تفسير سورة المجادلة

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة " المجادلة " مدنية

الربع الأول من الحزب الخامس والخمسين
في المصحف الكريم
في مطلع هذا الربع، وهو فاتحة سورة " المجادلة " :﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ﴾، تناول كتاب الله بالتهذيب والتشذيب عادة من عادات " الجاهلية " التي كانت شائعة بين العرب، وكانوا يطلقون عليها اسم " الظهار "، وهي من جملة العادات السيئة التي كان فيها عدوان على حقوق المرأة، فقد كان الرجل " الجاهلي " إذا غضب على امرأته اعتبرها مثل أمه، فحرم على نفسه مساسها كحرمة مساس أمه عليه سواء بسواء، وقال لها تعبيرا عن قصده : " أنت علي كظهر أمي " وبذلك تصبح علاقته الزوجية معها منقطعة حسب العرف " الجاهلي " لكنها بالرغم من تحريمها عليه تبقى " معلقة " دون طلاق، بحيث لا يمكن لها أن تتزوج من غيره، فلا هي حل له في رأيه حتى تستمر علاقتها الزوجية معه قائمة، ولا هي مطلقة منه حتى تكون حرة في نفسها، وتبحث عن زوج آخر.
ولأول ما صدر هذا العمل من أحد الأزواج المسلمين رفعت زوجته المسلمة شكوى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في أمرها، وتسأله الفصل في نزاعها مع زوجها، وبمناسبة وقوع هذه الحادثة التي هي الأولى من نوعها في المجتمع الإسلامي الناشئ نزل كتاب الله مبينا حكم الله فيها خصوصا، وفي شأن " الظهار " عموما، وابتدأت الآيات الكريمة بالإشارة أولا إلى الشكوى المرفوعة إلى رسول الله، وإلى الحوار الذي دار بينه وبين الزوجة المشتكية حول ظروف الحادثة وملابساتها، وما قد يترتب عليها من آثار، وقد حفظت دواوين السنة اسم الزوجة واسم زوجها، فهي خولة بنت ثعلبة، وهو أوس بن الصامت، وكان لهما صبية صغار، وكان قد تقدم به السن وساء خلقه في معاملة زوجته، فلما اشتد به الغضب قال لها : " أنت علي كظهر أمي "، فقالت له : والله ما أراك إلا قد أثمت في شأني، لبست جدتي، وأفنيت شبابي، وأكلت مالي، حتى إذا كبرت سني، ورق عظمي، واحتجت إليك فارقتني "، ولما ذهب عنه الغضب قال لها : " ما أكرهني لذلك "، ثم أقبل عليها وحاول مساسها من جديد، فقالت له : " والذي نفس خويلة بيده –تشير إلى اسمها بصيغة التصغير والدلال- لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله بيننا بحكمه "، فقال لها : " اذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظري هل تجدين عنده شيئا في ذلك ". وهذه الواقعة هي التي يشير إليها قوله تعالى :﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير١ ﴾، وفي هذه الآية دليل على مبلغ عناية الله بهداية خلقه وإرشادهم، وإصلاح ما فسد من أحوالهم، وعلى تمام رعايته للمظلومين، ونصرته لهم، برفع الظلم الواقع عليهم ولو من أقرب الأقربين.
وبين كتاب الله في الآيات التالية حكم الشريعة الإسلامية في " الظهار "، وخلاصة الحكم الشرعي فيه : أن " الظهار " يستلزم تحريم مساس المرأة على الزوج، وتحريم جميع أنواع الاستمتاع، إلا أن مجرد " الظهار " لا يعتبر في الإسلام نوعا من أنواع الطلاق ولا قائما مقامه، نعم، إن رغبة الزوج في مساس زوجته والاستمتاع بها بعد ظهاره منها، وعودته إلى ما حرمه على نفسه بالظهار، لا بد أن تسبقه " كفارة " يكفر بها الزوج، عن الإثم الذي وقع فيه بالإقدام على إعلان الظهار.
وهذه الكفارة مطالب فيها بالترتيب والتدريج، فتبدأ أولا بتحرير رقبة من الرق، وذلك في حق الزوج القادر على العتق، بحيث لا يسمح الشرع له بمساس امرأته إلا بعد تحرير تلك الرقبة، فإن لم يكن بيده من المال ما يستطيع به إنقاذ رقبة من الرق وتحريرها، وجب عليه صيام شهرين على التتابع والتوالي، بحيث يلزمه أن يصوم ستين أو٥٩ يوما دون فصل بينهما ولا انقطاع، وبعد انتهاء صومه شهرين كاملين يباح له الاتصال بزوجته التي كان قد ظاهر منها، فإن كان عاجزا عن تحرير رقبة من الرق، وعاجزا عن صيام شهرين متتابعين لعذر يقبله الشرع، لم يبق أمامه إلا مخرج واحد من الورطة التي تورط فيها، وهذا المخرج هو القيام بإطعام ستين مسكينا مقابل ما عجز عنه من صيام ستين يوما. قال الزمخشري : " فإن قلت : هل للمرأة أن ترافع المظاهر إذا امتنع من الكفارة ؟ قلت : لها ذلك – وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه، ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها، لأنه يضر بالمرأة في ترك التكفير والامتناع من الاستمتاع، فيلزم أيضا حقها ".
