ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل مكيةقوله تعالى ذكره: ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ القرآن﴾.
قال ابن عباس: طس: قسم، وهو من أسماء الله فيكون معناه على هذا التأويل: واللطيف السميع: إن هذه الآيات التي أنزلها الله على محمد ﷺ لآيات القرآن، وآيات كتاب مبين، أي يتبين لمن تدبره، وتفكر فيه، يفهم أنه من عند الله، لم تتخرصه أنت يا محمد، ولا أحد سواك، من خلق الله، إذ لا يقدر أحد أن يأتي بمثله.
قال: ﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾، أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾، أي حببناها لهم يعني الأعمال السيئة.
وقال بعضهم: يعني الأعمال الجسنة: زينها لهم وبينها لهم، فخالفوا، وهذا مذهب المعتزلة، والأول مذهب أهل السنة. وهو ظاهر التلاوة والنص. ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾، أي يترددون في ضلالهم، ويتحيرون، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ثم وصف هذا الجنس أيضاً فقال: ﴿أولئك الذين لَهُمْ سواء العذاب﴾ يعني في الدنيا، عني به الذين قتلوا يوم بدر من مشركي قريش.
﴿ وهم في الآخرة٢ هم الأخسرون ﴾[ ٥ ]، أي : أخسر٣ الناس لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، وفي الآخرة تبيين، وليس يتعلق في الأخسرين٤، ويجوز أن يكون في الكلام حذف، والتقدير : وهم الأخسرون : في الآخرة هم الأخسرون.
٢ ز: بالآخرة..
٣ ز: خسر..
٤ ز: بالأخسرين..
أي وإنك يا محمد، لتحفظ القرآن وتتعلمه من عند رب حكيم بتدبير خلقه، عليم بمصالحهم، والكائن من أمورهم، والماضي من ذلك.
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إني آنَسْتُ نَاراً﴾، العامل في: ﴿إِذْ﴾ اذكر.
وقيل: العامل في ﴿إِذْ﴾ عليم، والتقدير: عليم، حين قال موسى لأهله: ﴿إني آنَسْتُ نَاراً﴾، وذلك حين خرج موسى ﷺ من مدين إلى مصر، وقد آذاهم برد ليلهم، وضاع زنده. ﴿إني آنَسْتُ نَاراً﴾، / أي أبصرت وأحسست. ﴿سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾، في الكلام حذف، والتقدير: إني
قال ابن عباس: كانوا شاتين، قد أخطأوا الطريق. وأصل الطاء: ثاء، لأنه من صلى النار فهو يفتعلون، فأبدل من التاء طاء لتكون في الإطباق كالصاد، وأصله: يصتليون، ثم أعلى على الأصول، وأبدلت التاء طاء، كما قالوا: مصطفى، وأصله: مصتفى: لأنه مفتعل من الصفوة.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النار﴾، إلى قوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾،
معناه: فلما جاء موسى النار نودي أن بورك: أي بأنه بورك، ويجوز أن يكون (أن) في موضع رفع بنودي ولا يقدر جاراً، ومعنى بورك: قدس أي طهر من في النار، قاله ابن عباس.
وقال ابن جبير: ناداه وهو في النور.
وقال الحسن: هو النور.
وقال قتادة: نور الله بورك.
وقيل: من في النار: الملائكة، الموكلون بها، ومن حولها الملائكة أيضاً يقولون: سبحان الله رب العالمين.
وعن مجاهد معناه: بوركت النار. حكاه عن ابن عباس.
قال محمد بن كعب: النار: نور الرحمن، والنور هو الله سبحان الله رب العالمين.
وقال ابن جبير: النار: حجاب من الحجب وهي التي نودي منها وذكر الحجب: فقال: حجاب العزة، وحجاب الملك، وحجاب السلطان، وحجاب النار،
قال عبد الرحمن بن الحويرث: مكث موسى عليه السلام، أربعين ليلة لا يراه أحد، إلا مات من نور رب العالمين. يعني إذ تجلى إلى الجبل.
قال الطبري: إنما قال: بورك من في النار، ولم يقل: بورك على من في النار، على لغة الذين يقولون: باركك الله. والعرب تقول: باركك الله، وبارك عليك، حكى ذلك الكسائي عن العرب.
وقوله: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، يعني من حول النار من الملائكة. قاله الحسن وغيره.
وقال محمد بن كعب القرطبي: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، يعني موسى والملائكة.
ثم قال تعالى: ﴿وَسُبْحَانَ الله رَبِّ العالمين﴾، أي تنزيهاً لله مما يصفه به الظالمون.
ثم قال تعالى: ﴿ياموسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم﴾، أي إنّ الآمر أنا الله، العزيز في انتقامه، الحكيم في تدبير أمر خلقه.
وقيل: إنها انقلبت ثعبان تهتز كأنها جان ولها عظم الثعبان وخفة الجان واهتزازه، وهي حية تسعى. والعرب تقول: هذه حية، وهذا حية.
