ﰡ
٤٢٧٦ - باتَتْ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيَّا...
قوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ أصلُ نَبَّأ وأنبأ وأخبر وخبَّر وحَدَّث أَنْ يتعدَّى لاثنين إلى الأول بنفسِها، والثاني بحرف الجر، وقد يُحْذَفُ الجارُّ تخفيفاً، وقد يُحْذَفُ الأول للدلالة عليه. وقد جاءت الاستعمالاتُ الثلاثةُ في هذه الآياتِ، فقولُه: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ تعدَّ لاثنين حُذِفَ أوَّلُهما، والثاني مجرورٌ بالباء، أي: نَبَّأت به غيرَها، وقوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ ذكرهما، وقولُه: ﴿مَنْ أَنبَأَكَ هذا﴾ ذَكَرهما وحَذَفَ الجارَّ.
قوله: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ قرأ الكسائي بتخفيف الراء، والباقون بتثقيلِها. فالتثقيلُ يكون المفعولُ الأول معه محذوفاً أي: عَرَّفها بعضَه أي: وقَّفها عليه على سبيل الغَيْبِ، وأعرضَ عن بعضٍ تكرُّماً منه وحِلْماً. وأمَّا التخفيفُ فمعناه: جازَى على بعضِه، وأعرضَ عن بعضٍ. وفي التفسير: أنَّه أسَرَّ إلى حفصةَ شيئاً فحدَّثَتْ به غيرَها فطلَّقَها، مجازاةً على بعضِه، ولم يُؤَاخِذْها بالباقي، وهو من قبيل قولِه: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله﴾ [البقرة: ١٩٧] أي: يُجازيكم عليه، وقولِه: ﴿أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [النساء: ٦٣] وإنما اضْطُررنا إلى هذا التأويلِ لأنَّ اللَّهَ تعالى أَطْلَعَهُ على
٤٢٧٧ -............. من العَقْرابِ | الشائلاتِ عُقَدَ الأذْنَابِ |
٤٢٧٨ - فتخالَسا نَفْسَيْهما بنوافِذٍ | كنوافِذِ العُبْطِ التي لا تُرْقَعُ |
٤٢٧٩ - حمامةَ بَطْنِ الواديَيْنِ تَرَنَّمي | سَقاكِ مِنْ الغُرِّ الغوادِي مَطيرُها |
قوله: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا﴾ أصلُه تتظاهرا فأَدْغَمَ، وهذه قراءة العامَّةِ، وعكرمةُ» تتظاهرا «على الأصل، والحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في روايةٍ عنهما بتشديد الظاء والهاء دون ألف وأبو عمروٍ في روايةٍ» تظاهرا «بتخفيف الطاء والهاء، حَذَفَ إحدى التاءَيْن وكلُّها بمعنىً المعاونة مِن الظهر لأنه أقوى أعضاءِ الإِنسانِ وأجلُّها.
قوله: ﴿هُوَ مَوْلاَهُ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ» هو «فصلاً، و» مَوْلاه «الخبرَ، وأن يكونَ مبتدأً، و» مَوْلاه «خبرُه، والجملةُ خبرُ» إنَّ «.
قوله: ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ يجوزُ أَنْ يكون عطفاً على اسمِ الله تعالى ورُفِعَ نظراً إلى محلِّ اسمِها، وذلكَ بعد استكمالِها خبرَها، وقد عَرَفْتَ مذاهبَ الناسِ فيه، ويكونَ» جبريلُ «وما بعده داخلَيْن في الولايةِ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويكونَ جبريلُ ظهيراً له بدخولِه في عمومِ الملائكةِ، ويكونَ» الملائكة «مبتدأً و» ظهيرٌ «خبرَه، أُفْرِدَ لأنه بزنةِ فَعيل. ويجوزُ أَنْ يكونَ الكلامُ تمَّ عند قولِه:» مَوْلاه «ويكونُ» جبريل «مبتدأ، وما بعده عَطْفٌ عليه.