وفي نفس الوقت الذي شرع فيه كتاب الله هذه الحدود والقيود للظهار، حتى لا يقبل عليه المسلمون كما كان الأمر في " الجاهلية "، نادى كتاب الله بتسفيه رأي أولئك الذين يعتقدون أنهم بمجرد ما يشبهون زوجاتهم بوالداتهم تصبح زوجاتهم في حكم الأمهات فعلا، مبينا أن أمهاتهم على الحقيقة وفي هذا المقام هنّ النساء اللاتي ولدنهم، لا غيرهن من النساء، أما في غير هذا المقام فإن " المرضعات " ملحقات بالأمهات، وكذلك أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمهات المؤمنين " لأن الله حرم نكاحهن على الأمة، فدخلن بذلك في حكم الأمهات، كما نادى كتاب الله باعتبار " صيغة الظهار " التي تعارفها العرب في الجاهلية صيغة منكرة وزورا من القول في نظر الإسلام، إذ إن أم الزوج هي التي ولدته، ولا يعقل أن تصبح الزوجة أُمّا للزوج بمجرد كلمة يفوه بها، تعسفا واعتباطا، وهي ليست أما له في الحقيقة، ولا داخلة في حكم الأمهات، وهذه المعاني في جملتها هي التي تضمنتها الآيات الكريمة التالية حيث قال تعالى :﴿ الذين يظّهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، وإن الله لعفو غفور٢والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير٣ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم٤ ﴾. وجاء في " موطأ " الإمام مالك رحمه الله ما نصه : " قال مالك في قول الله تبارك وتعالى :﴿ والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾، قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته، ثم يجمع على إمساكها وإصابتها، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وأصابتها فلا كفارة عليه، قال مالك : فإن تزوجها بعد ذلك، أي بعد طلاقه لها دون كفارة، لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر ".
وبعدما بينت الآيات الكريمة حدود الله في شأن " الظهار "، ووضعت بذلك حدا للهوى والتعسف واستبداد الأزواج بزوجاتهم، مما كان شائعا في " الجاهلية " قبل الإسلام، عقب كتاب الله بما يفيد أن الذين لا يقفون عند حدود الله التي حدها لهم الشرع إنما يجنون على أنفسهم جناية كبرى، فسيعاقبهم الحق سبحانه بالخزي والهوان، جزاء تمردهم على الشريعة واستنكافهم عن الانقياد لنظمها، وعدم اعترافهم بسلطتها. وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ إن الذين يحادّون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين٥ ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى مزيد من الوصف لعلم الله الشامل الكامل، إذ لا يغيب عن علمه شيء، فهو يعلم السر والنجوى، " السر " المكتوم الذي يحتفظ به كل واحد منهم دون أن يطلع عليه الغير و " النجوى " التي يكشف بعضهم خلالها عما في نفسه للبعض الآخر، لكن في تستر وحذر، وإذا كان الناس ينسون أعمالهم ولا يتذكرونها في أغلب الأحيان، فإن الله سبحانه يحصي عليهم أنفاسهم، ويسجل لهم أعمالهم، وينبئهم بما عملوا متى حل موعد الحساب والجزاء، وذلك قوله تعالى :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد٦ ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم٧ ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا ﴾، أي وملائكتنا، ﴿ لديهم يكتبون ﴾ ( الزخرف : ٨٠ ).
وتحدث كتاب الله عن طائفة من المنافقين والكافرين يفضلون الاجتماع في غفلة عن الأنظار، بدلا من أن يجتمعوا على مرأى ومسمع من الناس وذلك بغية التآمر في اجتماعاتهم الخاصة، وأشار إلى النهي الذي وُجّه إليهم من قبل حتى لا يعقدوا مثل هذه الاجتماعات التي يبيّتون فيها الشر والأذى للإسلام والمسلمين، لكنهم بالرغم من النهي الذي وجّه إليهم عادوا لما نهوا عنه، من التناجي فيما بينهم بما فيه " ضرر خاص " وهو المعبر عنه هنا﴿ بالإثم ﴾، وبما فيه " ضرر عام " وهو المعبر عنه هنا ﴿ بالعدوان ﴾، وأكبر عدوان هو ما يتآمرون عليه من معصية الرسول، وعدم التنفيذ لأوامره، والخروج على تعليماته، وهذا المعنى هو ما يشير إليه قوله تعالى في خطابه لنبيه عليه السلام :﴿ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ﴾.
