تفسير سورة آل عمران

إيجاز البيان
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان .
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

ومن سورة آل عمران
١ الم: فتحت الميم لالتقاء الساكنين «١»، أو طرحت فتحة الهمزة عليها «٢».
٢ الْقَيُّومُ: فيعول من قام «٣» : وهو القائم بالقسط، والقائم على كل نفس بما كسبت.
٣ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ: بالتشديد لتكرير تنزيل القرآن.
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ: بالتخفيف، لأنهما أنزلا دفعة.
وأعاد ذكر الفرقان «٤» وهو الكتاب لزيادة فائدة الفرق بين الحق والباطل.
٧ مُحْكَماتٌ: المحكم ما يبيّن واتفق تفسيره فيقطع على مراد بعينه.
(١) هذا قول سيبويه في الكتاب: ٢/ ٢٧٥.
ونقله الزجاج في معانيه: ١/ ٣٧٣ عن بعض البصريين. وانظر إعراب النحاس: ١/ ٣٥٣، ومشكل الإعراب لمكي: ١/ ١٤٨، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٣٥.
قال السمين الحلبي في الدر المصون: ٣/ ٦: «وهو مذهب سيبويه وجمهور الناس فإن قيل: أصل التقاء الساكنين الكسر فلم عدل عنه؟ فالجواب أنهم لو كسروا لكان ذلك مفضيا إلى ترقيق لام الجلالة والمقصود تفخيمها للتعظيم فأوثر الفتح لذلك. وأيضا فقبل الميم ياء وهي أخت الكسرة، وأيضا فقبل هذه الياء كسرة فلو كسرنا الميم الأخيرة لالتقاء الساكنين لتوالى ثلاثة متجانسات فحرّكوها بالفتح كما حركوا في نحو «من الله».
(٢) معاني الزجاج: ١/ ٣٧٣ عن بعض البصريين، وقال: «وهذا أيضا قول الكوفيين».
(٣) معاني الفراء: ١/ ١٩٠، وقال الأخفش في معانيه: ١/ ٣٩٤: فإن «القيوم» : الفيعول، ولكن الياء إذا كانت قبل واو متحركة قلبت الواو ياء، وأصله القيووم... ».
(٤) في قوله تعالى: مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ... [آل عمران: ٤].
179
وقيل «١» : ما يعلم على التفصيل والوقت والمقدار.
والمتشابه بخلافه مثل: وقت الساعة وأشراطها، ومعرفة الصغائر بأعيانها «٢». فالوقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ «٣». ومن وقف على «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»، كان يَقُولُونَ في موضع الحال «٤»، أي يعلمون تأويله «٥» قائلين: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا.
(١) ذكر النحاس في معانيه (١/ ٣٤٤- ٣٤٨) أقوالا كثيرة في المراد ب «المحكم» ثم قال:
«وأجمع هذه الأقوال أن المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى استدلال، والمتشابه ما لم يقم بنفسه، واحتاج إلى استدلال».
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (٣/ ١٦، ١٧) :«المحكمات: المفصلات المبينات الثابتات الأحكام، والمتشابهات هي التي فيها نظر وتحتاج إلى تأويل ويظهر فيها ببادئ النظر إما تعارض مع أخرى أو مع العقل إلى غير ذلك من أنواع التشابه، فهذا الشبه الذي من أجله توصف بمتشابهات، إنما هو بينها وبين المعاني الفاسدة التي يظنها أهل الزيغ ومن لم يمعن النظر وهذا نحو الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام: «الحلال بين الحرام بين، وبينهما أمور متشابهات» أي يكون الشيء حراما في نفسه فيشبه عند من لم يمعن النظر شيئا حلالا، وكذلك الآية يكون لها في نفسها معنى صحيح فتشبه عند من لم يمعن النظر أو عند الزائغ معنى آخر فاسدا فربما أراد الاعتراض به على كتاب الله، هذا عندي معنى الإحكام والتشابه في هذه الآية... ». [.....]
(٢) ذكره الطبري في تفسيره: (٦/ ١٧٩، ١٨٠) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
قال الطبري- رحمه الله-: «وهذا القول ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويل الآية... ».
وانظر هذا القول في تفسير الماوردي: ١/ ٣٠٥، وتفسير البغوي: ١/ ٢٧٩، والمحرر الوجيز: ٣/ ١٩.
(٣) اختاره الفراء في معانيه: ١/ ١٩١، وعزاه النحاس في معاني القرآن: ١/ ٣٥١ إلى الكسائي والأخفش، والفراء، وأبي عبيد، وأبي حاتم الرازي.
(٤) التبيان للعكبري: ١/ ٢٣٩، والبحر المحيط: ٢/ ٣٨٤، والدر المصون: ٣/ ٢٩.
(٥) أورد النحاس في معانيه: ١/ ٣٥٤ هذا القول والذي قبله ثم قال: «والقول الأول وإن كان حسنا فهذا أبين منه، لأن واو العطف الأولى بها أن تدخل الثاني، فيما دخل فيه الأول، حتى يقع دليل بخلافه. وقد مدح الله عز وجل الراسخين بثباتهم في العلم، فدخل على أنهم يعلمون تأويله... » واختاره مكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٤٩ فقال: «عطف على اسم «الله» جل ذكره فهم يعلمون المتشابه، ولذلك وصفهم الله تعالى بالرسوخ في العلم.
ولو كانوا جهالا بمعرفة المتشابه لما وصفوا بالرسوخ في العلم... ».
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (٣/ ٢٥، ٢٦) :«وهذه المسألة إذا تؤملت قرب الخلاف فيها من الاتفاق، وذلك أن الله تعالى قسم آي الكتاب قسمين: محكما ومتشابها، فالمحكم هو المتضح المعنى لكل من يفهم كلام العرب لا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس، ويستوي في علمه الراسخ وغيره، والمتشابه يتنوع، فمنه ما لا يعلم ألبتة، كأمر الروح، وآماد المغيبات التي قد أعلم الله بوقوعها إلى سائر ذلك، ومنه ما يحمل على وجوه اللّغة ومناح في كلام العرب، فيتأول تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم كقوله في عيسى رُوحٌ مِنْهُ إلى غير ذلك، ولا يسمّى أحد راسخا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له، وإلا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يسمى راسخا، وقوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ عائد على جميع متشابه القرآن... ».
180
وأصل المتشابه «١» : أن يشبه اللّفظ اللفظ والمعنيان مختلفان، كقوله «٢» : وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً، ومن المتشابه المشكل أي: دخل في شكل غيره فأشبهه وشاكله. وكأنّ المحكم أمّ الكتاب لأنّه كالأصل في استخراج علم المتشابه منه، وذلك كالاستواء في المتشابه يكون بمعنى الجلوس، وبمعنى القدرة والاستيلاء.
والأول لا يجوز على الله بدليل المحكم وهو قوله «٣» : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
والحكمة في المتشابه البعث على النظر لئلا يهمل العقل «٤».
٨ لا تُزِغْ قُلُوبَنا: لا تملها عن القصد والهدى «٥».
(١) نص هذا الكلام في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ١٠١.
وانظر تفسير الطبري: ٦/ ١٧٣، ومعاني النحاس: ١/ ٣٤٦.
(٢) سورة البقرة: آية: ٢٥.
(٣) سورة الشورى: آية: ١١.
(٤) قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ٨٦: «ولو كان القرآن كلّه ظاهرا مكشوفا حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل، لبطل التفاضل بين الناس وسقطت المحنة وماتت الخواطر، ومع الحاجة تقع الفكرة والحيلة، ومع الكفاية يقع العجز والبلادة».
(٥) معاني الزجاج: ١/ ٣٧٩، وفيه أيضا: أي لا تضلنا بعد إذ هديتنا، وقيل أيضا:
لا تُزِغْ قُلُوبَنا لا تتعبدنا بما يكون سببا لزيغ قلوبنا وكلاهما جيد».
١١ كَدَأْبِ موضع الكاف رفع في موضع خبر الابتداء، أي: دأبهم مثل دأب «١». ولا يجوز نصبا «٢» ب كَفَرُوا لأن كَفَرُوا في صلة الَّذِينَ والكاف خارجة عن الصّلة فلا يعمل فيها ما في الصّلة.
١٢ سَتُغْلَبُونَ: أي: قل لهم: ستغلبون، والياء «٣» بلّغهم بأنهم سيغلبون.
[١٧/ ب] ١٣ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ: قصّة بدر، وكان المسلمون ثلاثمائة/ وبضعة عشر رجلا «٤»، والمشركون زهاء ألف، فقللهم الله في أعين المسلمين لتثبيت قلوبهم.
١٤ زُيِّنَ لِلنَّاسِ: الله زيّنها للابتلاء «٥»، وقد زهّد فيها بأن أرى زوالها.
(١) وهو قول الزجاج في معانيه: ١/ ٣٨٠، والنحاس في معاني القرآن: ١/ ٣٦٠، وانظر الكشاف: ١/ ٤١٤، والمحرر الوجيز: ٣/ ٣٢، وتفسير القرطبي: ٤/ ٢٣، والدر المصون:
٣/ ٣٧.
(٢) قال بالنصب الفراء في معانيه: ١/ ١٩١، وردّه الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٣٨٠، ومكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٥٠، والسمين الحلبي في الدر المصون: ٣/ ٣٧.
(٣) جاء في هامش الأصل: «أي قراءة الياء: بلغهم إلخ» اهـ.
وهي قراءة حمزة والكسائي. كما في السبعة لابن مجاهد: ٢٠٢، والكشف لمكي:
١/ ٣٣٥.
(٤) صحيح البخاري: ٥/ ٥، كتاب المغازي، باب «عدة أصحاب بدر»، تفسير الطبري:
٥/ ٣٤٦، وتاريخه: ٢/ ٤٣٣.
(٥) ذكر هذا المعنى الزجاج في معانيه: ١/ ٣٨٣.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٤٠: «اختلف الناس من المزين؟ فقالت فرقة: الله زين ذلك وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه قال لما نزلت هذه الآية: قلت الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ.
وقالت فرقة: المزين هو الشيطان، وهذا ظاهر قول الحسن بن أبي الحسن...
وإذا قيل زين الله، فمعناه بالإيجاد والتهيئة لانتفاع وإنشاء الجبلة عن الميل إلى هذه الأشياء، وإذا قيل زين الشيطان فمعناه بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها.
والآية تحتمل هذين النوعين من التزيين ولا يختلف مع هذا النظر... »
. [.....]
182
والقنطار من الدينار ملء مسك ثور «١». وقيل «٢» : ألف مثقال.
والمقنطرة: المضاعفة «٣». وقيل «٤» : المعدّة المنضّدة على قياس الدنانير المدنّرة. وفي الحديث «٥» «جاء الإسلام وبمكة مائة رجل كلّهم قد قنطر»، أي:
صار لهم قنطار من المال.
(١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٦/ ٢٤٨ عن أبي نضرة، ونقله الماوردي في تفسيره:
١/ ٣١٠، وابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٤٢ عن أبي نضرة أيضا.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١١٥ (تفسير سورة آل عمران) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ١٦٢ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد والبيهقي عن أبي سعيد الخدري.
والمسك: بفتح الميم وسكون السين: الجلد.
اللسان: ١٠/ ٤٨٦ (مسك).
(٢) ذكره ابن قتيبة في تفسير الغريب: ١٠٢، ومكي في تفسير المشكل: ١٢٥ دون عزو، ونقل ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣٥٩ عن الكلبي أن القنطار ألف مثقال من ذهب أو فضة.
وقال ابن سيده في المحكم: ٦/ ٣٨٥: «وهو بلغة بربر ألف مثقال من ذهب أو فضة» وأورد الطبري رحمه الله في تفسيره: (٦/ ٢٤٤- ٢٤٩) الأقوال التي قيلت في تحديد «القنطار» ثم قال: «وقد ذكر أهل العلم بكلام العرب: أن العرب لا تحد القنطار بمقدار معلوم من الوزن، ولكنها تقول: هو قدر وزن... وقد ينبغي أن يكون ذلك كذلك، لأن ذلك لو كان محددا قدره عندها، لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه كل هذا الاختلاف.
فالصواب في ذلك أن يقال: هو المال الكثير، كما قال الربيع بن أنس، ولا يحدّ قدر وزنه بحدّ على تعسّف... »
.
وقال الزجاج في معانيه: ١/ ٣٨٣: «ومعنى القناطير» عند العرب الشيء الكثير من المال وهو جمع قنطار.
(٣) معاني الفراء: ١/ ١٩٥، وتفسير الطبري: ٦/ ٣٤٩، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٣١٠، عن قتادة.
وانظر تفسير البغوي: ١/ ٢٨٤، والمحرر الوجيز: ٣/ ٤٣.
(٤) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: ٦/ ٢٥٠ عن السدي. وذكره الماوردي في تفسيره:
١/ ٣١٠.
(٥) ذكره البغوي في تفسيره: ١/ ٢٨٤ وعزاه إلى سعيد بن جبير، وعكرمة وأورده الزمخشري في الكشاف: ١/ ٤١٦ دون عزو.
183
والمسوّمة: المعلّمة «١»، وقيل «٢» : السّائمة الراتعة.
١٨ شَهِدَ اللَّهُ: قضى الله «٣»، وقيل «٤» : قال الله، بلغة قيس عيلان، أو «٥» شهادة الله: إخبار، وشهادتنا: إقرار.
أو شهادة الله: خلقه العالم فمشاهدة آثار الصّنعة شهادة على صانعها الحكيم.
قائِماً بِالْقِسْطِ: على الحال من اسم الله، أي: ثبت تقديره واستقام تدبيره بالعدل، ونظير هذه الحال مما يؤكّد الأول: هو زيد معروفا، وهو الحقّ مصدّقا.