وقيل: إن الله أقلب له العصا في أول مرة جاناً، وهو الحية الصغيرة لئلا يخاف ويجزع، فلما أنس بها وأخذها وأرسلها. أرسله إلى فرعون، فألقاها في الحال الأخرى بين يدي فرعون فصارت ثعباناً مبيناً، والله أعلم، وفي لفظ الآية
وقوله: ﴿ولى مُدْبِراً﴾، أي هارباً خوفاً منها، ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾، أي ولم يرجع. يقال: عقب فلان: إذا رجع على عقبيه إلى حيث بدأ.
قال قتادة: ولم يعقب: لم يلتفت.
قال ابن زيد: لما ألقى موسى ﷺ العصا صارت حية، فرعب منها وجزع، فقال الله تعالى: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾، فلم يركن لذلك فقال الله: ﴿أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين﴾ [القصص: ٣١]، قال: فلم يقف أيضاً على شيء من هذا حتى قال الله جل ذكره: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى﴾ [طه: ٢١]، قال: فالتفت موسى، فإذا هي عصا كما كانت / فرجع فأخذها، ثم قوي بعد ذلك عليها حتى صار
وقوله جل ثناؤه: ﴿لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾، أي عندي. ثم قال: ﴿إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سواء﴾، أي من ظلم فعمل بغير ما أذن له في العمل به.
قال ابن جريج: لا يخاف الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه الله حتى يأخذه منه.
وقال الحسن: في الآية إنما أخيف لقتله النفس، وقال الحسن أيضاً: كانت الأنبياء تذنب، فتعاقب ثم تذنب والله فتعاقب.
وقوله: ﴿إِلاَّ مَن ظَلَمَ﴾، استثناء منقطع عند البصريين، لأن حق الاستثناء أن يكون ما بعده مخالفاً لما قبله في المعنى.
وقوله: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾، يدل على أمنهم. وقوله: ﴿إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سواء فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، يدل على أمن من ظلم، ثم فعل ذلك فقد حصل المعنى فيهما واحد، فوجب أن يكون ليس من الأول و " إلا " بمعنى لكن، والتقدير،
وقوله: ما اشتكى يدل على أنه حل به الخبر. وقوله: إلا خيراً قد صار مثل الأول في المعنى، فوجب أن يكون منقطعاً، و " إلا " بمعنى لكن خيراً، وكأنه قال: ما أذكر إلا خيراً.
وقال الفراء: الاستثناء من محذوف، والتقدير عنده: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون﴾، إنما يخاف غيرهم، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف، وأجاز الفراء أيضاً أن تكون " إلا " بمعنى الواو، ومثله عنده ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ﴾ [البقرة: ١٥٠] أي والذين، وقد رد عليه القولان، لأن الاستثناء من محذوف لا يجوز، إذ لا يعلم ما هو، ولو جاز هذا، لجاز: إني لأضرب القوم إلا زياً. على معنى وأضرب غيرهم إلا زيداً. وهذا ضد البيان، ونقض الكلام، ولا يجوز كون " إلا " بمعنى الواو.
لأنه تقلب
وقوله: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سواء﴾، يريد التوبة. وقرأ: مجاهد ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً﴾، بالفتح على معنى عملاً محسناً. ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ﴾، أي ساتر لذنوبه. ﴿رَّحِيمٌ﴾، به إن عاقبته.
وقوله: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ وقف إن جعلت ﴿وَسُبْحَانَ الله﴾ لم ينادي به موسى، وإنما هو من قوله: لما خاف. فإن جعلت ﴿وَسُبْحَانَ الله﴾ من النداء، كان الوقف " ﴿رَبِّ العالمين﴾ ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ وقف ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ وقف و ﴿لاَ تَخَفْ﴾ وقف. ﴿المرسلون﴾ وقف، إن جعلت ﴿إِلاَّ مَن ظَلَمَ﴾ منقطعاً، فإن جعلته مستثنى على معنى: إن المرسلين لا يخافون إلا أن يذنبوا
قوله تعالى ذكره: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾.
قال مجاهد: كانت على موسى يؤمئذ مدرعة فأمره الله أن يدخل كفه في جيبه، ولم يكن لها كُمٌّ.
وقيل: أمره أن يدخل يده في قيمصه، فيجعلها على صدره ثم يخرجها بيضاء تشبه شعاع الشمس أو نور القمر.
قال ابن مسعود: إن موسى أتى فرعون حين أتاه في زرمانقة يعني جبة صوف.
وقوله: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء﴾، أي تخرج اليد بيضاء مخالفة
وقيل: من غير مرض. وفي الكلام اختصار وحذف. والتقدير: واجعل يدك في جيبك، وأخرجها تخرج بيضاء.
ثم قال: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾، أي من تسع آيات، و " في " بمعنى " من ".
وقيل: بمعنى " مع ".
وقيل: المعنى: هذه الآية داخلة في تسع آيات. والمعنى في تسع آيات مرسل أنت بهن إلى فرعون، والتسع الآيات: العصا، واليد، والجدب، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وقد تقدم تفسيرها بالاختلاف بأشبع من هذا.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾، يعني فرعون وقومه من القبط. ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾، أي لما جاءت فرعون وقومه أدلتنا
قال ابن جريج: مبصرة، مبينة.
قال فرعون وقومه ﴿هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾، أي بين للناظرين فيه أنه سحر.
