قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّها مكّيّة إلاّ آيتين، قوله :) وَلاَ يَزَالُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا يُصِيْبَهُمْ بِما صَنَعُوا (، وقوله ) ومَن عنده علم الكتاب (.
وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وست أحرف وثمان و (. . . . . . . . . . ) وخمسون كلمة وثلاث وأربعون آية.
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة الرعد أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلِّ سحاب مضى وكلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد الله عزّ وجلّ ).
ﰡ
مدنية قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّها مكّيّة إلّا آيتين، قوله: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا، وقوله وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.
وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وست أحرف وثمان و [..........] «١» وخمسون كلمة وثلاث وأربعون آية.
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب مضى وكلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد الله عزّ وجلّ» [١٣٠] «٢».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١ الى ٤]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)المر قال ابن عباس: معناه: أنا الله أعلم وأرى تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ يعني تلك الأخبار التي قصصناها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة وَالَّذِي أُنْزِلَ يعني وهذا القرآن الذي أنزل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هو الْحَقُّ فاعتصم به واعمل بما فيه، فيكون محلّ الَّذِي رفعا على الابتداء و (الْحَقُّ) خبره، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة، ويجوز أن يكون محلّ
(٢) تفسير مجمع البيان: ٦/ ٥.
وقال ابن عباس: أراد بالكتاب القرآن فيكون معنى الآية على هذا القول: هذه آيات الكتاب يعني القرآن، ثمّ قال: وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربّك هو الحقّ، قال الفرّاء: وإن شئت جعلت (الَّذِي) خفضا على أنّه نعت الكتاب وإن كانت فيه الواو كما تقول في الكلام: أتانا هذا الحديث عن أبي حفص والفاروق وأنت تريد ابن الخطّاب، قال الشاعر:
أنا الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم «١» |
إنّ محمّدا يقول القرآن من تلقاء نفسه، ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل:
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه؟ وقوله: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء، يقال: عمود وعمد مثل أديم وأدم، وعمدان، وكذا مثل رسول ورسل، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد، ومثل إهاب وأهب، قال النابغة:
وخيس الجنّ إنّي قد أذنت لهم | يبنون تدمر بالصّفاح والعمد «٢» |
إذا أعجبتك الدهر حال من أمرى | فدعه وأوكل «٣» حاله واللياليا |
تهين «٤» على ما كان عن صالح به | فان كان فيما لا يرى الناس آليا «٥» |
(٢) لسان العرب: ٤/ ٢٩١.
(٣) في المصدر: وواكل.
(٤) في المصدر: يجئن.
(٥) تفسير الطبري: ١٢٣.
ولا أراها تزال ظالمة | تحدث لي نكبة وتنكرها «١» |
ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ علا عليه وقد مضى تفسيره، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي ذلّلها لمنافع خلقه ومصالح عباده كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قدّر له، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويخسف القمر وتنكدر النجوم، وقال ابن عباس: أراد بالأجل المسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها.
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال مجاهد: يقضيه وحده يُفَصِّلُ الْآياتِ ينتهيان، لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ بسطها، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ جبالا، واحدتها راسية وهي الثابتة، يقال: إنّما رسيت السفينة، وأرسيت الوتد في الأرض إذا أثبتّها، قال الشاعر:
حبّذا ألقاه سائرين وهامد | وأشعث أرست الوليدة بالفهر |
وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ رفعها ابن كثير وأبو عمرو عطفا على الجنات، وكسرها الآخرون عطفا على الأعناب. والصنوان جمع صنو، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد فيكون الأصل واحد، ويتشعب به الرءوس فيصير نخلا، كذا قال المفسرون، قالوا: صِنْوانٌ مجتمع وَغَيْرُ صِنْوانٍ متفرق.
قال أهل اللغة: نظيرها في كلام العرب، صِنْوانٌ واحد، واحدها صنو والصنو المثل وفيه قيل: شمّ الرجل صنوانه ولا فرق فيهما بين التثنية والجمع إلّا بالإعراب وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة تجري جريان الإعراب.
خالفوا كلهم على خفض الصاد من صنوان إلّا أبا عبد الرحمن السلمي فإنه ضم صاده.
وقرأ الباقون: بالتاء لقوله جَنَّاتٌ.
واختاره أبو عبيد قال: وقال أبو عمرو: مما يصدق التأنيث قوله بَعْضَها عَلى بَعْضٍ ولم يقل بعضه. وَنُفَضِّلُ. قرأ الأعمش وحمزة والكسائي: بالياء ردا على قوله يُدَبِّرُ ويفضّل ويُغْشِي.
وقرأها الباقون: بالنون بمعنى ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل.
قال الفارسي: والدفل «١» والحلو والحامض.
قال مجاهد: كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد.
عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي كرم الله وجهه:
«الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة» [١٣١] ثم قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ حتى بلغ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ «٢».
قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم، كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فبسطها وبطحها فصارت الأرض قطعا متجاورة، فينزل عليها الماء من السماء فيخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها ويخرج قاتها «٣» ويحيي موتاها ويخرج هذه سبخها وملحها وخبثها وكلتاهما تسقى بماء واحد. فلو كان الماء مجا قيل: إنما هذه من قبل الماء، كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترقّ قلوب فتخنع وتخشع، تقسوا قلوب فتلهو وتقسو وتجفو.
وقال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلّا قام من عنده إلّا في زيادة ونقصان.
قال الله عزّ وجلّ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً... إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
(٢) مستدرك الصحيحين: ٢/ ٢٤١، وكنز العمال: ١١/ ٦٠٨، ح ٣٢٩٤٤، وتاريخ دمشق: ٤٢/ ٦٤، ط.
دار الفكر.
(٣) هكذا في المخطوط.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٥ الى ١٠]
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩)سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠)
وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمد من تكذيب هؤلاء المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دون الله، وهم قراء تعبدون من الله وامره وما ضرب الله من الأمثال فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ فتعجب أيضا من قيلهم إِذا كُنَّا تُراباً بعد الموت إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ فيعاد خلقنا جديدا كما كنا قبل الوجود.
قال الله: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ «١» يوم القيامة وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ جهنم وَيَسْتَعْجِلُونَكَ يعني مشركي مكة بِالسَّيِّئَةِ بالبلاء والعقوبة قَبْلَ الْحَسَنَةِ الرخاء والعافية، وذلك أنّهم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن جاءهم العذاب فاستهزأ منهم بذلك.
وقالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ «٢» الآية وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وقد مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها، العقوبات المنكلات واحدتها: مثلة بفتح الميم وضم التاء مثل صدقة وصدقات.
وتميم: بضم التاء والميم جميعا، وواحدتها على لغتهم مثلة بضم الميم وجزم الثاء مثل عرفة وعرفات والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ.
أحمد بن منبه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: ولما نزلت هذه الآية وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد» [١٣٢] «٣».
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ يعني على محمد صلّى الله عليه وسلّم آيَةٌ علامة وحجة على نبوته، قال الله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ مخوف وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ داع يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ إمام يأتمون به.
وقال الكلبي: داع يدعوهم إلى الضلالة أو إلى الحق.
(٢) سورة الأنفال: ٣٢.
(٣) الدر المنثور: ٤/ ٤٥.
سعيد بن جبير: يعني بالهادي الله عزّ وجلّ.
وهي رواية العوفي، عن ابن عباس قال: المنذر محمد، والهادي الله.