١٩ إِنَّ الدِّينَ: بالكسر على الاستئناف «٦»، وبالنصب «٧» على البدل من أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
(١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٦/ ٢٥٤ عن ابن عباس، وقتادة. ورجحه الطبري ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٣١١ عن ابن عباس وقتادة أيضا.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: ٦/ ٢٥٢ عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، والربيع بن أنس، ومجاهد.
قال الطبري: «وأما من تأوله بمعنى: الراعية، فإنه ذهب إلى قول القائل، أسمت الماشية فأنا أسيمها أسامة» إذا رعيتها الكلأ والعشب... ».
وقد حسّن الزجاج هذا القول في معاني القرآن: ١/ ٣٨٤.
(٣) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٨٩، وقد رده الطبري في تفسيره: ٦/ ٢٧٢ بقوله:
«فأما ما قال الذي وصفنا قوله: من أنه عني بقوله: شَهِدَ، قضى. فمما لا يعرف في لغة العرب ولا العجم، لأن «الشهادة» معنى، والقضاء غيرها».
(٤) لغات القبائل الواردة في القرآن: (٦٤، ٦٥).
وانظر البحر المحيط: ٢/ ٤٠٢، والدر المصون: ٣/ ٧٤، واللسان: ٣/ ٢٣٩ (شهد).
(٥) في «ج» : إذ.
(٦) معاني الفراء: ١/ ٢٠٠، واختاره الطبري في تفسيره: ٦/ ٢٦٨. وقال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٣٨٦: «والأكثر على فتح أَنَّهُ وكسر إِنَّ الدِّينَ.
(٧) قراءة النصب الكسائي كما في معاني الفراء: ١/ ٢٠٠، والسّبعة لابن مجاهد: (٢٠٢، ٢٠٣)، والكشف لمكي: ١/ ٣٣٨، والدر المصون: ٣/ ٨٣.
184
وحكى غالب بن [خطاف] «١» القطان عن الأعمش «٢» أنه تهجد ليلة فمر بهذه الآية فقال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة.
ثم حدّث «٣» عن أبي وائل «٤» عن عبد الله «٥» عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى: عهد إليّ عبدي وأنا أحق من وفّى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنّة» «٦».
(١) في الأصل: غالب بن داور القطان، والمثبت في النص عن «ك» وعن المصادر التي أوردت هذا الأثر وهو غالب بن خطّاف القطان. قال الحافظ في التقريب: ٤٤٢: وهو ابن أبي غيلان القطان، أبو سليمان البصري «صدوق من السادسة».
وقال عنه الحافظ الذهبي في المغني: ٢/ ٩٢: «ثقة مشهور، سمع الحسن. ذكر ابن الجوزي حديثا لغالب بن خطاف القطان عن الأعمش في شَهِدَ اللَّهُ قال: وهو معضل.
وقال ابن عدي: الضعف على حديثه بين. وقال أحمد بن حنبل: ثقة ثقة.
قال الذهبي: قلت لعل الذي ضعفه ابن عدي غالب آخر فيتأمل ذلك»
.
ونقل القرطبي في تفسيره: ٤/ ٤٢ قول ابن الجوزي. وتوثيق أحمد بن حنبل ويحيى بن معين لغالب. ثم قال: «يكفيك من عدالته وثقته أن خرّج له البخاري ومسلم في كتابيهما، وحسبك».
(٢) هو سليمان بن مهران الأسدي الكوفي، الإمام الحافظ المشهور.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ: ١/ ١٥٤، وسير أعلام النبلاء: ٦/ ٢٢٦، وتقريب التهذيب:
٢٥٤. [.....]
(٣) أي الأعمش.
(٤) هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي. أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يره، قال عنه الحافظ في التقريب:
٢٦٨: «ثقة، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة».
وانظر ترجمته في وفيات الأعيان: ٢/ ٤٧٦، وسير أعلام النبلاء: ٤/ ١٦١، وطبقات الحفاظ: ٢٠.
(٥) هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(٦) أخرجه ابن عدي في الكامل: (٥/ ١٦٩٣، ١٦٩٤)، والطبراني في الكبير: ١٠/ ٢٤٥، والبيهقي في شعب الإيمان (٢/ ٤٦٤، ٤٦٥)، باب في تعظيم القرآن، فصل في فضائل السور والآيات، وضعفه.
وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد: ٧/ ١٩٣، والبغوي في تفسيره: (١/ ٢٨٦، ٢٨٧)، كلهم من طريق عمر بن المختار وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: (٦/ ٣٢٨، ٣٢٩)، وقال: «رواه الطبراني وفيه عمر بن المختار، وهو ضعيف».
وضعف المناوي في الفتح السماوي: ١/ ٣٧٤ سند هذا الحديث. وعمر بن المختار متهم بالوضع.
ينظر ميزان الاعتدال: ٣/ ٢٢٣، ولسان الميزان: ٤/ ٣٢٩.
185
بَغْياً بَيْنَهُمْ: مفعول للاختلاف «١»، أو مصدر فعل محذوف، أي:
بغوا بينهم بغيا «٢».
٢٥ فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ: أي: كيف حالهم.
٢٦ اللَّهُمَّ: الميم بدل من ياء النّداء، ولهذا لا يجمع بينهما «٣».
٢٧ بِغَيْرِ حِسابٍ: إذ المحسوب يقال للقليل.
٢٩ يَعْلَمْهُ: مجزوم بالشرط، وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ: مرفوع على الاستئناف «٤».
٣٠ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ: لتحقيق الاختصاص كتحقيقه بالصفة «٥» لو
(١) مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٥٢، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٤٨، والدر المصون: ٣/ ٩٠.
(٢) هذا قول الزجاج في معانيه: ١/ ٣٨٧، وانظر الدر المصون: ٣/ ٩٠.
(٣) هذا مذهب البصريين ودليلهم عدم الجمع بينهما.
ينظر الإنصاف لابن الأنباري: ١/ ٣٤٣.
والكوفيون لا يعتبرون الميم عوضا عن الياء، وقال السمين الحلبي في الدر المصون:
٣/ ٩٧: «وهذا خاص بالاسم الشريف فلا يجوز تعويض الميم من حرف النداء في غيره إلا في ضرورة... ». ونقل الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٣٩٤ عن الخليل وسيبويه- وجميع النحويين الموثوق بعلمهم- أن «اللهم» بمعنى يا الله، وأن الميم المشددة عوض من «يا» لأنهم لم يجدوا ياء مع هذا الميم في كلمة، ووجدوا اسم الله جل وعز مستعملا ب «يا» وإذا لم يذكر الميم. فعلموا أن الميم من آخر الكلمة بمنزلة «ياء» في أولها والضمة التي في أولها ضمة الاسم المنادى في المفرد، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم التي قبلها... ».
(٤) معاني الفراء: ١/ ٣٠٦، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٥٢.
وقال السمين الحلبي في الدر المصون: (٢/ ١١٣، ١١٤) :«ويعلم: مستأنف، وليس منسوقا على جواب الشرط، وذلك أن علمه بما في السموات وما في الأرض غير متوقف على شرط فلذلك جيء به مستأنفا، وفي قوله: وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من باب ذكر العام بعد الخاص وهو ما فِي صُدُورِكُمْ.
(٥) جاء في هامش الأصل: «في التذكرة يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ معناه: يحذركم الله منه إلا أن فعل الفاعل لا يوقع على نفسه، لا تقول: حذرتكني ولا أحذرك إياي، ولكن أحذرك نفسي. ونفس الشيء الشيء بعينه في هذا الموضع كقوله تعالى في حكاية كلام عيسى:
تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ اهـ.
قيل: حذّركم «١» الله المجازى لكم.
٣١ تُحِبُّونَ اللَّهَ: تقصدون طاعته. والمحبة من الله العفو والإنعام، ومن العبد/ الطاعة والرضا «٢». [١٨/ أ]
٣٣ آلَ إِبْراهِيمَ: أهل دينه من كلّ حنيف مسلم «٣».
آلَ عِمْرانَ: موسى وهارون «٤».
٣٤ ذُرِّيَّةً: نصبها على البدل من آلَ إِبْراهِيمَ»
، ويجوز حالا «٦».
وأصلها من ذرا الله الخلق «٧»، أو ذرر من الذرّ كما في الخبر «٨» أنّ الخلق
(١) في «ج» : أحذركم.
(٢) هذا النص- بمعناه- في معاني الزجاج: ١/ ٣٩٧. وانظر معاني النحاس: ١/ ٣٨٤.
(٣) ذكر ابن الجوزي هذا القول في زاد المسير: ١/ ٣٧٤ وعزاه إلى ابن عباس والحسن.
(٤) على هذا القول يكون عمران- هنا- ابن يصهر بن قاهث. وهو قول مقاتل كما في تفسير البغوي: ١/ ٢٩٤، وزاد المسير: ١/ ٣٧٥، والبحر المحيط: ٢/ ٤٣٤.
قال ابن عسكر في التكميل والإتمام: (١٧ أ- ١٧ ب) :«واحتج صاحب هذا القول بأن إبراهيم- عليه السلام- يقرن بموسى في القرآن كثيرا. وذكر بعضهم أن عمران هنا هو ابن ماثان، كما ذكره الشيخ أبو زيد (السهيلي في التعريف والإعلام: ٣٢)، فآله على هذا مريم وعيسى عليهما السلام. وبين عمران والد موسى وعمران والد مريم ألف وثمانمائة سنة.
والظاهر- والله أعلم- أن عمران في قوله: وَآلَ عِمْرانَ هو ابن ماثان والد مريم كما ذكره الشيخ، بدليل قوله تعالى: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ وهي أم مريم... فبالإشارة إلى عمران المتقدم، دل على أن الأول هو الثاني... »
.
وانظر المعارف لابن قتيبة: ٥٢، وتاريخ الطبري: ١/ ٥٨٥، والمحرر الوجيز: ٣/ ٨٣، والبحر المحيط: ٢/ ٤٣٤، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٢٦.
(٥) الكشاف: ١/ ٤٢٤، والبحر المحيط: ٢/ ٤٣٥، والدر المصون: ٣/ ١٢٩. [.....]
(٦) ذكره الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٠٧، والأخفش في معاني القرآن: ١/ ٢٠٠. وانظر معاني الزجاج: ١/ ٣٩٩، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٥٣، والدر المصون: ٣/ ١٢٩.
(٧) معاني الزجاج: (١/ ٣٩٩، ٤٠٠)، وزاد المسير: ١/ ٣٧٥.
(٨) أخرج الإمام أحمد في مسنده: ١/ ١٧٢، والحاكم في المستدرك: ٢/ ٥٤٤، والبيهقي في الأسماء والصفات: ٢/ ٥٨ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا إلى قوله: الْمُبْطِلُونَ.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
من الذرّ، أو ذرو، أو ذري من ذروت الحبّ وذرّيته «١» كقوله «٢» : تَذْرُوهُ الرِّياحُ.
٣٥ مُحَرَّراً: مخلصا على عاداتهم «٣» للتبتّل وحبس الأولاد على العبادة في بيت المقدس «٤»، أو عتيقا من أمر الدنيا للتّخلّي بالعبادة «٥».
٣٧ وَأَنْبَتَها نَباتاً: أي: أنبتها فنبتت نباتا حسنا «٦».
وَكَفَّلَها: قبلها وقام بأمرها، وفي الحديث «٧» : الرّابّ كافل»، وهو زوج أمّ اليتيم، وبالتثقيل «٨» أمر بتكفّلها.
(١) في اللسان: ٤/ ٣٠٣ (ذرر) : ذررت الحبّ... أذره ذرا: فرقته».
(٢) سورة الكهف: آية: ٤٥.
(٣) في «ج» : عادتهم.
(٤) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٣، وتفسير الطبري: ٦/ ٣٢٩، ومعاني الزجاج:
١/ ٤٠١.
(٥) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٠، وأخرج الطبري في تفسيره: ٦/ ٣٣١ عن مجاهد قال:
«خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا».
قال النحاس في معاني القرآن: ١/ ٣٨٦: «وهذا معروف في اللغة، أن يقال لكل ما خلص: حر ومحرر بمعناه».
وقال القرطبي في تفسيره: ٤/ ٦٦: «مأخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية من هذا تحرير الكتاب، وهو تخليصه من الاضطراب والفساد... ».
وانظر تفسير المشكل لمكي: ١٢٧، والمحرر الوجيز: ٣/ ٨٦.
(٦) عن معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٠٢، قال الزجاج: «أي جعل نشوءها نشوءا حسنا... ».
(٧) الحديث في الفائق: ٣/ ٢٧٢، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ٢٩٧، والنهاية:
٤/ ١٩٢.
(٨) وهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: (٢٠٤، ٢٠٥)، والكشف لمكي: ١/ ٣٤١.
ورجح الطبري هذه القراءة في تفسيره: ٦/ ٣٤٥.
قال السمين الحلبي في الدر المصون: ٣/ ١٤٢: «وأما قراءة بقية السبعة فكفل مخفف عندهم متعد لواحد وهو ضمير مريم، وفاعله «زكريا» ولا مخالفة بين القراءتين لأن الله لما كفّلها إياه كفلها... ».
والمحراب: أعلى موضع في المجلس «١»، وفي الحديث «٢» :«أنه كان يكره المحاريب»، أي: لم يكن يترفع.
٣٨ هُنالِكَ عند ذلك «٣»، وهناك ظرف مكان، وباللّام يصير ظرف زمان لأنّ اللام للتعريف، والزمان أدخل في التعريف.
٣٩ يُبَشِّرُكَ: من البشارة «٤»، وبالتخفيف «٥» من بشرته أبشره إذا فرّحته.
بِكَلِمَةٍ: بعيسى لأنه كان بكلام الله كُنْ «٦»، ولم يكن من أب، أو كان يهتدى به كما بكلمات الله «٧»، أو الله تكلّم في التوراة بولادته
(١) قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٠٣: «والمحراب في اللغة الموضع العالي الشريف» وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٩١: «المحراب: سيد المجالس ومقدّمها وأشرفها وكذلك هو من المساجد».