ووصف كتاب الله ما تنطوي عليه نفوس طائفة من المنافقين، وما يبرز على ألسنتهم من عبارات السخرية والتعريض، وعدم التوقير الواجب لمقام الرسالة، وما تحدثهم به أنفسهم عند ذلك، من أنه لو كان الرسول رسولا حقا لعذّبوا في الحين، جزاء ما يقولونه في حقه من الأقوال الخارجة عن حدود الأدب ومقتضيات الإيمان، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبيس المصير( ٨ ) ﴾.
ووجه كتاب الله خطابه إلى المؤمنين، داعيا إياهم، عندما يجتمعون للتناجي فيما بينهم في اجتماعات خاصة، إلى أن يتجنبوا في أحاديثهم كل ما فيه ضرر فردي أو جماعي، وأن يتناجوا فيما بينهم بالبر والتقوى دون الإثم والعدوان، وأن يستبعدوا من مذاكراتهم كل ما تشم منه رائحة التمرد وعدم الامتثال، وكل ما يؤدي إلى معصية الرسول، فطاعة الله وطاعة رسوله دعامتان أساسيتان من دعائم العقيدة الإسلامية، وركنان من أركان الدولة الإسلامية، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون( ٩ ) ﴾.
ونبه كتاب الله إلى أنه لا ينبغي للمؤمن أن يناجي آخر فيسر إليه بالحديث، ما دام حاضرا معهما مؤمن ثالث لا يعرف ما يدور بينهما، وقد يتأذى من حديثهما الذي يجهل فحواه، إذ توسوس إليه نفسه أن الحديث الذي هو نجوى بين الإثنين، ويتسارّان به فيما بينهما، يتضمن استهزاء به، أو تآمرا عليه، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنين ( ١٠ ) ﴾، وفي مثل هذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه ". وهذا النص انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه.
وبدلا من استعمال " الشعر " وسيلة لقضاء الحاجات، حسبما كان متعارفا عند العرب، لأنه من أفضل ما عندهم، فكان الرجل يقدمه أمام حاجته " يستمطر به الكريم، ويستنزل به اللئيم " على حد قول عمر بن الخطاب، جاء كتاب الله بنمط جديد يتفق مع روح الإسلام وأهدافه الإنسانية السامية، فخاطب المؤمنين الذين يرغبون في مناجاة الرسول والتحدث إليه في شؤونهم الخاصة أن يتقربوا إلى الله قبل لقاء الرسول، بتقديم الصدقات إلى الفقراء المسلمين، ثم يأتوا إليه وقد ازدادوا طهرا وصفاء، أما الذين لا يملكون ما يتصدقون به على الفقراء، لكونهم من نفس الفقراء، فلا حرج عليهم في لقائه ومناجاته دون تقديم أية صدقة، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ﴾، أي : أردتم ذلك، ﴿ فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم١٢ ﴾، ثم وسع الله عليهم ولم يضيق، فقال تعالى :﴿ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون١٣ ﴾.
ولعل من بين أسرار هذا التوجيه الإلهي الحكيم ما كان عليه المسلمون من التزاحم على لقاء رسول الله، ورغبة كل فرد في الاختلاء به والاستئثار بوقته واهتمامه، لقضاء الحاجات، وتلقي التوجيهات، الأمر الذي لو لم يوضع له حد لأصبح من الصعب عليه القيام بالمهام الكبرى التي تستلزم تكريس وقته لأدائها أولا بأول، وذلك لخير الجماعة الإسلامية جمعاء، فلما تلقى المسلمون هذا التوجيه الإلهي كان لهم بمنزلة " الفطام ". وكان فيه نوع من التخفيف على رسول الله، حتى يستطيع التفرغ للقيام بمهام الرسالة الجسام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:وبدلا من استعمال " الشعر " وسيلة لقضاء الحاجات، حسبما كان متعارفا عند العرب، لأنه من أفضل ما عندهم، فكان الرجل يقدمه أمام حاجته " يستمطر به الكريم، ويستنزل به اللئيم " على حد قول عمر بن الخطاب، جاء كتاب الله بنمط جديد يتفق مع روح الإسلام وأهدافه الإنسانية السامية، فخاطب المؤمنين الذين يرغبون في مناجاة الرسول والتحدث إليه في شؤونهم الخاصة أن يتقربوا إلى الله قبل لقاء الرسول، بتقديم الصدقات إلى الفقراء المسلمين، ثم يأتوا إليه وقد ازدادوا طهرا وصفاء، أما الذين لا يملكون ما يتصدقون به على الفقراء، لكونهم من نفس الفقراء، فلا حرج عليهم في لقائه ومناجاته دون تقديم أية صدقة، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ﴾، أي : أردتم ذلك، ﴿ فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم١٢ ﴾، ثم وسع الله عليهم ولم يضيق، فقال تعالى :﴿ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون١٣ ﴾.