قال: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ﴾، أي كذبوا بالآيات أن تكون من عند الله، وقد تيقنوا في أنفسهم أنها من عند الله، فعاندوا بعد تبينهم الحق: قاله ابن عباس.
وقوله: ﴿ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾ أي اعتداءً وتكبراً. والعامل في ظلم وعلو: جحدوا، وفي الكلام تقديم وتأخير.
ثم قال تعالى: ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾، أي عاقبة تكذيبهم، كيف أغرقوا أجمعين. هذا كله تحذير لقريش أن تحل بهم ما كان حل بمن كان قبلهم.
قال تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾، أي ورث علمه وملكه.
وقال قتادة: ورث منه النبوة والملك.
وروى أن داود كان له تسعة عشر ولداً، فورث سليمان النبوة والملك دونهم.
قال وهب بن منبه: أرادت الشياطين كيد سليمان، وتحاوروا بينهم في ذلك،
وذكر وهب: أن سليمان مر بجنوده من السماء والأرض، فرآه رجل من بني إسرائيل، كان في حرثه يفجر الماء فقال: لقد آتاكم الله آل داود، فاحتملت الريح قوله فقذفته في أذن سليمان. فقال سليمان للريح: إحبسي فحبست، ونزل سليمان متقنعاً ببرد له حتى أتى الرجل فقال له: ما قلت؟ فقال له الرجل: رأيتك في سلطانك الذي آتاك الله، وما سخر لك فقلت: لقد آتاكم الله آل داود. فقال له سليمان: صدقت، ولكن جئتك، خوف الفتنة عليك، تعلم والذي نفس سليمان بيده لثواب سبحان الله كلمة واحدة عند الله يوم القيامة أفضل من كل شيء أوتيته آل داود في الدنيا. فقال له الرجل: فرجت همي فرج الله عنك همك.
ثم قال تعالى: ﴿وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، يعني من كل شيء من الخيرات، يؤتاه الأنبياء والناس، وهذا على التكثير كما تقول: ما لقيت أحداً إلا كلمته.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين﴾، أي إن الذي أوتيناه من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا الظاهر.
قال: ﴿وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس والطير﴾، يقال: إن الجن سخرت له، بأن ملك مضارها ومنافعها، وسخرت له الطير بأن جعل فيها ما تفهم عنه فكانت تستره من الشمس وغيرها.
وقيل: لهذا تفقد الهدهد. ومعنى الآية: وجمع سليمان جنوده في مسير له ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾.
قال ابن عباس: جعل على كل صنف منهم وزعة يرد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في السير كما يفعل الملوك.
وقال ابن زيد: يوزعون: يساقون.
وقال الحسن: / يوزعون يتقدمون. والوازع في اللغة: الكاف: يقال: وزع فلان فلاناً عن الظلم، أي كفه عنه، ومنه قيل للذين يدفعون الناس عن القضاة والأمراء: وزعة لأنهم يكفون الناس عنهم، أي يمنعونهم منهم.
وقيل: إن قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾، راجع إلى النمل. أي والنمل لا يشعر أن سليمان يفهم مقالتها، فتكون حالاً من النملة أيضاً والعامل فيه: قالت. كما تقول: شتمتك وأنا غير عالم بك. أي شتمتك في حال جهلي بك. ولما
وروي: أن الله جلّ ذكره: فهم سليمان كلام الإنس باختلاف لغاتها، وفهمه كلام الطير والبهائم، وكان إذا أراد أن يسير على الأرض أمر بالكرسي فوضع له فجلس عليه، ثم أمر بكراسي فوضعت لأصحابه فأجلس عليها من أراد، فالذين يلونه الإنس، ثم الجن، ثم الشياطين ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض، وإذا أراد صار على الخيل في الأرض، فبينما سليمان ذات يوم يسير بين أيدي الناس على الأرض، ورجلان معه أحدهما ختنه: زوج ابنته، والآخر عن يساره من أهل مملكته كريم عليه، ولم يكن أحد يسير بين يديه تواضعاً لله، إذ مر على واد النمل وهو واد فيه نمل، فسمع نملة تقول: ﴿يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ وكان قد أعطى الله سليمان زيادة في ملكه ألا يذكره أحد إلا حملت
وروى الأعمش عن نوف أنه قال: كانت نمل سليمان أمثال الذباب، وكانت هذه النملة مثل الذيب في العظم.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا﴾،
أي فضحك سليمان من قول النملة، وقال: ﴿رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾، أي ألهمني الشكر على ما أنعمت به علي وعلى والدي وألهمني أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه.
وقيل: معناه كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك. ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين﴾، أي مع عبادك الصالحين، يعني الأنبياء، أي أدخلني معهم الجنة.
وروي: أن الهدهد كان يدل سليمان على مواضع الماء في أسفاره، فأخذ الناس عطش في مفازة فسألوا سليمان الماء، فسأل عن الهدهد، فقالوا: غاب ولم يكن معه إلا هدهد واحد.
