ﰡ
والأصل فى الضَّالِّينَ الضالين، حذفت حركة اللام الأولى، ثم أدغمت اللام فى اللام.
وقرأ أيوب السختياني (الضألين) بهمز غير ممدود، كأنه فر من التقاء الساكنين، وهى لغة.
(٢) سورة البقرة
سورة البقرة مدنية، نزلت فى مدد شتى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)١-، ٢- الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ:
الم الحروف التي فى أوائل السور فيها أقوال:
قيل: هى سر الله فى القرآن.
وقيل: هى من التشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه.
وقيل: هى من المكتوم الذي لا يفسر.
وقيل: هى أسماء للسور.
وقيل: هى أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها وفضلها، وموضع القسم لا رَيْبَ فِيهِ، وتكون لا جواب القسم.
ذلِكَ الْكِتابُ: أي هذا الكتاب، وذلِكَ قد تستعمل فى الاشارة الى حاضر، وإن كان موضوعا للاشارة الى غائب، فالاسم ذلِكَ اشارة الى القرآن، موضوع موضع: هذا. وقد جاء هذَا بمعنى ذلِكَ.
وقيل: هو على بابه، اشارة الى غائب.
الْكِتابُ أي القرآن.
لا رَيْبَ فِيهِ نفى عام، ولذلك نصب الريب به.
والريب: الشك والارتياب.
فِيهِ: الضمير فى موضع خفض بفي.
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ:
الهدى: الرشاد والبيان، أي فيه كشف لأهل المعرفة ورشد وزيادة بيان.
والهدى هديان:
هدى دلالة، وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم.
وهدى تأييد وتوفيق، وهو الذي تفرد به سبحانه.
والهدى: مؤنث، وقيل: مذكر.
لِلْمُتَّقِينَ خص الله تعالى المتقين بهدايته، وان كان هدى للخلق أجمعين، تشريفا لهم، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣ الى ٤]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
٣- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ:
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ معطوف جملة على جملة. واقامة الصلاة:
أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها فى أوقاتها.
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ:
رزقناهم: أعطيناهم. والرزق: ما صح الانتفاع به.
والرزق، بالكسر، الاسم، وبالفتح: المصدر.
ينفقون: يخرجون. والانفاق: إخراج المال من اليد.
والمراد بالنفقة هنا الزكاة لمقارنتها الصلاة، وقيل: نفقة الرجل على أهله.
٤- وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ:
يُؤْمِنُونَ المراد: مؤمنو أهل الكتاب.
وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعنى الكتب السالفة.
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أي وبالبعث والنشر هم عالمون.
واليقين: العلم دون الشك.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥ الى ٦]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦)
٥- أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
مِنْ رَبِّهِمْ فيه رد على القدرية فى قولهم: يختلقون ايمانهم وهداهم.
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
هم، يجوز أن يكون مبتدأ ثانيا وخبره الْمُفْلِحُونَ، والثاني وخبره خبر الأول. ويجوز أن تكون هُمُ زائدة، ويسميها البصريون فاصلة، والكوفيون عمادا. والمفلحون، خبر أُولئِكَ.
والمفلحون، أي الفائزون بالجنة والباقون فيها.
٦- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
لما ذكر تعالى المؤمنين وأحوالهم ذكر الكافرين ومآلهم.
والكفر، ضد الايمان.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أي معتدل عندهم الانذار وتركه. وجىء بالاستفهام.
من أجل التسوية.
أَأَنْذَرْتَهُمْ الانذار: الإبلاغ والاعلام، ولا يكاد يكون الا فى تخويف يتسع زمانه للاحتراز. فإن لم تتسع زمانه للاحتراز كان اشعارا ولم يكن انذارا.
لا يُؤْمِنُونَ، موضعه رفع، خبر إِنَّ، أي ان الذين كفروا لا يؤمنون.
وقيل: خبر إِنَّ سواء، وما بعده يقوم مقام الصلة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧ الى ٩]
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩)٧- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ:
بيّن الله سبحانه فى هذه الآية المانع لهم من الايمان بقوله خَتَمَ اللَّهُ.
والختم: التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شىء.
والختم يكون محسوسا، كما سبق، ومعنى، كما فى هذه الآية، فالختم على القلوب: عدم الوعى عن الحق سبحانه. وعلى السمع:
عدم فهمهم للقرآن إذا تلى عليهم، أو دعوا الى وحدانيته. وعلى الأبصار: عدم هدايتها للنظر فى مخلوقاته وعجائب مصنوعاته.
عَلى قُلُوبِهِمْ فيه دليل على فضل القلب على جميع الجوارح.
وَعَلى سَمْعِهِمْ فيه دليل على فضل البصر لتقدمه عليه.
وجمع الأبصار ووحد السمع، لأنه مصدر يقع للقليل والكثير.
وَلَهُمْ أي للكافرين المكذبين.
عَذابٌ عَظِيمٌ:
العذاب، أي لون من ألوان الإيذاء، وسمى العذاب عذابا لأن صاحبه يحبس ويمنع عنه جميع ما يلائم الجسد من الخير، ويهال عليه أضدادها. وفى المثل لألجمنك لجاما معذبا، أي مانعا عن ركوب الناس.
٨- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ:
وَمِنَ النَّاسِ أي من المنافقين. والناس، اسم جنس، واسم الجنس لا يخاطب به الأولياء. والناس، اسم من أسماء الجموع، جمع انسان، وانسانة، على غير اللفظ.
والايمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
٩- يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ:
وقيل: فى الكلام حذف، تقديره: يخادعون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، جعل خداعهم لرسوله خداعا له.
ومخادعتهم: ما أظهروه من الايمان خلاف ما أبطنوه من الكفر.
وقيل: يخادعون الله، أي يفسدون ايمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين الله تعالى بالرياء، إذ أصل الخدع: الفساد.
وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ نفى وإيجاب، أي ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم.
وَما يَشْعُرُونَ أي يفطنون أن وبال خدعهم راجع إليهم، فيظنون أنهم قد نجوا بخدعهم وفازوا، وانما ذلك فى الدنيا، لا فى الآخرة.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)
١٠- فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ:
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ابتداء وخبر، أي بسكونهم الى الدنيا، وغفلتهم عن الآخرة.
والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي فى عقائدهم.
والمعنى: قلوبهم مرضى لخلوها عن العصمة والتوفيق والرعاية والتأييد.
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، قيل: هو دعاء عليهم، ويكون المعنى:
زادهم الله شكا ونفاقا.
وقيل: هو: إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم، أي فزادهم الله مرضا الى مرضهم، أي وكلهم الى أنفسهم، وجمع عليهم هموم الدنيا، فلم يتفرغوا عن ذلك الى اهتمام بالدين.
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم موجع.
وأليم، أي مؤلم موجع.
بِما كانُوا يَكْذِبُونَ، ما، مصدرية، أي بتكذيبهم للرسل.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١ الى ١٢]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)١١- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ:
إِذا فى موضع النصب على الظرفية، والعامل فيها قالُوا، وهى تؤذن بوقوع الفعل المنتظر. وهى اسم يدل على زمن مستقبل، ولم تستعمل الا مضافة الى جملة.
قِيلَ من القول، وأصلها: قول، نقلت كسرة الواو الى القاف فانقلبت الواو ياء.
لا تُفْسِدُوا لا، نهى. والفساد: ضد الصلاح، وحقيقته العدول عن الاستقامة الى ضدها.
فِي الْأَرْضِ الأرض، اسم جنس، مؤنثة.
مُصْلِحُونَ اسم فاعل من: أصلح.
وانما قالوا ذلك على ظنهم.
١٢- أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ:
ردا عليهم وتكذيبا لقولهم، وكسرت إن لأنها مبتدأة.
وهم، يجوز أن يكون مبتدأ، والمفسدون، خبره، والمبتدأ وخبره خبر ان.
ويجوز أن تكون هم توكيدا للهاء والميم فى إنهم، والتقدير ألا إنهم المفسدون.
وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ: لكن، حرف تأكيد وا ستدراك، ولا بد فيه من نفى واثبات، ان كان قبله نفى كان بعده إيجاب، وان كان قبله إيجاب كان بعده نفى، ولا يجوز الاقتصار بعده على اسم واحد إذا تقدم الإيجاب ولكن تذكر جملة مضادة لما قبلها، كما فى هذه الآية.
والمعنى: أنهم كانوا يعملون الفساد سرا ويظهرون الصلاح، وهم لا يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي، صلّى الله عليه وآله وسلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣ الى ١٥]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)
١٣- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ:
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعنى المنافقين.
آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ يعنى المنافقين. أي صدقوا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم وشرعه، كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب.
قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ يعنى مؤمنى أهل الكتاب، أو أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله وسلم. وهذا القول من المنافقين، انما كانوا يقولونه فى خفة واستهزاء.
والسفه: الخفة والرقة، والسفهاء، أي الجهال والخرقاء.
وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ للرّين الذي على قلوبهم.
١٤- وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، أصل لَقُوا: لقيوا، نقلت الضمة الى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين.
وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، خلوا، هنا بمعنى:
ذهبوا وانصرفوا من أجل هذا عديت بحرف الجر إِلى، ولو كانت بمعنى: انفردوا، لعديت بالباء.
والشياطين، جمع شيطان، على التكثير. والمراد بشياطينهم:
رؤساؤهم فى الكفر.
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أي مكذبون بما ندعى اليه. وقيل:
ساخرون. والهزء: السخرية واللعب.
١٥- اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ:
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي ينتقم منهم ويعاقبهم، ويجازيهم على استهزائهم، فسمى العقوبة باسم الذنب.
فِي طُغْيانِهِمْ أي كفرهم وضلالهم، وأصل الطغيان: مجاوزة الحد. أي يمدهم بطول العمر حتى يزيدوا فى الطغيان فيزيدهم فى عذابه.
يَعْمَهُونَ: يعمهون، أي يترددون متحيرين فى الكفر، يقال عمه الرجل إذا حار.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦ الى ١٧]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧)
١٦- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، ضمت الواو فى اشْتَرَوُا فرقا بينها وبين الواو الأصلية، والضمة فى الواو أخف من غيرها لأنها من جنسها.
واشتروا، من الشراء، والشراء، هنا مستعار، والمعنى: استحبوا الكفر على الايمان، فعبر عنه بالشراء، لأن الشراء يكون فيما يحبه مشتريه، يعنى: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، أي استبدلوا واختاروا الكفر على الايمان، وجاء بلفظ الشراء توسعا، لأن الشراء والتجارة راجعان الى الاستبدال.
وأصل الضلالة: الحيرة، ويسمى النسيان ضلالة، لما فيه من الحيرة.
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أسند تعالى الربح الى التجارة، على عادة العرب فى قولهم: ربح بيعك، والمراد: فما ربحوا فى تجارتهم.
وَما كانُوا مُهْتَدِينَ فى اشترائهم الضلالة.
١٧- مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً مثلهم، رفع بالابتداء، والخبر
والمثل: الشبيه.
الَّذِي يقع للواحد والجمع، ومن العرب من يأتى بالجمع بلفظ الواحد. والمعنى: كمثل الذين استوقدوا نارا، ولذلك قال: ذهب الله بنورهم، فحمل أول الكلام على الواحد، وآخره على الجمع.
واستوقد نارا، بمعنى: أوقد.
فَلَمَّا جوابها محذوف، وهو: طفئت، وقيل: جوابها: ذهب.
بِنُورِهِمْ الضمير للمنافقين، والاخبار بهذا عن حال تكون فى الآخرة.
وقيل: الضمير يعود على الَّذِي وعلى هذا يتم تمثيل المنافق بالمستوقد، لأن بقاء المستوقد فى ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق فى حيرته وتردده.
ناراً النار، مؤنثة، وهى من النور والاشراق.
ما حَوْلَهُ ما، زائدة مؤكدة، وقيل: مفعولة للفعل: أضاءت.
وحوله، ظرف مكان، والهاء، فى موضع خفض بإضافته إليها.
ذَهَبَ وأذهب، لغتان، من الذهاب، وهو زوال الشيء.
وَتَرَكَهُمْ أي أبقاهم.
فِي ظُلُماتٍ جمع ظلمة.
وقرأ الأعمش: ظلمات، بإسكان اللام، على الأصل، ومن قرأها بالضم، فللفرق بين الاسم والنعت.
لا يُبْصِرُونَ فعل مستقبل فى موضع الحال، كأنه قال: غير مبصرين، وعلى هذا فلا يجوز الوقف على ظُلُماتٍ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨ الى ١٩]
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩)١٨- صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ:
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أي هم صم، خبر ابتداء مضمر.
وفى قراءة (صما بكما عميا) بالنصب على الذم.
والصمم: الانسداد، فالأصم: من انسدت خروق مسامعه.
والأبكم: الذي لا ينطق ولا يفهم، فاذا فهم فهو الأخرس.
وقيل: الأخرس والأبكم واحد.
والعمى: ذهاب البصر، وقد عمى، فهو أعمى، وقوم عمى.
وليس الغرض فى هذا كله نفى الإدراكات عن حواسهم جملة، وانما الغرض نفيها من جهة ما.
فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أي الى الحق، لسابق علم الله تعالى فيهم.
١٩- أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ أو، بمعنى الواو. وقيل: هى للتخيير، أي مثلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، والمعنى:
أو كأصحاب صيب.
والصيب: المطر.
والسماء: ما علا، والأرض: ما سفل.
فِيهِ ظُلُماتٌ ابتداء وخبر.
وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ معطوف عليه.
وقال: ظلمات، بالجمع، اشارة الى ظلمة الليل، وظلمة الدجن، وهو الغيم، وجمعت من حيث تتراكب وتتزايد.
والرعد: اسم الصوت السموع من اصطكاك السحب، والبرق:
ما ينقدح من اصطكاكها.
مِنَ الصَّواعِقِ أي من أجل الصواعق. والصواعق، جمع صاعقة، وهى نار تسقط من السماء.
شبه الله تعالى أحوال المنافقين بما فى الصيب من الظلمات والرعد والبرق والصواعق، فالظلمات مثل لما يعتقدونه من الكفر، والرعد والبرق والصواعق مثل لما يخوفون به.
حَذَرَ الْمَوْتِ حذر، منصوب لأنه موقوع له، أي مفعول من أجله.
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ابتداء وخبر، أي لا يفوتونه، يقال: أحاط السلطان بفلان، إذا أخذه أخذا حاصرا له من كل جهة.
وقيل: محيط بالكافرين، أي عالم بهم.
وقيل: مهلكهم وجامعهم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
٢٠- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ يكاد: يقارب، يقال: كاد يفعل كذا، إذا قارب ولم يفعل. وقد يقترن الفعل بعدها بأن، والأجود عدم الاقتران، لأنها لمقاربة الحال، وإِنَّ تصرف الكلام الى الاستقبال.
يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ الخطف: الأخذ بسرعة. ويخطف، بفتح عينه وكسرها، لغتان قرىء بهما، والأولى هى اللغة الجيدة.
أَبْصارَهُمْ جمع بصر، وهى حاسة الرؤية. والمعنى: تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تبهرهم.
ومن جعل البرق مثلا للتخويف، فالمعنى: أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم.
وأضاء، بمعنى: ضاء.
والمعنى: أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه، فاذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به، أو يكلفونه، قاموا.
وقاموا، أي ثبتوا على نفاقهم.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ لو: حرف تمن، وفيه معنى الجزاء، وجوابه اللام، والمعنى: لو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عز الإسلام.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عموم.
والقدير، أبلغ من القادر.
والاقتدار على الشيء، القدرة عليه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)
٢١- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ يا أيها، يا، حرف نداء، وأي منادى مفرد مبنى على الضم، وها، حرف تنبيه، والناس مرفوع، صفة لأى.
والناس، اما أنه عام فى جميع الناس فيكون خطابه للمؤمنين باستدامة العبادة، وللكافرين بابتدائها.
واما أن يراد به الكفار الذين لم يعبدوه.
واعبدوا، أمر بالعبادة، والعبادة هنا: عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه.
وأصل العبادة: الخضوع والتذلل.
الَّذِي خَلَقَكُمْ خص الله تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته لأن الجميع مقرين به.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعل، متصلة بقوله اعْبُدُوا لا بقوله خَلَقَكُمْ لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتقى.
ولعل، على بابها من الترجي والتوقع، انما هو فى حيز البشر، فكأنه قيل لهم: افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)
٢٢- الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ: الذي صير، لتعديه الى مفعولين.
فِراشاً أي وطاء يفترشونها ويستقرون عليها.
وَالسَّماءَ بِناءً السماء للأرض كالسقف للبيت.
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ الثمرات، جمع ثمرة، أي أخرج لكم ألوانا من الثمرات.
رِزْقاً لَكُمْ طعاما لكم وعلفا لدوابكم.
فَلا تَجْعَلُوا نهى.
لِلَّهِ أَنْداداً أي أكفاء وأمثالا ونظراء، الواحد: ند، بالكسر.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ابتداء وخبر، والجملة فى موضع الحال، والخطاب للكافرين والمنافقين، أي وأنتم تعلمون أنه هو المنعم عليكم دون الأنداد.
أو: وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبرتم ونظرتم.
٢٣- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
مِمَّا نَزَّلْنا يعنى القرآن، والمراد المشركون الذين تحدوا، فإنهم لما سمعوا القرآن قالوا: ما يشبه هذا كلام الله، وإنا لفى شك منه.
عَلى عَبْدِنا يعنى محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم.
فَأْتُوا بِسُورَةٍ الفاء جواب الشرط. وأتوا، أمر معناه التعجيز، لأنه تعالى علم عجزهم عنه. والسورة، واحدة السور.
مِنْ مِثْلِهِ من، زائدة. والضمير فى مِثْلِهِ عائد على القرآن.
وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ الشهداء: الأعوان والأنصار، أي استعينوا بمن وجدتموهم من علمائكم وأحضروهم ليشهدوا ما تأتون به.
مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من غيره.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة.
والصدق، خلاف الكذب.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)
٢٤- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ:
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يعنى فيما مضى. وان، هنا، غير عاملة فى اللفظ، لهذا دخلت على لم.
وَلَنْ تَفْعَلُوا أي تطيقوا ذلك فيما يأتى.
فَاتَّقُوا النَّارَ جواب: فإن لم تفعلوا، أي اتقوا النار بتصديق النبي، صلّى الله عليه وآله وسلم، وطاعة الله تعالى.
الَّتِي من نعتها.
وَقُودُهَا الوقود، بالفتح: الحطب، وبالضم: التوقد.
النَّاسُ عموم، ومعناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء بأن يكون حطبا لها.
أُعِدَّتْ حال للنار، على معنى: معدة، وأضمرت معه (قد).
لِلْكافِرِينَ ظاهر أن غير الكافرين لا يدخلها، وليس الأمر كذلك، بدليل ما ذكر فى غير موضع من الوعيد للمذنبين.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥]
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
٢٥- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا التبشير بما يظهر أثره على البشرة لتغيرها بأول خبر يرد عليها، ثم غلب فيما يجلب السرور، ولا يستعمل فى الشر إلا مقيدا منصوصا فيه على الشر المبشر به.
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ هذه تقضى أن الايمان وحده لا يقتضى الطاعات لأنه لو كان كذلك ما أعادها.
أَنَّ لَهُمْ فى موضع نصب بالفعل بَشِّرِ، والمعنى: وبشر الذين آمنوا بأن لهم، أو لأن لهم.
جَنَّاتٍ فى موضع نصب اسم أَنَّ، وأن وما عملت فيه فى موضع المفعول الثاني.
تَجْرِي فى موضع النعت لجنات، وهى مرفوع لأنه فعل مستقبل.
مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت أشجارها.
الْأَنْهارُ أي ماء الأنهار، فنسب الجري الى الأنهار توسعا، وانما يجرى الماء وحده، فحذف اختصارا.
كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ من وصف الجنات.
رِزْقاً مصدره.
وَأُتُوا أي أعطوا، بالبناء للمجهول.
بِهِ مُتَشابِهاً متشابها. حال من الضمير فى بِهِ. والمتشابه:
الذي يشبه بعضه بعضا فى المنظر ويختلف فى الطعم.
وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ ابتداء وخبر. وأزواج، جمع زوج. والمرأة:
زوج الرجل، والرجل: زوج المرأة.
مُطَهَّرَةٌ نعت للأزواج. والمطهرة، أجمع وأبلغ من طاهرة، أي ليست فيهن شائبة من شائبات الدنيا.
وَهُمْ فِيها خالِدُونَ هم، مبتدأ، وخالدون، خبره، والظرف ملغى. والخلود: البقاء.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦)
٢٦- إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ:
لا يَسْتَحْيِي الاستحياء: الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح، وهذا محال على الله تعالى، والمعنى: لا يترك.
أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا يضرب: يبين. وأن مع الفعل فى موضع نصب بتقدير حذف (من). ومثلا، منصوب بالفعل: يضرب.
لما ضرب الله تعالى المثلين السابقين للمنافقين، يعنى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً وقوله أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ قالوا: الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال. فنزلت هذه الآية.
ما بَعُوضَةً ما، زائدة. وبعوضة، بدل من مَثَلًا.
وبعوضة، نعت لما، فوصفت ما بالجنس المنكر لابهامها، لأنها بمعنى قليل.
وقيل: نصبت على تقدير إسقاط الجار، ويكون المعنى: أن يضرب مثلا ما بين بعوضة، فحذفت (بين) وأعربت بَعُوضَةً باعرابها.
فَما فَوْقَها الفاء بمعنى: الى، أي: الى ما فوقها. وما فوقها، أي ما دونها، أي انها فوقها فى الصغر.
ويصح أن يكون يَضْرِبَ بمعنى: يجعل، فتكون بَعُوضَةً المفعول الثاني.
أَنَّهُ الْحَقُّ أنه، عائد على المثل، أي ان المثل حق. والحق، خلاف الباطل.
ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ماذا، بمنزلة اسم واحد، بمعنى:
أي شىء أراد الله، فيكون فى موضع نصب بالفعل أَرادَ.
وقيل: ما، اسم تام فى موضع رفع بالابتداء. وذا، بمعنى: الذي، وهو خبر الابتداء، ويكون التقدير: ما الذي أراده الله بهذا مثلا.