ولعل من بين أسرار هذا التوجيه الإلهي الحكيم ما كان عليه المسلمون من التزاحم على لقاء رسول الله، ورغبة كل فرد في الاختلاء به والاستئثار بوقته واهتمامه، لقضاء الحاجات، وتلقي التوجيهات، الأمر الذي لو لم يوضع له حد لأصبح من الصعب عليه القيام بالمهام الكبرى التي تستلزم تكريس وقته لأدائها أولا بأول، وذلك لخير الجماعة الإسلامية جمعاء، فلما تلقى المسلمون هذا التوجيه الإلهي كان لهم بمنزلة " الفطام ". وكان فيه نوع من التخفيف على رسول الله، حتى يستطيع التفرغ للقيام بمهام الرسالة الجسام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وكتاب الله في مطلع هذا الربع يحذر الرسول عليه السلام من طائفة المنافقين، ويبين له ما هم منطوون عليه من موالاة اليهود الذين لا يضمرون أي خير للعرب، لا للعرب المسلمين، ولا حتى للعرب المنافقين الذين يمالئونهم في الباطن. ويهتك كتاب الله الستر عن أسلوب التضليل والتدجيل الذي يستعمله " المنافقون " تقليدا لليهود لجلب المؤمنين الصادقين إلى صفهم والتأثير عليهم، ولا سيما ما يقسمون به من الأيمان المغلظة، تأييدا لدعاويهم، وتدعيما لأكاذيبهم، ويبين كتاب الله أن الأيمان المغلظة التي يحلفونها إنما هي ستار كثيف يخفون به مقاصدهم، وسلاح خفيف يحمون به أنفسهم، حتى لا تفتضح نياتهم، ولا تنكشف عوراتهم، وحتى تستمر أحكام الإسلام الظاهرة جارية عليهم، باعتبار أنهم " مسلمون ". وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون١٤ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون١٥ اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين١٦ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:وكتاب الله في مطلع هذا الربع يحذر الرسول عليه السلام من طائفة المنافقين، ويبين له ما هم منطوون عليه من موالاة اليهود الذين لا يضمرون أي خير للعرب، لا للعرب المسلمين، ولا حتى للعرب المنافقين الذين يمالئونهم في الباطن. ويهتك كتاب الله الستر عن أسلوب التضليل والتدجيل الذي يستعمله " المنافقون " تقليدا لليهود لجلب المؤمنين الصادقين إلى صفهم والتأثير عليهم، ولا سيما ما يقسمون به من الأيمان المغلظة، تأييدا لدعاويهم، وتدعيما لأكاذيبهم، ويبين كتاب الله أن الأيمان المغلظة التي يحلفونها إنما هي ستار كثيف يخفون به مقاصدهم، وسلاح خفيف يحمون به أنفسهم، حتى لا تفتضح نياتهم، ولا تنكشف عوراتهم، وحتى تستمر أحكام الإسلام الظاهرة جارية عليهم، باعتبار أنهم " مسلمون ". وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون١٤ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون١٥ اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين١٦ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:وكتاب الله في مطلع هذا الربع يحذر الرسول عليه السلام من طائفة المنافقين، ويبين له ما هم منطوون عليه من موالاة اليهود الذين لا يضمرون أي خير للعرب، لا للعرب المسلمين، ولا حتى للعرب المنافقين الذين يمالئونهم في الباطن. ويهتك كتاب الله الستر عن أسلوب التضليل والتدجيل الذي يستعمله " المنافقون " تقليدا لليهود لجلب المؤمنين الصادقين إلى صفهم والتأثير عليهم، ولا سيما ما يقسمون به من الأيمان المغلظة، تأييدا لدعاويهم، وتدعيما لأكاذيبهم، ويبين كتاب الله أن الأيمان المغلظة التي يحلفونها إنما هي ستار كثيف يخفون به مقاصدهم، وسلاح خفيف يحمون به أنفسهم، حتى لا تفتضح نياتهم، ولا تنكشف عوراتهم، وحتى تستمر أحكام الإسلام الظاهرة جارية عليهم، باعتبار أنهم " مسلمون ". وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون١٤ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون١٥ اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين١٦ ﴾.
ثم يتحدث كتاب الله عن المصير السيئ الذي ينتظر " المنافقين " يوم القيامة، وأن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم في الآخرة من الله شيئا، إذ لا يستطيعون فدية رقابهم بالمال، ولا يستطيعون نصرة أنفسهم بالرجال، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون١٧ ﴾.