قال ابن عباس: تفقد سليمان - عند سؤالهم الماء - الهدهد، فسأل عنه، ودعا أمين الطير فسأله عنه، ولم يكن معه إلا هدهد واحد. فقال الأمين: ما أدري / أين ذهب ولا استأمرني. فكان الهدهد إذا وضع منقاره في الأرض أخبره كم بعد الماء،
قال ابن عباس: لما أقبل الهدهد قيل له: إن سليمان قد حلف ليعاقبنك حين فقدك. فقال الهدهد: هل استثنى؟ قالوا: نعم، فأقبل حتى قام بين يديه فأخبره بعذره.
وروي: أن الطير كانت تظله من الشمس في مسيره. فلما غاب الهدهد أصابته الشمس من موضع الهدهد، فسأل عنه إذ فقده.
وقال ابن عباس: كان سليمان يوضع له ست مائة كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس، فيجلسون مما يليه، ثم يجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس، ثم يدعو
وذكر أن الهدهد كان يرى الماء في الأرض، كما يرى الماء في الزجاجة. ومعنى قوله: ﴿مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين﴾، أي أخطأه بصري فلا أراه، وقد حضر أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق؟ " وكان " ها هنا بمعنى صار لأنه لم يستفهم وهو حاضر، إنما استفهم عنه وهو غائب، وإذا حملت " كان " على لفظها صار المعنى أنه استفهم عنه وهو حاضر، ولم يكن كذلك بل كان غائباً وقت الاستفهام فكان محمولة على معنى صار. وبذلك يتم المعنى.
قال: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً﴾، في الكلام اختصار وحذف، والتقدير: فقيل له غاب، فقال: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً﴾، أي لأنتفن ريشه، وأشتمه. قاله ابن عباس.
﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي بحجة ظاهرة يقوم له بها عذر في غيبته عني.
قوله: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ ليس هو بجواب قسم لسليمان. مثل أو (لأعذبنه أو لأذبحنه) هذا جواب قسم لسليمان وليس ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ بجواب قسم له، لأنه لم يقسم على أن يأتيه بحجة تدفع عنه العذاب، لكنه جرى على لفظ ما قبله من قوله: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ﴾ أو ﴿لأَاْذبَحَنَّهُ﴾ على باب المجازات لا أنه مثله.
قال تعالى: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾، أي فمكث سليمان غير وقت طويل من حين سأل عن الهدهد، حتى جاء الهدهد فقال له الهدهد لما سأله سليمان عن علة تخلفه وغيبته: أحطت علماً بما لم يحط به علمك.
قال ابن زيد: معناه علمت ما لم تعلم. ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾، أي بخبر صحيح، ومن صرف ﴿سَبَإٍ﴾ جعله اسماً للأب أو للحي أو لرجل أللبلد. ومن لم يصرفه جعله اسماً للقبيلة، أو لامرأة هي أم القبيلة أو للبلدة.
قال أبو إسحاق: سبأ مدينة تعرف بمأرب من اليمن، بينها وبين
وروي: " أن النبي ﷺ سأله رجل عن سبإ فقال: يا رسول الله أخبرني سبإ ما هو أرض أم امرأة؟ فقال النبي ﷺ: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من الولد، فتيامن ستة وتشاءم أربعة، فأما الذين تشاءموا: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان وأما الذين تيامنوا فكندة، والأشعرون، والأزد ومذحج وحمير، وأنمار. فقال رجل: ما أنمار؟ فقال رسول
قال: ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، أي قال الهدهد لسليمان مخبراً بعذره في الغيبة: إني وجدت امرأة تملك شيئاً، وأوتيت من كل شيء.. أي من كل شيء يؤتاه الناس في دنياهم.
وقيل: معناه: من كل شيء يؤتاه مثلها من الأموال والعدد والرجال والخصب والنعم، وغير ذلك. فقام له العذر عند سليمان في غيبته لأن سليمان عليه السلام كا لا يرى في الأرض أحداً له مملكة معه، وكان قد حبب إليه الجهاد، والغزو، فلما دله الهدهد على ملك معه ودله على موضع جهاد عذره وترك تعذيبه.
قال قتادة: هي امرأة يقال لها بلقيس بنت شراحيل وكان أحد أبويها
وقوله: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾، يعني ذا سعة، وحسن صنعة يعني به السرير.
قال ابن عباس: عرش عظيم: سرير كريم حسن الصنعة. وكان سريراً من ذهب قوائمه من جوهر ولؤلؤ.
وروي: أنه كان سريراً من ذهب تجلس بلقيس عليه، طوله ثمانون ذراعاً، وعرضه أربعون ذراعاً، وارتفاعه في السماء: ثلاثون ذراعاً، مكلل بالدر والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، قوائمه من زبرجد أخضر، وكان اسم المرأة بلقيس ابنة اليشرح الحميرية. روي: أنه كان سريراً عالياً تجلس عليه، وتكلم الناس من فوقه.
وذكر قوم: أن الوقف ﴿وَلَهَا عَرْشٌ﴾، ثم تبتدئ ﴿عَظِيمٌ﴾ ﴿وَجَدتُّهَا﴾ وروي ذلك عن نافع، وليس بشيء لأن " عظيماً " من
قال تعالى: ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله﴾، أي يعبدون الشمس ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾، أي حسن لهم عبادة الشمس من دون الله ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل﴾، أي فمنعهم بتزيينه لهم الباطل، أن يتبعوا الطريق المستقيم، وهو دين الله فهم لا يهتدون إلى الحق.
