة دُونكم، فقد لزمتكم الحجة، فوجب عليكم أن تعترفوا بذلك، وبأنكم كافرون بما نطقت به الكتب، وتطابقت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وفي قوله (١): ﴿بَعْضُنَا بَعْضًا﴾ إشارة لطيفة وهي أنَّ البعضية تنافي الإلهية؛ إذ هي تماثل في البشرية، وما كان مثلك استحال أن يكون إلهًا لك، وإذا كانوا قد استبعدوا اتباع من شاركهم في البشرية للاختصاص بالنبوة في قولهم: ﴿إنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ فادعاء الإلهية فيهم ينبغي أن يكونوا أشد استبعادًا فيه، وهذه الأفعال الداخل عليها أداة النفي متقاربة في المعنى، يؤكد بعضها بعضًا؛ إذ اختصاص الله بالعبادة يتضمن نفي الاشتراك، ونفي اتخاذ الأرباب من دون الله، ولكن الموضع موضع تأكيد وإسهاب ونشر كلام.
والنصارى جمعوا بين الأفعال الثلاثة: عبدوا عيسى، وأشركوا بقولهم: ثالث ثلاثة، واتخذوا أحبارهم أربابًا في الطاعة في تحليل وتحريم، وفي السجود لهم.
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا سفيان أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله - ﷺ - ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهو بإلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعا بكتاب رسول الله - ﷺ - الذي بعث به مع دِحية الكلبي إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا غرابة في ذلك فإن الدعوة إلى هذا الدين الجديد وجدت مقاومة من أهل الكتاب، ومن المشركين.
أما أهل الكتاب: فلأن فيه هدمًا لدينهم كما يزعمون، وأما المشركون؛ فلأن للإلف والعادة سلطانًا على النفوس، وهذه الدعوة دكت حصون المعتقدات
وفي قوله (١): ﴿بَعْضُنَا بَعْضًا﴾ إشارة لطيفة وهي أنَّ البعضية تنافي الإلهية؛ إذ هي تماثل في البشرية، وما كان مثلك استحال أن يكون إلهًا لك، وإذا كانوا قد استبعدوا اتباع من شاركهم في البشرية للاختصاص بالنبوة في قولهم: ﴿إنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ فادعاء الإلهية فيهم ينبغي أن يكونوا أشد استبعادًا فيه، وهذه الأفعال الداخل عليها أداة النفي متقاربة في المعنى، يؤكد بعضها بعضًا؛ إذ اختصاص الله بالعبادة يتضمن نفي الاشتراك، ونفي اتخاذ الأرباب من دون الله، ولكن الموضع موضع تأكيد وإسهاب ونشر كلام.
والنصارى جمعوا بين الأفعال الثلاثة: عبدوا عيسى، وأشركوا بقولهم: ثالث ثلاثة، واتخذوا أحبارهم أربابًا في الطاعة في تحليل وتحريم، وفي السجود لهم.
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا سفيان أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله - ﷺ - ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهو بإلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعا بكتاب رسول الله - ﷺ - الذي بعث به مع دِحية الكلبي إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا غرابة في ذلك فإن الدعوة إلى هذا الدين الجديد وجدت مقاومة من أهل الكتاب، ومن المشركين.
أما أهل الكتاب: فلأن فيه هدمًا لدينهم كما يزعمون، وأما المشركون؛ فلأن للإلف والعادة سلطانًا على النفوس، وهذه الدعوة دكت حصون المعتقدات
(١) البحر المحيط.
354
التي توارثوها عن أسلافهم الغابرين، ووجدوا عليها آباءهم من قبل، كما حكى الله - تعالى - عنهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ...﴾ قيل (١): نزلت هذه الآية في شأن نصارى نجران كما قاله ابن عباس، وقيل: نزلت في شأن الفريقين اليهود والنصارى، وذلك أنه لما قَدِم وفد نجران المدينة، والتقوا مع اليهود.. اختصموا في دين إبراهيم، فزعمت النصارى أنه كان نصرانيًّا، وأنهم على دينه، وأولى الناس به، وقالت اليهود: بل كان يهوديًّا، ونحن على دينه، وأولى الناس به، فقال النبي - ﷺ -: "كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه، بل كان إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وأنا على دينه، فاتبعوا دينه الإِسلام"، فقالت اليهود: يا محمَّد، ما تريد إلا أن نتخذك ربًّا كما اتخذت النصارى عيسى، وقالت النصارى: يا محمَّد، ما تريد إلا أن نقول فيك كما قالت اليهود في عزير، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...﴾.
قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ..﴾ الآية (٢)، روى ابن إسحاق بسنده المتصل إلى ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبار اليهود عند رسول الله - ﷺ -، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًّا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًّا، فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾. الآية أخرجه البيهقي في "الدلائل".
قوله: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ...﴾ الآية، روى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمَّد وأصحابه غدوة، ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع،
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ...﴾ قيل (١): نزلت هذه الآية في شأن نصارى نجران كما قاله ابن عباس، وقيل: نزلت في شأن الفريقين اليهود والنصارى، وذلك أنه لما قَدِم وفد نجران المدينة، والتقوا مع اليهود.. اختصموا في دين إبراهيم، فزعمت النصارى أنه كان نصرانيًّا، وأنهم على دينه، وأولى الناس به، وقالت اليهود: بل كان يهوديًّا، ونحن على دينه، وأولى الناس به، فقال النبي - ﷺ -: "كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه، بل كان إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وأنا على دينه، فاتبعوا دينه الإِسلام"، فقالت اليهود: يا محمَّد، ما تريد إلا أن نتخذك ربًّا كما اتخذت النصارى عيسى، وقالت النصارى: يا محمَّد، ما تريد إلا أن نقول فيك كما قالت اليهود في عزير، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...﴾.
قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ..﴾ الآية (٢)، روى ابن إسحاق بسنده المتصل إلى ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبار اليهود عند رسول الله - ﷺ -، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًّا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًّا، فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾. الآية أخرجه البيهقي في "الدلائل".
قوله: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ...﴾ الآية، روى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمَّد وأصحابه غدوة، ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع،
(١) المراح.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
355
فيرجعون عن دينهم، فأنزل الله فيهم: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ إلى قوله: ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك قال: كانت اليهود تقول أحبارهم للذين من دونهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأنزل الله: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٦٤ - ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى ﴿تَعَالَوْا﴾؛ أي: أقبلو وهلموا ﴿إِلَى كَلِمَةٍ﴾ بفتح الكاف وكسر اللام في قراءة العامة، وقرأ أبو السمال: (كَلْمة) كضَربة، و (كِلْمة) كسِدْرة وكلتاهما شاذتان؛ أي: أقبلوا إلى كلمة ﴿سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾؛ أي: إلى كلمة مستوية بيننا وبينكم، وحكم حق لا تختلف فيه الأنبياء والرسل، ولا يختلف فيه التوراة والإنجيل والقرآن.
"من محمَّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم.. تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت.. فإنما عليك إثم الأريسين، و ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ هذا لفظ إِحدى روايات البخاري، وقد أخرجه بأطول من هذا، وفيه زيادة، وفي رواية: الأريسين، والأريس: الأكار: وهو الزراع والفلاح.
٦٥ - ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: لِمَ تجادلون وتنازعون في إبراهيبم، وتزعمون أنه على دينكم ﴿و﴾ الحال أنه ﴿ما أنزلت التوراة﴾ على موسى ﴿وَالْإِنْجِيلُ﴾ على عيسى ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾؛ أي: إلا من بعد إبراهيم بزمن طويل، أي: والحال أنه ما حدثت هذه الأديان إلا من بعده بقرون كثيرة، فكيف يكون من أهلها؟.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك قال: كانت اليهود تقول أحبارهم للذين من دونهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأنزل الله: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٦٤ - ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى ﴿تَعَالَوْا﴾؛ أي: أقبلو وهلموا ﴿إِلَى كَلِمَةٍ﴾ بفتح الكاف وكسر اللام في قراءة العامة، وقرأ أبو السمال: (كَلْمة) كضَربة، و (كِلْمة) كسِدْرة وكلتاهما شاذتان؛ أي: أقبلوا إلى كلمة ﴿سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾؛ أي: إلى كلمة مستوية بيننا وبينكم، وحكم حق لا تختلف فيه الأنبياء والرسل، ولا يختلف فيه التوراة والإنجيل والقرآن.
"من محمَّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم.. تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت.. فإنما عليك إثم الأريسين، و ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ هذا لفظ إِحدى روايات البخاري، وقد أخرجه بأطول من هذا، وفيه زيادة، وفي رواية: الأريسين، والأريس: الأكار: وهو الزراع والفلاح.
٦٥ - ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: لِمَ تجادلون وتنازعون في إبراهيبم، وتزعمون أنه على دينكم ﴿و﴾ الحال أنه ﴿ما أنزلت التوراة﴾ على موسى ﴿وَالْإِنْجِيلُ﴾ على عيسى ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾؛ أي: إلا من بعد إبراهيم بزمن طويل، أي: والحال أنه ما حدثت هذه الأديان إلا من بعده بقرون كثيرة، فكيف يكون من أهلها؟.
والمعنى (١) أن اليهودية والنصرانية حدثتنا بنزول التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السلام، وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة، وعيسى بألفين، فكيف يكون عليهما؟ ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾؛ أي: أتدَّعون أن إبراهيم منكم، وعلى دينكم، فلا تعقلون بطلان قولكم، وفساد دعواكم يا معشر اليهود والنصارى حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال؟
وأورد (٢) على هذا التأويل أن الإِسلام أيضًا إنما حدث بعد إبراهيم، وموسى، وعيسى بزمان طويل، وكذلك إنزال القرآن، إنما نزل بعد التوراة والإنجيل، فكيف يصح ما ادعيتم في إبراهيم أنه كان حنيفًا مسلمًا؟ وأجيب عنه: بأن الله عزّ وجلّ أخبر في القرآن بأن إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا، وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، فصح وثبت ما ادعاه المسلمون، وبطل ما ادعاه اليهود والنصارى.
٦٦ - ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ يقرأ إما بألف وبعدها همزة إما محققة أو مسهلة، أو بدون ألف، والهمزة إما محققة أو مسهلة، أو بألف فقط بدون همزة أصلًا، فالقراءات خمسٌ، وكلها سبعية متواترة، أي: انتبهوا أنتم يا معشر اليهود والنصارى. ﴿حَاجَجْتُمْ﴾ وخاصمتم ﴿فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: فيما وجدتم في كتبكم، وأنزل عليكم بيانه في أمر موسى وعيسى، وادعيتم أنكم على دينهما، وقد أنزلت التوراة. والإنجيل عليكم. ﴿فَلِمَ تُحَآجُّونَ﴾ وتخاصمون ﴿فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: فيما ليس في كتابكم من أن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ ما كان عليه إبراهيم من الدين ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذلك، ثم صرَّح بما فهم من قبل تلويحًا، فقال:
٦٧ - ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾؛ أي: ما كان إبراهيم على دين اليهودية، ولا على دين النصرانية، فإن اليهودية ملة محرفة عن شرع موسى، وكذلك النصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى. ﴿وَلَكِنْ كَانَ﴾ إبراهيم ﴿حَنِيفًا﴾؛ أي: مائلًا عن الأديان الباطلة كلها إلى الدين الحق القويم ﴿مُسْلِمًا﴾؛ أي: منقادًا
وأورد (٢) على هذا التأويل أن الإِسلام أيضًا إنما حدث بعد إبراهيم، وموسى، وعيسى بزمان طويل، وكذلك إنزال القرآن، إنما نزل بعد التوراة والإنجيل، فكيف يصح ما ادعيتم في إبراهيم أنه كان حنيفًا مسلمًا؟ وأجيب عنه: بأن الله عزّ وجلّ أخبر في القرآن بأن إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا، وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، فصح وثبت ما ادعاه المسلمون، وبطل ما ادعاه اليهود والنصارى.
٦٦ - ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ يقرأ إما بألف وبعدها همزة إما محققة أو مسهلة، أو بدون ألف، والهمزة إما محققة أو مسهلة، أو بألف فقط بدون همزة أصلًا، فالقراءات خمسٌ، وكلها سبعية متواترة، أي: انتبهوا أنتم يا معشر اليهود والنصارى. ﴿حَاجَجْتُمْ﴾ وخاصمتم ﴿فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: فيما وجدتم في كتبكم، وأنزل عليكم بيانه في أمر موسى وعيسى، وادعيتم أنكم على دينهما، وقد أنزلت التوراة. والإنجيل عليكم. ﴿فَلِمَ تُحَآجُّونَ﴾ وتخاصمون ﴿فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: فيما ليس في كتابكم من أن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ ما كان عليه إبراهيم من الدين ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذلك، ثم صرَّح بما فهم من قبل تلويحًا، فقال:
٦٧ - ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾؛ أي: ما كان إبراهيم على دين اليهودية، ولا على دين النصرانية، فإن اليهودية ملة محرفة عن شرع موسى، وكذلك النصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى. ﴿وَلَكِنْ كَانَ﴾ إبراهيم ﴿حَنِيفًا﴾؛ أي: مائلًا عن الأديان الباطلة كلها إلى الدين الحق القويم ﴿مُسْلِمًا﴾؛ أي: منقادًا
(١) البيضاوي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
لأوامر الله التي ألزم بها في شريعته، لا على ملة الإِسلام الحادثة ﴿وَمَا كَانَ﴾ إبراهيم ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ بالله؛ أي: لم يكن مشركًا، وفي هذا تعريض بأنهم كانوا مشركين في قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وردَّ على المشركين في ادعائهم أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام.
٦٨ - ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ﴾؛ أي: أقربهم وأحقهم ﴿بِإِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: بالانتساب إلى إبراهيم ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾؛ أي: لأتباعه الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره وبعده؛ كإسماعيل وإسحق ويعقوب وأولادهم، ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ محمَّد - ﷺ -؛ لموافقته له في أكثر شرعه ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمد - ﷺ -، فهم الذين يليق بهم أن يقولوا: نحن على دينه؛ لأن غالب شرع محمد - ﷺ - موافق لشرع إبراهيم؛ أي: في الأصول، أو في الفروع من حيث السهولة، فإن شريعة محمَّد - ﷺ - سهلةٌ نهلةٌ كشريعة إبراهيم، لا كشريعة موسى فإنها صعبة التكاليف بسبب عناد بني إسرائيل.
والحاصل: أن أحق الناس بدين إبراهيم فريقان:
أحدهما: من اتبعه من أمته.
وثانيهما: النبي وسائر المؤمنين من أصحابه - ﷺ -.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إن لكل نبي ولاةً من النبيين، وإن وَليي: أبي وخليل ربي إبراهيم، ثم قرأ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)﴾ (١) أخرجه الترمذي.
والخلاصة: أنَّ أحق الناس بإبراهيم ونصرته وولايته والانتساب إليه هم الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره، فوحدوا الله مخلصين له الدين، وكانوا حنفاء مسلمين غير مشركين، وهذا النبي محمَّد - ﷺ -، والذين آمنوا معه، فإنهم أهل التوحيد المخلصون لله في أعمالهم دون شرك ولا رياء.
وهذا هو روح الإِسلام، والمقصود من الإيمان، ومن فاته ذلك.. فقد فاته الدين كله، ثم ذكر أنهم مع نصرتهم لإبراهيم، فالله ناصرهم فقال: {وَاللَّهُ وَلِيُّ
٦٨ - ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ﴾؛ أي: أقربهم وأحقهم ﴿بِإِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: بالانتساب إلى إبراهيم ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾؛ أي: لأتباعه الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره وبعده؛ كإسماعيل وإسحق ويعقوب وأولادهم، ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ محمَّد - ﷺ -؛ لموافقته له في أكثر شرعه ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمد - ﷺ -، فهم الذين يليق بهم أن يقولوا: نحن على دينه؛ لأن غالب شرع محمد - ﷺ - موافق لشرع إبراهيم؛ أي: في الأصول، أو في الفروع من حيث السهولة، فإن شريعة محمَّد - ﷺ - سهلةٌ نهلةٌ كشريعة إبراهيم، لا كشريعة موسى فإنها صعبة التكاليف بسبب عناد بني إسرائيل.
والحاصل: أن أحق الناس بدين إبراهيم فريقان:
أحدهما: من اتبعه من أمته.
وثانيهما: النبي وسائر المؤمنين من أصحابه - ﷺ -.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إن لكل نبي ولاةً من النبيين، وإن وَليي: أبي وخليل ربي إبراهيم، ثم قرأ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)﴾ (١) أخرجه الترمذي.
والخلاصة: أنَّ أحق الناس بإبراهيم ونصرته وولايته والانتساب إليه هم الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره، فوحدوا الله مخلصين له الدين، وكانوا حنفاء مسلمين غير مشركين، وهذا النبي محمَّد - ﷺ -، والذين آمنوا معه، فإنهم أهل التوحيد المخلصون لله في أعمالهم دون شرك ولا رياء.
وهذا هو روح الإِسلام، والمقصود من الإيمان، ومن فاته ذلك.. فقد فاته الدين كله، ثم ذكر أنهم مع نصرتهم لإبراهيم، فالله ناصرهم فقال: {وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ} أي: ناصرهم وحافظهم ومكرمهم، فهو يتولى أمورهم بالنصرة والتأييد، والتوفيق والتسديد، ويصلح شؤونهم، ويثيبهم بحسب تأثير الإِسلام في قلوبهم، ويجازيهم بالحسنى.
ونبَّه على الوصف الذي يكون به الله وليًّا لعباده، وهو الإيمان فقال: ﴿وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل: وليهم، وهذا وعد لهم بالنصر في الدنيا، وبالفوز بالآخرة، وهذا كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقرىء شاذًّا (١): ﴿وهذا النبي﴾ - بالنصب - عطفًا على الهاء في: ﴿اتَّبَعُوُه﴾، فيكون مُتَّبْعًا لا مُتَّبِعًا؛ أي: أحق الناس بإبراهيم من اتبعه هو، ومحمدًا - ﷺ -، ويكون ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ عطف على خبر ﴿إنَّ﴾ فهو في موضع رفع، وقرىء: ﴿وهذا النبيِّ﴾ بالجر، ووُجِّه على أنه عطف على إبراهيم؛ أي: إنَّ أولى الناس بإبراهيم، وبهذا النبي للذين اتبعوا إبراهيم. قالوا: والنبي بدل من ﴿هذا﴾، أو نعت، أو عطف بيان منه.
٦٩ - ولما دعت اليهود معاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر من دين الإِسلام إلى دين اليهودية.. نزلت هذه الآية: ﴿وَدَّت﴾؛ أي: أحبَّت وتمنَّت ﴿طَائِفَةٌ﴾؛ أي: جماعة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ وهم أحبارهم ورؤساؤهم كعب بن الأشرف وأصحابه ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾؛ أي: وَدَّوا أن يضلوكم عن دينكم الإِسلام ويوقعوكم في الضلال بإلقاء الشبهات التي تشككم في دينكم، وتردكم إلى ما كنتم عليه أولًا من الكفر. ﴿و﴾ الحال أنهم ﴿ما يضلون﴾ عن دين الإِسلام ﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾، أو أمثالهم، وما يعودُ وبالُ الإضلال إلا عليهم؛ لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم، فالمؤمنون لا يقبلون قولهم، فيحصل عليهم الإثم بتمنيهم إضلال المؤمنين، وهم صاروا خائبين عن مرادهم؛ حيث اعتقدوا شيئًا، وظهر لهم أن الأمر بخلاف ما قصدوه. ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: ما يعلمون أن هذا التمني يضرهم ولا يضر المؤمنين؛ لأن العذاب يضاعف لهم بسبب ضلالهم،
ونبَّه على الوصف الذي يكون به الله وليًّا لعباده، وهو الإيمان فقال: ﴿وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل: وليهم، وهذا وعد لهم بالنصر في الدنيا، وبالفوز بالآخرة، وهذا كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقرىء شاذًّا (١): ﴿وهذا النبي﴾ - بالنصب - عطفًا على الهاء في: ﴿اتَّبَعُوُه﴾، فيكون مُتَّبْعًا لا مُتَّبِعًا؛ أي: أحق الناس بإبراهيم من اتبعه هو، ومحمدًا - ﷺ -، ويكون ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ عطف على خبر ﴿إنَّ﴾ فهو في موضع رفع، وقرىء: ﴿وهذا النبيِّ﴾ بالجر، ووُجِّه على أنه عطف على إبراهيم؛ أي: إنَّ أولى الناس بإبراهيم، وبهذا النبي للذين اتبعوا إبراهيم. قالوا: والنبي بدل من ﴿هذا﴾، أو نعت، أو عطف بيان منه.
٦٩ - ولما دعت اليهود معاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر من دين الإِسلام إلى دين اليهودية.. نزلت هذه الآية: ﴿وَدَّت﴾؛ أي: أحبَّت وتمنَّت ﴿طَائِفَةٌ﴾؛ أي: جماعة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ وهم أحبارهم ورؤساؤهم كعب بن الأشرف وأصحابه ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾؛ أي: وَدَّوا أن يضلوكم عن دينكم الإِسلام ويوقعوكم في الضلال بإلقاء الشبهات التي تشككم في دينكم، وتردكم إلى ما كنتم عليه أولًا من الكفر. ﴿و﴾ الحال أنهم ﴿ما يضلون﴾ عن دين الإِسلام ﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾، أو أمثالهم، وما يعودُ وبالُ الإضلال إلا عليهم؛ لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم، فالمؤمنون لا يقبلون قولهم، فيحصل عليهم الإثم بتمنيهم إضلال المؤمنين، وهم صاروا خائبين عن مرادهم؛ حيث اعتقدوا شيئًا، وظهر لهم أن الأمر بخلاف ما قصدوه. ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: ما يعلمون أن هذا التمني يضرهم ولا يضر المؤمنين؛ لأن العذاب يضاعف لهم بسبب ضلالهم،
(١) البحر المحيط.
وتمني إضلال المسلمين، وفي نفي الشعور عنهم نهاية الذم والاحتقار لهم.
٧٠ - ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: لأيِّ سبب تنكرون وتجحدون بآيات الله الورادة في التوراة والإنجيل، من البشارة بمحمد - ﷺ -، والإخبار بأن الدين هو الإِسلام، وبأن إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا ﴿وَأَنْتُمْ﴾؛ أي: والحال أنكم ﴿تَشْهَدُونَ﴾ وتعترفون صحتها إذا خلا بعضكم ببعض، وتنكرون اشتمال التوراة والإنجيل على الآيات الدالة على نبوة محمَّد - ﷺ - عند حضور عوامكم، وعند حضور المسلمين.
أو المعنى: لِمَ تكفرون بالقران، فإنكم تنكرون عند العوام كونه معجزًا، وأنتم تشهدون بقلوبكم وعقولكم كونه معجزًا؟
٧١ - ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ﴾ وتخلطون ﴿الْحَقَّ﴾ المنزل في التوراة من نعت محمَّد - ﷺ - ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ المحرف من عندكم، كما نقل عن الحسن وابن سيرين، أو لِمَ تشككون الناس بإظهار الإِسلام بالتواضع أولَ النهار، ثم الرجوع عنه في آخره؟ كما نقل عن ابن عباس وقتادة. ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ الموجود في التوراة من نبوة محمَّد - ﷺ - ونعته، ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنكم تعلمون أنه رسول من عند الله، وأن دينه حق، وإنما كتمتم الحق عنادًا وحسدًا، وأنتم تعلمون ما تستحقون على ذلك الكتمان من العقاب.
وقرأ يحيى بن وثاب شاذًا: ﴿تَلبَسون﴾ - بفتح الباء - مضارعُ لَبِس الثوب، جعل الحق كأنه ثوب لبسوه، والباء في ﴿بالباطل﴾ على هذه القراءة للحال؛ أي: مصحوبًا بالباطل، وقرأ أبو مجلز شذوذًا: ﴿تُلبِسون﴾ - بضم التاء وكسر الباء المشددة - والتشديد هنا للتكثير، وقرأ عبيد بن عمير شذوذًا أيضًا: ﴿لم تلبسوا﴾ و ﴿تكتموا﴾ بحذف النون فيهما للجزم، قالوا: ولا وجه له إلا ما ذهب إليه من شَذّ من النحاة في إلحاق ﴿لِمَ﴾ بلَمْ في عمل الجزم، والثابت في "لسان العرب": أن لِمَ لا ينجزم ما بعدها، ولم أرَ أحدًا من النحويين ذكر أن: لِمَ تجري مجرى ﴿لَمْ﴾ في الجزم إلا ما ذكره أهل التفسير هنا، وإنما هذا عندي من باب حذف النون حالة الوفع في لغة بعض العرب، كما في قول الراجز:
٧٠ - ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: لأيِّ سبب تنكرون وتجحدون بآيات الله الورادة في التوراة والإنجيل، من البشارة بمحمد - ﷺ -، والإخبار بأن الدين هو الإِسلام، وبأن إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا ﴿وَأَنْتُمْ﴾؛ أي: والحال أنكم ﴿تَشْهَدُونَ﴾ وتعترفون صحتها إذا خلا بعضكم ببعض، وتنكرون اشتمال التوراة والإنجيل على الآيات الدالة على نبوة محمَّد - ﷺ - عند حضور عوامكم، وعند حضور المسلمين.
أو المعنى: لِمَ تكفرون بالقران، فإنكم تنكرون عند العوام كونه معجزًا، وأنتم تشهدون بقلوبكم وعقولكم كونه معجزًا؟
٧١ - ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ﴾ وتخلطون ﴿الْحَقَّ﴾ المنزل في التوراة من نعت محمَّد - ﷺ - ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ المحرف من عندكم، كما نقل عن الحسن وابن سيرين، أو لِمَ تشككون الناس بإظهار الإِسلام بالتواضع أولَ النهار، ثم الرجوع عنه في آخره؟ كما نقل عن ابن عباس وقتادة. ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ الموجود في التوراة من نبوة محمَّد - ﷺ - ونعته، ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنكم تعلمون أنه رسول من عند الله، وأن دينه حق، وإنما كتمتم الحق عنادًا وحسدًا، وأنتم تعلمون ما تستحقون على ذلك الكتمان من العقاب.
وقرأ يحيى بن وثاب شاذًا: ﴿تَلبَسون﴾ - بفتح الباء - مضارعُ لَبِس الثوب، جعل الحق كأنه ثوب لبسوه، والباء في ﴿بالباطل﴾ على هذه القراءة للحال؛ أي: مصحوبًا بالباطل، وقرأ أبو مجلز شذوذًا: ﴿تُلبِسون﴾ - بضم التاء وكسر الباء المشددة - والتشديد هنا للتكثير، وقرأ عبيد بن عمير شذوذًا أيضًا: ﴿لم تلبسوا﴾ و ﴿تكتموا﴾ بحذف النون فيهما للجزم، قالوا: ولا وجه له إلا ما ذهب إليه من شَذّ من النحاة في إلحاق ﴿لِمَ﴾ بلَمْ في عمل الجزم، والثابت في "لسان العرب": أن لِمَ لا ينجزم ما بعدها، ولم أرَ أحدًا من النحويين ذكر أن: لِمَ تجري مجرى ﴿لَمْ﴾ في الجزم إلا ما ذكره أهل التفسير هنا، وإنما هذا عندي من باب حذف النون حالة الوفع في لغة بعض العرب، كما في قول الراجز:
أبِيْتُ أسْرِيْ وَتَبِيْتِيْ تُدَلِّكِي | شَعْرَكِ بالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِي |
٧٢ - ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾؛ أي: جماعة منهم، وهم اثنا عشر حبرًا من أحبار يهود خيبر، منهم: عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف، وكعب بن الأشرف، وأصحابه من الرؤساء؛ أي: قال بعضهم فيما بينهم: ﴿آمِنُوا﴾ وصدِّقوا ظاهرًا ﴿بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: بالقرآن الذي أنزل عليهم، وامتثلوا بما أمر به محمَّد - ﷺ -، وصلُّوا معهم إلى قبلتهم الكعبة ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ وأوله وهو صلاة الفجر ﴿وَاكْفُرُوا﴾ به وارجعوا عنه ﴿آخِرَهُ﴾؛ أي: في آخر النهار، وهو صلاة الظهر، وصلُّوا إلى بيت المقدس ﴿لَعَلَّهُمْ﴾؛ أي: لعل العوام من أصحابه ﴿يَرْجِعُونَ﴾ ويرتدون عن دينه وقبلته معكم.
وقيل: هذا في شأن القبلة، وذلك أنه لما صرفت إلى الكعبة.. شق ذلك على اليهود، فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالذي أُنزل على محمَّد في أمر الكعبة، وصلوا إليها أول النهار، ثم اكفروا وارجعوا إلى قبلتكم آخر النهار؛ لعلهم يرجعون، فيقولون هؤلاء أهل كتاب، وهم أعلم، فيرجعون إلى قبلتنا، فأطلع الله رسوله - ﷺ - على سرهم، وأنزل هذه الآية حتى لا تُؤَثِّر هذه الحيلة في قلوب ضعفاء المؤمنين؛ ولأنهم إذا افتضحوا فيها.. لا يقدمون على أمثالها، ويكون هذا وَازِعًا لهم، وفي هذا إنباء بالغيب، فيكون معجزةً لمحمد - ﷺ -.
٧٣ - ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُم﴾: معطوف على قوله ﴿آمِنُوا﴾؛ أي؛ وقالت طائفة من أهل الكتاب: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ جملة معترضة من كلام الله سبحانه، وقوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ معمول لتؤمنوا؛ أي: وقالت جماعة من أهل الكتاب في تلبيساتهم على المؤمنين؛ أي: قال بعضهم لبعض: لا تظهروا إيمانكم واعترافكم؛ بأن يؤتى ويعطى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة، أو يحاججكم أحد ويغالبكم عند ربكم يوم القيامة، إلا لمن وافى دينكم، بل أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، وبأنهم يحاجونكم
361
عند ربكم يوم القيامة، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وجماعتكم وحدهم دون المسلمين؛ لئلا يزيدهم ذلك ثباتًا على دينهم، ودون المشركين؛ لئلا يدعوهم ذلك إلى الإِسلام. قل لهم يا محمَّد: ليست الهداية بأيديكم، وإنما الهدى هدى الله، يهدي من يشاء إلى الإيمان، ويثبته عليه، كما هدى المؤمنين.
وهذا التفسير على كون اللام في قوله: ﴿إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ أصلية متعلقة بـ ﴿تُؤْمِنُوا﴾، ويحتمل كونها زائدة، و ﴿من تبع دينكم﴾: استثناء مقدَّم و ﴿أَحَدٌ﴾ في قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ مستثنى منه مؤخر، والمعنى على هذا: وقالت طائفة من أهل الكتاب لا تؤمنوا ولا تصدقوا أن يؤتى أحد من الناس مثل ما أوتيتم من النبوة والكتاب، أو يغالبكم عند ربكم يوم القيامة إلا من تبع دينكم؛ أي: إلا إن كان ذلك الأحد من أهل دينكم.. قل لهم يا محمَّد: إن الهدى بيد الله، يؤتيه من يشاء، وليس مخصوصًا بكم؛ أي: ليس الهدى مقصورًا على شعب معين، أو واحد بذاته، بل الله سبحانه يهدي من يشاء من عباده على لسان من يريد من أنبيائه، ومن يهد الله فلا مضل له، فكيدهم لا يضير من أراد الله به الخير، بل يحبط تدبيرهم له.
وقيل: في الكلام تقدير مضاف منصوب على كونه مفعولًا لأجله، والمعنى: قالت طائفة من أهل الكتاب بعضهم لبعض: لا تصدقوا كل من يدعي النبوة حتى تنظروا في أمره، فإن كان متبعًا لدينكم.. فصدقوه، وإلا فكذبوه، ولا تقروا ولا تعترفوا لأحد بالنبوة إلا إذا كان على دينكم؛ خشية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وخشية أن يحاجوكم به عند ربكم، فإذا أقررتم بنبوة محمَّد، ولم تدخلوا في دينه.. تكون له الحجة عليكم يوم القيامة، وغرضهم نفي النبوة عن رسول الله - ﷺ -.