وانظر تفسير الطبري: ٦/ ٣٥٧، ومعاني النحاس: ١/ ٣٨٨، والنهاية لابن الأثير:
١/ ٣٥٩.
(٢) الحديث بهذا اللّفظ في النهاية: ١/ ٣٥٩.
وفي غريب الحديث لابن الجوزي: ١/ ١٩٩: «وكان أنس يكره المحاريب» أي لم يكن يحب الترفع عن الناس.
(٣) تفسير الطبري: ٦/ ٣٥٩، وقال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٠٤: «والمعنى في ذلك المكان من الزمان ومن الحال دعا زكريا ربه... ». [.....]
(٤) تفسير الطبري: ٦/ ٣٦٨.
(٥) «يبشرك» بضم الياء وكسر الشين وتخفيفها.
هي قراءة حميد بن قيس كما في تفسير الطبري: ٦/ ٣٦٩، والبحر المحيط: ٢/ ٤٤٧.
(٦) إشارة إلى قوله تعالى: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة مريم: ٣٤، ٣٥].
وانظر هذا التعليل الذي ذكره المؤلف في معاني النحاس: ١/ ٣٩١، وتفسير البغوي:
١/ ٢٩٩ وقد أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٦/ ٤١١ عن قتادة، وانظر تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤.
(٧) معاني النحاس: ١/ ٣٩٢، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٢٠، وتفسير البغوي: ١/ ٢٩٩.
من العذراء البتول «١».
والحصور: الممنوع عن إتيان النساء «فعول» بمعنى «مفعول» : كناقة حلوب، وطريق ركوب «٢»، ويقال للملك: حصير «٣» لأنّه محجوب عن النّاس فهو محصور.
٤٠ أَنَّى: يكون على التعجب لا التشكك استعظاما للقدرة على نقض العادة «٤»، أو هو سؤال حاله من الولد، أيردّ إلى الشّباب وامرأته ولودا، فقال كَذلِكَ: أي على حالكما في العقم والكبر «٥».
٤١ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً: علامة لوقت الحمل لتعجّل السّرور به «٦»،
(١) ذكر البغوي نحو هذا القول في تفسيره: ١/ ٢٩٩، وأضاف المؤلف في وضح البرهان:
١/ ٢٤٠: «وأنه يكلم في المهد ويحيي الموتى».
(٢) معاني الفراء: ١/ ٢١٣، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ٩٢، وتفسير الطبري: (٦/ ٣٧٦- ٣٨٠)، واللسان: ٤/ ١٩٤ (حصر).
وأورد الفخر الرازي هذا القول في تفسيره: ٨/ ٤٠، ثم قال: «وهذا القول عندنا فاسد لأن هذا من صفات النقصان، وذكر صفة النقصان في معرض المدح لا يجوز ولأن على هذا التقدير لا يستحق به ثوابا ولا تعظيما.
والقول الثاني- وهو اختيار المحققين- أنه الذي لا يأتي النساء لا للعجز بل للعفة والزهد، وذلك لأن الحصور هو الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها كالأكول الذي يكثر منه الأكل وكذا الشروب، والظلوم، والغشوم، والمنع إنما يحصل أن لو كان المقتضى قائما، فلولا أن القدرة والداعية كانتا موجودتين، وإلا لما كان حاصرا لنفسه فضلا عن أن يكون حصورا، لأن الحاجة إلى تكثير الحصر والدفع إنما تحصل عند قوة الرغبة والداعية والقدرة، وعلى هذا «الحصور»
بمعنى الحاصر، فعول بمعنى فاعل» اهـ.
(٣) أساس البلاغة: ١/ ١٧٧ (حصر).
(٤) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٣٢١ دون عزو، وانظر تفسير ابن كثير: ٢/ ٣١.
(٥) معاني الزجاج: ١/ ٤٠٨، معاني النحاس: (١/ ٣٩٥، ٣٩٦)، ونقله الماوردي في تفسيره:
١/ ٣٢١، والبغوي في تفسيره: ١/ ٣٠٠، عن الحسن.
ونسبه ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣٨٤ إلى الحسن، وابن الأنباري، وابن كيسان.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ١٠٦: «وهذا تأويل حسن يليق بزكريا عليه السلام».
(٦) معاني الزجاج: ١/ ٤٠٩، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ١٠٨: «سأل علامة على وقت الحمل ليعرف متى يحمل بيحيى».
190
فمنع كلام النّاس ولم يمنع ذكر الله «١».
والرّمز: الإيماء الخفيّ «٢».
وإنّما ألقوا الأقلام «٣» وضربوا عليها بالقداح تفاديا عنها «٤» لأنّ السّنين «٥» ألحّت عليهم. وقيل «٦» : بل تنافسوا في كفالتها مقترعين فقرعهم زكريا.
وسمّي بالمسيح «٧» لأنه مسح بالتبرك «٨»، أو مسحه إيلياء/ بالدّهن، [١٨/ ب] «فعيل» بمعنى «مفعول» «٩» كالصّريع والجريح، وقيل ما مسح ذا عاهة إلّا برأ «١٠» بمعنى «الفاعل» كالرّحيم والعليم.
(١) بدليل قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ وسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.
(٢) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٥، وقال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٠٩: «والرمز في اللّغة كل ما أشرت به إلى بيان بلفظ، أي بأي شيء أشرت، أبفم أم بيد أم بعينين.
والرمز والترمز في اللّغة الحركة والتحرّك»
.
وفي اللسان: ٥/ ٣٥٦ (رمز) :«الرّمز: تصويت خفي باللسان كالهمس، ويكون تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللّفظ من غير إبانة بصوت إنما هو إشارة بالشفتين... ».
(٣) إشارة إلى قوله تعالى: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آية: ٤٤].
والأقلام: السهام قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤١١: «وإنما قيل للسّهم القلم لأنه يقلم أي يبرى وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته... ».
(٤) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٣٢٣ عن سعيد. [.....]
(٥) المراد ب «السنين» هنا شدّة الجدب والقحط.
(٦) أخرجه الطبري في تفسيره: (٦/ ٤٠٨، ٤٠٩) عن مجاهد، وقتادة، والضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٣٢٣ عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن، والربيع.
(٧) من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آية: ٤٥].
(٨) أشار ناسخ الأصل إلى نسخة أخرى ورد فيها: بالبركة. وكذا ورد في تفسير الطبري:
٦/ ٤١٤ عن سعيد، وفي تفسير الماوردي: ١/ ٣٢٤، وزاد المسير: ١/ ٣٨٩ عن الحسن وسعيد بن جبير.
(٩) تفسير الطبري: ٦/ ٤١٤، وفيه: «يعني مسحه الله فطهره من الذنوب».
(١٠) نقله البغوي في تفسيره: ١/ ٣٠٢، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣٨٩، والقرطبي في تفسيره: ٤/ ٨٩ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر المحرر الوجيز: ٣/ ١١٩، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤.
191
وإنما ألقوا الأقلام وضربوا عليها بالقداح تفاديا عنها، لأن السنين ألحت عليهم، وقيل : بل تنافسوا في كفالتها مقترعين فقرعهم زكريا١.
١ انظر مفاتيح الغيب ج٨ ص٥٠..
وسمي بالمسيح، لأنه مسح بالبركة١، أو مسحه أيلياء بالدهن. فعيل بمعنى مفعول كالصريع والجريح، وقيل : ما مسح ذا عاهة إلا برأ٢ بمعنى الفاعل كالرحيم والعليم، وقيل : هو المصدق : أي صدقة الحواريون بمعنى المفعل كالوكيل والوليد٣.
١ قاله الحسن وسعيد انظر زاد المسير ج١ ص٣٨٩، والبحر المحيط ج٣ ص١٥٢..
٢ قاله ابن عابس. زاد المسير ج١ ص٣٨٩..
٣ في ب والوكيد وروي هذا القول عن مجاهد والنخعي انظر البحر المحيط ج٣ ص١٥٣..
وإخبار الملائكة بكلامه كهلا على أنه١ يبلغ الكهولة وهذا علم الغيب٢. وفيه أيضا رد على النصارى لأن من تختلف أحواله لا يكون إلها٣.
٤٦ وموضع [ ويكلم ] نصب بالعطف/ على " وجيها " أي : وجيها ومكلما كهلا ورسولا٤.
١ في ب على أن..
٢ روي هذا القول عن ابن كيسان انظر البحر المحيط ج٣ ص١٥٦..
٣ انظر ذلك في البحر المحيط ج٣ ص١٥٦..
٤ انظر معاني القرآن وإعرابه ج١ ص٤١٢، وإعراب القرآن لنحاس ج١ ص٣٧٧..
وقيل: هو المصدّق، أي: صدّقه الحواريون بمعنى المفعّل كالوكيل والوليد.
وإخبار الملائكة بكلامه كهلا «١» دليل على أنّه يبلغ الكهولة وهذا علم الغيب، وفيه أيضا ردّ على النّصارى، لأنّ من تختلف أحواله لا يكون إلها.
وموضع وَيُكَلِّمُ نصب بالعطف على وَجِيهاً أي: وجيها:
ومكلما كهلا ورسولا.
٥٢ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ: أي لله «٢»، أو مع نصرة الله بتقدير: من ينضاف نصره إلى الله «٣»، وإلّا فلا يجوز سرت إليه وأنت تريد معه.
والحواريّون: القصّارون لتحويرهم وتبييضهم الثياب «٤»، والحواريات: النساء اللّائي ينزلن الأمصار «٥».
٥٣ مَعَ الشَّاهِدِينَ: [مع] «٦» الذين شهدوا بتصديق الأنبياء.
٥٤ وَمَكَرَ اللَّهُ: على مزاوجة الكلام «٧»، أو هو على تمام معنى المكر
(١) من قوله تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آية: ٤٦].
(٢) ذكره السّمين الحلبي في الدر المصون: ٣/ ٢٠٨، وقال: «كقوله: يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ:
أي: للحق، كذا قدّره الفارسي»
.
(٣) معاني النحاس: ١/ ٤٠٥، وتفسير القرطبي: ٤/ ٩٧، والدر المصون: (٣/ ٢٠٧، ٢٠٨).
(٤) تفسير الطبري: ٦/ ٤٥٠، ومعاني الزجاج: ١/ ٤١٧، ومعاني النحاس: ١/ ٤٠٦، وقال الراغب في المفردات: ١٣٥: «حوّرت الشيء بيضته ودوّرته، ومنه الخبز الحوّار.
والحواريّون أنصار عيسى صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: كانوا قصارين... »
.
(٥) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٥، ومعاني الزجاج: ١/ ٤١٧، وقال الزمخشري في الكشاف: ١/ ٤٣٢ «ومنه قيل للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن».
(٦) عن نسخة «ج».
(٧) قال الماوردي في تفسيره: ١/ ٣٢٥: «وإنما جاز قوله: وَمَكَرَ اللَّهُ على مزاوجة الكلام وإن خرج عن حكمه، نحو قوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وليس الثاني اعتداء. وأصل المكر: الالتفاف، ولذلك سمي الشجر الملتف ماكرا والمكر هو الاحتيال على الإنسان لالتفاف المكروه به، والفرق بين المكر والحيلة أن الحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إلى الإضرار، والمكر: «التوصل إلى إيقاع المكروه به».
وقال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤١٩: «المكر من الخلائق خبّ وخداع، والمكر من الله المجازاة على ذلك، فسمى باسم ذلك لأنه مجازاة عليه كما قال عز وجل: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فجعل مجازاتهم على الاستهزاء بالعذاب، لفظه لفظ الاستهزاء.
وكما قال جل وعز: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فالأولى سيئة والمجازاة عليها سميت باسمها، وليست في الحقيقة سيئة.
منا من إرادة ضرر الممكور به بتدبير خفيّ، وكانوا أرادوا قتل نبيهم فقتل الله صاحبهم تطيانوس «١».
٥٥ مُتَوَفِّيكَ: قابضك برفعك إلى السماء «٢».
توفّيت منه حقي: تسلمته [وافيا] «٣»، وإضافة الرّفع إليه للتفخيم كقول إبراهيم حين ذهب من العراق إلى الشام إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي «٤».
٦١ تَعالَوْا: تقدموا لأنّ التقدّم تعال «٥»، وقولك: قدّمته إلى الحاكم
(١) هذا من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكره البغوي في تفسيره: ١/ ٣٠٧، والفخر الرازي في تفسيره: ١١/ ١٠٢، وفي تفسير الطبري: ٩/ ٣٧٢ عن ابن إسحاق أنه كان أحد حواري عيسى عليه السلام وأنّ اسمه «سرجس». وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١٧٠١ (سورة النساء) عن ابن عباس رضي الله عنهما دون ذكر اسم الحواري- وفيه أن عيسى عليه السلام- قال: «أيكم يلقى عليه شبهي. فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي... ». قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٢/ ٤٠١: «وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، ورواه النسائي عن أبي كريب، عن أبي معاوية بنحوه. وكذا ذكر غير واحد من السلف أنه قال لهم: أيكم يلقي عليه شبهي، فيقتل مكاني، وهو رفيقي في الجنة».
وانظر المحرر الوجيز: ٤/ ٢٨٤، والدر المنثور: (٢/ ٧٢٧، ٧٢٨). [.....]
(٢) هذا على أنه قبض من الأرض بغير موت، وقد رجحه الطبري في تفسيره: ٦/ ٤٥٨ وقال:
«لتواتر الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدة ذكرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه».
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) سورة الصافات: آية: ٩٩.
(٥) قال المؤلف رحمه الله في كتابه وضح البرهان: ١/ ٢٤٥: «تعالوا أصله «تعاليوا» فسقطت الياء تخفيفا وبقيت الواو علامة للجمع... ».