عكرمة وأبو الضحى: الهادي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وروى السدي عن عبد الله بن علي قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المنذر أنا، الهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه» [١٣٣] «١».
وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على صدره فقال: «أنا المنذر» وأومأ بيده إلى منكب علي (رضي الله عنه) فقال:
«فأنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي» [١٣٤] «٢».
ودليل هذا التأويل:
ما
روي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد عن ربيع عن حذيفة: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف، وإن وليتموها عمر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن وليتموها عليا فهاد مهدي يقيمكم على طريق مستقيم» [١٣٥] «٣».
ردا على منكري البعث القائلين أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ فقال سبحانه: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ يعني تنقص.
قال المفسرون: غيض الأرحام الحيض على الحمل، فإذا حاضت الحامل كان نقصانا في غذاء الولد وزيادة في مدة الحمل، فإنها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداد في طهرها حتى يستكمل ستة أشهر ظاهرا. فإن رأت الدم خمسة أيام ومضت التسعة أشهر وخمسة أيام، وهو قوله: وَما تَزْدادُ.
روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ خروج الدم حتى تحض، يعني حين المولد، وَما تَزْدادُ استمساك الدم إذا لم تهرق المرأة تم الولد وعظم، وفي هذه الآية دليل على أنّ الحامل تحيض وإليه ذهب الشافعي.
وقال الحسن: غيضها ما تنقص من التسعة الأشهر وزيادتها ما تزداد على التسعة الأشهر.
(٢) الدر المنثور: ٤/ ٣٥.
(٣) كنز العمال: ١١/ ٦٣١، ٣٣٠٧٥.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ يعني به السقط.
وروى عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما يزداد على الأجل، وذلك أنّ النساء لا يلدن لعدّة واحدة ولا لأجل معلوم وقد يولد الولد لستة أشهر فيعيش ويولد لسنتين ويعيش.
قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين قد نبتت ثناياي، وروى هيثم عن حصين قال: مكث الضحاك في بطن أمه سنتين.
وروى ابن جريح عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحو ظل المغزل، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة من الفقهاء «١».
وقال الشافعي وجماعة من الفقهاء: أكثر الحمل أربع سنين، يدل عليه ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الفرج الأحمري سمعت عباس بن نصر البغدادي سمعت صفوان ابن عيسى يقول: مكث محمد بن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين فشق بطن أمه وأخرج وقد نبتت أسنانه.
وروى ابن عائشة عن حماد بن سلمة قال: إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين.
وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، والمقدار مفعال من القدر عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الذي كل شيء دونه الْمُتَعالِ المستعلي على كل شيء بقدرته سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ في ظلمته وَسارِبٌ ظاهر بِالنَّهارِ ضوءه لا يخفى عليه من ذلك.
وقال أبو عبيدة: سارِبٌ بِالنَّهارِ أي سالك في سربه أي مذهب ووجهة، يقال: سارب سربه بفتح السين أي طريقه.
قال قيس بن الحطيم:
إني سربت وكنت غير سروب | وتقرب الأحلام غير قريب |
قال الشاعر:
أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم | ونحن خلعنا قيده فهو سارب «١» |
قال ابن عباس: في هذه الآية هو صاحب ريبة مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ، فإذا خرج بالنهار رأى الناس أنه بريء من الإثم.
وقال بعضهم: مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أي ظاهر، من قولهم: خفيت الشيء إذا أظهرته، وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أي متوار داخل في سرب.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١١ الى ١٤]
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤)
لَهُ أي لله تعالى مُعَقِّباتٌ ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل، والتعقيب العود بعد المبدأ، قال الله وَلَمْ يُعَقِّبْ وإنما ذكرها هنا بلفظ جمع التأنيث لأنّ واحدهما معقب وجمعه معقبة، ثم جمع المعقبة معقبات فهي جمع الجمع. كما قيل أما قال قد حالات بكم وقوله:
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار وَمِنْ خَلْفِهِ من وراء ظهره.
قال ابن عباس:
ملائكة يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ | مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ فإذا جاء القدر خلوا عنه. |
(٢) سورة ق: ١٨.
قتادة وابن جريح: هذه ملائكة الله عزّ وجلّ يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، وذكر لنا أنّهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح.
همام بن منبه عن أبي هريرة عن محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون»
[١٣٧] «٢».
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: ذكر [أنّ] «٣» ملكا من ملوك الدنيا له حرس من دونه حرس فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا.
عكرمة: هؤلاء ملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم لحفظهم.
شعبة عن شرفي عن عكرمة قال: الجلاوزة «٤».
الضحاك: هو السلطان المحترس من الله وهم أهل الشرك، وقوله يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ اختلفوا فيه فقال قوم: يعني: بأمر الله، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وهذا قول مجاهد وقتادة ورواية الوالبي عن ابن عباس، وقال الآخرون: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ما لم يجئ القدر «٥».
لبيد عن مجاهد: ما من عبد إلّا به ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس الهوام فما منهم شيء بأمره يريده إلّا قال فذاك لا يأتي بإذن الله عزّ وجلّ فيه فيصيبه.
وقال كعب الأحبار: لولا وكل الله بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذا يحيطكم الجن.
(٢) صحيح مسلم: ٢/ ١١٣.
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة اقتضاها السياق. [.....]
(٤) تفسير الطبري: ١٣/ ١٥٦.
(٥) راجع تفسير القرطبي: ٩/ ٢٩٢.
، وقال أهل المعاني: إنّ أوامر الله عزّ وجلّ على وجهين أحدهما قضى حلوله ووقوعه بصاحبه، فذلك ما لا يدفعه أحد ولا يغيره بشر ولا حتى الجن ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظة كقصة يونس (عليه السلام)، وقال ابن جريج: معناه يكنصون من الله أمر الله يعني يحفظون عليه الحسنات والسيئات، وقال بعض المفسرين أن هذه الآية أنّ الهاء في قوله: لَهُ راجعة إلى رسول الله (عليه السلام).
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لَهُ مُعَقِّباتٌ يعني محمد (عليه السلام) من الرحمن حراس مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، يعني من شر الجن والإنس ومن شر طارق الليل والنهار، وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وزيد بن ربيعة وكانت قصتهما على ما
روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أقبل علينا زيد بن ربيعة هو وعامر بن الطفيل يريدان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس.
وقال رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل وهو مشرك.
فقال: دعه فإن يرد الله به خيرا بهذه، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، قال: تجعل لي الأمر بعدك. قال:
ليس ذلك إليّ إنما ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء.
قال: فجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال الرجل: فماذا يجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها.
قال: أوليس ذلك لي اليوم؟ قال: لا. قال: قم معي أكلمك، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يوصي إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من ورائه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدار أربد بن ربيعة خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على قتله وعامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأى أربد وما منع بسيفه.
فقال: اللهم أكفنيهما بما شئت، فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صاح صائف وولى عامر هاربا.
وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا.
بخير أبيت اللعن إن شئت ودّنا... فإن شئت حربا بأس ومصدق
وإن شئت فنسيا ما يكفي أمرهم... يكبون كبش العارفين متألق
فلما أصبح ضم إليه سلاحه وقد تغير لونه، وهو يقول:
واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه- عني ملك الموت- لأنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكا فلطمه بجناحه فأذراه في التارب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في السلولية ثم مات على ظهر فرسه «٢».