قال: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ﴾ أن من ﴿أَلاَّ﴾ في موضع نصب على البدل من الأعمال عند: اليزيدي. وقال: أبو عمرو والكسائي، " أن " في موضع خفض بدل من السبيل، ويجوز أن يعمل فيها " يهتدون ".
وقرأ الكسائي: ألا بالتخفيف، على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فجعلها: " ألا " التي للتنبيه، ويا: حرف نداء، واحتج الكسائي أن حرف أبي وابن مسعود:
وقوله: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ﴾ قيل: هو من قول الله جلّ ذكره ينبه عباده أن
واختلف العلماء في سجود القرآن، ويقال لها: عزائم القرآن. فكان ابن عمر، وابن عباس يقولان: سجود القرآن إحدى عشرة سجدة: في الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج، أولها، والفرقان / والنمل، وآلم السجدة، وصَ، وحَم السجدة، وهذا مذهب مالك. قال مالك في الموطأ من رواية ابن القاسم: أجمع الناس على أن عزائم سجود القرآن إحدى عشر سجدة ليس في المفصل منها شيء. يعني بقوله أجمع الناس: أهل المدينة.
وقد روي عن ابن عباس: أنه أسقط صَ وجعلها عشرة.
ومذهب الشافعي: أنها أربع عشرة سجدة زاد في الحج آخرها، وفي والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك، ونقص سجدة (صَ) وكذلك قال: أبو ثور، إلا أنه أثبت السجود في (صَ) وأسقطه من والنجم.
وقال إسحاق: سجود القرآن خمس عشرة سجدة، زاد على مذهب الشافعي
﴿إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧] وقد حكى ذلك عن مسروق عن أصحاب ابن مسعود، وبه قال مالك والليث بن سعد.
وقال ابن المسيب، والنخعي، والثوري، وابن أبي ليلى وإسحاق: يسجد عند آخر قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨]. وقد روي ذلك أيضاً: عن ابن عباس، وابن سيرين، وفي سجود القرآن فضل عظيم.
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمر هؤلاء، أو هذا بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ".
وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ: " كان يقول في سجود القرآن: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ".
وكره مالك السجود بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا يسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وإذا كان القارئ في الصلاة فسجد، سجد بغير تكبير،
وقال مجاهد: هو الغيث.
وقال ابن زيد: خبء السماوات المطر، وخبء الأرض النبات.
وقال قتادة: الخبء: السر، " وفي " في موضع " من ".
ثم قال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾، أي يعلم ما يسرون وما يظهرون. ثم قال: ﴿الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم﴾، هذا كله من إخبار الله عن قول الهدهد. قاله ابن زيد وابن إسحاق.
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)
أي قال سليمان للهدهد: سننظر أصدقت فيما اعتذرت به لغيبتك أم كنت من الكاذبين فيه. وقوله:
قال: ﴿اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾، أي قال سليمان للهدهد: اذهب بكتابي إليهم فألقه إليهم، ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾، أي منصرفاً، ففي الكلام تقديم وتأخير تقديره: فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم.
وقيل: الكلام على بابه لا تقديم فيه، وانظر فيما انتظر أي فألقه إليهم فانتظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم.
قال ابن زيد: كانت لها كوة مستقبلة الشمس ساعة تطلع الشمس تطلع فيها فتسجد لها، فجاء الهدهد حتى وقع فيها فسدها، واستبطأت الشمس فقامت تنظر، فرمى بالصحيفة إليها من تحت جناحه، وطار حين قامت تنظر إلى الشمس. فهذا التفسير يدل على أنه نظر إليها ماذا ترجع قبل إلقائه الصحيفة، ثم
وقيل: المعنى: ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ قريباً منهم فانظر ماذا يرجعون؟ ودل على هذا سماع الهدهد قولها لأهل مملكتها بعد إلقائه الكتاب إليهت، وهذا القول هو اختيار الطبري.
واختار الزجاج القول الأول أن يكون على التقديم والتأخير. ثم قال: ﴿قَالَتْ يا أيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾، في الآية اختصار وحذف، والتقدير فذهب الهدهد بكتاب سليمان فألقاه إليها، فلما قرأته قالت: يا أيها الملأ: تريد أشراف قومها.
قال ابن عباس: كتب سليمان إليها بسم الله الرحمن الرحيم: من سليمان بن داود إلى بلقيس ابنة اليشرح الحميرية: ﴿أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، أي لا تتعظموا عن طاعتي وأتوني مسلمين فذهب الهدهد بالكتاب فانتهى إليها ظهيرة وهي قائلة في قصرها، وقد غلقت عليها الأبواب، فلا يصل إليها شيء،
قال وهب بن منبه: كتب سليمان مع الهدهد ﴿بِسْمِ الله الرحمن الرحيم﴾: من سليمان بن داود إلى بلقيس وقومها: أما بعد، فلا تعلوا
وقال قتادة: كان أولو مشورتها ثلاث مائة واثني عشر، كل رجل منهم على عشرة آلاف، وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام. ومعنى وصفها للكتاب بالكريم أنه كان مطبوعاً.