وعبارة "الخازن": قوله عز وجل: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ هو كلام متصل بالأول، وهو من قول اليهود، يقول بعضهم لبعض: ولا تؤمنوا؛ أي: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم؛ أي: وأفتى ملتكم التي أنتم عليها، وهي: اليهودية، واللام في ﴿لِمَن﴾: زائدة، كقوله تعالى: ﴿ردف لكم﴾؛ أي ردفكم. {قُلْ إِنَّ
وهذا التفسير على كون اللام في قوله: ﴿إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ أصلية متعلقة بـ ﴿تُؤْمِنُوا﴾، ويحتمل كونها زائدة، و ﴿من تبع دينكم﴾: استثناء مقدَّم و ﴿أَحَدٌ﴾ في قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ مستثنى منه مؤخر، والمعنى على هذا: وقالت طائفة من أهل الكتاب لا تؤمنوا ولا تصدقوا أن يؤتى أحد من الناس مثل ما أوتيتم من النبوة والكتاب، أو يغالبكم عند ربكم يوم القيامة إلا من تبع دينكم؛ أي: إلا إن كان ذلك الأحد من أهل دينكم.. قل لهم يا محمَّد: إن الهدى بيد الله، يؤتيه من يشاء، وليس مخصوصًا بكم؛ أي: ليس الهدى مقصورًا على شعب معين، أو واحد بذاته، بل الله سبحانه يهدي من يشاء من عباده على لسان من يريد من أنبيائه، ومن يهد الله فلا مضل له، فكيدهم لا يضير من أراد الله به الخير، بل يحبط تدبيرهم له.
وقيل: في الكلام تقدير مضاف منصوب على كونه مفعولًا لأجله، والمعنى: قالت طائفة من أهل الكتاب بعضهم لبعض: لا تصدقوا كل من يدعي النبوة حتى تنظروا في أمره، فإن كان متبعًا لدينكم.. فصدقوه، وإلا فكذبوه، ولا تقروا ولا تعترفوا لأحد بالنبوة إلا إذا كان على دينكم؛ خشية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وخشية أن يحاجوكم به عند ربكم، فإذا أقررتم بنبوة محمَّد، ولم تدخلوا في دينه.. تكون له الحجة عليكم يوم القيامة، وغرضهم نفي النبوة عن رسول الله - ﷺ -.
وعبارة "الخازن": قوله عز وجل: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ هو كلام متصل بالأول، وهو من قول اليهود، يقول بعضهم لبعض: ولا تؤمنوا؛ أي: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم؛ أي: وأفتى ملتكم التي أنتم عليها، وهي: اليهودية، واللام في ﴿لِمَن﴾: زائدة، كقوله تعالى: ﴿ردف لكم﴾؛ أي ردفكم. {قُلْ إِنَّ
362
الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}؛ أي: إن الدين دين الله، والبيان بيانه، وهذا خبر من الله تعالى، ثم اختلفوا فيه فمنهم من قال: هذا كلام معترض بين كلامين، وما بعده متصل بالكلام الأول، وهو إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعنى الآية: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحكمة والكتاب والآيات، من فلق البحر، وإنزال المن والسلوى عليكم، وغير ذلك من الكرامات، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم؛ لأنكم أصح دينًا منهم، فلما أخبر الله تعالى ذلك عن اليهود.. قال في أثناء ذلك ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾.
والمعنى: إن الذي أنتم عليه إنما صار دينًا بحكم الله وأمره، فإذا أمر بدين آخر.. وجب اتباعه والانقياد لحكمه؛ لأنه هو الذي هدى إليه وأمر به.
وقيل: إن المعنى: قل لهم يا محمَّد: إن الهدى هدى الله، وقد جئتكم به، ولن ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف.
وقرأ الحسن والأعمش شذوذًا: ﴿إن يؤتي﴾ - بكسر الألف - فيكون قول اليهود تامًّا عند قوله: إلا لمن تبع دينكم، وما بعده من قول الله تعالى.
والمعنى: قل يا محمَّد: ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾، وتكون ﴿أنْ﴾ بمعنى الجحد والنفي؛ أي: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا محمَّد من الدين والهدى، و ﴿أَوْ﴾ في قوله: ﴿أوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ بمعنى: إلا؛ أي: إلا أن يحاجوكم؛ أي: اليهود بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم عند ربكم؛ أي: عند فعل ربكم وجزائه، وقيل: ﴿أَو﴾ في قوله: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ بمعنى: حتى، ومعنى الآية: ما أعطى الله أَحدًا مثلَ ما أعطيتم يا أمة محمَّد من الدين والحجة، حتى يحاجوكم عند ربكم.
وقرأ ابن كثير: ﴿أأَنْ يُؤْتَى﴾ بهمزتين: الأولى محققة والثانية مسهلة، وذلك على الاستفهام التوبيخي، وحينئذٍ يكون في الكلام اختصار تقديره: إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة.. تحسدونه ولا تؤمنون به. هذا قول قتادة والربيع، قالا هذا من قول الله تعالى يقول:
والمعنى: إن الذي أنتم عليه إنما صار دينًا بحكم الله وأمره، فإذا أمر بدين آخر.. وجب اتباعه والانقياد لحكمه؛ لأنه هو الذي هدى إليه وأمر به.
وقيل: إن المعنى: قل لهم يا محمَّد: إن الهدى هدى الله، وقد جئتكم به، ولن ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف.
وقرأ الحسن والأعمش شذوذًا: ﴿إن يؤتي﴾ - بكسر الألف - فيكون قول اليهود تامًّا عند قوله: إلا لمن تبع دينكم، وما بعده من قول الله تعالى.
والمعنى: قل يا محمَّد: ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾، وتكون ﴿أنْ﴾ بمعنى الجحد والنفي؛ أي: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا محمَّد من الدين والهدى، و ﴿أَوْ﴾ في قوله: ﴿أوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ بمعنى: إلا؛ أي: إلا أن يحاجوكم؛ أي: اليهود بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم عند ربكم؛ أي: عند فعل ربكم وجزائه، وقيل: ﴿أَو﴾ في قوله: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ بمعنى: حتى، ومعنى الآية: ما أعطى الله أَحدًا مثلَ ما أعطيتم يا أمة محمَّد من الدين والحجة، حتى يحاجوكم عند ربكم.
وقرأ ابن كثير: ﴿أأَنْ يُؤْتَى﴾ بهمزتين: الأولى محققة والثانية مسهلة، وذلك على الاستفهام التوبيخي، وحينئذٍ يكون في الكلام اختصار تقديره: إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة.. تحسدونه ولا تؤمنون به. هذا قول قتادة والربيع، قالا هذا من قول الله تعالى يقول:
363
قل لهم يا محمَّد: إن الهدى هدى الله إلا إن أنزل الله كتابًا مثل كتابكم، وبعث نبيًّا مثل نبيكم حسدتموه وكفرتم به ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾، وقوله: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين، وتكون ﴿أَوْ﴾ بمعنى إنْ الشرطية؛ لأنهما حرفا شرط وجزاء، يوضع أحدهما موضع الآخر.
والمعنى: وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم.. فقل يا محمَّد: إن الهدى هدى الله، ونحن عليه، ويحتمل أن يكون الجميع خطابًا للمؤمنين، ويكون نظم الآية.
﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾؛ أي: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين، فإن حسدوكم.. فقل: إن الفضل بيد الله، وإن حاجوكم.. فقل: إن الهدى هدى الله.
ويحتمل أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾ من كلام الله تعالى، ثبَّت به قلوب المؤمنين؛ لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم. يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: ولا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم عند ربكم، أو يقدروا على ذلك، فإن الهدى هدى الله، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله واسع، فكون الآية كلها خطابًا للمؤمنين عند تلبيس اليهود؛ لئلا يرتابوا ولا يشكُّوا. انتهت.
وقوله: ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ذلك في الآخرة.
والثاني: عند كتب ربكم الشاهدة عليكم ولكم، وأضاف ذلك إلى الرب تشريفًا، وكأن المعنى: أو يحاجوكم عند الحق، ذكره أبو حيان.
وقال الشوكاني: وقد قيل: إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالًا، وذلك صحيح. ﴿قُلْ إنَّ اَلفَضلَ﴾ بالرسالة والنبوة والإسلام وقبلة إبراهيم مثلًا
والمعنى: وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم.. فقل يا محمَّد: إن الهدى هدى الله، ونحن عليه، ويحتمل أن يكون الجميع خطابًا للمؤمنين، ويكون نظم الآية.
﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾؛ أي: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين، فإن حسدوكم.. فقل: إن الفضل بيد الله، وإن حاجوكم.. فقل: إن الهدى هدى الله.
ويحتمل أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾ من كلام الله تعالى، ثبَّت به قلوب المؤمنين؛ لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم. يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: ولا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم عند ربكم، أو يقدروا على ذلك، فإن الهدى هدى الله، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله واسع، فكون الآية كلها خطابًا للمؤمنين عند تلبيس اليهود؛ لئلا يرتابوا ولا يشكُّوا. انتهت.
وقوله: ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ذلك في الآخرة.
والثاني: عند كتب ربكم الشاهدة عليكم ولكم، وأضاف ذلك إلى الرب تشريفًا، وكأن المعنى: أو يحاجوكم عند الحق، ذكره أبو حيان.
وقال الشوكاني: وقد قيل: إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالًا، وذلك صحيح. ﴿قُلْ إنَّ اَلفَضلَ﴾ بالرسالة والنبوة والإسلام وقبلة إبراهيم مثلًا
364
﴿بِيَدِ اللَّهِ﴾ فإنه مالك له ﴿يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ من عباده؛ أي: يعطيه محمدًا وأصحابه.
والله تعالى حكى عن اليهود أمرين:
أحدهما: أنهم آمنوا وجه النهار وكفروا آخره؛ ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإِسلام، فأجاب الله عن ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾؛ أي: إن مع كمال هداية الله وقوة بيانه، لا يكون لهذه الشبهة الركيكة قوة ولا أثر.
وثانيهما: أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكمة والنبوة، فأجاب الله عن ذلك بقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ الفضل وكامل القدرة، فيقدر أن يتفضل على أي عبد شاء بأي تفضل شاء ﴿عَلِيمٌ﴾؛ أي: كامل العلم، فلا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب.
٧٤ - ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾، أي: يخص برحمته من النبوة والرسالة والدين، أي: برحمته التي بلغت في الشرف وعلو المرتبة إلى أن تكون أعلى وأجل من أن تقاس، أي: يجعل رحمته مقصورة على ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾: من عباده؛ أي: محمدًا وأصحابه. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ والمنّ الجسيم، فلا نهاية لمراتب إعزاز الله وإكرامه لعباده، والله أعلم بمعنى كلامه، وهو ولي التوفيق لأقوم العبارة والتحقيق، وهذا من المواضع التي تشاك فيها الأقدام، وتكل فيها الأقلام، وارتابت فيها الأفهام، وارتبكت فيها الأعلام إلا من مُنح بمنح العالم العلَّام. قال الواحدي: وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرًا وإعرابًا، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية، فلم أجد قولًا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى، وصحة النظم.
الإعراب
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا﴾ إلى قوله: ﴿فَإن تَوَلَّوا﴾ مقول محكي، وإنْ شئت قلت
والله تعالى حكى عن اليهود أمرين:
أحدهما: أنهم آمنوا وجه النهار وكفروا آخره؛ ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإِسلام، فأجاب الله عن ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾؛ أي: إن مع كمال هداية الله وقوة بيانه، لا يكون لهذه الشبهة الركيكة قوة ولا أثر.
وثانيهما: أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكمة والنبوة، فأجاب الله عن ذلك بقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ الفضل وكامل القدرة، فيقدر أن يتفضل على أي عبد شاء بأي تفضل شاء ﴿عَلِيمٌ﴾؛ أي: كامل العلم، فلا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب.
٧٤ - ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾، أي: يخص برحمته من النبوة والرسالة والدين، أي: برحمته التي بلغت في الشرف وعلو المرتبة إلى أن تكون أعلى وأجل من أن تقاس، أي: يجعل رحمته مقصورة على ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾: من عباده؛ أي: محمدًا وأصحابه. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ والمنّ الجسيم، فلا نهاية لمراتب إعزاز الله وإكرامه لعباده، والله أعلم بمعنى كلامه، وهو ولي التوفيق لأقوم العبارة والتحقيق، وهذا من المواضع التي تشاك فيها الأقدام، وتكل فيها الأقلام، وارتابت فيها الأفهام، وارتبكت فيها الأعلام إلا من مُنح بمنح العالم العلَّام. قال الواحدي: وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرًا وإعرابًا، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية، فلم أجد قولًا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى، وصحة النظم.
الإعراب
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا﴾ إلى قوله: ﴿فَإن تَوَلَّوا﴾ مقول محكي، وإنْ شئت قلت
365
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿تَعَالَوْا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿إِلَى كَلِمَةٍ﴾: متعلق بـ ﴿تَعَالَوْا﴾ ﴿سَوَاءٍ﴾: صفة لـ ﴿كَلِمَةٍ﴾؛ لأنه في تأويل مستوية، ﴿بَيْنَنَا﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿سَوَاءٍ﴾. ﴿وَبَيْنَكُمْ﴾: معطوف عليه. ﴿ألَّا﴾: ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر ﴿لا﴾ نافية. ﴿نَعْبُدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ (أن)، وفاعله ضمير يعود على النبي ومن معه من أهل الكتاب ﴿إِلَّا اللَّهَ﴾: منصوب على الاستثناء، والمستثنى منه محذوف تقديره: أحدًا إلا الله، والجملة الفعلية صلة (أنْ)، (أنْ) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بدل من ﴿كَلِمَةٍ﴾، أو مرفوع على كونه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي عدم عبادتنا غير الله.
﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿وَلَا﴾ الواو عاطفة، ﴿لا﴾: نافية، ﴿نُشْرِكَ﴾: معطوف على ﴿نَعْبُدَ﴾، منصوب بـ ﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على النبي ومن معه. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿نُشْرِكَ﴾ ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَعْبُدَ﴾ على كونها في تأويل مصدر مجرور أو مرفوع ﴿وَلَا﴾: الواو عاطفة ﴿لا﴾: نافية ﴿يَتَّخِذَ﴾: معطوف على ﴿نَعْبُدَ﴾، ﴿بَعْضُنَا﴾: فاعل ومضاف إليه ﴿بَعْضًا﴾: مفعول أول ﴿أَرْبَابًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَعْبُدَ﴾ على كونها في تأويل مصدر مجرور أو مرفوع ﴿من دون الله﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ ﴿أربابًا﴾.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
﴿فَإن﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا قلت لهم ما أمرتك به، وأردت بيان حكم ما إذا أعرضوا.. فأقول لك ﴿إن﴾: حرف شرط جازم ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿أن﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿فَقُولُوا﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾) وجوبًا. ﴿قولوا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه جوابًا لها، وجملة (إن) الشرطية في محل
﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿وَلَا﴾ الواو عاطفة، ﴿لا﴾: نافية، ﴿نُشْرِكَ﴾: معطوف على ﴿نَعْبُدَ﴾، منصوب بـ ﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على النبي ومن معه. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿نُشْرِكَ﴾ ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَعْبُدَ﴾ على كونها في تأويل مصدر مجرور أو مرفوع ﴿وَلَا﴾: الواو عاطفة ﴿لا﴾: نافية ﴿يَتَّخِذَ﴾: معطوف على ﴿نَعْبُدَ﴾، ﴿بَعْضُنَا﴾: فاعل ومضاف إليه ﴿بَعْضًا﴾: مفعول أول ﴿أَرْبَابًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَعْبُدَ﴾ على كونها في تأويل مصدر مجرور أو مرفوع ﴿من دون الله﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ ﴿أربابًا﴾.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
﴿فَإن﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا قلت لهم ما أمرتك به، وأردت بيان حكم ما إذا أعرضوا.. فأقول لك ﴿إن﴾: حرف شرط جازم ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿أن﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿فَقُولُوا﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾) وجوبًا. ﴿قولوا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه جوابًا لها، وجملة (إن) الشرطية في محل
366
النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قولوا﴾، وإنْ شئت قلت: ﴿اشْهَدُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قولوا﴾. ﴿بِأَنَّا﴾: الباء حرف جر (أنا): حرف نصب، واسمها. ﴿مُسْلِمُونَ﴾: خبرها، وجملة (أن) في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بكوننا مسلمين، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿اشْهَدُوا﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥)﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة، أو في محل النصب معطوفة بعاطف مقدر على جملة ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ الأولى. ﴿لِمَ﴾: اللام حرف جر ﴿م﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري التوبيخي أو التعجبي في محل الجر وباللام مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين (ما) الموصولة - الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تُحَاجُّونَ﴾ المذكور بعده. ﴿تُحَاجُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب، أو في محل النصب مقول القول على كونها معطوفة ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾: متعلق بـ ﴿تُحَاجُّونَ﴾. ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ﴾: الواو حالية ﴿ما﴾: نافية، ﴿أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ﴾: فعل ونائب فاعل ﴿وَالْإِنْجِيلُ﴾: معطوف على ﴿التَّوْرَاةُ﴾. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿من بعده﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أُنْزِلَتِ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال من إبراهيم تقديره: لم تحاجون في إبراهيم، والحال أن التوراة والإنجيل متأخران عنه. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على مقدَّر هو المعطوف عليه بهذا العاطف المذكور - أعني: الفاء - تقديره: ألا تتفكرون. ﴿فلا تعقلون﴾: الفاء عاطفة، ﴿لا﴾: نافية، ﴿تَعْقِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ألا تتفكرون المقدرة على كونها جملة استفهامية لا محل لها من الإعراب.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥)﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة، أو في محل النصب معطوفة بعاطف مقدر على جملة ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ الأولى. ﴿لِمَ﴾: اللام حرف جر ﴿م﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري التوبيخي أو التعجبي في محل الجر وباللام مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين (ما) الموصولة - الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تُحَاجُّونَ﴾ المذكور بعده. ﴿تُحَاجُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب، أو في محل النصب مقول القول على كونها معطوفة ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾: متعلق بـ ﴿تُحَاجُّونَ﴾. ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ﴾: الواو حالية ﴿ما﴾: نافية، ﴿أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ﴾: فعل ونائب فاعل ﴿وَالْإِنْجِيلُ﴾: معطوف على ﴿التَّوْرَاةُ﴾. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿من بعده﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أُنْزِلَتِ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال من إبراهيم تقديره: لم تحاجون في إبراهيم، والحال أن التوراة والإنجيل متأخران عنه. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على مقدَّر هو المعطوف عليه بهذا العاطف المذكور - أعني: الفاء - تقديره: ألا تتفكرون. ﴿فلا تعقلون﴾: الفاء عاطفة، ﴿لا﴾: نافية، ﴿تَعْقِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ألا تتفكرون المقدرة على كونها جملة استفهامية لا محل لها من الإعراب.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ
367
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦)}.
﴿ها﴾ حرف تنبيه ﴿أنتم هؤلاء﴾: أنتم: مبتدأ، ها: حرف تنبيه، أولاء؛ اسم إشارة للجمع المذكر في محل النصب منادى نكرة مقصودة، حذف منه حرف النداء، مبني بضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، وجملة النداء معترضة لاعتراضها بين المبتدأ والخبر ﴿حَاجَجْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿فِيمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿حَاجَجْتُمْ﴾. ﴿لَكُم﴾: خبر مقدم ﴿عِلمٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿بِهِ﴾: متعلق بمحذوف حال من ﴿عِلْمٌ﴾؛ إذ لو تأخر.. لصح جعله نعتًا، ولا يجوز أن يتعلق بـ ﴿عِلْمٌ﴾؛ لأنه مصدر، والمصدر لا يتقدم معموله عليه، والجملة الإسمية صلة لـ (ما)، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾ ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ﴾: الفاء عاطفة، اللام: حرف جر، (م): اسم استفهام في محل الجر باللام، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تُحَاجُّونَ﴾ المذكور بعده، ﴿تُحَاجُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿حَاجَجْتُمْ﴾، ﴿فِيمَا﴾، جار ومجرور متعلق بـ ﴿تحاجون﴾. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماضٍ ناقص. ﴿لَكُم﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿بِهِ﴾: حال من علم؛ لأنه صفة نكرة تقدمت عليه. ﴿عِلْمٌ﴾: اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية (الله): مبتدأ، ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة.. ﴿وَأَنْتُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿أنتم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾.
﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)﴾.
﴿مَا﴾: نافية، ﴿كاَنَ﴾: فعل ماضٍ ناقص ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾: اسمها، ﴿يَهُودِيًّا﴾: خبرها، ﴿وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾: معطوف عليه، وجملة ﴿كَانَ﴾ مستأنفة. ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾: الواو اعتراضية ﴿لكن﴾: حرف استدراك ﴿كَانَ﴾: فعل ماضٍ ناقص،
﴿ها﴾ حرف تنبيه ﴿أنتم هؤلاء﴾: أنتم: مبتدأ، ها: حرف تنبيه، أولاء؛ اسم إشارة للجمع المذكر في محل النصب منادى نكرة مقصودة، حذف منه حرف النداء، مبني بضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، وجملة النداء معترضة لاعتراضها بين المبتدأ والخبر ﴿حَاجَجْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿فِيمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿حَاجَجْتُمْ﴾. ﴿لَكُم﴾: خبر مقدم ﴿عِلمٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿بِهِ﴾: متعلق بمحذوف حال من ﴿عِلْمٌ﴾؛ إذ لو تأخر.. لصح جعله نعتًا، ولا يجوز أن يتعلق بـ ﴿عِلْمٌ﴾؛ لأنه مصدر، والمصدر لا يتقدم معموله عليه، والجملة الإسمية صلة لـ (ما)، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾ ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ﴾: الفاء عاطفة، اللام: حرف جر، (م): اسم استفهام في محل الجر باللام، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تُحَاجُّونَ﴾ المذكور بعده، ﴿تُحَاجُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿حَاجَجْتُمْ﴾، ﴿فِيمَا﴾، جار ومجرور متعلق بـ ﴿تحاجون﴾. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماضٍ ناقص. ﴿لَكُم﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿بِهِ﴾: حال من علم؛ لأنه صفة نكرة تقدمت عليه. ﴿عِلْمٌ﴾: اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية (الله): مبتدأ، ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة.. ﴿وَأَنْتُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿أنتم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾.
﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)﴾.
﴿مَا﴾: نافية، ﴿كاَنَ﴾: فعل ماضٍ ناقص ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾: اسمها، ﴿يَهُودِيًّا﴾: خبرها، ﴿وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾: معطوف عليه، وجملة ﴿كَانَ﴾ مستأنفة. ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾: الواو اعتراضية ﴿لكن﴾: حرف استدراك ﴿كَانَ﴾: فعل ماضٍ ناقص،
368
واسمها ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾، ﴿حَنِيفًا﴾: خبر أول لها، ﴿مُسْلِمًا﴾ خبر ثانٍ، وجملة ﴿كاَنَ﴾ جملة استدراكية معترضة لاعتراضها بين المتعاطفين. ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: الواو عاطفة، (ما) نافية، ﴿كاَنَ﴾: فعل ماضٍ، واسمها ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾، ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: جار ومجرور خبرها، وجملة ﴿كان﴾ معطوفة على جملة ﴿كاَنَ﴾ الأولى.
﴿إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿أَوْلَى النَّاسِ﴾: اسمها ومضاف إليه ﴿بِإِبْرَاهِيمَ﴾: متعلق بـ ﴿أَوْلَى﴾، ﴿لَلَّذِينَ﴾: اللام حرف ابتداء (الذين): اسم موصول في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، ﴿اتَّبَعُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿وَهَذَا﴾ في محل الرفع معطوف على الموصول. ﴿النَّبِيُّ﴾: صفة لاسم الإشارة، أو بدل، أو عطف بيان منه ﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع معطوف على الموصول الأول ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو عاطفة (الله): مبتدأ ﴿وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾.
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩)﴾.
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ ﴿طَائِفَةٌ﴾، ﴿لَوْ﴾: حرف مصدر ﴿يُضِلُّونَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة ﴿لَوْ﴾ المصدرية ﴿لَوْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: وَدَّتْ طائفة من أهل الكتاب إضلالهم إياكم ﴿وَمَا يُضِلُّونَ﴾: الواو حالية (ما): نافية ﴿يُضِلُّونَ﴾: فعل وفاعل ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة حال من فاعل ﴿لو يضلون﴾، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: نافية ﴿يَشْعُرُونَ﴾:
﴿إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿أَوْلَى النَّاسِ﴾: اسمها ومضاف إليه ﴿بِإِبْرَاهِيمَ﴾: متعلق بـ ﴿أَوْلَى﴾، ﴿لَلَّذِينَ﴾: اللام حرف ابتداء (الذين): اسم موصول في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، ﴿اتَّبَعُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿وَهَذَا﴾ في محل الرفع معطوف على الموصول. ﴿النَّبِيُّ﴾: صفة لاسم الإشارة، أو بدل، أو عطف بيان منه ﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع معطوف على الموصول الأول ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو عاطفة (الله): مبتدأ ﴿وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾.
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩)﴾.
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ ﴿طَائِفَةٌ﴾، ﴿لَوْ﴾: حرف مصدر ﴿يُضِلُّونَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة ﴿لَوْ﴾ المصدرية ﴿لَوْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: وَدَّتْ طائفة من أهل الكتاب إضلالهم إياكم ﴿وَمَا يُضِلُّونَ﴾: الواو حالية (ما): نافية ﴿يُضِلُّونَ﴾: فعل وفاعل ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة حال من فاعل ﴿لو يضلون﴾، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: نافية ﴿يَشْعُرُونَ﴾:
369
فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠)﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة ﴿لِمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَكْفُرُونَ﴾. ﴿تَكْفُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَكْفُرُونَ﴾. ﴿وَأَنتُمْ﴾: الواو حالية، ﴿أنتم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿تَشْهَدُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿تَكْفُرُونَ﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١)﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء معطوفة على جملة النداء الأولى ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ﴾: ﴿لِمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَلْبِسُونَ﴾، ﴿تَلْبِسُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء. ﴿الْحَقَّ﴾: مفعول به ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ متعلق بـ ﴿تَلْبِسُونَ﴾: ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿تَلْبِسُونَ﴾. ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: الواو حالية ﴿أنتم﴾: مبتدأ، ﴿تَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تكتمون﴾.
﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢)﴾.
﴿وَقَالَتْ﴾ الواو استئنافية، ﴿قالت طائفة﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿طَائِفَةٌ﴾. ﴿آمِنُوا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿آمِنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول، ﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمِنُوا﴾. ﴿أُنزِلَ﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول ﴿عَلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنزِلَ﴾. ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، الجملة صلة الموصول ﴿وجْه اَلنَهَارِ﴾ ظرف ومضاف إليه، متعلق بقوله ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾. ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾: الواو عاطفة ﴿اكفروا﴾: فعل وفاعل ﴿آخِرَهُ﴾:
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠)﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة ﴿لِمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَكْفُرُونَ﴾. ﴿تَكْفُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَكْفُرُونَ﴾. ﴿وَأَنتُمْ﴾: الواو حالية، ﴿أنتم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿تَشْهَدُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿تَكْفُرُونَ﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١)﴾.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء معطوفة على جملة النداء الأولى ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ﴾: ﴿لِمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَلْبِسُونَ﴾، ﴿تَلْبِسُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء. ﴿الْحَقَّ﴾: مفعول به ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ متعلق بـ ﴿تَلْبِسُونَ﴾: ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿تَلْبِسُونَ﴾. ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: الواو حالية ﴿أنتم﴾: مبتدأ، ﴿تَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تكتمون﴾.
﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢)﴾.
﴿وَقَالَتْ﴾ الواو استئنافية، ﴿قالت طائفة﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿طَائِفَةٌ﴾. ﴿آمِنُوا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿آمِنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول، ﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمِنُوا﴾. ﴿أُنزِلَ﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول ﴿عَلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنزِلَ﴾. ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، الجملة صلة الموصول ﴿وجْه اَلنَهَارِ﴾ ظرف ومضاف إليه، متعلق بقوله ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾. ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾: الواو عاطفة ﴿اكفروا﴾: فعل وفاعل ﴿آخِرَهُ﴾:
370
ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿اكْفُرُوا﴾، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾. ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾: ﴿لعل﴾: حرف ترجٍ وتعليل، والهاء اسمها، وجملة ﴿يَرْجِعُونَ﴾: خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة المتعلقة بـ ﴿اكفروا﴾.
﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾.
٧٣ - ﴿وَلَا﴾ الواو عاطفة ﴿لا﴾: ناهية ﴿تُؤْمِنُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قالت﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿لِمَن﴾: اللام زائدة (من): اسم موصول في محل النصب على الاستثناء مقدَّم على المستثنى منه ﴿تَبِعَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على (من)، والجملة صلة الموصول ﴿دِينَكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة معترضة؛ لاعتراضها بين العامل والمعمول. ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإنْ شئت قلت: ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿الْهُدَى﴾ اسمها ﴿هُدَى اللَّهِ﴾: خبرها ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر ﴿يُؤْتَى﴾ فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بـ ﴿أَن﴾ ﴿أَحَدٌ﴾: نائب فاعل، وهو المفعول الأول لـ (أتى)؛ لأنه بمعنى: أعطى، وهو المستثنى منه ﴿مِثْلَ مَا﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه ﴿أُوتِيتُمْ﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: أوتيتموه، وهو العائد على (ما)، وجملة ﴿أُوتِيتُمْ﴾ صلة لـ (ما) أو صفة لها، وجملة ﴿يُؤْتَى﴾ صلة ﴿أَن﴾ المصدرية. ﴿أن﴾: مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾ تقديره: ولا تؤمنوا إيتاء أحد من الناس مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم، أي: إلا إيتاءه. ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾: أو: حرف عطف، ﴿يُحَاجُّوكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يُؤْتَى﴾، ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُحَاجُّوكُمْ﴾.
﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾.
٧٣ - ﴿وَلَا﴾ الواو عاطفة ﴿لا﴾: ناهية ﴿تُؤْمِنُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قالت﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿لِمَن﴾: اللام زائدة (من): اسم موصول في محل النصب على الاستثناء مقدَّم على المستثنى منه ﴿تَبِعَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على (من)، والجملة صلة الموصول ﴿دِينَكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة معترضة؛ لاعتراضها بين العامل والمعمول. ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإنْ شئت قلت: ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿الْهُدَى﴾ اسمها ﴿هُدَى اللَّهِ﴾: خبرها ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر ﴿يُؤْتَى﴾ فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بـ ﴿أَن﴾ ﴿أَحَدٌ﴾: نائب فاعل، وهو المفعول الأول لـ (أتى)؛ لأنه بمعنى: أعطى، وهو المستثنى منه ﴿مِثْلَ مَا﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه ﴿أُوتِيتُمْ﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: أوتيتموه، وهو العائد على (ما)، وجملة ﴿أُوتِيتُمْ﴾ صلة لـ (ما) أو صفة لها، وجملة ﴿يُؤْتَى﴾ صلة ﴿أَن﴾ المصدرية. ﴿أن﴾: مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾ تقديره: ولا تؤمنوا إيتاء أحد من الناس مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم، أي: إلا إيتاءه. ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾: أو: حرف عطف، ﴿يُحَاجُّوكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يُؤْتَى﴾، ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُحَاجُّوكُمْ﴾.
371
﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إنَّ اَلفَضْلَ بِيَدِ اللهِ﴾ إلى آخر الآية التالية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إنَّ﴾: حرف نصب. ﴿اَلفَضْلَ﴾: اسمها. ﴿بِيَدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾: في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿يُؤْتِيهِ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ صلته، والعائد محذوف تقديره: من يشاء إيتاءه، وجملة ﴿يُؤْتِيهِ﴾ في محل الرفع خبر ثانٍ لـ ﴿إنَّ﴾، ويجوز أن تكون مستأنفة، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو يؤتيه. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿وَاسِعٌ﴾: خبر أول ﴿عَلِيمٌ﴾: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة ﴿يَخْتَصُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على (الله)، والجملة مستأنفة ﴿بِرَحْمَتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَخْتَصُّ﴾. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَخْتَصُّ﴾، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ صلة ﴿مَن﴾. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة ﴿الْعَظِيمِ﴾: صفة لـ ﴿الْفَضْلِ﴾. والله سبحانه وتعالى أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾: أصل تعالوا: تعاليوا، فقلبت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع الواو - كما مر -، وسواء: اسم مصدر بمعنى؛ الاستواء، ويوصف به على أنه بمعنى: مستو، فيحتمل حينئذٍ ضميرًا، ويرفع الظاهر، ومنه قولهم: مررت برجل سواء والعدم - برفع العدم -، على أنه معطوف عى الضمير المستكن في سواء، ولا يثنى، ولا يجمع، إما لكونه في الأصل مصدرًا وإما للاستغناء عن تثنيته بتثنية نظيره، وهو سيّ بمعنى مثل، تقول: هما سِيَّان؛ أي: مثلان، وليس هو الظرف الذي يستثنى به في قولهم: قاموا سواء زيد وإن شاركه لفظًا.
﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ﴾: وأولى: اسم تفضيل من ولى يلي، وألفه منقلبة عن
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إنَّ اَلفَضْلَ بِيَدِ اللهِ﴾ إلى آخر الآية التالية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إنَّ﴾: حرف نصب. ﴿اَلفَضْلَ﴾: اسمها. ﴿بِيَدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾: في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿يُؤْتِيهِ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ صلته، والعائد محذوف تقديره: من يشاء إيتاءه، وجملة ﴿يُؤْتِيهِ﴾ في محل الرفع خبر ثانٍ لـ ﴿إنَّ﴾، ويجوز أن تكون مستأنفة، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو يؤتيه. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿وَاسِعٌ﴾: خبر أول ﴿عَلِيمٌ﴾: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة ﴿يَخْتَصُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على (الله)، والجملة مستأنفة ﴿بِرَحْمَتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَخْتَصُّ﴾. ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَخْتَصُّ﴾، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ صلة ﴿مَن﴾. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة ﴿الْعَظِيمِ﴾: صفة لـ ﴿الْفَضْلِ﴾. والله سبحانه وتعالى أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾: أصل تعالوا: تعاليوا، فقلبت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع الواو - كما مر -، وسواء: اسم مصدر بمعنى؛ الاستواء، ويوصف به على أنه بمعنى: مستو، فيحتمل حينئذٍ ضميرًا، ويرفع الظاهر، ومنه قولهم: مررت برجل سواء والعدم - برفع العدم -، على أنه معطوف عى الضمير المستكن في سواء، ولا يثنى، ولا يجمع، إما لكونه في الأصل مصدرًا وإما للاستغناء عن تثنيته بتثنية نظيره، وهو سيّ بمعنى مثل، تقول: هما سِيَّان؛ أي: مثلان، وليس هو الظرف الذي يستثنى به في قولهم: قاموا سواء زيد وإن شاركه لفظًا.
﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ﴾: وأولى: اسم تفضيل من ولى يلي، وألفه منقلبة عن
372
ياء؛ لأن فاءه واو، فلا تكون لامه واوًا؛ إذ ليس لنا في كلام العرب ما فاؤه ولامه واو إلا واو التهجي، فمعنى ﴿أَوْلَى النَّاسِ﴾: أخصهم به وأقربهم منه؛ لأنه من الوَلي بمعنى: القرب.
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ﴾: يقال: وددتُ لو تفعل كذا - من فَعِل المكسور المضاعف - يَوَد بفتح العين على القياس وُدًا بضم أوله وفتحه ووِدادًا ووَدادة بالفتح فيهما؛ أي: تمنيت ووددت لو أنك تفعل كذا مثله، وودِدت الرجل بالكسر وُدًا بضم أوله: أحببته، والود - بضم الواو وفتحها وكسرها -: المودة ذكره في "المختار" ﴿والطائفة﴾ من الشيء: القطعة منه وقوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: الواحد فما فوقه. انتهى. "مختار".
﴿تَلْبِسُونَ الْحَقَّ﴾: اللبس الخلط، يقال: لبس الأمر عليه إذا اشتبه واختلط عليه يلبِس من باب: ضَرَب.
﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾: منصوب على الظرفية الزمانية، وناصبة ﴿آمَنُوا﴾ - كما مر، ومعناه أوَّلَ (١) النهار. شُبِّه بوجه الإنسان؛ لأنه أول ما يواجه من النهار، وقال الربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير بن خزيمة العبسي:
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾: يقال: اختصه بكذا إذا خصه به، وهو من باب: افتعل فبناؤه لمبالغة الثلاثي، والله أعلم.
البلاغة
وقد جمعت هذه الآية من ضروب البلاغة أنواعًا كثيرة (٢):
فمنها: المجاز في قوله: ﴿إِلَى كَلِمَةٍ﴾؛ حيث أطلق اسم الواحد على الجمع.
﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ﴾: يقال: وددتُ لو تفعل كذا - من فَعِل المكسور المضاعف - يَوَد بفتح العين على القياس وُدًا بضم أوله وفتحه ووِدادًا ووَدادة بالفتح فيهما؛ أي: تمنيت ووددت لو أنك تفعل كذا مثله، وودِدت الرجل بالكسر وُدًا بضم أوله: أحببته، والود - بضم الواو وفتحها وكسرها -: المودة ذكره في "المختار" ﴿والطائفة﴾ من الشيء: القطعة منه وقوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: الواحد فما فوقه. انتهى. "مختار".
﴿تَلْبِسُونَ الْحَقَّ﴾: اللبس الخلط، يقال: لبس الأمر عليه إذا اشتبه واختلط عليه يلبِس من باب: ضَرَب.
﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾: منصوب على الظرفية الزمانية، وناصبة ﴿آمَنُوا﴾ - كما مر، ومعناه أوَّلَ (١) النهار. شُبِّه بوجه الإنسان؛ لأنه أول ما يواجه من النهار، وقال الربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير بن خزيمة العبسي:
مَنْ كانَ مَسْرُورًا بمَقْتَلِ مَالِكٍ | فَلْيَأتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ |
البلاغة
وقد جمعت هذه الآية من ضروب البلاغة أنواعًا كثيرة (٢):
فمنها: المجاز في قوله: ﴿إِلَى كَلِمَةٍ﴾؛ حيث أطلق اسم الواحد على الجمع.
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
373
ومنها: التكرار في قوله: ﴿إلا الله﴾ ﴿وإن الله﴾، وفي قوله: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا﴾ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ﴾، وفي قوله: ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ و ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ﴾ و ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿أَرْبَابًا﴾ لما أطاعوهم في التحليل والتحريم، وأذعنوا إليهم.. أطلق عليهم أربابًا تشبيهًا لهم بالرب المستحق للعبادة والربوبية.
ومنها: الإجمال في الخطاب في قوله: ﴿تَعَالَوْا﴾، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾؛ كقول إبراهيم. ﴿يا أبت﴾، ﴿يا أبت﴾، وكقول الشاعر:
وقول الآخر:
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: ﴿أَوْلَى﴾ و ﴿وَلِيُّ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾.
ومنها: الطباق المعنوي في قوله: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ﴾، ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾؛ لأن الشهادة إقرار وإظهار، والكفر ستر.
ومنها: الجناس التام في قوله: ﴿يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ﴾.
ومنها: التجنيس المماثل والتكرار في قوله: ﴿آمِنُوا﴾ و ﴿آمَنُوا﴾، وفي ﴿الْهُدَى﴾ و ﴿هُدَى اَللهِ﴾، وقوله: ﴿يُؤْتَى﴾ و ﴿أوتِيُتمْ﴾، وفي قوله: ﴿إِنَّ اَلفَضْلَ﴾ و ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾.
ومنها: التكرار أيضًا في اسم الله في أربعة مواضع.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿آمِنُوا﴾ ﴿وَاكْفُرُوا﴾ وفي قوله: ﴿وَجْهَ اَلنَهَارِ﴾ و ﴿آخِرَهُ﴾.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿أَرْبَابًا﴾ لما أطاعوهم في التحليل والتحريم، وأذعنوا إليهم.. أطلق عليهم أربابًا تشبيهًا لهم بالرب المستحق للعبادة والربوبية.
ومنها: الإجمال في الخطاب في قوله: ﴿تَعَالَوْا﴾، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾؛ كقول إبراهيم. ﴿يا أبت﴾، ﴿يا أبت﴾، وكقول الشاعر:
مَهْلًا بَنِيْ عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِيْنَا | لاَ تَنْبُشُوْا بَيْنَنَا مَا كَانَ مَدْفُوْنَا |
بَنِيْ عَمِّنَا لاَ تَنْبُشُوْا اَلشَرَّ بَيْنَنَا | فَكَمْ مِنْ رَمَادٍ صَارَ مِنْهُ لَهِيْبُ |
ومنها: الطباق في قوله: ﴿الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾.
ومنها: الطباق المعنوي في قوله: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ﴾، ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾؛ لأن الشهادة إقرار وإظهار، والكفر ستر.
ومنها: الجناس التام في قوله: ﴿يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ﴾.
ومنها: التجنيس المماثل والتكرار في قوله: ﴿آمِنُوا﴾ و ﴿آمَنُوا﴾، وفي ﴿الْهُدَى﴾ و ﴿هُدَى اَللهِ﴾، وقوله: ﴿يُؤْتَى﴾ و ﴿أوتِيُتمْ﴾، وفي قوله: ﴿إِنَّ اَلفَضْلَ﴾ و ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾.
ومنها: التكرار أيضًا في اسم الله في أربعة مواضع.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿آمِنُوا﴾ ﴿وَاكْفُرُوا﴾ وفي قوله: ﴿وَجْهَ اَلنَهَارِ﴾ و ﴿آخِرَهُ﴾.
374
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾؛ لأنه وقت اجتماعهم بالمؤمنين يراؤونهم و ﴿آخِرَهُ﴾؛ لأنه وقت خلوتهم بأمثالهم من الكفار والحذف في مواضع.
وفي قوله: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تبكيت (١) لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير، وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم، وإزراء على من قلد الرجال في دين الله، فحلل ما حللوه له، وحَرَّم ما حرموه عليه، فإنَّ من فعل ذلك.. فقد اتخذ من قلده ربًّا، ومنه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
وفي قوله: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تبكيت (١) لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير، وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم، وإزراء على من قلد الرجال في دين الله، فحلل ما حللوه له، وحَرَّم ما حرموه عليه، فإنَّ من فعل ذلك.. فقد اتخذ من قلده ربًّا، ومنه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) الشوكاني.
375
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)﴾.
المناسبة
لمَّا بين الله سبحانه وتعالى خيانة أهل الكتاب في الدين وقبائحهم وكيدهم للمسلمين ليرجعوا عن دينهم، وصدهم عن الدعوة لذلك الدين الجديد بكل وسيلة يستطيعونها، زعمًا أنَّهم شعب الله المختار، وأنَّ الدين الحق خاص بهم، لا يعدوهم إلى شعب آخر، ولا إلى أمة أخرى.. أردف ذلك بذكر أوصاف طائفة أخرى منهم تخون الأمانات، وتستحل أكل أموال الناس بالباطل، تأويلًا للكتاب وغرورًا في الدين، وهم اليهود خاصة، فهم خائنون من جهة الدين والمال فقد خانوا الله والناس بتحريفهم كلام الله عن معناه، واستحلالهم أكل أموال الناس بالباطل.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري عن شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر.. لقي الله وهو
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)﴾.
المناسبة
لمَّا بين الله سبحانه وتعالى خيانة أهل الكتاب في الدين وقبائحهم وكيدهم للمسلمين ليرجعوا عن دينهم، وصدهم عن الدعوة لذلك الدين الجديد بكل وسيلة يستطيعونها، زعمًا أنَّهم شعب الله المختار، وأنَّ الدين الحق خاص بهم، لا يعدوهم إلى شعب آخر، ولا إلى أمة أخرى.. أردف ذلك بذكر أوصاف طائفة أخرى منهم تخون الأمانات، وتستحل أكل أموال الناس بالباطل، تأويلًا للكتاب وغرورًا في الدين، وهم اليهود خاصة، فهم خائنون من جهة الدين والمال فقد خانوا الله والناس بتحريفهم كلام الله عن معناه، واستحلالهم أكل أموال الناس بالباطل.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري عن شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر.. لقي الله وهو
376
عليه غضبان"، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ الآية، فجاء الأشعث فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن، فيَّ أنزلت هذه الآية؟ كانت لي بئر في أرض ابن عم لي، فقال لي: شهودك؟ قلت: ما لي شهود، قال: فيمينه، قلت: يا رسول الله، إذًا يحلف، فذكر النبي - ﷺ - هذا الحديث، فأنزل الله ذلك تصديقًا له.
وأخرج البخاري أيضًا من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها: لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا...﴾ الآية.
قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري"، ولا منافاة بين الحديثين، بل يحمل على أنَّ النزول كان بالسببين معًا، ولفظ الآية أعم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة (١): أنَّ الآية نزلت في حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة، وبدّلوه، وحلفوا أنَّه من عند الله، قال الحافظ ابن حجر: الآية محتملة، لكن العمدة في ذلك ما ثبت في "الصحيح".
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن إسحاق والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال أبو رافع القرظي - حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - ﷺ -، ودعاهم إلى الإِسلام -: أتريد يا محمَّد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى؟ قال - ﷺ -: "معاذ الله". فأنزل الله في ذلك: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ إلى قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" عن الحسن قال: بلغني أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: "لا، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله؛ فإنَّه لا ينبغي أنْ يُسجَد لأحد من دون الله"، فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ إلى قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
وأخرج البخاري أيضًا من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها: لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا...﴾ الآية.
قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري"، ولا منافاة بين الحديثين، بل يحمل على أنَّ النزول كان بالسببين معًا، ولفظ الآية أعم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة (١): أنَّ الآية نزلت في حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة، وبدّلوه، وحلفوا أنَّه من عند الله، قال الحافظ ابن حجر: الآية محتملة، لكن العمدة في ذلك ما ثبت في "الصحيح".
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن إسحاق والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال أبو رافع القرظي - حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - ﷺ -، ودعاهم إلى الإِسلام -: أتريد يا محمَّد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى؟ قال - ﷺ -: "معاذ الله". فأنزل الله في ذلك: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ إلى قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" عن الحسن قال: بلغني أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: "لا، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله؛ فإنَّه لا ينبغي أنْ يُسجَد لأحد من دون الله"، فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ إلى قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
(١) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
377
التفسير وأوجه القراءة
٧٥ - ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ شروع في بيان خيانتهم في الأموال بعد بيان خيانتهم في الدين، وفي "الخازن"؛ نزلت هذه الآية في اليهود، أخبر الله عزّ وجلّ أنَّ فيهم أمانة وخيانة، وقسمهم قسمين، فقال: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾؛ أي: ومن اليهود ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾؛ أي: مَنْ إذا جعلته أمينًا على مال كثير، وأودعته عنده ﴿يُؤَدِّهِ﴾؛ أي: يدفع ذلك القنطار ويرده ﴿إِلَيْكَ﴾ بلا خيانة فيه ولا تعب، لشدة أمانته، وكمال وثوقه؛ كعبد الله بن سلام، استودعه رجل من قريش ألفًا ومئتي أوقية من ذهب، فأداه إليه ﴿وَمِنْهُمْ﴾؛ أي: ومن اليهود ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ﴾؛ أي: من إذا جعلته أمينًا على مال قليل، فضلًا عن كثير ﴿لَا يُؤَدِّهِ﴾؛ أي: لا يدفع ذلك الدينار، ولا يرده ﴿إِلَيْكَ﴾ بل يستحله ويخون فيه؛ كفنحاص بن عازوراء، استودعه رجل من قريش دينارًا، فجحده وخانه ﴿إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾؛ أي: لا يرده إليك في جميع المُدَدَ والأزمنة، إلا مدة دوامك يا صاحب الحق قائمًا على رأسه، ملازمًا له، مبالغًا في مطالبته بالتقاضي والترافع، وإقامة البنية عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد: تقوم عليه، وتطالبه بالإلحاح والخصومة والملازمة. وقيل: أراد أنَّه إنْ أودعته شيئًا، ثُمَّ استرجعته منه في الحال، وأنت قائم على رأسه لم تفارقه.. رده عليك، وإنْ أخرت استرجاع ما أودعته". أنكره ولم يرده عليك.
وقيل: أهل الأمانة هم النصارى، وأهل الخيانة هم اليهود؛ لأنَّ مذهبهم: أنْ يحل قَتل من خالفهم في الدين، وأخذ ماله بأي طريق كان ﴿تَأْمَنْهُ﴾ هذه (١) قراءة الجمهور، وقرأ ابن وثاب والأشهب العقيلي شذوذًا: (تيمنه) بكسر التاء الفوقية على لغة بكر وتميم، ومثله قراءة من قرأ شذوذًا: ﴿نِستعين﴾ بكسر النون.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُؤَدِّهِ﴾ بكسر الهاء ووصلها بياء، وقرأ قالون باختلاس الحركة، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والأعمش: بالسكون، وقال الفراء:
٧٥ - ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ شروع في بيان خيانتهم في الأموال بعد بيان خيانتهم في الدين، وفي "الخازن"؛ نزلت هذه الآية في اليهود، أخبر الله عزّ وجلّ أنَّ فيهم أمانة وخيانة، وقسمهم قسمين، فقال: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾؛ أي: ومن اليهود ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾؛ أي: مَنْ إذا جعلته أمينًا على مال كثير، وأودعته عنده ﴿يُؤَدِّهِ﴾؛ أي: يدفع ذلك القنطار ويرده ﴿إِلَيْكَ﴾ بلا خيانة فيه ولا تعب، لشدة أمانته، وكمال وثوقه؛ كعبد الله بن سلام، استودعه رجل من قريش ألفًا ومئتي أوقية من ذهب، فأداه إليه ﴿وَمِنْهُمْ﴾؛ أي: ومن اليهود ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ﴾؛ أي: من إذا جعلته أمينًا على مال قليل، فضلًا عن كثير ﴿لَا يُؤَدِّهِ﴾؛ أي: لا يدفع ذلك الدينار، ولا يرده ﴿إِلَيْكَ﴾ بل يستحله ويخون فيه؛ كفنحاص بن عازوراء، استودعه رجل من قريش دينارًا، فجحده وخانه ﴿إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾؛ أي: لا يرده إليك في جميع المُدَدَ والأزمنة، إلا مدة دوامك يا صاحب الحق قائمًا على رأسه، ملازمًا له، مبالغًا في مطالبته بالتقاضي والترافع، وإقامة البنية عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد: تقوم عليه، وتطالبه بالإلحاح والخصومة والملازمة. وقيل: أراد أنَّه إنْ أودعته شيئًا، ثُمَّ استرجعته منه في الحال، وأنت قائم على رأسه لم تفارقه.. رده عليك، وإنْ أخرت استرجاع ما أودعته". أنكره ولم يرده عليك.
وقيل: أهل الأمانة هم النصارى، وأهل الخيانة هم اليهود؛ لأنَّ مذهبهم: أنْ يحل قَتل من خالفهم في الدين، وأخذ ماله بأي طريق كان ﴿تَأْمَنْهُ﴾ هذه (١) قراءة الجمهور، وقرأ ابن وثاب والأشهب العقيلي شذوذًا: (تيمنه) بكسر التاء الفوقية على لغة بكر وتميم، ومثله قراءة من قرأ شذوذًا: ﴿نِستعين﴾ بكسر النون.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُؤَدِّهِ﴾ بكسر الهاء ووصلها بياء، وقرأ قالون باختلاس الحركة، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والأعمش: بالسكون، وقال الفراء:
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
378
مذهب بعض العرب يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها، فيقولون: ضربته ضربًا شديدًا، كما يسكنون ميم أنتم وقمتم، وما ذهب إليه أبو إسحاق من أن الإسكان غلط، ليس بشيء؛ إذ هي قراءة في السبعة، وهي متواترة.
وقرأ أبو المنذر سلام والزهري شذوذًا (١): ﴿يؤده﴾ بضم الهاء بغير واو، وقرأ قتادة وحمزة ومجاهد شذوذًا أيضًا: بواو في الإدراج.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (٢)، ويحيى بن وثاب، والأعمش وابن أبي ليلى، والفياض بن غزوان، وطلحة وغيرهم شذوذًا: (دِمت) بكسر الدال، وهي لغة تميم.
وخلاصة الكلام: أنّ أهل الكتاب طائفتان:
الأولى: طائفة تُؤَمَّن على الكثير والقليل، ؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه، استودعه قرشي ألفًا ومائتي أوقية من ذهب، فأداها إليه كما مرَّ.
والثانية: طائفة أخرى تخون الأمانة، فلو استودعتها القليل جحدته، ولا تؤديه إليك إلا إذا أدمت الوقوف على رأسها، ملحًا في المطالبة، أو لاجئًا إلى التقاضي والمحاكمة، ومن هؤلاء: كعب بن الأشرف، استودعه قريش دينارًا فجحده.
ثمَّ بيَّن السبب في فعلهم هذا فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الخيانة وترك أداء الأمانة، واستحلال أموال الناس، مستحق لهم ﴿بـ﴾ ـسبب ﴿أنَّهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل﴾؛ أي: بسبب أنهم يقولون: ليس علينا فيما أخذنا من أموال المشركين من العرب سبيل؛ أي: مؤاخذة، وتبعة، وإثم عند الله تعالى؛ لأن أموال العرب حلال لنا؛ لأنهم ليسوا على ديننا، ولا حرمة لهم في كتابنا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم، أو المعنى: ليس علينا فيما أصبنا
وقرأ أبو المنذر سلام والزهري شذوذًا (١): ﴿يؤده﴾ بضم الهاء بغير واو، وقرأ قتادة وحمزة ومجاهد شذوذًا أيضًا: بواو في الإدراج.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (٢)، ويحيى بن وثاب، والأعمش وابن أبي ليلى، والفياض بن غزوان، وطلحة وغيرهم شذوذًا: (دِمت) بكسر الدال، وهي لغة تميم.
وخلاصة الكلام: أنّ أهل الكتاب طائفتان:
الأولى: طائفة تُؤَمَّن على الكثير والقليل، ؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه، استودعه قرشي ألفًا ومائتي أوقية من ذهب، فأداها إليه كما مرَّ.
والثانية: طائفة أخرى تخون الأمانة، فلو استودعتها القليل جحدته، ولا تؤديه إليك إلا إذا أدمت الوقوف على رأسها، ملحًا في المطالبة، أو لاجئًا إلى التقاضي والمحاكمة، ومن هؤلاء: كعب بن الأشرف، استودعه قريش دينارًا فجحده.
ثمَّ بيَّن السبب في فعلهم هذا فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الخيانة وترك أداء الأمانة، واستحلال أموال الناس، مستحق لهم ﴿بـ﴾ ـسبب ﴿أنَّهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل﴾؛ أي: بسبب أنهم يقولون: ليس علينا فيما أخذنا من أموال المشركين من العرب سبيل؛ أي: مؤاخذة، وتبعة، وإثم عند الله تعالى؛ لأن أموال العرب حلال لنا؛ لأنهم ليسوا على ديننا، ولا حرمة لهم في كتابنا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم، أو المعنى: ليس علينا فيما أصبنا
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
379
من أموال العرب سبيل؛ أي: قدرة على المطالبة والإلزام؛ فإنَّهم قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، والخلق لنا عبيد، فلا سبيل لأحد علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا، وقيل: إنهم قالوا: أنَّ الأموال كلها كانت لنا، فما في يد العرب فهو لنا، وإنَّما هم ظلمونا وغصبوها منا، فلا سبيل علينا في أخذها منهم بأي طريق كان.
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾؛ أي: يفترون على الله الكذب بادعائهم أنَّ ذلك في كتابهم. ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّهم كاذبون في ذلك؛ أي: أنَّهم قالوا: إنَّ جواز الخيانة مع المخالف مذكور في التوراة، وكانوا كاذبين في ذلك، وعالمين بكونهم كاذبين فيه، ومَنْ كان كذلك.. كانت خيانته أعظم، وجرمه أفحش.
لكنهم لمَّا لم يكتفوا بالكتاب، ولجؤوا إلى التقليد، وعدّوا كلام أحبارهم دينًا، وهؤلاء قالوا في الدين بالرأي والهوى، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، ليؤيدوا آرائهم.. وجدوا من هذه الأقوال ما يساعدهم على ما يدَّعون.
روى ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ إلى قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ قال النبي - ﷺ -: "كذب أعداء الله، ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين، إلا الأمانة؛ فإنّها مؤداة إلى البَّرِّ والفاجر".
٧٦ - ﴿بَلَى﴾: حرف يجاب به النفي، فيصير إثباتًا لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين؛ أي: بلى على اليهود في العرب سبيل، فعلى هذا يَحسن الوقف عليها، ثم يبتدىء بما بعده، وقوله: ﴿مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ﴾ جملة مستأنفة مقرر للجملة التي سدت ﴿بَلى﴾ مسدها، والضمير في ﴿بِعَهْدِهِ﴾ يرجع إلى الله تعالى؛ أي: ولكن من أوفى بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة، من الإيمان بمحمد - ﷺ -، وبالقرآن الذي أنزل عليه، أو بأداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها، وقيل: الهاء في قوله: ﴿بِعَهْدِهِ﴾ عائد إلى الموفي؛ أي: بيعده فيما بينه وبين الله، أو فيما بينه وبين الناس.
﴿وَاتَّقَى﴾؛ أي: خاف عقاب الله بالكفر والخيانة، ونقض العهد ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتقون الشرك والخيانة؛ أي: يثيبهم على
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾؛ أي: يفترون على الله الكذب بادعائهم أنَّ ذلك في كتابهم. ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّهم كاذبون في ذلك؛ أي: أنَّهم قالوا: إنَّ جواز الخيانة مع المخالف مذكور في التوراة، وكانوا كاذبين في ذلك، وعالمين بكونهم كاذبين فيه، ومَنْ كان كذلك.. كانت خيانته أعظم، وجرمه أفحش.
لكنهم لمَّا لم يكتفوا بالكتاب، ولجؤوا إلى التقليد، وعدّوا كلام أحبارهم دينًا، وهؤلاء قالوا في الدين بالرأي والهوى، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، ليؤيدوا آرائهم.. وجدوا من هذه الأقوال ما يساعدهم على ما يدَّعون.
روى ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ إلى قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ قال النبي - ﷺ -: "كذب أعداء الله، ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين، إلا الأمانة؛ فإنّها مؤداة إلى البَّرِّ والفاجر".
٧٦ - ﴿بَلَى﴾: حرف يجاب به النفي، فيصير إثباتًا لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين؛ أي: بلى على اليهود في العرب سبيل، فعلى هذا يَحسن الوقف عليها، ثم يبتدىء بما بعده، وقوله: ﴿مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ﴾ جملة مستأنفة مقرر للجملة التي سدت ﴿بَلى﴾ مسدها، والضمير في ﴿بِعَهْدِهِ﴾ يرجع إلى الله تعالى؛ أي: ولكن من أوفى بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة، من الإيمان بمحمد - ﷺ -، وبالقرآن الذي أنزل عليه، أو بأداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها، وقيل: الهاء في قوله: ﴿بِعَهْدِهِ﴾ عائد إلى الموفي؛ أي: بيعده فيما بينه وبين الله، أو فيما بينه وبين الناس.
﴿وَاتَّقَى﴾؛ أي: خاف عقاب الله بالكفر والخيانة، ونقض العهد ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتقون الشرك والخيانة؛ أي: يثيبهم على
380
تقواهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة، وعموم المتقين قائم مقام العائد إلى ﴿مَنْ﴾؛ أي: فإنَّ الله يحبه، أخبر تعالى: بأن من أوفى بالعهد، واتقى الله في نقضه.. فهو محبوب عند الله.
وهذه الآية (١) دالة على تعظيم أمر الوفاء بالعهد، وذلك لأنَّ الطاعات محصورة في أمرين: التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، فالوفاء بالعهد مشتمل عليهما معًا؛ لأن ذلك سبب لمنفعة الخلق، فهو شفقة على خلق الله، وذلك أمر الله، فالوفاء بالعهد تعظيم لأمر الله، ثم الوفاء كما يكون في حق الغير، يكون في حق النفس، فالوافي بعهد النفس هو الآتي بالطاعات، والتارك للمحرمات.
وخلاصة المعنى: بلى عليكم يا معشر اليهود في الأميين سبيل، وعليكم الوفاء بعقودكم المؤجلة والأمانات، فمن أقرضك مالًا إلى أجل، أو باعك بثمنٍ مؤجل، أو ائتمنك على شيء.. وجب عليك الوفاء به، وأداء الحق له في حينه، دون حاجة إلى الإلحاف في الطلب، أو إلى التقاضي، وبذلك قضت الفطرة، وحتمت الشريعة، وفي هذا إيماء إلى أنَّ اليهود لم يجعلوا الوفاء بالعهد حقًّا واجبًا لذاته، بل العبرة عندهم المعاهِد، فإن كان إسرائيليًّا.. وجب الوفاء له، ولا يجب الوفاء لغيره.
والعهد ضربان:
الأول: عهد المرء لأخيه في العقود والأمانات كما تقدم.
والثاني: عهد الله تعالى، وهو ما يلتزم به المؤمن لربه، من اتباع دينه والعمل بما شرعه على لسان رسوله. واليهود لم يفوا بشيء منهما، إذ لو وفوا بعهد الله.. لآمنوا بالنبي - ﷺ -، واتبعوا النور الذي أنزل معه، كما وصاهم بذلك كتابهم على لسان رسولهم موسى عليه السلام.
وهذه الآية (١) دالة على تعظيم أمر الوفاء بالعهد، وذلك لأنَّ الطاعات محصورة في أمرين: التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، فالوفاء بالعهد مشتمل عليهما معًا؛ لأن ذلك سبب لمنفعة الخلق، فهو شفقة على خلق الله، وذلك أمر الله، فالوفاء بالعهد تعظيم لأمر الله، ثم الوفاء كما يكون في حق الغير، يكون في حق النفس، فالوافي بعهد النفس هو الآتي بالطاعات، والتارك للمحرمات.
وخلاصة المعنى: بلى عليكم يا معشر اليهود في الأميين سبيل، وعليكم الوفاء بعقودكم المؤجلة والأمانات، فمن أقرضك مالًا إلى أجل، أو باعك بثمنٍ مؤجل، أو ائتمنك على شيء.. وجب عليك الوفاء به، وأداء الحق له في حينه، دون حاجة إلى الإلحاف في الطلب، أو إلى التقاضي، وبذلك قضت الفطرة، وحتمت الشريعة، وفي هذا إيماء إلى أنَّ اليهود لم يجعلوا الوفاء بالعهد حقًّا واجبًا لذاته، بل العبرة عندهم المعاهِد، فإن كان إسرائيليًّا.. وجب الوفاء له، ولا يجب الوفاء لغيره.
والعهد ضربان:
الأول: عهد المرء لأخيه في العقود والأمانات كما تقدم.
والثاني: عهد الله تعالى، وهو ما يلتزم به المؤمن لربه، من اتباع دينه والعمل بما شرعه على لسان رسوله. واليهود لم يفوا بشيء منهما، إذ لو وفوا بعهد الله.. لآمنوا بالنبي - ﷺ -، واتبعوا النور الذي أنزل معه، كما وصاهم بذلك كتابهم على لسان رسولهم موسى عليه السلام.
(١) المرح.
381
وقد جعل الله جزاء الموفين بالعهد، المتقين بالإخلاف والغدر، محبته تعالى ورحمته لهم في الدنيا والآخرة، وفي هذا إيماء إلى أنَّ الوفاء بالعهود، واتقاء الإخلاف فيها، وفي سائر المعاصي والخطايا، هو الذي يقرب العبد من ربه، ويجعله أهلًا لمحبته، أما الانتساب إلى شعب بعينه، والافتخار والترفع به على غيره، كما كثر في عصرنا هذا والعياذ باللهِ، فلا قيمة له عند الله تعالى.
وفي هذا أيضًا تعريض بأنَّ أصحاب هذا الرأي من اليهود ليسوا على حظ من التقوى، وهي الدعامة الأساسية في كل دين قويم، رزقنا الله إياها وجميع المسلمين.
وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" وفي رواية "إذا حدث كذب، وإذ وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
٧٧ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ الباء فيه داخلة على المتروك؛ أي: إنَّ الذين يأخذن بنقض عهد الله عليهم من الإيمان بالرسول - ﷺ -، والأداء بالأمانات ﴿وبـ﴾ ـحنث ﴿أيمانهم﴾ وحلفهم من قولهم: والله لنؤمنن به ولننصرنه ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾؛ أي: عوضًا يسيرًا من الدنيا، والمراد بالثمن القليل متاع الدنيا من الرشا والتراؤس ونحو ذلك ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بتلك الصفات القبيحة ﴿لَا خَلَاقَ﴾؛ أي: لا نصيب ﴿لَهُمْ فِي﴾ خير ﴿الْآخِرَةِ﴾ ونعيمها ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ يوم القيامة أي: يشتد غضب الله عليهم ﴿وَلَا يَنظُرُ﴾ الله ﴿إِلَيْهِمْ﴾ بالإحسان والرحمة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾، أي: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم.
والمعنى: إنَّ الذين يستبدلون بعهد الله إلى الناس في كتبه المنزلة، بأن يلتزموا الصدق والوفاء بما يتعاهدون عليه ويتعاقدون، وأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ويتقوه في جميع الأمور، وبما حلفوا
وفي هذا أيضًا تعريض بأنَّ أصحاب هذا الرأي من اليهود ليسوا على حظ من التقوى، وهي الدعامة الأساسية في كل دين قويم، رزقنا الله إياها وجميع المسلمين.
وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" وفي رواية "إذا حدث كذب، وإذ وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
٧٧ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ الباء فيه داخلة على المتروك؛ أي: إنَّ الذين يأخذن بنقض عهد الله عليهم من الإيمان بالرسول - ﷺ -، والأداء بالأمانات ﴿وبـ﴾ ـحنث ﴿أيمانهم﴾ وحلفهم من قولهم: والله لنؤمنن به ولننصرنه ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾؛ أي: عوضًا يسيرًا من الدنيا، والمراد بالثمن القليل متاع الدنيا من الرشا والتراؤس ونحو ذلك ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بتلك الصفات القبيحة ﴿لَا خَلَاقَ﴾؛ أي: لا نصيب ﴿لَهُمْ فِي﴾ خير ﴿الْآخِرَةِ﴾ ونعيمها ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ يوم القيامة أي: يشتد غضب الله عليهم ﴿وَلَا يَنظُرُ﴾ الله ﴿إِلَيْهِمْ﴾ بالإحسان والرحمة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾، أي: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم.
والمعنى: إنَّ الذين يستبدلون بعهد الله إلى الناس في كتبه المنزلة، بأن يلتزموا الصدق والوفاء بما يتعاهدون عليه ويتعاقدون، وأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ويتقوه في جميع الأمور، وبما حلفوا
382
عليه من قولهم: لنؤمنن به ولننصرنه، أي: يأخذون بدل وفاء عهدهم وبَرِّ أيمانهم ثمنًا قليلًا هو العوض أو الرشا أولئك لا نصيب لهم في منافع الآخرة ونعيمها، ويغضب عليهم ربهم، ولا ينظر إليهم ولا يثنى عليهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم، هو الغاية في الألم.
قال القفال: هذه الكلمات يراد بها بيان شدة سخط الله عليهم؛ لأن من منع غيره كلامه في الدنيا.. فإنَّما ذلك لسخطه عليه، وقد يأمره بحجبه عنه ويقول؛ لا أكلمك ولا أرى وجهك، وإذا جرى ذكره.. لم يذكره بالجميل اهـ.
وخلاصة القول: إنَّ الله توعد الناكثين للعهد، المخلفين للوعد بالحرمان من النعيم، وبالعذاب الأليم، وبأنَّهم يكونون في غضب الله، بحيث لا ترجى لهم رحمة، ولا يسمعون منه تعالى كلمة عفو ولا مغفرة، ولم يتوعد الله تعالى مرتكبي الكبائر من الزناة وشاربي الخمر، ولاعبي الميسر، وعاقي الوالدين، بما توعد به ناكثي العهود، وخائني الأمانات؛ لأنَّ مفاسدهما أعظم من جميع المفاسد، التي لأجلها حرمت تلك الجرائم.
فالوفاء بهما آية الدين البينة، والمحور الذي تدور عليه مصالح العمران، فمتى نكث الناس في عهودهم.. زالت ثقة بعضهم ببعض، والثقة روح المعاملات، وأساس النظام.
والإيمان باللهِ لا يجتمع مع الخيانة، والنكث بالعهد، ألا ترى أن النبي - ﷺ - جعله علامة النفاق فقال: "آية النفاق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" كما مر آنفًا.
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه قال: ما خطبنا رسول الله - ﷺ - إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".
فما بال كثير من المسلمين - حتى المتدينين منهم - استهانوا بالعهود، وأصبحوا لا يحفظون الأيمان، ويرون ذلك شيئًا صغيرًا، مع كل ما رأوا من شديد التهديد والوعيد، ويكبرون أمر المعاصي التي لم يتعودوها لعدم الإلف
قال القفال: هذه الكلمات يراد بها بيان شدة سخط الله عليهم؛ لأن من منع غيره كلامه في الدنيا.. فإنَّما ذلك لسخطه عليه، وقد يأمره بحجبه عنه ويقول؛ لا أكلمك ولا أرى وجهك، وإذا جرى ذكره.. لم يذكره بالجميل اهـ.
وخلاصة القول: إنَّ الله توعد الناكثين للعهد، المخلفين للوعد بالحرمان من النعيم، وبالعذاب الأليم، وبأنَّهم يكونون في غضب الله، بحيث لا ترجى لهم رحمة، ولا يسمعون منه تعالى كلمة عفو ولا مغفرة، ولم يتوعد الله تعالى مرتكبي الكبائر من الزناة وشاربي الخمر، ولاعبي الميسر، وعاقي الوالدين، بما توعد به ناكثي العهود، وخائني الأمانات؛ لأنَّ مفاسدهما أعظم من جميع المفاسد، التي لأجلها حرمت تلك الجرائم.
فالوفاء بهما آية الدين البينة، والمحور الذي تدور عليه مصالح العمران، فمتى نكث الناس في عهودهم.. زالت ثقة بعضهم ببعض، والثقة روح المعاملات، وأساس النظام.
والإيمان باللهِ لا يجتمع مع الخيانة، والنكث بالعهد، ألا ترى أن النبي - ﷺ - جعله علامة النفاق فقال: "آية النفاق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" كما مر آنفًا.
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه قال: ما خطبنا رسول الله - ﷺ - إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".
فما بال كثير من المسلمين - حتى المتدينين منهم - استهانوا بالعهود، وأصبحوا لا يحفظون الأيمان، ويرون ذلك شيئًا صغيرًا، مع كل ما رأوا من شديد التهديد والوعيد، ويكبرون أمر المعاصي التي لم يتعودوها لعدم الإلف
383
والعادة فقط، مع أنَّها دون ذلك عند الله، كما تدل عليه هذه الآية.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - أنَّه قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل حلف على سلعة: لقد أعطي بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماله فيقول الله له: اليوم أمنعك فضلي ما منعت فضل ما لم تعمل يداك".
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله - ﷺ - ثلاث مرات، فقلت: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".
وروى مسلم أيضًا عن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول - ﷺ - قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه.. حرم الله علية الجنة، وأوجب له النار، فقالوا: يا رسول الله وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإنْ كان قضيبًا من أراك".
٧٨ - ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ﴾؛ أي: وإنَّ من اليهود ﴿لَفَرِيقًا﴾؛ أي: لطائفة ﴿يَلْوُونَ﴾؛ أي: يفتلون ويعطفون ﴿أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾؛ أي: بقراءة الكتاب، فيميلونها عن المنزل إلى المحرف، ويبدلون المحرف عن المنزل، كتحريفهم حركات الإعراب في آية الرجم، واللفظة الدالة على نبوة - ﷺ -، تحريفًا يتغير به المعنى ﴿لتحسبوه﴾؛ أي: لتظنوا أيها المسلمون أنَّ ذلك المحرف ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: من كلام الله وتنزيله، يعني من التوراة ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: والحال أنَّ ذلك المحرف ليس من التوراة المنزل من عند الله، ولكنه من عند أنفسهم.
والمعنى (١): يلوون ألسنتهم ويعطفونها عن اللفظ المنزل إلى المحرَّف؛ لكي يظن السفلة أو المسلمون أنَّ المحرف من التوراة، وما هو من الكتاب؛ أي: والحال أن المحرف ليس من التوراة في نفس الأمر، وفي اعتقادهم {وَيَقُولُونَ
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - أنَّه قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل حلف على سلعة: لقد أعطي بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماله فيقول الله له: اليوم أمنعك فضلي ما منعت فضل ما لم تعمل يداك".
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله - ﷺ - ثلاث مرات، فقلت: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".
وروى مسلم أيضًا عن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول - ﷺ - قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه.. حرم الله علية الجنة، وأوجب له النار، فقالوا: يا رسول الله وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإنْ كان قضيبًا من أراك".
٧٨ - ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ﴾؛ أي: وإنَّ من اليهود ﴿لَفَرِيقًا﴾؛ أي: لطائفة ﴿يَلْوُونَ﴾؛ أي: يفتلون ويعطفون ﴿أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾؛ أي: بقراءة الكتاب، فيميلونها عن المنزل إلى المحرف، ويبدلون المحرف عن المنزل، كتحريفهم حركات الإعراب في آية الرجم، واللفظة الدالة على نبوة - ﷺ -، تحريفًا يتغير به المعنى ﴿لتحسبوه﴾؛ أي: لتظنوا أيها المسلمون أنَّ ذلك المحرف ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: من كلام الله وتنزيله، يعني من التوراة ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: والحال أنَّ ذلك المحرف ليس من التوراة المنزل من عند الله، ولكنه من عند أنفسهم.
والمعنى (١): يلوون ألسنتهم ويعطفونها عن اللفظ المنزل إلى المحرَّف؛ لكي يظن السفلة أو المسلمون أنَّ المحرف من التوراة، وما هو من الكتاب؛ أي: والحال أن المحرف ليس من التوراة في نفس الأمر، وفي اعتقادهم {وَيَقُولُونَ
(١) المراح.
384
هُوَ}؛ أي: المحرف ﴿منْ عِندِ اَللهِ﴾، أي: موجود في كتب سائر الأنبياء، مثل شعياء وأرخياء وحيفوف ﴿وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ فالأغمار الجاهلون بالتوراة نسبوا ذلك المحرف إلى أنَّه من التوراة، والأذكياء زعموا أنَّه موجود في كتب سائر الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليهم السلام، وعلم من هذا التفسير المغايرة بين اللفظين، فإنه ليس كل ما لم يكن في الكتاب لم يكن من عند الله، فإنَّ الحكم الشرعي قد ثبت تارة بالكتاب، وتارة بالسنّة، وتارة بالإجماع وتارة بالقياس، والكل من عند الله.
وفي "الخازن" قوله: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ وإنَّما كرر هذا بلفظين مختلفين مع اتحاد المعنى.. لأجل التأكيد؛ أي: إنَّهم (١) كاذبون فيما يقولون، وفي هذا تشنيع عليهم، بأن الجرأة قد بلغت بهم حدًّا عظيمًا، فهم لم يكتفوا بالتعريض والتورية، بل يصرحون بنسبته إلى الله كذبًا، لعدم خوفهم منه، واعتقادهم أنَّه يغفر لهم جميع ما يجترحون من الذنوب؛ لأنَّهم من أهل ذلك الدين.
وليس ذلك بالغريب عليهم، فإنَّا نرى كثيرًا من المسلمين اليوم يعتقدون أنَّ المسلم من أهل الجنة حتمًا، مهما أصاب من الذنوب؛ لأنَّه إنْ لم تدركه الشفاعة. أدركته المغفرة، ويجلِّي اعتقادهم ذلك قولهم: أمة محمَّد بخير.
فالمسلم في نظرهم من اتخذ الإِسلام دينًا، وإنْ لم يعمل بما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله - ﷺ -، من صفات المسلمين الصادقين، بل ولو فعل فِعْل الكافرين والمنافقين.
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّهم كاذبون؛ أي: يتعمدون ذلك الكذب مع العلم، وهذا تأكيد وتسجيل عليهم بأنَّ ما افتروه على الله.. كان عن عمد لا عن خطأ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (٢): هم اليهود الذين قدموا على كعب بن
وفي "الخازن" قوله: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ وإنَّما كرر هذا بلفظين مختلفين مع اتحاد المعنى.. لأجل التأكيد؛ أي: إنَّهم (١) كاذبون فيما يقولون، وفي هذا تشنيع عليهم، بأن الجرأة قد بلغت بهم حدًّا عظيمًا، فهم لم يكتفوا بالتعريض والتورية، بل يصرحون بنسبته إلى الله كذبًا، لعدم خوفهم منه، واعتقادهم أنَّه يغفر لهم جميع ما يجترحون من الذنوب؛ لأنَّهم من أهل ذلك الدين.
وليس ذلك بالغريب عليهم، فإنَّا نرى كثيرًا من المسلمين اليوم يعتقدون أنَّ المسلم من أهل الجنة حتمًا، مهما أصاب من الذنوب؛ لأنَّه إنْ لم تدركه الشفاعة. أدركته المغفرة، ويجلِّي اعتقادهم ذلك قولهم: أمة محمَّد بخير.
فالمسلم في نظرهم من اتخذ الإِسلام دينًا، وإنْ لم يعمل بما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله - ﷺ -، من صفات المسلمين الصادقين، بل ولو فعل فِعْل الكافرين والمنافقين.
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّهم كاذبون؛ أي: يتعمدون ذلك الكذب مع العلم، وهذا تأكيد وتسجيل عليهم بأنَّ ما افتروه على الله.. كان عن عمد لا عن خطأ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (٢): هم اليهود الذين قدموا على كعب بن
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
385
الأشرف، وغيروا التوراة، وكتبوا كتابًا بدلوا فيه صفة رسول الله - ﷺ -، ثم أخذت قريظة ما كتبوا، فخلطوه بالكتاب الذي عندهم، وقد جاء في كتب السيرة والحديث: أنَّ اليهود كانوا إذا سلَّموا على النبي - ﷺ - يمضغون كلمة السلام، فيخفون اللام ويقولون: السام عليكم غير مفصحين بالكلمة؛ لأنَّهم يريدون معنى السام وهو الموت، وجاء في سورة النساء قوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ﴾ فهؤلاء وضعوا ﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ مكان "لا أسمعت مكروها" التي تقال عادة عند الدعاء و ﴿راعنا﴾ مكان انظرنا التي يقولها الناس لمن ينتظرون معونته ومساعدته، وإنَّما قالوا: ﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ لأنَّها قد تستعمل في الدعاء على المخاطب، بمعنى لا سمعت، وقالوا: ﴿راعنا﴾ لأنَّ هذه الكلمة عبرانية أو سريانية، كانوا يَتَسابون بها.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَلْوُونَ﴾ مضارع لوى الثلاثي، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وأبو حاتم عن نافع شذوذًا: ﴿يَلْوُونَ﴾ بالتشديد، مضارع لوّي مشددًا، ونسبها الزمخشري إلى أهل المدينة، والتضعيف للمبالغة والتكثير، لا للتعدية، وقرأ حميد شاذًّا: (يلوُن) بضم اللام، ونسبها الزمخشري إلى أنَّها رواية عن مجاهد وابن كثير، ووجهت على أنَّ الأصل يلوون، ثمَّ أبدلت الواو همزة، ثم نقلت حركتها إلى الساكن قبله، وحذفت هي.
وقرأ الجمهور: ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ والمخاطب المسلمون وقرىء شاذًا: ﴿ليحسبوه﴾ بالياء وهو يعود على المسلمين أيضًا، كما هم المراد بالمخاطبين في قراءة العامة، والمعنى: ليحسب المسلمون أنَّ المحرف من التوراة.
ولمَّا بيَّن الله سبحانه وتعالى فيما سلف افتراء اليهود على الله الكذب، ونسبتهم إليه ما لم يقله.. أردف ذلك بذكر افترائهم على الأنبياء صلوات الله وسلامه علهيم أجمعين فقال:
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَلْوُونَ﴾ مضارع لوى الثلاثي، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وأبو حاتم عن نافع شذوذًا: ﴿يَلْوُونَ﴾ بالتشديد، مضارع لوّي مشددًا، ونسبها الزمخشري إلى أهل المدينة، والتضعيف للمبالغة والتكثير، لا للتعدية، وقرأ حميد شاذًّا: (يلوُن) بضم اللام، ونسبها الزمخشري إلى أنَّها رواية عن مجاهد وابن كثير، ووجهت على أنَّ الأصل يلوون، ثمَّ أبدلت الواو همزة، ثم نقلت حركتها إلى الساكن قبله، وحذفت هي.
وقرأ الجمهور: ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ والمخاطب المسلمون وقرىء شاذًا: ﴿ليحسبوه﴾ بالياء وهو يعود على المسلمين أيضًا، كما هم المراد بالمخاطبين في قراءة العامة، والمعنى: ليحسب المسلمون أنَّ المحرف من التوراة.
ولمَّا بيَّن الله سبحانه وتعالى فيما سلف افتراء اليهود على الله الكذب، ونسبتهم إليه ما لم يقله.. أردف ذلك بذكر افترائهم على الأنبياء صلوات الله وسلامه علهيم أجمعين فقال:
(١) البحر المحيط.
386
٧٩ - ﴿مَا كاَنَ لشًرٍ﴾، أي: لا ينبغي ولا يليق لأحد من البشر، ولا لأحد من الأنبياء، كعيسى وموسى ومحمد عليهم السلام ﴿أَن يُؤتِيَهُ اللهُ﴾؛ أي: لا يعطيه الله ﴿الْكِتَابِ﴾؛ أي: التوراة أو الإنجيل أو القرآن ﴿وَالْحُكْمَ﴾؛ أي: الفهم لذلك الكتاب ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾؛ أي: الرسالة ﴿ثُمَ يَقُولَ﴾ ذلك البشر المشرف بالصفات الثلاثة ﴿لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا﴾ كائنين ﴿لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: متجاوزين لله، أشراكًا أو أفرادًا والنفي في مثل هذه الصيغة ﴿مَا كاَنَ﴾ إنَّما يؤتى به للنفي العام الذي لا يجوز عقلًا ثبوته، والغرض أنَّه لا يصح أصلًا، ولا يتصور عقلًا صدور دعوى الألوهية من نبي قط، أعطاه الله النبوة والشريعة، فضلًا على أنْ يحصل ذلك بالفعل؛ لأنَّ الرسول سفير بين الله وخلقه، ليرشد الناس على عبادة الله، فكيف يدعوهم إلى عبادة نفسه؟!
والمعنى: أي لا ينبغي لأحد من البشر أن ينزل الله عليه كتابه ويعلمه فقه دينه، ومعرفة أسراره، ويعطيه النبوة، ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله؛ لأنَّ من أتاه الله ذلك؛ فإنِّما يدعوهم إلى العلم به، ويحثهم على شرائع دينه، وأن يكونوا القدوة في طاعته وعبادته، ومعلمي الناس الكتاب.
ومعنى قوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: متجاوزين ما يجب من إفراده؛ فإنَّ العبادة الصحيحة لا تتحقق إلا إذا أخلصت له وحده، ولم تشبها شائبة، من التوجه إلى غيره ما قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤)﴾ ومن دعا إلى عبادة نفسه.. فقد دعا الناس إلى أن يكونوا عابدين له من دون الله، وإنْ لم ينههم عن عبادة الله، بل وإنْ أمرهم بعبادة الله، وفي هذه الآية دلالة على عصمة الأنبياء.
وقال - ﷺ -: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري.. تركته وشركه" وفي رواية "فأنا منه بريء، هو للذي عمله" رواه مسلم وغيره.
وقال - ﷺ -:"وإذا جمع الله الناس يوم القيامة.. نادى مناد: من أشرك في عمل عمله لله أحدًا.. فيطلب ثوابه من عند غير الله؛ فإنَّ الله أغنى الشركاء عن
والمعنى: أي لا ينبغي لأحد من البشر أن ينزل الله عليه كتابه ويعلمه فقه دينه، ومعرفة أسراره، ويعطيه النبوة، ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله؛ لأنَّ من أتاه الله ذلك؛ فإنِّما يدعوهم إلى العلم به، ويحثهم على شرائع دينه، وأن يكونوا القدوة في طاعته وعبادته، ومعلمي الناس الكتاب.
ومعنى قوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: متجاوزين ما يجب من إفراده؛ فإنَّ العبادة الصحيحة لا تتحقق إلا إذا أخلصت له وحده، ولم تشبها شائبة، من التوجه إلى غيره ما قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤)﴾ ومن دعا إلى عبادة نفسه.. فقد دعا الناس إلى أن يكونوا عابدين له من دون الله، وإنْ لم ينههم عن عبادة الله، بل وإنْ أمرهم بعبادة الله، وفي هذه الآية دلالة على عصمة الأنبياء.
وقال - ﷺ -: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري.. تركته وشركه" وفي رواية "فأنا منه بريء، هو للذي عمله" رواه مسلم وغيره.
وقال - ﷺ -:"وإذا جمع الله الناس يوم القيامة.. نادى مناد: من أشرك في عمل عمله لله أحدًا.. فيطلب ثوابه من عند غير الله؛ فإنَّ الله أغنى الشركاء عن
387
الشرك" رواه أحمد.
وقرأ الجمهور ﴿ثُمَّ يَقُولَ﴾ بالنصب عطفًا على ﴿أَن يُؤتِيَهُ﴾ وقرأ شبل عن ابن كثير ومحبوب، عن أبي عمرو: بالرفع على القطع؛ أي: ثم هو يقول، وقرأ الجمهور عبادًا لي بتسكين ياء المتكلم، وقرأ عيسى بن عمر بفتحها ﴿وَلَكِنْ﴾ يقول ذلك البشر المشرف بالكتاب والحكم والنبوة للناس ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾، أي: علماء عالمين ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾؛ أي: بسبب كونكم معلمين الناس الكتاب ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾، أي: وبسبب كونكم دارسين قارئين الكتاب؛ فإنَّ فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير، للاعتقاد والعمل به فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيًّا، فمن اشتغل بالعلم والتعليم لا لهذا المقصود.. ضاع علمه، وخاب سعيه، وقال ابن عباس معنى: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾؛ أي: حكماء علماء حلماء.
والمعنى: لا أدعوكم إلى أن تكونوا عبادًا لي، ولكن أدعوكم إلى أنْ تكونوا علماء فقهاء، مطيعين لله بتعليمكم الناس الكتاب، ودراستكم إياه.
قرأ عبد الله وابن كثير وأبو عمرو ونافع (١): ﴿تعلمون﴾ بفتح التاء وسكون العين والباقون ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ بضم التاء وفتح العين وكسر اللام مشددة، وقرأ مجاهد والحسن شذوذًا ﴿تَعَلِّمُونَ﴾ بفتح التاء والعين واللام المشددة، وهو مضارع حذفت منه التاء والأصل: (تتعلمون).
وقرأ الجمهور (٢): ﴿تَدْرُسُونَ﴾ من درس، من باب نصر، وقرأ أبو حيوة شاذًا (تدرِسون) بكسر الراء وروى عنه ﴿تَدْرُسُونَ﴾ بضم التاء وفتح الدال وكسر الراء المشددة؛ أي: تدرسون غيركم العلم، ويحتمل أن يكون التضعيف للتكثير لا للتعدية، وقرىء: (تدرسون) من أدرس بمعنى درس، نحو: أكرم وكرم، وأنزل ونزل، ويحتمل أنْ تكون القراءة المشهورة بهذا المعنى على تقدير: وبما كنتم تدرسونه على الناس.
وقرأ الجمهور ﴿ثُمَّ يَقُولَ﴾ بالنصب عطفًا على ﴿أَن يُؤتِيَهُ﴾ وقرأ شبل عن ابن كثير ومحبوب، عن أبي عمرو: بالرفع على القطع؛ أي: ثم هو يقول، وقرأ الجمهور عبادًا لي بتسكين ياء المتكلم، وقرأ عيسى بن عمر بفتحها ﴿وَلَكِنْ﴾ يقول ذلك البشر المشرف بالكتاب والحكم والنبوة للناس ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾، أي: علماء عالمين ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾؛ أي: بسبب كونكم معلمين الناس الكتاب ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾، أي: وبسبب كونكم دارسين قارئين الكتاب؛ فإنَّ فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير، للاعتقاد والعمل به فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيًّا، فمن اشتغل بالعلم والتعليم لا لهذا المقصود.. ضاع علمه، وخاب سعيه، وقال ابن عباس معنى: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾؛ أي: حكماء علماء حلماء.
والمعنى: لا أدعوكم إلى أن تكونوا عبادًا لي، ولكن أدعوكم إلى أنْ تكونوا علماء فقهاء، مطيعين لله بتعليمكم الناس الكتاب، ودراستكم إياه.
قرأ عبد الله وابن كثير وأبو عمرو ونافع (١): ﴿تعلمون﴾ بفتح التاء وسكون العين والباقون ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ بضم التاء وفتح العين وكسر اللام مشددة، وقرأ مجاهد والحسن شذوذًا ﴿تَعَلِّمُونَ﴾ بفتح التاء والعين واللام المشددة، وهو مضارع حذفت منه التاء والأصل: (تتعلمون).
وقرأ الجمهور (٢): ﴿تَدْرُسُونَ﴾ من درس، من باب نصر، وقرأ أبو حيوة شاذًا (تدرِسون) بكسر الراء وروى عنه ﴿تَدْرُسُونَ﴾ بضم التاء وفتح الدال وكسر الراء المشددة؛ أي: تدرسون غيركم العلم، ويحتمل أن يكون التضعيف للتكثير لا للتعدية، وقرىء: (تدرسون) من أدرس بمعنى درس، نحو: أكرم وكرم، وأنزل ونزل، ويحتمل أنْ تكون القراءة المشهورة بهذا المعنى على تقدير: وبما كنتم تدرسونه على الناس.
(١) البحر المحيط ومراح.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
388
وخلاصة المعنى: ولكن يأمرهم هذا البشر، والنبي الذي أوتي الكتاب والحكم والنبوة، بأنْ يكونوا منسوبين إلى الرب مباشرة، وإنَّما يهديهم إلى الوسيلة الحقيقية الموصلة إلى ذلك، وهي تعليم الكتاب ودراسته، فبعلم الكتاب، وتعليمه، والعمل به، يكون الإنسان ربانيًّا مرضيًّا عند الله، إذ العلم الذي لا يبعث على العمل لا يعد علمًا صحيحًا، ومن ثمَّ استغنى بذكره عن التصريح بالعمل، فالعلم بسبب للعمل، فقبيح على العالم تركه العمل، وأقبح منه أن يرشد الناس ويهديهم مع كونه هو غير مهتد في نفسه، فمثل العالم الذي يعلم الناس - وهو غير عامل - كشمعة موقودة تضيء للناس وتحرق نفسها، وفي هذا المعنى قال بعضهم:
وكفى به (١) دليلًا على خيبة سعي من جهد نفسه، وكد روحه في جمع العلم، ثمَّ لم يجعله ذريعة إلى العمل، فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمنظرها، ولا تنفعه بثمرها.
٨٠ - ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾ قرأ (٢) عاصم وحمزة وابن عامر ويعقوب وخلف العاشر ﴿يأمركم﴾ بفتح الراء عطفًا على يقول، والفاعل ضمير يعود على البشر، و ﴿لا﴾ مزيدة لتأكيد معنى النفي؛ أي: ما كان لبشر أن يجعله الله نبيًّا، ثم يأمر الناس بعبادة نفسه، أو باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا، وقرأ الباقون برفع الراء على سبيل الاستئناف، كما يدل على ذلك ما روي شاذًا عن ابن مسعود أنه قرأ؛ ﴿ولن يأمركم﴾ والفاعل حينئذٍ ضمير يعود على الله، كما قاله الزجَّاج، أو على محمَّد، كما قاله ابن جريج، أو إلى عيسى، أو إلى كل نبي من الأنبياء، كما قيل بكل؛ أي: ولا يأمركم محمَّد يا معشر قريش، أو موسى يا معشر اليهود، أو عيسى يا معشر النصارى مثلًا، بأنْ تتخذوا الملائكة والنبيين
أَتَنْهَى النَّاسَ وَلاَ تَنْتَهِي | مَتَى تُلْحَقُ الْقَوْمَ يَا أَكْوَعُ |
فَيَا حَجَرَ السَّنِّ حَتَّى مَتَى | تَسُنُّ الْحَدِيْدَ وَلاَ تَقْطَعُ |
٨٠ - ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾ قرأ (٢) عاصم وحمزة وابن عامر ويعقوب وخلف العاشر ﴿يأمركم﴾ بفتح الراء عطفًا على يقول، والفاعل ضمير يعود على البشر، و ﴿لا﴾ مزيدة لتأكيد معنى النفي؛ أي: ما كان لبشر أن يجعله الله نبيًّا، ثم يأمر الناس بعبادة نفسه، أو باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا، وقرأ الباقون برفع الراء على سبيل الاستئناف، كما يدل على ذلك ما روي شاذًا عن ابن مسعود أنه قرأ؛ ﴿ولن يأمركم﴾ والفاعل حينئذٍ ضمير يعود على الله، كما قاله الزجَّاج، أو على محمَّد، كما قاله ابن جريج، أو إلى عيسى، أو إلى كل نبي من الأنبياء، كما قيل بكل؛ أي: ولا يأمركم محمَّد يا معشر قريش، أو موسى يا معشر اليهود، أو عيسى يا معشر النصارى مثلًا، بأنْ تتخذوا الملائكة والنبيين
(١) النسفي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
389
أربابًا، كما اتخذت الصابئة وقريش الملائكة، واليهود عزيرًا، والنصارى المسيح ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ﴾؛ أي: كيف يأمركم ذلك البشر أو الله بالكفر ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؛ أي: لا يأمركم، بل يأمركم بالإِسلام، والهمزة فيه للاستفهام التعجبي؛ لأنه خطاب للمؤمنين على طريق التعجب من حال غيرهم.
وإنَّما خص (١) الملائكة والنبيين بالذكر؛ لأنَّ الذين وصفوا بعبادة غير الله عَزَّ وَجَلَّ من أهل الكتاب، لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة، وعبادة المسيح، وعزير، فلهذا المعنى خصهم بالذكر.
والمعنى: أيأمركم بعبادة الملائكة، والسجود للأنبياء بعد توحيدكم لله، والإخلاص له إذ لو فعل ذلك لكفر، ونزعت منه النبوة والإيمان، ومن آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة يكون أعلم الناس باللهِ، فإنَّ الله لا يؤتي وحيه إلا نفوسًا طاهرة، وأرواحًا طيبة، فلا تجتمع نبوة ودعاء إلى عبادة غير الله.
وأُثِرَ عن علي رضي الله عنه أنَّه قال: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك؛ لأنَّ العالم ينفِّر الناس عن العلم بتهتكه، والجاهل يرغب الناس في الجهل بتنسكه، وقال رسول الله - ﷺ -: "نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع".
الإعراب
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾.
﴿وَمِنْ﴾ الواو استئنافية ﴿من أهل الكتاب﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه خبر مقدم من اسم موصول، أو: نكرة موصوفة، في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا لا محل لها من الإعراب ﴿إن﴾ حرف شرط ﴿تأْمَنْهُ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على المخاطب. ﴿بِقِنْطَارٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تأمن﴾
وإنَّما خص (١) الملائكة والنبيين بالذكر؛ لأنَّ الذين وصفوا بعبادة غير الله عَزَّ وَجَلَّ من أهل الكتاب، لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة، وعبادة المسيح، وعزير، فلهذا المعنى خصهم بالذكر.
والمعنى: أيأمركم بعبادة الملائكة، والسجود للأنبياء بعد توحيدكم لله، والإخلاص له إذ لو فعل ذلك لكفر، ونزعت منه النبوة والإيمان، ومن آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة يكون أعلم الناس باللهِ، فإنَّ الله لا يؤتي وحيه إلا نفوسًا طاهرة، وأرواحًا طيبة، فلا تجتمع نبوة ودعاء إلى عبادة غير الله.
وأُثِرَ عن علي رضي الله عنه أنَّه قال: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك؛ لأنَّ العالم ينفِّر الناس عن العلم بتهتكه، والجاهل يرغب الناس في الجهل بتنسكه، وقال رسول الله - ﷺ -: "نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع".
الإعراب
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾.
﴿وَمِنْ﴾ الواو استئنافية ﴿من أهل الكتاب﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه خبر مقدم من اسم موصول، أو: نكرة موصوفة، في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا لا محل لها من الإعراب ﴿إن﴾ حرف شرط ﴿تأْمَنْهُ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على المخاطب. ﴿بِقِنْطَارٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تأمن﴾
(١) الخازن.
390
والباء فيه بمعنى على، ﴿يُؤَدِّهِ﴾ فعل ومفعول، مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تؤده﴾، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، أو في محل الرفع صفة لـ (مَنْ}، إن قلنا إنَّها نكرة موصوفة تقديره: ومن أهل الكتاب شخص مؤد أمانته إنْ تأمنه على قنطار.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾.
﴿وَمِنْهُمْ﴾ الواو عاطفة، ﴿منهم﴾: خبر مقدم، ﴿مَنْ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿تَأْمَنْهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿بِدِينَارٍ﴾: متعلق بـ ﴿تَأْمَنَهُ﴾ ﴿يُؤَدِّهِ﴾ ﴿لَا﴾: نافية ﴿يُؤَدِّهِ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إن﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية. صلة لـ ﴿مَنْ﴾ الموصولة، أو صفة لها ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ من الظرف العام، إذ التقدير: لا يؤده إليك في جميع المدد والأزمنة إلا في مدة دوامك قائمًا عليه، ﴿مَا﴾: مصدرية ظرفية ﴿دُمْتَ﴾: فعل ناقص، واسمه ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿قَائِمًا﴾، و ﴿قَائِمًا﴾: خبر دام، وجملة دام من اسمها وخبرها صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باضافة الظرف المقدر إليه تقديره: إلا مدة دوامك قائمًا عليه.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ، ﴿بِأَنَّهُمْ﴾: الباء حرف جر، أنَّ: حرف نصب ومصدر والهاء اسمها، وجملة ﴿قَالُوا﴾ خبرها، وجملة أنَّ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالباء، المتعلقة بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: ذلك الاستحلال مستحق بقولهم: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ مقول محكى لـ ﴿قَالُوا﴾ وإنْ شئت قلت ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماضٍ ناقص، ﴿عَلَيْنَا﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم على اسمها ﴿فِي الْأُمِّيِّينَ﴾: جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار. والمجرور قبله، أو
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾.