لعمري وما عمري علي بهين... لقد شأن حمر الوجه طعنة مسهر
قد علم المزنوق أني أكرّ... على جمعهم كرّ المنيح المشهر «٣»
وأزود من وقع السنان زجرته... وأخبرته أني امرؤ غير مقصر
وأخبرته أن الفرار خزاية... على المرء ما لم يبل عذرا فيعذر.
لقد علمت عليا هوازن أنني... أنا الفارس الحامي حقيقة «٤» جعفر
فجعل يركض في الصحراء ويقول: أبرز يا ملك الموت، ثم أنشأ يقول:
لا قرب المزنوق ولتجد ما أرى لنفر... من يوم شره غير حامد.
إلا قرباه إن غاية حرمناه إذا... قرب المزنوق بين الصفائد هو من عامر قدن
إذا ما دعوتهم أجابوا... ولبى منهم كل ماجد
وكان بعضهم يعيّر بعضا النزول على سلولية ولذلك ركب فرسه ليموت خارجا من بيتها ما أحس بالموت، ثم دعا بفرسه يركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره.
فأجاب الله تعالى دعاء رسوله صلّى الله عليه وسلّم وقتل عامرا بالطاعون وأربد بالصاعقة، فرثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بجملة من المراثي فمنها هذه:
وانا لك فاذهب والحق... بأسرتك الكرام الغيب
(٢) أسباب النزول للواحدي ١٨٤.
(٣) المزنوق اسم فرسه، والبيت في لسان العرب: ١٠/ ١٤٦.
(٤) الحقيقة: الراية والبيت في لسان العرب: ١٠/ ٥٢، وجعفر هذا أبو جده.
ذهب الذين يعاش في أكنافهم | وبقيت في خلف كجلد الأجرب «١»، |
يتآكلون مغالة وملاذة | ويعاب قائلهم وإن لم يشغب |
فنعد في هذا وقل في غيره | واذكر شمائل من أخ لك معجب |
إنّ الرزيئة لا رزيئة بعدها | مثلها فقدان كل أخ كضوء الكوكب |
من معشر بنت لهم آباؤهم | والعز لا يأتي بغير تطلب |
يا أربد الخير الكريم جدوده | أفردتني أمشري بقرن أعضب «٢» |
ما أن تعزي المنون من أحد | لا والد مشنق ولا ولد |
أخشى على أربد الحتوف | أرهب نوأ السماك والأسد |
فعين هلا بكيت أربد إذ | قمنا وقام النساء في كبد |
فجعني البرق والصواعق | بالفارس يوم الكريهة النجد «٣» |
لَهُ مُعَقِّباتٌ يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له معقبات يحفظونه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني تلك المعقبات من أمر الله وهي مقدم ومؤخر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم معقبات يحفظونه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ تلك المعقبات من أمر الله وقال الذين [آمنوا:] إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ «٤».
وقرأ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ حتى بلغ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ،... إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الحال لا [.........] «٥» فيعصون ربهم ويظلمون بعضهم بعضا.
وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً عذابا وهلاكا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ علمها المخاوف «٦» بالله وقيل: وال ولي أمرهم ما يدفع العذاب عنهم هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً يخاف أذاه ومشقته وَطَمَعاً للمقيم يرجو بركته وشفعته أن يمطر وَيُنْشِئُ بينهم
(٢) تفسير القرطبي: ٩/ ٢٩٨.
(٣) الأبيات في ديوانه: ١٥٣، يرثي بها أخاه أربد وراجع معجم البلدان: ٥/ ٢٥٢، والبداية والنهاية: ٥/ ٧٠.
(٤) عن تفسير الطبري: ١٣/ ١٦٢.
(٥) كلمة غير مقروءة.
(٦) هكذا في الأصل.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا: اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ.
قال صلّى الله عليه وسلّم: «هاتوا»، قالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من الملائكة الموكلة بالسحاب معه مخاريف من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله».
قالوا: فما هذا الذي نسمع؟ قال: «زجر السحاب إذا زجر حتى ينتهي إلى حيث أمر».
قالوا: صدقت «١» [١٣٩].
قال عطية: الرعد ملك، وهذا تسبيحه، والبرق سوطه الذي يزجر به السحاب فقال: لذلك الملك رعد وقد ذكرنا معنى الرعد والبرق بما أغنى عن إعادته.
وقال أبو هريرة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [إذا سمع صوت الرعد] قال سبحانه من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ.
عكرمة عن ابن عباس: إنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان الذي سبحت له.
وقال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ في خيفته وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فإن أصابته صاعقة فعلى ذنبه.
وروى مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ويقول: إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد.
وروى حجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم يحدث عن أبيه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» [١٤٠] «٢».
وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ يعني ويسبح الملائكة من خيفة الله وخشيته، وقيل أراد هو أنّ الملائكة أعوان الرعد، جعل لله تعالى له أعوانا فهم جميعا خائفون، خاضعون طائعون به يُرْسِلُ الصَّواعِقَ «٣» عن الضحاك عن ابن عباس قال: الرعد ملك يسوق السحاب، وإنّ بحور الماء لفي
(٢) مسند أحمد: ٢/ ١٠٠، وتفسير القرطبي: ١/ ١٨. [.....]
(٣) فتح القدير: ٣/ ٧٢.
قال أبو جعفر الباقر: الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكرا.
وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وقد أصابت أربد وعامر، وقيل نزلت هذه الآية في بعض كفار العرب «٣».
حديث إسحاق الحنظلي عن ريحان بن سعيد الشامي عن عماد بن منصور عن عباس بن الناجي قالت: سألت الحسن عن قوله: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ الآية.
فقال كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم نفرا يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام، فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذي يدعوني إليه وما هو، ومم هو أمن فضة أم حديد أم نحاس، فاستعظم القوم مقالته وانصرفوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا رجلا آخر أكفر منه، ولا أعتى على الله منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجعوا إليه»، فرجعوا إليه فجعل يزيدهم على مثل مقالته الاولى «٤» وقال: أجيب محمدا إلى ربّ لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إليه، فقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأولى إلّا قوله: أجيب محمدا إلى رب لا يعرفه، فقال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ارجعوا إليه، فرجعوا إليه فبينا هم عنده ينازعونه ويدعونه ويعظمون عليه، وهو يقول: هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت ثم برقت فرمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم فاستقبلهم بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا لهم: احترق صاحبكم.
قالوا: من أين علمتم؟ قال: أوحى الله إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ فقال الحسن: ما شَدِيدُ الْمِحالِ؟
قال: شديد الحمل.
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: شديد الأخذ «٥».
مجاهد: شديد القوة. أبو عبيدة: شديد العقوبة، والمحال والمماحلة المماكرة والمغالبة.
(٢) تفسير القرطبي: ٩/ ٢٩٦.
(٣) راجع المصدر السابق.
(٤) جامع البيان للطبري: ١٣/ ١٦٥، وأسباب نزول الآيات: ١٨٣.
(٥) التفسير الطبري: ١٣/ ١٦٧.
فرع نبع يهتز في غصن المجد... غزير الندي شديد المحال «١»
وقال الآخر:
ولبس بين أقوام كلّ... أعد له الشغازب والمحالا «٢»
لَهُ لله عزّ وجلّ دَعْوَةُ الْحَقِّ الصدق وأضيفت الدعوة إلى الحق لاختلاف الاسمين وقد مضت هذه المسألة.
قال علي (رضي الله عنه) : دَعْوَةُ الْحَقِّ التوحيد.
