تفسير سورة الشورى

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * حـمۤ * عۤسۤقۤ ﴾ الآية، قال ابن عباس هذه السورة مكية إلا أربع آيات من قوله: لا أسألكم إلى آخر الأربع الآيات ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه قال: قل أرأيتم وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال لما كفروا به قال هنا.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي مثل الإِيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء.﴿ يُوحِيۤ إِلَيْكَ ﴾ أي أن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع يتعهدك به وقتاً بعد وقت وقرىء: يوحى مبنياً للفاعل والجلالة فاعل وقرىء: يوحى مبنياً للمفعول والجار والمجرور في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله والجلالة فاعل بفعل محذوف تقديره بوحي الله.﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ أي أصناماً وأوثاناً.﴿ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ﴾ أعمالهم فيجازيهم عليها.﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ أي بمفوض إليك أمرهم ولا قائماً وما في هذا من الموادعة منسوخ بآية السيف.﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ أي مثل هذا الإِيحاء والقضاء إنك لست بوكيل عليهم.﴿ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ والظاهر أن قرآناً مفعول أوحينا. وقال الزمخشري: الكاف مفعول به لأوحينا وقرآناً عربياً حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربيّ لا ليس فيه عليك إذ نزل بلسانك " انتهى ". فاستعمل الكاف إسماً في الكلام وهو مذهب الأخفش لتنذر أم القرى أي سبب إيحائنا إليك هو الإِنذار ولا تكلف غيره وأم القرى مكة ولذلك عطف عليها ومن حولها والمفعول الثاني محذوف.﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ هم العرب.﴿ وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ ﴾ والمفعول الأول محذوف والثاني هو يوم الجمع أي اجتماع الخلائق والمنذر به هو ما يقع في يوم الجمع من الجزاء وانقسام الجمع إلى الفريقين واجتماع الأرواح والأجساد وأهل الأرض بأهل السماء والناس بأعمالهم.﴿ يَذْرَؤُكُمْ ﴾ يقال ذرأ الله الخلق أي بثهم وكثرهم. وقال ابن عباس يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها والضمير في فيه عائد على الجعل أي يخلقكم ويكثركم في الجعل.﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ تقول العرب مثلك لا يفعل هذا بمعنى أنت لا تفعل هذا فيكون المعنى في الآية ليس كهو أي كالله شىء وخرج على أن الكاف زائدة فكأنه قيل ليس شىء مماثل الله تعالى ويجوز أن يكون مثل بمعنى الصفة فتكون الكاف باقية على تشبيهها ليس كصفته شىء من الصفات.﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً ﴾ الآية لما كان نوح عليه السلام أول الرسل وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك ثم اتبع ذلك ما وصى به إبراهيم إذ كان أبا العرب وفي ذلك هزٌّ لهم وبعث على اتباع طريقته وموسى وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين لأنهما اللذان كان اتباعهما موجودين في زمان بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشرائع متفقة في العقائد وفي كثير من الأحكام كتحريم الزنى والقتل بغير حق والشرائع مجتملة على عقائد وأحكام ويقال ان نوحاً عليه السلام أول من أتى بتحريم البنات والأمهات وذوات المحارم ومعنى شرع اختار ويحتمل أن تكون مفسرة لأن ما قبلها هو بمعنى القول فلا موضع لها من الإِعراب وان تكون مصدرية فتكون في موضع نصب على البدل من ما وما عطف عليها ثم نهى عن التفرق فيه لأن الفرق سبب الهلاك والاجتماع والألفة سبب لنجاة.﴿ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ أي عظم وشق وما فاعل بكبر.﴿ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ ﴾ قال ابن عباس: يعني قريشاً والعلم محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي كما قال:﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾[فاطر: ٤٢] يريدون نبياً وقيل الضمير يعود على أمم الأنبياء جاءهم العلم فطال عليهم الأحد فآمن قوم وكفر قوم.﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ ﴾ أي عدة التأخير إلى يوم القيامة فحينئذٍ يقع الجزاء.﴿ لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ ﴾ أي لجوزوا بأعمالم في الدنيا.﴿ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ ﴾ هم بقية أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي من بعد أسلافهم أو هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإِنجيل.﴿ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ في إيصال ما أمرت به إليكم لا أخص شخصاً بشىء دون شخص الشريعة واحدة والأحكام مشترك فيها.﴿ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ أي قد وضحت الحجج وقامت البراهين وأنتم محجوجون فلا حاجة إلى إظهار حجة بعد ذلك.﴿ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ﴾ أي يوم القيامة فيفصل بيننا وما يظهر في هذه الآية من الموادعة منسوخ بآية السيف.﴿ وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ ﴾ أي يخاصمون في دينهم قال ابن عباس ومجاهد نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإِسلام واضلالهم ومحاجتهم بأن قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فديننا أفضل فنزلت الآية في ذلك.﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ﴾ أي باطلة لا ثبوت لها ولمّا ذكر تعالى الرزق ذكر حديث الكسب ولمّا كان الحرث في الأرض أصلاً من أصول المكاسب استعير لكل مكسب أريد به النماء والفائدة في قوله:﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ ﴾ أي من كان يريد عمل الآخرة ويسعى لها سعيها.﴿ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ أي من في جزاء حرثه من تضعيف الحسنات.﴿ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ﴾ لأنه لم يعمل للآخرة شيئاً فالجملة الأولى وعد منجز والثانية مقيدة بمشيئته تعالى لمن يشاء وجاء فعل الشرط ماضياً والجواب مجزوماً كقوله:﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾[هود: ١٥].
