تفسير سورة الشورى

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ﴾ [ الشورى : ٢ ].
قاله بلفظ المضارع، مع أن الوحي إلى من قبل النبيّ ماض، لأنه –كما قال الزخشري- قصد بالمضارع كون ذلك عادة وسنّة الله، وهذا لا يوجد في لفظ الماضي.
قوله تعالى :﴿ يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ [ الشورى : ١١ ] أي يخلقكم في الجعل المذكور قبله ( ١ ). ﴿ ليس كمثله شيء ﴾ ( ٢ ).
إن قلتَ : هذا يقتضي ثبوت مثله، إنما نفى مثل مثله ؟   !
قلتُ : المثل يقال للذات، كما في قولهم : مثلك لا يليق به كذا، فمعناه : ليس كذاته شيء، أو هو من باب الكناية، لأنه إذا نفى مثل مثله، والغرض أنه نفي.
١ - المعنى: يجعلكم تتكاثرون وتتناسلون بهذا الخلق، بطريق التوالد، ولولا أنه سبحانه خلق الذّكر والأنثى، لما كان ثمّة تناسل ولا توالد، والذّرء معناه: الخلق، قال تعالى: ﴿قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون﴾ [الملك: ٢٤]..
٢ - معنى الآية: ليس له تعالى مثيل، ولا شبيه، ولا نظير، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والغرض تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، والكاف هنا لتأكيد النفي أي ليس مثله شيء، قال ابن قتيبة: العرب تقيم المِثل مقام النفس فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي أنا لا يقال لي هذا..
قوله تعالى :﴿ ومن آياته خلق السموات والأرض وما بثّ فيهما من دابة... ﴾ [ الشورى : ٢٩ ].
إن قلتَ : كيف قال :﴿ فيهما من دابة ﴾ مع أن الدواب إنما هي في الأرض فقط ؟
قلتُ : هو من إطلاق المثنّى على المفرد، كما في قوله تعالى :﴿ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ] وإنما يخرجان من أحدهما، وهو الملح.
وقيل : إن الملائكة لهم دبيب مع طيرانهم أيضا، وهم مبثوثون في السماء، عملا بمفهوم قوله :﴿ وما من دابة في الأرض ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] على القول بالعمل به في مثل ذلك.
قوله تعالى :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾ [ الشورى : ٤٣ ].
قاله هنا بلام التأكيد، وقاله في لقمان بدونها ( ١ )، لأن الصبر على مكروه حدث بظلم، كقتل ولد، أشدّ من الصبر على مكروه حدث بلا ظلم، كموت ولد، كما أن العزم على الأول، أوكد منه على الثاني، وما هنا من القبيل الأول، فكان أنسب بالتوكيد، وما في لقمان من القبيل الثاني، فكان أنسب بعدمه.
١ - في لقمان: ﴿إنّ ذلك من عزم الأمور﴾ [لقمان: ١٧]..
قوله تعالى :﴿ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ﴾ [ الشورى : ٤٩ ].
فإن قلتَ : لم قدّم الإناث مع أنّ جهتهنّ التأخير، ولم عرّف الذكور دونهنّ ؟
قلتُ : لأن الآية سيقت لبيان عظمة ملكه ومشيئته، وأنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاؤه عبيده، كما قال تعالى :﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ [ القصص : ٦٨ ]. ولما كان الإناث مما لا يختاره العباد، قدّمهن في الذّكر، لبيان نفوذ وإرادته ومشيئته، وانفراده بالأمر، ونكرهنّ وعرّف الذكور، لانحطاط رتبتهنّ، لئلا يُظنّ أن التقديم كان لأحقيتهنّ به، ثم أعطى كل جنس حقّه من التقديم والتأخير، ليُعلم أن تقديمهن لم يكن لتقدمهنّ، بل لمقتضى، فقال :﴿ أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا ﴾ [ الشورى : ٥٠ ] كما قال :﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ﴾ [ الحجرات : ١٣ ].
قوله تعالى :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان... ﴾ ( ١ ) [ الشورى : ٥٢ ].
المراد بالإيمان هنا : " شرائع الإسلام " وأحكامُه، كالصلاة، والصوم، وإلا فالأنبياء مؤمنون بالله، قبل أن يُوحى إليهم بأدلة عقولهم.
وقيل : المراد بالإيمان الكلمة التي بها دعوة الإيمان والتوحيد، وهي «لا إله إلا الله محمد رسول الله » والإيمان بهذا التفسير، إنما علمه بالوحي لا بالعقل.
١ - معنى الآية الكريمة: كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك يا محمد، أوحينا إليك هذا الكتاب العظيم، الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للبدن، ما كنت قبل الوحي، تعرف ما هو هذا القرآن ؟ ولا ما هو الإيمان ؟ على الوجه الذي أوحيناه إليك ! ؟ ولكننا جعلناه نورا وهدى، نهدي به من نشاء من عبادنا، نحييهم به من ظلمة الضلال، وموت القلب. ا ﻫ التفسير الواضح الميسّر..
Icon