والمعنى: الإنكار بلفظ الاستفهام. ومثلا، منصوب على القطع، والتقدير: أراد مثلا.
وقيل: هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال.
يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً:
قيل: هو قول الكافرين، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق بين الناس الى ضلالة والى هدى.
وقيل: بل هو خبر من الله عز وجل. ويكون المعنى: قل يضل الله به كثيرا، ويهدى به كثيرا، أي يوفق ويخذل.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧]
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
٢٧- الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:
الَّذِينَ فى موضع نصب على النعت للفاسقين، وان شئت جعلته فى موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هم الذين.
يَنْقُضُونَ النقض: إفساد ما أبرمته من عهد.
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ الميثاق: العهد المؤكد باليمين.
وَيَقْطَعُونَ القطع معروف.
ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ما، فى موضع نصب بالفعل يَقْطَعُونَ.
وأن، بدل من ما، أو من الهاء فى بِهِ. ويجوز أن يكون: لئلا يوصل، أي كراهة أن يوصل.
وما أمر به أن يوصل، هو صلة الأرحام.
وقيل: أن يوصل القول بالعمل.
وقيل: أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه.
وقيل: الاشارة الى دين الله وعبادته فى الأرض، واقامة شرائعه، وحفظ حدوده، فهى عامة فى كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أي يعبدون غير الله ويجورون فى الأفعال إذ هى بحسب شهواتهم وهذا غاية الفساد.
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ابتداء وخبر، وهم زائدة، ويجوز أن تكون هُمُ ابتداء ثان، والْخاسِرُونَ خبره.
والخاسر: الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)٢٨- كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:
كَيْفَ سؤال عن الحال، وهى اسم فى موضع نصب بالفعل تَكْفُرُونَ، وهى مبنية على الفتح.
وقيل: كيف، لفظة الاستفهام وليس به، بل هو تقرير وتوبيخ، أي كيف تكفرون نعمه عليكم وقدرته هذه.
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً الواو واو الحال. وقد، مضمرة، والتقدير:
وقد كنتم، ثم حذفت (قد).
فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ هذا وقف التمام.
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا فأحياكم، أي خلقكم، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم، ثم يحييكم يوم القيامة.
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي الى عذابه مرجعكم لكفركم.
٢٩- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
خَلَقَ أوجد بعد العدم.
لَكُمْ من أجلكم.
ثُمَّ اسْتَوى ثم، لترتيب الاخبار لا لترتيب الأمر فى نفسه.
والاستواء: الارتفاع والعلو على الشيء.
فَسَوَّاهُنَّ: سوى سطوحهن بالاملاس.
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي بما خلق، وهو خالق كل شىء، فوجب أن يكون عالما بكل شىء.
٣٠- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ:
لِلْمَلائِكَةِ الملائكة، واحدها: ملك، بفتحتين، والهاء فى (الملائكة) تأكيد لتأنيث الجمع.
إِنِّي جاعِلٌ، جاعل، أي خالق.
خَلِيفَةً يكون بمعنى فاعل، أي يخلف من كان قبله، كما قد يكون بمعنى مفعول، أي مخلف.
مَنْ يُفْسِدُ من، فى موضع نصب على المفعولية للفعل تَجْعَلُ.
والمفعول الثاني يقوم مقامه فِيها.
وَيَسْفِكُ عطف عليه. والسفك: السفح.
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ أي ننزهك عما لا يليق بصفاتك.
بِحَمْدِكَ أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله بك.
وَنُقَدِّسُ لَكَ أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك اليه الملحدون.
إِنِّي أَعْلَمُ أعلم، فعل مستقبل، وقيل انه اسم بمعنى فاعل، كما يقال: الله أكبر، بمعنى: كبير.
ما لا تَعْلَمُونَ مما كان، ومما يكون، ومما هو كائن.
[سورة البقرة (٢) : آية ٣١]
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١)
٣١- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
وَعَلَّمَ وعرف.
آدَمَ هو أبو البشر.
الْأَسْماءَ كُلَّها أي العبارات كلها، فالاسم قد يطلق ويراد به المسمى.
هؤُلاءِ لفظ مبنى على الكسر.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ شرط، والجواب محذوف، تقديره: ان كنتم صادقين أن بنى آدم يفسدون فى الأرض فأنبئونى. وصادقون: عالمون.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
٣٢- قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ:
سُبْحانَكَ أي تنزيها لك عن أن يعلم الغيب أحد سواك، منصوب على المصدر، وقيل: منصوب على أنه نداء.
الْعَلِيمُ فعيل، للمبالغة والتكثير فى المعلومات فى خلق الله تعالى.
الْحَكِيمُ أي الحاكم، وقيل: المحكم. والمراد: المانع من الفساد.
٣٣- قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ:
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ أمره الله تعالى أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة ليعلموا أنه أعلم بما سأله عنه تنبيها على فضله وعلو شأنه.
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ دليل على أن أحدا لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله كالأنبياء، أو من أعلمه من أعلمه الله تعالى.
وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ أي من قولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها.
وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعنى ما كتمه إبليس فى نفسه من الكبر والمعصية، وجاء تَكْتُمُونَ للجماعة، والكاتم واحد، على التجوز والاتساع.
٣٤- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ:
اسْجُدُوا السجود: الخضوع.
فَسَجَدُوا أي امتثلوا.
إِلَّا إِبْلِيسَ نصب على الاستثناء المتصل، لأنه كان من الملائكة.
أَبى: امتنع من فعل ما أمر به.
وَاسْتَكْبَرَ: واستعظم، إذ كره السجود فى حقه واستعظمه فى حق آدم.
وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أي صار. وقيل: المعنى: أي كان فى علم الله تعالى أنه سيكفر.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦)
٣٥- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ:
اسْكُنْ أي اتخذها مسكنا. والسكنى لا تكون ملكا، بل الى مدة ثم تنقطع، فدخولهما الجنة كان دخول سكنى لا دخول اقامة.
أَنْتَ تأكيد للمضمر الذي فى الفعل.
وَزَوْجُكَ لغة القرآن: زوج، بغير هاء.
رَغَداً الرغد: العيش الدّار الهنى الذي لا عناء فيه، وهو نعت لمصدر محذوف، أي أكلا رغدا.
وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أي لا تقرباها بأكل. والاسم المبهم ينعت بما فيه الألف واللام لا غير.
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فتكونا، عطف على تَقْرَبا ولذلك حذفت النون. والظلم: وضع الشيء فى غير موضعه.
٣٦- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ:
وقرأ حمزة (فأزالهما) أي نحاهما، أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة الى المعصية.
فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ من رغد.
وَقُلْنَا اهْبِطُوا الهبوط: النزول من فوق الى أسفل.
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ بعضكم، مبتدأ. وعدو، خبره، والجملة فى موضع نصب على الحال، والتقدير: وهذا حالكم، وحذفت الواو من بَعْضُكُمْ لأن فى الكلام عائدا. والعدو خلاف الصديق، وهو من عدا، إذا ظلم. وقال عَدُوٌّ ولم يقل: أعداء، لأن بعضا وكلا يخبر عنهما بالواحد على اللفظ والمعنى.
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ابتداء وخبر، أي موضع استقرار.
وَمَتاعٌ المتاع: ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة.
إِلى حِينٍ، أي الى أجل، والحين: الوقت البعيد، والمدة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)
٣٧- فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:
فَتَلَقَّى أي فهم وفطن. وقيل: قبل وأخذ.
كَلِماتٍ أي أدعية واستغفار واستغاثة.
فَتابَ عَلَيْهِ أي قبل توبته، أو وفقه للتوبة.
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وصف نفسه تعالى بأنه التواب، يعنى كثرة قبوله توبة عباده، لكثرة من يتوب عليهم.
٣٨- قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
قُلْنَا اهْبِطُوا كرر الأمر على جهة التغليظ وتأكيده. وقيل:
جَمِيعاً نصب على الحال.
فَإِمَّا ما، زائدة على (ان) التي للشرط، وجواب الشرط الفاء مع الشرط الثاني.
هُدىً أي توفيق للهداية. وقيل: كتاب الله.
فَمَنْ تَبِعَ من، فى موضع رفع بالابتداء. وتبع فى موضع جزم بالشرط.
فَلا خَوْفٌ جواب الشرط. والشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول، والخوف هو الذعر، ولا يكون إلا فى المستقبل.
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الحزن ضد السرور، ولا يكون إلا على ماض.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)
٣٩- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أي أشركوا.
أَصْحابُ النَّارِ الصحبة: الاقتران بالشيء فى حالة ما، فى زمان ما، فان كانت الملازمة والخلطة فهى كمال الصحبة، وهكذا هى صحبة أهل النار لها.
٤٠- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ نداء مضاف، علامة النصب فيه الياء. وحذفت منه النون للاضافة. وإسرائيل، هو يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام. وإسرائيل، اسم أعجمى، ولذلك لم ينصرف.
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الذكر، اسم مشترك، فالذكر بالقلب، ضد
والمعنى فى الآية: اذكروا شكر نعمتى، فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة.
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أمر وجوابه، أي أوفوا بعهدي الذي عهدت إليكم فى التوراة من اتباع محمد صلّى الله عليه وآله وسلم،.
أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أي بما ضمنت لكم على ذلك، ان أوفيتم به فلكم الجنة.
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، أي خافون. وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية.
[سورة البقرة (٢) : آية ٤١]
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)
٤١- وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ:
وَآمِنُوا أي صدقوا.
بِما أَنْزَلْتُ يعنى القرآن.
مُصَدِّقاً حال من الضمير فى أَنْزَلْتُ، والتقدير: بما أنزلته مصدقا، والعامل فيه: أنزلت.
ويجوز أن يكون حالا من (ما)، والعامل فيه: آمنوا، والتقدير:
آمنوا بالقرآن مصدقا.
ويجوز أن تكون (ما) مصدرية، والتقدير: آمنوا بانزال.
لِما مَعَكُمْ يعنى التوراة.
وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ الضمير فى (به) عائد على محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: هو عائد على القرآن، إذ تضمنه قوله بِما أَنْزَلْتُ. وقيل:
على التوراة، إذ تضمنها قوله لِما مَعَكُمْ.
وقيل: هو محمول على المعنى، إذ المعنى: أول من كفر به.
وَلا تَشْتَرُوا معطوف على قوله وَلا تَكُونُوا. نهاهم عن أن يكونوا أول من كفر به، وألا يأخذوا على آيات الله ثمنا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤)
٤٢- وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
وَلا تَلْبِسُوا اللبس: الخلط.
بِالْباطِلِ الباطل: خلاف الحق، ومعناه: الزائل، وما يذهب ضياعا.
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ معطوف على تَلْبِسُوا، ولهذا يصح جزمه، كما يصح أن يكون منصوبا بإضمار (أن).
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جملة فى موضع الحال. وليس فى الأمر شهادة لهم بعلم، انما هو نهى عن كتمان ما علموا.
٤٣- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ:
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أمر معناه الوجوب.
وَآتُوا الزَّكاةَ أمر يقتضى الوجوب والإيتاء والإعطاء.
والزكاة، هى الزكاة المفروضة لمقارنتها بالصلاة.
وَارْكَعُوا أي صلوا، عبر عن الكل بالركن، فالركوع ركن من أركان الصلاة.
مَعَ الرَّاكِعِينَ مع، تقتضى المعية والجمعية.
٤٤- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
أَتَأْمُرُونَ استفهام معناه التوبيخ.
بِالْبِرِّ أي بالطاعة والعمل الصالح.
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ توبيخ. وتتلون: تقرءون. والكتاب، يعنى التوراة.
أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال الردية لكم. والعقل: المنع.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)
٤٥- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ:
بِالصَّبْرِ أي بالصبر على الطاعة، لغة: الحبس. وقيل: الصوم.
وَالصَّلاةِ خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها.
وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ وانها، الضمير يعود على الصلاة وحدها. وقيل:
عليهما، ولكنه كنى عن الأغلب، وهو الصلاة.
عَلَى الْخاشِعِينَ الخاشعون، جمع خاشع، وهو المتواضع.
والخشوع: هيئة فى النفس يظهر منها فى الجوارح سكون وتواضع.
والخاشعون هم المؤمنون حقا.
٤٦- الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ:
الَّذِينَ فى موضع خفض على النعت للخاشعين. ويجوز الرفع على القطع.
يَظُنُّونَ الظن، هنا بمعنى اليقين.
مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي جزاء ربهم.
إِلَيْهِ أي الى ربهم.
راجِعُونَ اقرار بالبعث والجزاء والعرض على الملك الأعلى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)٤٧- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ:
الْعالَمِينَ أي عالمى زمانهم، وأهل كل زمان عالم.
وقيل: على كل العالمين، بما جعل فيهم من الأنبياء، وهذه خاصة لهم وليست لغيرهم.
٤٨- وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ:
وَاتَّقُوا أمر معناه الوعيد.
يَوْماً يريد عذابه وهوله، وهو يوم القيامة، وهو منصوب على المفعولية.
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئا.
وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ الشفاعة: ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك.
وقرئت: ولا تقبل، بالتاء، على التأنيث، لأن الشفاعة مؤنثة، وعى التذكير، تكون (الشفاعة) بمعنى: الشفيع.
وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي فداء.
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي يعانون. والنصر: العون.
٤٩- وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.
وَإِذْ إذ، فى موضع نصب عطف على اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ. وهذا وما بعده تذكير ببعض النعم التي كانت له عليهم.
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي من قومه وأتباعه.
وفرعون هو اسم ذلك الملك بعينه، وهو فى الأصل لكل ملك من ملوك مصر.
سُوءَ الْعَذابِ مفعول ثان للفعل يَسُومُونَكُمْ. وسوء العذاب:
أشده.
يُذَبِّحُونَ بغير واو على البدل من قوله يَسُومُونَكُمْ.
وقرىء: يذبحون، بفتح الياء.
أَبْناءَكُمْ أي أطفالكم.
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يبقونهن أحياء، فلقد كان فرعون يبقى البنات، وعبر عنهم باسم النساء بالمئال.
وَفِي ذلِكُمْ اشارة الى جملة الأمر، إذ هو خبر فهو كفرد حاضر، أي وفى فعلهم ذلك بكم.
بَلاءٌ أي امتحان واختبار.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١)
٥٠- وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ:
إِذْ فى موضع نصب.
فَرَقْنا: فلقنا.
بِكُمُ أي لكم، فالباء، هنا بمعنى اللام.
وقيل: الباء، فى مكانها، أي فرقنا البحر بدخولكم إياه، أي صاروا بين الماءين، فصار الفرق بهم.
فَأَنْجَيْناكُمْ أي أخرجناكم منه.
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ جملة فى موضع الحال.
٥١- وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ:
واعَدْنا وعدنا، وهو من باب الموافاة.
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً نصب على المفعول الثاني. وفى الكلام حذف، والتقدير: وإذ واعدنا موسى تمام أربعين ليلة.
والأربعون، هى فيما يقال: ذو القعدة وعشر من ذى الحجة، وكان ذلك بعد أن جاوز البحر وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله، فخرج الى الطور فى سبعين من خيار بنى إسرائيل، وصعدوا الجبل، وواعدهم الى تمام أربعين ليلة، فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة، وقالوا قد أخلفنا موعده، فاتخذوا العجل، وقال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ أي اتخذتموه إلها من بعد موسى.
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ جملة فى موضع الحال.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)
٥٢- ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
ثُمَّ عَفَوْنا العفو: عفو الله عز وجل عن خلقه، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها، بخلاف الغفران، فانه لا تكون معه عقوبة البتة، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفى عنه. فالعفو: محو الذنب، أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد عبادتكم العجل.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: كى تشكروا عفو الله عنكم. والشكر:
الثناء على الإنسان بمعروف يوليه.
٥٣- وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ:
إِذْ اسم للوقت الماضي، وإذا، اسم للوقت المستقبل.
آتَيْنا: أعطينا.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي: لكى تهتدوا من الضلالة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥)
٥٤- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:
لِقَوْمِهِ القوم: الجماعة من الرجال دون النساء، وقد يقع على الرجال والنساء، وهو المراد هنا.
يا قَوْمِ منادى مضاف، وحذفت الياء لأنه موضع حذف، والكسرة تدل عليها، وهى بمنزلة التنوين فحذفت كما يحذف التنوين، ويجوز فى غير القرآن إثباتها ساكنة.
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ استغنى بالجمع القليل عن الكثير، والكثير:
نفوس. وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القلة، والقليل موضع الكثرة.
وأصل الظلم: وضع الشيء فى غير موضعه.
فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ لما قال لهم: فتوبوا الى، قالوا: كيف؟
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أي ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات.
والبارئ: الخالق.
فَتابَ عَلَيْكُمْ فى الكلام حذف، تقديره: ففعلتم فتاب عليكم، أي نتجاوز عنكم.
٥٥- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ:
يا مُوسى نداء مفرد.
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أي لن نصدقك.
جَهْرَةً مصدر فى موقع الحال، أي علانية، أو عيانا.
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وقرىء: الصعقة.
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ جملة فى موضع الحال.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)
٥٦- ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ أي أحييناكم.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ما فعل بكم من البعث بعد الموت.
٥٧- وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ أي جعلناه عليكم مظلة.
والغمام، جمع غمامة، ويجوز غمائم، وهى السحاب.
وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى:
المن: صمغة حلوة.
السلوى: السمانى، طير.
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ كلوا، فيه حذف، تقديره: وقلنا:
كلوا، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه.
والطيبات: الحلال اللذيذ.
وَما ظَلَمُونا يقدر قبله: فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر.
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ لمقابلتهم النعم بالمعاصي.
٥٨- وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً
قُلْنَا حذفت الألف منها نطقا لسكونها وسكون الدال بعدها، والألف التي يبتدأ بها ألف وصل.
هذِهِ الْقَرْيَةَ أي المدينة.
فَكُلُوا اباحة.
رَغَداً كثيرا واسعا، وهو نعت لمصدر محذوف، أي أكلا رغدا.
وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً الباب، يعنى بابا فى بيت المقدس يعرف بباب حطة وقيل باب القبة التي كان يصلى إليها موسى وبنو إسرائيل.
سُجَّداً أي منحنين ركوعا.
وقيل: متواضعين خضوعا.
وَقُولُوا عطف على ادْخُلُوا.
حِطَّةٌ بالرفع، على إضمار مبتدأ، أي مسألتنا حطة، أو يكون حكاية.
وقرىء (حطة) بالنصب، على معنى: احطط عنا ذنوبنا حطة.
وقيل: حطة: كلمة أمر بها بنو إسرائيل لو قالوها لحطت أوزارهم، ولكنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة فى شعرة، أو حنطة فى شعر.
وقيل: قالوا: حطا سمهانا، وهى لفظة عبرية، ومعناها حنطة حمراء.
وكان قصدهم خلاف ما أمرهم الله به، فعصوا وتمردوا واستهزءوا، فعاقبهم الله بالرجز، وهو العذاب.
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ الخطايا جمع خطيئة، على التكسير.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)
٥٩- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ:
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا تبديل الشيء: تغييره، وان لم يأت ببدل.
والذين فى موضع رفع، أي فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم: قولوا حطة، فقالوا: حنطة.
فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا كرر لفظ ظَلَمُوا ولم يضمره، تعظيما للأمر.
رِجْزاً أي عذابا.
٦٠- وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
وَإِذِ كسرت الذال لالتقاء الساكنين.
اسْتَسْقى السين سين السؤال، أي طلب وسأل السقي.
فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ العصا، معروفة، وهو اسم مقصور مؤنث، وألفه منقلبة عن واو.
فَانْفَجَرَتْ فى الكلام حذف، تقديره: فضرب فانفجرت.
اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً اثنتا فى موضع رفع، فعلها فَانْفَجَرَتْ وعلامة الرفع فيها الألف. والعين: عين الماء.
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ يعنى أن لكل سبط منهم عينا قد عرفها لا يشرب من غيرها. والشرب: موضع الشرب.
كُلُوا وَاشْرَبُوا فى الكلام حذف، تقديره: وقلنا لهم: كلوا المن والسلوى، واشربوا الماء المتفجر من الحجر.
وَلا تَعْثَوْا أي لا تفسدوا. والعيث: شدة الفساد.
[سورة البقرة (٢) : آية ٦١]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)
٦١- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ:
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ كان هذا القول منهم فى التيه حين ملوا المن والسلوى، وتذكروا عيشهم الأول فى مصر.
والطعام، يطلق على ما يطعم ويشرب.
فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ يخرج، مجزوم على معنى: سله وقل له أخرج، يخرج.
وقيل: هو على معنى الدعاء على تقدير حذف اللام.
مِنْ بَقْلِها بدل من (ما) باعادة الحرف.
وَقِثَّائِها عطف عليه، وكذا ما بعده.
والبقل: كل نبات ليس له ساق. والقثاء، معروف.
وَفُومِها الفوم: الثوم، وقيل الحمص.
قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ الاستبدال:
وضع الشيء موضع الآخر. يعنى: أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، الذي هو أدنى بالمن والسلوى الذي هو خير.
اهْبِطُوا مِصْراً الأمر للتعجيز. واهبطوا: انزلوا. ومصرا، بالتنوين منكرا أي مصرا من الأمصار. وقيل: أراد مصر فرعون.
فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ما، نصب، والعامل (ان).
وَباؤُ أي انقلبوا ورجعوا.
ذلِكَ تعليل.
بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ أي يكذبون.
بِآياتِ اللَّهِ أي بكتابه ومعجزات أنبيائه.
وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ معطوف على يَكْفُرُونَ.
بِغَيْرِ الْحَقِّ تعظيم الشنعة والذنب الذي أتوه.
ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ذلك رد على الأول وتأكيد للاشارة اليه. والباء فى (بما) باء السبب، أي بعصيانهم. والعصيان:
خلاف الطاعة. والاعتداء: تجاوز الحد فى كل شىء، وعرف فى الظلم والمعاصي.
[سورة البقرة (٢) : آية ٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)
٦٢- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: أي صدقوا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَالَّذِينَ هادُوا، أي صاروا يهودا، نسبوا الى يهوذا، وهو أكبر ولد يعقوب عليه السّلام.