﴿وَمِنْهُمْ﴾ الواو عاطفة، ﴿منهم﴾: خبر مقدم، ﴿مَنْ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿تَأْمَنْهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿بِدِينَارٍ﴾: متعلق بـ ﴿تَأْمَنَهُ﴾ ﴿يُؤَدِّهِ﴾ ﴿لَا﴾: نافية ﴿يُؤَدِّهِ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إن﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية. صلة لـ ﴿مَنْ﴾ الموصولة، أو صفة لها ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ من الظرف العام، إذ التقدير: لا يؤده إليك في جميع المدد والأزمنة إلا في مدة دوامك قائمًا عليه، ﴿مَا﴾: مصدرية ظرفية ﴿دُمْتَ﴾: فعل ناقص، واسمه ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿قَائِمًا﴾، و ﴿قَائِمًا﴾: خبر دام، وجملة دام من اسمها وخبرها صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باضافة الظرف المقدر إليه تقديره: إلا مدة دوامك قائمًا عليه.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ، ﴿بِأَنَّهُمْ﴾: الباء حرف جر، أنَّ: حرف نصب ومصدر والهاء اسمها، وجملة ﴿قَالُوا﴾ خبرها، وجملة أنَّ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالباء، المتعلقة بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: ذلك الاستحلال مستحق بقولهم: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ مقول محكى لـ ﴿قَالُوا﴾ وإنْ شئت قلت ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماضٍ ناقص، ﴿عَلَيْنَا﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم على اسمها ﴿فِي الْأُمِّيِّينَ﴾: جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار. والمجرور قبله، أو
391
صفة لسبيل، قدمت عليه فصارت حالًا، وذهب قوم إلى عمل ليس في الحال، فيجوز على هذا أنْ يتعلق بها، ذكره أبو البقاء، ﴿سَبِيلٌ﴾: اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر عن خبرها، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾.
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ الواو استئنافية ﴿يقولونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿يقولون﴾: لأنَّه بمعنى يفترون ﴿الْكَذِبَ﴾: مفعول به، ﴿وَهُمْ﴾: الواو حالية ﴿هم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾: خبره، ومفعول العلم محذوف تقديره: أنَّه كاذبون، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَقُولُونَ﴾.
﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦)﴾.
﴿بَلَى﴾ حرف جواب يجاب بها النفي فيصير إثباتًا، داخلة على جملة محذوفة تقديرها: بلى عليهم سبيل في الأميين ﴿مَنْ﴾: موصولة في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ أو شرطية في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو جملة الجواب، أو هما على الخلاف المذكور في محله ﴿أَوْفَى﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾: الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَن﴾ ﴿بِعَهْدِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَوْفَى﴾، ﴿وَاتَّقَى﴾: معطوف على ﴿أَوْفَى﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة لجوابـ ﴿من﴾ الشرطية، أو رابطة الخبر بالمبتدأ جوازًا ﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها ﴿يُحِبُّ اَلمُتقِينَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إنَّ)، وجملة (إنَّ): في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة مقررة للجملة المحذوفة بعد ﴿بَلَى﴾. وفي "الفتوحات" والربط من الجملة الجزائية أو الخبرية هو العموم في ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ وعند من يرى الربط بقيام الظاهر مقام المضمر يقول، ذلك هنا، وقيل: الجزاء أو الخبر محذوف تقديره: يحبه الله، ودل على هذ المحذوف قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ الواو استئنافية ﴿يقولونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿يقولون﴾: لأنَّه بمعنى يفترون ﴿الْكَذِبَ﴾: مفعول به، ﴿وَهُمْ﴾: الواو حالية ﴿هم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾: خبره، ومفعول العلم محذوف تقديره: أنَّه كاذبون، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَقُولُونَ﴾.
﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦)﴾.
﴿بَلَى﴾ حرف جواب يجاب بها النفي فيصير إثباتًا، داخلة على جملة محذوفة تقديرها: بلى عليهم سبيل في الأميين ﴿مَنْ﴾: موصولة في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ أو شرطية في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو جملة الجواب، أو هما على الخلاف المذكور في محله ﴿أَوْفَى﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾: الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَن﴾ ﴿بِعَهْدِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَوْفَى﴾، ﴿وَاتَّقَى﴾: معطوف على ﴿أَوْفَى﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة لجوابـ ﴿من﴾ الشرطية، أو رابطة الخبر بالمبتدأ جوازًا ﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها ﴿يُحِبُّ اَلمُتقِينَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إنَّ)، وجملة (إنَّ): في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة مقررة للجملة المحذوفة بعد ﴿بَلَى﴾. وفي "الفتوحات" والربط من الجملة الجزائية أو الخبرية هو العموم في ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ وعند من يرى الربط بقيام الظاهر مقام المضمر يقول، ذلك هنا، وقيل: الجزاء أو الخبر محذوف تقديره: يحبه الله، ودل على هذ المحذوف قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
392
الْمُتَّقِينَ}. اهـ "سمين".
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها ﴿يَشْتَرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿بِعَهْدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَشْتَرُونَ﴾، ﴿وَأَيْمَانِهِمْ﴾: معطوف على ﴿عهد الله﴾ ومضاف إلى الضمير ﴿ثَمَنًا﴾ مفعول به ﴿قَلِيلًا﴾: صفة له، ﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية، ﴿خَلَاقَ﴾: اسمها ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾ ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾: متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ من اسمها وخبرها مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ الواو عاطفة ﴿لا﴾: نافية، ﴿يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع، معطوف على جملة قوله: ﴿لَا خَلَاقَ﴾ على كونها خبر المبتدأ. ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الواو عاطفة (لا): نافية ﴿يَنظُرُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾ ﴿إِلَيْهِمْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَنظُرُ﴾ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَنظُرُ﴾ والجملة الفعلية في محل الرفع، معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا خَلَاقَ﴾ على كونها خبر المبتدأ، وكذلك جملة قوله: ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ معطوفة على جملة ﴿لَا خَلَاقَ﴾ ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الواو عاطفة ﴿لهم﴾ جار ومجرور خبز مقدم ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة له والجملة الإسمية في محل الرفع، معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا خَلَاقَ لَهُمْ﴾ على كونها خبر المبتدأ.
﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها ﴿يَشْتَرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿بِعَهْدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَشْتَرُونَ﴾، ﴿وَأَيْمَانِهِمْ﴾: معطوف على ﴿عهد الله﴾ ومضاف إلى الضمير ﴿ثَمَنًا﴾ مفعول به ﴿قَلِيلًا﴾: صفة له، ﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية، ﴿خَلَاقَ﴾: اسمها ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾ ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾: متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ من اسمها وخبرها مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ الواو عاطفة ﴿لا﴾: نافية، ﴿يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع، معطوف على جملة قوله: ﴿لَا خَلَاقَ﴾ على كونها خبر المبتدأ. ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الواو عاطفة (لا): نافية ﴿يَنظُرُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾ ﴿إِلَيْهِمْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَنظُرُ﴾ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَنظُرُ﴾ والجملة الفعلية في محل الرفع، معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا خَلَاقَ﴾ على كونها خبر المبتدأ، وكذلك جملة قوله: ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ معطوفة على جملة ﴿لَا خَلَاقَ﴾ ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الواو عاطفة ﴿لهم﴾ جار ومجرور خبز مقدم ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة له والجملة الإسمية في محل الرفع، معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا خَلَاقَ لَهُمْ﴾ على كونها خبر المبتدأ.
﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾.
393
﴿وَإِنَّ﴾ الواو استئنافية ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿لأنَّ﴾ على اسمها، ﴿لَفَرِيقًا﴾: اللام لام الابتداء ﴿فَرِيقًا﴾ اسم ﴿إنَّ﴾ مؤخر ﴿يَلْوُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿أَلْسِنَتَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿بِالْكِتَابِ﴾: متعلق بمحذوف حال من الألسنة تقديره: ملتبسة بالكتاب، أو ناطقة بالكتاب، وجملة ﴿يَلْوُونَ﴾: في محل النصب صفة ﴿لَفَرِيقًا﴾ وجمع الضمير نظرًا إلى المعنى؛ لأنَّه اسم جمع كالرهط والقوم، وجملة ﴿إنّ﴾: من اسمها وخبرها مستأنفة ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾: اللام حرف جر وتعليل، (تحسبوا): فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة جوازًا بعد لام كي، والواو فاعل، والهاء مفعول أول ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: متعلق بـ (تحسبوه) وهو في موضع المفعول الثاني، والجملة الفعلية صلة أنْ المضمرة، أنْ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لحسبانهم إياه ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَلْوُونَ﴾ ﴿وَمَا هُوَ﴾: الواو حالية ﴿ما﴾ نافية هُوَ: مبتدأ ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: خبره، والجملة في محل النصب حال من الهاء في ﴿تحسبوه﴾.
﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ الواو عاطفة ﴿يقولون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿يَلْوُونَ﴾ ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول ﴿وَمَا هُوَ﴾: الواو حالية، ﴿ما﴾: نافية ﴿هُوَ﴾: مبتدأ، ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من الضمير المستكن في الخبر، أعني قوله: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾. ﴿وَيَقُولُونَ﴾: الواو عاطفة ﴿يقولون﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَلْوُونَ﴾ أيضًا ﴿عَلَى اَللهَ﴾: جار ومجرور حال من ﴿الْكَذِبَ﴾ أو متعلق بـ ﴿يقولون﴾؛ لأنَّه بمعنى يفترون، ﴿الْكَذِبَ﴾: مفعول لـ (يقولون) ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل (يقولون) كما مر نظيره.
﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ الواو عاطفة ﴿يقولون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿يَلْوُونَ﴾ ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول ﴿وَمَا هُوَ﴾: الواو حالية، ﴿ما﴾: نافية ﴿هُوَ﴾: مبتدأ، ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من الضمير المستكن في الخبر، أعني قوله: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾. ﴿وَيَقُولُونَ﴾: الواو عاطفة ﴿يقولون﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَلْوُونَ﴾ أيضًا ﴿عَلَى اَللهَ﴾: جار ومجرور حال من ﴿الْكَذِبَ﴾ أو متعلق بـ ﴿يقولون﴾؛ لأنَّه بمعنى يفترون، ﴿الْكَذِبَ﴾: مفعول لـ (يقولون) ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل (يقولون) كما مر نظيره.
394
﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾.
﴿مَا﴾: نافية ﴿كَانَ﴾: فعل ماضٍ ناقص ﴿لِبَشَرٍ﴾: جار ومجرور خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم على اسمها ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ﴾: حرف ناصب، وفعل ومفعول أول وفاعل ﴿الْكِتَابَ﴾ مفعول ثانٍ ﴿وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ معطوفان على ﴿الْكِتَابَ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية ﴿أَنْ﴾، مع صلتها في تاويل مصدر مرفوع على كونه اسمًا لكان تقديره: ما كان إيتاء الله بشرًا الكتاب والحكم والنبوة، ثم قوله للناس كونوا عبادًا لي لائقًا لبشر، وممكنًا منه. وجملة ﴿كَانَ﴾ مستأنفة.
﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿يَقُولَ﴾: معطوف على ﴿يؤتي﴾ منصوب بأنْ المصدرية، وفاعلة ضمير يعود على ﴿بشر﴾ ﴿لِلنَّاسِ﴾ جار ومجرور متعلقان لـ ﴿يقول﴾ ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ مقول محكي وإنْ شئت قلت: ﴿كُونُوا﴾ فعل أمر ناقص واسمه ﴿عِبَادًا﴾: خبره ﴿لِي﴾: صفة لـ ﴿عِبَادًا﴾ وجملة ﴿كوُنُوا﴾: في محل النصب مقول ليقول ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضماف إليه متعلق (١) بمحذوف حال من الواو في ﴿كوُنُوا﴾ تقديره: كونوا عبادًا لي حال كونكم متجاوزين الله، إشراكًا أو إفرادًا.
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾.
﴿وَلَكِنْ﴾ الواو اعتراضية ﴿لكن﴾: حرف استدراك ﴿كوُنُوا﴾: فعل ناقص واسمه ﴿رَبَّانِيِّينَ﴾: خبر ﴿كُونُوا﴾ وجملة ﴿كُونُوا﴾: في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: ولكن يقول كونوا ربانيين، والجملة جملة استدراكية معترضة لا محل لها من الإعراب، لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾: الباء حرف جر (ما) مصدرية، ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعول ثانٍ، والأول محذوف تقديره: غيركم، وجملة ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ خبر (كان)، وجملة (كان) صلة (ما) المصدرية (ما): مع صلتها في تأويل مصدر
﴿مَا﴾: نافية ﴿كَانَ﴾: فعل ماضٍ ناقص ﴿لِبَشَرٍ﴾: جار ومجرور خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم على اسمها ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ﴾: حرف ناصب، وفعل ومفعول أول وفاعل ﴿الْكِتَابَ﴾ مفعول ثانٍ ﴿وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ معطوفان على ﴿الْكِتَابَ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية ﴿أَنْ﴾، مع صلتها في تاويل مصدر مرفوع على كونه اسمًا لكان تقديره: ما كان إيتاء الله بشرًا الكتاب والحكم والنبوة، ثم قوله للناس كونوا عبادًا لي لائقًا لبشر، وممكنًا منه. وجملة ﴿كَانَ﴾ مستأنفة.
﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿يَقُولَ﴾: معطوف على ﴿يؤتي﴾ منصوب بأنْ المصدرية، وفاعلة ضمير يعود على ﴿بشر﴾ ﴿لِلنَّاسِ﴾ جار ومجرور متعلقان لـ ﴿يقول﴾ ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ مقول محكي وإنْ شئت قلت: ﴿كُونُوا﴾ فعل أمر ناقص واسمه ﴿عِبَادًا﴾: خبره ﴿لِي﴾: صفة لـ ﴿عِبَادًا﴾ وجملة ﴿كوُنُوا﴾: في محل النصب مقول ليقول ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضماف إليه متعلق (١) بمحذوف حال من الواو في ﴿كوُنُوا﴾ تقديره: كونوا عبادًا لي حال كونكم متجاوزين الله، إشراكًا أو إفرادًا.
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾.
﴿وَلَكِنْ﴾ الواو اعتراضية ﴿لكن﴾: حرف استدراك ﴿كوُنُوا﴾: فعل ناقص واسمه ﴿رَبَّانِيِّينَ﴾: خبر ﴿كُونُوا﴾ وجملة ﴿كُونُوا﴾: في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: ولكن يقول كونوا ربانيين، والجملة جملة استدراكية معترضة لا محل لها من الإعراب، لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾: الباء حرف جر (ما) مصدرية، ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعول ثانٍ، والأول محذوف تقديره: غيركم، وجملة ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ خبر (كان)، وجملة (كان) صلة (ما) المصدرية (ما): مع صلتها في تأويل مصدر
(١) الصاوي.
395
مجرور بالياء تقديره: بسبب كونكم معلمين غيركم الكتاب، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿كُونُوا﴾ أو بـ ﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ ﴿وَبِمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿الباء﴾ حرف جر، ﴿ما﴾ مصدرية، ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه ﴿تَدْرُسُونَ﴾: فعل وفاعل، ومفعوله محذوف تقديره: الكتاب، وجملة ﴿تَدْرُسُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾ وجملة ﴿كان﴾: صلة ﴿ما﴾ المصدرية ﴿ما﴾: مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: وبسبب كونكم دارسين الكتاب، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبه.
﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)﴾.
﴿وَلَا﴾ الواو عاطفة ﴿لا﴾: زائدة زيدت لتأكيد معنى النفي في قوله: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ ﴿يَأْمُرَكُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَقُولَ﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿بشر﴾ ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول منصوب بأنْ ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾: معطوف على ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ ﴿أَرْبَابًا﴾: مفعول ثانٍ لـ ﴿تَتَّخِذُوا﴾، وجملة ﴿تَتَّخِذُوا﴾: صلة أنْ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿يأمركم﴾ تقديره: ولا يأمركم اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا، وجملة ﴿يأمركم﴾: في تأويل مصدر معطوف على مصدر ﴿يَقُولَ﴾ والتقدير؛ ما كان إيتاء الله البشر الكتاب والحكم والنبوة، ثم قوله للناس: كونوا عبادًا لي من دون الله، وأمره الناس باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا لائقًا به ﴿أَيَأْمُرُكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري ﴿يأمركم﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿البشر﴾، أو على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿بِالْكُفْرِ﴾: متعلق به، والجملة مستأنفة، أي: لا يأمركم بالكفر ﴿بَعْدَ﴾ منصوب على الظرفية، متعلق بـ ﴿يَأْمُرَكُمْ﴾ أو ﴿باَلْكُفْرِ﴾ ﴿بَعْدَ﴾: مضاف، ﴿إذْ﴾ مضاف إليه، ولا يضاف ﴿إذْ﴾ إلا إلى ظرف زمان، و ﴿إذْ﴾: مضاف وجملة ﴿أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ مضاف إليه؛ أي: لا يأمركم بالكفر بعد إسلامكم، ولا قبله، سواء كان الآمر الله، أم الذي استنبأه الله والله أعلم.
﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)﴾.
﴿وَلَا﴾ الواو عاطفة ﴿لا﴾: زائدة زيدت لتأكيد معنى النفي في قوله: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ ﴿يَأْمُرَكُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَقُولَ﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿بشر﴾ ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول منصوب بأنْ ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾: معطوف على ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ ﴿أَرْبَابًا﴾: مفعول ثانٍ لـ ﴿تَتَّخِذُوا﴾، وجملة ﴿تَتَّخِذُوا﴾: صلة أنْ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿يأمركم﴾ تقديره: ولا يأمركم اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا، وجملة ﴿يأمركم﴾: في تأويل مصدر معطوف على مصدر ﴿يَقُولَ﴾ والتقدير؛ ما كان إيتاء الله البشر الكتاب والحكم والنبوة، ثم قوله للناس: كونوا عبادًا لي من دون الله، وأمره الناس باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا لائقًا به ﴿أَيَأْمُرُكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري ﴿يأمركم﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿البشر﴾، أو على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿بِالْكُفْرِ﴾: متعلق به، والجملة مستأنفة، أي: لا يأمركم بالكفر ﴿بَعْدَ﴾ منصوب على الظرفية، متعلق بـ ﴿يَأْمُرَكُمْ﴾ أو ﴿باَلْكُفْرِ﴾ ﴿بَعْدَ﴾: مضاف، ﴿إذْ﴾ مضاف إليه، ولا يضاف ﴿إذْ﴾ إلا إلى ظرف زمان، و ﴿إذْ﴾: مضاف وجملة ﴿أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ مضاف إليه؛ أي: لا يأمركم بالكفر بعد إسلامكم، ولا قبله، سواء كان الآمر الله، أم الذي استنبأه الله والله أعلم.
396
التصريف ومفردات اللغة
﴿بِدِينَارٍ﴾ والدينار أصله دننار بنونين، فاستثقل توالى مثلين، فأبدلوا أولهما حرف علة تخفيفًا لكثرة دورانه على ألسنتهم، ويدل على ذلك رده إلى النونين تكسيرًا وتصغيرًا في قولهم؛ دنانير ودنينير، ومثله قيراط، أصله قراط، بدليل قولهم: قراريط وقريريط، والدينار معرب، قالوا: ولم يختلف وزنه أصلًا وهو أربعة وعشرون قيراطًا، كل قيراط، ثلاث شعيرات معتدلة، فالمجموع اثنتان وسبعون شعيرة.
﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ ﴿دُمْتَ﴾ بضم الدال، من دام يدوم، من باب قال يقول، قال الفراء: هذه لغة الحجاز وتميم، تقول: دمت بكسر الدال، قال: ويجتمعون في المضارع يقولون: يدوم، وأصل هذه المادة الدلالة على الثبوت والسكون، يقال: دام الماء إذا سكن وفي الحديث "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم"؛ أي: الذي لا يجري ﴿قَائِمًا﴾ والمراد بالقيام هنا الملازمة؛ لأنَّ الأغلب أنَّ المطالب يقوم على رأس المطالب، ثمَّ جعل عبارة عن الملازمة، وإنْ لم يكن ثَمَّ قيام.
﴿فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ جمع أمي، وأصل الأمي: الذي لا يقرأ ولا يكتب، والمراد بهم العرب؛ لأنَّهم كانوا كذلك ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ﴾ يقال: لوى الحبل والتوى إذا فتله، ثم استعمل في الإزاغة في الحجج والخصومات، ومنه ليان الغريم، وهو دفعه ومطله، ومنه خصم ألوى؛ أي: شديد الخصومة، شبهت المعاني بالأجرام، والمراد أنَّهم يفتلون ألسنتهم ليميلوها عن الآيات المنزلة إلى العبارات المحرفة.
﴿أَلْسِنَتَهُمْ﴾ جمع لسان، واللسان الجارحة المعروفة، قال أبو عمرو: اللسان يذكَّر ويؤنث، فمن ذكَّر جمعه على ألسنة، ومن أنَّث جمعه على ألسن، كذراع وأذرع، وكراع وأكرع وقال الفراء: اللسان بعينه لم نسمعه من العرب إلا مذكرًا. انتهى. ويعبر باللسان عن الكلام، وهو أيضًا يذكر ويؤنث إذا أريد به ذلك.
﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ جمع رباني، والرباني إما منسوب إلى الرب، والألف والنون فيه
﴿بِدِينَارٍ﴾ والدينار أصله دننار بنونين، فاستثقل توالى مثلين، فأبدلوا أولهما حرف علة تخفيفًا لكثرة دورانه على ألسنتهم، ويدل على ذلك رده إلى النونين تكسيرًا وتصغيرًا في قولهم؛ دنانير ودنينير، ومثله قيراط، أصله قراط، بدليل قولهم: قراريط وقريريط، والدينار معرب، قالوا: ولم يختلف وزنه أصلًا وهو أربعة وعشرون قيراطًا، كل قيراط، ثلاث شعيرات معتدلة، فالمجموع اثنتان وسبعون شعيرة.
﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ ﴿دُمْتَ﴾ بضم الدال، من دام يدوم، من باب قال يقول، قال الفراء: هذه لغة الحجاز وتميم، تقول: دمت بكسر الدال، قال: ويجتمعون في المضارع يقولون: يدوم، وأصل هذه المادة الدلالة على الثبوت والسكون، يقال: دام الماء إذا سكن وفي الحديث "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم"؛ أي: الذي لا يجري ﴿قَائِمًا﴾ والمراد بالقيام هنا الملازمة؛ لأنَّ الأغلب أنَّ المطالب يقوم على رأس المطالب، ثمَّ جعل عبارة عن الملازمة، وإنْ لم يكن ثَمَّ قيام.
﴿فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ جمع أمي، وأصل الأمي: الذي لا يقرأ ولا يكتب، والمراد بهم العرب؛ لأنَّهم كانوا كذلك ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ﴾ يقال: لوى الحبل والتوى إذا فتله، ثم استعمل في الإزاغة في الحجج والخصومات، ومنه ليان الغريم، وهو دفعه ومطله، ومنه خصم ألوى؛ أي: شديد الخصومة، شبهت المعاني بالأجرام، والمراد أنَّهم يفتلون ألسنتهم ليميلوها عن الآيات المنزلة إلى العبارات المحرفة.
﴿أَلْسِنَتَهُمْ﴾ جمع لسان، واللسان الجارحة المعروفة، قال أبو عمرو: اللسان يذكَّر ويؤنث، فمن ذكَّر جمعه على ألسنة، ومن أنَّث جمعه على ألسن، كذراع وأذرع، وكراع وأكرع وقال الفراء: اللسان بعينه لم نسمعه من العرب إلا مذكرًا. انتهى. ويعبر باللسان عن الكلام، وهو أيضًا يذكر ويؤنث إذا أريد به ذلك.
﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ جمع رباني، والرباني إما منسوب إلى الرب، والألف والنون فيه
397
زائدتان في النسب دلالة على المبالغة، كما قالوا: رقباني وشعراني ولحياني، للغليظ الرقبة، والكثير الشعر، والطويل اللحية، ولا تفرد هذه الزيادة عن النسب، أمَّا إذا نسبوا إلى الرقبة والشعر واللحية من غير مبالغة قالوا: رقبي وشعري ولحوي، هذا معنى كلام سيبويه، وإمَّا منسوب إلى الربان، والربان هو المعلم للخير، ومن يسوس الناس ويعرفهم أمر دينهم، فالألف والنون دالان على زيادة الوصف، كهي في عطشان وريان وجوعان، وتكون النسبة على هذا للمبالغة في الوصف كما قالوا: أحمري، في أحمر، وكلا القولين شاذ لا يقاس عليه.
واختلف في معناه فقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلوم وكبارها، وقيل: هو العالم الذي يعمل بعلمه، وقيل هو العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، وقيل: هو الذي جمع بين علم البصيرة، والعلم بسياسة الناس.
ولما مات ابن عباس رضي الله عنهما قال محمَّد ابن الحنفية: اليوم مات رباني هذه الأمة، وقيل: الربانيون هم ولاة الأمر والعلماء، وهما الفريقان اللذان يطاعان، ومعنى الآية على هذا التأويل: لا أدعوكم إلى أنْ تكونوا عبادًا لي، ولكن أدعوكم إلى أنْ تكونوا ملوكًا، وعلماء، ومعلمين الناس الخير، ومواظبين على طاعة الله وعبادته، وقال أبو عبيدة: أحسب أن هذه الكلمة ليست عربية، وإنَّما هي عبرانية أو سريانية، وسواء كانت عربية أو عبرانية، فهي تدل على الذي علم وعمل بما علم، وعلَّم الناس طريق الخير ﴿تَدْرُسُونَ﴾ يقال: درس الكتاب يدرسه أدمن قراءته وكرره، ودرس المنزل، إذا عفا، وطلل دارس عاف.
البلاغة
وذكروا في هذه الآيات أنواعًا من البلاغة (١):
منها: الطباق في قوله: ﴿بِقِنْطَارٍ﴾ و ﴿بِدِينَارٍ﴾: إذا أريد بهما معنى القليل والكثير وفي قوله: ﴿يُؤَدِّهِ﴾ و ﴿لَا يُؤَدِّهِ﴾؛ لأن الأداء معناه الدفع وعدمه معناه المنع، وهما ضدان، وفي قوله: ﴿بِالْكُفْرِ﴾ و ﴿مُسْلِمُونَ﴾.
واختلف في معناه فقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلوم وكبارها، وقيل: هو العالم الذي يعمل بعلمه، وقيل هو العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، وقيل: هو الذي جمع بين علم البصيرة، والعلم بسياسة الناس.
ولما مات ابن عباس رضي الله عنهما قال محمَّد ابن الحنفية: اليوم مات رباني هذه الأمة، وقيل: الربانيون هم ولاة الأمر والعلماء، وهما الفريقان اللذان يطاعان، ومعنى الآية على هذا التأويل: لا أدعوكم إلى أنْ تكونوا عبادًا لي، ولكن أدعوكم إلى أنْ تكونوا ملوكًا، وعلماء، ومعلمين الناس الخير، ومواظبين على طاعة الله وعبادته، وقال أبو عبيدة: أحسب أن هذه الكلمة ليست عربية، وإنَّما هي عبرانية أو سريانية، وسواء كانت عربية أو عبرانية، فهي تدل على الذي علم وعمل بما علم، وعلَّم الناس طريق الخير ﴿تَدْرُسُونَ﴾ يقال: درس الكتاب يدرسه أدمن قراءته وكرره، ودرس المنزل، إذا عفا، وطلل دارس عاف.
البلاغة
وذكروا في هذه الآيات أنواعًا من البلاغة (١):
منها: الطباق في قوله: ﴿بِقِنْطَارٍ﴾ و ﴿بِدِينَارٍ﴾: إذا أريد بهما معنى القليل والكثير وفي قوله: ﴿يُؤَدِّهِ﴾ و ﴿لَا يُؤَدِّهِ﴾؛ لأن الأداء معناه الدفع وعدمه معناه المنع، وهما ضدان، وفي قوله: ﴿بِالْكُفْرِ﴾ و ﴿مُسْلِمُونَ﴾.
(١) البحر المحيط.
398
ومنها: الإشارة بالبعيد في قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾، وفي قوله: ﴿أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ﴾ إيذانًا بكمال غلوهم في الشر والفساد.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾؛ أي: ليس علينا في أكل أموال الأميين سبيل.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾؛ فقد استعار لفظ الشراء للاستبدال.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: ﴿اتقى﴾ و ﴿الْمُتَّقِينَ﴾.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾؛ لأنَّ الأصل: فإنَّ الله يحبهم اعتناء بشأن المتقين، وإشارة إلى عمومه لكل تَقي.
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ و ﴿أَيَأْمُرُكُمْ﴾.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، وفي قوله: ﴿يَوْمَ اَلقِيامَةِ﴾ اختصه بالذكر لأنَّه اليوم الذي تظهر فيه مجازاة الأعمال.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿يُؤَدَهِ﴾ و ﴿لا يؤده﴾ وفي اسم: ﴿اللَّهِ﴾ في مواضع، وفي: ﴿الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿بِقِنْطَارٍ﴾ وقوله: ﴿بِدِينَارٍ﴾؛ لأنَّ القنطار كناية عن المال الكثير، والدينار كناية عن المال القليل كما مر.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا﴾ أكدت الجملة بإنَّ، واللام إشارة إلى أنَّ ذلك محقق منهم.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾؛ لأنَّه مجاز عن شدة غضبه وسخطه تعالى عليهم، وكذلك في الآتي بعدها: ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ قال الزمخشري: مجاز عن الاستهانة بهم، والسخط عليهم؛ لأنَّ من اعتد بإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾؛ أي: ليس علينا في أكل أموال الأميين سبيل.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾؛ فقد استعار لفظ الشراء للاستبدال.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: ﴿اتقى﴾ و ﴿الْمُتَّقِينَ﴾.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾؛ لأنَّ الأصل: فإنَّ الله يحبهم اعتناء بشأن المتقين، وإشارة إلى عمومه لكل تَقي.
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ و ﴿أَيَأْمُرُكُمْ﴾.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، وفي قوله: ﴿يَوْمَ اَلقِيامَةِ﴾ اختصه بالذكر لأنَّه اليوم الذي تظهر فيه مجازاة الأعمال.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿يُؤَدَهِ﴾ و ﴿لا يؤده﴾ وفي اسم: ﴿اللَّهِ﴾ في مواضع، وفي: ﴿الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿بِقِنْطَارٍ﴾ وقوله: ﴿بِدِينَارٍ﴾؛ لأنَّ القنطار كناية عن المال الكثير، والدينار كناية عن المال القليل كما مر.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا﴾ أكدت الجملة بإنَّ، واللام إشارة إلى أنَّ ذلك محقق منهم.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾؛ لأنَّه مجاز عن شدة غضبه وسخطه تعالى عليهم، وكذلك في الآتي بعدها: ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ قال الزمخشري: مجاز عن الاستهانة بهم، والسخط عليهم؛ لأنَّ من اعتد بإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
399
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٩١)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنَّه تعالى لما حكى عن أهل الكتاب قبائح أقوالهم وأفعالم، وكان مما ذكر أخيرًا اشتراءهم بآيات الله ثمنًا قليلًا، وما يؤول أمرهم إليه في الآخرة، وإنَّ منهم مَنْ بَدل في كتابه، وغير وصف رسول الله - ﷺ - المذكور في كتبهم حتى لا يؤمنوا به، ونزه رسوله عن الأمر بأن يعبد هو أو غيره، بل تفرد تعالى بالعبادة.. أخذ تعالى يقيم الحجة على أهل الكتاب وغيرهم ممن أنكر نبوته ودينه، فذكر أخذ الميثاق على أنبيائهم، بالإيمان برسول الله - ﷺ -، والتصديق له، وبأن يكونوا من أتباعه
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٩١)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنَّه تعالى لما حكى عن أهل الكتاب قبائح أقوالهم وأفعالم، وكان مما ذكر أخيرًا اشتراءهم بآيات الله ثمنًا قليلًا، وما يؤول أمرهم إليه في الآخرة، وإنَّ منهم مَنْ بَدل في كتابه، وغير وصف رسول الله - ﷺ - المذكور في كتبهم حتى لا يؤمنوا به، ونزه رسوله عن الأمر بأن يعبد هو أو غيره، بل تفرد تعالى بالعبادة.. أخذ تعالى يقيم الحجة على أهل الكتاب وغيرهم ممن أنكر نبوته ودينه، فذكر أخذ الميثاق على أنبيائهم، بالإيمان برسول الله - ﷺ -، والتصديق له، وبأن يكونوا من أتباعه
(١) البحر المحيط.