وحيث أن من عاش على شيء مات عليه، وحيث أن المنافقين قد تمكن النفاق من قلوبهم، واعتادوا الحلف بالأيمان الكاذبة وهم على قيد الحياة في الدنيا، واتخذوا من أيمانهم الفاجرة وقاية يتقون بها سطوة الإسلام وسلطانه، فإنهم سيواصلون نفس الخطة وهم في الآخرة، وسيحلفون أمام الله على الكذب، كما كانوا يحلفون عليه أمام رسوله والمؤمنين، جهلا منهم بأن الله يعلم السر والنجوى، وظنا منهم أن ذلك سينجيهم من عذاب الله، مثل ما أنجاهم كذبهم في الدنيا من متابعة الناس، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون١٨ ﴾.
ونظرا لأن البشر على اختلاف أجناسهم إنما هم فريقان : فريق يدعوا إلى " الحق " ويسعى في الصلاح، وفريق يدعو إلى " الباطل " ويسعى في الفساد، فقد اعتنت الآيات الكريمة هنا بتحديد الفروق الواضحة والسمات المميزة التي يتميز بها الفريق الأول وهو " حزب الله " عن الفريق الثاني وهو " حزب الشيطان "، وذلك ليعرف المؤمنون عن بينة، في جهة من يجب أن يضعوا ثقتهم، وفي يد من يجب أن يضعوا أيديهم :
- فأما " حزب الشيطان " الذي يقود الشيطان خطواته، ويوحي إلى أهله زخرف القول غرورا، فهو الذي استحوذ عليه الشيطان استحواذا تاما، بحيث أنساه ذكر الله بالمرة، فلا هو من يؤمن بالرسل ورسالاتهم، ولا هو من يؤمن بالكتب المنزلة وشرائعها، ولا هو من يؤمن بالآخرة وعذابها، بل هو يتحدى أوامر الله ونواهيه تحديا صارخا، فينتهك الحرمات، ويتعدى الحدود، ويحاول أن يقف في وجه كل شيء له علاقة بتوحيد الله وهدايته، ويعمل كل ما في وسعه جاهدا لطمس معالم الوحي والدين، بين البشر أجمعين، وإلى هذا الحزب الضال المضل من البشر يشير قوله تعالى :﴿ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون١٩ ﴾.
- وأما " حزب الله " فهو الذي شرح الله صدره للإيمان، وحببه إليه، وأقره في قلبه، وأيده بروح منه، وثبته بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألقى في قلبه محبة المؤمنين بالله ورسوله ومودتهم، وعداوة غيرهم إلى الأبد، ولو كان هذا الغير من أقرب الأقربين. وإلى حزب الله من الهادين المهتدين، الذين هم النبراس المضيء في الدنيا والدين، يشير قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون٢٢ ﴾.
ومما يجب التنبيه إليه ما جاء في سياق التفرقة بين حزب الله وحزب الشيطان من قوله تعالى :﴿ إن الذين يحادّون الله ورسوله أولئك في الأذلين( ٢٠ ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز٢١ ﴾، فهذه الآية " تتوعد حزب الشيطان " بأن مصيره المحتوم هو الخزي والذل والهوان، مهما تطاول على الله وجاهره بالشنآن والعدوان. كما أنها " تعد حزب الله " الذي يرعاه الله، ويتصدره " أولو العزم " من الرسل، بالغلبة على حزب الشيطان والنصر عليه، لا في الآخرة وحدها، ولكن حتى في الدنيا قبلها، طبقا لصريح قوله تعالى في آية أخرى :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾( غافر : ٥١ )، وقد صدق الله وعده لحزبه فعلا، فغلب الإيمان على الكفر، وانتصر التوحيد على الشرك في رقعة واسعة من العالم، وأظهر الله دينه الحنيف على كثير من المعتقدات الزائفة، والتقاليد الباطلة، التي كانت قبل ظهوره سائدة في جميع أطراف الأرض، فآمنت بالله ورسوله، ودانت بدين الله، مآت الملايين من البشر، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وها هو مد الإسلام، لا يزال في امتداد مستمر على الدوام، رغما عما تعرض له المسلمون عبر الأجيال والقرون من بطش وضغط، ومكر سيء، وكيد خفي، يلاحقهم به أعداء الإيمان، في كل مكان. أما موجات الكفر والإلحاد التي تتصاعد في بعض الفترات وفي بعض الأجيال، وفي بعض البقاع، فإن مآلها دائما إلى تقهقر وتراجع، أمام تيار الإيمان الصاعد، الذي يمده كل يوم مدد جديد من العلم بأسرار الكون، والمعرفة بعجائبه، والاكتشافات الحديثة لآفاقه الواسعة، وبذلك كله تتحقق الغلبة لله ولرسله في الدنيا كما هي محققة في الآخرة.