وقيل: وصفته بذلك لحسن ما فيه واختصاره.
وقوله: ﴿أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ﴾، أي لا تتكبروا علي، ولا تتجبروا علي، وأتوني مذعينين مستسلمين. وقال: إنما وصفته بالكريم على معنى كتاب من رجل كريم، رفيع القدر يطيعه الجن، والإنس والطير. لأنها كانت قد سمعت بخبر سليمان، فلما رأت اسمه في الكتاب عرفته، وعرفت قدر ملكه، وأخبرتهم أنه من سليمان وأن فيه بسم الله الرحمن الرحيم.
وقيل: إن الاضمار في جميع ذلك أبداً وهو أحسن عند الحذاق، وإنما حذف الفعل ولم يذكر إيجازاً واختصاراً، إذ ما بقي من الكلام يدل عليه، وهذا
فلولا الحروف ما انجرت الأفعال إلى الأسماء. وإنما خفضت هذه الحروف الأسماء لأن معناها الإضافة، تضيف فعلاً إلى اسم، أو معنى إلى اسم. كقولك: مررت بزيد، وعمرو كزيد. وإنما كسرت الباء. لتكون حركتها مثل عملها؛ هذا قول الجرمي. ولم تكسر الكاف لتفرق بين ما يكون حرفاً واسماً، وبين ما لا يكون إلا حرفاً، وإنما عملت الخفض لأنها لا معنى لها في الأفعال فلزمت الأسماء، فلما لزمت الأسماء عملت إعراباً لا يكون إلا في الأسماء، وهو الخفض، وقد فتحوا لام الجر مع المضمر.
ردت إلى أصلها لأنها إنما كسرت مع المضمر ليفرق بينها وبين لام
إلى الحلول ثم اسم السلام عليكما | ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر |
يا أيها المائح دلوي دونكا | إني رأيت الناس يحمدونكا |
وكان الخليل يسمي ألف الوصل سلم اللسان، وحذفت من الخط لكثرة الاستعمال، هذا مذهب الجرمي، والمبرد، والكسائي والفراء. وقال الاخفش: حذفت
وقال الكسائي: في قوله: ﴿بِسْمِ الله مجراها﴾ [هود: ٤١] إن شئت أثبت الألف في الخط وإن شئت حذفتها. وإنما دخلت ألف الوصل الأسماء، وحقها أن تدخل على الأفعال على التشبيه بالأفعال، كما أضافوا إلى الأفعال وليس بابها أن يضاف إليها على التشبيه أيضاً بالأسماء.
وقيل: إنما دخلت هذه الأسماء اللف لأنهم لما حذفوا من أواخرها أرادوا العوض من المحذوف، فلم يمكن أن يعوضوا منه آخراً، فعوضوا منه أولاً، وسكنوا السين ليسوغ دخول الألف، والعوض في كلام العرب كثير ألا ترى أنهم يقولون: زنادقة وزناديق.
فيعوضون الياء من الهاء، وإنما حذفوا من هذه الأسماء
والمحذوف من اسم عند البصريين واو وأصله سمو على مثال قنو، دليله قولهم: أسماء كأقناء وكذلك أب وأخ. المحذوف منهما واو يدل على ذلك قولهم: الأبوة والأخوة. وقولهم: أبوان وأخوان. وقد كان يجب أن تدخل ألف الوصل على أب، وأخ على ما قدمنا من العلة إلا أنه لما كان في أول أب وأخ همزة ثقل دخول همزة أخرى عليها، والعرب تستثقل الجمع بين همزتين في كلمتين ولا تجيزه في كلمة إلا بالتخفيف، فتركوا ما يستثقلون.
وقيل: من السمة.
وقيل: هو أمر من قولك اسم فلاناً أي أعله وكذلك ابن أصله الأمر من قولك: ابن البناء يا رجل. وقول ما قال: هو من السمة. قول صحيح في المعنى لأن صاحبه يعرف به كالسمة في البعير يعرف بها، لكنه غير جائز في الاشتقاق، والأصمول، وذلك أنه ليس في كلام العرب مصدر فعل معتل فاؤه واو تدخله ألف الوصل، فيكون هذا مثله، ألا ترى أنك لا تجد مثل أعد وأزن في وعد ووزن وأيضاً فإنه يجب أن يقال في تصغيره وسيم كما تقول في تصغير عدة وعيدة وذلك لا يقال.
وقولك: بسم في موضع نصب عند الكوفيين فبين لأن التقدير أُبدأ بسم.