400
وأنصاره إنْ أدركوا زمنه، وذكر إقرارهم بذلك، وشهادتهم على أنفسهم، وشهادته تعالى عليهم بذلك، وهذا العهد مذكور في كتبهم، وشاهد بذلك أنبياؤهم، فإذا كان الأنبياء قد أخذ عليهم العهد: أنْ يؤمنوا به ويبشروا بمبعثه.. فكيف يصح من أتباعهم التكذيب برسالته - ﷺ -، ثم ذكر تعالى أن الإيمان بجميع الرسل شرط لصحة الإيمان، وبيَّن أنَّ الإِسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله دينًا سواه، فالغرض من هذه الآيات: إثبات نبوة محمد - ﷺ -، بتعداد أشياء معروفة عند أهل الكتاب قطعًا لعذرهم، وإظهارًا لعنادهم، ودحضًا لمزاعمهم، وإزالةً لشبهات من أنكر منهم بعثة نبي من العرب.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ...﴾ قيل سبب نزولها: أنَّ (١) أهل الكتاب اختلفوا، فادعى كل فريق منهم أنَّه على دين إبراهيم عليه السلام، فاختصموا إلى النبي - ﷺ -، فقال لهم رسول الله - ﷺ -: "كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ﴾.
قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ سبب نزولها (٢): ما رواه النسائي وابن جرير وابن حبَّان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثم ارتدَّ ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله - ﷺ -: هل لي من توبة؟ قال: فنزلت ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الحديث رجاله رجال الصحيح.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)﴾ سبب نزولها (٣): ما رواه ابن كثير في تفسيره، عن
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ...﴾ قيل سبب نزولها: أنَّ (١) أهل الكتاب اختلفوا، فادعى كل فريق منهم أنَّه على دين إبراهيم عليه السلام، فاختصموا إلى النبي - ﷺ -، فقال لهم رسول الله - ﷺ -: "كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ﴾.
قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ سبب نزولها (٢): ما رواه النسائي وابن جرير وابن حبَّان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثم ارتدَّ ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله - ﷺ -: هل لي من توبة؟ قال: فنزلت ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الحديث رجاله رجال الصحيح.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)﴾ سبب نزولها (٣): ما رواه ابن كثير في تفسيره، عن
(١) الخازن.
(٢) لباب النقول.
(٣) المسند الصحيح.
(٢) لباب النقول.
(٣) المسند الصحيح.
401
عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ قومًا أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم؟ فذكروا ذلك لرسول الله - ﷺ -، فنزلت هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ هكذا رواه، وإسناده جيد.
التفسير وأوجه القراءة
٨١ - ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ قرأ جمهور السبعة: ﴿لَمَا﴾ بفتح اللام وتخفيف الميم، وعلى هذه القراءة يُقرأ: ﴿أتيناكم﴾ بنون العظمة، وهي قراءة نافع وجعفر، ويُقرأ ﴿أتيتكم﴾ بالإفراد، وهو الموافق لما قبله وما بعده؛ لأنَّه تقدم قبله ﴿إذ أخذ الله﴾ وجاء بعده: ﴿إصْرِي﴾؛ وهي قراءة الباقين من العشرة، وعلى هذه القراءة، أعني قراءة الجمهور بفتح اللام وتخفيف الميم، فاللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق، و ﴿ما﴾ شرطية منصوبة على المفعولية بالفعل المذكور بعدها، ﴿وأتيتكم﴾: فعل شرط لها، وقوله: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾ معطوف على فعل الشرط وقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾: جواب القسم ودال على جواب الشرط.
والمعنى على هذه القراءة: واذكر يا محمَّد لأهل الكتاب قصة إذ جعل الله سبحانه وتعالى العهد المؤكد باليمين على جميع النبيين المرسلين في عالم الذرة، أوفى كتبهم بقوله لمهما أعطيتكم به من كتاب منزل، أو حكمة وعلم نافع ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾ من عندي، وهو محمَّد - ﷺ - ﴿مُصَدِّقٌ﴾؛ أي: موافق وصفه ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾؛ أي: لوصفه المذكور في الكتاب الذي معكم من التوراة والإنجيل ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾؛ أي: لتصدقن أنتم وأممكم برسالته ﴿وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ على أعدائه، قال ابن عباس: ما بعث الله نبيًّا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث الله محمدًا وهو حيٌّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته.
وقيل: إنَّ ﴿ما﴾ موصولة مبتدأ، وصلتها ﴿آتَيْتُكُمْ﴾، والعائد محذوف تقديره أتيتكموه، و ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾ معطوف على الصلة، فهو صلة العائد منه قيل: مقدر؛ أي: جاءكم به، وقيل: الربط حاصل بإعادة الموصول بمعناه في
التفسير وأوجه القراءة
٨١ - ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ قرأ جمهور السبعة: ﴿لَمَا﴾ بفتح اللام وتخفيف الميم، وعلى هذه القراءة يُقرأ: ﴿أتيناكم﴾ بنون العظمة، وهي قراءة نافع وجعفر، ويُقرأ ﴿أتيتكم﴾ بالإفراد، وهو الموافق لما قبله وما بعده؛ لأنَّه تقدم قبله ﴿إذ أخذ الله﴾ وجاء بعده: ﴿إصْرِي﴾؛ وهي قراءة الباقين من العشرة، وعلى هذه القراءة، أعني قراءة الجمهور بفتح اللام وتخفيف الميم، فاللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق، و ﴿ما﴾ شرطية منصوبة على المفعولية بالفعل المذكور بعدها، ﴿وأتيتكم﴾: فعل شرط لها، وقوله: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾ معطوف على فعل الشرط وقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾: جواب القسم ودال على جواب الشرط.
والمعنى على هذه القراءة: واذكر يا محمَّد لأهل الكتاب قصة إذ جعل الله سبحانه وتعالى العهد المؤكد باليمين على جميع النبيين المرسلين في عالم الذرة، أوفى كتبهم بقوله لمهما أعطيتكم به من كتاب منزل، أو حكمة وعلم نافع ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾ من عندي، وهو محمَّد - ﷺ - ﴿مُصَدِّقٌ﴾؛ أي: موافق وصفه ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾؛ أي: لوصفه المذكور في الكتاب الذي معكم من التوراة والإنجيل ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾؛ أي: لتصدقن أنتم وأممكم برسالته ﴿وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ على أعدائه، قال ابن عباس: ما بعث الله نبيًّا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث الله محمدًا وهو حيٌّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته.
وقيل: إنَّ ﴿ما﴾ موصولة مبتدأ، وصلتها ﴿آتَيْتُكُمْ﴾، والعائد محذوف تقديره أتيتكموه، و ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾ معطوف على الصلة، فهو صلة العائد منه قيل: مقدر؛ أي: جاءكم به، وقيل: الربط حاصل بإعادة الموصول بمعناه في
402
قول ما معكم.
وقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ جواب قسم مقدر، وهذا القسم المقدر وجوابه خبر المبتدأ الذي هو ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ والهاء في ﴿بِهِ﴾ تعود على المبتدأ، ولا تعود على ﴿رَسُولٌ﴾ لئلا يلزم خلو الجملة الواقعة خبرًا من رابط يربطها بالمبتدأ، وقيل: إنَّ ﴿لَمَا﴾ مخفف لما، والتقدير: حين آتيتكم، ويأتي توجيه قراءة التشديد.
وقرأ حمزة: بكسر اللام مع تخفيف الميم في ﴿لما﴾ وعلى هذه القراءة يقرأ ﴿آتيتكم﴾ بالتاء فقط، فاللام في هذه القراءة للتعليل، متعلقة بـ ﴿أَخَذَ﴾ و ﴿ما﴾ موصولة و ﴿آتَيْتُكُمْ﴾ صلته والعائد محذوف، و ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾ معطوف على الصلة، والرابط لها بالموصول إمَّا ضمير محذوف، وإمَّا هذا الظاهر الذي هو بمعنى الموصول، أعني قوله: ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾ كما مر آنفًا.
والمعنى على هذه القراءة: واذكر يا محمَّد لأهل الكتاب، قصة إذ أخذ الله ميثاق النبيين لرعاية الذي آتيتكم من الكتاب والحكمة. الخ، ففي هذه القراءة تقدير مضاف بعد لام التعليل.
وأجاز الزمخشري (١) في قراءة حمزة أنْ تكون (ما) مصدرية، وقال: معنى الكلام حينئذٍ لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لِمَا معكم لتؤمنن به، قالوا: فهو مخالف لظاهر الآية؛ لأنَّ ظاهر الآية يقتضى أنْ تكون تعليلًا لأخْذِ الميثاق، لا لمتعلقه، وهو الإيمان، فاللام متعلقة بـ ﴿أَخَذْ﴾، وعلى ظاهر تقدير الزمخشري تكون متعلق بقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ ويمتنع ذلك من حيث إن اللام المتلقى بها القسم، لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقال النسفي: والمعنى على كونها مصدريّة: أي أخذ الله ميثاقكم لتؤمنن بالرسول، ولتنصرنه، لأجل أنِّي آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي آمركم بالايمان به ونصرته، موافق لكم غير مخالف. انتهى.
وقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ جواب قسم مقدر، وهذا القسم المقدر وجوابه خبر المبتدأ الذي هو ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ والهاء في ﴿بِهِ﴾ تعود على المبتدأ، ولا تعود على ﴿رَسُولٌ﴾ لئلا يلزم خلو الجملة الواقعة خبرًا من رابط يربطها بالمبتدأ، وقيل: إنَّ ﴿لَمَا﴾ مخفف لما، والتقدير: حين آتيتكم، ويأتي توجيه قراءة التشديد.
وقرأ حمزة: بكسر اللام مع تخفيف الميم في ﴿لما﴾ وعلى هذه القراءة يقرأ ﴿آتيتكم﴾ بالتاء فقط، فاللام في هذه القراءة للتعليل، متعلقة بـ ﴿أَخَذَ﴾ و ﴿ما﴾ موصولة و ﴿آتَيْتُكُمْ﴾ صلته والعائد محذوف، و ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾ معطوف على الصلة، والرابط لها بالموصول إمَّا ضمير محذوف، وإمَّا هذا الظاهر الذي هو بمعنى الموصول، أعني قوله: ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾ كما مر آنفًا.
والمعنى على هذه القراءة: واذكر يا محمَّد لأهل الكتاب، قصة إذ أخذ الله ميثاق النبيين لرعاية الذي آتيتكم من الكتاب والحكمة. الخ، ففي هذه القراءة تقدير مضاف بعد لام التعليل.
وأجاز الزمخشري (١) في قراءة حمزة أنْ تكون (ما) مصدرية، وقال: معنى الكلام حينئذٍ لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لِمَا معكم لتؤمنن به، قالوا: فهو مخالف لظاهر الآية؛ لأنَّ ظاهر الآية يقتضى أنْ تكون تعليلًا لأخْذِ الميثاق، لا لمتعلقه، وهو الإيمان، فاللام متعلقة بـ ﴿أَخَذْ﴾، وعلى ظاهر تقدير الزمخشري تكون متعلق بقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ ويمتنع ذلك من حيث إن اللام المتلقى بها القسم، لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقال النسفي: والمعنى على كونها مصدريّة: أي أخذ الله ميثاقكم لتؤمنن بالرسول، ولتنصرنه، لأجل أنِّي آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي آمركم بالايمان به ونصرته، موافق لكم غير مخالف. انتهى.
(١) البحر المحيط.
403
وقرأ سعيد بن جبير والحسن شذوذًا: ﴿لمَّا﴾ بتشديد الميم، على أنَّها ظرف بمعنى حين، متعلق بـ ﴿تُؤْمِنُنَّ﴾، والمعنى: اذكر يا محمد لأهل الكتاب، قصة إذ جعل الله العهد المؤكد باليمين علي النبيين في عالم الأرواح بقوله: حين أعطيتكم الكتاب والحكمة في عالم الأشباح، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، لتؤمنن به ولتنصرنه.
وقرأ أبي وعبد الله شذوذًا: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب﴾ بدل النبيين، وكذا هو في مصحفيهما، وقرأ عبد الله شذوذًا: ﴿رسول مصدقًا﴾ بالنصب على الحال من النكرة المتقدمة، وهو جائز، وإن كان قليلًا، وقد ذكروا أن سيبويه قاسه، ويحسن هذه القراءة أنَّه نكرة في اللفظ معرفة من حيث المعنى؛ لأن المعني: به محمَّد - ﷺ - على قول الجمهور.
والمقصود من الآية (١): أنَّ الله تعالى، أخذ الميثاق من النبيين خاصة، قبل أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده: أنْ يصدق بعضهم بعضًا، وأخذ العهد على كل نبي: أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه، وإنْ لم يدركه: أن يأمر قومه بنصرته إنْ أدركوه، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد - ﷺ -، وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاووس.
وقيل: إنَّما أخذ الله الميثاق من النبيين في أمر محمَّد - ﷺ - بأن يبين بعضهم لبعض صفة محمَّد وفضله، وهو قول علي، وابن عباس، وقتادة، والسدي، وقال علي بن أبي طالب: ما بعث الله نبيًّا، آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد - ﷺ -، وأخذ هو العهد على قومه ليؤمنن به، ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه.
وقيل: إن المراد من الآية أنَّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يأخذون الميثاق على أممهم، بأنَّه إذا بعث محمد - ﷺ - يؤمنون به وينصرونه، وهذا قول كثير من المفسرين، والمراد من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ هو محمَّد - ﷺ -، والمراد بكونه مصدقًا لما معهم: أن صفاته ونعوته وأحواله مذكورة في
وقرأ أبي وعبد الله شذوذًا: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب﴾ بدل النبيين، وكذا هو في مصحفيهما، وقرأ عبد الله شذوذًا: ﴿رسول مصدقًا﴾ بالنصب على الحال من النكرة المتقدمة، وهو جائز، وإن كان قليلًا، وقد ذكروا أن سيبويه قاسه، ويحسن هذه القراءة أنَّه نكرة في اللفظ معرفة من حيث المعنى؛ لأن المعني: به محمَّد - ﷺ - على قول الجمهور.
والمقصود من الآية (١): أنَّ الله تعالى، أخذ الميثاق من النبيين خاصة، قبل أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده: أنْ يصدق بعضهم بعضًا، وأخذ العهد على كل نبي: أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه، وإنْ لم يدركه: أن يأمر قومه بنصرته إنْ أدركوه، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد - ﷺ -، وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاووس.
وقيل: إنَّما أخذ الله الميثاق من النبيين في أمر محمَّد - ﷺ - بأن يبين بعضهم لبعض صفة محمَّد وفضله، وهو قول علي، وابن عباس، وقتادة، والسدي، وقال علي بن أبي طالب: ما بعث الله نبيًّا، آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد - ﷺ -، وأخذ هو العهد على قومه ليؤمنن به، ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه.
وقيل: إن المراد من الآية أنَّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يأخذون الميثاق على أممهم، بأنَّه إذا بعث محمد - ﷺ - يؤمنون به وينصرونه، وهذا قول كثير من المفسرين، والمراد من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ هو محمَّد - ﷺ -، والمراد بكونه مصدقًا لما معهم: أن صفاته ونعوته وأحواله مذكورة في
(١) المراح.
404
التوراة والإنجيل، فلمَّا ظهر على نعوت وأحوال مطابقة لما كان مذكورًا في تلك الكتب.. كان نفس مجيئه تصديقًا لما كان معهم.
وصفوة القول: إنكم يا أهل الكتاب ملزمون باتباع محمَّد - ﷺ -، والتصديق بشريعته، بمقتضى الميثاق الذي أخذ على كل من موسى وعيسى عليه السلام، أنَّه إذا جاء نبي بعده، وصدق بما معه، يؤمن به، وينصره.
وإيمانكم بموسى أو عيسى عليه السلام يقتضي التصديق بكل ما يؤمن به كل منهما.
﴿قَالَ﴾ الله سبحانه وتعالى للنبيين ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ بتحقيق الهمزتين، مع إدخال ألف بينهما وتركه، وبتسهيل الثانية مع إدخال ألف بينهما، وبين الأولى المحققة وتركه، وبإبدال الثانية ألفًا ممدودة، فالقراءات خمسٌ كما في "الخطيب"؛ أي: هل اعترفتم بالإيمان به والنصرة له ﴿وَأَخَذْتُم﴾؛ أي: قبلتم ﴿عَلَى ذَلِكُمْ﴾ المذكور من الإيمان به والنصر له ﴿إِصْرِي﴾؛ أي: عهدي، وسمي العهد إصرًا؛ لأنَّه مما يؤصر؛ أي: يشد ويعقد والإصر في الأصل الحمل الثقيل، وقرىء شاذًا بضم الهمزة (أُصري) وهي مروية عن أبي بكر، عن عاصم شذوذًا، ويحتمل أن يكون لغة فيه، ويحتمل أن يكون جمعًا لأصار، كإزار وأزر ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال النبيون جوابًا للرب جل جلاله ﴿أَقْرَرْنَا﴾؛ أي: اعترفنا بذلك العهد وقبلناه، ﴿قَالَ﴾ الله تعالى للنبيين ﴿فَاشْهَدُوا﴾؛ أي: على أنفسكم وعلى أتباعكم؛ أي: فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار، وقبول العهد ﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾؛ أي: وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم بعضًا، من الشاهدين معكم، لا يعزب عن علمي شيء.
وهذا الحوار لتثبيت المعنى وتوكيده، على طريق التمثيل، وليست الآية نصًّا في أنَّ هذه المحاورة وقعت، وهذه الأقوال قيلت، وله نظائر كثيرة في الأساليب العربية.
٨٢ - ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أي: فمن أعرض عن الإيمان بهذا الرسول ونصرته
وصفوة القول: إنكم يا أهل الكتاب ملزمون باتباع محمَّد - ﷺ -، والتصديق بشريعته، بمقتضى الميثاق الذي أخذ على كل من موسى وعيسى عليه السلام، أنَّه إذا جاء نبي بعده، وصدق بما معه، يؤمن به، وينصره.
وإيمانكم بموسى أو عيسى عليه السلام يقتضي التصديق بكل ما يؤمن به كل منهما.
﴿قَالَ﴾ الله سبحانه وتعالى للنبيين ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ بتحقيق الهمزتين، مع إدخال ألف بينهما وتركه، وبتسهيل الثانية مع إدخال ألف بينهما، وبين الأولى المحققة وتركه، وبإبدال الثانية ألفًا ممدودة، فالقراءات خمسٌ كما في "الخطيب"؛ أي: هل اعترفتم بالإيمان به والنصرة له ﴿وَأَخَذْتُم﴾؛ أي: قبلتم ﴿عَلَى ذَلِكُمْ﴾ المذكور من الإيمان به والنصر له ﴿إِصْرِي﴾؛ أي: عهدي، وسمي العهد إصرًا؛ لأنَّه مما يؤصر؛ أي: يشد ويعقد والإصر في الأصل الحمل الثقيل، وقرىء شاذًا بضم الهمزة (أُصري) وهي مروية عن أبي بكر، عن عاصم شذوذًا، ويحتمل أن يكون لغة فيه، ويحتمل أن يكون جمعًا لأصار، كإزار وأزر ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال النبيون جوابًا للرب جل جلاله ﴿أَقْرَرْنَا﴾؛ أي: اعترفنا بذلك العهد وقبلناه، ﴿قَالَ﴾ الله تعالى للنبيين ﴿فَاشْهَدُوا﴾؛ أي: على أنفسكم وعلى أتباعكم؛ أي: فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار، وقبول العهد ﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾؛ أي: وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم بعضًا، من الشاهدين معكم، لا يعزب عن علمي شيء.
وهذا الحوار لتثبيت المعنى وتوكيده، على طريق التمثيل، وليست الآية نصًّا في أنَّ هذه المحاورة وقعت، وهذه الأقوال قيلت، وله نظائر كثيرة في الأساليب العربية.
٨٢ - ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أي: فمن أعرض عن الإيمان بهذا الرسول ونصرته
بعد قبول الميثاق والعهد ﴿فَأُولَئِكَ﴾ المعرضون ﴿هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾؛ أي: الخارجون عن طاعة الله وميثاقه.
وخلاصة المعنى: فمن أعرض بعد أخذ الميثاق على هذه الوحدة، واتخذ الدين آلة للتفريق والعدوان، ولم يؤمن بالنبي المتأخر المصدق لمن تقدمه، ولم ينصره.. فأولئك الجاحدون هم الفاسقون، فأهل الكتاب الذين جحدوا نبوة محمد - ﷺ - خارجون عن ميثاق الله، ناقضون لعهده، وليسوا من الدين الحق في شيء.
وبعد أنْ بين الله سبحانه وتعالى أنَّ دين الله واحد، وأنَّ رسله متفقون فيه، ذكر حال منكري نبوة محمد - ﷺ - فقال:
٨٣ - ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري، والتنبيه على الخطأ في التولي والإعراض، وهي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير: أيتولون ويعرضون عن الحق بعد ما تبين لهم، ويطلبون غير دين الله وهو، الإِسلام، والإخلاص له في العبادة في السر والعلن ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: والحال أنَّه قد خضع له تعالى، وإنقاذ لحكمه أهل السموات والأرض حالة كونهم ﴿طَوْعًا﴾؛ أي؛ طائعين راضين، يعني: الملائكة والمسلمين ﴿و﴾ حالة كونهم ﴿كرهًا﴾؛ أي: كارهين، يعني الكفار في حالة البأس، ورؤية العذاب.
فالطَّوْع (١): الانقياد والاتباع بسهولة، والكره: ما كان من ذلك بمشقة وإباء من النفس، واختلفوا في معنى قوله: ﴿طوعًا أو كرهًا﴾، فقيل: أسلم أهل السموات طوعًا، وأسلم بعض أهل الأرض طوعًا، وبعضهم كرهًا من خوف القتل والنبي، وقيل: أسلم المؤمن طوعًا، وانقاد الكفار كرهًا، وقيل: هذا في يوم أخذ الميثاق حين قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالوا بلى﴾ فمن سبقت له السعادة.. قال ذلك طوعًا، ومن سبقت له الشقاوة. قال ذلك كرهًا، وقيل: أسلم المؤمن
وخلاصة المعنى: فمن أعرض بعد أخذ الميثاق على هذه الوحدة، واتخذ الدين آلة للتفريق والعدوان، ولم يؤمن بالنبي المتأخر المصدق لمن تقدمه، ولم ينصره.. فأولئك الجاحدون هم الفاسقون، فأهل الكتاب الذين جحدوا نبوة محمد - ﷺ - خارجون عن ميثاق الله، ناقضون لعهده، وليسوا من الدين الحق في شيء.
وبعد أنْ بين الله سبحانه وتعالى أنَّ دين الله واحد، وأنَّ رسله متفقون فيه، ذكر حال منكري نبوة محمد - ﷺ - فقال:
٨٣ - ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري، والتنبيه على الخطأ في التولي والإعراض، وهي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير: أيتولون ويعرضون عن الحق بعد ما تبين لهم، ويطلبون غير دين الله وهو، الإِسلام، والإخلاص له في العبادة في السر والعلن ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: والحال أنَّه قد خضع له تعالى، وإنقاذ لحكمه أهل السموات والأرض حالة كونهم ﴿طَوْعًا﴾؛ أي؛ طائعين راضين، يعني: الملائكة والمسلمين ﴿و﴾ حالة كونهم ﴿كرهًا﴾؛ أي: كارهين، يعني الكفار في حالة البأس، ورؤية العذاب.
فالطَّوْع (١): الانقياد والاتباع بسهولة، والكره: ما كان من ذلك بمشقة وإباء من النفس، واختلفوا في معنى قوله: ﴿طوعًا أو كرهًا﴾، فقيل: أسلم أهل السموات طوعًا، وأسلم بعض أهل الأرض طوعًا، وبعضهم كرهًا من خوف القتل والنبي، وقيل: أسلم المؤمن طوعًا، وانقاد الكفار كرهًا، وقيل: هذا في يوم أخذ الميثاق حين قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالوا بلى﴾ فمن سبقت له السعادة.. قال ذلك طوعًا، ومن سبقت له الشقاوة. قال ذلك كرهًا، وقيل: أسلم المؤمن
(١) الخازن.
406
طوعًا، فنفعه إسلامه يوم القيامة، والكافر يسلم كرهًا عند الموت في وقت اليأس، فلم ينفعه ذلك في القيامة، وقيل: أنَّه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع على الله في مراده، فأمَّا المسلم فينقاد لله، فينفذ أمره أو نهاه طوعًا، وأمَّا الكافر فينقاد لله كرهًا في جميع ما يقضى عليه، ولا يمكنه دفع قضائه وقدره عنه.
وحاصل معنى الآية (١): أنَّ هذا الميثاق لمَّا كان مذكورًا في كتبهم، وهم كانوا عارفين بذلك، فقد كانوا عالمين بذكر محمد - ﷺ - في النبوة، فلم يبق لكفرهم سبب إلا مجرد العداوة والحسد، فصاروا كإبليس الذي دعاه الحسد إلى الكفر، فأعلمهم الله أنَّهم متى كانوا كذلك.. كانوا طالبين دينًا غير دين الله، ومعبودًا سوى الله تعالى، ثمَّ بين أنَّ الإعراض عن حكم الله تعالى مما لا يليق بالعقلاء، فقال: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: لجلال الله تعالى لا لغيره انقاد في طرفي وجوده وعدمه؛ لأنَّ كل ما سوى الله تعالى ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاده، ولا يعدم إلا بإعدامه، سواء كان عقلًا، أو نفسًا، أو روحًا، أو جسمًا، أو جوهرًا، أو عرضًا، ونظير هذه الآية في الدلالة على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فالمسلمون الصالحون ينقادون لله طوعًا فيما يتعلق بالدين، وينقادون له كرهًا فيما يخالف طباعهم، من الفقر، والمرض، والموت، وما أشبه ذلك، أمَّا الكافرون.. فهم مناقدون لله تعالى كرهًا على كل حال؛ لأنَّهم لا ينقادون فيما يتعلق بالدين، ويخضعون له تعالى في غير ذلك كرهًا؛ لأنَّه لا يمكنهم دفع قضائه تعالى، وقدره أيضًا، كل الخلق منقادون لإلهيته تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ومنقادون لتكاليفه، وإيجاده للآلام كرهًا.
﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره ﴿يُرْجَعُونَ﴾؛ أي: يرجع الخلائق كلهم للمجازاة يوم القيامة، ففيه وعيد شديد لمن خالفه في الدنيا؛ أي: أيبتغون غير
وحاصل معنى الآية (١): أنَّ هذا الميثاق لمَّا كان مذكورًا في كتبهم، وهم كانوا عارفين بذلك، فقد كانوا عالمين بذكر محمد - ﷺ - في النبوة، فلم يبق لكفرهم سبب إلا مجرد العداوة والحسد، فصاروا كإبليس الذي دعاه الحسد إلى الكفر، فأعلمهم الله أنَّهم متى كانوا كذلك.. كانوا طالبين دينًا غير دين الله، ومعبودًا سوى الله تعالى، ثمَّ بين أنَّ الإعراض عن حكم الله تعالى مما لا يليق بالعقلاء، فقال: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: لجلال الله تعالى لا لغيره انقاد في طرفي وجوده وعدمه؛ لأنَّ كل ما سوى الله تعالى ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاده، ولا يعدم إلا بإعدامه، سواء كان عقلًا، أو نفسًا، أو روحًا، أو جسمًا، أو جوهرًا، أو عرضًا، ونظير هذه الآية في الدلالة على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فالمسلمون الصالحون ينقادون لله طوعًا فيما يتعلق بالدين، وينقادون له كرهًا فيما يخالف طباعهم، من الفقر، والمرض، والموت، وما أشبه ذلك، أمَّا الكافرون.. فهم مناقدون لله تعالى كرهًا على كل حال؛ لأنَّهم لا ينقادون فيما يتعلق بالدين، ويخضعون له تعالى في غير ذلك كرهًا؛ لأنَّه لا يمكنهم دفع قضائه تعالى، وقدره أيضًا، كل الخلق منقادون لإلهيته تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ومنقادون لتكاليفه، وإيجاده للآلام كرهًا.
﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره ﴿يُرْجَعُونَ﴾؛ أي: يرجع الخلائق كلهم للمجازاة يوم القيامة، ففيه وعيد شديد لمن خالفه في الدنيا؛ أي: أيبتغون غير
(١) المراح.
407
دين الله، مع أن مرجعهم إليه تعالى.
وقرأ أبو عمرو وحفص وعياش ويعقوب وسهل (١): ﴿يبغون﴾ بالياء على الغيبة، وقرأ الباقون ﴿تبغون﴾ بالتاء على الخطاب، فالياء على نسق ﴿هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، والتاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، وقرأ الأعمش شاذًا: (كُرهًا): بضم الكاف والجمهور بفتحها.
وقرأ حفص وعياش ويعقوب وسهل ﴿يرجعون﴾ بالياء على الغيبة، فيحتمل أن يكون عائدًا على ﴿من أسلم﴾، ويحتمل أن يكون عائدًا على ضمير ﴿يَبْغُونَ﴾، فيكون على سبيل الالتفات على قراءة من قرأ: ﴿تبغون﴾ بالتاء، إذ يكون قد انتقل من خطاب إلى غيبة، وقرأ الباقون بالتاء، فإن كان الضمير عائدًا على ﴿من أسلم﴾.. كان التفاتًا، أو على ضمير ﴿تبغون﴾ كان التفاتًا على قراءة من قرأ: ﴿يَبْغُونَ﴾ بالياء، إذ يكون قد انتقل من غيبة إلى خطاب.
ولمَّا ذكر الله تعالى في الآية المتقدمة، أنَّه إنَّما أخذ الميثاق على الأنبياء في تصديق الرسول الذي يأتي مصدقًا لما معهم.. بين الله تعالى من صفة محمد - ﷺ -، كونه مصدقًا لما معهم فقال تعالى:
٨٤ - ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ وإنَّما وحد الضمير في قوله: ﴿قُلْ﴾ وجمع في قوله: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ إشعارًا بأنَّه لا يبلغ هذا التكليف من الله تعالى إلى الخلق إلا هو، فلذلك وحد الفعل في قوله: ﴿قُلْ﴾ وتنبيهًا على أنه وافقه حين قال هذا القول أصحابه فلذا حسنًا الجمع في قوله: ﴿آمَنَّا﴾.
ومعنى الآية: قل يا محمد ﴿ءَآمَنَّا﴾؛ أي: صدقت أنا ومن معي ﴿بِاللَّهِ﴾؛ أي: بوجود الله ووحدانيته، وتصرفه في الأكوان كلها، وأنَّه ربنا وإلهنا، لا إله لنا غيره، ولا رب سواه، والمراد؛ آمنا بالله وحده، لا كما آمن أهل الكتاب به على وجه التثليث؛ وإنَّما قدم الإيمان بالله على غيره لأنَّه الأصل ﴿و﴾ قل يا محمد
وقرأ أبو عمرو وحفص وعياش ويعقوب وسهل (١): ﴿يبغون﴾ بالياء على الغيبة، وقرأ الباقون ﴿تبغون﴾ بالتاء على الخطاب، فالياء على نسق ﴿هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، والتاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، وقرأ الأعمش شاذًا: (كُرهًا): بضم الكاف والجمهور بفتحها.
وقرأ حفص وعياش ويعقوب وسهل ﴿يرجعون﴾ بالياء على الغيبة، فيحتمل أن يكون عائدًا على ﴿من أسلم﴾، ويحتمل أن يكون عائدًا على ضمير ﴿يَبْغُونَ﴾، فيكون على سبيل الالتفات على قراءة من قرأ: ﴿تبغون﴾ بالتاء، إذ يكون قد انتقل من خطاب إلى غيبة، وقرأ الباقون بالتاء، فإن كان الضمير عائدًا على ﴿من أسلم﴾.. كان التفاتًا، أو على ضمير ﴿تبغون﴾ كان التفاتًا على قراءة من قرأ: ﴿يَبْغُونَ﴾ بالياء، إذ يكون قد انتقل من غيبة إلى خطاب.