ولا نعلم خلافاً في جواز الجزم وإنه فصيح المختار إلا ما ذكره صاحب كتاب الاعراب وهو أبو الحكم بن عذرة عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح وإنما يجيء مع ما كان لأنها أصل الأفعال ولا يجيء مع غيرها من الأفعال ونص كلام سيبويه والجماعة أنه لا يختص ذلك بكان بل سائر الأفعال في ذلك مثلها وأنشد سيبويه قول الفرزدق: دست رسولاً بأن القوم ان قدروا   عليك يشفوا صدوراً ذات توغير
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ﴾ استفهام تقرير وتوبيخ لما ذكر تعالى أنه شرع للناس ما وصى به نوحاً أخذ ينكر ما شرع غيره والضمير في شرعوا عائد على الشركاء وفي لهم عائد على الكفار المعاصرين للرسول عليه السلام.﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ ﴾ أي الفصل يكون في الآخرة.﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ في الدنيا.﴿ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما أعد لهم من الكرامة وهو مبتدأ خبره الموصول والعائد عليه محذوف أي يبشر الله عباده به حذف حرف الجر فانتصب الضمير ثم حذفه قال الزمخشري: أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده " انتهى ". لا يظهر هذا الوجه إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدل عليها من تبشير وشبهه ومن النحويين من جعل الذي مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله عباده وليس بشىء لأنه إثبات للإِشتراك بين مختلفي الحد بغير دليل وقد ثبتت إسمية الذي فلا يعدل عن ذلك بشىء لا يقوم به دليل بل ولا شبهة.﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾ روي أن الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال جمعوه وقالوا يا رسول الله قد هدانا الله تعالى بك وأنت ابن أختنا وتعروك حقوق ومالك سعة فاستعن بهذا على ما ينوبك فنزلت الآية فردّه إليهم والظاهر أن قوله إلا المودة استثناء منقطع لأن المودّة ليست أجراً أن تدعوا حق قرابتي وتصدقوني بما جئتكم به وتمسكوا عن أذيتي وأذية من اتبعني.﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ أضرب عن الكلام المتقدم من غير إبطال واستفهم استفهام إنكار وتوبيخ على هذه المقالة أي مثله لا ينسب إليه الكذب على الله تعالى مع اعترافكم له قبل بالصدق والأمانة.﴿ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ﴾ قال مجاهد: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يشق عليك قولهم انه مفر.﴿ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ ﴾ إستئناف اخبار.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ ﴾ قال عمرو بن حريث طلب قوم أهل الصفة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق فنزلت أعلم تعالى أن الرزق لو جاء على اقتراح البشر لكان سبب بغيهم وإفسادهم ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة فرب إنسان لا يصلح ويكتفي شره إلا بالفقر وآخر بالغنى.﴿ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ ﴾ أي يقدر لهم ما هو أصلح لهم.﴿ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ وهو ما يظهر من آثار الغيب من المنافع والخصب وغير ذلك وقرىء: بما كسبت بغير فاء فما موصولة بمعنى الذي مبتدأة والخبر محذوف تقديره كائن بما كسبت والباء للسببية وما مصدرية تقديره بكسب أيديكم ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي وكسبت صلة والضمير محذوف تقديره كسبته وقرىء: فبما بالفاء فالأحسن أن تكون ما شرطية والفاء جواب الشرط وبعد الفاء محذوف تقديره فهو أي فإِصابتها بما كسبت أيديكم وفي الحديث" لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر ".﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ ﴾ هي السفن جمع جارية وهي صفة جرت مجرى الأسماء فوليت العوامل والاعلام هي الجبال واحدها علم وقالت الخنساء ترثي أخاهاوان صخر التأتم الهداة به   كأنه علم في رأسه نار﴿ فَيَظْلَلْنَ ﴾ أي يقمن قال الزمخشري: من ظل يظل ويظلل نحو ضل يضل ويضل " انتهى ". ليس كما ذكر لأن يضل بفتح العين من ضللت بكسرها في الماضي ويصل بكسرها من ضللت بفتحها في الماضي وكلاهما مقيس.