كقولك: ترافعنا إليه.
نَبْتَهِلْ: نلتعن «١»، وفي حديث أبي بكر «٢» :«من ولى من أمر النّاس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله».
وقيل: نخلص في الدعاء على الكاذب، فامتنع المحاجّون عن المباهلة، وهم نصارى نجران «٣».
٦٢ إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ: الْحَقُّ خبر «هذا القصص»، ولَهُوَ عطف بيان لتقرير المعنى «٤».
٦٦ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: فيما في كتابكم من نبوّة محمد «٥».
فَلِمَ تُحَاجُّونَ: فيما ليس فيه من دين إبراهيم أنه كان يهوديا.
٧٢ وَجْهَ النَّهارِ: أوله «٦»، وكان- عليه السّلام- يصلّي إلى بيت [١٩/ أ] المقدس في أوّل مقدمه المدينة، ثم صرفه الله إلى الكعبة آخر النّهار «٧» /.
(١) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٦، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٦، وتفسير الطبري: ٦/ ٤٧٤، ومفردات الراغب: ٦٣، واللسان: ١١/ ٧٢ (بهل).
(٢) أورده ابن الجوزي في غريب الحديث: ١/ ٩٣، وابن الأثير في النهاية: ١/ ١٦٧ و «بهلة الله» أي: لعنة الله وتضم باؤها وتفتح.
(٣) راجع قصة المباهلة في السيرة لابن هشام: (١/ ٥٧٣- ٥٨٤)، وتفسير الطبري:
(٦/ ١٥١- ١٥٣)، وأسباب النزول للواحدي: ١٣٧.
(٤) قال المؤلف في كتابه وضح البرهان: ١/ ٢٤٦: لَهُوَ عطف بيان، ويجيء في مثل هذا الموضع لتقرير المعنى. والكوفيون يقولون لمثله «العماد» ولا يرون له موضعا من الإعراب وكذلك حكم هؤلاء في قوله: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ.
(٥) تفسير البغوي: (١/ ٣١٢، ٣١٣).
(٦) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٦، وتفسير الطبري: ٦/ ٥٠٨، ومعاني الزجاج: ١/ ٤٢٩، ومعاني النحاس: ١/ ٤٢٠.
(٧) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ١٦٨ عن جماعة من المفسرين. وأورد- نحوه- ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٤٠٥، وقال: «رواه أبو صالح عن ابن عباس». وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (٢/ ٤٨، ٤٩) :«هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إنما ردّهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين، ولهذا قالوا: لعلهم يرجعون».
[ أن يؤتى أحد ] هو حكاية قول اليهود لقومهم : إنا والمسلمون على الهدى١، ولكن لا تؤمنوا لهم لئلا يصدقهم المشركون ويحاجوكم في إيمانهم فيكون [ قل إن الهدى هدى الله ] اعتراضا من قول الله في حكاية كلامهم٢.
١ ف أ هدى..
٢ في ب حكاية في كلامهم. وهذا القول روي عن مجاهد وغيره انظر المحرر الوجيز ج٣ ص١٦٩، وزاد المسير ج١ ص٤٠٦، والبحر المحيط ج٣ ص٢١٦..
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ: أي: ما أنزل في آخره لعلهم يرجعون إلى القبلة الأولى.
أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ: هو حكاية قول اليهود لقومهم: إنا والمسلمون على هدى، ولكن لا تؤمنوا لهم لئلا يصدّقهم المشركون ويحاجوكم في إيمانهم. فيكون قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ اعتراضا من قول الله في حكاية كلامهم.
٧٥ لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ: أي: فيما أصبنا من أموال العرب «١» في يهوديّ أنكر أمانة يهوديّ لما أسلم «٢».
والعرب أميّون للنسبة إلى أمّ القرى «٣»، أو لأنهم لا يكتبون فهم على ما ولدتهم أمّهم «٤».
(١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٦/ ٥٢٢ عن قتادة والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٢٤٣ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن قتادة.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٣٣٠، وتفسير البغوي: ١/ ٣١٧.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: ١/ ٢٧٦: «المعنى: فعلوا ذلك لاعتقادهم أن ظلمهم لأهل الإسلام جائز، تقدير كلامهم: ليس علينا في ظلم الأميين سبيل، أي إثم. وقولهم هذا كذب صادر عن اعتقاد باطل مركب على كفر، فإنهم أخبروا عن التوراة بما ليس فيها، وذلك قوله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ اهـ.
(٢) أخرج الطبري في تفسيره: ٦/ ٥٢٣ عن ابن جريج قال: «بايع اليهود رجال من المسلمين في الجاهلية، فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم، فقالوا: ليس لكم علينا أمانة، ولا قضاء لكم عندنا، لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه قال: وادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم، فقال الله عز وجل: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وأخرج- نحوه- ابن أبي حاتم في تفسيره: ٣٥٠ (سورة آل عمران) عن ابن جريج أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٢٤٤، وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن جريج.
(٣) ذكره النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٢٦، والرازي في تفسيره: ٨/ ١٠٢. [.....]
(٤) ويدل على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: ٢/ ٢٣٠، كتاب الصوم، باب «قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لا نكتب ولا نحسب»
، والإمام مسلم في صحيحه: ٢/ ٧٦١، كتاب الصيام، باب «وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال... عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب».
وانظر معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٥٩، ومعاني النحاس: ١/ ٤٢٥، وتفسير الماوردي: ١/ ١٣٠.
٧٦ بَلى: مكتفية بنفسها وعليها وقف تام «١»، أي: بلى عليهم سبيل.
٧٨ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ: يحرّفونها بالتبديل «٢».
٧٩ رَبَّانِيِّينَ: أي: بالعلم أي يربونه «٣»، أو الرّبانيّ منسوب إلى الرّبّ، فغيّر بنيته للإضافة كالبحراني واللّحياني «٤».
٨١ لَما آتَيْتُكُمْ: لام التّحقيق على «ما» الجزاء «٥»، ومعناه: لمهما
(١) وهو قول الزجاج في معانيه: ١/ ٤٣٤ وقال: «ثم استأنف فقال عز وجل: مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي فإن الله يحبه. ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله: بَلى لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح كقولهم: نحن أهل تقوى في فعلنا هذا فأعلم الله أن أهل الوفاء بالعهد والتقى يحبهم الله، وأنهم المتقون... ».
وقال مكي في كتابه شرح كلا وبلى ونعم: ٨٤: «الوقف على بَلى حسن جيد، لأنها جواب النفي في قولهم: لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ. فالمعنى: بلى عليكم فيهم سبيل. ويدل على حسن الوقف على بَلى أن ما بعدها ابتداء وخبر، وهو قوله تعالى:
مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ ف «من»
شرط في موضع الابتداء، وفَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الخبر، والفاء جواب شرط».
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٧، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٧، وتفسير الطبري: ٦/ ٥٣٦، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٢٨، والمحرر الوجيز: ٣/ ١٨٤.
(٣) نسب هذا القول إلى المبرد في تفسير البغوي: ١/ ٣٢١، وتفسير الفخر الرازي: ٨/ ١٢٣.
(٤) هذا قول سيبويه في الكتاب: ٣/ ٣٨٠.
وقال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٣٤٥: «والربانيون أرباب العلم والبيان، أي كونوا أصحاب علم وإنما زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب، كما قالوا للكبير اللحية لحياني... ».
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٣٣٢، وزاد المسير: ١/ ٤١٣، والدر المصون: ٣/ ٢٧٥.
(٥) المقتضب: ٤/ ٤١٣.
وصرّح المؤلف في كتابه وضح البرهان: ١/ ٢٤٩ بالنقل عن المبرد، وأورد النص الذي ذكره هنا.
آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به.
أو هي لام الابتداء، و «ما» بمعنى «الذي» «١»، أي: الذي آتيتكم لتؤمنن به، ولام لَتُؤْمِنُنَّ لام القسم، كقولك لزيد: والله لتأتينه.
ومن قرأ: لَما «٢» آتَيْتُكُمْ كان من أجل: ما آتيتكم أخذ الميثاق «٣»، أو يكون بمعنى بعد «٤»، أي: بعد ما آتيتكم كقولك: لثلاث خلون.
وقرئ لما «٥» ويعود معنى الكلام إلى الشرط، كقولك: لمّا جئتني أكرمتك.
٨٣ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ: الفاء لعطف جملة على جملة «٦».
(١) هو قول الأخفش في معانيه: ١/ ٤١٣، وأبي علي الفارسي في الحجة: (٣/ ٦٤، ٦٥)، وانظر مشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ١٦٥، والكشاف: ١/ ٤٤١، والدر المصون:
٣/ ٢٨٤.
(٢) بكسر اللّام وتخفيف الميم، وهي قراءة حمزة كما في السبعة لابن مجاهد: ٢١٣، والتبصرة لمكي: ١٧٣.
(٣) قال أبو علي في الحجة: ٣/ ٦٢: «وجه قراءة حمزة لما أتيتكم بكسر اللام أنه يتعلق بالأخذ كأن المعنى: أخذ ميثاقهم لهذا، لأن من يؤتى الكتاب والحكمة يؤخذ عليه الميثاق لما أوتوه من الحكمة، وأنهم الأفاضل وأماثل الناس... ».
(٤) ذكر السمين الحلبي في الدر المصون: (٣/ ٢٨٧، ٢٨٨) في توجيه هذه القراءة أربعة أوجه، وقال في هذا الوجه: «وهو أغربها... وهذا منقول عن صاحب النظم ولا أدري ما حمله على ذلك؟ وكيف ينتظم هذا كلاما، وإذ يصير تقديره: إذ أخذ الله ميثاق النبيين بعد ما آتيناكم، ومن المخاطب بذلك؟».
(٥) بتشديد لما وهي قراءة سعيد بن جبير والحسن رضي الله عنهما.
ينظر الكشاف: ١/ ٤٤١، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٧٦، وتفسير القرطبي: ٤/ ١٢٦، والبحر المحيط: ٢/ ٥٠٩، والدر المصون: ٣/ ٢٩٠.
(٦) الكشاف: ١/ ٤٤١، والدّر المصون: ٣/ ٢٩٥.
قال الزمخشري: «والمعنى: فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون، ثم توسطت الهمزة بينهما. ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون، وقدّم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله لأنهم أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود الباطل».
وَلَهُ أَسْلَمَ: استسلم وانقاد أهل السّماوات طوعا، وأهل الأرض بعضهم كرها، إمّا لخوف السّيف أو عند المعاينة «١».
٩٣ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ: كان لحوم الإبل أحبّ الطّعام إلى يعقوب، فنذر إن شفاه الله من عرق النّساء «٢» أن لا يأكلها «٣».
وتحريم الحلال جائز وموجبة الكفّارة «٤» [إذا.......
(١) نقله البغوي في تفسيره: ١/ ٣٢٣ عن الحسن رضي الله عنه.
وفي كتاب وضح البرهان: ١/ ٢٥٠: «إما من خوف السيف في حالة الاختيار، أو لدى المعاينة عند الاضطرار».
(٢) النّسا: بوزن العصا عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ.
النهاية: ٥/ ٥١، واللسان: ١٥/ ٣٢١ (نسا). [.....]
(٣) أخرج- نحوه- الإمام أحمد في مسنده: ١/ ٢٧٤، والإمام البخاري في التاريخ الكبير:
٢/ ١١٤، والترمذي في سننه: ٥/ ٢٩٤، كتاب التفسير، باب «ومن سورة الرعد» رقم ٣١١٧، والطبري في تفسيره: (٧/ ١٤، ١٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٣٩٦، والطبراني في المعجم الكبير: ١٢/ ٢٤٦ رقم (١٣٠١٢) - كلهم- عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٣/ ٢٦٣ وزاد نسبته إلى ابن عباس أيضا.
وأخرجه الطبري- أيضا- عن الحسن، وعبد الله بن كثير، وعطاء بن أبي رباح. ورجح الطبري هذا القول لأنّ اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمها، كما كان عليه من ذلك أوائلها.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٢١٧: «وظاهر الأحاديث والتفاسير في هذا الأمر أن يعقوب- عليه السلام- حرّم لحوم الإبل وألبانها وهو يحبها تقربا إلى الله بذلك، إذ ترك الترفه والتنعم من القرب، وهذا هو الزهد في الدنيا... ».
(٤) جعل المؤلف- رحمه الله- التحريم هنا بمنزلة اليمين فلزم أن يكفّر إذا حنث.
وهو قول الحنفية كما في أحكام القرآن للجصاص: ٢/ ١٩.
وقال الجصاص في أحكام القرآن: ٣/ ٤٦٥ عند تفسيره لقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قال: «ومن الناس من يقول لا فرق بين التحريم واليمين، لأن اليمين تحريم للمحلوف عليه والتحريم أيضا يمين وهذا عند أصحابنا يختلف في وجه ويتفق في وجه فالوجه الذي يوافق اليمين فيه التحريم أن الحنث فيهما يوجب كفارة اليمين.
والوجه الذي يختلفان فيه أنه لو حلف أنه لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لم يحنث، ولو قال: قد حرمت هذا الرغيف على نفسي فأكل منه اليسير حنث ولزمته الكفارة، لأنهم شبهوا تحريمه الرغيف على نفسه بمنزلة قوله: «والله لا أكلت من هذا الرغيف شيئا تشبيها له بسائر ما حرمه الله من الميتة والدم أنه اقتضى تحريم القليل منه والكثير»
.
وانظر أحكام القرآن للكيا الهراس: (٢/ ٣٨، ٣٩)، وأحكام القرآن لابن العربي:
١/ ٢٨٣، وتفسير القرطبي: ٤/ ١٣٥.