ولمَّا ذكر الله تعالى في الآية المتقدمة، أنَّه إنَّما أخذ الميثاق على الأنبياء في تصديق الرسول الذي يأتي مصدقًا لما معهم.. بين الله تعالى من صفة محمد - ﷺ -، كونه مصدقًا لما معهم فقال تعالى:
٨٤ - ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ وإنَّما وحد الضمير في قوله: ﴿قُلْ﴾ وجمع في قوله: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ إشعارًا بأنَّه لا يبلغ هذا التكليف من الله تعالى إلى الخلق إلا هو، فلذلك وحد الفعل في قوله: ﴿قُلْ﴾ وتنبيهًا على أنه وافقه حين قال هذا القول أصحابه فلذا حسنًا الجمع في قوله: ﴿آمَنَّا﴾.
ومعنى الآية: قل يا محمد ﴿ءَآمَنَّا﴾؛ أي: صدقت أنا ومن معي ﴿بِاللَّهِ﴾؛ أي: بوجود الله ووحدانيته، وتصرفه في الأكوان كلها، وأنَّه ربنا وإلهنا، لا إله لنا غيره، ولا رب سواه، والمراد؛ آمنا بالله وحده، لا كما آمن أهل الكتاب به على وجه التثليث؛ وإنَّما قدم الإيمان بالله على غيره لأنَّه الأصل ﴿و﴾ قل يا محمد
(١) البحر المحيط.
408
أيضًا صدقنا بـ ﴿ما أنزل علينا﴾ من وحيه وتنزيله؛ وإنَّما قدم ذكر القرآن لأنَّه أشرف الكتب المنزلة؛ لأنَّ المعيار عليه؛ ولأنَّه لم يحرف ولم يبدل، وغيره حرف وبدل؛ أي: آمنا بالقرآن المنزل عليه - ﷺ - أولًا، وعلى أمته بتبليغه إليهم.
وإنَّما عدي الإنزال هنا بعلى، وفي البقرة بإلى؛ لأنَّه يصح تعديته بكل منهما، فله جهة علو باعتبار إبتدائه، وجهة انتهاء باعبتار آخره، وهو باعتبار ابتدائه متعلق بالنبي، وباعتبار انتهائه متعلق بالمكلفين، ولمَّا خص الخطاب هنا بالنبي.. ناسب الاستعلاء، ولما عمم هناك جميع المؤمنين.. ناسبه الانتهاء ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾؛ أي: وقيل يا محمد أيضًا: صدقنا بأنَّ الله أنزل على هؤلاء وحيًا لهداية أقوامهم، وأنَّه موافق في أصوله لما أنزل علينا؛ أي: آمنا بما أنزل على هؤلاء من الصحف والوحى، والأسباط هم بطون بني إسرائيل، المتشعبة من أولاد يعقوب، وإنَّما خص هؤلاء بالذكر؛ لأنَّ أهل الكتاب يعترفون بفضلهم وبنبوتهم، ولم يختلفوا فيهم ﴿و﴾ صدقنا بـ ﴿ما أوتي﴾ وأعطي ﴿مُوسَى وَعِيسَى﴾ من التوراة والإنجيل، وسائر المعجزات الظاهرة على أيديهم، كما ينبىء عنه إيثار الإيتاء على الإنزال الخاص بالكتاب، وإنَّما أفرد هذين النبيين بالذكر؛ لأنَّ الكلام مع اليهود والنصارى، ثم جمع جميع الأنبياء فقال: ﴿وَالنَّبِيُّونَ﴾؛ أي: وما أعطى النبيون ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ كداود، وسليمان، وأيوب، وغيرهم ممن لم يقص الله سبحانه علينا قصصهم ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ تعالى بالتصديق والتكذيب، فنصدق بالبعض، ونكفر بالبعض، كما فعل اليهود والنصارى، بل نؤمن بالكل.
فما مثل الأنبياء إلا كمثل الأمراء الأمناء الصادقين، يرسلهم السلطان على التعاقب للقيام بشؤون ولاية من ولاياته، وإصلاح أحوال أهلها، وعمل القوانين النافعة لحكمها، فقد يغير التالي بعض القوانين السابقة، بحسب ما يرى من تبدل طباع أهلها وعاداتهم، من شراسة إلى لين، ومن جهل إلى علم، ومن بداوة إلى مدينة وحضارة، وما المقصد من كل هذا إلا عمرانها، وبذل الوسع في سعادة أهلها، وإيصال الخير إليهم.
وإنَّما عدي الإنزال هنا بعلى، وفي البقرة بإلى؛ لأنَّه يصح تعديته بكل منهما، فله جهة علو باعتبار إبتدائه، وجهة انتهاء باعبتار آخره، وهو باعتبار ابتدائه متعلق بالنبي، وباعتبار انتهائه متعلق بالمكلفين، ولمَّا خص الخطاب هنا بالنبي.. ناسب الاستعلاء، ولما عمم هناك جميع المؤمنين.. ناسبه الانتهاء ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾؛ أي: وقيل يا محمد أيضًا: صدقنا بأنَّ الله أنزل على هؤلاء وحيًا لهداية أقوامهم، وأنَّه موافق في أصوله لما أنزل علينا؛ أي: آمنا بما أنزل على هؤلاء من الصحف والوحى، والأسباط هم بطون بني إسرائيل، المتشعبة من أولاد يعقوب، وإنَّما خص هؤلاء بالذكر؛ لأنَّ أهل الكتاب يعترفون بفضلهم وبنبوتهم، ولم يختلفوا فيهم ﴿و﴾ صدقنا بـ ﴿ما أوتي﴾ وأعطي ﴿مُوسَى وَعِيسَى﴾ من التوراة والإنجيل، وسائر المعجزات الظاهرة على أيديهم، كما ينبىء عنه إيثار الإيتاء على الإنزال الخاص بالكتاب، وإنَّما أفرد هذين النبيين بالذكر؛ لأنَّ الكلام مع اليهود والنصارى، ثم جمع جميع الأنبياء فقال: ﴿وَالنَّبِيُّونَ﴾؛ أي: وما أعطى النبيون ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ كداود، وسليمان، وأيوب، وغيرهم ممن لم يقص الله سبحانه علينا قصصهم ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ تعالى بالتصديق والتكذيب، فنصدق بالبعض، ونكفر بالبعض، كما فعل اليهود والنصارى، بل نؤمن بالكل.
فما مثل الأنبياء إلا كمثل الأمراء الأمناء الصادقين، يرسلهم السلطان على التعاقب للقيام بشؤون ولاية من ولاياته، وإصلاح أحوال أهلها، وعمل القوانين النافعة لحكمها، فقد يغير التالي بعض القوانين السابقة، بحسب ما يرى من تبدل طباع أهلها وعاداتهم، من شراسة إلى لين، ومن جهل إلى علم، ومن بداوة إلى مدينة وحضارة، وما المقصد من كل هذا إلا عمرانها، وبذل الوسع في سعادة أهلها، وإيصال الخير إليهم.
409
﴿وَنَحْنُ لَهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مُسْلِمُونَ﴾؛ أي: منقادون له بالطاعة، مخلصون له في العبادة، مقرون بالألوهية والربوبية، لا نشرك به أحدًا أبدًا، ولا نبتغي بذلك إلا التقرب إليه، لإصلاح نفوسنا، وتزكية أرواحنا وتطهيرها من أدران الذنوب والخطايا.
وقد افتتحت الآية بالإيمان واختتمت بالإِسلام والخضوع، وهو الثمرة والغاية من كل دين أرسل به نبي.
٨٥ - ثم أخبر تعالى: بأنَّ كل دين غير الإِسلام باطل ومرفوض فقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ أي: ومن يطلب دينًا غير التوحيد والانقياد لحكم الله ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ أي من سلك شريعة غير شريعة الإِسلام بعد بعثة محمد - ﷺ -، وتدين بها، لن يقبل الله منه؛ يعني: إنَّ الدين المقبول عند الله هو دين الإسلام، وإن كل دين سواه غير مقبول عنده؛ لأنَّ الدين الصحيح ما يأمر الله به، ويرضى عن فاعله، ويثيبه عليه ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: ذلك المبتغي ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾؛ أي: من الواقعين في الخسران، كما قال النبي - ﷺ - في الحديث الصحيح: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا.. فهو رد". والمعنى: أنَّ المعرض عن الإسلام، والطالب لغيره، فاقد للنفع، واقع في الخسران، بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها، محروم من الثواب، واقع في العقاب، متأسف على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح، وعلى ما تحمله من التعب في الدنيا، في تقرير الدين الباطل.
فائدة: قوله: ﴿يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ العامة (١) على إظهار هذين المثلين؛ لأنَّ بينهما فاصلًا، فلم يلتقيا في الحقيقة، وذلك الفاصل هو الياء التي حذفت للجازم، وروي عن أبي عمرو فيها الوجهان: الإظهار على الأصل ولمراعاة الفاصل الأصلي، والإدغام لمراعاة اللفظ، إذ يصدق أنَّهما التقيا في الجملة؛ لأن ذلك الفاصل مستحق الحذف لعامل الجزم، وليس هذا مخصوصًا بهذه الآية، بل كلما التقى فيه مثلان بسبب حذف حرف العلة اقتضت ذلك، يجرى فيه الوجهان،
وقد افتتحت الآية بالإيمان واختتمت بالإِسلام والخضوع، وهو الثمرة والغاية من كل دين أرسل به نبي.
٨٥ - ثم أخبر تعالى: بأنَّ كل دين غير الإِسلام باطل ومرفوض فقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ أي: ومن يطلب دينًا غير التوحيد والانقياد لحكم الله ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ أي من سلك شريعة غير شريعة الإِسلام بعد بعثة محمد - ﷺ -، وتدين بها، لن يقبل الله منه؛ يعني: إنَّ الدين المقبول عند الله هو دين الإسلام، وإن كل دين سواه غير مقبول عنده؛ لأنَّ الدين الصحيح ما يأمر الله به، ويرضى عن فاعله، ويثيبه عليه ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: ذلك المبتغي ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾؛ أي: من الواقعين في الخسران، كما قال النبي - ﷺ - في الحديث الصحيح: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا.. فهو رد". والمعنى: أنَّ المعرض عن الإسلام، والطالب لغيره، فاقد للنفع، واقع في الخسران، بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها، محروم من الثواب، واقع في العقاب، متأسف على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح، وعلى ما تحمله من التعب في الدنيا، في تقرير الدين الباطل.
فائدة: قوله: ﴿يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ العامة (١) على إظهار هذين المثلين؛ لأنَّ بينهما فاصلًا، فلم يلتقيا في الحقيقة، وذلك الفاصل هو الياء التي حذفت للجازم، وروي عن أبي عمرو فيها الوجهان: الإظهار على الأصل ولمراعاة الفاصل الأصلي، والإدغام لمراعاة اللفظ، إذ يصدق أنَّهما التقيا في الجملة؛ لأن ذلك الفاصل مستحق الحذف لعامل الجزم، وليس هذا مخصوصًا بهذه الآية، بل كلما التقى فيه مثلان بسبب حذف حرف العلة اقتضت ذلك، يجرى فيه الوجهان،
(١) الجمل.
نحو ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾، وإن يأت كاذبًا، وقد استشكل على هذا نحو ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ﴾ ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ﴾، فأنَّه لم يرد من أبي عمرو خلاف في إدغامهما، وكان القياس يقتضى جواز الوجهين؛ لأنَّ ياء المتكلم فاصلة تقديرًا. اهـ "سمين".
ولفظ ﴿دِينًا﴾ إما مفعول و ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ حال منه مقدم عليه، أو تمييز، أو بدل من غير، كما سيأتي ذلك في مباحث الإعراب.
٨٦ - ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ نزلت (١) في إثني عشر رجلًا ارتدوا عن الإِسلام، وخرجوا من المدينة، وأتوا مكة كفارًا، منهم الحارث بن سويد الأنصاري، وطعمة بن أبيرق، وحجوج بن الأسلت، كما أخرجه عن عكرمة ابن عساكر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في اليهود والنصارى، وذلك أنَّ اليهود كانوا قبل مبعث النبي - ﷺ - يستفتحون به على الكفار، ويقرون به ويقولون: قد أظل زمان نبي مبعوث، فلما بعث محمد - ﷺ -.. كفروا به بغيًا وحسدًا.
والاستفهام هنا (٢) للإنكار، ويجوز أن يكون للتعجب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان، أو للاستبعاد والتوبيخ؛ فإنَّ الجاحد عن الحق بعد ما وضح له.. منهمك في الضلال، بعيد عن الرشاد، فليس للإنكار، حتى يستدل به على عدم توبة المرتد، وإنْ كان إنكارًا فالاستشهاد يمنعه.
ومعنى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ﴾ كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان ﴿قَوْمًا كَفَرُوا﴾؛ أي: جحدوا نبوة محمد - ﷺ - ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾؛ أي: تصديقهم إياه بالقلب، وإذعانهم به، وبما جاء به من عند ربه ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾؛ أي: وبعد أنْ شهدوا وأقروا بلسانهم أنَّ محمدًا رسول الله إلى خلقه، وأنَّه حق وصدق ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾؛ أي: والحال أنَّه قد جاءهم الحجج والبراهين، والمعجزات
ولفظ ﴿دِينًا﴾ إما مفعول و ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ حال منه مقدم عليه، أو تمييز، أو بدل من غير، كما سيأتي ذلك في مباحث الإعراب.
٨٦ - ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ نزلت (١) في إثني عشر رجلًا ارتدوا عن الإِسلام، وخرجوا من المدينة، وأتوا مكة كفارًا، منهم الحارث بن سويد الأنصاري، وطعمة بن أبيرق، وحجوج بن الأسلت، كما أخرجه عن عكرمة ابن عساكر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في اليهود والنصارى، وذلك أنَّ اليهود كانوا قبل مبعث النبي - ﷺ - يستفتحون به على الكفار، ويقرون به ويقولون: قد أظل زمان نبي مبعوث، فلما بعث محمد - ﷺ -.. كفروا به بغيًا وحسدًا.
والاستفهام هنا (٢) للإنكار، ويجوز أن يكون للتعجب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان، أو للاستبعاد والتوبيخ؛ فإنَّ الجاحد عن الحق بعد ما وضح له.. منهمك في الضلال، بعيد عن الرشاد، فليس للإنكار، حتى يستدل به على عدم توبة المرتد، وإنْ كان إنكارًا فالاستشهاد يمنعه.
ومعنى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ﴾ كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان ﴿قَوْمًا كَفَرُوا﴾؛ أي: جحدوا نبوة محمد - ﷺ - ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾؛ أي: تصديقهم إياه بالقلب، وإذعانهم به، وبما جاء به من عند ربه ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾؛ أي: وبعد أنْ شهدوا وأقروا بلسانهم أنَّ محمدًا رسول الله إلى خلقه، وأنَّه حق وصدق ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾؛ أي: والحال أنَّه قد جاءهم الحجج والبراهين، والمعجزات
(١) الخازن.
(٢) الجمل.
(٢) الجمل.
الدالة على صحة نبوته، وصدقه - ﷺ -؛ أي: لا يوفق القوم الكافرين الأصليين والمرتدين طريق الهدى والرشاد، لما سبق في علمه تعالى أنَّهم ظالمون، وقيل: لا يهديهم في الآخرة إلى الجنة والثواب، فإنْ قلت (١): كيف قال الذي أول الآية: ﴿كَيْفَ يَهْدِي﴾ وفي آخر الآية: ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ وهذا تكرار؟
قلتُ: ليس فيه تكرار؛ لأن قوله: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا﴾ إنَّما هو مختص بأولئك المرتدين عن الإسلام، ثمَّ إنَّه تعالى عمم ذلك الحكم في آخر الآية فقال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ يعني جميع الكفار، المرتدين عن الإسلام والكافر الأصلي، وإنَّما سمى الكافر ظالمًا لأنَّه وضع العبادة في غير موضعها.
٨٧ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الذين كفروا بعد إيمانهم ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾ على كفرهم ﴿أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ﴾ أي: سخطه وغضبه، وإبعاده لهم عن رحمته ﴿و﴾ أنَّ عليهم لعنة ﴿الملائكة والناس أجمعين﴾؛ أي: يستحقون غضب الله وسخطه، وسخط الملائكة والناس كلهم، إذ هم متى عرفوا حقيقة حالهم لعنوهم؛ لأنَّها مجلبة للَّعن بطبعها لكل من عرفها.
وهذا يدل (٢) بمنطوقه على جواز لعنهم، وبمفهومه ينفي جواز لعن غيره، ولعل الفرق أنَّهم مطبوعون على الكفر، ممنوعون عن الهدى، آيسون عن الرحمة رأسًا، بخلاف غيرهم، والمراد بالناس المؤمنون، أو العموم؛ فإنَّ الكافر أيضًا يلعن منكر الحق، والمرتد عنه، ولكن لا يعرف الحق بعينه حالة كونهم
٨٨ - ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: مقدرين الخلود في اللعنة أو العقوبة، أو النار، وإنْ لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾، أي: لا ينقصون من العذاب شيئًا ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: ولا هم يمهلون لمعذرة يعتذرون بها؛ لأنَّ سببه ماران على قلوبهم من ظلمات الجحود والعناد، وسخط الله وغضبه، وهو معهم لا يفارقهم أينما كانوا، ثمَّ استثنى سبحانه وتعالى فقال:
٨٩ - ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ ورجعوا
قلتُ: ليس فيه تكرار؛ لأن قوله: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا﴾ إنَّما هو مختص بأولئك المرتدين عن الإسلام، ثمَّ إنَّه تعالى عمم ذلك الحكم في آخر الآية فقال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ يعني جميع الكفار، المرتدين عن الإسلام والكافر الأصلي، وإنَّما سمى الكافر ظالمًا لأنَّه وضع العبادة في غير موضعها.
٨٧ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الذين كفروا بعد إيمانهم ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾ على كفرهم ﴿أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ﴾ أي: سخطه وغضبه، وإبعاده لهم عن رحمته ﴿و﴾ أنَّ عليهم لعنة ﴿الملائكة والناس أجمعين﴾؛ أي: يستحقون غضب الله وسخطه، وسخط الملائكة والناس كلهم، إذ هم متى عرفوا حقيقة حالهم لعنوهم؛ لأنَّها مجلبة للَّعن بطبعها لكل من عرفها.
وهذا يدل (٢) بمنطوقه على جواز لعنهم، وبمفهومه ينفي جواز لعن غيره، ولعل الفرق أنَّهم مطبوعون على الكفر، ممنوعون عن الهدى، آيسون عن الرحمة رأسًا، بخلاف غيرهم، والمراد بالناس المؤمنون، أو العموم؛ فإنَّ الكافر أيضًا يلعن منكر الحق، والمرتد عنه، ولكن لا يعرف الحق بعينه حالة كونهم
٨٨ - ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: مقدرين الخلود في اللعنة أو العقوبة، أو النار، وإنْ لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾، أي: لا ينقصون من العذاب شيئًا ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: ولا هم يمهلون لمعذرة يعتذرون بها؛ لأنَّ سببه ماران على قلوبهم من ظلمات الجحود والعناد، وسخط الله وغضبه، وهو معهم لا يفارقهم أينما كانوا، ثمَّ استثنى سبحانه وتعالى فقال:
٨٩ - ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ ورجعوا
(١) الخازن.
(٢) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
412
من الكفر إلى الإيمان ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾؛ أي: من بعد ارتدادهم وكفرهم، وذلك أن الحارث بن سويد الأنصاري لما لحق بالكفار ندم على ذلك، فأرسل إلى قومه: أن سلوا رسول الله - ﷺ - هل لي من توبة؟ ففعلوا، فأنزل الله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ الآية. فبعث إليه أخوه الجلاس مع رجل من قومه، فأقبل إلى المدينة تائبًا، وقبل رسول الله - ﷺ - توبته، وحسن إسلامه ﴿وَأَصْلَحُوا﴾؛ أي: عملوا الأعمال الصالحة، وقيل: معناه وأصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات، وظاهرهم مع الخلق بالعبادات والطاعات ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَفُورٌ﴾ لقبائحهم في الدنيا بالستر لها ﴿رَحِيمٌ﴾ في الآخرة بالعفو عنها، وقيل: غفور بإزالة العذاب، رحيم بإعطاء الثواب، وفي هذا الاستثناء وما بعده إشارة إلى أنَّ الكفار تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم: تاب توبة صادقة فنفعته، وإليهم الإشارة بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾.
وقسم: تاب توبة فاسدة فلم تنفعه، وإليهم الإشارة بقوله: ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾.
وقسم: لم يتب أصلًا ومات على الكفر، وإليهم الإشارة بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾.
وخلاصة المعنى: أي إلا الذين تابوا من ذنوبهم، وتابوا إلى ربهم، وتركوا ذلك الكفر، الذي دنسوا به أنفسهم، نادمين على ما أصابوا منه، وأصلحوا نفوسهم بصالح الأعمال التي تغذي الإيمان، وتمحو من صفحة القلب ما كان قدْ ران عليها، من ذميم الأخلاق والصفات. وفي هذا إيماء إلى أنَّ التوبة التي لا أثر لها في العمل، لا يعتد بها في نظر الدين، إذ كثير من الناس يظهرون التوبة بالندم، والاستغفار، والرجوع عن الذنب، ثم لا يلبثون أنْ يعودوا إلى مثل ما كانوا قد اجترحوا من السيئات؛ لأنَّ التوبة لم يكن لها أثر في نفوسهم، ينبههم إذا غفلوا، ويهديهم إلى اتخاذ الطرق الموصلة لإصلاح شؤونهم، وتقويم المعوج من أمورهم، فإذا هم فعلوا ذلك.. نالهم من مغفرة ربهم ما يؤهلهم لدخول
قسم: تاب توبة صادقة فنفعته، وإليهم الإشارة بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾.
وقسم: تاب توبة فاسدة فلم تنفعه، وإليهم الإشارة بقوله: ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾.
وقسم: لم يتب أصلًا ومات على الكفر، وإليهم الإشارة بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾.
وخلاصة المعنى: أي إلا الذين تابوا من ذنوبهم، وتابوا إلى ربهم، وتركوا ذلك الكفر، الذي دنسوا به أنفسهم، نادمين على ما أصابوا منه، وأصلحوا نفوسهم بصالح الأعمال التي تغذي الإيمان، وتمحو من صفحة القلب ما كان قدْ ران عليها، من ذميم الأخلاق والصفات. وفي هذا إيماء إلى أنَّ التوبة التي لا أثر لها في العمل، لا يعتد بها في نظر الدين، إذ كثير من الناس يظهرون التوبة بالندم، والاستغفار، والرجوع عن الذنب، ثم لا يلبثون أنْ يعودوا إلى مثل ما كانوا قد اجترحوا من السيئات؛ لأنَّ التوبة لم يكن لها أثر في نفوسهم، ينبههم إذا غفلوا، ويهديهم إلى اتخاذ الطرق الموصلة لإصلاح شؤونهم، وتقويم المعوج من أمورهم، فإذا هم فعلوا ذلك.. نالهم من مغفرة ربهم ما يؤهلهم لدخول
413
جنته، والفوز برحمته.
٩٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعيسى والإنجيل ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِم﴾ بموسى والتوراة، وهم اليهود ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ بمحمد - ﷺ - والقرآن ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ إذا غرغروا أو ماتوا كفارًا، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى جميعًا، وذلك أنَّهم آمنوا بمحمد - ﷺ - قبل مبعثه، وشهدوا أنَّه حق لما رأوا في كتبهم من نعته ووصفه، ثم كفروا به بعد بعثته، ثم ازدادوا كفرًا بالإصرار والعناد، والصد عن سبيل الله، وبالحرب، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ما أقاموا على ذلك؛ لأنَّ نفوسهم قد توغل فيها الشرك، وتمكن فيها الكفر، وأحاطت بها خطيئتها، وضلت على علم، وقرأ عكرمة شاذًا: ﴿لن نقبل﴾: بالنون ﴿توبتَهم﴾: بالنصب.
﴿وَأُولَئِكَ﴾ الذين كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا ﴿هُمُ الضَّالُّونَ﴾؛ أي: المتناهون في الضلال، الذين ضلوا عن سبيل الحق، وأخطأوا منهاجه.
وما مثل ذلك إلا مثل الثوب الأبيض، تصيبه بعض الأوساخ، فيبادر صاحبه إلى غسله، فينظف، ويزَولُ أثر ذلك الدنس، ولكن إذا تراكمت عليه الأقذار مدة طويلة، حتى تخللت جميع خيوطه وتمكنت منها.. تعذر تنظيفه، وإعادته إلى حاله الأولى، وبين هذه الحال وما قبلها مراتب متفاوتة.
وقد أشير إلى ذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)﴾.
٩١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ باللهِ وبمحمد - ﷺ - ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ بهما ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ﴾؛ أي: مقدار ما يملأ الأرض مشرقها ومغربها ﴿ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى﴾ نفسه ﴿بِهِ﴾؛ أي: بذلك الملء، قال الزجاج: إن الواو للعطف والتقدير: لو تقرب إلى الله في الدنيا بملء الأرض ذهبًا.. لم ينفعه ذلك مع كفره، ولو افتدى من العذاب في الآخرة بملء الأرض ذهبًا.. لم يقبل منه، أو المراد بالواو التعميم في الأحوال، كأنَّه قيل: لن يقبل من الكفار الفداء في جميع
٩٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعيسى والإنجيل ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِم﴾ بموسى والتوراة، وهم اليهود ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ بمحمد - ﷺ - والقرآن ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ إذا غرغروا أو ماتوا كفارًا، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى جميعًا، وذلك أنَّهم آمنوا بمحمد - ﷺ - قبل مبعثه، وشهدوا أنَّه حق لما رأوا في كتبهم من نعته ووصفه، ثم كفروا به بعد بعثته، ثم ازدادوا كفرًا بالإصرار والعناد، والصد عن سبيل الله، وبالحرب، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ما أقاموا على ذلك؛ لأنَّ نفوسهم قد توغل فيها الشرك، وتمكن فيها الكفر، وأحاطت بها خطيئتها، وضلت على علم، وقرأ عكرمة شاذًا: ﴿لن نقبل﴾: بالنون ﴿توبتَهم﴾: بالنصب.
﴿وَأُولَئِكَ﴾ الذين كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا ﴿هُمُ الضَّالُّونَ﴾؛ أي: المتناهون في الضلال، الذين ضلوا عن سبيل الحق، وأخطأوا منهاجه.
وما مثل ذلك إلا مثل الثوب الأبيض، تصيبه بعض الأوساخ، فيبادر صاحبه إلى غسله، فينظف، ويزَولُ أثر ذلك الدنس، ولكن إذا تراكمت عليه الأقذار مدة طويلة، حتى تخللت جميع خيوطه وتمكنت منها.. تعذر تنظيفه، وإعادته إلى حاله الأولى، وبين هذه الحال وما قبلها مراتب متفاوتة.
وقد أشير إلى ذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)﴾.
٩١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ باللهِ وبمحمد - ﷺ - ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ بهما ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ﴾؛ أي: مقدار ما يملأ الأرض مشرقها ومغربها ﴿ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى﴾ نفسه ﴿بِهِ﴾؛ أي: بذلك الملء، قال الزجاج: إن الواو للعطف والتقدير: لو تقرب إلى الله في الدنيا بملء الأرض ذهبًا.. لم ينفعه ذلك مع كفره، ولو افتدى من العذاب في الآخرة بملء الأرض ذهبًا.. لم يقبل منه، أو المراد بالواو التعميم في الأحوال، كأنَّه قيل: لن يقبل من الكفار الفداء في جميع
414
الأحوال، ولو في حال افتدائه نفسه في الآخرة، وقيل: هي زائدة، كما قرئ شاذًا بإسقاطها، ومفعول افتدى محذوف؛ أي: ولو افتدى نفسه. وقرأ عكرمة شاذًا ﴿فلنْ نقبل﴾: بالنون، و ﴿وملء﴾: بالنصب، وقرىء شاذًا: ﴿فلن يَقبل﴾ بالياء مبنيًّا للفاعل؛ أي: فلن يقبل الله و ﴿ملء﴾ بالنصب، وقرأ أبو جعفر وأبو السمال شذوذًا: ﴿مل الأرض﴾ بدون همز، ورويت عن نافع، ووجهه أنَّه نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبل - وهو اللام - وحذفت الهمزة، وهو قياس في كل ما كان نحو هذا، وقرأ الأعمش شذوذًا أيضًا: ﴿ذهبٌ﴾: بالرفع، وحمل على أنَّه بدل من (ملء)، وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: ﴿لو افتدى به﴾: بدون واو.
فإن قلت (١): الكافر لا يملك شيئًا في الآخرة فما وجه قوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾؟.
قلتُ: الكلام ورد على سبيل الفرض والتقدير، والمعنى: لو أنَّ للكافر قدر ملء الأرض ذهبًا يوم القيامة.. لبذله في تخليص نفسه من العذاب، ولكن لا يقدر على شيء من ذلك.
وقيل معناه: لو أنَّ الكافر أنفق في الدنيا ملء الأرض ذهبًا، ثم مات على كفره.. لم ينفعه ذلك؛ لأنَّ الطاعة مع الكفر غير مقبولة؛ لأنَّ الكفر يحبط أعماله، ويمحو كل حسناته، فمن لم تزك نفسه في الدنيا، وتسمُ عما يكدرها من ظلمات الكفر، وأوضار الشرك.. فلن ينفعها يوم مناقشة الحساب عمل وإنْ جَلَّ، ولا فضيلة وإن عظمت، إذ المعول عليه في ذلك اليوم هو الإيمان الصحيح بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي يرقى بصاحبه إلى حظيرة القدس في جوار الرب الرحيم.
﴿أُولَئِكَ﴾ الكفار الذين ماتوا على الكفر ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾؛ أي: مانعين يدفعون عذاب الله
فإن قلت (١): الكافر لا يملك شيئًا في الآخرة فما وجه قوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾؟.
قلتُ: الكلام ورد على سبيل الفرض والتقدير، والمعنى: لو أنَّ للكافر قدر ملء الأرض ذهبًا يوم القيامة.. لبذله في تخليص نفسه من العذاب، ولكن لا يقدر على شيء من ذلك.
وقيل معناه: لو أنَّ الكافر أنفق في الدنيا ملء الأرض ذهبًا، ثم مات على كفره.. لم ينفعه ذلك؛ لأنَّ الطاعة مع الكفر غير مقبولة؛ لأنَّ الكفر يحبط أعماله، ويمحو كل حسناته، فمن لم تزك نفسه في الدنيا، وتسمُ عما يكدرها من ظلمات الكفر، وأوضار الشرك.. فلن ينفعها يوم مناقشة الحساب عمل وإنْ جَلَّ، ولا فضيلة وإن عظمت، إذ المعول عليه في ذلك اليوم هو الإيمان الصحيح بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي يرقى بصاحبه إلى حظيرة القدس في جوار الرب الرحيم.
﴿أُولَئِكَ﴾ الكفار الذين ماتوا على الكفر ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾؛ أي: مانعين يدفعون عذاب الله
(١) الخازن.
415
عنهم، أو يخففونه عنهم، كما كانوا ينصرونهم في الدنيا إذا حاول أحد أذاهم، أو إيقاع المكروه بهم. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، عن النبي - ﷺ - قال: "يقول الله - عزّ وجلّ -: لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة، لو أن لك ما في الأرض من شيء، أكنت تفتدى به؟ فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم، أنْ لا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا الشرك". متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم.