ابن عباس (رضي الله عنه) : شهادة أن لا إله إلّا الله.
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني المشركين الذين يعبدون الأصنام من دون الله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ يريدونه منهم من نفع أو دفع إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ إلّا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء من العطش يبسطه إياهما إليه يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا.
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هذا مثل لمشرك عبد مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي نظر إلى خياله في الماء من بعيد فتصور أن يتناوله فلا يقدر عليه، عطية عنه يقول: مثل الأوثان التي يعبدون من دون الله كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء وقد وضعهم الا يبلغان تناوله.
الضحاك عنه يقول: كما أنّ العطشان إذا يبسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ما لم يحفظهما ويروي بهما الماء ولا يبلغ الماء فاه مادام باسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء لأن القابض على الماء لا شيء في يده.
قال ضابئ بن الحرث المزني:
فإني وإيّاكم وشوقا إليكم... كقابض ماء لم تسقه أنامله «٣»
وقال الشاعر:
وأصبحت مما كان بيني وبينها... من الود مثل القابض الماء باليد «٤»
وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ أصنامهم إِلَّا فِي ضَلالٍ يضل عنهم إذا احتاجوا إليه.
(٢) لسان العرب: ١١/ ٦١٩، والبيت لذي الرملة.
(٣) تفسير الطبري: ١٣/ ١٧٠، ولسان العرب: ١٠/ ٣٧٩.
(٤) المصدر السابق، وسيرة ابن هشام: ٢/ ٤٦٤.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٥ الى ٢٩]
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني الملائكة والمؤمنين طَوْعاً وَكَرْهاً يعني المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسبعة.
وروى ابن المبارك عن سفيان قال: كان ربيع بن هشيم إذا قرأ هذه الآية قال: بل طوعا يا رباه.
وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يعني ضلال الساجدين طوعا أو كرها يسجد لله حين يقي ضلل أحدهم عن يمينه أو شماله.
قال ابن عباس: نظيرها في النحل.
وقال مجاهد: ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره، وَالْآصالِ جمع أصل، والأصل جمع الأصيل وهو العشاء من العصر إلى غروب الشمس. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خالقهما ومدبرهما فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ولا بد لهم من ذلك فإذا أجابوك قُلْ أنت أيضا اللَّهُ ثم قيل لهم إلزاما للحجّة قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني الأصنام يعبدونها من دون الله وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ثم نصرف لهم الأفعال قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وكذلك لا يستوي الضال والمؤمن المهتدي.
وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: أَمْ هَلْ يَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ بالياء.
الباقون: بالتاء واختاره أبو عبيد قال: لأنه يحصل من اسم المؤنث ومن الفعل مقابل والظلمات والنور مثل الكفر والإيمان أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ فأصبحوا لا يدرون أمن خلق الله هو أو من خلق آلهتهم قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [.........] «١» للحق والباطل مثلين. فقال عز من قائل أَنْزَلَ هو مِنَ السَّماءِ يعني المطر ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها الكبير بقدره والصغير بقدره فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ الذي حدث على ذلك الماء زَبَداً رابِياً حال تعريفها يود الماء فالماء الباقي الصافي النافع هو الحق.
والذاهب الزائل الباطل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية والأنهار وهو الباطل ويقال: إن هذا سيل القرآن ينزل من السماء فيحتمل منه القلوب حظها على قدر اليقين والشك والعقل والجهل فهذا مثل الحق والباطل «٢».
والمثل الآخر قوله: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ.
قرأ حميد أبو محجن أبو وهب وحمزة والكسائي يُوقِدُونَ بالياء، واختاره أبو عبيد لقوله تعالى: يَنْفَعُ النَّاسَ ولا مخاطبة هاهنا ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أي زينة يتخذونها أَوْ مَتاعٍ وهو ما ينتفع به وكلّ ما تمتعت به فهو متاع.
قال المشعث:
تمتع يا مشعث أن شيئا | سبقت به الممات هو المتاع «٣» |
والحديد والصفر والنحاس والرصاص، ومنه يستخلص الأشياء مما ينتفع به من الحلي
(٢) زاد المسير: ٤/ ٢٣٧.
(٣) تفسير الطبري: ١٣/ ١٨٠ وتاج العروس: ٥/ ٥٠٧.
زَبَدٌ مِثْلُهُ يقول: له زبد إذا أنث مثل زبد السيل، والباقي الصافي من هذه الجواهر فيذهب خبثه والزبد الذي لا يبقى ولا ينتفع به مثل الباطل.
قال الله تعالى: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ الذي علا السيل.
فَيَذْهَبُ جُفاءً سريعا متفرقا.
قال أبو عمرو: هو من قول العرب: أجفأت القدر النذر وجنات وذلك إذا غلت فأنصب زبدها أو سكنت لم يبق منه شيء «١».
وقال القبتي: الجفاء ما رمى به الوادي إلى جنانه. فقال: جفأته إذا صرعه.
وقال ابن الأنباري: جفاء يعني باليا متفرقا.
يقال: جفأت الريح بالغيم إذا فرقته وذهبت به.
قال بعضهم: يعني تباعد الأرض. يقال جفأ الوادي وأجفأ إذا نشف.
قال الفراء: إنما أراد بقوله جُفاءً الجفاء لأنه مصدر، قولك جفأ الوادي غثاه جفاء فخرج مخرج الاسم وهو مصدر.
وكذلك يفعل العرب في مصدر كل ما كان من فعل شيء اجتمع بعضه إلى بعض كالقماش والرقاق والحطام والغنام يخرجه على مذهب الاسم، كما فعلت ذلك في قولهم أعطيته عطاء بمعنى الإعطاء، ولو أريد من القماش المصدر على الصحة لقيل قمشته قمشا.
وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ من العوالق فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ تم الكلام على هذا. ثم قال: لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ أطاعوه الْحُسْنى بالجنة وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ يوم القيامة، قال الله أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ مجازيا بالعقوبة، قال إبراهيم النخعي والزبد. أتدري ما سوء الحساب؟
قلت: لا. قال هو أن يحاسب الرجل على معصية فعلها ويكفر عنه خطيئته، وَمَأْواهُمْ في الآخرة جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ الفراش والمصير أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [.........] «٢» فهو كافيه كَمَنْ هُوَ أَعْمى عنه لا يعلمه ولا تعمل إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الخطاب للأصحاب وذوي العقول الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ في أمرهم يعني فرضه عليهم فلا هم يخالفونه إلى ما هم فيه، وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
(٢) كلمة غير مقروءة.
وقال أكثر المفسرين: يعني الرحم ويقطعونها.
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: اشتكى أبو الدرداء فعاده عبد الرحمن بن عوف. فقال: خيّرهم أوصلهم ما علمت يا محمد. فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشقتت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته» [١٤١] «١».
عن شيبة قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان بن عبد الله، أنهما سمعا موسى بن طلحة يحدث عن أبي أيوب الأنصاري: أنّ رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ماله وماله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أرب ماله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها» [١٤٢] قال: كأنه كان على راحلته «٢».
عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل إنّ في التوراة لمكتوبا يا ابن آدم اتق ربك وأبرّ والديك وصل رحمك أمدّ لك في عمرك وايسّر لك يسرك، وأصرف عنك عسرك «٣».
وعن أبي إسحاق عن مغراء العبدي عن عبد الله بن عمرو قال: من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره وثرا ماله وأحبه أهله «٤».