[ ببكة ] بطن مكة من التباك وهو الازدحام١، أو لأنها تبك أعناق الجبابرة٢.
١ قاله ابن عباس وسعيد ابن جبير وعكرمة، وقتادة والفراء ومقاتل انظر جامع البيان ج٤ ص٩، وزاد المسير ج١ ص٤٢٥..
٢ ذكره الزجاج والنحاس وروي عن عبد الله بن الزبير انظر معاني القرآن وإعرابه ج١ ص٤٤٥، ومعاني القرآن للنحاس ج١ ص٤٤٣، وزاد المسير ج١ ص٤٢٥. وقال النحاس: "والذي عليه أكثر أهل اللغة أن "بكة" و"مكة" واحد، وأنه يجوز أن تكون الميم مبذلة من الباء، ويقال: لازب ولازم، وسبد شعره وسمده: إذا استأصله" معاني القرآن للنحاس ج١ ص٤٤٣.
استباحه] «١».
بكّة «٢» : بطن مكة من التّباكّ وهو الازدحام «٣»، أو لأنها تبكّ أعناق الجبابرة «٤».
٩٧ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ: من اجتماع الغزلان والذئبان، وإهلاك من عتى فيه، والبركة الظاهرة، واستشفاء المرضى، و/ قصة أصحاب الفيل، [١٩/ ب] وانمحاء أثر الجمار على طول الرمي، وامتناع الطير من الوقوع على البيت «٥»... إلى غير ذلك من بئر زمزم، وأثر قدمي إبراهيم في الحجر الصّلد.
٩٩ شُهَداءُ: عقلاء «٦»، كقوله «٧» : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
تَبْغُونَها عِوَجاً: [أي: تبغون] «٨» لها عوجا، كقوله «٩» :
(١) عن نسخة «ج».
(٢) في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً... [آية: ٩٦].
(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٧، ومعاني الزجاج: ١/ ٤٤٥، ونقله النحاس في معانيه:
١/ ٤٤٣ عن سعيد بن جبير، وابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٢٢٢ عن ابن جبير، وابن شهاب، وجماعة كثيرة من العلماء.
(٤) أي تدقها وتحطمها.
ينظر أخبار مكة للأزرقي: ١/ ٢٨٠، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٤٥، والنهاية لابن الأثير: ١/ ١٥٠، واللسان: ١٠/ ٤٠٢ (بكك)، ونقل البغوي في تفسيره: ١/ ٣٢٨، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٢٢٥ هذا القول عن عبد الله بن الزبير.
(٥) ذكره النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٤٤، والبغوي في تفسيره: ١/ ٣٢٩، دون عزو.
(٦) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٣٣٦.
(٧) سورة ق: آية: ٣٧.
(٨) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٩) سورة التوبة: آية: ٤٧.
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ.
والعوج «١» في القول والعمل والأرض، والعوج في الحيطان والسواري.
١٠٣ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً: أي: ما كان من الطّوائل «٢» بين الأوس والخزرج فأفناها الله بالإسلام.
شَفا حُفْرَةٍ: شفيرها وحرفها «٣»، والجمع: أشفاء، وفي الحديث «٤» :«لا تنظروا إلى صوم الرجل وصلاته ولكن إلى ورعه إذا أشفى» «٥» [أي: أشرف على الدنيا].
١٠٤ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ: أي: لتكن كلّكم، ف «من» لتخصيص المخاطبين من سائر الأجناس، ومثله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «٦». قاله الزّجاج «٧». وأنكر عليه لأنّه فرض كفاية
(١) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٩٨: «مكسورة الأول، لأنه في الدين، وكذلك في الكلام والعمل فإذا كان في شيء قائم نحو الحائط، والجذع فهو عوج مفتوح الأول».
وانظر تفسير الطبري: ٧/ ٥٤، ومعاني الزّجّاج: ١/ ٤٤٧، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٣٦.
(٢) راجع معنى الطوائل عند تفسير قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ [البقرة: آية: ١٧٩].
(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٩٨، وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ١٠٨: «أي:
حرف حفرة، ومنه أشفى على كذا إذا أشرف عليه»
.
وانظر تفسير الطبري: ٧/ ٨٥، ومعاني الزجاج: ١/ ٤٥١، ومعاني النحاس: ١/ ٤٥٥. [.....]
(٤) غريب الحديث لابن الجوزي: ١/ ٥٥٢، وهو من حديث عمر رضي الله تعالى عنه كما في النهاية لابن الأثير: ٢/ ٤٨٩.
(٥) عن نسخة «ج»، وانظر هذا المعنى في النهاية لابن الأثير: ٢/ ٤٨٩.
(٦) سورة الحج: آية: ٣٠.
(٧) الزّجّاج: (٢٤١- ٣١١ هـ).
هو إبراهيم بن السري بن سهل، البغدادي، أبو إسحاق الزجاج، النحوي، اللغوي، المفسر صنف معاني القرآن وإعرابه، والاشتقاق، والعروض... وغير ذلك.
أخباره في: تاريخ بغداد: ٦/ ٨٩، وطبقات النحويين للزبيدي: (١١١، ١١٢)، وبغية الوعاة: (١/ ٤١١- ٤١٣)، وطبقات المفسرين للداودي: (١/ ٧- ١٠) ونص كلامه في معاني القرآن له: ١/ ٤٥٢. وقال أيضا: ويجوز أن تكون أمرت منهم فرقة، لأن قوله:
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ذكر الدعاة إلى الإيمان، والدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه، وليس الخلق كلهم علماء والعلم ينوب فيه بعض الناس عن بعض، وكذلك الجهاد».
بالاتفاق «١».
١٠٥ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا: أي: بالعداوة واختلفوا في الديانة.
١٠٦ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ: أي: بالنّبيّ قبل مبعثه «٢».
١١٠ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ: أي: فيما يتسامعه الأمم. أو «كان» تامّة بمعنى:
حدثتم إذ «كنتم» و «أنتم» سواء، إلا [في] «٣» ما يفيد «كان» من تأكيد وقوع الأمر «٤».
١١١ وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ: من دلالة النّبوّة لأنه كان كذلك حال يهود المدينة وخيبر.
(١) تفسير الطبري: ٧/ ٩٠، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٢٥٤: «أمر الله الأمّة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها ويحفظون قوانينها على الكمال ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع، وقد علم تعالى أن الكل لا يكون عالما... ».
وأورد ابن عطية قول الزجاج ورده.
وانظر تفسير الفخر الرازي: ٨/ ١٨٢، والبحر المحيط: ٣/ ٢٠.
(٢) هذا قول الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٥٥.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٣٣٨، وزاد المسير: ١/ ٤٣٦.
وذكر الماوردي ثلاثة أقوال أخرى في «الذين كفروا بعد إيمانهم».
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٢٩.
وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ٢٩٥ في باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه: «ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل كقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، أي أنتم خير أمة، وقوله: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي: وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.
وانظر تفسير الطبري: ٧/ ١٠٦، وزاد المسير: (١/ ٤٣٩، ٤٤٠).
١١٢ بِحَبْلٍ: بعهد «١».
١١٣ لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ: حين أسلم عبد الله بن سلام «٢» وجماعة قالوا: لم يسلم إلّا أشرارنا «٣».
أُمَّةٌ قائِمَةٌ: عادلة «٤»، أو قائمة بطاعة الله «٥».
١١٥ فلن تكفروه «٦» : لا يستر عنكم............
(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١٠١، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٨.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٧/ ١١١- ١١٣) عن مجاهد، وقتادة، وعكرمة، والربيع، والضحاك، وابن زيد.
وانظر معاني الزجاج: ١/ ٤٥٧، والمحرر الوجيز: ٣/ ٢٧١، وزاد المسير: ١/ ٤٤١.
(٢) عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري.
صحابي جليل، أسلم بعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، كان اسمه في الجاهلية الحصين فسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أسلم عبد الله.
توفي سنة ثلاث وأربعين للهجرة.
ترجمته في الاستيعاب: (٣/ ٩٢١- ٩٢٣)، وأسد الغابة: (٣/ ٢٦٤، ٢٦٥)، والإصابة:
(٤/ ١١٨- ١٢٠).
(٣) السيرة لابن هشام: (١/ ٥٥٧) وأخرجه الطبري في تفسيره: (٧/ ١٢٠، ١٢١)، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٤٨٥ (سورة آل عمران) عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونقله الواحدي في أسباب النزول: ١١٤ عن ابن عباس ومقاتل.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٢٩٦، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، والطبراني، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس أيضا.
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٧/ ١٢٣، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٤٨٦ عن مجاهد. ونقله النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٦٢ عن مجاهد أيضا.
(٥) تفسير غريب القرآن: ١٠٨، وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: ٧/ ١٢٣، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٤٨٥ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الطبري رحمه الله: «فتأويل الكلام: من أهل الكتاب جماعة معتصمة بكتاب الله، متمسكة به، ثابتة على العمل بما فيه وما سن لهم رسوله صلّى الله عليه وسلّم».
وانظر تفسير البغوي: ١/ ٣٤٣، وزاد المسير: ١/ ٤٤٢، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٨٧.
(٦) تكفروه: بالتاء، قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر، وهي المشهورة عن أبي عمرو بن العلاء.
وقرأ حفص، وحمزة، والكسائي «يكفروه» بالياء.
ينظر: السبعة لابن مجاهد: ٢١٥، والحجة لأبي علي الفارسي: ٣/ ٧٣، والكشف لمكي: ١/ ٣٥٤، والدر المصون: ٣/ ٣٥٨. [.....]
ثوابه «١»، سمّي المنع كفرا كما سمّي ثواب الله شكرا «٢».
١١٧رٌّ
: صوت ريح باردة من الصّرير «٣».
١١٨ بِطانَةً: دخلاء يستبطنون أمر المرء «٤».
لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا: لا يقصّرون فيكم فسادا «٥».
١١٩ ها أَنْتُمْ: تنبيه، وأُولاءِ خطاب للمنافقين، أو أُولاءِ بمعنى الذين.
١٢٠ لا يَضُرُّكُمْ: كان لا يضرركم مجزوما بجواب الشرط، فأدغمت/ [٢٠/ أ] الراء في الراء ونقلت ضمّة الأولى إلى الضّاد، وضمّت الراء الأخيرة اتباعا للضّاد كما قالوا: مد في أمدد.
١٢١ وَإِذْ غَدَوْتَ: في يوم أحد «٦».
(١) تفسير الطبري: ٧/ ١٣٢، وتفسير البغوي: ١/ ٣٤٤.
(٢) في «ك» و «ج» :«سمي منع الثواب كفرا كما سمى ثواب الله شكرا».
(٣) معاني الزجاج: ١/ ٤٦١، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٤٠، وتفسير القرطبي: (٤/ ١٧٧، ١٧٨)، واللسان: ٤/ ٤٥٠ (صرر).
(٤) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١٠٣، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٩.
وقال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٦١: «البطانة: الدخلاء الذين يستبطنون ويتبسط إليهم، يقال فلان بطانه لفلان أي مداخل له ومؤانس، فالمعنى أن المؤمنين أمروا ألا يداخلوا المنافقين ولا اليهود... ».
(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٠٩، وقال الطبري في تفسيره: ٧/ ١٤٠: «وأصل الخبل والخبال الفساد... »، وانظر معاني الزجاج: ١/ ٤٦٢، ومعاني النحاس: ١/ ٤٦٦.
(٦) تفسير الطبري: (٧/ ١٦٠، ١٦١) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، وابن إسحاق.
وقيل في يوم الأحزاب. ورجح الطبري القول الذي أورده المؤلف قائلا: «وأولى هذين القولين بالصواب قول من قال: عنى بذلك يوم أحد، لأن الله عز وجل يقول في الآية التي بعدها: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، ولا خلاف بين أهل التأويل أنه عنى بالطائفتين: بنو سلمة وبنو حارثة، ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن الذي ذكر الله من أمرهما إنما كان يوم أحد، دون يوم الأحزاب».
وانظر أسباب النزول للواحدي: (١٥٣، ١٥٤)، وتفسير البغوي: ١/ ٣٤٦، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٩٠.
١٢٢ هَمَّتْ طائِفَتانِ: بنو سلمة «١» وبنو حارثة حيّان من الأنصار».
وَاللَّهُ وَلِيُّهُما: أي: كيف يفشل من الله وليّه.
١٢٣ أَذِلَّةٌ: أي: عددكم قليل، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا «٣»، وفي يوم أحد ثلاثة آلاف «٤»، ويوم حنين اثني عشر ألفا «٥».
١٢٥ مِنْ فَوْرِهِمْ: من وجههم «٦»، أو من غضبهم «٧» من فوران القدر.
(١) بنو سلمة- بفتح السين وكسر اللام-: هم بنو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج.
الجمهرة لابن حزم: ٣٥٨.
(٢) ثبت ذلك في صحيح البخاري: (٥/ ١٧٠، ١٧١)، كتاب التفسير، باب إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا.
(٣) ينظر صحيح البخاري: ٥/ ٥، كتاب المغازي، باب «عدة أصحاب بدر»، وتاريخ الطبري:
٢/ ٤٣٣.
(٤) المشهور أن عدد المشركين يوم أحد كان ثلاثة آلاف، وفي السيرة لابن هشام: (٢/ ٦٣- ٦٥)، وتاريخ الطبري: ٢/ ٥٠٤، وجوامع السيرة لابن حزم: (١٥٧، ١٥٨) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى أحد في ألف مقاتل، فبقي معه سبعمائة، ورجع عبد الله بن أبيّ في ثلاثمائة.
وانظر دلائل النبوة للبيهقي: (٣/ ٢٢٠، ٢٢١)، والبداية والنهاية: ٤/ ١٤.
(٥) السيرة لابن هشام: ١/ ٤٤٠.