وَالنَّصارى جمع، واحدة: نصرانى، سموا بذلك لقرية تسمى:
ناصرة كان ينزلها عيسى عليه السّلام فنسب إليها فقيل: عيسى الناصري، فلما نسب أصحابه اليه قيل: النصارى.
وَالصَّابِئِينَ جمع صابىء، وهو من خرج ومال من دين الى دين.
مَنْ آمَنَ أي من صدق. ومن، فى موضع نصب بدل من الَّذِينَ.
فَلَهُمْ الفاء داخلة بسبب الإبهام الذي فى مَنْ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤)
٦٣- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
وَإِذْ أَخَذْنا هذه الآية تفسر معنى قوله تعالى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ.
الطُّورَ: اسم للجبل الذي كلم الله عليه عيسى عليه السّلام وأنزل عليه فيه التوراة دون غيره.
خُذُوا أي فقلنا: خذوا، فحذف.
ما آتَيْناكُمْ ما أعطيناكم.
بِقُوَّةٍ أي بجد واجتهاد، وقيل: بنية واخلاص. وقيل: القوة:
العمل بما فيه.
وقيل: بقوة، بكثرة درس.
وَاذْكُرُوا ما فِيهِ أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده، ولا تنسوه ولا تضيعوه.
٦٤- ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ:
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ التولي، الاعراض والأدبار عن الشيء بالجسم، ثم استعمل فى الاعراض عن الأوامر والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد البرهان، وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل.
فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فضل، مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف لا يجوز إظهاره، وإذا أريد إظهاره جىء بأن. والتقدير: فلولا فضل الله تدارككم.
وَرَحْمَتُهُ عطف على فَضْلُ أي لطفه وامهاله.
مِنَ الْخاسِرِينَ خبر لَكُنْتُمْ. والخسران: النقصان.
وقيل: فضله: قبول التوبة. ورحمته: العفو.
والفضل: الزيادة على ما وجب.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)
٦٥- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ:
عَلِمْتُمُ: عرفتم أعيانهم، وعلمتم أحكامهم، والفرق بينهما:
أن المعرفة متوجهة الى ذات المسمى. والعلم متوجه الى أحوال المسمى، وعلى الأول يتعدى الفعل الى مفعول واحد، وعلى الثاني يتعدى الفضل الى مفعولين.
الَّذِينَ اعْتَدَوْا صلة الَّذِينَ والاعتداء تجاوز الحد.
فِي السَّبْتِ أي فى يوم السبت، يعنى أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال.
قِرَدَةً خبر (كنتم).
خاسِئِينَ نعت، ويصح أن يكون خبرا ثانيا، أو حالا من الضمير فى كُونُوا. وخاسئين، أي مبعدين، أو صاغرين أو أذلاء.
٦٦- فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ:
فَجَعَلْناها أي العقوبة، وقيل: القرية. وقيل: الأمة التي مسخت.
نَكالًا نصب على المفعول الثاني. والنكال: الزجر والعقاب.
لِما بَيْنَ يَدَيْها أي لما بين يدى المسخة، يعنى ما قبلها من ذنوب القوم.
وَما خَلْفَها أي لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب.
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ عطف على نَكالًا.
والوعظ: التخويف والتذكير بالخير فيما يرق له القلب.
وخص (المتقين)، وان كانت موعظة للعالمين، لتفردهم بها عن الكافرين المعاندين.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨)
٦٧- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ:
أَنْ تَذْبَحُوا فى موضع نصب بالفعل يَأْمُرُكُمْ، أي بأن تذبحوا.
بَقَرَةً نصب بالفعل تَذْبَحُوا. وانما أمروا بذبح بقرة دون غيرها لأنها من جنس ما عبدوه من العجل، ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه.
قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً هذا جواب منهم لموسى عليه السّلام.
هُزُواً مفعول ثان، أي مما يستهزأ به ويسخر منه.
مِنَ الْجاهِلِينَ الجهل: عدم المعرفة.
٦٨- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ:
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ هذا تعنيت منهم وقلة طواعية.
وادع: اسأل.
يُبَيِّنْ مجزوم على جواب الأمر.
ما هِيَ ابتداء وخبر. وماهية الشيء: حقيقته وذاته التي هو عليها.
قالَ فى هذا دليل على جواز النسخ قبل وقت الفعل، لأنه لما
لا فارِضٌ الفارض: المسنة.
وَلا بِكْرٌ البكر: الأول من الأولاد.
عَوانٌ العوان من البقر: التي قد ولدت مرة بعد مرة.
بَيْنَ ذلِكَ أي لا هى صغيرة ولا هى مسنة.
فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ تجديد للأوامر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠)
٦٩- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ:
ما لَوْنُها ما، استفهامية، مبتدأ، ولونها، الخبر. ويجوز نصب لَوْنُها بالفعل يُبَيِّنْ وتكون (ما) زائدة.
واللون، واحد الألوان، وهو صيغة كالسواد والبياض والحمرة.
صَفْراءُ، أي صفراء اللون، من الصفرة المعروفة.
فاقِعٌ لَوْنُها أي خالص لونها الأصفر ليس معه ما يشوبه.
تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أي تعجب الناظرين.
٧٠- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ:
تَشابَهَ أي يشبه بعضه بعضا.
وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ استثناء منهم، وتقدير الكلام: وانا لمهتدون ان شاء الله، فقدم على ذكر الاهتداء اهتماما به.
وشاء، فى موضع جزم، فعل الشرط، وجوابه الجملة من (ان) وما حملت فيه، وقيل: الجواب محذوف.
[سورة البقرة (٢) : آية ٧١]
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)٧١- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ:
لا ذَلُولٌ بالرفع، نعت. وقرئت بالنصب على النفي، والخبر مضمر، ويجوز: لا هى ذلول، لا هى تسقى الحرث، هى مسلمة.
ولا ذلول، أي لم يذللها العمل، أي هى بقرة صعبة غير ريضة لم يذللها العمل.
تُثِيرُ الْأَرْضَ تثير، فى موضع رفع على الصفة، أي هى بقرة لا ذلول مثيرة.
وقيل: تثير، فعل مستأنف، والمعنى: إيجاب الحرث لها، وأنها كانت تحرث ولا تسقى، ويكون الوقف مع هذا القول على ذَلُولٌ.
وقيل: لا يجوز أن يكون تُثِيرُ مستأنفا، لأن بعده وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و (لا).
ثم انها لو كانت تثير الأرض لكانت الاثارة قد ذللتها، والله تعالى قد نفى عنها ذلك.
واثارة الأرض: تحريكها وبحثها وقبلها للزراعة.
وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ أي لا يسنى عليها لسقى الزرع ولا يسقى عليها.
مُسَلَّمَةٌ أي هى مسلمة، ويجوز أن يكون وصفا، أي إنها بقرة مسلمة من العيوب.
لا شِيَةَ فِيها أي ليس فيها لون يخالف معظم لونها. والشية مأخوذة من وشى الثوب، إذا نسج على لونين مختلفين.
قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي بينت الحق.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٢ الى ٧٤]
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)
٧٢- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ:
هذا الكلام مقدم على أول القصة، والتقدير: وإذ قتلتم نفسا فادرأتم فيها، فقال موسى: أن الله يأمركم بكذا.
فَادَّارَأْتُمْ: اختلفتم وتنازعتم.
وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ابتداء وخبر.
ما كُنْتُمْ فى موضع نصب بقوله مُخْرِجٌ ويجوز حذف التنوين على الاضافة.
تَكْتُمُونَ جملة فى موضع خبر (كان)، والعائد محذوف، تقديره:
تكتمونه.
٧٣- فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
بِبَعْضِها
أي بعضو من أعضائها أو بجزء منها.
كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
كما أحيا هذا بعد موته كذلك يحيى الله كل من مات، فالكاف فى كَذلِكَ
فى موضع نصب، لأنه نعت لمصدر محذوف.
وَيُرِيكُمْ آياتِهِ
أي علاماته وقدرته.
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
كى تعقلوا وتمتنعوا من عصيانه.
٧٤- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ القسوة: الصلابة والشدة واليبس، يعنى خلوها من الانابة والإذعان لآيات الله تعالى.
فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أو، بمعنى الواو، وقيل: بمعنى
بل هى على بابها من الشك ومعناها عندكم أيها المخاطبون وفى نظركم أن لو شاهدتم قسوتها لشككتم: أهى كالحجارة، أو أشد من الحجارة.
وقيل: انما أراد الله تعالى أن فيهم من قبله كالحجر، وفيهم من قلبه أشد من الحجر، أي هم فرقتان.
أَوْ أَشَدُّ مرفوع بالعطف على موضع الكاف فى قوله كَالْحِجارَةِ، لأن المعنى: فهى مثل الحجارة أو أشد.
ويجوز: أو أشد، بالفتح، عطف على كَالْحِجارَةِ.
قَسْوَةً نصب على التمييز.
يَشَّقَّقُ أصله: يتشقق، أدغمت التاء فى الشين.
وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فى لفظ الهبوط مجاز، وذلك أن القلوب لما كانت تعتبر بخلقها، وتخشع بالنظر إليها، أضيف تواضع الناظر إليها.
وقيل ان الضمير فى مِنْها راجع الى القلوب لا الى الحجارة، أي من القلوب لما يخضع من خشية الله.
بِغافِلٍ بغافل، فى موضع نصب، وقيل: فى موضع رفع، والباء توكيد.
عَمَّا تَعْمَلُونَ أي عن عملكم حتى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا يحصيها عليكم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٧٥]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
٧٥- أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ:
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ هذا استفهام فيه معنى الإنكار، كأنه أيأسهم من ايمان هذه الفرقة من اليهود، أي ان كفروا فلهم سابقة فى ذلك، والخطاب لأصحاب النبي، صلّى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأن الأنصار كان لهم حرص على اسلام اليهود، للحلف والجوار الذي كان بينهم.
يَسْمَعُونَ فى موضع نصب خبر كانَ.
كَلامَ اللَّهِ مفعول يَسْمَعُونَ ما عَقَلُوهُ أي عرفوه وعلموه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٦ الى ٧٨]
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)
٧٦- وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا هذا فى المنافقين.
فَتَحَ حكم.
لِيُحَاجُّوكُمْ، أي ليحتجوا عليكم بقولكم. وحاججت فلانا فحججته، أي غلبته بالحجة.
عِنْدَ رَبِّكُمْ قيل فى الآخرة. وقيل عند ذكر ربكم. وقيل: عند بمعنى: فى، أي ليحاجوكم به فى ربكم، فيكونوا أحق به منكم لظهور الحجة عليكم.
٧٧- أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ:
أَوَلا يَعْلَمُونَ استفهام معناه التوبيخ والتقريع.
ما يُسِرُّونَ أي ما يخفونه من كفر.
وَما يُعْلِنُونَ من الجحد به.
٧٨- وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ:
وَمِنْهُمْ أي من اليهود، وقيل من اليهود والمنافقين.
أُمِّيُّونَ لا يكتبون ولا يقرءون، واحدهم: أمي.
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ان بمعنى (ما) النافية. ويظنون: يكذبون، لأنهم لا علم لهم بصحة ما يتلون، وانما هم مقلدون لأحبارهم فيما يقرءون.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠)
٧٩- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ:
فَوَيْلٌ الويل: المشقة من العذاب، وشدة الشر، والحزن.
بِأَيْدِيهِمْ تأكيد.
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا يشير الى ما كانوا يغنمونه من مكاسب من وراء تغييرهم وتبديلهم، كانوا حريصين على ألا تذهب عنهم إذا لم يغيروا.
مِمَّا يَكْسِبُونَ من المعاصي.
٨٠- وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
وَقالُوا أي اليهود.
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً يعنى قول اليهود: ان الله لن يدخلهم النار الا أربعين يوما عدد عبادتهم العجل.
قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً أي أأسلفتم عملا صالحا فآمنتم وأطعتم فتستوجبون بذلك الخروج من النار، أو هل عرفتم بوحيه الذي عهده إليكم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨١ الى ٨٣]
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)
٨١- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
بَلى أي ليس الأمر كما ذكرتم، وهو قولهم: لن تمسنا النار.
سَيِّئَةً السيئة: الشرك.
وَأَحاطَتْ بِهِ شملته فليس له منها مخرج.
خَطِيئَتُهُ الخطيئة: الكبيرة.
٨٢- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
خالِدُونَ لا يرحونها أبدا.
٨٣- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ:
(الميثاق) : العهد.
لا تَعْبُدُونَ متعلق بقسم، والمعنى: وإذ استحلفناهم والله لا تعبدون.
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي وأمرناهم بالوالدين إحسانا. والإحسان الى الوالدين: معاشرتهما بالمعروف، والتواضع لهما، وامتثال أمرهما.
وَذِي الْقُرْبى القربى: القرابة، مصدر.
وَالْيَتامى جمع يتيم، واليتيم فى بنى آدم بفقد الأب.
وَالْمَساكِينِ وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم.
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً حسنا، نصب على المصدر على المعنى، لأن المعنى: ليحسن قولكم.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ الخطاب لبنى إسرائيل، وزكاتهم هى التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يتقبل ولا تنزل على ما لم يتقبل.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ الخطاب لمعاصرى محمد، صلّى الله عليه وآله وسلم. وأسند إليهم تولى أسلافهم، إذ هم كلهم بتلك السبيل فى اعراضهم عن الحق مثلهم.
إِلَّا قَلِيلًا قليلا، نصب على الاستثناء وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ابتداء وخبر. والاعراض والتولي واحد فخالف بينهما فى اللفظ.
وقيل: التولي بالجسم، والاعراض بالقلب. وأنتم معرضون، حال، لأن التولي فيه دلالة على الاعراض.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٤ الى ٨٥]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)
٨٤- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ:
لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ المراد بنو إسرائيل.
وَلا تُخْرِجُونَ معطوف.
أَقْرَرْتُمْ من الإقرار، أي بهذا الميثاق الذي أخذ عليكم وعلى أوائلكم.
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ من الشهادة، وهى الحضور.
٨٥- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
هؤُلاءِ التقدير: يا هؤلاء، وقيل: هؤلاء، بمعنى: الذين.
تَقْتُلُونَ داخل فى الصلة، أي ثم أنتم الذين تقتلون.
وقيل: هؤلاء، رفع بالابتداء، وأنتم خبر مقدم، وتقتلون، حال من: أولاء.
وقيل: هؤلاء، نصب بإضمار: أعنى.
تَظاهَرُونَ: تتعاونون.
وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى شرط، وجوابه: تفادوهم. وأسارى، نصب على الحال.
تُفادُوهُمْ من الفداء.
وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ هو، مبتدأ، وهو كناية عن الإخراج.
ومحرم، خبره وإخراجهم بدل من (هو).
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ابتداء وخبر. والخزي: الهوان.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧)
٨٦- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ:
أي جعلوا الحياة غايتهم، فكأنهم باعوا الآخرة.
٨٧- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ:
الْكِتابَ: التوراة.
وَقَفَّيْنا: أتبعنا.
الْبَيِّناتِ: الحجج والدلالات.
بِرُوحِ الْقُدُسِ: جبريل عليه السّلام.
اسْتَكْبَرْتُمْ عن اجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة.
فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ فريقا، منصوب بالفعل: كذبتم.
وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ فريقا، منصوب بالفعل: تقتلون، وممن قتلوه:
يحيى وزكريا، عليهما السلام.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٨ الى ٩٠]
وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)
٨٨- وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ:
وَقالُوا يعنى اليهود.
قُلُوبُنا غُلْفٌ غلف، أي عليها غشاوة.
بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ ثم بين السبب فى نفورهم عن الايمان انما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم، وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه.
وأصل اللعن: الطرد.
٨٩- وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ:
وَلَمَّا جاءَهُمْ يعنى اليهود.
كِتابٌ يعنى القرآن.
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ نعت لكتاب.
لِما مَعَهُمْ يعنى التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيهما.
وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ أي يستنصرون.
٩٠- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ:
بَغْياً حسدا.
فَباؤُ أي رجعوا، وأكثر ما يقال فى الشر.
بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ الغضب: عقابه تعالى. والغضب الأول، لعبادتهم العجل، والغضب الثاني لكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
مُهِينٌ مأخوذ من الهوان، وهو ما اقتضى الخلود فى النار دائما.
[سورة البقرة (٢) : آية ٩١]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)
٩١- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
آمِنُوا: صدقوا.
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ يعنى القرآن.
نُؤْمِنُ أي نصدق.
بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعنى التوراة.
بِما وَراءَهُ أي بما سواه.
وَهُوَ الْحَقُّ ابتداء وخبر.
مُصَدِّقاً حال مؤكدة.
لِما مَعَهُمْ ما، فى موضع خفض باللام. ومعهم، صلتها.
قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ رد من الله تعالى عليهم فى قولهم: إنهم آمنوا بما أنزل عليهم، وتكذيب منه لهم وتوبيخ. والمعنى:
فكيف قتلتم وقد نهيتم عن ذلك.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي ان كنتم معتقدين الايمان فلم رضيتم بقتل الأنبياء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٢ الى ٩٤]
وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤)٩٢- وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ:
وَلَقَدْ اللام لام القسم.
بِالْبَيِّناتِ قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ توبيخ. وثم أبلغ من الواو فى التقريع، أي بعد النظر فى الآيات والإتيان بها اتخذتم، وهذا يدل على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر فى الآيات، وذلك أعظم لجرمهم.
٩٣- إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
اسْمَعُوا: أطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط، وانما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه.
قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا يحتمل أنهم صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا، كما يحتمل أن يكونوا فعلوا فعلا قام مقام القول، فيكون مجازا.
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي حب العجل، والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل فى قلوبهم.
قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ أي ايمانكم الذي زعمتم فى قولكم:
نؤمن بما أنزل علينا.
٩٤- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
أكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فيما ادعوه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٥ الى ٩٧]
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦) قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)
٩٥- وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ:
أَبَداً: ظرف زمان يقع على القليل والكثير، وهو هنا من أول العمر الى الموت.
بِما ما، بمعنى: الذي، والعائد محذوف، والتقدير: قدمته، وقد تكون مصدرية فلا تحتاج الى عائد.
أَيْدِيهِمْ فى موضع رفع.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ابتداء وخبر.
٩٦- وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ:
وَلَتَجِدَنَّهُمْ يعنى اليهود.
يَوَدُّ يتمنى.
وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ التقدير: ما أحدهم بمزحزحه. والزحزحة:
الابعاد والتنحية.
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي بما يعمل هؤلاء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة.
٩٧-
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ:
سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبى صلّى الله عليه وآله وسلم: انه ليس نبى من الأنبياء الا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحى، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال: جبريل.
ميكائيل الذين ينزل بالقطر والرحمة تابعناك. فأنزل الله الآية.
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ الضمير فى (انه) يحتمل معنيين:
الأول: فان الله نزل جبرئيل على قلبك.
الثاني: فان جبريل نزل بالقرآن على قلبك.
وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقى المعارف.
بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته وعلمه.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يعنى التوراة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩)
٩٨- مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ:
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ شرط، وجوابه فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ.
٩٩-
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ:
هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: يا محمد ما جئتنا بشىء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها، فأنزل هذه الآية.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٠]
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠)
١٠٠- أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
أَوَكُلَّما الواو واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام. وقيل:
الواو زائدة، وقيل: انها (أو) حركت الواو منها تسهيلا.
وقرئت ساكنة الواو، فتكون بمعنى: بل.
كُلَّما نصب على الظرف.
عاهَدُوا عَهْداً أخذوا على أنفسهم عهدا. يشير الى ما كان بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود من عهود.
نَبَذَهُ النبذ: الطرح والإلقاء.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ ابتداء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)
١٠١- وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
مُصَدِّقٌ نعت، ويجوز نصبه على الحال.
نَبَذَ جواب لَمَّا.
كِتابَ اللَّهِ نصب بالفعل نَبَذَ. والمراد: التوراة، لأن كفرهم بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلم وتكذيبهم له انتباذ لها، وأخذوا بغيره مما سيجيئ ذكره فى الآية الآتية.
ويجوز أن يعنى به القرآن.
كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ تشبيه بمن لا يعلم، إذ فعلوا فعل الجاهل.
١٠٢- وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ:
وَاتَّبَعُوا هذا اخبار من الله تعالى عن الطائفة الذين نبذوا الكتاب.
ويروى أن اليهود عارضت محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم بالتوراة، فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوها وأخذوا بكتاب آصف وبسحر هاروت وماروت.
وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ تبرئة من الله لسليمان.
وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا بتعليمهم الناس السحر.
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ السحر: هو ما يتراءى للعين من تمويه تخال به الأشياء على غير حقيقتها.
وفى الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت.
بِبابِلَ لا تنصرف، للتأنيث والعجمة، وهى العراق وما والاه.
هارُوتَ وَمارُوتَ بدل من الشياطين فى قوله وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. وجاز أن يبدل الاثنان من الجمع، لأن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع ثم انهما لما كانا الرأس فى التعليم فهى عليهما دون أتباعهما.
وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ من، زائدة للتوكيد، والتقدير: وما يعلمان أحدا.
حَتَّى يَقُولا نصب الفعل بالحرف حَتَّى.
إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فتنة، أي محنة وابتلاء.
فَلا تَكْفُرْ ايمانا منهما بأن ما يأتيانه باطل، ويكون هذا منهما على سبيل الاستهزاء بمن قد تحقق ضلاله.
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما التقدير يتعلمون منهما، وهو معطوف على موضع ما يُعَلِّمانِ لأن وَما يُعَلِّمانِ وان دخلت عليه (ما) النافية فمضمنة الإيجاب فى التعليم.
وقيل: هى مردودة على قوله يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فيتعلمون، ويكون فَيَتَعَلَّمُونَ متصلة بقوله إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فيأتون فيتعلمون.
وَما هُمْ اشارة الى السحرة.
بِضارِّينَ بِهِ أي بالسحر.
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته وقضائه لا بأمره، لأنه تعالى لا يأمر بالفحشاء ويقضى على الخلق بها.
وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ يريد فى الآخرة، وان أخذوا به نفعا قليلا فى الدنيا.