﴿ رَوَاكِدَ ﴾ أي ثوابت.﴿ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ﴾ أي ظهر البحر.﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ على بلائه.﴿ شَكُورٍ ﴾ لنعمائه.﴿ أَوْ يُوبِقْهُنَّ ﴾ يهلكهن أي الجواري وهو عطف على يسكن. قال الزمخشري: فإِن قلت علام عطف يوبقهن. (قلت) على يسكن لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها " انتهى ". لا يتعين أن يكون التقدير أو يعصفها فيغرقن لأن أهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح بل قد يهلكها الله تعالى بسبب غير الريح كنزول سطحها بكثرة الثقل أو إنكسار لوح يكون سبباً لإِهلاكها أو يعرض لها عدو يهلك أهلها والضمير في كسبوا عائد على ركاب السفن أي بذنوبهم أخبر تعالى أنه يعفو عن كثير أي لا يؤاخذ بجميع ما اكتسب الإِنسان وقرأ نافع وجماعة ويعلم بالرفع عطفاً على ويعفو وقرأ الجمهور بالنصب فقال الكوفيون: هو منصوب بالواو التي تسمى واو الصرف وهو أن تصرف عطفه على ما قبله من المرفوع وقال ابن عطية: في قراءة النصب وهذه الواو ونحوها التي يسميها الكوفيون واو الصرف لأن حقيقة واو الصرف التي يريدونها عطف فعل على إسم بتقدير ان لتكون مع الفعل بتأويل المصدر فيحسن عطفه على الإِسم " انتهى ". وليس قوله لأن تعليلاً لقولهم واو الصرف وإنما هو تقرير لمذهب البصريين وأما الكوفيون فإِن واو الصرف ناصبة بنفسها لا بإِضمار ان بعدها وخرج الزمخشري في النصب على أنه معطوف على تعليل محذوف قال تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ومنه قوله تعالى:﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ ﴾[مريم: ٢١] وقوله:﴿ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ ﴾[الجاثية: ٢٢] " انتهى ". ويبعد تقديره لينتقم منهم لأنه ترتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن لينتقم منهم وأما الآيتان فيمكن أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلتا ذلك ولتجزى كل نفس بما كسبت فعلنا ذلك وهو كثيراً يقدر هذا الفعل محذوفاً قبل لام العلة إذا لم يكن فعل ظاهر متعلق به ومذهب البصريين في قراءة النصب انه بإِضمار ان فينسبك منها والفعل بعدها مصدر معطوف على مصدر موهم وتقديره فاظلالهن أو إيباقهن وعلم الذين يجادلون ونظيره قراءة من قرأ فيغفر لمن يشاء بالنصب ينسبك منه مصدر معطوف على مصدر متوهم تقديره في تلك الآية يكن حساب فمغفرة.﴿ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ جملة منفية في موضع نصب علق عنها قوله: ويعلم ومن محيص من زائدة ومحيص مبتدأ خبره في الذي قبله وعن علي رضي الله عنه اجتمع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مال فتصدق به كله في سبيل الله والخير فلامه المسلمون وخطأه الكافرون فنزلت:﴿ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾ والظاهر أنه خطاب للناس وقيل: للمشركين وما شرطية مفعول ثان لأوتيتم ومن شىء تبيين لما والمعنى من شىء من رياش الدنيا ومالها والسعة فيها والفاء جواب الشرط أي فهو متاع أي يستمع به في الحياة.﴿ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ ﴾ أي من ثوابه وما أعد لأوليائه.﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ مما أوتيتم لأنه لا انقطاع له والعامل في إذا يغفرون وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوفة على يجتنبون ويجوز أن يكون هم توكيداً للفاعل في غضبوا فيكون يغفرون جواب إذا وقال أبو البقاء هم مبتدأ ويغفرون الخبر والجملة جواب إذا انتهى وهذا لا يجوز لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء تقول إذا جاء زيد فعمرو منطلق ولا يجوز حذف الفاء إلا ان ورد في شعر والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور على حذف مضاف أي وأمرهم ذو شورى بينهم والذين صلته هم ينتصرون وإذا معمولة لقوله ينتصرون.
﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ الإِشارة بذلك إلى ما يفهم مصدر صبر وغفر والعائد على الموصولة المبتدأ من الخبر محذوف أي أن ذلك منه لدلالة المعنى عليه.﴿ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ ﴾ إن كان ذلك إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله: ولمن صبر وغفر لم يكن في عزم الأمور حذف وإن كان ذلك إشارة إلى المبتدأ كان هو الرابط ولا يحتاج إلى تقدير منه وكان في عزم الأمور حذف أي لأنه لمن ذوي عزم الأمور.﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ﴾ أي على النار دل عليها ذكر العذاب.﴿ خَاشِعِينَ ﴾ متضائلين صاغرين بما يلحقهم من الذل والصغار.﴿ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ قال ابن عباس: دليل.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ الظاهر أن وقال ماض لفظاً ومعنى أي وقال الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويكون يوم القيامة معمولاً لخسروا وقدم تعالى هبة الإِناث تأنيساً بهن وتشريفاً لهن ليهتم بصونهن والإِحسان إليهن وفي الحديث" من ابتلي بشىء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار "ولما كان العقم ليس بمحمود قال:﴿ وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً ﴾ وهو قسيم لمن يولد له ولما كان الخنثى يحزن بوجوده لم يذكره تعالى قالوا وكانت الحلقة مستمرة ذكراً وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى فسئل فارض العرب ومعمرها عامر بن الظرب عن ميراثه فلم يدر ما يقول فيه وأرجأهم فلما جن عليه الليل جعل يتقلب وتذهب به الأفكار وأنكرت خادمه عليه الحالة التي هو فيها فسألته فقال لها سهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه فقالت له: ما هو فقال شخص له ذكر وفرج كيف حاله في الميراث قالت له الأمة ورثه من حيث يبول فعقلها وأصبح يعرضها عليهم فرضوا بها وجاء الإِسلام على ذلك وقضى بذلك علي كرم الله وجهه.﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ ﴾ أي بمصالح العباد.﴿ قَدِيرٌ ﴾ على تكوين ما يشاء.﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ ﴾ أي ما ينبغي ولا يمكن إلا بأن يوحى إليه أحد وجوه الوحي من الإِلهام قال مجاهد: أو النفث في القلب وقال النقاش أو وحي في المنام وقال النخعي: كان في الأنبياء من يخط له في الأرض أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزاً كموسى عليه السلام وهذا معنى من وراء حجاب أي من خفاء عن المتكلم لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه وليس كالحجاب في المشاهد أو بأن يرسل إليه ملكاً يشافهه بوحي الله تعالى.﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ ﴾ عن صفات المخلوقين ﴿ حَكِيمٌ ﴾ تجري أفعاله على ما تقتضيه الحكمة يكلم بواسطة وبغير واسطة.﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ ﴾ أي مثل ذلك الإِيحاء المفصل أوحينا إليك إذ كان عليه السلام اجتمعت له الطرق الثلاث النفث في الردع والمنام وتكليم الله له حقيقة ليلة الإِسراء وإرسال رسول الله وهو جبريل عليه السلام.﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي ﴾ قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا كيف تدعوا الخلق إلى الإِيمان.﴿ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً ﴾ يحتمل أن يعود إلى قوله روحاً وإلى الكتاب وإلى الإِيمان وهو أقرب مذكور.﴿ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ ﴾ أخبر بالمضارع والمراد به الديمومة كقولك زيد يعطي ويمنع أي من شأنه ذلك ولا يراد به حقيقة المستقبل إذ جميع الأمور صائرة إليه على الدوام.
Icon