(٦) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٧/ ١٨١، ١٨٢)، وابن أبي حاتم في تفسيره:
(٢/ ٥٢٣، ٥٢٤)، (سورة آل عمران) عن الحسن، والربيع، وقتادة، والضحاك، والسدي.
وانظر معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٦٧، ومعاني النحاس: ١/ ٤٦٩.
(٧) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٧/ ١٨٢، ١٨٣) عن عكرمة، ومجاهد، والضحاك، وأبي صالح.
قال الطبري رحمه الله: «وأصل «الفور» ابتداء الأمر يؤخذ فيه، ثم يوصل بآخر. يقال منه:
«فارت القدر فهي تفور فورا وفورانا، إذا ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل. ومضيت إلى فلان من فوري ذلك، يراد به: من وجهي الذي ابتدأت فيه... ».
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٣١٠: «والفور: النهوض المسرع إلى الشيء، مأخوذ من فور القدر والماء ونحوه، ومنه قوله تعالى: وَفارَ التَّنُّورُ فالمعنى: ويأتوكم في نهضتكم هذه... ».
مُسَوِّمِينَ: أرسلوا في الكفار كالسّائمة في الرعي «١».
وقيل «٢» من السّومة: أي: سوّموا وأعلموا، وكانت سومتهم عمائم بيض «٣»، وأصواف خضر في نواصي الخيل.
والاختيار الكسر «٤» لتظاهر الأخبار أنهم سوّموا خيلهم بأصواف خضر.
١٢٦ إِلَّا بُشْرى: دلالة على أنكم على الحق.
١٢٧ لِيَقْطَعَ طَرَفاً: في يوم بدر «٥».
(١) نص هذا القول في تفسير الماوردي: ١/ ٣٤٢، ونقل النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٧٠، والسمين الحلبي في الدر المصون: ٣/ ٣٨٧ عن الأخفش قال: «معنى مسوّمين: مرسلين». [.....]
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١٠٣، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٠، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٦٧، وقال النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٧٠: «لا نعلم اختلافا أن معنى مسومين من السّومة إلا عن الأخفش... ».
ونقل عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: «السّومة أن يعلم الفارس نفسه في الحرب ليظهر شجاعته».
(٣) نقله البغوي في تفسيره: ١/ ٣٤٩ عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣٠٩ وعزا إخراجه إلى الطستي عن ابن عباس.
(٤) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم، وقرأ الباقون بفتح الواو على اسم المفعول.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٢١٦، والحجة لأبي علي الفارسي: ٣/ ٧٦، والكشف لمكي:
١/ ٣٥٥، والدر المصون: ٣/ ٣٨٧.
ورجح الطبري في تفسيره: ٧/ ١٨٥ قراءة الكسر بقوله: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر «الواو» لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهل التأويل منهم ومن التابعين بعدهم بأن الملائكة هي التي سومت أنفسها، من غير إضافة تسويمها إلى الله عز وجل، أو إلى غيره من خلقه... ».
(٥) أخرج الطبري في تفسيره: ٧/ ١٩٢، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٥٣١ (سورة آل عمران) عن الحسن رضي الله عنه قال: «هذا يوم بدر، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة».
أَوْ يَكْبِتَهُمْ: يخزيهم «١»، وقيل «٢» : يصرعهم.
١٢٨ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ: أي: في عقابهم، أو استصلاحهم حتى يقع إنابتهم وتوبتهم «٣».
١٣٠ أَضْعافاً مُضاعَفَةً: كلما جاء أجله أجّلوه ثانيا وزادوا على الأصل «٤». والفضل ربا.
١٣٣ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ: قيل «٥» للنّبيّ عليه السّلام: إذا كانت الجنة عرضها [السماوات] «٦» والأرض فأين النار؟.
قال: «سبحان الله! إذا جاء النّهار فأين اللّيل؟».
وقيل «٧» : عَرْضُهَا: ثمنها لو جاز بيعها، من............
(١) تفسير الطبري: ٧/ ١٩٣، ومفردات الراغب: ٤٢٠.
(٢) هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ١٠٣، وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٠، وتفسير الطبري: ٧/ ١٩٣، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٦٧، ومعاني النحاس: ١/ ٤٧٢.
(٣) تفسير الماوردي: ١/ ٣٤٣، وزاد المسير: ١/ ٤٥٧، وتفسير الفخر الرازي: ٨/ ٢٣٩.
(٤) قال الطبري في تفسيره: ٧/ ٢٠٤: «كان أكلهم ذلك في جاهليتهم أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخّر عني دينك وأزيدك على مالك. فيفعلان ذلك. فذلك هو الربا أَضْعافاً مُضاعَفَةً، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه... ».
(٥) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ٣/ ٤٤٢ عن التنوخي رسول هرقل مرفوعا وكذا الطبري في تفسيره: ٧/ ٢٠٩ وأخرجه موقوفا على عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: ١/ ٣٦، كتاب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه ورفعه. وقال: «حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة ولم يخرجاه ووافقه الذهبي».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣١٥، وزاد نسبته إلى البزار عن أبي هريرة مرفوعا.
ونسبه- أيضا- إلى عبد بن حميد، وابن المنذر موقوفا على عمر رضي الله عنه.
(٦) في الأصل: «السماء»، والمثبت في النص عن «ج».
(٧) ذكر المؤلف رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان: ١/ ٢٥٧ فقال: «وتعسف ابن بحر في تأويلها، فقال: عَرْضُهَا ثمنها لو جاز بيعها من المعارضة في عقود البياعات».
ونقل الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ٦ عن أبي مسلم الأصبهاني- وهو ابن بحر- قال:
«وفيه وجه آخر وهو أن الجنة لو عرضت بالسماوات والأرض على سبيل البيع لكانتا ثمنا للجنة، تقول إذا بعت الشيء بالشيء الآخر: عرضته عليه وعارضته به، فصار العرض يوضع موضع المساواة بين الشيئين في القدر، وكذا أيضا معنى القيمة لأنها مأخوذة من مقاومة الشيء بالشيء حتى يكون كل واحد منهما مثلا آخر».
وذكر الرازي وجها آخر فقال: «المقصود المبالغة في وصف سعة الجنة وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما، ونظيره قوله: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فإن أطول الأشياء بقاء عندنا هو السموات والأرض، فخوطبنا على وفق ما عرفناه، فكذا هاهنا».
المعاوضة «١» في العقود،.
١٣٤ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ: لأنهما داعيتا البخل عند كثرة المال منافسة فيه، وعند قلته حاجة إليه.
١٣٩ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: وهم مؤمنون، ليعلم أنّ من صدق الإيمان أن لا يهن المؤمن ولا يحزن لثقته بالله.
١٤٠ قَرْحٌ: بالفتح جراح، وبالضمّ ألم الجراح «٢»، في يوم أحد.
فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ: أي: أهل بدر.
نُداوِلُها: نصرّفها بتخفيف المحنة وتشديدها، ولم يرد مداولة النّصر لأنه لا ينصر الكافرين، ولم يكن الأيام أبدا لأولياء الله، لأنه أدعى إلى احتقار الدنيا وأعرف لقيمة الظّفر، وليعلم «٣» أنّ تداولها لمصالح.
(١) في «ك» و «ج» : المعارضة، وانظر هذا المعنى في التعليق الذي تقدم، وهو نقل الفخر الرازي عن ابن بحر (أبو مسلم الأصفهاني).
(٢) معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٣٤ قال: «وأكثر القراء على فتح القاف».
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١٠٤، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٢، وتفسير الطبري: ٧/ ٢٣٦، وتفسير المشكل لمكي: ١٣٢، وتفسير القرطبي: ٤/ ٢١٧.
قرأ بالضم حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر عنه، وقرأ الباقون بفتح القاف.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٢١٦، والتبصرة لمكي: ١٧٤، والبحر المحيط: ٣/ ٦٢، والدر المصون: ٣/ ٤٠٢.
(٣) في «ج» : وليعلم الله أن تداولها لمصالح، وانظر ما سبق في تفسير الفخر الرازي: ٩/ ١٦. [.....]
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا: وصبرهم في الجهاد.
[٢٠/ ب] والمعنى: نعاملهم معاملة من/ يريد أن يعلم، أو يعلمهم متميّزين بالصبر والإيمان من غيرهم «١».
١٤١ وَلِيُمَحِّصَ: يخلّص ويصفّي من الذنوب «٢».
محصت الماشية محصا: انملصت وذهب وبرها.
١٤٢ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ معناه حدوث معلوم لا حدوث علم «٣».
وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ: نصب يَعْلَمِ على الصّرف عن العطف، إذ ليس المعنى نفي الثاني حتى يكون عطفا على نفي الأول، بل على منع اجتماع الثاني والأول «٤»، كما...............
(١) نصّ هذا الكلام في تفسير الفخر الرازي: (٩/ ١٧، ١٨)، وانظر معاني القرآن للزجاج:
(١/ ٤٧٠، ٤٧١)، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٨٢.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٣٤١: «دخلت الواو لتؤذن أنّ اللّام متعلقة بمقدّر في آخر الكلام، تقديره: وليعلم الله الذين آمنوا فعل ذلك، وقوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ معناه: ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم أزلا أنهم يؤمنون، وليساوق علمه إيمانهم ووجودهم، وإلا فقد علمهم في الأول وعلمه تعالى لا يطرأ عليه التغيير... ».
(٢) قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٧١: «وتأويل المحص في اللغة التنقية والتخليص»، ونقل عن المبرد: «يقال: محص الحبل محصا، إذا ذهب منه الوبر حتى يملص وحبل محص أو ملص بمعنى واحد، وتأويل قول الناس: محص عنا ذنوبنا، أي: أذهب عنا ما تعلق بنا من الذنوب».
وانظر معاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٨٣، والمحكم لابن سيده: ٣/ ١٢٤، ومفردات الراغب: ٤٦٤.
(٣) معاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٨٤، وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ٢٠: «ظاهر الآية يدل على وقوع النفي على العلم، والمراد وقوعه على نفي المعلوم، والتقدير: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يصدر الجهاد عنكم، وتقريره أن العلم متعلق بالمعلوم، كما هو عليه، فلما حصلت هذه المطابقة لا جرم، حسن إقامة كل واحد منهما مقام الآخر».
(٤) هذا مذهب البصريين في توجيه إعراب هذه الآية، وقال الكوفيون: إن النّصب كان بواو الصّرف، وإنه كان من حق هذا الفعل أن يعرب بإعراب ما قبله، فلما جاءت الواو صرفته إلى وجه آخر من الإعراب.
- ينظر هذه المسألة في الإنصاف لابن الأنباري: (٥٥٥، ٥٥٦)، والتبيان للعكبري:
١/ ٢٩٥، والبحر المحيط: ٣/ ٦٦، والدر المصون: ٣/ ٤١١.
قيل «١» :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
١٤٣ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ: غاب رجال عن بدر فتمنوا الشهادة، ثم تولوا في أحد «٢».
١٤٤ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ: أشيع موته يوم أحد، وقالوا: لو كان نبيا ما قتل.
١٤٦ وَكَأَيِّنْ معناه: كم «٣»، وهي «أي» دخلته كاف الجر فحدث لها بعده معنى «كم» وفيه لغات: كأي «٤»، وكائن «٥» بوزن «كاع»، وكأين «٦»
(١) عجزه:
عار عليك إذا فعلت عظيم
والبيت من قصيدة طويلة مشهورة نسبه المؤلف في وضح البرهان: ١/ ٢٥٩ إلى المتوكل الليثي، وهو في خزانة الأدب للبغدادي: ٨/ ٥٦٤.
وفي نسبة البيت قال الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله: «نسبه سيبويه للأخطل. ويروى لسابق البربري، وللطرماح، وللمتوكل الليثي».
ينظر معجم شواهد العربية: ٣٥٥.
(٢) أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٥٧٧ (سورة آل عمران) نحو هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه الطبري في تفسيره: ٧/ ٢٤٨ عن مجاهد وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣٣٣ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
(٣) معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٣٧، وتفسير الطبري: ٧/ ٢٦٣، ومعاني القرآن للزجاج:
١/ ٤٧٥، والبحر المحيط: ٣/ ٧٣.
(٤) تنسب هذه القراءة إلى ابن محيصن، والأشهب، والأعمش. كما في المحتسب: ١/ ١٧٠.
(٥) وهي قراءة ابن كثير.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٢١٦، والتبصرة لمكي: ١٧٤.
(٦) تنسب هذه القراءة إلى ابن محيصن، والأشهب، والعقيلي.
ينظر البحر المحيط: ٣/ ٧٢، والدر المصون: ٣/ ٤٢٤، ومعجم القراءات: ٢/ ٧٠.
بهمزة بعد الكاف بوزن «كعين»، وكئن «١» في وزن «كعن».
١٤٦ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ: في موضع الجرّ على وصف النّبيّ «٢»، أو النّصب للحال «٣».
والربيّون: العلماء الصّبر «٤». وقيل «٥» : جماعات في فرق.
فَما وَهَنُوا: الوهن: انكسار الحدّ بالخوف «٦». والضّعف: نقصان القوة «٧». والاستكانة: الخضوع عن ذل «٨».
١٥٢ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ: أي: يوم أحد.
(١) نسب القرطبي في تفسيره: ٤/ ٢٢٨ هذه القراءة إلى ابن محيصن، وذكرها السّمين الحلبي في الدر المصون: ٣/ ٤٢٤، وقال: «نقلها الداني قراءة عن ابن محيصن أيضا».
(٢) مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٧٦، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٩٩.
(٣) تنسب قراءة «ربيون» بفتح الراء إلى ابن عباس.
ينظر المحتسب لابن جني: ١/ ١٧٣، والبحر المحيط: ٣/ ٧٤، والدر المصون:
٣/ ٤٣١.
قال ابن جني: «والفتح لغة تميم».