وقوله تعالى في التعقيب على هذا المعنى :﴿ إن الله قوي عزيز ﴾، إشارة إلى أن " قوة " الله التي لا تعادلها قوة، وإلى أن " عزته " التي لا يلحقها ضيم، هما أكبر ضمان لحزب الله في صراعه مع حزب الشيطان، وما دام الأمر كذلك فمن تمسك بحبل الله، وانضم إلى حزب الله، كان أقوى من كل قوي، وأعز من كل عزيز، إذ أنه يأوي إلى ركن ركين، ويعتمد على سند متين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:ونظرا لأن البشر على اختلاف أجناسهم إنما هم فريقان : فريق يدعوا إلى " الحق " ويسعى في الصلاح، وفريق يدعو إلى " الباطل " ويسعى في الفساد، فقد اعتنت الآيات الكريمة هنا بتحديد الفروق الواضحة والسمات المميزة التي يتميز بها الفريق الأول وهو " حزب الله " عن الفريق الثاني وهو " حزب الشيطان "، وذلك ليعرف المؤمنون عن بينة، في جهة من يجب أن يضعوا ثقتهم، وفي يد من يجب أن يضعوا أيديهم :

-
فأما " حزب الشيطان " الذي يقود الشيطان خطواته، ويوحي إلى أهله زخرف القول غرورا، فهو الذي استحوذ عليه الشيطان استحواذا تاما، بحيث أنساه ذكر الله بالمرة، فلا هو من يؤمن بالرسل ورسالاتهم، ولا هو من يؤمن بالكتب المنزلة وشرائعها، ولا هو من يؤمن بالآخرة وعذابها، بل هو يتحدى أوامر الله ونواهيه تحديا صارخا، فينتهك الحرمات، ويتعدى الحدود، ويحاول أن يقف في وجه كل شيء له علاقة بتوحيد الله وهدايته، ويعمل كل ما في وسعه جاهدا لطمس معالم الوحي والدين، بين البشر أجمعين، وإلى هذا الحزب الضال المضل من البشر يشير قوله تعالى :﴿ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون١٩ ﴾.

-
وأما " حزب الله " فهو الذي شرح الله صدره للإيمان، وحببه إليه، وأقره في قلبه، وأيده بروح منه، وثبته بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألقى في قلبه محبة المؤمنين بالله ورسوله ومودتهم، وعداوة غيرهم إلى الأبد، ولو كان هذا الغير من أقرب الأقربين. وإلى حزب الله من الهادين المهتدين، الذين هم النبراس المضيء في الدنيا والدين، يشير قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون٢٢ ﴾.
ومما يجب التنبيه إليه ما جاء في سياق التفرقة بين حزب الله وحزب الشيطان من قوله تعالى :﴿ إن الذين يحادّون الله ورسوله أولئك في الأذلين( ٢٠ ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز٢١ ﴾، فهذه الآية " تتوعد حزب الشيطان " بأن مصيره المحتوم هو الخزي والذل والهوان، مهما تطاول على الله وجاهره بالشنآن والعدوان. كما أنها " تعد حزب الله " الذي يرعاه الله، ويتصدره " أولو العزم " من الرسل، بالغلبة على حزب الشيطان والنصر عليه، لا في الآخرة وحدها، ولكن حتى في الدنيا قبلها، طبقا لصريح قوله تعالى في آية أخرى :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾( غافر : ٥١ )، وقد صدق الله وعده لحزبه فعلا، فغلب الإيمان على الكفر، وانتصر التوحيد على الشرك في رقعة واسعة من العالم، وأظهر الله دينه الحنيف على كثير من المعتقدات الزائفة، والتقاليد الباطلة، التي كانت قبل ظهوره سائدة في جميع أطراف الأرض، فآمنت بالله ورسوله، ودانت بدين الله، مآت الملايين من البشر، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وها هو مد الإسلام، لا يزال في امتداد مستمر على الدوام، رغما عما تعرض له المسلمون عبر الأجيال والقرون من بطش وضغط، ومكر سيء، وكيد خفي، يلاحقهم به أعداء الإيمان، في كل مكان. أما موجات الكفر والإلحاد التي تتصاعد في بعض الفترات وفي بعض الأجيال، وفي بعض البقاع، فإن مآلها دائما إلى تقهقر وتراجع، أمام تيار الإيمان الصاعد، الذي يمده كل يوم مدد جديد من العلم بأسرار الكون، والمعرفة بعجائبه، والاكتشافات الحديثة لآفاقه الواسعة، وبذلك كله تتحقق الغلبة لله ولرسله في الدنيا كما هي محققة في الآخرة.