و «ظهيرٌ» خبرُ الجميع، فتختصُّ الولايةُ بالله، ويكون «جبريل» قد ذُكر في المعاونةِ مرَّتين: مرةً بالتنصيصِ عليه، ومرةً بدخولِه في عموم الملائكةِ، وهذا عكس ما في البقرة مِنْ قوله: {
وقوله: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الظاهرُ أنه مفردٌ، ولذلك كُتب بالحاء دونَ واوِ الجمع. وجَوَّزوا أن يكونَ جمعاً بالواو والنون، حُذِفَتْ النونُ للإِضافة، وكُتِبَ دون واوٍ اعتباراً بلفظه لأنَّ الواوَ ساقطةٌ لالتقاء الساكنين نحو: ﴿وَيَمْحُ الله الباطل﴾ بالشورى: ٢٤] و ﴿يَدْعُ الداع﴾ ﴿سَنَدْعُ الزبانية﴾ [العلق: ١٨] إلى غيرِ ذلك، ومثل هذا ما جاء في الحديثِ: «أهلُ القرآن أهلُ الله وخاصَّتُه» قالوا: يجوز أن يكونَ مفرداً، وأن يكونَ جمعاً كقولِه: ﴿شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ [الفتح: ١١] وحُذِفَتِ الواوُ لالتقاء الساكنين لفظاً، فإذا كُتِب هذا فالأحسنُ أَنْ يُكتبَ بالواوِ لهذا الغرضِ، وليس ثَمَّ ضرورةٌ لحَذْفِها كما مَرَّ في مرسوم الخط.
وجَوَّزَ أبو البقاء في «جبريلُ» أن يكونَ معطوفاً على الضمير في «مَوْلاه» يعني المستتَر، وحينئذ يكون الفصلُ بالضميرِ المجرورِ كافياً في تجويزِ العطفِ عليه. وجوَّز أيضاً أَنْ يكونَ مبتدأ و «صالحُ» عطفٌ عليه. والخبرُ محذوفٌ أي: مَواليه.
«مُسْلماتٍ» إلى آخره: إمَّا نعتٌ أو حالٌ أو منصوبٌ على الاختصاص، وتقدَّمَتْ قراءتا ﴿يُبْدِلَهُ﴾ تخفيفاً وتشديداً في الكهف. وقرأ عمرو بن فائد «سَيِّحاتٍ»، وإنما وُسِّطَتِ الواوُ بين «ثَيِّبات وأَبْكاراً» لتنافي الوصفَيْن دون سائر الصفات. وثَيِّبات ونحوه لا ينقاسُ لأنه اسمُ جنسٍ مؤنثٍ فلا يُقال: نساء خَوْدات، ولا رأيت عِيْنات.
والثَّيِّبُ: وزنُها فَيْعل مِن ثاب يثوب أي: رَجَعَ كأنها ثابَتْ بعد زوالِ عُذْرَتِها، وأصلها ثَيْوِب كسَيِّد ومَيِّت، أصلُهما سَيْوِد ومَيْوِت فأُعِلَّ الإِعلالَ المشهورَ.
و «ناراً» مفعولٌ ثانٍ. و ﴿وَقُودُهَا الناس﴾ صفةٌ ل «ناراً» وكذلك «عليها ملائكةٌ». ويجوزُ أَنْ يكونَ الوصفُ وحدَه عليها و «ملائكةٌ» فاعلٌ به. ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً لتخصُّصِها بالصفة الأولى وكذلك ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله﴾.
وقرأ بعضُهم «وأَهْلوكم» وخُرِّجَتْ على العطفِ على الضمير المرفوع ب «قُوا» وجَوَّزَ ذلك الفصلُ بالمفعولِ. قال الزمخشري بعد ذِكْرِهِ القراءةَ وتخريجَها: «فإنْ قلتَ: أليس التقديرُ: قُوا أنفسَكم، ولْيَقِ أَهْلوكم أنفسكم؟ قلت: لا. ولكن المعطوفَ في التقديرِ مقارنٌ للواو، و» أنفسَكم «واقعٌ بعده كأنَّه قيل: قُوا أنتم وأهلوكم أنفسَكم لمَّا جَمَعْتَ
قوله: ﴿مَآ أَمَرَهُمْ﴾ يجوز أَنْ تكونَ «ما» بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي ما أَمَرَهموه، والأصلُ: به. لا يُقال: كيف حَذَفَ العائدَ المجرورَ ولم يَجُرَّ الموصولَ بمثله؟ لأنه يَطَّردُ حَذْفُ هذا الحرفِ فلم يُحْذَفْ إلاَّ منصوباً، وأن تكونَ مصدريةً، ويكونَ مَحَلُّها بدلاً من اسمِ الله بدلَ اشتمالٍ، كأنه قيل: لا يَعْصُون أَمْرَه.
وقوله: ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾ قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: أليسَتْ الجملتان في معنى واحدٍ؟ قلت: لا؛ لأن الأولى معناها: أنهم يتقبَّلون أوامرَه ويلتزمونها، والثانيةَ معناها: أنهم يُؤَدُّون ما يؤمرون به، لا يتثاقلون عنه ولا يَتَوانَوْن فيه».