صالح عن جرير عن برد عن مكحول قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اعمل الخير [ليس شيء اطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة] الرحم وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع» [١٤٣] «٥».
وَالَّذِينَ صَبَرُوا على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله.
قاله ابن زيد، وقال ابن عباس: وصبروا على أمر الله.
قال عطاء: على الرزايا والمصائب والحوادث والنوائب.
أبو عمران الجوني: صبروا على دينهم.
(٢) صحيح ابن حبان: ٨/ ٣٨.
(٣) المصنف لابن أبي شيبة: ٦/ ٩٧.
(٤) والأدب الفرد: ٢٤.
(٥) كنز العمال: ٣/ ٣٦٨، الجامع الصغير: ٢/ ٤٥٥.
قال ابن زيد: يعني لا يكافئون الشر بالشر ولكن يدفعونه بالخير.
وقال القتيبي: معناه إذا سفه عليهم حلموا فالسفه السيئة والحلم الحسنة.
قتادة: ردوا عليهم معروفا نظيره إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً «١».
قال الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا أخلصوا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا.
ابن كيسان: إذا أذنبوا أيسوا وإذا حرفوا أثابوا ليدفعوا بالتوبة عن أنفسهم فغفر الذنب.
فهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك عنه قال: يدفعون بالصالح من العمل الشر من العمل، ويؤيد هذا
الخبر المأثور: إن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله أوصني. قال: «إذا عملت سيئة فاعمل لجنبها حسنة تمحها، السر بالسر والعلانية بالعلانية» [١٤٤] «٢».
قال عبد الله بن المبارك: هذه ثماني خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة.
أبو بكر الوراق: هذه ثمانية جسور فمن أراد القربة من الله عبرها «٣».
أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ثم بين فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها.
قرأه العامة: بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمر: بضم الياء وفتح الخاء.
قال عبد الله بن عمير: وإن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج «٤» فيه خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلّا نبي أو صديق أو شهيد «٥».
وَمَنْ صَلَحَ لهن مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أهلهم وولدهم أيضا يدخلونها وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فيه آمنا تقديره ويقولون سلام عليكم بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.
قال مقاتل: يدخلون في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف يقولون: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ.
صالح عن يزيد عن أنس بن مالك: أنّه تلا هذه الآية جَنَّاتُ عَدْنٍ إلى قوله: فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.
(٢) مجمع الزوائد: ٤/ ٢١٨.
(٣) تفسير الثعالبي: ٣/ ٣٦٧.
(٤) في الطبري: الروح، وفي مجمع الزوائد (٥/ ١٩٦) : الصروح.
(٥) كنز العمال ١٥/ ٨٣٤، وتفسير الطبري: ١٠/ ٢٣٢.
وروى ابن المبارك عن عقبة بن الوليد قال: حدثنا أرطأة بن المنذر قال: سمعت رجلا من ملجف بالجند يقال له أبو الحجاج يقول: حدثني خالي أبي أمامة فقال: إنّ المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين سور فيقبل الملك، يستأذن فيقول الذي يليه: ملك يستأذن، ويقول الذي يليه: ملك يستأذن كذلك حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا فيقول أقربهم إلى المؤمن: ائذنوا فيقول الذي يليه للذي يليه كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف «٢».
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «الفقراء والمهاجرون الذين تسدّ بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في نفسه لا يستطيع لها قضاء» [١٤٥] «٣».
قال: فيأتيهم الملائكة ف يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ.
وروى سهيل بن أبي صالح عن محمد بن إبراهيم قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: السلام عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.
أبو بكر وعمر وعثمان عليهم السلام كانوا يفعلون كذلك.
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ يعني النار.
وقال سعد بن أبي وقاص: هم الحرورية.
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يوسع عليه وَيَقْدِرُ ويقتر ويضيق وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا يعني فرطوا وجهلوا ما عند الله ويطمعون وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ قليل ذاهب قاله مجاهد، وقال عبد الرحمن بن سابط: كزاد الراعي يزود، أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن «٤».
(٢) تفسير الطبري: ١٣/ ١٨٦.
(٣) مسند أحمد: ٢/ ١٦٨. [.....]
(٤) تفسير الطبري: ١٣/ ١٨٩.
مقاتل: بالقرآن أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
قال ابن عباس: هذا في الحلف ويقولها إذا حلف الرجل المسلم بالله على شيء يم سكن قلوب المؤمنين إليه.
وقال مجاهد: هم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ابتداء طُوبى لَهُمْ خبره، وقيل:
معناه لهم طوبى فطوبى خبر الابتداء الأول.
واختلف العلماء في تفسير «طُوبى».
الوالبي عن ابن عباس: طُوبى لَهُمْ: فرح وقرة عين لهم، عكرمة: نعم ما لهم، الضحاك:
غبطة لهم.
قتادة: حسنى لهم معمر عنه: هذه كلمة عربية، يقول الرجل للرجل طوبى لكم أي أصبت خيرا.
إبراهيم: خير وكرامة لهم.
شميط بن عجلان: طُوبى يعني دوام الخير. الفراء: أصله من الطيب وإنما جاءت الواو لضم ما قبلها وإتيان بقول العرب: طوباك، طوبى لك.
سعيد بن جبير عن ابن عباس: طُوبى اسم الجنة بالحبشية.
سعيد بن مسجوح: اسم الجنة بالهندية ربيع البستان بلغة الهند «٢».
وروى ابن سعيد الهندي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلا قال له: يا رسول الله ما طُوبى؟
قال: «شجرة في الجنة مسيرة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة يخرج من أكمامها» [١٤٦] «٣».
وروى معاوية بن مرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طُوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإنّ أغصانها لترى من وراء سور الجنة» [١٤٧] «٤».
(٢) راجع تفسير القرطبي: ٢/ ٥٣.
(٣) مسند أحمد: ٣/ ٧١.
(٤) كنز العمال: ١٤/ ٣٥٧ ح ٣٩٢٥٠.
وقال مغيث بن سمي: طُوبى شجرة من الجنة، لو أنّ رجلا ركب قلوصا جذعا ثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرما وما في أهل منزل إلّا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلّ يصلهم الماء بالدلاء وإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فأكلوا منه ما شاؤوا ويجئ عليها الطير أمثال البخت، يعني الطير ويأكلون منه قديدا وشواء ثم تطير «١».
قال عندر بن عمير: هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلّا وفيها منها إلّا السواد ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلّا وفيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل مقابل كل ورقة منها تظل امة عليها ملك يسبح الله بأنواع التسبيح «٢».
وقال أبو سلام: حدثني عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبيد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله في الجنة فاكهة؟ قال: «فيها شجرة تدعى طُوبى هي تطابق الفردوس» «٣».
قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: «ليس تشبه شيئا من شجر أرضك ولكن أتيت الشام» [١٤٨]، فقال: أتيت الشام يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجوز ينبت على ساق واحد ثم ينتشر أعلاها. فقال: ما أعظم أصلها.
قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرما «٤».
قال وهب بن منبه: إنّ في الجنة شجرة. قال: الطوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام ولا يقطعها زهوها رياط وورقها برود وقضبانها عنبر وبطحاؤها ياقوت وترابها كافور وحملها مسك يخرج من أصلها أنها الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة فبينما هم في مجلسهم إذا أتتهم الملائكة من ربهم يقودون لجامها مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا ووبرها كخز المرعزي من لينة، عليها رحال ألواحها من ياقوت ودفوفها من ذهب وثيابها مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ فيفتحونها ويقولون: إنّ ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه.