الإعراب
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: أذكر، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿أَخَذَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل ﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لي ﴿إذ﴾ ﴿لَمَا﴾ اللام: حرف زائد لتوطئة معنى القسم الآتي ﴿ما﴾: شرطية في محل النصب على كونه مفعولًا ثانيًا لآتي ﴿آتَيْتُكُمْ﴾: فعل وفاعل، ومفعول أول في محل الجزم بـ ﴿ما﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿مِنْ كِتَابٍ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لاسم الشرط، أو حال منه ﴿وَحِكْمَةٍ﴾: معطوف على ﴿كِتَابٍ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم معطوف على ﴿آتَيْتُكُمْ﴾ ﴿مُصَدِّقٌ﴾ صفة لي ﴿رَسُولٌ﴾. ﴿لِمَا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُصَدِّقٌ﴾، ﴿مَعَكُمْ﴾ ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة ﴿لِمَا﴾. أو صفة لها ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ اللام موطئة للقسم ﴿تؤمنن﴾ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، لعدم مباشرة نون التوكيد، وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين، في محل الرفع فاعل، ونون التوكيد الثقيلة حرف لا محل لها من الإعراب، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه في محل
الإعراب
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: أذكر، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿أَخَذَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل ﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لي ﴿إذ﴾ ﴿لَمَا﴾ اللام: حرف زائد لتوطئة معنى القسم الآتي ﴿ما﴾: شرطية في محل النصب على كونه مفعولًا ثانيًا لآتي ﴿آتَيْتُكُمْ﴾: فعل وفاعل، ومفعول أول في محل الجزم بـ ﴿ما﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، ﴿مِنْ كِتَابٍ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لاسم الشرط، أو حال منه ﴿وَحِكْمَةٍ﴾: معطوف على ﴿كِتَابٍ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم معطوف على ﴿آتَيْتُكُمْ﴾ ﴿مُصَدِّقٌ﴾ صفة لي ﴿رَسُولٌ﴾. ﴿لِمَا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُصَدِّقٌ﴾، ﴿مَعَكُمْ﴾ ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة ﴿لِمَا﴾. أو صفة لها ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ اللام موطئة للقسم ﴿تؤمنن﴾ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، لعدم مباشرة نون التوكيد، وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين، في محل الرفع فاعل، ونون التوكيد الثقيلة حرف لا محل لها من الإعراب، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه في محل
416
الجزم جواب لما الشرطية، وجملة الشرط مع جوابه في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بقوله: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾. ﴿وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، اللام: موطئة للقسم ﴿تنصرن﴾: فعل مضارع مرفوع لتوالي الأمثال لعدم مباشرة نون التوكيد، والواو المحذوفة فاعل، والهاء مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ﴾ وفي المقام أوجه كثيرة من الإعراب، كما أشرنا إليها في مقام التفسير، لا نطيل الكلام بذكرها؛ لأنَّها تحتاج إلى أوراق كثيرة، تكون رسالة نفردها بالتأليف إنْ شاء الله تعالى.
﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة مستأنفة ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾: إلى ﴿قَالُوا﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإنْ شئت قلت الهمزة: للاستفهام التقريري ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿وَأَخَذْتُمْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿أخذتم﴾: فعل وفاعل ﴿عَلَى ذَلِكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أخذتم﴾ ﴿إِصْرِي﴾: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿أَقْرَرْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿قَالَ﴾ فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿فَاشْهَدُوا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿فَاشْهَدُوا﴾ الفاء عاطفة (١) على محذوف تقديره: قال: أأقررتم فاشهدوا، فالفاء دخلت للعطف، ونظير ذلك قولك: ألقيت زيدًا؟ قال: لقيت، قلت فأحسن إليه، التقدير: لقيت زيدًا فأحسن إليه، فما فيه الفاء بعض المقول، ولا يجوز أن يكون كل المقول لأجل الفاء، ذكره أبو حيان ﴿أشهدوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب، معطوفة على ذلك المحذوف على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. {وَأَنَا
﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة مستأنفة ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾: إلى ﴿قَالُوا﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإنْ شئت قلت الهمزة: للاستفهام التقريري ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ ﴿وَأَخَذْتُمْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿أخذتم﴾: فعل وفاعل ﴿عَلَى ذَلِكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أخذتم﴾ ﴿إِصْرِي﴾: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿أَقْرَرْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿قَالَ﴾ فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿فَاشْهَدُوا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿فَاشْهَدُوا﴾ الفاء عاطفة (١) على محذوف تقديره: قال: أأقررتم فاشهدوا، فالفاء دخلت للعطف، ونظير ذلك قولك: ألقيت زيدًا؟ قال: لقيت، قلت فأحسن إليه، التقدير: لقيت زيدًا فأحسن إليه، فما فيه الفاء بعض المقول، ولا يجوز أن يكون كل المقول لأجل الفاء، ذكره أبو حيان ﴿أشهدوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب، معطوفة على ذلك المحذوف على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. {وَأَنَا
(١) البحر المحيط.
417
مَعَكُمْ} ﴿الواو﴾: استئنافية أو حالية ﴿أنا﴾: مبتدأ. ﴿مَعَكُمْ﴾: ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿الشَّاهِدِينَ﴾، أو حال من الضمير المستكن في الخبر، ﴿مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾: جار ومجرور، خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة، أو حال من فاعل ﴿اشهدوا﴾ ولكنها سببية.
﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢)﴾.
﴿فَمَنْ تَوَلَّى﴾ الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما ذكر من إقراركم، وشهادتكم، وشهادتي معكم، وأردتم بيان حكم من تولى بعد ذلك.. فأقول لكم. (مَنْ): اسم شرط جازم، أو اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط فقط، أو جملة الجواب فقط، أو هما إن كانت شرطية، أو جملة (أولئك) إنْ كانت موصولة، ﴿تَوَلَّى﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ (من) الشرطية، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَن﴾. ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَوَلَّى﴾ أو الجملة الفعلية صلة من الموصولة إنْ قلنا: ﴿من﴾: موصولة ﴿فَأُولَئِكَ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبًا، لكون الجواب جملة اسمية، أو رابطة الخبر بالمبتدأ، لما في المبتدأ من العموم إنْ كانت موصولة، (أولئك): مبتدأ ﴿هُمُ﴾: ضمير فصل ﴿الْفَاسِقُونَ﴾: خبر، والجملة الإسمية في محل الجزم على كونها جوابًا لـ ﴿من﴾ الشرطية، أو خبر لـ ﴿من﴾ الموصولة، والجملة الشرطية، أو الإسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)﴾.
﴿أَفَغَيْرَ﴾ الهمزة: للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخله على محذوف تقديره: أيتولون.. فيبتغون غير دين الله، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿غير﴾ مفعول مقدم لـ ﴿يَبْغُونَ﴾ وهو مضاف ﴿دِينِ﴾: مضاف إليه وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، ﴿يَبْغُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة جملة إنشائية مستأنفة،
﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢)﴾.
﴿فَمَنْ تَوَلَّى﴾ الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما ذكر من إقراركم، وشهادتكم، وشهادتي معكم، وأردتم بيان حكم من تولى بعد ذلك.. فأقول لكم. (مَنْ): اسم شرط جازم، أو اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط فقط، أو جملة الجواب فقط، أو هما إن كانت شرطية، أو جملة (أولئك) إنْ كانت موصولة، ﴿تَوَلَّى﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ (من) الشرطية، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَن﴾. ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَوَلَّى﴾ أو الجملة الفعلية صلة من الموصولة إنْ قلنا: ﴿من﴾: موصولة ﴿فَأُولَئِكَ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبًا، لكون الجواب جملة اسمية، أو رابطة الخبر بالمبتدأ، لما في المبتدأ من العموم إنْ كانت موصولة، (أولئك): مبتدأ ﴿هُمُ﴾: ضمير فصل ﴿الْفَاسِقُونَ﴾: خبر، والجملة الإسمية في محل الجزم على كونها جوابًا لـ ﴿من﴾ الشرطية، أو خبر لـ ﴿من﴾ الموصولة، والجملة الشرطية، أو الإسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)﴾.
﴿أَفَغَيْرَ﴾ الهمزة: للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخله على محذوف تقديره: أيتولون.. فيبتغون غير دين الله، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿غير﴾ مفعول مقدم لـ ﴿يَبْغُونَ﴾ وهو مضاف ﴿دِينِ﴾: مضاف إليه وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، ﴿يَبْغُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة جملة إنشائية مستأنفة،
418
﴿وَلَهُ﴾: الواو حالية ﴿له﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَسْلَمَ﴾ ﴿أَسْلَمَ﴾: فعل ماضٍ. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال من لفظ الجلالة، ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ حالان من فاعل ﴿أَسْلَمَ﴾ تقديره: حالة كونهم طائعين وكارهين ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة أو استئنافية، (إليه): جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُرْجَعُونَ﴾ ﴿يُرْجَعُونَ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ﴾ على كونها حالًا من الجلالة، أو مستأنفة.
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة، ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾. إلى قوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿آمَنَّا﴾ فعل وفاعل، ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول لقل. ﴿وَمَا أُنْزِلَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿ما﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر، معطوفة على لفظ الجلالة، ﴿أُنزِلَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾ والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير النائب، ﴿عَلَيْنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنُزِلَ﴾، ﴿وَمَا أُنْزِلَ﴾ معطوف على ﴿ما أنزل علينا﴾ ﴿عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾ ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾: معطوفات على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾.
﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿ما﴾: معطوف على لفظ الجلالة، ﴿أُوتِيَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة، ﴿مُوسَى﴾: نائب فاعل، وهو المفعول الأول لأوتي، والثاني محذوف تقديره: أوتيه موسى، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف ﴿وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾: معطوفان على ﴿مُوسَى﴾، {مِن
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة، ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾. إلى قوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿آمَنَّا﴾ فعل وفاعل، ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول لقل. ﴿وَمَا أُنْزِلَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿ما﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر، معطوفة على لفظ الجلالة، ﴿أُنزِلَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾ والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير النائب، ﴿عَلَيْنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنُزِلَ﴾، ﴿وَمَا أُنْزِلَ﴾ معطوف على ﴿ما أنزل علينا﴾ ﴿عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾ ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾: معطوفات على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾.
﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿ما﴾: معطوف على لفظ الجلالة، ﴿أُوتِيَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة، ﴿مُوسَى﴾: نائب فاعل، وهو المفعول الأول لأوتي، والثاني محذوف تقديره: أوتيه موسى، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف ﴿وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾: معطوفان على ﴿مُوسَى﴾، {مِن
419
رَبِّهِمْ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من ضمير المفعول المحذوف ﴿لَا﴾: نافية، ﴿نُفَرِّقُ﴾: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على النبي ومن معه، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿آمَنَّا﴾ تقديره: آمنا بما أوتي النبيون حالة كوننا لا نفرق ﴿بَيْنَ أَحَدٍ﴾ ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿نُفَرِّقُ﴾. ﴿مِنْهُمْ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿أَحَدٍ﴾. ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿نحن﴾ مبتدأ، ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿مُسْلِمُونَ﴾: وهو خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ﴾ على كونها حالًا من فاعل ﴿آمَنَّا﴾ تقديره: آمنا بالله حالة كوننا منقادين له.
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط فقط، أو الجواب فقط، أو هما معًا، ﴿يَبْتَغِ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾؛ على كونه فعل الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿دِينًا﴾: تمييز، ويجوز أن يكون ﴿دِينًا﴾: مفعولًا، و ﴿غَيْرَ﴾ صفة له، قدمت عليه فصارت حالًا، ويجوز أن يكون ﴿دِينًا﴾ بدل من ﴿غَيْرَ﴾ ﴿فَلَن﴾ الفاء: رابطة لجواب (من) الشرطية وجوبًا، لكون الجواب مقرونًا بـ (لن)، (لن): حرف نصب ﴿يُقْبَلَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، منصوب بـ (لن)، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾. ﴿مِنْهُ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿وَهُوَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية أو عاطفة، ﴿هو﴾ مبتدأ، ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ متعلق بـ ﴿الْخَاسِرِينَ﴾ الآتي، على أن الألف واللام ليست موصولة، بل للتعريف، كهي في الرجل، أو على أنها موصولة، وتُسُومِح في الظرف والمجرور؛ لأنَّه يشمع فيهما ما لا يتسع في غيرهما، ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة، أو في محل الجزم معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿من﴾ الشرطية.
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط فقط، أو الجواب فقط، أو هما معًا، ﴿يَبْتَغِ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾؛ على كونه فعل الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿دِينًا﴾: تمييز، ويجوز أن يكون ﴿دِينًا﴾: مفعولًا، و ﴿غَيْرَ﴾ صفة له، قدمت عليه فصارت حالًا، ويجوز أن يكون ﴿دِينًا﴾ بدل من ﴿غَيْرَ﴾ ﴿فَلَن﴾ الفاء: رابطة لجواب (من) الشرطية وجوبًا، لكون الجواب مقرونًا بـ (لن)، (لن): حرف نصب ﴿يُقْبَلَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، منصوب بـ (لن)، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾. ﴿مِنْهُ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿وَهُوَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية أو عاطفة، ﴿هو﴾ مبتدأ، ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ متعلق بـ ﴿الْخَاسِرِينَ﴾ الآتي، على أن الألف واللام ليست موصولة، بل للتعريف، كهي في الرجل، أو على أنها موصولة، وتُسُومِح في الظرف والمجرور؛ لأنَّه يشمع فيهما ما لا يتسع في غيرهما، ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة، أو في محل الجزم معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿من﴾ الشرطية.
420
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦)﴾.
﴿كَيْفَ﴾: اسم للاستفهام الإنكاري لتعميم الأحوال، في محل النصب حال، أو ظرف والعامل فيها ﴿يَهْدِى﴾ ﴿يَهْدِي الله قَوْمًا﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مستأنفة ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾ ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة (شهدوا): فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنَّ﴾ مضمرة وجوبًا بعد الواو العاطفة على المصدر الصريح، والجملة الفعلية صلة أنْ المضمرة، أنْ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على قوله: ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ تقديره: كفروا بعد إيمانهم، وبعد شهادتهم أنَّ الرسول حق، ويجوز أن تكون جملة (شهدوا) حالًا من ضمير ﴿كَفَرُوا﴾ وأنْ تكون معطوفة على ﴿كَفَرُوا﴾ كما ذكره أبو البقاء، ﴿أَنَّ﴾ حرف نصب، ﴿الرَّسُولَ﴾: اسمها، ﴿حَقٌّ﴾: خبرها، وجملة ﴿أَنَّ﴾: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿شهدوا﴾ تقديره: وشهدوا حقية الرسول ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ الواو حالية، ﴿جاءهم البينات﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿كَفَرُوا﴾، ولكنه على تقدير، قد، تقديره: كيف يهدي الله قومًا كفروا وقد جاءهم البينات؟ ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿الله﴾ مبتدأ، ﴿لَا﴾: نافية ﴿يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة ﴿الْقَوْمَ﴾: مفعول به ﴿الظَّالِمِينَ﴾: صفة له.
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨)﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ أول، ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾: مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه، ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب، ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لأنَّ. ﴿لَعْنَةَ اللَّهِ﴾: اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر عن خبرها، ولفظ الجلالة مضاف إليه ﴿وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ﴾ معطوفان على لفظ الجلالة ﴿أَجْمَعِينَ﴾ توكيد للناس، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في
﴿كَيْفَ﴾: اسم للاستفهام الإنكاري لتعميم الأحوال، في محل النصب حال، أو ظرف والعامل فيها ﴿يَهْدِى﴾ ﴿يَهْدِي الله قَوْمًا﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مستأنفة ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾ ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة (شهدوا): فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنَّ﴾ مضمرة وجوبًا بعد الواو العاطفة على المصدر الصريح، والجملة الفعلية صلة أنْ المضمرة، أنْ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على قوله: ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ تقديره: كفروا بعد إيمانهم، وبعد شهادتهم أنَّ الرسول حق، ويجوز أن تكون جملة (شهدوا) حالًا من ضمير ﴿كَفَرُوا﴾ وأنْ تكون معطوفة على ﴿كَفَرُوا﴾ كما ذكره أبو البقاء، ﴿أَنَّ﴾ حرف نصب، ﴿الرَّسُولَ﴾: اسمها، ﴿حَقٌّ﴾: خبرها، وجملة ﴿أَنَّ﴾: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿شهدوا﴾ تقديره: وشهدوا حقية الرسول ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ الواو حالية، ﴿جاءهم البينات﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿كَفَرُوا﴾، ولكنه على تقدير، قد، تقديره: كيف يهدي الله قومًا كفروا وقد جاءهم البينات؟ ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿الله﴾ مبتدأ، ﴿لَا﴾: نافية ﴿يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة ﴿الْقَوْمَ﴾: مفعول به ﴿الظَّالِمِينَ﴾: صفة له.
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨)﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ أول، ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾: مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه، ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب، ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لأنَّ. ﴿لَعْنَةَ اللَّهِ﴾: اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر عن خبرها، ولفظ الجلالة مضاف إليه ﴿وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ﴾ معطوفان على لفظ الجلالة ﴿أَجْمَعِينَ﴾ توكيد للناس، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في
421
تأويل مصدر خبر للمبتدأ الثاني تقديره: جزاؤهم كون لعنة الله عليهم، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة ﴿خَالِدِينَ﴾ حال من ضمير ﴿عَلَيْهِمْ﴾ والعامل فيها الجار والمجرور، أو ما يتعلق به ﴿فِيهَا﴾ متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ فعل ونائب فاعل، و ﴿لَا﴾ نافية عنهم، متعلق بـ ﴿يُخَفَّفُ﴾، والجملة في محل النصب حال ثانية من ضمير ﴿عَنْهُمُ﴾ ولكنها حال سببية ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة (لا): نافية، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يُنْظَرُونَ﴾ خبره، والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿لَا يُخَفَّفُ﴾ على كونها حالًا من ضمير ﴿عَنْهُمُ﴾.
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)﴾.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء متصل ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل النصب على الاستثناء ﴿تَابُوا﴾، فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَابُوا﴾ ﴿وَأَصْلَحُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿تَابُوا﴾ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ الفاء: تعليلية لقولهم: إنَّ الفاء بعد الاستثناء للتعليل (إنَّ): حرف نصب ولفظ الجلالة اسمها ﴿غَفُور﴾: خبر أول لها، ﴿رحيم﴾ خبر ثانٍ، والجملة في محل الجر بلام التعليل المقدرة المتعلقة بمعلول محذوف تقديره؛ وإنَّما استثنيناهم لكون الله غفورًا رحيمًا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها، ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾: ظرف زمان، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا﴾ عطف وفعل وفاعل ﴿كُفْرًا﴾: مفعول به منصوب وفي "الفتوحات" قوله: ﴿كُفْرًا﴾: تمييز محول عن الفاعل، والأصل: ثم ازداد كفرهم، كذا أعربه أبو حيان، وفيه نظر، إذ المعنى على أنَّه مفعول به، وذلك أن الفعل المتعدي إلى اثنين، إذا جعل مطاوعًا.. نقص مفعولًا، وهذا من ذلك، كقولهم: زدت زيدًا خيرًا فازداده، وكذلك أصل الآية
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)﴾.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء متصل ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل النصب على الاستثناء ﴿تَابُوا﴾، فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَابُوا﴾ ﴿وَأَصْلَحُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿تَابُوا﴾ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ الفاء: تعليلية لقولهم: إنَّ الفاء بعد الاستثناء للتعليل (إنَّ): حرف نصب ولفظ الجلالة اسمها ﴿غَفُور﴾: خبر أول لها، ﴿رحيم﴾ خبر ثانٍ، والجملة في محل الجر بلام التعليل المقدرة المتعلقة بمعلول محذوف تقديره؛ وإنَّما استثنيناهم لكون الله غفورًا رحيمًا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها، ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾: ظرف زمان، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا﴾ عطف وفعل وفاعل ﴿كُفْرًا﴾: مفعول به منصوب وفي "الفتوحات" قوله: ﴿كُفْرًا﴾: تمييز محول عن الفاعل، والأصل: ثم ازداد كفرهم، كذا أعربه أبو حيان، وفيه نظر، إذ المعنى على أنَّه مفعول به، وذلك أن الفعل المتعدي إلى اثنين، إذا جعل مطاوعًا.. نقص مفعولًا، وهذا من ذلك، كقولهم: زدت زيدًا خيرًا فازداده، وكذلك أصل الآية
422
الكريمة: زادهم الله كفرًا فازدادوه، ﴿لَنْ﴾: حرف نفي ونصب ﴿تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، ومضاف إليه، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾، مستأنفة. ﴿وَأُولَئِكَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿أولئك﴾: مبتدأ ﴿هُمُ﴾ ضمير فصل ﴿الضَّالُّونَ﴾: خبر، والجملة الإسمية في محل الرفع، معطوفة على جملة ﴿لَنْ تُقْبَلَ﴾: على كونها خبرًا لـ ﴿إنَّ﴾ أو معطوفة على جملة ﴿إنَّ﴾ على كونها مستأنفة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى﴾.
﴿إن﴾: حرف نصب ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول ﴿وَمَاتُوا﴾: معطوف على ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿وَهُمْ كُفَّارٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من واو ﴿ماتوا﴾. ﴿فَلَنْ﴾ الفاء: رابطة لخبر ﴿إن﴾ باسمها لشبه الذين بالشرط في العموم، وإيذانًا بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر، الذي هو معطوف على الصلة، فهو من جملة المبتدأ، ولما لم يقع مثل هذا العطف في الآية التي قبلها.. لم يقترن خبر إنَّ بالفاء؛ لأنَّ الكفر في حد ذاته ليس سببًا في عدم قبول التوبة، بل السبب مجموعه، هو والموت عليه، كذا ذكره في "الفتوحات" ﴿لن﴾: حرف نصب ﴿يُقْبَلَ﴾ فعل مضارع مغير الصيغة ﴿مِنْ أَحَدِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُقْبَلَ﴾. ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ نائب فاعل ومضاف إليه ﴿ذَهَبًا﴾ تمييز لـ ﴿مِلْءُ﴾ منصوب، والجملة من الفعل المغير ونائبه في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة ﴿وَلَوِ افتَدَى بِهِ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة كما قاله الزجاج ﴿لو﴾: حرف شرط غير جازم، ﴿افْتَدَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدِهِمْ﴾، ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿افْتَدَى﴾، وجواب ﴿لو﴾ محذوف تقديره: لم يقبل منه، وجملة ﴿لو﴾ معطوفة على محذوف تقديره: لو تقرب إلى الله في الدنيا بملء الأرض ذهبًا.. لم ينفعه ذلك مع كفره، ولو افتدى من العذاب في الآخرة بملء الأرض ذهبًا.. لم يقبل منه. وقيل: الواو زائدة و (لو): غائبة لا جواب لها.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى﴾.
﴿إن﴾: حرف نصب ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول ﴿وَمَاتُوا﴾: معطوف على ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿وَهُمْ كُفَّارٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من واو ﴿ماتوا﴾. ﴿فَلَنْ﴾ الفاء: رابطة لخبر ﴿إن﴾ باسمها لشبه الذين بالشرط في العموم، وإيذانًا بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر، الذي هو معطوف على الصلة، فهو من جملة المبتدأ، ولما لم يقع مثل هذا العطف في الآية التي قبلها.. لم يقترن خبر إنَّ بالفاء؛ لأنَّ الكفر في حد ذاته ليس سببًا في عدم قبول التوبة، بل السبب مجموعه، هو والموت عليه، كذا ذكره في "الفتوحات" ﴿لن﴾: حرف نصب ﴿يُقْبَلَ﴾ فعل مضارع مغير الصيغة ﴿مِنْ أَحَدِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُقْبَلَ﴾. ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ نائب فاعل ومضاف إليه ﴿ذَهَبًا﴾ تمييز لـ ﴿مِلْءُ﴾ منصوب، والجملة من الفعل المغير ونائبه في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة ﴿وَلَوِ افتَدَى بِهِ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة كما قاله الزجاج ﴿لو﴾: حرف شرط غير جازم، ﴿افْتَدَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدِهِمْ﴾، ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿افْتَدَى﴾، وجواب ﴿لو﴾ محذوف تقديره: لم يقبل منه، وجملة ﴿لو﴾ معطوفة على محذوف تقديره: لو تقرب إلى الله في الدنيا بملء الأرض ذهبًا.. لم ينفعه ذلك مع كفره، ولو افتدى من العذاب في الآخرة بملء الأرض ذهبًا.. لم يقبل منه. وقيل: الواو زائدة و (لو): غائبة لا جواب لها.
423
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ أول ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ ثانٍ مؤخر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة ﴿أَلِيمٌ﴾ صفة، ﴿وَمَا لَهُم﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: نافية ﴿لَهُم﴾ جار ومجرور خبر مقدم، ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: من: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة ﴿أُولَئِكَ﴾. وفي "الفتوحات": يجوز أن يكون ﴿لَهُم﴾ خبرًا لاسم الإشارة، و ﴿عَذَابٌ﴾: فاعل به، وعمل لاعتماده على ذي خبر، أي: أولئك استقر لهم عذاب، وأن يكون ﴿لَهُم﴾: خبرًا مقدمًا و ﴿عَذَابٌ﴾؛ مبتدأً مؤخرًا، والجملة خبر عن اسم الإشارة، والأول أحسن؛ لأنَّ الإخبار بالمفرد أقرب من الإخبار بالجملة، والأول من قبيل الإخبار بالمفرد. اهـ. "سمين".
وفيها أيضًا قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ يجوز أن يكون ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: فاعلًا وجاز عمل الجار لاعتماده على حرف النفي؛ أي: وما استقر لهم من ناصرين، والثاني: أنَّه خبر مقدم، و ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾: زائدة على الإعرابين، وأتى بـ ﴿نَاصِرِينَ﴾ جمعًا لرعاية الفواصل.
التصريف ومفردات اللغة
﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ الميثاق: العهد الموثق المؤكد باليمين، وهو أنْ يلتزم المعاهِد - بكسر الهاء - للمعاهَد - بفتحا - أنْ يفعل شيئًا، ويؤكد ذلك بيمين، أو بصيغة مؤكدة من ألفاظ المعاهدة أو المواثقة، يجمع على مواثق، ومياثق، ومواثيق، ومياثيق، وأصله موثاق، قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة؛ لأنه من وثق يثق.
﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ أصله؛ أقر، بالإدغام، وإنَّما فك هنا؛ لأنَّه إذ اتصل بالفعل المدغم عينه في لامه ضمير رفع سكن آخره. فيجب حينئذٍ الفك، نحو: حللت وحللنا، كما قال في الخلاصة:
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ أول ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ ثانٍ مؤخر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة ﴿أَلِيمٌ﴾ صفة، ﴿وَمَا لَهُم﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: نافية ﴿لَهُم﴾ جار ومجرور خبر مقدم، ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: من: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة ﴿أُولَئِكَ﴾. وفي "الفتوحات": يجوز أن يكون ﴿لَهُم﴾ خبرًا لاسم الإشارة، و ﴿عَذَابٌ﴾: فاعل به، وعمل لاعتماده على ذي خبر، أي: أولئك استقر لهم عذاب، وأن يكون ﴿لَهُم﴾: خبرًا مقدمًا و ﴿عَذَابٌ﴾؛ مبتدأً مؤخرًا، والجملة خبر عن اسم الإشارة، والأول أحسن؛ لأنَّ الإخبار بالمفرد أقرب من الإخبار بالجملة، والأول من قبيل الإخبار بالمفرد. اهـ. "سمين".
وفيها أيضًا قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ يجوز أن يكون ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: فاعلًا وجاز عمل الجار لاعتماده على حرف النفي؛ أي: وما استقر لهم من ناصرين، والثاني: أنَّه خبر مقدم، و ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾: زائدة على الإعرابين، وأتى بـ ﴿نَاصِرِينَ﴾ جمعًا لرعاية الفواصل.
التصريف ومفردات اللغة
﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ الميثاق: العهد الموثق المؤكد باليمين، وهو أنْ يلتزم المعاهِد - بكسر الهاء - للمعاهَد - بفتحا - أنْ يفعل شيئًا، ويؤكد ذلك بيمين، أو بصيغة مؤكدة من ألفاظ المعاهدة أو المواثقة، يجمع على مواثق، ومياثق، ومواثيق، ومياثيق، وأصله موثاق، قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة؛ لأنه من وثق يثق.
﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ أصله؛ أقر، بالإدغام، وإنَّما فك هنا؛ لأنَّه إذ اتصل بالفعل المدغم عينه في لامه ضمير رفع سكن آخره. فيجب حينئذٍ الفك، نحو: حللت وحللنا، كما قال في الخلاصة:
424
وَفُكَّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ | لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ |
نَحْوِ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتُهُ وَفِي | جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيْرٌ قُفِيْ |
﴿إِصْرِي﴾ الإصر - بكسر الهمزة -: العهد المؤكد الذي يمنع صاحبه من التهاون فيما التزمه وعاهد عليه، وهمَّ، اسم من أصره إذا حبسه، من باب ضرب، وهو أيضًا الذنب والثقل كما في "المختار".
﴿طَوْعًا﴾ الطوع: مصدر لطاع لفلان يطوع طوعًا، من باب قال، إذا انقاد له وامتثل أمره.
﴿كرهًا﴾ الكره: مصدر كره الشيء يكره، من باب علم، كرهًا وكرهًا وكراهة وكراهية ضد أحبه، وفي "السمين" ﴿طَوْعًا﴾ ﴿وَكَرْهًا﴾ مصدران في موضع الحال، والتقدير: طائعين وكارهين.
﴿الأسباط﴾ جمع سبط، والمراد بهم الأحفاد، وهم أبناء يعقوب الاثني عشر وذراريهم، ولكن المراد بالأسباط هنا قبائل بني إسرائيل، المتشعبة من أولاد يعقوب.
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ وهو مضارع ابتغى الشيء يبتغي ابتغاء، إذا طلبه، من باب التفعل، وبناؤه لمبالغة ثلاثيه يقال: بغى الشيء من باب رمى بغيًا وبغاء، وبغى وبغية وبغية إذا طلبه.
﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ اسم فاعل من الظلم، والظلم هو العدول عن الطريق الذي يجب سلوكه للوصول إلى الحق ﴿لَعْنَةَ اللَّهِ﴾ واللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط.
﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ الإنظار، الإمهال والتأخير.
425
﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ والملء - بكسر الميم وسكون اللام - وهو ما يؤخذه الإناء إذا امتلأ، يقال: إنه ينام ملء جفنه، إذا نام خاليًا من الغم والهم، ويقال: فلان ملء كسائه؛ أي: سمين، ويجمع على أملأ.
البلاغة
وذكروا في هذه الايات أنواعًا من البلاغة والفصاحة:
فمنها: الالتفات في قوله: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾، ففيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، إذ قبله ميثاق النبيين، وهو لفظ غائب.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ لأن الظاهر في الجواب أن يقال: أقررنا وأخذنا إصرك، فلم يذكر الثاني اكتفاء بالأول.
ومنها: جناس الاشتقاق بين لفظ: ﴿اشهدوا﴾ و ﴿الشَّاهِدِينَ﴾، وكذلك بين لفظ: ﴿كَفَرُوا﴾ و ﴿كُفْرًا﴾، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: الطباق بين ﴿طَوْعًا﴾ ﴿وَكَرْهًا﴾ وبين لفظ الكفر والإيمان في قوله: ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ في موضعين.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿يَهْدِي﴾ و ﴿لَا يَهْدِي﴾، وفي قوله: ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: ﴿كَفَرُوا﴾ و ﴿كُفْرًا﴾.
ومنها: التأكيد بلفظ هم في قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾.
ومنها: قصر صفة على موصوف في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ومثله قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾.
البلاغة
وذكروا في هذه الايات أنواعًا من البلاغة والفصاحة:
فمنها: الالتفات في قوله: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾، ففيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، إذ قبله ميثاق النبيين، وهو لفظ غائب.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ لأن الظاهر في الجواب أن يقال: أقررنا وأخذنا إصرك، فلم يذكر الثاني اكتفاء بالأول.
ومنها: جناس الاشتقاق بين لفظ: ﴿اشهدوا﴾ و ﴿الشَّاهِدِينَ﴾، وكذلك بين لفظ: ﴿كَفَرُوا﴾ و ﴿كُفْرًا﴾، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: الطباق بين ﴿طَوْعًا﴾ ﴿وَكَرْهًا﴾ وبين لفظ الكفر والإيمان في قوله: ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ في موضعين.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿يَهْدِي﴾ و ﴿لَا يَهْدِي﴾، وفي قوله: ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: ﴿كَفَرُوا﴾ و ﴿كُفْرًا﴾.
ومنها: التأكيد بلفظ هم في قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾.
ومنها: قصر صفة على موصوف في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ومثله قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾.
426
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ شبه تماديهم على كفرهم وإجرامهم، بالأجرام التي يزاد بعضها على بعض، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس.
ومنها: العدول من مفعل إلى فعيل؛ لإفادة المبالغة في قوله: و ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ لما في فعيل من المبالغة.
ومنها: الحذف في مواضع إلى غير ذلك (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: العدول من مفعل إلى فعيل؛ لإفادة المبالغة في قوله: و ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ لما في فعيل من المبالغة.
ومنها: الحذف في مواضع إلى غير ذلك (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) إلى هنا انتهى المجلد الرابع من الشرح على الجزء الثالث من القرآن الكريم في تاريخ ٢٤/ ١٢/ ١٤٠٧ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، وأزكى التحية، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
427
تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي
المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة
إشراف ومراجعة
الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
خبير الدراسات برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
«المجلد الخامس»
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي
المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة
إشراف ومراجعة
الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
خبير الدراسات برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
«المجلد الخامس»
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
دار طوق النجاة
بيروت - لبنان
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
دار طوق النجاة
بيروت - لبنان
2
تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
[٥]
[٥]
3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
4
شعر