آياتها اثنتا عشرة وفيها ركوعان وهي مدنية
ﰡ
فائدة : وقد ورد في صحيح البخاري من حديث عروة عن عائشة أن صاحبة العسل حفصة وذلك أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة فقلت أما والله لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة وقلت إذا دخل عليك فإنه سيد قومك فقولي يا رسول الله أكلت مغافير فيقول لا فقولي يا هذه الريح ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح فإنه سيقول سقتني حفصة شيء عسل قولي يا رسول الله جرست نحله العرفظ وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قالت والله الذي لا إلاه إلا هو لقد كدت أن أناديه بالذي قلت لي وأنه على الباب فرقا منك فلما دنى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال لا، قالت فما بال هذا الريح ؟ قال سقتني حفصة شربة عسل، قالت جرست نحله العرفظ فدخل علي فقلت له مثل ذلك فدخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت يا رسول الله ألا أسقيك منه قال لا حاجة لي به قالت يعني عائشة تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه قالت يعني عائشة قلت لها اسكتي.
قال الحافظ ابن حجر وطريق الجمع بين هذا الحديث الدال لى أن صاحبة العسل حفصة وبين ما سبق أنها زينب الحمل على تعدد الوقعة فلا يمتنع تعدد السبب لأمر واحد فإن صح إلى الترجيح فرواية عبيد عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة فلو كانت حفصة صاحبة لعسل لم تقرره في المظاهر بعائشة لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما متظاهرتان ويمكن القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام ابن عروة التي فيها شرب العسل كان عند حفصة تعرض الآية ولا لذكر سبب النزول قال القرطبي الرواية التي فيها أن المتظاهرتان عائشة وصفية وسودة ليست بصحيحة لأنها مخالفة التلاوة بمجيئها بخطاب الاثنين دون الخطاب جمع المؤنث فالتوفيق ما ذكرنا أن قصة شرب العسل عند حفصة كانت سابقة فلما قيل له ما قيل ترك شرب الخمر من غير تصريح بتحريج ولن ينزل في ذلك شيء لم لما شرب في بيت زينب تظاهرت عائشة وحفصة على ذلك القول، حرم العسل فنزلت الآية، وأخرج ابن سعد عن عبد الله ابن رافع قال سألت أم سلمة عن هذه الآية قالت كان عندي عكة من العسل أبيض فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلعق منها وكان يحبه وقالت عائشة نحلها تجرس عرفظا فحرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية كذا أخرج الطبري ورفع في تفسير السدي، قال الحافظ ابن حجر هذا مرجوج لإرساله وشذوذه وقال أكثر المفسرين إن الآية نزلت في تحريم مارية ذكر البغوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فلما كانت يوم حفصة استأذنت زيارة أبيها فأذن فلما خرجت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكي فقال ما يبكيك ؟ فقالت إنما أذنت لي من أجل هذا فدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي أما رأيت لي حرمة وحقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هي جاريتي أحلها الله لي أسكتي فهي حرام علي ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية وقد أراحنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فغضبت عائشة فلم يزل نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها فأنزل الله عز وجل هذه الآية وأخرج البزار بسند صحيح عن ابن عباس قال نزلت ﴿ يا أيها النبي لم تحرم ﴾ الآية في سرية.