وقيل: فى الدنيا، لأنه سرعان ما ينكشف زيفه.
وَلَقَدْ عَلِمُوا لام التوكيد.
لَمَنِ اشْتَراهُ لام يمين، وهى للتوكيد أيضا. وموضع (من) رفع بالابتداء، لأنه لا يعمل ما قبل اللام فيما بعدها. و (من) بمعنى الذي.
مِنْ خَلاقٍ من، زائدة، والتقدير: ما له فى الآخرة خلاق.
والخلاق: النصيب ولا يكاد يستعمل الا فى الخير.
شَرَوْا: باعوا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)
١٠٣- وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ:
وَلَوْ أَنَّهُمْ أن، فى موضع رفع، أي لو وقع ايمانهم، لأن (لو) لا يليها الا الفعل ظاهرا أو مضمرا، لأنها بمنزلة حرف الشرط إذ كان لا بد له من جواب. و (أن) يليه فعل.
وَاتَّقَوْا أي اتقوا السحر واطرحوه.
لَمَثُوبَةٌ المثوبة: الثواب، وهى جواب وَلَوْ أَنَّهُمْ.
١٠٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ.
لا تَقُولُوا نهى يقتضى التحريم.
رعاك الله، أي: احفظنا لنحفظك وارقبنا لنرقبك.
ويجوز أن يكون من: أرعنا سمعك، أي فرغ سمعك لكلامنا.
وفى المخاطبة بهذا جفاء، فأمر المؤمنين أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أرقها.
وَقُولُوا انْظُرْنا أي أقبل علينا وانظر إلينا، فحذف حرف التعدية.
وقرىء: أنظرنا، بقطع الألف وكسر الظاء، بمعنى: أمهلنا وأخرنا حتى نفهم عنك.
وهذه وتلك مما تقتضى الإجلال.
وَاسْمَعُوا حض على السمع الذي فى ضمنه الطاعة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)
١٠٥- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ:
ما يَوَدُّ ما يتمنى.
وَلَا الْمُشْرِكِينَ معطوف على أهل الكتاب.
أَنْ يُنَزَّلَ فى موضع نصب، أي بأن ينزل.
مِنْ خَيْرٍ من، زائدة. وخير، اسم ما لم يسم فاعله.
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ أي بنبوته. وقيل: الرحمة: القرآن، وقيل:
هى عامة.
ذُو الْفَضْلِ أي صاحب الفضل.
١٠٦- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
ما نَنْسَخْ النسخ، هنا، بمعنى الابطال والازالة واقامة آخر مقامه.
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها بخير، صفة تفضيل، والمعنى: بأنفع لكم أيها الناس فى عاجل، ان كانت الناسخة أخف، وفى آجل ان كانت أثقل، وبمثلها ان كانت مستوية.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨)
١٠٧- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ:
أَلَمْ تَعْلَمْ جزم بالحرف (لم)، وحروف الاستفهام لا تغير عمل العامل.
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي بالإيجاد والاختراع، والملك والسلطان، ونفوذ الأمر والارادة. وارتفع مُلْكُ بالابتداء، والخبر لَهُ، والجملة خبر أَنَّ، والخطاب للنبى صلّى الله عليه وآله وسلم، والمراد أمته، لقوله بعد ما لَكُمْ.
مِنْ دُونِ اللَّهِ: سوى الله.
وَلا نَصِيرٍ بالرفع عطفا على الموضع، لأن المعنى، ما لكم من دون الله ولى ولا نصير.
١٠٨- أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ:
أَمْ تُرِيدُونَ أم، هنا، منقطعة بمعنى: بل، أي: بل تريدون.
ومعنى الكلام: التوبيخ.
أَنْ تَسْئَلُوا فى موضع نصب بالفعل تُرِيدُونَ.
كَما سُئِلَ الكاف، فى موضع نصب نعت لمصدر، أي سؤالا كما.
مُوسى فى موضع رفع على ما لم يسم فاعله.
مِنْ قَبْلُ سؤالهم إياه أن يريهم الله جهرة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٩ الى ١١١]
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠) وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١)١٠٩- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
وَدَّ: تمنى.
كُفَّاراً مفعول ثان للفعل يَرُدُّونَكُمْ.
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ متعلق بالفعل وَدَّ، وقيل بقوله حَسَداً، فالوقف على قوله: كُفَّاراً. والمعنى: من عند تلقائهم من غير أن يجدوه فى كتاب ولا أمروا به.
حَسَداً مفعول له، أي ودوا ذلك للحسد، أو مصدر دل ما قبله على الفعل.
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ أي من بعد ما تبين الحق لهم، وهو محمد صلّى الله عليه وآله وسلم والقرآن الذي جاء به.
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا العفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح:
ازالة أثره من النفس.
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ يعنى قتل قريظة وجلاء بنى النضير.
١١٠- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
وَما تُقَدِّمُوا أي ما تخلفوا.
١١١- وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
أي قالت اليهود: لن يدخل الجنة الا من كان يهوديا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة الا من كان نصرانيا.
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي قدموا حجتكم ودليلكم.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي فى قولكم أنكم تدخلون الجنة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٢ الى ١١٤]
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤)١١٢- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
بَلى ردا عليهم وتكذيبا لهم، أي ليس كما تقولون.
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ استسلم وخضع، وقيل: أخلص عمله. وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى الإنسان، والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء. ويصح أن يكون (الوجه) فى هذه الآية: المقصد.
وَهُوَ مُحْسِنٌ جملة فى موضع الحال.
فَلَهُ الضمير يعود على لفظ مَنْ.
أَجْرُهُ الضمير يعود على لفظ مَنْ.
عَلَيْهِمْ الضمير يعود على معنى مَنْ.
يَحْزَنُونَ الضمير يعود على معنى مَنْ.
١١٣- وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ:
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ يعنى التوراة والإنجيل، والجملة فى موضع الحال.
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هم كفار العرب.
١١٤- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ:
وَمَنْ من، رفع بالابتداء.
أَظْلَمُ خبر المبتدأ مَنْ.
والمعنى: لا أحد أظلم.
ويجوز أن يكون: كراهية أن يذكر، ثم حذف.
ويجوز أن يكون التقدير: من أن يذكر، وحرف الخفض يحذف مع أَنْ لطول الكلام.
فِي خَرابِها بتعطيل المساجد عن الصلاة أو هدمها.
أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها أولئك، مبتدأ، وما بعده خبره.
إِلَّا خائِفِينَ حال.
يعنى إذا استولى عليها المسلمون فلا يمكن الكافر حينئذ من دخولها، فان دخلوها فعلى خوف. وفى هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال.
لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ما ينالهم من انكسار يعز الإسلام.
[سورة البقرة (٢) : آية ١١٥]
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)
١١٥- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ:
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ المشرق: موضع الشروق. والمغرب:
موضع الغروب. أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات بالإيجاد والاختراع، وخصهما بالذكر والاضافة اليه تشريفا.
فَأَيْنَما تُوَلُّوا شرط. و (ما) زائدة. والجواب: فثم وجه الله. وتولوا، أي تتولوا، أي تتجهوا.
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ثم، فى موضع نصب على الظرف، ومعناها: البعد، مبنية غير معربة، لأنها مبهمة.
وقيل: المراد: فثم الله، والوجه، صلة.
إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ أي يوسع على عباده فى دينهم ولا يكلفهم ما ليس فى وسعهم.
وقيل: واسع المغفرة لا يتعاظمه ذنب.
وقيل: متفضل على عباده وغنى عن أعمالهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٦ الى ١١٧]
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)
١١٦- وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ:
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً اخبار من النصارى فى قولهم: المسيح ابن الله.
وقيل: عن اليهود فى قولهم: عزيز ابن الله.
وقيل: عن كفرة العرب فى قولهم: الملائكة بنات الله.
سُبْحانَهُ منصوب على المصدر، ومعناه التبرئة والتنزيه والمحاشاة من قولهم: اتخذ الله ولدا.
بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ما، رفع بالابتداء. والخبر فى المجرور، أي كل ذلك له ملك بالإيجاد.
كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ابتداء وخبر، والتقدير: كلهم.
قانِتُونَ: مطيعون خاضعون.
١١٧- بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فعيل للمبالغة، وارتفع على خبر ابتداء محذوف.
وبديع السماوات والأرض، أي منشئها وموجدها على غير حد ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق اليه، قيل له: مبدع.
وَإِذا قَضى أَمْراً أي إذا أراد أحكامه وإتمامه، كما سبق فى علمه، أي إذا أراد خلق شىء.
فَيَكُونُ أي فهو يكون، أو فإنه يكون، أي يوجد لوفق أمره ومشيئته.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٨ الى ١٢٠]
وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠)
١١٨- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ:
وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هم اليهود. وقيل النصارى: مشركو العرب.
لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ لولا، بمعنى: هلا، تحضيض.
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: الأمم السالفة.
تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ فى التعنيت والاقتراح، أو فى اتفاقهم على الكفر.
١١٩- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ:
بَشِيراً نصب على الحال.
وَنَذِيراً عطف عليه.
وَلا تُسْئَلُ بالرفع، ويكون فى موضع الحال بعطفه على بَشِيراً وَنَذِيراً. والمعنى: انا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسئول، ولا تكون مؤاخذا بكفر من يكفر بعد التبشير والانذار.
١٢٠- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ:
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.
أي انه ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا بل لو أتيتهم ما يسألونه لم يرضوا عنه. وانما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام واتباعهم.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ الأهواء، جمع هوى، وهو ما تميل اليه النفس.
مِنَ الْعِلْمِ أي القرآن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢١ الى ١٢٣]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)
١٢١- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ هم أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم. والكتاب، هو القرآن. والذين، رفع بالابتداء، وآتيناهم، صلته.
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ يتلونه، خبر الابتداء، أي يتبعونه حق اتباعه، باتباع الأمر والنهى، فيحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويعملون بما تضمنه.
١٢٢- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ آمنوا.
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ واذكروا نعمتى العظيمة.
الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ التي أنعمت بها عليكم بإخراجكم من ظلم فرعون وإغراقه، وإعطائكم المن والسلوى، وغير ذلك مما شرفتكم به.
وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ وقتا من الزمان على الناس فى جعل مصدر النبوات منكم.
١٢٣- وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ:
وَاتَّقُوا يَوْماً وخافوا عقاب الله فى يوم.
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً لا تدفع فيه نفس عن نفس شيئا.
وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ ولا يقبل منها نداء.
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ولا يجد الكافرون نصيرا لهم من دون الله.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٤ الى ١٢٥]
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)
١٢٤- وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ:
بِكَلِماتٍ أي الوظائف التي كلفها ابراهيم عليه السلام، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به.
إِماماً الامام: القدوة. والمعنى: جعلناك للناس اماما يأتمون بك.
وَمِنْ ذُرِّيَّتِي دعاء، أي من ذريتى يا رب فاجعل.
وقيل: هذا منه على جهة الاستفهام عنهم أي ومن ذريتى يا رب ماذا يكون؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصيا وظالما لا يستحق الامامة.
لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ العهد، أي النبوة، وقيل: الايمان.
١٢٥- وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ:
وَإِذْ جَعَلْنَا: وإذ صيرنا، والتعدية إلى مفعولين.
الْبَيْتَ: الكعبة.
مَثابَةً: مرجعا.
وَأَمْناً تأكيد للأمر باستقبال الكعبة، ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار عليه.
وَاتَّخِذُوا بالرفع على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعى ابراهيم، وهو معطوف على جَعَلْنَا أي جعلنا البيت مثابة واتخذوه مصلى.
وقرىء وَاتَّخِذُوا على صيغة الأمر، قطعوه من الأول وجعلوه معطوفا جملة على جملة.
مِنْ مَقامِ المقام: موضع القدمين.
أَنْ طَهِّرا أن، فى موضع نصب، على تقدير حذف الخافض.
وقيل: انها بمعنى: أي، فلا موضع لها من الاعراب.
طَهِّرا من الأوثان، أو من الآفات والريب، أو من الكفار.
بَيْتِيَ أضاف البيت الى نفسه اضافة تشريف وتكريم.
لِلطَّائِفِينَ الذين يطوفون بالبيت.
وَالْعاكِفِينَ: المجاورين أو الجالسين بغير طواف.
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ أي المصلين عند الكعبة، وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلى الى الله تعالى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٨]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)
١٢٦- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:
بَلَداً آمِناً يعنى مكة.
مَنْ آمَنَ بدل من (أهل) بدل البعض من الكل. والايمان:
التصديق.
وَمَنْ كَفَرَ من، فى موضع رفع بالابتداء، وهى شرط، والخبر فَأُمَتِّعُهُ وهو الجواب.
١٢٧- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
الْقَواعِدَ: أساس البيت.
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا أي: ويقولان: ربنا، فحذف.
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ اسمان من أسماء الله تعالى.
١٢٨- رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:
مُسْلِمَيْنِ مفعول ثان.
سألا التثبيت والدوام.
والإسلام، هنا، الايمان والأعمال جميعا.
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ أي: ومن ذريتنا فاجعل.
وَأَرِنا مَناسِكَنا أرنا، من رؤية البصر، فتعدى الى مفعولين.
والنسك: العبادة. والمناسك: المتعبدات، وكل ما يتعبد به الى الله تعالى فهو منسك.
وَتُبْ عَلَيْنا طلبا التثبيت والدوام.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٠]
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠)
١٢٩- رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يعنى محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ الكتاب: القرآن. والحكمة: المعرفة بالدين.
وَيُزَكِّيهِمْ أي يطهرهم من وضر الشرك.
الْعَزِيزُ: المنيع الذي لا ينال ولا يغالب.
١٣٠- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ:
وَمَنْ يَرْغَبُ استفهام فى موضع رفع بالابتداء. ويرغب، صلة مَنْ.
إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ فى موضع الخبر، وهو تقريع وتوبيخ وقع فيه معنى النفي، أي وما يرغب. وسفه: جهل، أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها. وقيل: أهلك نفسه.
وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ أي اخترناه للرسالة فجعلناه صافيا من الأدناس.
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ الصالح فى الآخرة: هو الفائز.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣١ الى ١٣٤]
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)١٣١- إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ:
إِذْ العامل فيها قوله (اصطفينا) أي اصطفيناه إذ قال له ربه أسلم.
١٣٢- وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ:
بِها أي بالملة، وقيل: بالكلمة التي هى قوله أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ.
يا بَنِيَّ معناه: أن يا بنى.
إِنَّ اللَّهَ كسرت (ان) لأن (أوصى) وقال، واحد، على إضمار القول.
اصْطَفى: اختار.
لَكُمُ الدِّينَ أي الإسلام.
فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إيجاز بليغ، والمعنى: الزموا الإسلام وداوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا.
١٣٣- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
شُهَداءَ خبر (كان) ولم يصرف لأن فيه ألف التأنيث، ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل الهاء. والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون الى ابراهيم ما لم يوص به بنيه، وأنهم على اليهودية والنصرانية، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم، وقال لهم على جهة التوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم ما أوصى به فتدعون عن علم، أي لم تشهدوا بل أنتم مفترون.
وأم، بمعنى: بل.
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ابتداء وخبر.
١٣٤- تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ:
لَها ما كَسَبَتْ ما، فى موضع رفع بالابتداء.
وَلا تُسْئَلُونَ أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٦]
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)
١٣٥- وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
وَقالُوا دعت كل فرقة الى ما هى عليه، فرد الله تعالى ذلك عليهم فقال:
بَلْ مِلَّةَ أي: قل يا محمد بل نتبع ملة، فلهذا نصب.
وقيل: المعنى: بل نهتدى بملة ابراهيم، فلما حذف حرف الجر صار منصوبا.
وقرىء (بل ملة) بالرفع، والتقدير: بل الهدى ملة.
حَنِيفاً أي مائلا عن الأديان المكروهة الى الحق دين ابراهيم، وهو فى موضع نصب على الحال.
١٣٦- قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ:
قُولُوا الخطاب لهذه الأمة.
وَالْأَسْباطِ: ولد يعقوب عليه السلام، وهم اثنا عشر ولدا، لكل واحد منهم أمة من الناس، واحدهم: سبط. والسبط فى بنى إسرائيل بمنزلة القبيلة فى ولد إسماعيل. وسموا الأسباط من السبط، وهو التتابع.
لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض، كما فعلت اليهود والنصارى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٧ الى ١٣٩]
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩)١٣٧- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ الخطاب لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم وأمته، أي فان آمنوا مثل ايمانكم، وصدقوا مثل تصديقكم، فقد اهتدوا، فالمماثلة وقعت بين الايمانين.
وقيل: ان الباء فى بِمِثْلِ زائدة مؤكدة.
وَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن الايمان.
فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ الشقاق: المنازعة والمجادلة، والمخالفة والتمادي.
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ أي فسيكفى الله رسوله عدوه ممن عانده وخالفه.
والكاف والهاء والميم فى موضع نصب مفعولان.
السَّمِيعُ لقول كل قائل.
الْعَلِيمُ بما ينفذه فى عباده ويجريه عليهم.
١٣٨- صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ:
صِبْغَةَ اللَّهِ منصوبة على تقدير: اتبعوا، أو على الإغراء، أي الزموا.
وذلك أن النصارى كان إذا ولد لهم ولد، فأتى عليه سبعة أيام غمسوه فى ماء لهم يقال له: ماء المعمودية، فصبغوه بذلك ليطهروه به، فاذا فعلوا ذلك قالوا: الآن صار نصرانيا حقا. فرد الله تعالى ذلك عليهم بأن قال صِبْغَةَ اللَّهِ، أي صبغة الله، وهى الإسلام، أحسن صبغة.
وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ ابتداء وخبر.
١٣٩- قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ:
قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ كانت المحاجة أن قالوا: نحن أولى بالله منكم، لأنا أبناء الله وأحباؤه، ولقدم كتبهم وآبائهم.
ومعنى فِي اللَّهِ أي فى دينه والقرب منه والحظوة عنده.
وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أي مخلصون العبادة، وفيه معنى التوبيخ، أي ولم تخلصوا أنتم، فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم.
والإخلاص: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٠ الى ١٤١]
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)
١٤٠- أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ:
أَمْ تَقُولُونَ أي أتحاجوننا فى الله أم تقولون ان الأنبياء كانوا على دينكم، وأم، هنا، المتصلة.
وقيل: تقولون، بمعنى: قالوا، وتكون أَمْ هنا المنقطعة.
هُوداً خبر (كان).
قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ تقرير وتوبيخ فى ادعائهم بأنهم كانوا هودا أو نصارى، فرد الله عليهم بأنه أعلم بهم منكم، أي لم يكونوا هودا ولا نصارى.
وَمَنْ أَظْلَمُ لفظه الاستفهام، والمعنى: لا أحد أظلم.
مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً يريد علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وعيد واعلام بأنه لم يترك أمرهم سدى، وأنه يجازيهم على أعمالهم.
١٤١- تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٣]
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)
١٤٢- سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ سيقول، بمعنى (قال) جعل المستقبل موضع الماضي، دلالة على استدامة ذلك وأنهم يستمرون على ذلك القول.
والسفهاء، جمع، واحده: سفيه، وهو الخفيف العقل. ويعنى اليهود والنصارى. وقيل: كفار قريش لما أنكروا تحويل القبلة.
ما وَلَّاهُمْ أي ما صرفهم.
عَنْ قِبْلَتِهِمُ عن اتخاذهم بيت المقدس قبلة يستقبلونها فى صلاتهم، وانصرافهم الى استقبال الكعبة بمكة.
قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ اقامه حجة، أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما، فله أن يأمر بالتوجه الى أي جهة شاء.
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ اشارة الى هداية الله تعالى هذه الأمة الى قبلة ابراهيم.
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الصراط: الطريق. والمستقيم الذي لا اعوجاج له.
١٤٣- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ:
لِتَكُونُوا، نصب بلام (كى)، أي لأن تكونوا.
شُهَداءَ خبر (كان).
عَلَى النَّاسِ أي فى المحشر للأنبياء على أممهم.
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً أي بأعمالكم يوم القيامة.
وقيل عَلَيْكُمْ بمعنى: لكم، أي يشهد لكم بالايمان.
وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها أي القبلة الأولى، لقوله كُنْتَ عَلَيْها.
وقيل: الكاف زائدة، ويكون المراد الثانية، أي التي أنت الآن عليها.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ لنعلم: لنرى، والعرب تضع العلم مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم.
وقيل: المعنى: إلا لتعلموا أنا نعلم.
ويتبع الرسول: أي فيما أمر به من استقبال الكعبة.
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أي ممن يرتد عن دينه.
وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً ان واللام بمعنى (ما) و (الا).
وقيل: هى (ان) الثقيلة خففت.
أي: وان كان القبلة، أو التحويلة، لكبيرة.
إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي خلق الهدى الذي هو الايمان فى قلوبهم.
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ نزلت فيمن مات وهو يصلى الى بيت المقدس.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)
١٤٤- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ:
هذه الآية مقدمة فى النزول على قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ.
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ أي تحول وجهك الى السماء.
وخص السماء بالذكر إذ هى مختصة بتعظيم ما أضيف إليها.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا صلى نحو بيت المقدس رفع رأسه الى السماء ينظر ما يؤمر به، وكان يحب أن يصلى الى الكعبة.
تَرْضاها تحبها.
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الشطر: الناحية. والمسجد الحرام، يعنى الكعبة.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يريد اليهود والنصارى.
لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعنى تحويل القبلة من بيت المقدس.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ اعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها.
١٤٥- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ:
وَلَئِنْ تطلب الاستقبال، وأجيبت بجواب (لو) لأن المعنى:
ولو أتيت، وكذا تجاب (لو) بجواب لَئِنْ.
وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ لفظ خبر ويتضمن الأمر، أي فلا تركن الى شىء من ذلك.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ الخطاب للنبى صلّى الله عليه وآله وسلم، والمراد أمته ممن يجوز أن يتبع هواه فيصير باتباعه هواه ظالما، وليس يجوز أن يفعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ما يكون به ظالما.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٦ الى ١٤٨]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)
١٤٦- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ:
الَّذِينَ فى موضع رفع بالابتداء، والخبر جملة يَعْرِفُونَهُ.