وقرأ زيد بن علي «تَوْباً» دونَ تاءٍ.
قوله: ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾ قراءةُ العامةِ بالنصبِ عطفاً على «يُكَفِّر» وابنُ أبي عبلة بسكون الراء، فاحتمل أَنْ يكونَ من إجراء المنفصل مُجْرَى المتصل، فسَكَنَتِ الكسرةُ؛ لأنه يُتَخيل من مجموع «يُكَفِّرَ عنكم» مثل: نِطَع وقِمَع فيقال فيهما: نِطْع وقِمْع. ويُحتمل أَنْ يكونَ عطفاً على محلِّ «عسى أَنْ يُكَفِّر» كأنه قيل: تُوبوا يُوْجبْ تكفيرَ سيئاتِكم ويُدْخِلْكم، قاله الزمخشري، يعني أنَّ «عسى» في محلِّ جزم جواباً للأمر؛ لأنه لو وقع موقعَها مضارع لا نجزم كما مَثَّل به الزمخشري، وفيه نظرٌ؛ لأنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ «عسى» جوابٌ، ولا تقع جواباً لأنها للإِنشاء.
قوله: ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى﴾ منصوبٌ ب «يُدْخلكم» أو بإضمار اذكُرْ.
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾ يجوز فيه وجهان أحدُهما: / أن يكونَ
وقرأ أبو حَيْوَةَ وسهل الفهمي «وبإيمانهم» بكسر الهمزة، وتقدَّم ذلك في الحديد.
قوله: ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ﴾ جملةٌ مستأنفة كأنها مفسِّرةٌ لضَرْبِ المَثَلِ، ولم يأتِ بضميرِها، فيُقال: تحتَهما أي: تحتَ نوحٍ ولوطٍ، لِما قُصِدَ مِنْ تَشْريفِهما بهذه الأوصافِ الشريفةِ:
قوله: ﴿فَلَمْ يُغْنِيا﴾ العامَّةُ بالياء مِنْ تحتُ أي: لم يُغْن نوحٌ ولوطٌ عن امرأتيهما شيئاً مِنْ الإِغناءِ مِنْ عذابِ الله.
وقرأ مبشر بن عبيد «تُغْنِيا» بالتاءِ مِنْ فوقُ أي: فلم تُغْنِ المرأتان عن أنفسِهما. وفيها إشكالٌ: إذ يلزمُ من ذلك تعدِّي فعل المضمرِ المتصل إلى ضميره المتصل في غيرِ المواضعِ المستثناةِ وجوابُه: أنَّ «عَنْ» هنا اسم كهي في قوله:
٤٢٨٠ - لا تَدْعُني إلاَّ ب «يا عبدَها» | فإنَّه أشرفُ أسمائي |
٤٢٨١ - دَعْ عنك نَهْباً صِيْحَ في حَجَراتِهِ | ........................ |
قوله: ﴿عِندَكَ﴾ يجوز تعلُّقُه ب ابنِ، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ «بيتاً»، كان نعتَه، فلما قُدِّم نُصِبَ حالاً. و «في الجنة» : إمَّا متعلِّقٌ ب «ابْنِ» وإمَّا بمحذوفٍ على أنه نعتٌ ل بيتاً.
وقرأ العامَّةُ «ابنةَ» بنصب التاء. وأيوب السُّخْتياني بسكون الهاء وَصْلاً، أَجْرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ. والعامَّةُ أيضاً «فَنَفَخْنا فيه» أي: في الفَرْج. وعبد الله «فيها» أي: في الجُملة. وتقدَّم في الأنبياء مثله.
والعامَّةُ أيضاً «وصَدَّقَتْ» بتشديد الدال. ويعقوبُ وقتادةُ وأبو مجلز وعاصمٌ في روايةٍ بتخفيفِها أي: صَدَقَتْ فيما أخبرَتْ به من أمرِ عيسى عليه السلام. والعامَّة على «بكلمات» جمعاً. والحسن ومجاهد والجحدري «بكلمة» بالإِفراد. فقيل: المرادُ بها عيسى لأنه كلمة الله. وتقدَّم الخلافُ في كتابة «وكتبه» في أواخر البقرة. وقرأ أبو رجاء «وكُتْبِه» بسكون التاء وهو تخفيفٌ حسنٌ، ورُوي عنه «وكَتْبِه» بفتح الكاف. قال أبو الفضل: مصدرٌ وُضِع مَوْضِعَ الاسمِ يعني: ومكتوبِه.