قال: فيركبونها فهي أسرع من الطائر وأوطأ من الفراش نجبا من غير مهنة يسير الرجل إلى
(٢) العمدة عن الثعلبي: ٣٥١، وفتح القدير: ٤/ ٣٧٣ ح ٥٣١٢.
(٣) المعجم الكبير: ١٧/ ١٢٧، جامع البيان للطبري: ١٣/ ١٩٥.
(٤) تفسير الطبري: ١٣/ ١٩٥.
قال: ثم يقول: أعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال، فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أما نبيهم التي في أنفسهم فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منهم سرير من ياقوتة واحدة على كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة. في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة في كل قبة منها جاريتان من الحور العين وعلى كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلّا وهو فيهما ولا ريح طيب إلّا وقد عبق بهما ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظنّ من يراهما أنهما دون القبة يرى مخهما من فوق سقفهما، كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء.
يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ويرى هو لهما مثل ذلك ثم يدخل إليهما فيطيبانه ويقبلانه ويعانقانه «١» ويقولان له: والله ما ظننا أنّ الله يخلق مثلك، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له «٢».
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: ف طُوبى لَهُمْ شجرة أصلها في دار علي في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن يقال له طُوبى.
وَحُسْنُ مَآبٍ حسن المرجع.
وروى داود بن عبد الجبار عن جابر عن أبي جعفر قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.
(٢) بطوله في تفسير ابن كثير: ٣/ ٥٣٣، وتفسير الدر المنثور: ٤/ ٦٠.
«شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة».
فقيل له: يا رسول الله نسألك عنها مرة فقلت: «شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة» فقال: ذلك في داري ودار علي أيضا واحدة في مكان واحد»
[١٤٩] «١».
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٣٤)
كَذلِكَ المكان أَرْسَلْناكَ يا محمد فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ليقرأ عليهم القرآن وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ.
قال قتادة ومقاتل وابن جريح: نزلت في صلح الحديبية حتى أرادوا كتاب الصلح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي (رضي الله عنه) :«اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» [١٥٠] «٢».
فقال سهيل بن عمرو والمشركون معه: ما نعرف الرحمن إلّا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللهم وهكذا كان أهل الجاهلية يكتبون.
ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. فقال المشركون وقريش: لئن كتب رسول الله بم قاتلناك وصددناك قال فأمسك ولكن اكتب هذا ما صالح محمد ابن عبد الله.
فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دعنا نقاتلهم. قال: لا ولكن اكتبوا كما تريدون، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
(٢) تفسير القرطبي: ٩/ ٣١٧.
وقال: قُلْ لهم يا محمد: إنّ الرحمن الذي أنكرتم معرفته هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ
ومضى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً الآية نزلت في نفر من مشركي مكة فيهم أبو جهل ابن هشام وعبد الله بن أبي أمية المخزومي جلسوا خلف الكعبة فأرسلوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فقال له عبد الله بن أبي أمية: إن تشرك نتبعك فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تفتح. فإنها ضيّقة، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا حتى نغرس ونزرع فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال يسبح لربه، أو سخّر لنا الريح فنركبها إلى الشام فنقضي عليه أمورنا وحوائجنا ثم نرجع من يومنا.
فقد كان سليمان سخرت له الريح، فكما حملت لنا فلست بأهون على ربك من سليمان في داود.
وأحيي لنا جدك أيضا ومن شئت من موتانا لنسأله أحق ما يقول أم باطل؟ فإنّ عيسى قد كان يحيي الموتى ولست بأهون على الله منه، فأنزل الله تعالى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وأذهبت عن وجه الأرض أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أي شققت فجعلت أنهارا وعيونا.
أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى واختلفوا في جواب لو، فقال قوم: هذا من النزول المحذوف الجواب اقتضى بمعرفة سامعه مراده وتقدير الآية لكان هذا القرآن.
كقول امرئ القيس:
فلو أنها نفس تموت بتوبة... ولكنها نفس بقطع النفسا
يعني لهان عليّ، وهي آخر بيت في القصيدة.
وقال آخر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله... سواك ولكن لم نجد لك مرفعا «٢»
فأراد أرددناه، وهذا معنى قول قتادة. لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
وقال آخرون: جواب لو يقدم وتقدير الكلام وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ... وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الآية كأنه قال وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى لكفروا بالرحمن وبما آمنوا.
ثم قال: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا.
(٢) لسان العرب: ٣/ ٤٥٢.
وقال الكلبي: هي بلغة النخع «١» حي من العرب.
وقال القاسم معن: هي لغة هوازن.
وقال سحيم بن وثيل الرياحي «٢» :
أقول لهم بالشعب إذ يسرونني | ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم «٣» |
ويروى: لمسرونني من الأسر.
وقال الآخر:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه | وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا «٤» |
وأما الفراء: فكان ينكر ذلك ويزعم أنه لم يسمع أحد من العرب يقول: يئست وهو يقول هو في المعنى وإن لم يكن مسموعا يئست بمعنى علمت متوجه إلى ذلك، وذلك أنّ الله تعالى قد أوحى إلى المؤمنين أنه لو شاء الله لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً.
فقال ألم ييئسوا علما يقول ييأسهم العلم فكان العلم فيه مضمرا كما يقول في الأعلام يئست منك أن لا يفلح علما كأنه قول علمته علما.
قال الشاعر:
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا | غضفا دواجن قافلا اعصامها «٦» |
(٢) في المصدر: اليربوعي.
(٣) لسان العرب: ٥/ ٢٩٨.
(٤) كتاب العين: ٧/ ٣٣١.
(٥) تفسير القرطبي: ٩/ ١٣٢٠.
(٦) لسان العرب: ١١/ ٥٦١، جامع البيان للطبري: ١٣/ ٢٠١.
(٧) تفسير الطبري: ١٣/ ٢٠٢.
وقال ابن عباس: أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثهم إليها أَوْ تَحُلُّ أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ.
وقال قتادة: هي تاء التأنيث يعني وتحل القارعة قريبا من دارهم حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ الفتح والنصر وظهور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودينه، وقيل يعني القيامة إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أصلهم واطلب لهم ومنه الملاوة والملوان ويقال طبت حينا، ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ عاقبتهم فَكَيْفَ كانَ عِقابِ. أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أي حافظها ورازقها وعالم بها ومجاز بها ما عملت، وجوابه محذوف تقديره: كمن هو هالك بائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئا ولا يدفع «١» عن نفسه، نظيره قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ يعني كمن ليس بقانت وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ بيّنوا أسماءهم ثم قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ يعني يخبرون الله بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ فإنه لم يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره أَمْ بِظاهِرٍ يعني بظاهر مِنَ الْقَوْلِ مسموع وهو في الحقيقة باطل لا أصل له ولا باطل صالح ولا حاصل وكان أستاذنا أبو الاقسم الحبيبي يقول: معنى الآية عندي: قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر من القول يعلمه؟ فإن قالوا بباطن لا يعلمه أحالوا، وإن قالوا: بظاهر يعلمه قل لهم سموهم «٢»، وبينوا من هم، فإن الله لا يعلم لنفسه شريكا، ثم قال:
بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ كيدهم.
قال مجاهد: قولهم! يعني شركهم وكذبهم على الله.
وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وصرفوا عن الدين والطريق المستقيم.
قرأ أهل الكوفة: بضم الصاد واختاره أبو عبيد بأنه قراءة أهل السنة: وفيه إثبات القدر.
وقرأ الباقون: بالفتح، واختاره أبو حاتم اعتبارا بقوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «٣» وقوله وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «٤» وقوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «٥»... وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ يعني إياه فَما لَهُ مِنْ هادٍ موفق لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
(٢) تفسير القرطبي: ٩/ ٣٢٢.
(٣) سورة الحج: ٢٥.
(٤) سورة الفتح: ٢٥.
(٥) سورة النساء: ١٦٧.
أشد وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
مانع يمنعهم من العذاب.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٥ الى ٤٠]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ في دخولها اختلفوا في الرافع للمثل.
فقال الفراء: هو ابتداء وخبر على قوله تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وقيل معنى المثل الصفة كقوله وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى «١» أي الصفة العليا وقوله ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ «٢» ومجاز الآية صفة الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أنّ الأنهار تجري من تحتها وكذا وكذا.
وقيل مثل وجه مجازها الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، والعرب تفعل هذا كثيرا بالمثل والمثل كقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٣» أي ليس هو كشيء.
وقيل معناه: لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى «٤». قيل الجنة [بدل] منها.
قال مقاتل: معناه شبه الجنة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ في الخير والنعمة والخلود والبقاء كشبه النار [في العذاب و] الشدّة والكرب «٥».
أُكُلُها دائِمٌ لا ينقطع ولا يفنى وَظِلُّها ظليل لا يزال وهذا رد على الجهمية، حيث قالوا: إن نعيم الجنة يفنى تِلْكَ عُقْبَى يعني ما فيه الَّذِينَ اتَّقَوْا الجنة وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني القرآن وهم أصحاب محمد يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن وَمِنَ الْأَحْزابِ يعني الكفار الذين كذبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم اليهود والنصارى
(٢) سورة الفتح: ٢٩.
(٣) سورة الشورى: ١١.
(٤) سورة الرعد: ١٨.
(٥) المصدر السابق: ٩/ ٣٢٥.
وقال باقي العلماء: كان ذكر الرحمن في القرآن قليلا في بدء ما أنزل فلما أسلم عبد الله ابن سلام وأصحابه: ساءهم قلّة ذكر الرحمن في القرآن لأن ذكر الرحمن في التوراة كثير فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك قوله الله تعالى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الآية.
فقالت قريش حين نزلت هذه الآية: ما بال محمد كان يدعو إلى إله واحد فهو اليوم يدعو إلى إلهين: الله والرحمن، ما نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب فأنزل الله وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ وهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ وفرح مؤمنو أهل الكتاب بذكر الرحمن فأنزل الله وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ الله من ذكر الرحمن وَمِنَ الْأَحْزابِ يعني مشركي قريش من يذكر بعضه «١».
قال الله قُلْ يا محمد إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ مرجعي وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وكما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد وأنكره الأحزاب، كذلك أيضا أنزلنا الحكم والدين حُكْماً عَرَبِيًّا وإنما وصفه بذلك لأنه أنزل على محمد وهو عربي، فنسب الدين إليه إذ كان منزلا عليه فكذب الأحزاب بهذا الحكم أيضا، وقال قوم معنى الآية: وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغناهم كذلك أنزلنا عليك القرآن حُكْماً عَرَبِيًّا ثم توعده على إتباع هوى الأحزاب فقال وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ قيل بما شاء الله، وقيل في أهل القبلة لأنّه ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ فجعلناهم بشرا مثلك وَجَعَلْنا لَهُمْ ينكحوهن وأولاد ينسلوهم ولم يجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحوهن، فنجعل الرسول إلى قومك ملائكة ولكن أرسلنا إلى قومك بشرا مثلهم كما أرسلنا إلى من قبلهم من الأمم بشرا مثلهم وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وهذا جواب عبد الله بن أبي أمية ثم قال: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ لكل أمر أمضاه الله كان قد كتبه لجميع عبيده، الضحاك: معناه لكل كتاب نزل من السماء أجل ووقت ينزل فيه وهذا من المقلوب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ.
قرأ حميد وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: وَيُثْبِتُ بالتخفيف.
وقرأ الآخرون: بالتثقيل واختاره أبو عبيد لكثرة من قرأها ولقوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «٢».
واختلف المفسرون في معنى الآية،
فروى نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ إلّا الشقاوة والسعادة والموت» [١٥٢] «٣».
(٢) سورة إبراهيم: ٢٧.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٣/ ٢١٧.
عكرمة عنه هما كتابان سوى أم الكتاب يَمْحُوا اللَّهُ فهما ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ الذي لا يغير منه شيء.
أبو صالح والضحاك: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب وَيُثْبِتُ ما فيه ثواب وعقاب «١».
وروى عفان عن همام عن الكلبي: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ. قال: يمحو من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الأجل ويزيد فيه. قلت من حدثك؟
قال أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم
فقدم الكلبي بعد فسئل عن هذه الآية فقال: حتى إذا كان يوم الخميس يطرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب. مثل قولك أكلت، شربت، دخلت، خرجت ونحوها من الكلام وهو صادق، وَيُثْبِتُ ما كان فيه الثواب وعليه العقاب «٢».
وقال بعضهم: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ كل ما يشاء [من] «٣» غير استثناء كما حكى الكلبي عن راذان عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
روى أبو عثمان النهدي: أنّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يطوف بالبيت السبت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فإن كنت كتبت عليّ الذنب والشقوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب «٤».
ابن مسعود: إنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.
وروى حماد بن أبي حمزة عن إبراهيم: أن كعبا قال لعمر (رضي الله عنه) : يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله لأنبئنك بما هو كائن إلى يوم القيامة.
قال: وما هو؟ قال: قول الله تعالى يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ «٥».
(٢) تفسير الطبري: ١٣/ ٢٢١.
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) تفسير القرطبي: ٩/ ٣٣٠.
(٥) تفسير الطبري: ١٣/ ٢٢٠ تفسير القرطبي: ٩/ ٣٣٠.
قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من القرون وَيُثْبِتُ ما يشاء منها كقوله كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ «٢» وقوله ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ «٣».
سعيد بن جبير وقتادة: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله وَيُثْبِتُ ما يشاء وما ينسخه.
الحسن: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يعني آجال بني آدم في كتاب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من جاء أجله فيذهب به وَيُثْبِتُ من لم يجيء أجله إلى أجله.
مجاهد وابن قيس: حين ما أنزل ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ «٤» ما نراك يا محمد تملك من شيء ولقد فرع من أمره. فأنزلت هذه الآية تخويفا ووعدا لهم أي إن يشاء أحدثها من أمر. قاله بأشياء ويحدث في كل رمضان فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فيمحوا ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وينسئهم له «٥».
محمد بن كعب القرظي: إذا ولد الإنسان. أثبت أجله ورزقه وإذا مات محى أجله ورزقه.
وروى سعيد بن جبير: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من ذنوب عباده فيغفرها وَيُثْبِتُ ما يشاء بتركها فلا يغفرها.
عكرمة: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ يعني بالتوبة جميع الذنوب وَيُثْبِتُ بدل الذنوب حسنات فإنه إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ «٦».
وروى عن الحسن أيضا: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ يعني الآباء وَيُثْبِتُ يعني الأبناء.