ويصح أن يكون فى موضع خفض على الصفة لقوله الظَّالِمِينَ وتكون جملة يَعْرِفُونَهُ فى موضع الحال، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته، والضمير عائد على محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
أَبْناءَهُمْ خص الأبناء فى المعرفة بالذكر دون الأنفس، وإن كانت ألصق، لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه.
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يعنى محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم. وقيل: استقبال الكعبة.
وَهُمْ يَعْلَمُونَ ظاهر فى صحة الكفر عنادا.
١٤٧- الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ:
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ يعنى استقبال الكعبة لا ما أخبرك به اليهود من قبلتهم.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ أي من الشاكين، والخطاب للنبى، صلّى الله عليه وآله وسلم، والمراد أمته.
١٤٨- لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الوجهة: الجهة، والمراد: القبلة، أي لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ولكل وجهة، اما بحق واما بهوى.
َ مُوَلِّيها
هو، عائد على لفظ (كل) لا على معناه. أي موليها وجهه.
سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
أي الى الخيرات، فحذف الحرف، أي بادروا الى ما أمركم الله عز وجل من استقبال البيت الحرام، وان كان يتضمن الحث على المبادرة والاستعجال الى جميع الطاعات بالعموم.
ْنَ ما تَكُونُوا
شرط.
ْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
جواب الشرط، يعنى يوم القيامة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)
١٤٩- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ يعنى وجوب الاستقبال فى الأسفار.
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أمر باستقبال الكعبة.
١٥٠- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ:
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ تأكيد للأمر باستقبال الكعبة والاهتمام بها لأن موقع التحويل كان صعبا فى نفوسهم، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام فيخفف عليهم وتسكن نفوسهم اليه.
وقيل أراد بالأول: ول وجهك شطر الكعبة، أي غايتها إذا صليت تلقاءها.
وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ معاشر المسلمون فى سائر المساجد فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.
وَاخْشَوْنِي الخشية: طمأنينة فى القلب تثبت على المتوقى.
وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ معطوف على لِئَلَّا يَكُونَ أي: ولأن أتم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥١ الى ١٥٣]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣)
١٥١- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ:
كَما أَرْسَلْنا الكاف، فى موضع نصب على النعت لمصدر محذوف، والمعنى: ولأتم نعمتى عليكم إتماما مثل ما أرسلنا.
١٥٢- فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ أمر وجوابه، وفيه معنى المجازاة، ولذلك جزم.
وأصل الذكر: التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له، وسمى الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه لما كثر اطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم. والمعنى: اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة.
وَاشْكُرُوا لِي الشكر: معرفة الإحسان والتحدث به.
وَلا تَكْفُرُونِ نهى، ولذلك حذفت منه نون الجماعة، وهذه نون المتكلم. وحذفت الياء، لأنها رأس آية.
١٥٣- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ:
اسْتَعِينُوا فى كل ما تأتون وما تذأرون.
بِالصَّبْرِ على الأمور الشاقة.
وَالصَّلاةِ التي هى أم العبادات.
مَعَ الصَّابِرِينَ فهو وليهم وناصرهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٧]
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
١٥٤- وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ:
أَمْواتٌ ارتفع على إضمار مبتدأ.
بَلْ أَحْياءٌ أي بل هم أحياء.
١٥٥- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ البلاء: المحنة.
بِشَيْءٍ لفظ مفرد، ومعناه الجمع.
مِنَ الْخَوْفِ أي خوف العدو والفزع فى القتال.
وَالْجُوعِ من المجاعة بالجدب والقحط.
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ بسبب الاشتغال بقتال الكفار.
وَالْأَنْفُسِ بالقتل والموت فى الجهاد.
الثَّمَراتِ أي موت الأولاد، فالولد ثمرة قلب الرجل.
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالثواب على الصبر.
١٥٦- الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ:
مُصِيبَةٌ المصيبة: كل ما يؤذى المؤمن ويصيبه.
قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ جعل الله هذه الكلمات ملجأ لذوى المصائب، وعصمة للممتحنين.
١٥٧- أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ:
وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه فى الدنيا والآخرة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٨ الى ١٥٩]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩)
١٥٨- إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ:
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ الصفا والمروة: جبلان بمكة يكون بينهما السعى فى الحج.
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي من معالمه ومواضع عباداته، الواحدة:
شعيرة.
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أي قصد.
أَوِ اعْتَمَرَ أي زار. والعمرة: الزيارة.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أي فلا اثم عليه.
أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أن يسعى بينهما.
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً التطوع: ما يأتيه المؤمن من قبل نفسه، فمن أتى بشىء من النوافل فالله يشكر.
١٥٩- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ:
مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى يعم المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع.
مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ الكناية فى بَيَّنَّاهُ ترجع الى ما أنزل من البينات والهدى.
فِي الْكِتابِ اسم جنس، والمراد جميع الكتب المنزلة.
أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه. وأصل اللعن فى اللغة: الطرد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٠ الى ١٦٣]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)
١٦٠- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا استثنى الله تعالى التائبين الصالحين لأعمالهم وأقوالهم المنيبين لتوبتهم.
وَبَيَّنُوا أي بينوا خلاف ما كانوا عليه.
١٦١- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ:
وَهُمْ كُفَّارٌ الواو واو الحال.
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ أي ابعادهم من رحمته.
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وقرىء (والملائكة والناس أجمعون) بالرفع، وتأويلها:
(أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله ويلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون).
١٦٢- خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ:
خالِدِينَ فِيها أي فى اللعنة، أي فى جزائها، وخلودهم فى اللعنة أنها مؤبدة عليهم. وخالدين نصب على الحال من الهاء والميم فى عَلَيْهِمْ والعامل فيه الظرف من قوله عَلَيْهِمْ لأن فيه معنى استقرار اللعنة.
وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لا يؤخرون عن العذاب وقتا من الأوقات.
١٦٣- وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ:
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لما حذر تعالى من كتمان الحق بين أن أول ما يجب إظهاره، ولا يجوز كتمانه، أمر التوحيد.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٤]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)
١٦٤- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كأنهم طلبوا الدليل على وحدانية الله فنزلت هذه الآية، أي ان هذا العالم والبناء العجيب لا بد له من بان وصانع.
وجمع السماوات لأنها أجناس مختلفة كل سماء جنس من غير جنس الأخرى.
وآية السماء، ارتفاعها بغير عمد من تحتها. وآية الأرض بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها ووعرها.
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بإقبال أحدهما وادبار الآخر.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ الفلك: السفن، وافراده وجمعه بلفظ واحد، ويذكر ويؤنث. يعنى تسخير الله إياها حتى تجرى على وجه الماء ووقوفها فوقه مع ثقلها.
بِما يَنْفَعُ النَّاسَ أي بالذي ينفعهم من التجارات وسائر المآرب التي تصلح بها أحوالهم.
وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ أي الأمطار التي بها انعاش العالم وإخراج النبات.
وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أي فرق ونشر. ودابة تجمع الحيوان كله.
وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي إرسالها عقيما وملقحا، وحارة وباردة، ولينة وعاصفة.
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ المسخر: المذلل.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٥ الى ١٦٧]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)
١٦٥- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ:
أَنْداداً جمع ند. والمراد الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها كعبادة الله مع عجزها.
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أي يحبون أصنامهم على الباطل كحب المؤمنين لله على الحق.
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ لأن الله تعالى أحبهم أولا ثم أحبوه، ومن شهد له محبوبه بالمحبة كانت محبته أتم.
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أي لو يرى الذين ظلموا فى الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعا.
١٦٦- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ:
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا من السادة والرؤساء، تبرءوا ممن اتبعهم على الكفر.
وَرَأَوُا الْعَذابَ يعنى التابعين والمتبوعين عند العرض والمساءلة فى الآخرة.
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ أي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها فى الدنيا من رحم وغيره.
١٦٧- وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ:
لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً أن، فى موضع رفع، أي لو ثبت أن لنا رجعة وعودة.
كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أي تبرءا، فالكاف فى موضع نصب على النعت لمصدر محذوف.
كَذلِكَ الكاف فى موضع رفع، أي الأمر كذلك.
أي كما أراهم الله العذاب كذلك يريهم الله أعمالهم.
وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ دليل على خلود الكفار فيها وأنهم لا يخرجون منها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٦٩]
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)
١٦٨- يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
طَيِّباً الطيب: الحلال، فهو تأكيد لاختلاف اللفظ.
وقيل: الطيب: المستلذ، فهو تنويع.
حَلالًا طَيِّباً حلالا، حال. وقيل: مفعول. وسمى الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه.
وَلا تَتَّبِعُوا نهى.
خُطُواتِ الشَّيْطانِ خطوات، جمع خطوة، وهى ما بين القدمين.
وخطوات الشيطان: أعماله.
وقيل: خطاياه.
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أخبر تعالى بأن الشيطان عدو، وخبره حق صدق.
١٦٩- إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ سمى السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عواقبه.
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي ما حرموا من الحيرة والسائبة ونحوها مما جعلوه شرعا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٠ الى ١٧٣]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)
١٧٠- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ:
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ يعنى كفار العرب.
اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ أي بالقبول والعمل.
أَلْفَيْنا: وجدنا.
أَوَلَوْ كانَ الألف للاستفهام، وفتحت الواو لأنها واو عطف.
١٧١- وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ:
يَنْعِقُ يصيح. والمعنى: ومثل الذين كفروا فى دعائهم ما لا يفهم- يعنى الأصنام- كمثل الراعي إذا نعق وهو لا يدرى أين هى.
ثم شبه الله الكافرين بأنهم صم بكم عمى.
١٧٢- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ:
خص المؤمنين لأنهم المعنيون بمعرفة ما يحل وما يحرم من المطعومات والمشروبات. والأمر هنا للعموم الا ما سوف يستثنيه تعالى.
١٧٣- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ انما كلمة موضوعة للحصر، تتضمن النفي والإثبات، فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفى ما سواه، وقد حصرت هاهنا
الْمَيْتَةَ ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح، وما ليس بمأكول فذكاته كموته، كالسباع وغيرها.
وَالدَّمَ يراد به الدم المسفوح، لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع.
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ فعينه محرمة ذكى أو لم يذك.
وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أي ذكر عليه غير اسم الله تعالى، وهى ذبيحة المجوسي والوثني والمعطل فالوثنى يذبح للوثن، والمجوسي للنار، والمعطل لا يعتقد شيئا فيذبح لنفسه.
فَمَنِ اضْطُرَّ أي فمن اضطر الى شىء من هذه المحرمات، أي أحوج إليها.
غَيْرَ باغٍ فى أكلها شهوة وتلذذا.
وَلا عادٍ باستيفاء الأكل الى حد الشبع.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي يغفر المعاصي، فأولى ألا يؤاخذ بما رخص فيه، ومن رحمته أنه رخص.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٤]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤)
١٧٤- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ يعنى علماء اليهود كتموا ما أنزل الله فى التوراة من صفة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وصحة رسالته.
وَيَشْتَرُونَ بِهِ أي بالمكتوم.
ثَمَناً قَلِيلًا يعنى أخذ الرشاء، وسماه قليلا لانقطاع موته وسوء عاقبته.
فِي بُطُونِهِمْ فى ذكرها دلالة وتأكيد على حقيقة الأكل.
وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عبارة عن الغضب عليهم وازالة الرضا عنهم.
وَلا يُزَكِّيهِمْ ولا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم.
أَلِيمٌ مؤلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٥ الى ١٧٧]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)
١٧٥- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ:
كأنه قال: اعجبوا من صبرهم على النار.
١٧٦- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ:
ذلِكَ فى موضع رفع، وهو اشارة الى الحكم، كأنه قال: ذلك الحكم بالنار، وقيل: تقديره: الأمر ذلك، وذلك الأمر، أو ذلك العذاب لهم.
وخبر (ذلك) مضمر، معناه: ذلك معلوم لهم.
وقيل: محل (ذلك) النصب، ومعناه: فعلنا ذلك بهم.
بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ يعنى القرآن.
بِالْحَقِّ أي بالصدق، أو بالحجة.
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ يعنى التوراة، فادعى النصارى أن فيها صفة عيسى، وأنكر اليهود صفته.
١٧٧- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا البر، خبر لَيْسَ مقدم، وأَنْ تُوَلُّوا الاسم.
والخطاب لليهود والنصارى، فاليهود يتجهون الى المغرب قبل بيت المقدس، والنصارى الى المشرق مطلع الشمس.
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ البر: اسم جامع للخير، والتقدير: ولكن البر بر من آمن، فحذف المضاف.
عَلى حُبِّهِ دليل على أن فى المال حقا سوى الزكاة وبه كمال البر.
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا أي فيما بينهم وبين الله تعالى وفيما بينهم وبين الناس. وهو عطف على مَنْ لأن مَنْ فى موضع جمع ومحل رفع، كأنه قال: ولكن البر المؤمنون والموفون.
وَالصَّابِرِينَ نصب على المدح، أو بإضمار فعل.
فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ البأساء: الشدة والفقر. والضراء: المرض والزمانة.
وَحِينَ الْبَأْسِ أي وقت الحرب.
أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وصفهم بالصدق والتقوى فى أمورهم والوفاء بها، وأنهم كانوا جادين فى الدين.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)
١٧٨- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ أي فرض عليكم.
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى:
قيل: جاءت هذه الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه. وفيها إجمال يبينه قوله تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ويبينه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لما قتل اليهودي بالمرأة.
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ من، يراد بها القاتل. وعفى، تتضمن عافيا وهو ولى الدم، والأخ، هو المقتول.
وشَيْءٌ هو الدم يعفى عنه ويرجع الى أخذ الدية. والعفو على بابه، الذي هو الترك، والمعنى: أن القاتل إذا عفا عنه ولى المقتول عن دم مقتوله وأسقط القصاص، فانه يأخذ الدية، ويتبع بالمعروف، ويؤدى اليه القاتل بإحسان.
وقيل: ان (من) يراد به الولي. وعفى: يسر، لا على بابها فى العفو. والأخ، يراد به القاتل، وشىء، هو الدية.
أي ان الولي إذا جنح الى العفو عن القصاص على أخذ الدية، فان القاتل مخير بين أن يعطيها أو أن يسلم نفسه.
وقيل: إذا رضى الأولياء بالدية فلا خيار للقاتل بل تلزمه.
ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ أي فمن شاء قتل، ومن شاء أخذ الدية، ومن شاء عفا.
فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ شرط وجوابه، أي قتل بعد أخذه الدية قاتل وليه.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٩]
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)
١٧٩- وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ أي ان القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر، مخافة أن يقتص منه.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٠]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)
١٨٠- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ:
هذه آية الوصية، وليس فى القرآن ذكر الوصية الا فى هذه الآية، وفى النساء: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ وفى المائدة حِينَ الْوَصِيَّةِ، والتي فى البقرة أتمها وأكملها.
كُتِبَ عَلَيْكُمْ فى الكلام تقدير واو العطف، أي: وكتب عليكم، فالآية مرتبطة بما قبلها متصلة بها.
وكتب: فرض وأثبت.
إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حضور الموت: أسبابه، ومتى حضر السبب كنّت به العرب عن المسبب.
إِنْ تَرَكَ خَيْراً ان، شرط، وتقدير جوابه: فالوصية، ثم حذف الفاء. وقيل: ان الماضي يجوز أن يكون جوابه قبله وبعده، فيكون التقدير: الوصية للوالدين والأقربين ان ترك خيرا.
فان قدرت الفاء، فالوصية رفع بالابتداء، وان لم تقدر الفاء جاز أن ترفعها بالابتداء وأن ترفعها على ما لم يسم فاعله، أي كتب عليكم الوصية.
ولا يصح أن تعمل الْوَصِيَّةُ فى إِذا لأنها فى حكم الصلة للمصدر، الذي هو الوصية، فلا يجوز أن تعمل فيها متقدمة.
ويجوز أن يكون العامل فى إِذا: كُتِبَ والمعنى توجه إيجاب الله إليكم ومقتضى كتابه إذا حضر، فعبر عن توجه الإيجاب بالفعل كُتِبَ لينتظم الى هذا المعنى أنه مكتوب فى الأزل.
ويجوز أن يكون العامل فى إِذا الإيصاء، يكون مقدرا، دل عليه الوصية، والمعنى: كتب عليكم الإيصاء إذا.
الْوَصِيَّةُ ما يؤمر بفعله ويعهد به فى الحياة وبعد الموت. وقد خصصها العرف بما يعهد بفعله بعد الموت.
بِالْمَعْرُوفِ أي بالعدل، لا وكس فيه ولا شطط.
حَقًّا منصوب على المصدر المؤكد، أي ثابتا ثبوت نظر وتحصين، لا ثبوت فرض ووجوب، بدليل قوله تعالى عَلَى الْمُتَّقِينَ وهذا يدل على كونه ندبا، لأنه لو كان فرضا لكان على جميع المسلمين، فلما خص الله من يتقى، أي يخاف تقصيرا، دل على أنه غير لازم الا فيما يتوقع تلفه ان مات.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨١ الى ١٨٢]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)
١٨١- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
فَمَنْ بَدَّلَهُ شرط، وجوابه فَإِنَّما إِثْمُهُ. والضمير فى بَدَّلَهُ يرجع الى الإيصاء، لأن الوصية فى معنى الإيصاء.
بَعْدَ ما سَمِعَهُ الضمير يرجع الى الإيصاء.
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ موضع الخبر.
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ صفتان لله تعالى لا يخفى معهما شىء من جنف الموصين، وتبديل المعتدين.
١٨٢- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
فَمَنْ خافَ من، شرط. وخاف: خشى، وقيل: علم.
جَنَفاً أي جورا.
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ عطف على خافَ. وبينهم، أي الورثة، ولم يجر لهم ذكر، لأنه قد عرف المعنى، والإصلاح فرض على الكفاية، فاذا قام به أحدهم سقط عن الباقين، وان لم يفعلوا أثم الكل.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)
١٨٣- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
كَما كُتِبَ فى موضع نصب على النعت، والتقدير: كتابا كما، أو صوما كما. أو على الحال من الصيام، أي كتب عليكم الصيام شبها كما كتب على الذين من قبلكم.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعل، ترج فى حقهم. وتتقون، أي تضعفون، فانه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي، وهذا من المجاز.
وقيل: لتتقوا المعاصي.
وقيل: هو على العموم.
١٨٤- أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أياما، مفعول ثان للفعل كُتِبَ.
وقيل: نصب على الظرف للفعل كُتِبَ أي كتب عليكم الصيام فى أيام، والأيام المعدودات، شهر رمضان.
مَرِيضاً للمريض حالتان:
إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال، فعليه الفطر واجبا.
الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر.
أَوْ عَلى سَفَرٍ أي سفر يطول ويشق.
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ:
فَعِدَّةٌ يقتضى عدد ما أفطر فيه. وارتفع على خبر الابتداء، تقديره: فالحكم أو فالواجب عدة، أو فعليه عدة.
وأخر، لم ينصرف، لأنه معدول عن الألف واللام، لأن سبيل (فعل) من هذا الباب أن يأتى بالألف واللام.
وقيل: هو معدول عن: آخر.
وفيه: دليل على وجوب القضاء من غير تعيين الزمان، لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض.
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يطيقونه، أي يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم.
فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ أي ان لكل يوم اطعام واحد.
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً أي أطعم مسكينا آخر.
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ خير، صفة تفضيل.
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ أي والصيام خير لكم، أي من الإفطار مع الفدية.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٥]
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)
١٨٥- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
شَهْرُ بالرفع على الابتداء.
رَمَضانَ لا يذكر دون أن يضاف الى شهر.
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ خبر. وهذا نص على أن القرآن نزل فى شهر رمضان. والقرآن اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء.
وَبَيِّناتٍ عطف عليه.
الْهُدى: الإرشاد والبيان.
وَالْفُرْقانِ: ما فرق بين الحق والباطل.
فَلْيَصُمْهُ اللام لام الأمر، وحقها الكسر إذا أفردت، وإذا وصلت بشىء ففيها الجزم والكسر، وانما توصل بأحرف ثلاثة: الفاء والواو وثم.
الْيُسْرَ أي الفطر فى السفر.
الْعُسْرَ: الصوم فى السفر.
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أي إكمال عدة الأداء لمن أفطر فى سفره أو مرضه، أو عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين.
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عطف عليه، ومعناه الحض على التكبير فى آخر رمضان، ولفظ التكبير: الله أكبر ثلاثا.
عَلى ما هَداكُمْ على ما أرشدكم اليه من الشرائع.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٦]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)
١٨٦- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ:
وَإِذا سَأَلَكَ أي إذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي.
فَإِنِّي قَرِيبٌ أي بالاجابة. وقيل بالعلم. وقيل: قريب من أوليائى بالإفضال والانعام.
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ أي أقبل عبادة من عبدنى. فالدعاء بمعنى العبادة، والاجابة بمعنى القبول.
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي أي فليطلبوا أن أجيبهم، وهذا هو باب استفعل.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٧]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)
١٨٧- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:
أُحِلَّ يقتضى أنه كان محرما قبل ذلك ثم نسخ.
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ ليلة، نصب على الظرف، وهى اسم جنس فلذلك أفردت.
والرفث، كناية عن الجماع.
إِلى نِسائِكُمْ وتعدى الرفث بحرف الجر إِلى، لأنه محمول على الإفضاء الذي يراد به الملابسة.
هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ ابتداء وخبر. وأصل اللباس فى الثياب، ثم سمى امتزاج كل واحد من الزوجين يصاحبه لباسا، لانضمام الجسد وامتزاجهما وتلازمهما تشبيها بالثوب.
تَخْتانُونَ يستأمر بعضكم بعضا فى مواقعة المحظور من الجماع والأكل بعد النوم فى ليالى الصوم.
فَتابَ عَلَيْكُمْ أي قبل التوبة من خيانتهم لأنفسهم، أو خفف عنهم بالرخصة والإباحة.
وَعَفا عَنْكُمْ يحتمل العفو عن الذنب، ويحتمل التوسعة والتسهيل.
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ كناية عن الجماع.
حَتَّى يَتَبَيَّنَ حتى غاية للتبيين.