وقوله تعالى في التعقيب على هذا المعنى :﴿ إن الله قوي عزيز ﴾، إشارة إلى أن " قوة " الله التي لا تعادلها قوة، وإلى أن " عزته " التي لا يلحقها ضيم، هما أكبر ضمان لحزب الله في صراعه مع حزب الشيطان، وما دام الأمر كذلك فمن تمسك بحبل الله، وانضم إلى حزب الله، كان أقوى من كل قوي، وأعز من كل عزيز، إذ أنه يأوي إلى ركن ركين، ويعتمد على سند متين.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:ونظرا لأن البشر على اختلاف أجناسهم إنما هم فريقان : فريق يدعوا إلى " الحق " ويسعى في الصلاح، وفريق يدعو إلى " الباطل " ويسعى في الفساد، فقد اعتنت الآيات الكريمة هنا بتحديد الفروق الواضحة والسمات المميزة التي يتميز بها الفريق الأول وهو " حزب الله " عن الفريق الثاني وهو " حزب الشيطان "، وذلك ليعرف المؤمنون عن بينة، في جهة من يجب أن يضعوا ثقتهم، وفي يد من يجب أن يضعوا أيديهم :

-
فأما " حزب الشيطان " الذي يقود الشيطان خطواته، ويوحي إلى أهله زخرف القول غرورا، فهو الذي استحوذ عليه الشيطان استحواذا تاما، بحيث أنساه ذكر الله بالمرة، فلا هو من يؤمن بالرسل ورسالاتهم، ولا هو من يؤمن بالكتب المنزلة وشرائعها، ولا هو من يؤمن بالآخرة وعذابها، بل هو يتحدى أوامر الله ونواهيه تحديا صارخا، فينتهك الحرمات، ويتعدى الحدود، ويحاول أن يقف في وجه كل شيء له علاقة بتوحيد الله وهدايته، ويعمل كل ما في وسعه جاهدا لطمس معالم الوحي والدين، بين البشر أجمعين، وإلى هذا الحزب الضال المضل من البشر يشير قوله تعالى :﴿ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون١٩ ﴾.

-
وأما " حزب الله " فهو الذي شرح الله صدره للإيمان، وحببه إليه، وأقره في قلبه، وأيده بروح منه، وثبته بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألقى في قلبه محبة المؤمنين بالله ورسوله ومودتهم، وعداوة غيرهم إلى الأبد، ولو كان هذا الغير من أقرب الأقربين. وإلى حزب الله من الهادين المهتدين، الذين هم النبراس المضيء في الدنيا والدين، يشير قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون٢٢ ﴾.
ومما يجب التنبيه إليه ما جاء في سياق التفرقة بين حزب الله وحزب الشيطان من قوله تعالى :﴿ إن الذين يحادّون الله ورسوله أولئك في الأذلين( ٢٠ ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز٢١ ﴾، فهذه الآية " تتوعد حزب الشيطان " بأن مصيره المحتوم هو الخزي والذل والهوان، مهما تطاول على الله وجاهره بالشنآن والعدوان. كما أنها " تعد حزب الله " الذي يرعاه الله، ويتصدره " أولو العزم " من الرسل، بالغلبة على حزب الشيطان والنصر عليه، لا في الآخرة وحدها، ولكن حتى في الدنيا قبلها، طبقا لصريح قوله تعالى في آية أخرى :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾( غافر : ٥١ )، وقد صدق الله وعده لحزبه فعلا، فغلب الإيمان على الكفر، وانتصر التوحيد على الشرك في رقعة واسعة من العالم، وأظهر الله دينه الحنيف على كثير من المعتقدات الزائفة، والتقاليد الباطلة، التي كانت قبل ظهوره سائدة في جميع أطراف الأرض، فآمنت بالله ورسوله، ودانت بدين الله، مآت الملايين من البشر، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وها هو مد الإسلام، لا يزال في امتداد مستمر على الدوام، رغما عما تعرض له المسلمون عبر الأجيال والقرون من بطش وضغط، ومكر سيء، وكيد خفي، يلاحقهم به أعداء الإيمان، في كل مكان. أما موجات الكفر والإلحاد التي تتصاعد في بعض الفترات وفي بعض الأجيال، وفي بعض البقاع، فإن مآلها دائما إلى تقهقر وتراجع، أمام تيار الإيمان الصاعد، الذي يمده كل يوم مدد جديد من العلم بأسرار الكون، والمعرفة بعجائبه، والاكتشافات الحديثة لآفاقه الواسعة، وبذلك كله تتحقق الغلبة لله ولرسله في الدنيا كما هي محققة في الآخرة.