روى ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن ابن عباس قال كانت حفصة وعائشة متحابين فذهبت حفصة إلى أبيها تحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جارية فظلت معه في بيت فرجعت حفصة فوجدتها في بيتها فخرجت الجارية ودخلت حفصة وقالت قد رأيت من كان عندك والله لقد سويتني فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأرضيك وإني أسر إليك سرا فاحفظه، قالت ما هو ؟ قال أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضي لك فأنزل الله هذه الآية، وأخرج الحاكم والنسائي بسند صحيح عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمه يطأ فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما فأنزل الله هذه الآية وأخرج في المختار من حديث ابن عمر عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة :( لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم علي حرام ) فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) وأخرج الطبراني بسند ضعيف من حديث أبي هريرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية سرية بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي دون بيوت نسائك فقال فإنها علي حرام أن أمسها يا حفصة واكتمي هذا علي فخرجت حتى أتت عائشة فأخبرتها فأنزل الله يا أيها النبي لم تحرم الآيات فهذه الأحاديث تدل على أن الآيات في تحريمه عليه الصلاة والسلام على نفسه مارية القبطية على خلاف ما سبق من الأحاديث قال الحافظ ابن حجر يحتمل أن الآية نزلت في السببين معا ويدل على هذا التوفيق ما وقع في رواية يزيد ابن رومان عن عائشة عند ابن مردوية وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها حبسته حتى يلعقه أو يستقيه منها فقالت عائشة بجارية لها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقالت إذا دخل عليكن فقلن أنا نجد منك ريح مغافر فقال هو عسل والله لا أطعمه أبدا فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن فذهبت فأرسل إلى جارية فأدخل بيت حفصة قال فرجعت حفصة فوجدت الباب مغلقا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي وعاينته فقال أشهد أنها علي حرام وانظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة فلما خرج قرعت الجدار الذي بينهما وبين عائشة فقالت أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته قلت : هذا الحديث يوجب الجمع بين قصة مارية وقصة شرب العسل عند حفصة قبل ذلك ولعل الراوي جمع في الرواية قصة شرب العسل عند حفصة وقصة تحريم مارية وترك ما بين ذلك من قصة شرب العسل عند زينب وتحريم العسل قال الحافظ ابن حجر والراجح من الأقوال كلها في سبب نزول الآية قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها خلاف لعسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن يعني سودة وصفية مع عائشة كما مروا الله تعالى أعلم ﴿ تبتغي مرضات أزواجك ﴾ تفسير للتحريم أو حال من فاعله أو استيناف ببيان الداعي إليه ﴿ والله غفور ﴾ لك هذه الزلة فإنه لا ينبغي تحريم ما أحل الله بالحلف ﴿ رحيم ﴾ رحمك فجعل لك مخرجا من التحريم ولم يؤاخذك به وعاتبك محاماة لك عما لا ينبغي
مسألة : من قال حرمت على نفسي أمتي هذه أو طعامي هذا أو طعاما كذا يكون يمينا عند أبي حنيفة وأحمد والأوزاعي وهو المروي عن أبي بكر وعائشة والحجة لهذا القول هذه الآية حيث قال الله تعالى :﴿ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ﴾ ﴿ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ﴾ حيث جعل تحريم الحلال يمينا وقال البغوي أخبرنا عن سعيد ابن عباس قال في الحرام يكفر ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ وقال الشافعي تحريم الحلال ليس يمين لكن في صورة الأمة عليه كفارة اليمين بنفس اللفظ لا بالحنث في صورة تحريم الطعام لا شيء عليه وإن، قال لزوجته أنت علي حرام أو حرمتك فإن نوى طلاقا فهو طلاق وإن نوى به ظهار وإن نوى التحريم وأتتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين عند الشافعي وعند أبي حنيفة هو إيلاء يكفر بعد الفيء قال البيضاوي : الاحتجاج بهذه الآية على كون التحريم مطلقا أو تحريم المرأة يمينا ضعيفا إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال أنه صلى الله عليه وسلم أتى بلفظ اليمين، وقول البيضاوي هذا لا يخفى ضعفه فإن الله سبحانه ذكر من النبي صلى الله عليه وسلم التحريم مطلقا ومن غير ذكر الحلف ومن غير تخصيص التحريم بالمرأة ثم سماه يمينا حيث قال قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فهو دليل واضح على كون التحريم نفسه يمينا والله تعالى أعلم.
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الطلاق: باب: في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن ﴿١٤٧٩﴾.
٣ سورة النساء الآية: ٦٩.
٢ سورة الحج الآية: ٤٦.
٢ سورة السجدة الآية: ١٢.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بابك فضل عائشة رضي الله عنها ﴿٣٧٦٩﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ﴿٢٤٣١﴾ وأخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة باب: ما جاء في فضل الثريد ﴿١٨٣٨﴾ وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الأطعمة باب: فضل الثريد على الطعام ﴿٣٢٨٠﴾.
٣ أخرجه البخاري في كتاب: مناقب الأنصار باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها ﴿٣٨١٥﴾ وأخرجه مسلم في كتغاب: فضائل الصحابة: باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ﴿٢٤٣٠﴾.
٤ سورة آل عمران الآية: ٤٢.