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: بياض النهار.
الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: سواد الليل.
مِنَ الْفَجْرِ وسمى الفجر خيطا لأن ما يبدو من البياض يرى ممتدا كالخيط.
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أي صوموا نهاركم الى أن يطل الليل. وفيه نهى عن الوصال، إذ الليل غاية الصيام.
وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ جملة فى موضع الحال. والعكوف: الملازمة.
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي هذه الأحكام حدود الله فلا تخالفوها.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ أي كما بين هذه الحدود يبين جميع الأحكام لتتقوا مجاوزتها. والآيات: العلامات الهادية الى الحق.
لَعَلَّهُمْ ترج فى حقهم.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)
١٨٨- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
بِالْباطِلِ لا على وجه أذن به الشرع.
وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ أي وترفعونها الى الحكام بالحجج الباطلة.
لِتَأْكُلُوا منصوب بحذف النون.
فَرِيقاً أي قطعة وجزءا.
بِالْإِثْمِ أي بالظلم.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بطلان ذلك.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٩ الى ١٩٠]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)١٨٩- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:
عَنِ الْأَهِلَّةِ الأهلة، جمع هلال، وجمع وهو واحد فى الحقيقة من حيث كونه هلالا واحدا فى شهر، غير كونه هلالا فى آخر، فانما جمع أحواله من الأهلة. ويريد بالأهلة: شهورها. وقد يعبر بالهلال عن الشهر لحوله فيه.
قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ تبيين لوجه الحكمة فى زيادة القمر ونقصانه، وهو زوال الاشكال فى الآجال والمعاملات والأيمان والحج والعدد والصوم والفطر الى غير ذلك من مصالح العباد.
والمواقيت، جمع ميقات، وهو الوقت، وقيل: منتهى الوقت.
والحج، بالفتح، مصدر، وبالكسر: الاسم. وأفرد بالذكر لأنه مما يحتاج فيه الى معرفة الوقت، وأنه لا يجوز النسيء فيه عن وقته.
وَلَيْسَ الْبِرُّ اتصل هذا بذكر مواقيت الحج لاتفاق ونوع القضيتين فى وقت السؤال عن الأهلة، وعن دخول البيوت من ظهورها، فنزلت الآية فيهما جميعا، وكان الأنصار إذا حجوا وعادوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم.
وقد قيل: ان الآية خرجت مخرج التنبيه من الله تعالى على أن يأتوا البر من وجهه، وهو الوجه الذي أمر الله تعالى به، فذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلا ليشير به الى أن نأتى الأمور من مأتاها الذي ندبنا الله تعالى اليه.
١٩٠- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ:
وَلا تَعْتَدُوا فى القتال لغير وجه الله، وقيل: أي لا تقاتلوا من لم يقاتل، وعلى هذا تكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال لجميع الكفار.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩١ الى ١٩٣]
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)
١٩١- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ:
ثَقِفْتُمُوهُمْ: صادفتموهم وظفرتم بهم.
مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي مكة، والضمير لكفار قريش.
وَالْفِتْنَةُ أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها الى الكفر.
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ أي من أن يقتل المؤمن، فالقتل أشد عليه من الفتنة.
وقيل: أي شركهم بالله وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به.
وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي لا يجوز قتال أحد فى المسجد الحرام الا بعد أن يقاتل، وهو الذي يقتضيه نص الآية.
١٩٢- فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي فان انتهوا عن قتالكم بالايمان فان الله يغفر لهم جميع ما تقدم، ويرحم كلا منهم بالعفو عما اجترم.
١٩٣- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ:
وعلى الأول، فهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار.
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي كفر، وهذا يعنى أن سبب القتال هو الكفر.
فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر، اما بالإسلام، أو بأداء الجزية، فى حق أهل الكتاب.
فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ سمى ما يصنع بالظالمين عدوانا، من حيث هو جزاء عدوان، إذ الظلم يتضمن العدوان، فسمى جزاء العدوان عدوانا.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٤]
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)
١٩٤- الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ:
نزلت فى عمرة القضية وعام الحديبية، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية فى ذى القعدة سنة ست، فصده كفار قريش عن البيت فانصرف، ووعده الله أنه سيدخله، فدخله سنة سبع وقضى نسكه.
وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ الحرمات جمع حرمة، وانما جمعت الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر الحرام، وحرمة البلد الحرام، وحرمة الإحرام، والحرمة: ما منعت من انتهاكه. والقصاص: المساواة. أي اقتصصت لكم منهم إذ صدوكم سنة ست فقضيتم العمرة سنة سبع.
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ، عموم متفق عليه، اما بالمباشرة ان أمكن، واما بالحكام.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٥ الى ١٩٦]
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)
١٩٥- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أي لا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا. والباء فى بِأَيْدِيكُمْ زائدة، والتقدير: ولا تلقوا أيديكم.
وقيل: بأيديكم، أي بأنفسكم.
وَأَحْسِنُوا أي فى الانفاق فى الطاعة.
١٩٦- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ:
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إتمام الحج والعمرة لله: أداؤهما والإتيان بهما.
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ الإحصار، هو المنع من الوجه الذي تقصده جملة، أي بأى عذر كان.
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ما، فى موضع رفع، أي فالواجب، أو فعليكم ما استيسر، أي فانحروا، أو اهدوا.
والهدى: ما يهدى الى بيت الله من بدنة أو غيرها.
وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ أي لا تتحللوا من الإحرام حتى ينحر الهدى.
مَحِلَّهُ: الموضع الذي يحل فيه ذبحه.
فَفِدْيَةٌ أي فعليه فدية ان أراد أن يحلق، ومن قدر فحلق ففدية، فلا يفتدى حتى يحلق.
أَوْ نُسُكٍ النسك جمع نسكية، وهى الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى.
فَإِذا أَمِنْتُمْ أي برئتم من المرض. وقيل من خوفكم من العدو والحصر.
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ أي أن يحرم الرجل بعمرة فى أشهر الحج.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ يعنى الهدى، اما لعدم المال أو لعدم الحيوان.
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ والثلاثة الأيام فى الحج آخرها يوم عرفة.
وَسَبْعَةٍ بالخفض على العطف، وقرىء بالنصب على معنى:
وصوموا سبعة.
إِذا رَجَعْتُمْ أي الى بلادكم.
تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ لما جاز أن يتوهم التخيير بين ثلاثة أيام فى الحج أو سبعة إذا رجع بدلا منها، لأنه لم يقل: وسبعة أخرى، أزيل ذلك بقوله تِلْكَ عَشَرَةٌ ثم بقوله كامِلَةٌ.
ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي انما يجب دم التمتع عن الغريب الذي ليس من حاضرى المسجد الحرام.
وَاتَّقُوا اللَّهَ أي فيما فرضه عليكم.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٧]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)
١٩٧- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ:
أشهر الحج أشهر، أو وقت الحج أشهر، أو وقت عمل الحج أشهر.
وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وقيل: هى شوال وذو القعدة وعشرة من ذى الحجة.
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ أي ألزم نفسه بالشروع بالنية قصدا باطنا، وبالإحرام فعلا ظاهرا وبالتلبية نطقا مسموعا.
فَلا رَفَثَ الرفث: الجماع.
وَلا فُسُوقَ يعنى جميع المعاصي كلها، فالفسوق: إتيان المعاصي.
وَلا جِدالَ الجدال: المجادلة، وهى المناقشة بين الخصمين يقاوم كل صاحبه حتى يغلبه.
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ شرط وجوابه. والمعنى أن الله يجازيكم على أعمالكم، لأن المجازاة انما تقع من العالم بالشيء.
وَتَزَوَّدُوا أمر باتخاذ الزاد، نزلت فى قوم كانوا يخرجون الى الحج من غير زاد فكانوا يبقون عالة على الناس. والزاد: ما يحمله المسافر معه ليعيش عليه.
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى أمرهم أن يضموا الى الزاد التقوى.
وقيل: ان خير الزاد التقوى، محمول على المعنى، لأن معنى وَتَزَوَّدُوا: اتقوا الله فى اتباع ما أمركم به من الخروج بالزاد.
وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: فان خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة أو الحاجة والسؤال والتكفف.
وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ خص أولى الألباب بالخطاب، وان كان الأمر يعم الكل، لأنهم الذي قامت عليهم حجة الله.
والألباب جمع لب، وهو العقل.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٨ الى ٢٠٠]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠)١٩٨- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ:
جُناحٌ أي اثم، وهو اسم لَيْسَ.
أَنْ تَبْتَغُوا فى موضع نصب خبر لَيْسَ أي فى أن تبتغوا.
فَإِذا أَفَضْتُمْ أي اندفعتم.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ أي اذكروه بالدعاء والتلبية عند المشعر الحرام.
ويسمى: جمعا، لأنه يجمع ثمّ المغرب والعشاء.
وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ كرر الأمر تأكيدا. والكاف فى (كما) نعت لمصدر محذوف، و (ما) مصدرية أو كافة. والمعنى: اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة، واذكروه كما علمكم كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه.
وَإِنْ كُنْتُمْ ان مخففة من الثقيلة يدل على ذلك دخول اللام فى الخبر.
وقيل: ان نافية بمعنى: ما، واللام بمعنى: الا.
١٩٩- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
ثُمَّ أَفِيضُوا الخطاب للحمس، لأنهم كانوا يفيضون من المزدلفة، وكان الناس يفيضون من عرفات.
٢٠٠- فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ:
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أي اذكروا الله وعظموه وذبوا عن حرمه، وادفعوا من أراد الشرك فى دينه ومشاعره، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غض أحد منهم، وتحمون جوانبهم وتذبون عنهم. والكاف من قوله كَذِكْرِكُمْ فى موضع نصب، أي ذكرا كذكركم.
أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً أشد، فى موضع خفض عطفا على كَذِكْرِكُمْ أي:
كأشد ذكرا. ويجوز أن يكون فى موضع نصب بمعنى: أو اذكروه أشد.
ذِكْراً نصب على البيان.
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا من، فى موضع رفع بالابتداء.
يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا صلة.
مِنْ خَلاقٍ من نصيب، و (من) زائدة، أي من أن يقصر دعواه على الدنيا وينسى نصيبه فى الآخرة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠١ الى ٢٠٣]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)
٢٠١- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ:
وَمِنْهُمْ أي من الناس.
وَقِنا أي ادفع عنا واحفظنا.
٢٠٢- أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ:
أُولئِكَ أي الفريق الثاني، أو الفريقان، فلكل ثواب عمله.
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ أي لا يؤجل حساب أحد، فيعطى كلا جزاءه.
والحساب، مصدر كالمحاسبة.
٢٠٣- وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ:
فَمَنْ تَعَجَّلَ من، رفع بالابتداء، والخبر: فلا اثم عليه. والتعجيل لا يكون الا فى آخر النهار وكذلك اليوم الثالث، لأن الرمي فى تلك الأيام انما وقته بعد الزوال. ويوم النحر لا ترمى فيه جمرة العقبة. ووقت رمى الجمرات فى أيام التشريق بعد الزوال الى الغروب واليوم الثاني من أيام التشريق، وهو اليوم الذي يتعجل فيه النفر، من يريد التعجيل أو من يجوز له التعجيل رموا اليومين لذلك اليوم واليوم الذي قبله، لأنهم يقضون ما كان عليهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٤ الى ٢٠٦]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦)
٢٠٤- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ:
(الألد) الشديد الخصومة.
٢٠٥- وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ:
تَوَلَّى: أدبر وذهب عنك يا محمد.
وَيُهْلِكَ عطف على لِيُفْسِدَ.
الْحَرْثَ: كسب المال وجمعه.
وَالنَّسْلَ: ما خرج من كل أنثى من ولد.
الْفَسادَ: الخراب.
٢٠٦- وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ:
الْعِزَّةُ: المنعة وشدة النفس، أي اعتز فى نفسه وانتحى فأوقعته تلك العزة فى الإثم حين أخذته وألزمته إياه.
الْمِهادُ جمع المهد، وهو الموضع المهيأ للنوم. وسمى جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار، أو لأنها بدل لهم من المهاد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٧ الى ٢١٠]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)
٢٠٧- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ:
يَشْرِي يبيع.
ابْتِغاءَ نصب على المفعول من أجله. والابتغاء: الطلب.
مَرْضاتِ اللَّهِ أي رضاه.
٢٠٨- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
السِّلْمِ: الإسلام.
كَافَّةً: جميعا، فهو نصب على الحال، من السِّلْمِ أو من الضمير فى آمَنُوا.
وَلا تَتَّبِعُوا نهى.
خُطُواتِ الشَّيْطانِ مفعول.
عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة.
٢٠٩- فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
فَإِنْ زَلَلْتُمْ أي تنحيتم عن طريق الاستقامة.
الْبَيِّناتُ أي المعجزات وآيات القرآن.
عَزِيزٌ لا يمتنع عليه ما يريده.
حَكِيمٌ فيما يفعله.
٢١٠- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ:
فِي ظُلَلٍ ظلل، جمع ظلة.
الْغَمامِ: السحاب الرقيق الأبيض.
وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي وقع الجزاء.
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي والأمور كلها راجعة الى الله قبل وبعد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١١ الى ٢١٣]
سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢) كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)
٢١١- سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ:
سَلْ من السؤال.
مِنْ آيَةٍ يعنى الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام من فلق البحر، والظلل من الغمام، والعصا، واليد، وغير ذلك.
وَمَنْ يُبَدِّلْ لفظ عام، وان كان المشار اليه بنى إسرائيل.
نِعْمَةَ اللَّهِ أي الإسلام.
فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ خبر يتضمن الوعيد.
٢١٢- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ:
زُيِّنَ على ما لم يسم فاعله.
لِلَّذِينَ كَفَرُوا كفار قريش.
فَوْقَهُمْ أي فى الدرجة.
بِغَيْرِ حِسابٍ أي من غير تبعة فى الآخرة.
٢١٣- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ
كانَ النَّاسُ الناس، أي آدم وحده، وسمى الواحد بلفظ الجمع لأنه أصل النسل. وقيل آدم وحواء.
أُمَّةً واحِدَةً أي على دين واحد.
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ نصبا على الحال.
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ الكتاب، اسم جنس بمعنى: الكتب.
لِيَحْكُمَ أي الكتاب، وقيل: ليحكم كل نبى بكتابه.
أُوتُوهُ أعطوه.
بَغْياً بَيْنَهُمْ نصب على المفعول له، أي لم يختلفوا الا للبغى.
بِإِذْنِهِ أي بأمره.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٤]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
٢١٤- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ:
أَمْ حَسِبْتُمْ: أم ظننتم. و (أم) هنا منقطعة بمعنى: بل.
أَنْ تَدْخُلُوا تسد مسد المفعولين. وقيل: المفعول الثاني محذوف، والتقدير: أحسبتم دخولكم الجنة واقعا.
وَلَمَّا بمعنى: لم.
مَثَلُ أي شبه، أي لم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا.
زُلْزِلُوا: خوفوا وحركوا.
مَتى نَصْرُ اللَّهِ أي متى يقع نصر الله.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٥ الى ٢١٦]
يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦)
٢١٥- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ:
ماذا يُنْفِقُونَ ما، فى موضع رفع بالابتداء، وذا، الخبر، وهو بمعنى: الذي، وحذفت الهاء لطول الاسم، أي ما الذي ينفقونه.
ويصح أن تكون (ما) فى موضع نصب بالفعل يُنْفِقُونَ، وذا مع (ما) بمنزلة شىء واحد ولا يحتاج إلى ضمير، ومتى كانت اسما مركبا فهى فى موضع نصب.
قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ ما، فى موضع نصب بالفعل أَنْفَقْتُمْ.
وَما تَفْعَلُوا شرط. و (ما) فى موضع نصب بالفعل تَفْعَلُوا.
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ جواب الشرط.
٢١٦- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:
كُتِبَ فرض.
الْقِتالُ: قتال الأعداء من الكفار.
وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ابتداء وخبر. والكره، بالضم: المشقة وما أكرهت عليه.
وَعَسى بمعنى: قد. وقيل: هى واجبة. و (عسى) من الله واجبة فى جميع القرآن إلا قوله تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ.
أي عسى أن تكرهوا ما فى الجهاد من المشقة وهو خير لكم فى أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٧]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧)٢١٧- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
الشَّهْرِ الْحَرامِ الشهر، اسم جنس. وكانت العرب قد جعل الله لها الشهر الحرام قواما تعتدل عنده فكانت لا تسفك دما ولا تغير فى الأشهر الحرم، وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد، وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد، وهو رجب.
قِتالٍ فِيهِ بدل اشتمال.
قُلْ قِتالٌ فِيهِ ابتداء وخبر.
كَبِيرٌ أي مستنكر، لأن تحريم القتال فى الشهر الحرام كان ثابتا يومئذ إذ كان الابتداء من المسلمين. وذلك
أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، كان بعث رهطا، وبعث عليهم عبد الله بن جحش، وكتب له كتابا وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال له: ولا تكرهن أصحابك على المسير، فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال: سمعا وطاعة لله ورسوله. فرجع رجلان ومضى ببقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب. فقال المشركون: قتلتم فى الشهر الحرام. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ابتداء.
وَكُفْرٌ بِهِ عطف على صَدٌّ.
وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على سَبِيلِ اللَّهِ.
وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ عطف على صَدٌّ.
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ الفتنة: الكفر، أي كفركم أكبر من قتلناه أولئك.
وقيل: الفتنة، أي فتنتهم المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم فى الشهر الحرام.
وَلا يَزالُونَ ابتداء خبر من الله تعالى، وتحذير منه للمؤمنين من شر كفار قريش.
وَمَنْ يَرْتَدِدْ أي يرجع عن الإسلام الى الكفر.
فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أي بطلت وفسدت.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٨ الى ٢١٩]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)
٢١٨- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
نزلت فى عبد الله بن جحش وأصحابه حين شق عليهم تعنيف المسلمين بعد مقتل ابن الحضرمي فى الشهر الحرام.
أراد الله أن يفرج عنهم ويخبر أن لهم ثواب من هاجر وغزا وبأنه يتجاوز عما كان منهم من غير قصد.
٢١٩- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ:
يَسْئَلُونَكَ السائلون هم المؤمنون.
الْخَمْرِ: كل ما أسكر.
الْمَيْسِرِ: القمار.
قُلْ فِيهِما أي الخمر الميسر.
وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ يشير الى ما وراءه من مغانم تجارية، والى ما وراءه من توسعة على المحاويج فانه من قمر منهم كان لا يأكل من الجزور وكان يفرقه فى المحتاجين.
وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أي ان إثمهما يربى على نفعهما.
قُلِ الْعَفْوَ أي قل ينفقون ما سهل وتيسر وفضل ولم يشق على النفس إخراجه.
لَكُمُ الْآياتِ فى أمر النفقة.
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فى الدنيا والآخرة فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم فى معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم فى العقبى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٠ الى ٢٢١]
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠) وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)
٢٢٠- فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ تخلطوا طعامهم بطعامكم وشرابهم بشرابكم.
فَإِخْوانُكُمْ خبر مبتدأ محذوف، أي فهم إخوانكم، والفاء جواب الشرط.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ تحذير، أي يعلم المفسد لأموال اليتامى من المصلح لها، فيجازى على إصلاحه وإفساده.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ: لأهلككم.
وقيل: لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقات فضيق عليكم وشدد، ولكنه لم يشأ الا التسهيل عليكم.
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: لا يمتنع عليه شىء.
٢٢١- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حرم الله نكاح المشركات فى سورة البقرة ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب فأحلهن فى سورة المائدة.
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ اخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة، وان كانت ذات الحسب والمال.
وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ فى الحسن.
وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك.
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ أي مملوك.
خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ أي حسيب.
وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ حسبه وماله.
أُولئِكَ اشارة للمشركين والمشركات.
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي الى الأعمال الموجبة للنار.
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ أي الى عمل أهل الجنة.
بِإِذْنِهِ أي بأمره.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٢]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)
٢٢٢- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ:
عَنِ الْمَحِيضِ المحيض: الحيض، مصدر، وهو سيلان الدم من المرأة فى أوقات معلومة، ومدته خمسة عشر يوما فما دونها، وما زاد عن ذلك يكون استحاضة.
فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ أي فى زمن الحيض، ان حملت الْمَحِيضِ على المصدر، أو فى محل الحيض، ان حملته على الاسم، والغرض النهى عن ترك المجامعة.
وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ لا تقربوهن، نهى عن التلبس بالفعل.
حَتَّى يَطْهُرْنَ أي يغتسلن بعد ارتفاع الحيض.
فَإِذا تَطَهَّرْنَ أي اغتسلن بعد ارتفاع الحيض.
فَأْتُوهُنَّ أي فجامعوهن.
مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وهو القبل.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ أي من الذنوب والشرك.
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أي بالماء من الجنابة والأحداث.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٣ الى ٢٢٤]
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)
٢٢٣- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:
حَرْثٌ على التشبيه، لأنهن مزرع الذرية.
أَنَّى شِئْتُمْ أي متى شئتم، أو كيف شئتم، فى أوقات الطهر.
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أي ما ينفعكم غدا، فحذف المفعول.
وَاتَّقُوا اللَّهَ تحذير.
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ خبر يقتضى المبالغة فى التحذير، أي فهو مجازيكم على البر والإثم.
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ تأنيس لفاعل البر.
٢٢٤- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا مبتدأ وخبره محذوف، أي البر والتقوى والإصلاح أولى وأمثل.
وقيل: محله النصب، أي لا تمنعكم اليمين بالله عز وجل البر والتقوى والإصلاح.
وقيل: مفعول لأجله.
وقيل: معناه: ألا تبروا، فحذف (لا).
وقيل: كراهية أن تبروا.
فهذه وجوه أربعة عن النصب.
وقيل: هو فى موضع خفض، والتقدير: فى أن تبروا، فأضمرت (فى) وخفضت بها.
سَمِيعٌ لأقوال العباد.
عَلِيمٌ بنياتهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٥ الى ٢٢٦]
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦)
٢٢٥- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ:
بِاللَّغْوِ اللغو: الإتيان بما لا يحتاج اليه، أو بما لا خير فيه، فى الكلام.