وقال الزمخشري في الكشاف: ١/ ٤٦٩: «وقريء بالحركات الثلاث، فالفتح على القياس، والضم والكسر من تغييرات النسب».
وانظر مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٧٦، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٩٩.
(٤) نصّ هذا القول في معاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٩١ عن الحسن رضي الله عنه.
وأخرج الطبريّ في تفسيره: ٧/ ٢٦٧ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «علماء كثير»، وعن الحسن أنه قال: «فقهاء علماء».
وانظر معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٧٦، وتفسير ابن كثير: ٢/ ١١١، والدر المنثور:
٢/ ٣٤٠. [.....]
(٥) نقله المؤلف في وضح البرهان: ١/ ٢٦٠ عن يونس، وقطرب.
(٦) في تفسير الماوردي: ١/ ٣٤٧: «الوهن: الانكسار بالخوف».
وقال النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٩١: «والوهن في اللّغة: أشد الضعف».
وانظر معنى الوهن في مفردات الراغب: ٥٣٥، واللسان: ١٣/ ٤٥٣ (وهن).
(٧) عن تفسير الماوردي: ١/ ٣٤٧.
(٨) تفسير غريب القرآن: ١١٣، وتفسير الطبري: ٧/ ٢٦٩، ومعاني القرآن للنحاس:
١/ ٤٩١، وتفسير المشكل لمكي: ١٣٣، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٤٧.
تَحُسُّونَهُمْ: تستأصلونهم قتلا «١».
وَعَصَيْتُمْ في الرّماة، أخلّوا بالموضع الذي وصّاهم به النّبيّ عليه السّلام «٢».
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا: النّهب والغنم وهم الرّماة «٣»، ومنكم من يقصد الآخرة، وهم عبد الله بن جبير «٤» وأصحابه.
١٥٣ تُصْعِدُونَ: تعلون طريق مكة. أصعد: ابتدأ السّير، وصعد: ذهب من أسفل إلى فوق «٥».
وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ: من خلفكم: «يا معشر المسلمين قفوا» «٦».
(١) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ١٠٤، وفيه أيضا: «يقال: حسسناهم من عند آخرهم، أي استأصلناهم».
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٣، وتفسير الطبري: ٧/ ٢٨٧، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٧٨.
(٢) السيرة لابن هشام: ١/ ١١٤، وقال الطبري في تفسيره: ٧/ ٢٨٩: «وإنما يعنى بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلّى الله عليه وسلّم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشّعب بأحد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين... ».
(٣) أخرج الطبري في تفسيره: ٧/ ٢٩٥ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يومئذ».
(٤) هو عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري، شهد العقبة وبدرا، واستشهد بأحد. وكان أمير الرماة يومئذ.
الاستيعاب: ٣/ ٨٧٧، وأسد الغابة: ٣/ ١٩٤، والإصابة: ٤/ ٣٥.
(٥) قال الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٣٩: «الإصعاد في ابتداء الأسفار والمخارج».
تقول: أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان، وشبيه ذلك. فإذا صعدت على السلم أو الدرجة ونحو هما قلت: صعدت، ولم تقل أصعدت».
وانظر المعنى الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٣٩، ومعاني القرآن للزجاج: (١/ ٤٧٨، ٤٧٩)، ومعاني النحاس: ١/ ٤٩٥، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٤٧.
(٦) أخرجه الطبري في تفسيره: ٧/ ٣٠٣ عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: «إليّ عباد الله ارجعوا، إليّ عباد الله ارجعوا».
فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ: أي: على غم «١»، كقولك: نزلت به.
والغمّ الأول بما نيل منهم، والثاني بما أرجف أنّ الرسول قتل «٢».
١٥٤ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ: المنافقون، معتّب «٣» بن قشير وأصحابه، حضروا للغنيمة فظنوا ظنا جاهليا أنّ الله لا يبتلي المؤمنين للتمحيص والشّهادة «٤».
[٢١/ أ] إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ: نصب كُلَّهُ على/ التأكيد للأمر، أو على البدل من الْأَمْرِ «٥»، أي: إنّ كلّ الأمر لله. ورفع
(١) تفسير الطبري: (٧/ ٣٠٤، ٣٠٥)، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٤٨.
قال الطبري رحمه الله: «وإنما جاز ذلك، لأن معنى قول القائل: «أثابك الله غما على غم»، جزاك الله غما بعد غم تقدمه، فكان كذلك معنى: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لأن معناه:
فجزاكم الله غما بعقب غم تقدمه، وهو نظير قول القائل: «نزلت ببني فلان، ونزلت على بني فلان»، و «ضربته بالسيف وعلى السيف».
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٧/ ٣٠٦ عن قتادة، والربيع بن أنس.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٦١٢ (سورة آل عمران) عن قتادة، وحسّن المحقق إسناده ونقله النحاس في معاني القرآن: ١/ ٤٩٦ عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣٥١ وعزا إخراجه إلى ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(٣) معتّب: بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء المكسورة.
وهو معتب بن قشير بن مليل، من بني عمرو بن عوف.
قال الحافظ في الإصابة: ٦/ ١٧٥: «وقيل: إنه كان منافقا، وإنه الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. وقيل: إنه تاب».
ترجمته في الإكمال: ٧/ ٢٨٠، والاستيعاب: ٣/ ١٤٢٩، وأسد الغابة: ٥/ ٢٢٥.
(٤) أخرج الطبري في تفسيره: ٧/ ٣٢٣ عن الزبير قال: «والله إني لأسمع قول معتب بن قشير، أخي بني عمرو بن عوف، والنعاس يغشاني، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا».
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: (٢/ ٦١٨- ٦٢٠) عن ابن عباس، والزبير.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣٥٣ وزاد نسبته إلى ابن إسحاق، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي عن الزبير رضي الله عنه. [.....]
(٥) ذكره الأخفش في معاني القرآن: ١/ ٤٢٥، والطبري في تفسيره: ٧/ ٣٢٣، ونقله مكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٧٧ عن الأخفش.
وانظر تفسير القرطبي: ٤/ ٢٤٢، والدر المصون: ٣/ ٤٤٩.
كُلَّهُ «١» على أنه مبتدأ ولِلَّهِ خبره «٢»، والجملة من المبتدأ والخبر خبر إِنَّ.
١٥٥ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ: عثمان وأصحابه «٣»، وكان عمر من المنهزمين ولكنّه لم يبعد وثبت على الجبل «٤» إلى أن صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأما عثمان فبلغ «الجعيلة» «٥» ورجع بعد ثالثة، فقال: - عليه
(١) وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء كما في السبعة لابن مجاهد: ٢١٧، والتبصرة لمكي:
١٧٤.
(٢) ينظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٨٠، والحجة لأبي علي الفارسي:
٣/ ٩٠، والكشف لمكي: ١/ ٣٦١، والبحر المحيط: ٣/ ٨٨.
(٣) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: ٥/ ٣٤، كتاب المغازي، باب «قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ... عن عثمان بن موهب قال: جاء رجل حج البيت، فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء القعود؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر.
فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء أتحدثني، قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال:
نعم، قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فكبّر، قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه. أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت مريضة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّ لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه، فبعث عثمان، وكان بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم بيده اليمنى: هذه يد عثمان فضرب بها على يده، فقال: هذه لعثمان، اذهب بهذا الآن معك»
.
(٤) نص هذه الرواية في تفسير الفخر الرازي: ٩/ ٥٢.
وأخرجه الطبري في تفسيره: ٧/ ٣٢٧ عن عاصم بن كليب عن أبيه.
وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ٣/ ٣٨٥، والسيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣٥٥.
(٥) ورد في هامش الأصل: «الجلعب»، وكذا في تفسير الطبري: ٧/ ٣٢٩، والدر المنثور:
٢/ ٣٥٥.
وضبطه أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: ١/ ٣٨٩ بفتح الجيم وسكون اللام وفتح العين.
وضبطه ياقوت في معجم البلدان: ٢/ ١٥٤ بفتح الجيم واللام وسكون العين المهملة والجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص.
السلام «١» -: «لقد ذهبتم منها عريضة» «٢».
ويروى «٣» أن فاطمة سألت عليا ما فعل عثمان- رضي الله عنهما- فقال: فضح الذّمار «٤» والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسمع فقال: «مه يا عليّ، ثم قال: أعياني أزواج الأخوات أن يتحابّوا».
الْتَقَى الْجَمْعانِ: جمع محمد صلّى الله عليه وسلّم وجمع أبي سفيان.
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا: أذكرهم خطايا كانت لهم فكرهوا لقاء الله إلّا على حال يرضونها «٥».
١٥٦ غُزًّى: جمع «غاز» ك «شاهد» و «شهّد» «٦».
(١) أخرجه الطبري في تفسيره: ٧/ ٣٢٩ عن ابن إسحاق، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
(٣/ ٣٥٥، ٣٥٦) وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن إسحاق أيضا.
(٢) أي واسعة.
ينظر غريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ٨٢، والنهاية: ٣/ ٢١٠.
(٣) نص هذه الرواية في تفسير الفخر الرازي: ٩/ ٥٢، وذكر نحوها ابن المديني في المجموع المغيث: ١/ ٧٠٨، وابن الأثير في النهاية: ٣/ ١٦٧، والنكارة ظاهرة عليها، بل كان عثمان وعلي رضي الله عنهما من المتحابين المتصافين في الله سبحانه وتعالى.
(٤) قال ابن الأثير في النهاية: ٢/ ١٦٧: «الذّمار: ما لزمك حفظه مما وراءك وتعلّق بك».
(٥) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٨١، وقال أيضا: «أي لم يتولوا في قتالهم على جهة المعاندة، ولا على الفرار من الزحف رغبة في الدنيا خاصة وإنما أذكرهم الشيطان... فلذلك عفا عنهم، وإلا فأمر الفرار والتولي في الجهاد إذا كانت أقل من المثلين، أو كانت العدة مثلين، فالفرار أمر عظيم...
وانظر هذا القول في معاني النحاس: ١/ ٥٠٠، والمحرر الوجيز: ٣/ ٣٨٧، وزاد المسير:
١/ ٤٨٣.
وأورد أبو حيان في البحر: ٣/ ٩١ قول الزجاج ثم قال: «ولا يظهر هذا القول لأنهم كانوا قادرين على التوبة قبل القتال وفي حال القتال، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وظاهر التولي هو تولى الأدبار والفرار عن القتال، فلا يدخل فيه من صعد إلى الجبل لأنه من متحيز إلى جهة اجتمع في التحيز إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن ثبت معه فيها... »
.
(٦) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٤٢٦، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٤، وتفسير الطبري: ٧/ ٣٣٢، ومعاني الزجاج: (١/ ٤٨١، ٤٨٢)، والدر المصون: ٣/ ٤٥٣.
١٥٨ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ: اللام الأولى لام قسم، والثانية جواب له، أي: والله لتحشرون «١».
١٥٩ فَبِما رَحْمَةٍ: فبأيّ رحمة من الله «٢»، تعظيما للنّعمة عليه فيما أعانه من اللّين لهم، وإلّا لَانْفَضُّوا عنه هيبة وخوفا فيطمع العدو.
و «الفظّ» : الجافي الغليظ «٣»، و «الافتظاظ» شرب ماء الكرش لجفائه على الطبع «٤».
لَانْفَضُّوا: ذهبوا. فضّ الماء وافتضه: صبّه، و «الفضيض» : الماء السائل «٥».
وَشاوِرْهُمْ: أي: فيما ليس عندك فيه وحي من أمور الحرب «٦».
(١) قال المؤلف في وضح البرهان: ١/ ٢٦٣: «اللام الأولى حلف من أنفسهم، والثانية جواب كأنه: والله إن متم لتحشرون».
وانظر التبيان للعكبري: ١/ ٣٠٥، والبحر المحيط: (٣/ ٩٦، ٩٧)، والدر المصون: ٣/ ٤٥٩.
(٢) ذكر الفخر الرازي هذا الوجه في تفسيره: (٩/ ٦٤، ٦٥)، ونص كلامه في التفسير: «وهاهنا يجوز أن تكون «ما» استفهاما للتعجب تقديره: فبأي رحمه من الله لنت لهم، وذلك لأن جنايتهم لما كانت عظيمة ثم أنه ما أظهر ألبتة، تغليظا في القول، ولا خشونة في الكلام، علموا أن هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني وتسديد إلهي، فكان ذلك موضع التعجب من كمال ذلك التأييد والتسديد، فقيل: فبأي رحمة من الله لنت لهم، وهذا هو الأصوب عندي».
وأورد ابن حيان في البحر: ٣/ ٩٨ قول الرازي هذا وخطّأه ثم قال: «وكان يغنيه عن هذا الارتباك والتسلق إلى ما لا يحسنه والتسور عليه قول الزجاج في «ما» هذه أنها صلة فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين». [.....]
(٣) ينظر تفسير الطبري: ٧/ ٣٤١، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٨٣، ومعاني النحاس:
١/ ٥٠١، وتفسير الماوردي: ١/ ٣٤٠.
(٤) في معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٨٣: «والفظ ماء الكرش والفرث، وسمّي فظا لغلظ مشربه».
وانظر الفائق للزمخشري: ٤/ ١٠٢، والنهاية لابن الأثير: ٣/ ٤٥٤.
(٥) النهاية: ٣/ ٤٥٤، واللسان: ٧/ ٢٠٨ (فضض).
(٦) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٧/ ٣٤٣، ٣٤٤)، عن قتادة. وذكره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٨٣، والنحاس في معانيه: ١/ ٥٠١، والماوردي في تفسيره: ١/ ٣٤٩.
وهذا الأمر لتأليفهم والرفع من قدرهم «١». وقيل: للاقتداء به.
١٦٠ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ: أي: لا تظنن أنك تنال منالا تحبّه إلّا بالله «٢».