السدي: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ يعني القمر وَيُثْبِتُ يعني الشمس.
بيانه قوله: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً «٧».
(٢) سورة يس: ٣١. [.....]
(٣) سورة المؤمنون: ٣١.
(٤) سورة الرعد: ٣٨.
(٥) المصدر السابق: ٢٢٢.
(٦) سورة الفرقان: ٧٠.
(٧) سورة الإسراء: ١٢.
بيانه قوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى «١».
وقيل: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ الدنيا وَيُثْبِتُ الآخرة.
وروى محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه آخر غيره، فيمحو ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ما يشاء» [١٥٣] «٢».
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة جنانها رمان من ياقوت ولله في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحو منها ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
قال قيس بن عباد: العاشر من رجب هو يوم يَمْحُوا اللَّهُ فيه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ يعني اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل.
قال قتادة والضحاك: حلية الكتاب وأصله فيه ما يمحو ويثبت.
فسأل ابن عباس كذا عن أم الكتاب.
قال: يعلم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون فقال لعلمه: كن كتابا فكان كتابا «٣» وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نريك ذلك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الذي عليك [أن تبلغهم] وَعَلَيْنَا الْحِسابُ والجزاء.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣)
أَوَلَمْ يَرَوْا يعني أهل مكة الذين يسألون محمدا الإيمان أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نقصدها
(٢) تفسير القرطبي: ٩/ ٣٣٢، وفي كنز العمال: ٢/ ٤٥٤.
(٣) تفسير الطبري: ١٣/ ٢٢٤.
وروى وكيع عن سلمة بن سبط عن الضحاك قال: ما تغلب عليه محمد صلّى الله عليه وسلّم من أرض العدو.
جبير عن الضحاك قال: أو لم ير أهل مكة إنا نفتح لمحمد ما حوله من القرى.
وروى إسحاق بن إبراهيم السلمي عن مقاتل بن سليمان قال: الْأَرْضَ مكة ونَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها غلبة النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين عليها وانتقاصهم وازدياد المسلمين. فكيف لا يعتبرون! وقال قوم: معناه أو لم يروا إلى الأرض نَنْقُصُها أفلا تخافون إن جعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فيهلكهم ويخرب أرضهم.
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: خراب الأرض وقبض أهلها.
يزيد الخوي عن عكرمة قال: يعني قبض الناس.
وقال: لو نقصت الأرض لصارت مثل هذه وعقد بيده سويتين.
عثمان بن السنّاج عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها قال: موت أهل الأرض.
طلحة بن أبي طلحة القناد عن الشعبي: قبض الأنفس والثمرات.
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نقصان أهلها وتركها.
عثمان بن عطاء عن أبيه: قال ذهاب علمائها وفقهائها.
قال الثعلبي: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه السرخسي قال: حدثنا أبو لبيد بن محمد بن إدريس البسطامي حدثنا سعد بن سعيد حدثنا أبي حدثنا أبو حفص عن محمد بن عبد الله عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا العلم قبل أن يذهب» [١٥٤] «١».
قلنا: وكيف يذهب العلم والقرآن بين أظهرنا قد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نقرأه ونقرئه أولادنا فأنصت ثم قال هل ظلت اليهود والنصارى الا والتوراة بين أظهرهم ذهاب العلم ذهاب العلماء.
قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبو ضمرة وأنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» [١٥٥] «١».
وحدثنا أبو القاسم أخبرنا محمد بن أحمد بن سعيد حدثنا العباس بن حمزة حدثنا [.........] «٢» السدي حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجنيد عن أبي الدرداء أنه قال: يا أهل حمص مالي أرى أنّ علماؤكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون، فأراكم قد أقبلتم على ما يكفل لكم، وضيعتم ما وكلتم به اعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء «٣».
وأخبرنا أبو القاسم حدثنا عبد الله بن المأمون بهرات حدثنا أبي حدثنا خطام بن الكاد بن الجراح عن أبيه عن جويبر عن الضحاك قال: قال علي (رضي الله عنه) : إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كف لم تعد.
حدثنا أبو القاسم حدثنا أبي حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد الرازي الزعفراني حدثنا عمر بن مدرك البلخي، أبو حفص حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا هشام بن حيان عن الحسين قال: قال عبد الله بن مسعود: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار.
ومنه عن الرازي حدثنا عمرو بن تميم الطبري. أخبرنا محمد بن الصلت. حدثنا عباد بن العوام عن هلال عن حيان قال: قلت لسعيد بن جبير ما علامة هلاك الناس؟ قال: هلاك علمائهم، ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء عليهم السلام.
وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ لا راد لحكمه، والمعقب في كلام العرب الذي يكرّ على الشيء ويتبعه «٤».
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) المصنف لابن أبي شيبة: ٨٠/ ١٧٠.
(٤) تفسير الطبري: ١٣/ ٢٢٩.
حتى تهجر في الرواح وهاجه | طلب المعقب حقه المظلوم «١» |
يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ... سَيَعْلَمُ: قرأ ابن كثير وأبو عمر: الكافر على الواحد، والباقون على الجمع.
لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ عاقبة الدار الآخرة ممن يدخلون النار ويدخل المؤمنون الجنة وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إني رسوله إليكم، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أيضا يشهدون على ذلك. هم مؤمنو أهل الكتاب.
وقرأ الحسين وسعيد بن جبير: وَمِنْ عِنْدِهِ بكسر الميم والدال. عُلِمَ الْكِتابُ مبني على «٢» الفعل المجهول.
وروى أبو عوانة عن أبي الخير قال: قلت لسعيد بن جبير وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أهو عبد الله بن سلام؟ قال: كيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية.
وكان سعيد يقرأها وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتابُ، ودليل هذه القراءة قوله وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً «٣» وقوله الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ «٤».
وأخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن بابويه أخبرنا أبو رجاء محمد بن حامد بن محمد المقرئ بمكة حدثنا محمد بن حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأها وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتابُ.
وبه عن السمري حدثنا أبو توبة عن الكسائي عن سليمان عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال: قال: وذكر الله أشدّ فذكر إنه حيث جاء إلى الدار ليسلم سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتابُ بكسر الميم وسمعه في الركعة الثانية يقرأ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ الآية.
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد الفاسي حدثنا القاضي الحسين بن محمد بن عثمان
(٢) هكذا في الأصل.
(٣) سورة الكهف: ٦٥.
(٤) سورة الرحمن: ١. ٢.
وفيه عن السبيعي: حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور بن الجنيد الرازي عن محمد بن الحسين بن الكتاب.
أحمد بن مفضل حدثنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سلمان عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنيفة وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال: هو علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) «١».
كلها مكية غير آيتين وهما قوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا «١». إلى قوله: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ «٢» نزلتا في قتلى بدر وأسرائهم، [مكية] وهي ثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وثلاثون حرفا وثمانمائة وإحدى وثلاثون كلمة في إثنتين وخمسون آية.
أخبرنا أبو الحسين بن علي بن محمد بن الحسن المقري غير مرة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم وأبو الشيخ عبد الله بن محمد قالا: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك، أحمد بن يونس اليربوعي عن سلام بن سليم المدائني، عن عمرو بن كثير عن يزيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة إبراهيم والحجر أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها» [١٥٦] «٣».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(٢) سورة ابراهيم: ٣٠.
(٣) تفسير مجمع البيان: ٦/ ٥٥.