فِي أَيْمانِكُمْ الأيمان، جمع يمين. واليمين: الحلف.
بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أي بما عقدتم الأيمان عليه.
غَفُورٌ حَلِيمٌ صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة، إذ هو باب رفق وتوسعة.
٢٢٦- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
والإيلاء: أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر، فان حلف على أربعة فما دونها لا يكون موليا، وكانت يمينا محضا.
مِنْ نِسائِهِمْ يدخل فيه الحرائر والذميات والإماء إذا تزوجن.
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ التربص: التأنى والتأخر.
وجعل الله الإيلاء أربعة أشهر إذ لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها.
فَإِنْ فاؤُ أي رجعوا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٧ الى ٢٢٨]
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)
٢٢٧- وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
سَمِيعٌ لايلائه.
عَلِيمٌ بعزمه الذي دل عليه مضى أربعة أشهر.
٢٢٨- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
يَتَرَبَّصْنَ ينتظرن.
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قروء، جمع قرء، بالضم، وهو انقطاع الحيض.
وقيل: ما بين الحيضتين.
ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ لما دار أمر العدة على الحيض والأطهار، ولا اطلاع عليهما الا من جهة النساء، جعل القول قولها من انقضاء العدة أو عدمها.
إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هذا وعيد عظيم شديد لتأكيد تحريم الكتمان، وإيجاب لأداء الأمانة فى الاخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه، أي فسبيل المؤمنات ألا يكتمن الحق.
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ أي بمراجعتهن.
والمراجعة على ضربين: مراجعة فى العدة، ومراجعة بعد العدة.
وَلَهُنَّ أي لهن من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن.
وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أي منزلة. وفى هذا اشارة الى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء فى المال والخلق، فالأفضل ينبغى أن يتحامل على نفسه.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي منيع السلطان لا اعتراض عليه.
حَكِيمٌ أي عالم مصيب فيما يفعل.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٩]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)
٢٢٩- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ:
الطَّلاقُ هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة.
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ابتداء، والخبر: أمثل، أو أحسن. ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء محذوف، أي فعليكم إمساك بمعروف.
والإمساك، خلاف الطلاق.
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ التسريح: ترك الزوجة حتى تتم العدة من الطلقة الثانية، وتكون أملك لنفسها.
وقيل: أن يطلقها ثالثة فيسرحها.
وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً: خطاب للأزواج، نهوا أن يأخذوا من أزواجهم شيئا على وجه المضارة، وهذا هو الخلع
إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ الخطاب للزوجين أي أن يظن كل واحد منهما بنفسه ألا يقيم حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه لكراهة يعتقدها، فلا حرج على المرأة أن تفتدى، ولا حرج على الزوج أن يأخذ.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما أي على أن لا يقيما. والخطاب للحكام والمتوسطين لمثل هذا الأمر وان لم يكن حاكما.
حُدُودَ اللَّهِ أي فيما يجب عليهما من حسن الصحبة وجميل العشرة.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ أي فانه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به.
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها حدود الله: ما أمر بامتثاله.
فلا تعتدوها، أي فلا تتجاوزوها.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٠]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
٢٣٠- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
فَإِنْ طَلَّقَها أي الطلقة الثالثة.
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ حتى تتزوج.
فَإِنْ طَلَّقَها يريد الزوج الثاني.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي المرأة والزوج الأول.
إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما شرط، أي ان ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه.
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ خص العالم لأنه يحفظ ويتعاهد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣١ الى ٢٣٢]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)
٢٣١- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
فَبَلَغْنَ أي: فقاربن، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له فى الإمساك.
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الإمساك بالمعروف، هو القيام بما يجب لهن من حق على أزواجهن إذ لو لم يجد الزوج ما ينفق على الزوجة فعليه أن يطلقها، فان لم يفعل خرج عن حد المعروف، فيطلق عليه الحكم من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا يقدر على نفقتها. والجوع لا صبر عليه.
أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أي فطلقوهن.
وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً أي يضارها.
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي عرض نفسه للعذاب، لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله.
وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً أي لا تأخذوا أحكام الله تعالى فى طريق الهزو فانها جد كلها فمن هزل فيها لزمته.
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي الإسلام وبيان الأحكام.
وَالْحِكْمَةِ هى السنة المبينة على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مراد الله فيما لم ينص عليه الكتاب.
يَعِظُكُمْ بِهِ أي يخوفكم.
٢٣٢- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ العضل: منع الزوجة من أن تتزوج ظلما، والخطاب لمن يلون أمر النساء، فيقال ان معقل بن يسار كانت أخته تحت أبى البداح فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها، ثم ندم فخطبها فرضيت وأبى أخوها أن يزوجها فنزلت الآية.
وقيل: ان الخطاب فى ذلك للأزواج، وهذا بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير بتطويل العدة عليها.
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ بلوغ الأجل، هنا تناهيه، لأن ابتداء النكاح إنما يتصور بعد انقضاء العدة.
ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ ذلك محمول على معنى الجمع.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أي ما لكم فيه من صلاح.
وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٣]
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)
٢٣٣- وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
وَالْوالِداتُ ابتداء.
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ فى موضع الخبر.
حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ظرف زمان، أي سنتين كاملتين.
لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما، فانه يجوز الفطام قبل الحولين ولكنه تجديد لقطع التنازع بين
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ أي وعلى الأب.
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ الرزق هنا: الطعام الكافي. والكسوة: اللباس بِالْمَعْرُوفِ أي بالمتعارف فى عرف الشرع من غير تفريط ولا افراط.
لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها أي لا تكلف المرأة الصبر على التقتير فى الأجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف، بل يراعى القصد.
لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ أي لا تأبى الأم أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك مع رغبتها فى الإرضاع.
وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معطوف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ والوارث، وارث الصبى.
مثل ذلك، كما كان يلزم أبا الصبى لو كان حيا.
أي: وارث الصبى من كان من الرجال والنساء، ويلزمهم ارضاعه على قدر مواريثهم منه.
وقيل: المراد عصبة الرجل عليهم النفقة والكسوة.
وان لم يكن للعصبة مال أجبرت الأم على ارضاعه.
فَإِنْ أَرادا فِصالًا أي الوالدان. والفصال الفطام من الرضاع، أي الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات.
عَنْ تَراضٍ مِنْهُما أي قبل الحولين.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي فى فصله.
والتقدير أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم.
إِذا سَلَّمْتُمْ يعنى الآباء، أي سلمتم الأجرة الى المرضعة الظئر.
وقيل: إذا سلمتم الى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن الى وقت ارادة الاسترضاع.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٤]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)
٢٣٤- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ أي والرجال الذين يموتون منكم.
وَيَذَرُونَ أَزْواجاً أي يتركون أزواجا، أي ولهم زوجات.
يَتَرَبَّصْنَ أي فالزوجات يتربصن، وحذف المبتدأ فى الكلام كثير.
والتربص: التأنى والتصبر عن النكاح وترك الخروج عن مسكن النكاح، وذلك بألا تفارقه ليلا.
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً هى الأشهر التي جعلها الله ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها.
وعشرا، أي الأيام بلياليها، والمعنى: وعشر مدد، كل مدة من يوم وليلة، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر.
أَجَلَهُنَّ أضيف الأجل إليهن إذ هو محدود مضروب فى أمرهن، وهو عبارة عن انقضاء العدة.
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ خطاب لجميع الناس، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء.
فِيما فَعَلْنَ يريد التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد.
بِالْمَعْرُوفِ أي بما أذن فيه الشرع من اختيار أعيان الأزواج وتقدير الصداق دون مباشرة العقد، لأنه حق للأولياء.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)٢٣٥- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
وَلا جُناحَ أي لا اثم.
فِيما عَرَّضْتُمْ المخاطبة لجميع الناس، والمراد بحكمها هو الرجل الذي فى نفسه تزوج معتدة، أي لا وزر عليكم فى التعريض بالخطبة فى عدة الوفاة.
والتعريض، ضد التصريح، وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره.
مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة، بالكسر: فعل المخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول.
أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أي سترتم من التزوج بها بعد انقضاء عدتها.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ اما سرا واما علنا فى نفوسكم وبألسنتكم، فرخص فى التعريض دون التصريح.
وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا، أي على سر، فحذف الحرف، لأنه مما يتعدى الى مفعولين أحدهما بحرف.
إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء منقطع بمعنى: لكن.
والقول المعروف، هو ما أبيح من التعريض.
وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ أي: ولا تعزموا على عقدة النكاح فى زمان العدة.
حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ أي تمام العدة. والكتاب، هنا، هو الحد الذي جعل والقدر الذي رسم من العدة، سماها كتابا، إذ قد حده وفرضه كتاب الله.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٦ الى ٢٣٧]
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)
٢٣٦- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ:
ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ما، بمعنى: الذي، أي ان طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن.
وقرىء (تماسوهن) من المفاعلة، لأن الوطء تم بهما.
وَمَتِّعُوهُنَّ أي أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن.
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ دليل على وجوب المتعة.
والمقتر: المقل القليل المال.
مَتاعاً متاعا، نصب على المصدر، أي متعوهن متاعا.
بِالْمَعْرُوفِ أي بما عرف فى الشرع من الاقتصاد.
حَقًّا أي يحق ذلك عليهم حقا.
عَلَى الْمُحْسِنِينَ أي على المؤمنين.
٢٣٧- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ أي فالواجب نصف ما فرضتم، أي من المهر.
فالنصف للزوج والنصف للمرأة.
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ استثناء منقطع لأن عفوهن عن النصف ليس من جنس أخذهن.
ويعفون، أي يتركن ويصفحن.
والمعنى: الا أن يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج.
عُقْدَةُ النِّكاحِ أي عقدة نكاحه.
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ابتداء وخبر. وهو خطاب للرجال والنساء. واللام فى لِلتَّقْوى بمعنى: الى، أي أقرب الى التقوى.
وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ الفضل: إتمام الرجل الصداق كله، أو ترك المرأة النصف الذي لها.
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ خبر فى ضمنه الوعد للمحسن، والحرمان لغير المحسن، أي لا يخفى عليه عفوكم واستقضاؤكم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٨]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨)
٢٣٨- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ:
خطاب لجميع الأمة. والآية أمر بالمحافظة على اقامة الصلوات فى أوقاتها.
والمحافظة، هى المداومة على الشيء والمواظبة عليه.
الْوُسْطى تأنيث الأوسط.
قيل: انها الظهر، لأنها وسط النهار.
وقيل: انها العصر، لأن قبلها صلاتى نهار وبعدها صلاتى ليل.
وقيل: انها المغرب، لأنه متوسطة فى عدد الركعات، ليست بأقلها ولا أكثرها، ولا تقصر فى السفر.
وقيل: انها صلاة العشاء الآخرة، لأنها بين صلاتين لا تقصران.
وقيل: انها الصبح، لأن قبلها صلاتى ليل يجهر فيهما، وبعدها صلاتى نهار يسر فيهما.
وقيل: صلاة الجمعة، لأنها خصت بالجمع لها والخطبة فيها.
وقيل: انها الصلوات الخمس بجملتها، لأن قوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ يعنى الفرض والنفل ثم خص الفرض بالذكر.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٩ الى ٢٤٠]
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠)
٢٣٩- فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ:
فَإِنْ خِفْتُمْ أي فزعتم من اطلال العدو عليكم.
فَرِجالًا أي فصلوا رجالا. والرجال، جمع راجل، وهو من عدم المركوب ومشى على قدميه.
أَوْ رُكْباناً أي على الخيل والإبل ونحوهما.
فَإِذا أَمِنْتُمْ أي زال خوفكم الذي ألجأكم الى هذه الصلاة.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ أي اشكروه على هذه النعمة فى تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الاجزاء، ولم تفتكم صلاة من الصلوات، وهو الذي لم تكونوا تعلمونه.
كَما عَلَّمَكُمْ الكاف فى قوله كَما بمعنى الشكر.
ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ما لم، مفعول للفعل تَعْلَمُونَ.
٢٤٠- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
وَيَذَرُونَ أي يتركون.
وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ بالرفع على الابتداء، وخبره لأزواجهم.
ويحتمل أن يكون المعنى: عليهم وصية، ويكون قوله لِأَزْواجِهِمْ صفة.
مَتاعاً أي متعوهن متاعا، أو جعل الله لهن ذلك متاعا، لدلالة الكلام عليه.
والمتاع، هنا، نفقة سنتها.
و (غير) نصب على المصدر. وقيل لأنه صفة مَتاعاً. وقيل:
نصب على الحال، أي متعوهن غير مخرجات.
وقيل: بنزع الخافض، أي من غير إخراج.
فَإِنْ خَرَجْنَ أي باختيارهن قبل الحول.
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي لا حرج على أحد، ولىّ أو حامكم أو غيره، لأنه لا يجب عليها المقام فى بيت زوجها حولا.
وقيل: أي لا جناح فى قطع النفقة عنهن.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ صفة تقضى الوعيد بالنسبة لمن خالف الحد فى هذه النازلة، فأخرج المرأة وهى لا تريد الخروج.
حَكِيمٌ أي محكم لما يريد من أمور عباده.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤١ الى ٢٤٣]
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)
٢٤١- وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ:
مَتاعٌ المتعة لكل مطلقة.
٢٤٢- كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ:
تَعْقِلُونَ أي تتدبرون.
٢٤٣- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ:
أَلَمْ تَرَ أي: ألم تعلم، فهذه رؤية القلب.
وَهُمْ أُلُوفٌ جمع ألف، جمع كثرة.
حَذَرَ الْمَوْتِ أي لحذر الموت، مفعول له.
مُوتُوا أي قضى عليهم بالموت.
ثُمَّ أَحْياهُمْ أي كتب لهم الحياة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٤ الى ٢٤٦]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)٢٤٤- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
هذا خطاب لأمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بالقتال فى سبيل الله.
٢٤٥- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ القرض: ما أسلفت من عمل صالح أو سيىء.
حَسَناً محتسبا طيبة به نفسه.
وَاللَّهُ يَقبِضُ وَيَبصُطُ هذا عام فى كل شىء.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وعيد، فيجازى كلا بعمله.
٢٤٦- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ:
الْمَلَإِ: الأشراف، ويريد هنا: القوم، لأن المعنى يقتضيه، اسم للجمع كالرهط.
مِنْ بَعْدِ مُوسى أي من بعد وفاته.
مَلِكاً يرأسنا وينهض بنا الى القتال بعد ما ذقنا من ذلة.
نُقاتِلْ بالجزم على جواب الأمر. وقرىء: يقاتل بالياء والرفع، فى موضع الصفة للملك.
هَلْ عَسَيْتُمْ أي هل أنتم قريب من التولي والقرار.
أَلَّا تُقاتِلُوا فى موضع نصب، أي هل عسيتم مقاتلة.
قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: أي شىء لنا فى ألا نقاتل فى سبيل الله.
وَأَبْنائِنا أي بسبب ذرارينا.
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ أي فرض عليهم.
تَوَلَّوْا أي لما فرض عليهم القتال ورأوا الحقيقة وأن نفوسهم قد تذهب تولوا، أي اضطربت نياتهم وفترت عزائمهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٧ الى ٢٤٨]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)
٢٤٧- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ:
قَدْ بَعَثَ لَكُمْ أي أجابكم الى ما سألتم.
طالُوتَ لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الملك، وانما كان رجلا على علم وفتوة.
أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا أي كيف يملكنا ونحن أحق بالملك منه.
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ أي اختاره.
وَزادَهُ أي وفضله عليكم ببسطة فى العلم الذي هو ملاك الإنسان، والجسم فيكون مهابا.
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ أي من يستصلحه للملك.
وَاللَّهُ واسِعٌ أي الفضل والعطاء، يوسع على من ليس ذو سعة من المال.
عَلِيمٌ بمن يصطفيه للملك.
٢٤٨- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
فِيهِ سَكِينَةٌ أي ما تسكن اليه قلوبكم وتقر أنفسكم.
وَبَقِيَّةٌ أي وصايا وتعاليم.
آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ أي الأنبياء من بنى يعقوب بعدهما، فأولاد يعقوب هم آل موسى وهارون.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي فى رد التابوت الى طالوت.
لَآيَةً لدليلا على صدق ما أخبركم به من نبيكم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي ان كانت لكم صفة المصدقين.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٩]
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)
٢٤٩- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ:
فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ أي خرج بهم.
مُبْتَلِيكُمْ الابتلاء: الاختبار.
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ قيل انهم أتوا النهر وقد بلغ منهم العطش مبلغه لهذا كانت التوعية من طالوت، فالاقبال على الكرع مميت، ومن أخذ الجرعة بعد الجرعة فقد حمى نفسه شيئا، ومن كف فكان أحسن حالا من هذا وذلك.
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي إنهم لم يقووا على هذا الابتلاء، ولم يصبر له القليل.
وكانت هذه هى المحنة الأولى.
قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي هالتهم كثرة جنود جالوت فدب فيهم الوهن لقلة عددهم.
وكانت هذه هى المحنة الثانية.
قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أي يوقنون.
أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي ان القتال معه الشهادة.
كَمْ مِنْ فِئَةٍ الفئة: الجماعة من الناس.
بِإِذْنِ اللَّهِ أي بمشيئته.
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ الذين يصبرون على الشدة والبأس.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٠ الى ٢٥١]
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١)
٢٥٠- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ:
بَرَزُوا أي صاروا فى البراز وهو الأفيح من الأرض المتسع.
لِجالُوتَ أمير العمالقة.
أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي عمّنا بالصبر. وأصل الإفراغ: الصب.
٢٥١- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ:
فَهَزَمُوهُمْ أي فأنزل الله الصبر والنصر فهزموهم.
بِإِذْنِ اللَّهِ أي بتدبيره وعونه.
داوُدُ كان رجلا من رجال طالوت اختاره ليواجه جالوت، فبارزه فأرداه واضطربت الحال بين جند جالوت فكانت الهزيمة.
وَآتاهُ اللَّهُ أي أعطاه الله، يعنى داود.
الْمُلْكَ أي ملك طالوت.
مِمَّا يَشاءُ أي مما شاء من صنعة الدروع وغيرها، وقد يوضع المستقبل موضع الماضي.
وَلَوْلا دَفْعُ أي ولولا أن الله يدفع الناس ببعض ويكف بهم فسادهم.
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ لغلب المفسدون.
وقيل ان هذا الدفع مما شرع الله على ألسنة الرسل من الشرائع التي تضبط أحوال الناس، ولولا هذا لاضطربت شئون الناس وساءت أحوالهم.
ذُو فَضْلٍ أي هذا من فضل الله ورحمته بالعالمين.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٢ الى ٢٥٣]
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)
٢٥٢- تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ:
تِلْكَ مبتدأ.
آياتُ اللَّهِ خبره، يعنى ذلك القصص الذي نقصه عليك يا محمد.
بِالْحَقِّ أي باليقين الذي لا يعلو اليه الشك.
وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أي تحمل الى قومك ما نقصه عليك من غيب.
٢٥٣- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ:
تِلْكَ رفع بالابتداء.
فَضَّلْنا الخبر. والتفاضل هو فى زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، أما النبوة فى نفسها فلا تفاضل فيها، وانما تتفاضل بأمور أخرى زائدة عليها.
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم فى الفضل أفضل منهم درجات كثيرة. وقيل ان المراد هو محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَأَيَّدْناهُ أي قويناه.
بِرُوحِ الْقُدُسِ جبريل عليه السّلام.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مشيئة إلجاء وقسر.
مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد الرسل، أي ما اقتتل الناس بعد كل نبى لاختلافهم فى الدين وتشعب مذاهبهم، وتكفير بعضهم بعضا.
مَنْ آمَنَ لالتزامهم دين الأنبياء.
وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ لاعراضه عنه.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ كرر التأكيد.
وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ من الخذلان والعصمة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)
٢٥٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ:
أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ أراد الانفاق الواجب لاتصال الوعيد به.
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الانفاق، لأنه:
لا بَيْعٌ فِيهِ حتى تبتاعوا ما تنفقونه.
وَلا خُلَّةٌ حتى يساعدكم أخلاؤكم به.
وَلا شَفاعَةٌ فى تخفيف العذاب وحطه عنكم.
وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أراد: والتاركون الزكاة هم الظالمون، فقال وَالْكافِرُونَ للتغليظ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٥]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)٢٥٥- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ:
الْحَيُّ الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء.
الْقَيُّومُ الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه.
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ السنة: ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس.
وَلا نَوْمٌ أي لا يأخذه نعاس ولا نوم، وهو تأكيد للقيوم، لأنه من جاز عليه ذاك استحال أن يكون قيوما.
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ لملكوته وكبريائه.
إِلَّا بِإِذْنِهِ أي إن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة الا إذا أذن له فى الكلام.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ: ما كان قبلهم وما يكون بعدهم.
مِنْ عِلْمِهِ أي من معلوماته.
إِلَّا بِما شاءَ الا بما علم.
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ الكرسي: ما يجلس عليه ويقعد.
والمعنى: أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته، وما هو إلا تصوير لعظمته فلا كرسى ثمة ولا قعود ولا قاعد.
وقيل: وسع علمه، وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه، الذي هو كرسى العالم.
وقيل: وسع ملكه، تسمية بمكانه الذي هو كرسى الملك.
وقيل: الكرسي، هو العرش.
حِفْظُهُما أي حفظ السموات والأرض.
وَهُوَ الْعَلِيُّ الشأن.
الْعَظِيمُ الملك والقدرة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٦ الى ٢٥٧]
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
٢٥٦- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ أي لم يجز الله أمر الايمان على الإجبار والقسر، ولكن على التمكين والاختيار.
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ أي قد تميز الايمان من الكفر بالدلائل الواضحة.
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ أي من كفر بالشيطان، أو الأصنام.
وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ أي وآمن بالله.
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أي الحبل الوثيق المحكم.
لَا انْفِصامَ لَها أي لا انقطاع لها.
وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر، والاستدلال بالمشاهد المحسوس، حتى يتصور السامع كأنه ينظر اليه بعينيه فيحكم اعتقاده والتيقن به.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ يسمع لكم ما تقولون.