١٦١ أَنْ يَغُلَّ: يخون «٣»، ويغلّ «٤» : يخان «٥»، أو يخوّن «٦» أو يوجد غالا «٧» نحو: أجبنته وأبخلته، أو يقال له: غللت نحو أكذبته وأكفرته.
وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ: أي: حاملا خيانته على ظهره «٨». أو
(١) رجحه الطبري في تفسيره: ٧/ ٣٤٥، وانظر معاني الزجاج: ١/ ٤٨٣، وتفسير الماوردي:
(١/ ٣٤٩، ٣٥٠).
(٢) نصّ هذا القول في معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٨٣.
(٣) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٤٢٧، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٥، وتفسير الطبري: ٧/ ٣٤٨، ومعاني الزجاج: ١/ ٤٨٣، وتفسير المشكل لمكي: ١٣٤.
(٤) بضم الياء وفتح الغين، وهي قراءة الكسائي، ونافع، وحمزة، وابن عامر.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٢١٨، والحجة لأبي علي الفارسي: ٣/ ٩٤، والتبصرة لمكي:
١٧٥.
(٥) معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٤٦، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١٠٧، وتفسير الطبري:
٧/ ٣٥٣.
(٦) ذكره الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٤٦ وقال: «وذلك جائز وإن لم يقل: يغلّل فيكون مثل قوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ- ويكذبونك».
(٧) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ١١٥: «ومن قرأ: يَغُلَّ أراد يخان. ويجوز أن يكون يلفى خائنا. يقال: أغللت فلانا، أي وجدته غالا. كما يقال: أحمقته وجدته أحمق، وأحمدته وجدته محمودا».
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للنحاس: ١/ ٥٠٣، ٥٠٤)، والدر المصون:
(٣/ ٤٦٥، ٤٦٦).
(٨) يدل على هذا القول عدة أحاديث صحيحة وردت في صحيح البخاري: (٤/ ٣٦، ٣٧)، كتاب الجهاد، باب «الغلول وقول الله ومن يغلل يأت بما غل»، وصحيح مسلم:
٣/ ١٤٦١، كتاب الإمارة، باب «غلظ تحريم الغلول»، حديث رقم (١٨٣١)، وسنن أبي داود: ٣/ ١٣٥، كتاب الإمارة، باب «في غلول الصدقة»، حديث رقم (٢٩٤٧)، وسنن ابن ماجة: ١/ ٥٧٩، كتاب الزكاة، باب «ما جاء في عمال الصدقة»، حديث رقم (١٨١٠)، وانظر تفسير الطبري: (٧/ ٣٥٦- ٣٦٤)، وتفسير ابن كثير: (٢/ ١٣٣، ١٣٤).
قال الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ٧٥ «قال المحققون: والفائدة فيه أنه إذا جاء يوم القيامة وعلى رقبته ذلك الغلول ازدادت فضيحته».
لأنّه لا يكفّره إلّا ردّه على صاحبه.
١٦٣ هُمْ دَرَجاتٌ: مراتب الثواب والعقاب مختلفة.
النّار دركات، والجنّة درجات «١». وفي الحديث «٢» :«إنّ أهل الجنّة ليرون أهل عليين كما يرى النّجم في السّماء» /. [٢١/ ب]
١٦٤ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ: ليكون ذلك من شرفهم ولسهولة تفهمهم عنه، لأنّه بلسانهم ولشدّة علمهم بأحواله من الصّدق والأمانة [ونحوهما] «٣».
١٦٥ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها: قتل يوم أحد سبعون من المسلمين، وقد قتلوا يوم بدر سبعين وأسروا سبعين «٤».
(١) قال الراغب في المفردات: ١٦٧: «الدّرك كالدّرج لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود والدّرك اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل درجات الجنة ودركات النار».
وفي معنى «الدرجات» نقل الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٢/ ١٣٦ عن أبي عبيدة والكسائي قالا: منازل، يعني: متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة، ودركاتهم في النار». وقال المؤلف في وضح البرهان: ١/ ٢٦٥: «ولما اختلفت أعمالهم جعلت كاختلاف الذوات في تفاوت الدرجات».
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ٣/ ٦١ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا، واللفظ عنده: «إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء»، وورد نحوه في صحيحي البخاري ومسلم في أثر أخرجاه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن أهل الجنة بها يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم».
ينظر صحيح البخاري: ٤/ ٨٨، كتاب بدء الخلق، باب صفة الجنة وإنها مخلوقة، وصحيح مسلم: ٤/ ٢١٧٧، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء. [.....]
(٣) في الأصل: «ونحوها»، والمثبت في النص عن «ج».
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٧/ ٣٧٢- ٣٧٥) عن ابن عباس، وقتادة، وعكرمة، والسدي، والضحاك.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٤٩٥ وقال: «وهذا قول ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والجماعة... ».
١٦٦ فَبِإِذْنِ اللَّهِ: بتخليته «١»، أو بعلمه «٢». ودخلت الفاء لأنّ خبر «ما» التي بمعنى «الذي» يشبه جواب الجزاء لأنّه يتعلق بالفعل في الصّلة كتعلّقه بالفعل في الشّريطة «٣».
١٦٧ أَوِ ادْفَعُوا: أي: بتكثير السّواد إن لم تقاتلوا «٤».
١٧٠ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا: يطلبون السّرور في البشارة بمن تقدّم عليهم من إخوانهم كما يبشر بقدوم الغائب أهله.
ويروى «٥» :«يؤتى الشّهيد بكتاب فيه من يقدم عليه من أهله».
(١) ذكر الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ٨٥ عدة وجوه في تفسير قوله تعالى: فَبِإِذْنِ اللَّهِ وذكر هذا الوجه حيث قال: «الأول: إن إذن الله عبارة عن التخلية وترك المدافعة، استعار الإذن لتخلية الكفار فإنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم، لأن الإذن في الشيء لا يدفع المأذون عن مراده، فلما كان ترك المدافعة من لوازم الإذن أطلق لفظ الإذن على ترك المدافعة على سبيل المجاز».
(٢) هو قول الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٨٨، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٤٩٧ عن الزجاج أيضا.
وأورده الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ٨٣ وقال: «كقوله: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ أي: إعلام، وكقوله: آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ، وقوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ، وكل ذلك بمعنى العلم».
(٣) في «ك» : في الشرط.
وانظر المحرر الوجيز: ٣/ ٤١٢، والبحر المحيط: ٣/ ١٠٨، والدر المصون: ٣/ ٤٧٥.
(٤) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: ٧/ ٣٨٠ عن ابن جريج والسدي.
وذكره النحاس في معاني القرآن: ١/ ٥٠٨ دون عزو، ونقله الماوردي في تفسيره:
١/ ٣٥١ عن السدي، وابن جريج، والبغوي في تفسيره: ١/ ٣٦٠ عن السدي.
وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٤٩٧ إلى ابن عباس، والحسن، وعكرمة، والضحاك، والسدي، وابن جريج.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٣٦٩، وعزا إخراجه إلى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٥) أخرجه الطبريّ في تفسيره: ٧/ ٣٩٧، عن السدي، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: ٨٩١ (سورة آل عمران). وحسّن المحقق إسناده.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٣٥٣، وتفسير ابن كثير: ٢/ ١٤٣، والدر المنثور: ٢/ ٣٧٥.
واسم الشّهيد لأنّ أرواحهم أحضرت دار السّلام وأرواح غيرهم لا تشهدها إلى يوم البعث «١»، أو لأنّ الله شهد لهم بالجنّة «٢».
ولما أراد معاوية أن يجري العين عند قبور الشّهداء أمر مناديا فنادى بالمدينة: من كان له قتيل فليخرج إليه، فخرجنا إليهم «٣» وأخرجناهم رطابا، فأصاب المسحاة إصبع رجل من الشّهداء فانقطرت دما «٤».
١٧٣ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ: هو نعيم «٥» بن مسعود، ضمن له أبو سفيان مالا ليجبّن المؤمنين ليكون التأخر منهم «٦». وإقامة الواحد مقام الجمع لتفخيم الأمر، أو للابتداء كما لو انتظرت قوما، فجاء واحد قلت:
جاء النّاس.
١٧٥ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ: يخوّفكم أولياءه «٧»، أو يخوّف بأوليائه،
(١) اللسان: ٣/ ٢٤٢ (شهد).
(٢) ذكره ابن الجوزي في غريب الحديث: ١/ ٥٧٠ عن ثعلب.
وانظر النهاية: ٢/ ٥١٣، واللسان: ٣/ ٢٤٢ (شهد).
(٣) ذكر الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ٩٦ أن القائل هو جابر بن عبد الله.
(٤) راجع هذه الرواية في تفسير الفخر الرازي: ٩/ ٩٦.
(٥) نعيم- بضم النون وبالعين المهملة- بن مسعود بن عامر بن أنيف الأشجعي. صحابي جليل، أسلم ليالي الخندق، وهو الذي أوقع الخلف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق.
ترجمته في الاستيعاب (٤/ ١٥٠٨، ١٥٠٩)، وأسد الغابة: ٥/ ٣٤٨، والإصابة:
٦/ ٤٦١.
(٦) المغازي للواقدي: ١/ ٣٢٧، وطبقات ابن سعد: ٢/ ٥٩، وتاريخ الطبري: (٢/ ٥٦٠، ٥٦١).
(٧) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٧/ ٤١٦ عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٩٠: «قال أهل العربية: معناه يخوفكم أولياءه، أي من أوليائه، والدليل على ذلك قوله جل وعز: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي:
كنتم مصدقين فقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم فقد سقط عنكم الخوف»
. [.....]
كقوله «١» : لِيُنْذِرَ بَأْساً، أو يخوّف أولياءه فيخافون. وأمّا المؤمنون فلا يخافون بتخويفه.
١٧٨ لِيَزْدادُوا إِثْماً «٢» : لتكون عاقبة إبقائهم ازدياد الإثم «٣».
١٧٩ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ: في تمييز المؤمنين من المنافقين لما فيه من رفع المحنة «٤».
وجمع بين الزّبر والكتاب «٥» لاختلاف المعنى فهو زبور لما فيه من الزّبر والزّجر «٦»، وكتاب لضم الحروف وجمع الكلمات «٧».
[٢٢/ أ] ١٩٤ رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا: فائدة الدّعاء/ لما هو كائن إظهار الخضوع للرّبّ «٨» من العبد المحتاج إليه في كلّ حال.
(١) سورة الكهف: آية: ٢.
قال الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٤٨: «المعنى: لينذركم بأسا شديدا، البأس لا ينذر وإنما ينذر به».
وانظر تفسير الطبري: ٧/ ٤١٧، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ٥١٢.
(٢) الآية بتمامها: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.
(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١٠٩، وتفسير الطبري: ٧/ ٤٢١.
(٤) ذكر الطبري في تفسيره: ٧/ ٤٢٧، والقرطبي في تفسيره: ٤/ ٢٨٩ وقال: «وهذا قول أكثر أهل المعاني».
(٥) في قوله تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ: ١٨٤.
(٦) قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٤٩٥: «والزبور كل كتاب ذو حكمة».
وذكر الفخر الرازي في تفسيره: ٩/ ١٢٨ قول الزجاج ثم قال: وعلى هذا الأشبه أن يكون معنى الزبور من الزبر الذي هو الزجر، يقال: زبرت الرجل إذا زجرته عن الباطل، وسمّي الكتاب زبورا لما فيه من الزبر عن خلاف الحق، وبه سمي زبور داود لكثرة ما فيه من الزواجر والمواعظ».
وانظر هذا المعنى في تفسير القرطبي: ٤/ ٢٩٦، والبحر المحيط: ٣/ ١٣٣، والدر المصون: ٣/ ٥١٩.
(٧) اللسان: ١/ ٦٩٨ (كتب).
(٨) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٣٥٦، والفخر الرازي في تفسيره: (٩/ ١٥٢، ١٥٣) وقال:
«هاهنا سؤال: وهو أن الخلف في وعد الله محال، فكيف طلبوا بالدعاء ما علموا أنه لا محالة واقع؟ والجواب عنه من وجوه: الأول: أنه ليس المقصود من الدعاء طلب الفعل، بل المقصود منه إظهار الخضوع والذلة والعبودية، وقد أمرنا بالدعاء في أشياء نعلم قطعا أنها توجد لا محالة، كقوله: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، وقوله: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ اهـ.
١٩٦ لا يَغُرَّنَّكَ: أي: أيّها السّامع «١».
١٩٨ نُزُلًا: على معنى المصدر «٢»، أو على التفسير «٣» كقولك: «هو لك هبة».
١٩٩ سَرِيعُ الْحِسابِ: أي: المجازاة على الأعمال وأنّ وقتها قريب، أو محاسبة جميع الخلق في وقت واحد.
٢٠٠ اصْبِرُوا: على طاعة الله، وَصابِرُوا أعداء الله.
وَرابِطُوا: في سبيل الله، وهو ربط الخيل في الثّغر «٤».
(١) تفسير الماوردي: ١/ ٣٥٧، وتفسير الفخر الرازي: ٩/ ١٥٧.
(٢) الكشاف: ١/ ٤٩١، والتبيان للعكبري: ١/ ٣٢٣، والبحر المحيط: ٣/ ١٤٨، والدر المصون: ٣/ ٥٤٧.
(٣) هو قول الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٥١. وقال الطبري في تفسيره: (٧/ ٤٩٤، ٤٩٥) :
«ونصب نُزُلًا على التفسير من قوله: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، كما يقال:
«لك عند الله جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا»
، وكما يقال: «هو لك صدقة»، و «هو لك هبة».
وانظر البحر المحيط: ٣/ ١٤٨، والدر المصون: ٣/ ٥٤٧.
(٤) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١١٧، وزاد المسير: ١/ ٥٣٤، وتفسير الفخر الرازي: ٩/ ١٥٦.
Icon