وقوله تعالى في التعقيب على هذا المعنى :﴿ إن الله قوي عزيز ﴾، إشارة إلى أن " قوة " الله التي لا تعادلها قوة، وإلى أن " عزته " التي لا يلحقها ضيم، هما أكبر ضمان لحزب الله في صراعه مع حزب الشيطان، وما دام الأمر كذلك فمن تمسك بحبل الله، وانضم إلى حزب الله، كان أقوى من كل قوي، وأعز من كل عزيز، إذ أنه يأوي إلى ركن ركين، ويعتمد على سند متين.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:ونظرا لأن البشر على اختلاف أجناسهم إنما هم فريقان : فريق يدعوا إلى " الحق " ويسعى في الصلاح، وفريق يدعو إلى " الباطل " ويسعى في الفساد، فقد اعتنت الآيات الكريمة هنا بتحديد الفروق الواضحة والسمات المميزة التي يتميز بها الفريق الأول وهو " حزب الله " عن الفريق الثاني وهو " حزب الشيطان "، وذلك ليعرف المؤمنون عن بينة، في جهة من يجب أن يضعوا ثقتهم، وفي يد من يجب أن يضعوا أيديهم :

-
فأما " حزب الشيطان " الذي يقود الشيطان خطواته، ويوحي إلى أهله زخرف القول غرورا، فهو الذي استحوذ عليه الشيطان استحواذا تاما، بحيث أنساه ذكر الله بالمرة، فلا هو من يؤمن بالرسل ورسالاتهم، ولا هو من يؤمن بالكتب المنزلة وشرائعها، ولا هو من يؤمن بالآخرة وعذابها، بل هو يتحدى أوامر الله ونواهيه تحديا صارخا، فينتهك الحرمات، ويتعدى الحدود، ويحاول أن يقف في وجه كل شيء له علاقة بتوحيد الله وهدايته، ويعمل كل ما في وسعه جاهدا لطمس معالم الوحي والدين، بين البشر أجمعين، وإلى هذا الحزب الضال المضل من البشر يشير قوله تعالى :﴿ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون١٩ ﴾.

-
وأما " حزب الله " فهو الذي شرح الله صدره للإيمان، وحببه إليه، وأقره في قلبه، وأيده بروح منه، وثبته بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألقى في قلبه محبة المؤمنين بالله ورسوله ومودتهم، وعداوة غيرهم إلى الأبد، ولو كان هذا الغير من أقرب الأقربين. وإلى حزب الله من الهادين المهتدين، الذين هم النبراس المضيء في الدنيا والدين، يشير قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون٢٢ ﴾.
ومما يجب التنبيه إليه ما جاء في سياق التفرقة بين حزب الله وحزب الشيطان من قوله تعالى :﴿ إن الذين يحادّون الله ورسوله أولئك في الأذلين( ٢٠ ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز٢١ ﴾، فهذه الآية " تتوعد حزب الشيطان " بأن مصيره المحتوم هو الخزي والذل والهوان، مهما تطاول على الله وجاهره بالشنآن والعدوان. كما أنها " تعد حزب الله " الذي يرعاه الله، ويتصدره " أولو العزم " من الرسل، بالغلبة على حزب الشيطان والنصر عليه، لا في الآخرة وحدها، ولكن حتى في الدنيا قبلها، طبقا لصريح قوله تعالى في آية أخرى :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾( غافر : ٥١ )، وقد صدق الله وعده لحزبه فعلا، فغلب الإيمان على الكفر، وانتصر التوحيد على الشرك في رقعة واسعة من العالم، وأظهر الله دينه الحنيف على كثير من المعتقدات الزائفة، والتقاليد الباطلة، التي كانت قبل ظهوره سائدة في جميع أطراف الأرض، فآمنت بالله ورسوله، ودانت بدين الله، مآت الملايين من البشر، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وها هو مد الإسلام، لا يزال في امتداد مستمر على الدوام، رغما عما تعرض له المسلمون عبر الأجيال والقرون من بطش وضغط، ومكر سيء، وكيد خفي، يلاحقهم به أعداء الإيمان، في كل مكان. أما موجات الكفر والإلحاد التي تتصاعد في بعض الفترات وفي بعض الأجيال، وفي بعض البقاع، فإن مآلها دائما إلى تقهقر وتراجع، أمام تيار الإيمان الصاعد، الذي يمده كل يوم مدد جديد من العلم بأسرار الكون، والمعرفة بعجائبه، والاكتشافات الحديثة لآفاقه الواسعة، وبذلك كله تتحقق الغلبة لله ولرسله في الدنيا كما هي محققة في الآخرة.
وقوله تعالى في التعقيب على هذا المعنى :﴿ إن الله قوي عزيز ﴾، إشارة إلى أن " قوة " الله التي لا تعادلها قوة، وإلى أن " عزته " التي لا يلحقها ضيم، هما أكبر ضمان لحزب الله في صراعه مع حزب الشيطان، وما دام الأمر كذلك فمن تمسك بحبل الله، وانضم إلى حزب الله، كان أقوى من كل قوي، وأعز من كل عزيز، إذ أنه يأوي إلى ركن ركين، ويعتمد على سند متين.

Icon