عَلِيمٌ بما تفعلون وتبطنون.
٢٥٧- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا الولي: الناصر والمؤيد.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أي اختاروا الكفر.
أَوْلِياؤُهُمُ نصراؤهم.
الطَّاغُوتُ الشياطين.
يُخْرِجُونَهُمْ أي يعمون عليهم النور فاذا هم فى ظلمات، يعنى:
الايمان والكفر.
أَصْحابُ النَّارِ أي مصيرهم الى النار فهم ملازمون لها بعد ملازمة الصاحب للصاحب.
خالِدُونَ مقيمون الى غير رجعة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٨]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)
٢٥٨- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
أَلَمْ تَرَ تعجيب من محاجة نمروذ فى الله وكفره به.
أَنْ آتاهُ أي حاج لأن آتاه الله الملك، أي ان إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو فحاج لذلك.
أي انه وضع المحاجة فى ربه موضع ما وجب عليه من الشكر على أن آتاه الله الملك فكأن المحاجة كانت لذلك.
وقيل: حاج وقت أن آتاه الله الملك.
إِذْ قالَ نصب بالفعل حَاجَّ، وهو بدل من آتاهُ إذا جعل بمعنى الوقت.
أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أي أعفو عن القتل وأقتل.
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي فغلب ابراهيم الكافر.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٩]
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)
٢٥٩- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
أَوْ كَالَّذِي أي أو رأيت مثل الذي مر، فحذف لدلالة أَلَمْ تَرَ عليه، لأن كلتيهما كلمة تعجب. ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ كأنه قيل: أرأيت كالذى حاج ابراهيم أو كالذى مر على قرية.
والمار، كان كافرا بالبعث، لانتظامه مع نمروذ فى سلك، ولكلمة الاستبعاد التي هى: أنى يحيى.
وقيل: هو عزيز، أو الخضر، أراد أن يعاين احياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلب ابراهيم، عليه السّلام.
أَنَّى يُحْيِي اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الاحياء، واستعظام لقدرة المحيي.
عَلى قَرْيَةٍ القرية هى بيت المقدس حين خربه بختنصر.
وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي بيوتها ساقطة على سقفها.
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بناء على الظن.
لَمْ يَتَسَنَّهْ لم يتغير.
وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ سالما فى مكانه كما ربطته.
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه.
كَيْفَ نُنْشِزُها كيف نحييها.
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أن الله على كل شىء قدير، فحذف لدلالة الثاني عليه فى قوله: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ويجوز: فلما تبين له ما أشكل عليه، يعنى أمر احياء الموتى.
وقرىء: فلما تبين له على البناء للمفعول.
كما قرىء: قال اعلم، على لفظ الأمر.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
٢٦٠- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
أَرِنِي أي بصرنى.
أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قيل له هذا وهو أثبت ايمانا ليستفيد من الاجابة السامعون.
بَلى إيجاب لما بعد النفي، أي بلى آمنت.
وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ليزيد سكونا بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال. ثم ان تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين.
فأراد بطمأنينة القلب لا العلم الذي لا مجال للتشكيك فيه.
أو سألتك ليطمئن قلبى بحصول الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا.
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي اضممنه إليك.
وقرىء فَصُرْهُنَّ بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء، أي اجمعهن.
ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً أي ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال، أي الجبال التي بحضرتك وفى أرضك.
ثُمَّ ادْعُهُنَّ أي قل لهن: تعالين بإذن الله.
يَأْتِينَكَ سَعْياً أي ساعيات مسرعات فى طيرانهن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦١ الى ٢٦٢]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)
٢٦١- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ:
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أي مثل نفقتهم كمثل حبة، أو مثلهم كمثل باذر حبة.
أَنْبَتَتْ المنبت هو الله تعالى، ولكن الحبة لما كانت سببا أسند إليها الإنبات.
سَبْعَ سَنابِلَ أي أخرجت ساقا يتشعب منها سبع شعب، لكل واحدة سنبلة، والتمييز هنا جمع كثرة، وكان حقه أن يكون جمع قلة (سنبلات) ولكن الجموع متعاورة مواقعها.
وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ أي يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء، لا لكل منفق، لتفاوت أحوال المنفقين.
أو يضاعف سبع المائة ويزيد عليها أصنافها لمن يستوجب ذلك.
٢٦٢- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
ثُمَّ لاظهار التفاوت بين الانفاق وترك المن والأذى، وأن تركهما خير من نفس الانفاق.
(المن) أن يعتد على من أحسن اليه بإحسانه ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقا له، وكانوا يقولون: إذا صنعتم صنيعة فانسوها.
وَلا أَذىً الأذى: أن يتطاول عليه بسبب ما أعطى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٣ الى ٢٦٤]
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)٢٦٣- قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ:
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ أي رد جميل.
وَمَغْفِرَةٌ أي عفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسئول.
أو: ونيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل.
أو: وعفو من جهة السائل لأنه إذا رده ردا جميلا عذره.
خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً خبر، وصح الاخبار عن المبتدأ النكرة لاختصاصه بالصفة.
وَاللَّهُ غَنِيٌّ لا حاجة له بمنفق يمن ويؤذى.
حَلِيمٌ عن معاجلته بالعقوبة.
٢٦٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ:
كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كابطال المنافق الذي ينفق ماله رئاء الناس.
رِئاءَ النَّاسِ أي لا يريد بانفاقه رضا الله ولا ثواب الآخرة ولكن للتظاهر بين الناس.
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ أي مثّله ومثّل نفقته التي لا ينتفع بها البتة بصفوان، أي بحجر أملس عليه تراب.
فَأَصابَهُ وابِلٌ مطر عظيم.
فَتَرَكَهُ صَلْداً أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه.
لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أي على الانتفاع بثواب شىء
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٥ الى ٢٦٦]
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)
٢٦٥- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
ابْتِغاءَ مفعول لأجله.
وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ عطف عليه، أي وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شىء على النفس كذا كان انفاق المال تثبيتا على الايمان واليقين. هذا الى أنه إذا أنفق المسلم ماله فى سبيل الله، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن اخلاص قلبه.
كَمَثَلِ جَنَّةٍ وهى البستان.
بِرَبْوَةٍ بمكان مرتفع، وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمرا.
أَصابَها وابِلٌ أي مطر عظيم القطر.
فَآتَتْ أُكُلَها أي أعطت ثمرتها.
ضِعْفَيْنِ مثلى ما كانت تثمر بسبب الوابل.
فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ الطل: المطر الصغير القطر يكفيها لكرم منبتها. أو مثّل حالهم عند الله بالجنة على الربوة، ونفتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة- بعد أن يطلب بها وجه الله ويبذل فيها الوسع- زاكية عند الله، زائدة فى زلفاهم وحسن حالهم عنده.
٢٦٦- أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ:
جَنَّةٌ وقرىء: جنات.
ضُعَفاءُ وقرىء: ضعاف.
إِعْصارٌ الاعصار: الريح التي تستدير فى الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود، وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغى بها وجه الله، فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة، فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للثمار، فبلغ الكبر، وله أولاد ضعاف، والجنة معاشهم ومنتعشهم، فهلكت بالصاعقة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)
٢٦٧- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ:
مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي من جياد مكسوباتكم.
وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ من الحب والثمر والمعادن وغيرها، والتقدير:
ومن طيبات ما أخرجنا لكم، إلا أنه حذف لذكر الطيبات.
وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أي: ولا تقتصدوا المال الرديء. فلقد كانوا يتصدقون بحشف الثمر وشراره.
مِنْهُ تُنْفِقُونَ تخصونه بالإنفاق، وهو فى محل الحال.
وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ أي وحالكم أنه لا تأخذونه فى حقوقكم.
إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ أي تتسامحوا فى أخذه وتترخصوا فيه، يقال: أغمض فلان عن بعض حقه، إذا غض بصره.
غَنِيٌّ أي لا حاجة به الى صدقاتكم، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر وبال، فانما يقدم لنفسه.
حَمِيدٌ أي محمود فى كل حال.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٨ الى ٢٧٠]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠)٢٦٨- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ:
يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أي يعدكم فى الانفاق الفقر ويقول لكم: ان عاقبة انفاقكم أن تفتقروا.
وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أي ويغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر للمأمور.
وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ فى الانفاق.
مَغْفِرَةً لذنوبكم وكفارة لها.
وَفَضْلًا أي وأن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم، وثوابا عليه فى الآخرة.
واسِعٌ عَلِيمٌ أي يعطى من سعة، ويعلم حيث يضع ذلك.
٢٦٩- يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ أي يوفق للعلم والعمل به. والحكيم، عند الله، هو العالم العامل.
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ وقرىء: ومن يؤت الحكمة، على البناء للمفعول أي ومن يؤته الله الحكمة.
خَيْراً كَثِيراً تنكير تعظيم، وكأنه قال: فقد أوتى أي خير كثير.
وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ أي الحكماء العلام العمال.
٢٧٠- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ:
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فى سبيل الله، أو فى سبيل الشيطان.
أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ أي فى طاعة الله أو فى معصيته.
وَما لِلظَّالِمِينَ الذين يمنعون الصدقات، أو ينفقون أموالهم فى المعاصي.
مِنْ أَنْصارٍ أي من ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧١]
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)
٢٧١- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ أي تظهروها.
الصَّدَقاتِ يعنى الزكاة لأن إظهارها أحسن.
فَنِعِمَّا هِيَ ما، فى نعما نكرة غير موصولة ولا موصوفة.
والمعنى: فنعم شيئا ابداؤها.
وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ أي وتصيبوا بها مصارفها مع الإخفاء.
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي فالاخفاء خير لكم.
والمراد الصدقات المتطوع بها، فان الأفضل فى الفرائض أن يجاهر بها. وعن ابن عباس: صدقات السر فى المتطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بمخسة وعشرين ضعفا.
وانما كانت المجاهرة بالفرائض أفضل لنفى التهمة، حتى إذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان اخفاؤه أفضل، والمتطوع ان أراد أن يقتدى به كان إظهاره أفضل.
وَيُكَفِّرُ بالياء مرفوعا والفعل لله، أو للاخفاء. وقرىء بالنون مرفوعا، عطفا على محل ما بعد الفاء، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي ونحن نكفر، أو على أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأة ومجزوما عطفا على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط.
وقرىء (وتكفر) بالتاء، مرفوعا ومجزوما، والفعل للصدقات.
مِنْ سَيِّئاتِكُمْ للتبغيض المحض.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وعد ووعيد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٢ الى ٢٧٣]
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)
٢٧٢- لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ:
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ أي ليس عليك أن تجعلهم مهديين الى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والانفاق من الخبيث، وغير ذلك، وما عليك الا أن تبلغهم النواهي فحسب.
وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي يلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه فينتهى عما نهى عنه.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ أي مال.
فَلِأَنْفُسِكُمْ أي فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم.
وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وليست نفقتكم الا لابتغاء وجه الله ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله الى الله.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أي ثوابه أصنافا مضاعفة فلا عذر لكم فى أن ترغبوا عن إنفاقه، وأن يكون على أحسن الوجوه وأجملها، هذا الى أن ثواب الانفاق يوفى الى المنفقين ولا يبخسون منه شيئا، فيكون ذلك البخس ظلما لهم.
٢٧٣- لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ:
الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي الذين أحصرهم الجهاد، أي حبسوا ومنعوا عن التصرف فى معايشهم مخافة العدو.
لا يَسْتَطِيعُونَ لاشتغالهم بالجهاد.
ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أي سعيا فى الأرض للكسب.
يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أي يخالهم من لا علم له بحالهم.
أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أي مستغنين من أجل تعففهم عن المساءلة.
تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ أي من صفرة الوجه ورثاثة الحال.
لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً الالحاف: الإلحاح، وهو اللزوم، وأن لا يفارق الا بشىء يعطاه، أي ان سألوا سألوا بتلطيف ولم يلحوا.
وقيل: هو نفى للسؤال والالحاف جميعا.
ويقال: انهم هم أصحاب الصفة، وكانوا نحوا من أربعمائة رجل من مهاجرى قريش، لم يكن لهم مساكن فى المدينة ولا عشائر، وكانوا يخرجون فى كل سرية يبعثها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وكانوا فى صفة المسجد، أي سقيفته، يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٤ الى ٢٧٥]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)
٢٧٤- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال.
٢٧٥- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
يَأْكُلُونَ يأخذون، فعبر عن الأخذ بالأكل، لأن الأخذ انما يراد للأكل.
الرِّبا الكسب الحرام.
لا يَقُومُونَ إذا بعثوا من قبورهم.
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ أي المصروع.
الْمَسِّ متعلق بقوله لا يَقُومُونَ أي لا يقومون من المس الذي بهم الا كما يقوم المصروع، ويجوز أن يتعلق بالفعل يَقُومُ أي كما يقوم المصروع من جنونه.
والمعنى: أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين، تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف.
وقيل: الذين يخرجون من الأجداث يوفضون الا أكلة الربا فانهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله فى بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الايفاض.
ذلِكَ أي العقاب بسبب قولهم: انما البيع مثل الربا.
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وإذ كانوا قد شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه، من أجل هذا قدم البيع على طريق المبالغة، أي انهم قد بلغ من اعتقادهم فى حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا فى الحل حتى شبهوا به البيع.
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا انكار لتسويتهم بينهما، ودلالة على أن القياس يهدمه النص، لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه.
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهى عن الربا. وذكر الفعل لأنها فى معنى الوعظ.
فَلَهُ ما سَلَفَ أي فلا يؤخذ بما مضى منه، لأنه أخذ قبل نزول.
التحريم.
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يحكم فى شأنه يوم القيامة، وليس من أمره إليكم شىء فلا تطالبوه به.
وَمَنْ عادَ أي الى الربا معتقدا جوازه.
فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي لا يفارقونها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٦ الى ٢٧٨]
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)
٢٧٦- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ:
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه.
وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ما يتصدق به، بأن يضاعف عليه الثواب ويزيد المال الذي أخرجت منه ويبارك فيه.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ تغليظ فى أمر الربا بأنه من فعل الكفار لا من فعل المسلمين.
٢٧٧- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
خص الصلاة والزكاة بالذكر، وقد تضمنهما عمل الصالحات، تشريفا لهما وتنبيها على قدرهما إذ هما رأس الأعمال، الصلاة فى أعمال البدن، والزكاة فى أعمال المال.
٢٧٨- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
أخذوا ما شرطوا على الناس من الربا وبقيت لهم بقايا، فأمروا أن يتركوها ولا يطالبوا بها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٩ الى ٢٨٠]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)
٢٧٩- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ أي: فاعلموا بها، يقال: أذن بالشيء، إذا علم به.
وقرىء: فآذنوا، بالمد، أي: فأعلموا بها غيركم.
وَإِنْ تُبْتُمْ من الارتياب.
لا تَظْلِمُونَ المديونين بطلب الزيادة عليها.
وَلا تُظْلَمُونَ بالنقصان منها.
وهذا حكمهم ان تابوا، أما حكمهم إذا لم يتوبوا فيكون ما لهم فيئا للمسلمين.
٢٨٠- وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ أي وان وقع غريم من غرماءكم ذو عسرة أو ذو إعسار.
فَنَظِرَةٌ أي: فالحكم، أو الأمر، نظرة، وهى الانظار.
إِلى مَيْسَرَةٍ أي الى يسار.
وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ندب الى أن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر من غرمائهم أو ببعضها.
وقيل: أراد بالتصديق: الانظار.
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنه خير لكم فتعملوا به. جعل من لا يعلم به وان علمه كأنه لا يعلمه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨١ الى ٢٨٢]
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)٢٨١- وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:
تُرْجَعُونَ قرىء على البناء للفاعل والمفعول.
وقرىء: يرجعون، بالياء، على الالتفات.
٢٨٢- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
إِذا تَدايَنْتُمْ أي إذا داين بعضكم بعضا.
بِدَيْنٍ معطيا أو آخذا.
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إذا تعاملتم بدين مؤجل الى وقت معلوم.
فَاكْتُبُوهُ أي: فاكتبوا الدين.
بِالْعَدْلِ صفة لكاتب، أي كاتب مأمون على ما يكتب، يكتب بالسوية والاحتياط، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص.
وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أي: ولا يمتنع أحد من الكتاب.
أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ أي مثل ما علمه الله كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير.
وهى فرض كفاية.
كَما عَلَّمَهُ يجوز أن يتعلق:
(أ) - بقوله أَنْ يَكْتُبَ ويكون نهيا عن الامتناع من الكتابة المقيدة، ثم قيل له: فليكتب، يعنى: فليكتب تلك الكتابة المقيدة لا يعدل عنها للتوكيد.
(ب) - أو بقوله فَلْيَكْتُبْ يكون نهيا عن الامتناع من الكتابة على سبيل الإطلاق، ثم أمر بها مقيدة.
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أي: ولا يكن المملى الا من وجب عليه الحق، لأنه هو المشهود على ثباته فى ذمته وإقراره به.
والاملاء، والإملال، لغتان قد نطق بهما القرآن.
وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ أي من الحق، أي لا ينقص.
شَيْئاً وقرىء: شيا، بطرح الهمزة.
سَفِيهاً أي محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف.
أَوْ ضَعِيفاً أي صبيا أو شيخا مختلا.
أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ أي غير مستطيع الاملاء بنفسه لعى به أو خرس.
فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ أي الذي يلى أمره من وصى ان كان سفيها أو صبيا، أو وكيلا ان كان غير مستطيع.
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ أي واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدين.
مِنْ رِجالِكُمْ أي من رجال المؤمنين.
فَإِنْ لَمْ يَكُونا أي ان لم يكن الشهيدان.
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ أي ممن تعرفون عدالتهم.
أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما أي: أن لا تهتدى إحداهما للشهادة بأن تنساها.
وقرىء: ان تضل، على الشرط.
فَتُذَكِّرَ أي ارادة أن تذكر إحداهما الأخرى ان ضلت.
إِذا ما دُعُوا ليقيموا الشهادة، أو ليستشهدوا.
تَكْتُبُوهُ الضمير للدين أو الحق.
صَغِيراً أَوْ كَبِيراً أي على أي حال كان الحق من صغر أو كبر.
ويجوز أن يكون الضمير للكتاب، وأن يكتبوه مختصرا أو مشبعا لا يخلو بكتابته.
إِلى أَجَلِهِ الى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته.
ذلِكُمْ اشارة الى: أن تكتبوه، لأنه فى معنى المصدر، أي ذلكم الكتاب.
أَقْسَطُ: أعدل.
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ أي: وأعون على اقامة الشهادة.
وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا أي: وأقرب من انتفاء الريب.
حاضِرَةً أي ناجزة.
تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ أي: تعاطيهم إياها يدا بيد.
أي الا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد فلا بأس أن لا تكتبوه.
وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا، ناجزا أو كالئا، لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف.
وَلا يُضَارَّ يحتمل البناء للفاعل والمفعول. والمعنى: نهى الكاتب والشهيد عن ترك الاجابة الى ما يطلب منهما، وعن التحريف والزيادة والنقصان.
أو النهى عن الضرار بهما بأن يعجلا عن مهم ويلزا.
أو لا يعطى الكاتب حقه من الجعل.
أو يحمل الشهيد مؤونة مجيئه من بلد.
وَإِنْ تَفْعَلُوا أي وان تضاروا.
فَإِنَّهُ أي فان الضرار.
فُسُوقٌ بِكُمْ أي معصية.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٣]
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)
٢٨٣- وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ:
عَلى سَفَرٍ أي مسافرين.
وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً وقرىء: كتابا. وعن ابن عباس قال: أرأيت ان وجدت الكاتب ولم تجد الصحيفة والدواة.
كما قرىء: كتابا، جمع كاتب.
فَرِهانٌ جمع رهن، وهو ما يستوثق به. وليس الغرض تجويز الارتهان فى السفر خاصة ولكن السفر لما كان مظنة لإعواز الكتاب والاشهاد، أمر على سبيل الإرشاد الى حفظ المال من كان على سفر بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتاب والاشهاد.
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي فان أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به.
وسمى الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه.
آثِمٌ خبر: ان.
قَلْبُهُ رفع بقوله آثِمٌ على الفاعلية، كأنه قيل: فانه يأثم قلبه.
وإذ كان الإثم مقترنا بالقلب أسند اليه.
ويجوز أن يرتفع قَلْبُهُ بالابتداء، وآثِمٌ خبر مقدم، والجملة خبر (ان).
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨٤ الى ٢٨٥]
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)
٢٨٤- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يعنى من السوء.
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أي لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمره.
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لمن استوجب العقوبة بالإصرار.
ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان: الوساوس، وحديث النفس، لأن ذلك مما ليس فى وسعه الخلو منه، لكن ما اعتقده وعزم عليه.
٢٨٥- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ:
وَالْمُؤْمِنُونَ عطف على الرَّسُولُ، ويكون الضمير الذي التنوين نائب عنه فى كُلٌّ راجع الى: الرسول، والمؤمنين.
ويصح أن يكون مبتدأ، ويكون الضمير للمؤمنين.
أَحَدٍ فى معنى الجمع.
سَمِعْنا أي أجبنا.
غُفْرانَكَ منصوب بإضمار فعله.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٦]
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)
٢٨٦- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ:
وُسْعَها الوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه، أي لا يكلفها ولا يحملها الا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود.
وهذا اخبار عن عدله ورحمته.
لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أي ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر، لا يؤاخذ بذنبها غيرها، ولا يثاب غيرها بطاعتها.
ووصف الشر بالاكتساب، لأن فى الاكتساب اعتمالا، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهى منجذبة اليه وأمارة به، كانت فى تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه.
ولما لم تكن كذلك فى باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال.
لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أي لا تؤاخذنا بالنسيان والخطأ ان فرط منا.
وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً أي ثقلا.
وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أي لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق.
وَاعْفُ عَنَّا أي عن ذنوبنا.
وَاغْفِرْ لَنا أي استر علينا ذنوبنا.
وَارْحَمْنا أي تفضل برحمة مبتدئا منك علينا.
أَنْتَ مَوْلانا أي ولينا وناصرنا.