قالوا: ولا تزاد أولاً، وكذلك الياء، فزادوا ألفاً، والألف لا تكون إلا ساكنة وبعدها السين ساكنة فكسرت الألف لالتقاء الساكنين وإنما سميت الهمزة ألفاً لأن صورتهما واحدة، ولأن الألف تبدل من الهمزة في يأكل ويأتي، والهمزة تبدل من الألف في رسائل وقلائد، وإنما ردت ألف الوصل في قولك امرئ وهو غير محذوف الآخر لأن آخره وهو الهمزة لا تثبت على حال يكون في الرفع واواً، وفي النصب
وقال المبرد: لما كان امرؤ لا يقوم بنفسه حتى يضيفه إلى غيره. فتقول هذا امرؤ سوء، وشبه الأفعال إذ كانت لا تقوم بنفسها ولا بد لها من فاعل فدخلته ألف الوصل لذلك، وإنما لقبت هذه الألف بألف وصل عند الكوفيين لأنها تذهب في الوصل فلقبت بضد حالها كما سمي اللذيع سليماً، والمخافة مفازة. وقيل: سميت ألف وصل لأنها تصل الكلام الذي قبلها بالذي بعدها ويستغنى عنها. وهذا القول هو القول الأولى في المعنى.
وقال البصريون: لقبت ألف وصل: لأنه يوصل بها إلى الساكن الذي بعدها.
وحكي عن الخليل: أنه كان يسمي ألف الوصل: سلم اللسان.
أي قالت بلقيس لأشراف قومها: أشيروا / علي في أمري الذي قد حضرني في أمر هذا الكتاب الذي ألقي إلي. ﴿مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حتى تَشْهَدُونِ﴾، أي قالت: ما كنت قاضية أمراً في جواب هذا الكتاب حتى تشهدون أي تحضروني. قال لها أشراف قومها لما شاروتهم في أمرها: ﴿نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ﴾، أي أصحاب قوة في القتال ﴿وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي ذوو بأس في الحرب شديد، والأمر أيّتها الملكة إليك في القتال وغيره ﴿فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾.
روي: أن قومها كانوا أولي قوة، وأن أحدهم كان يركض الفرس حتى إذا امتلأ في جريه ضم فخذيه عليه فحبسه بقوته.
وعن ابن عباس أنه قال: كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف، والقيل بلسانهم الملك.
قال تعالى: ﴿قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾، أي قالت بلقيس لأشراف قومها: إن الملوك إذا دخلوا قرية عنوة وغلبة أفسدوها. ﴿وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾، تم كلامها.
ثم قال الله تعالى تصديقاً لقولها في الملوك إذا غلبوا على قرية:
وقيل: هو من قول سليمان. ومثله في اتصال كلامين مختلفين قوله:
﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾ في يوسف، فهو من قول امرأة العزيز فاتصل له كلام يوسف. فقال: ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ [يوسف: ٥٢]، ومثله في قصة فرعون.
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ﴾ [الشعراء: ٣٥]، وانتهى كلام الأشراف من قوم فرعون ثم اتصل به كلام فرعون لهم وهو قوله: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ يخاطب أشراف قومه.
والقرية كل مدينة تجمع الناس مشتقة من قريت الماء: أي جمعته.
ثم قال تعالى عنها: أنها قالت لهم: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾، أي إني مرسلة إلى سليمان بهدية، لنختبر بذلك سليمان ونعرف أملك أم نبي؟ فإن يكن نبياً لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه، وإن يكن ملكاً قَبِل الهدية
قيل: إنها لما لم يشر عليها قومها برأي رجعت إلى رأيها فأرسلت الهدية.
قال ابن عباس: بعثت إليه بوصائف ووصف ألبستهم لباساً واحداً حتى لا يعرف ذكر من أنثى، فقالت: إن زيل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى، ثم رد الهدية فإنه نبي، وينبغي لنا أن نترك ملكنا، ونتبع دينه ونلحق به. وكذلك قال ابن جريج، ومجاهد، والضحاك.
وروي عن ابن عباس أنه قال: أهدت إليه اثني عشر غلاماً فيهم تأنيت مخضبة أيديهم قد مشطتهم، وألبستهم لباس الجواري، وقالت لهم: إذا كلمكم فردوا عليه كلاماً فيه تأنيث، وأهدت إليه اثني عشر جارية فيهن غلظ، واستأصلت رؤوسهن وأزرتهم، وألبستهن النعال، وقالت لهن: إذا كلمكن فردوا عليه كلاماً
قال: وكتبت إليه تسأله عن ألف باب فانطلقت المرأة بهديتها، حتى أتت بها سليمان، فوضعتها بين يديه، وقاموا قياماً ولم يجلسوا، فنظر
قال ابن زيد: قالت: إن هذا الرجل إن كانت همته الدنيا فسنرضيه، وإن كان إنما يريد الدين فلن يقبل غيره.
وقال ابن جبير: أرسلت بمأتي وصيف ووصيفة وقالت: إن
وروى أنها: وجهت إليه بمائة وصيف، ومائة وصيفة، وألبست الجواري ثياب الغلمان، وألبست الغلمان ثياب الجواري، وقالت: إن كان ملكاً لم يعرف حتى يعريهم، وإن كا نبياً علم ولم يعريهم، فلما قدموا على سليمان أمر فوضع لهم ماء يتوضأون، فكل من بدأ بالمرفق فغسله إلى اليد علم أنها جارية، وكل من بدأ باليد إلى المرفق علم أنه غلام، فأمر بنزع ثياب الغلمان فردها على الجواري، ونزع ثياب الجواري وردها على الغلمان، ثم ردَّ ما أهدت إليه.
وقوله: " إليهم " تريد به سليمان وحده لأن الملوك يخاطبون مخاطبة الجماعة، كما يخبرون عن أنفسهم بلفظ الجماعة.
وقوله: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون﴾، أي فأنظر بأي شيء يرجع رسلي
قوله تعالى ذكره: ﴿فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾،
أي فلما جاء رسولها سليمان بالهدية، قال سليمان: أتمدونني بمال، فالذي أعطاني الله من الملك في الدنيا ﴿خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾، أي ما أفرح بما أهديتم إلي بل أنتم تفرحون بها، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا، ومكاثرة بها.
روي: أن رسولها لما رجع إليها بالهدية وأخبرها خبر سليمان، قالت لقومها: هذا أمر من السماء لا ينبغي لنا معاندته فعمدت إلى عرشها فجعلته في آخر سبعة أبيات، وأقامت عليه الحرس، ثم أقبلت إلى سليمان فرجع الهدهد وأخبر سليمان بذلك، فقال عند ذلك: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾، أي بسريرها ﴿قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، فيحرم علي ما لهم.
وقوله: ﴿فَلَمَّا جَآءَ﴾، فوحد وقد قال عنها ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون﴾ [النمل: ٣٥]،
وقيل: إن الرسول كان واحداً، وإنما قالت هي: ﴿المرسلون﴾، فجمعت لأن الرسول لا بد له من خدمة وأعوان، فجمعت على ذلك المعنى.
وقد قيل: إن الرسول الذي وجهته إلى سليمان كانت امرأة.
وقيل: بل كانوا جماعة، وإنما قال " جاء " فوحد على معنى الجمع ودل / على ذلك أن في حرف ابن مسعود ﴿فَلَمَّا جَآءَ﴾ بالجمع وقوله: ﴿ارجع إِلَيْهِمْ﴾، يدل على أنه كان واحداً والله أعلم.
ثم قال تعالى: ﴿ارجع إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾، أي قال سليمان لرسول المرأة: ارجع إليهم بهديتهم فلنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بها.
﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً﴾، أي لنخرجنهم من بلدتهم صاغرين إن لم يأتوني مسلمين.
قال ابن عباس: كان إتيان العرش إليه قبل أن كتب إليها. لأنه لما أتاه الهدهد فأخبره بملك سبأ وعرشها، أنكر سليمان أن يكون لأحد سلطان في الأرض غيره، فقال لمن عنده من الجن والإنس: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ قال سليمان أريد أعجل من هذا. ﴿قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾، وهو رجل من الإنس كان عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر، فدعا بالاسم، فاحتمل العرش احتمالاً حتى وضع بين يدي سليمان بقدرة الله، فلما أتاه العرش صدّق الهدهد في قوله، ووجهه بالكتاب وكذلك روى الضحاك. وقال وهب بن منبه وغيره: بل كتب معه الكتاب قبل أن يأتيه العرش. والكلام في التلاوة على رتبته ووصل إليه العرش بعد رده الهدية.
قال وهب بن منبه: لما رجعت إليها
وقوله: قالت: قد والله علمت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة وبعثت إليه إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك؟ وما تدعو إليه من دينك؟ ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه، وكان من ذهب مفصص بالياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض ثم أقفلت على الأبواب، وكانت إنما يخدمها النساء، معها ست مائة امرأة يخدمنها، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك، وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد ولا ترينه حتى آتيك، ثم شخصت إلى سليمان في إثني عشر ألف قيل، معها من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل منهم ألوف كثيرة، فجعل سليمان يبعث الجن فيأتونه
قال قتادة: كان السرير من ذهب وقوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ. قال ابن جريج: كان من ذهب قوائمه من جوهر ولؤلؤ.
وقيل: إنما فعل ذلك ليختبر عقلها به هل تنتبه إليه إذا رأته أم لا؟ قاله ابن زيد.
فعل ذلك لإعجابها به، واحتياطها عليه، فأراد أن يريها قدرة الله عجزها، وأن السبعة الأبيات التي قفلت عليه لا تنفع شيئاً، فيكون ذلك حجة عليها في نبوته. وقوله: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾، العفريت النافذ في الأمور المبالغ فيها الذي معه خبث ودهاء، وفيه لغات:
وقرأ أبو رجاء: قال: " عفرية " وجمع عفرية على عفار وجمع: عفريت على عفاريت، وإن شئت عفار لأن التاء زائدة كما تقول في طاغوت طواغ، وإن شئت عوضت فقلت عفاري.
قال مجاهد: عفريت من الجن: أي ما ورد من الجن.
وقال قتادة ومعمر: داهية من الجن.
وقيل: عفريت: رئيس من الجن.
قال وهب: كان اسم العفريت: كودتا.
وعن ابن زيد: نحوه.
وقوله ﴿قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾، قال مجاهد: مقعدك الذي تقضي فيه.
وقال قتادة: يقال مقام ومقامة: للمكان الذي يقام فيه قيل: كان سليمان يجلس للناس إلى وقت نصف النهار، ثم يقوم إلى عبادة ربه، وإلى أهله.
قال ابن عباس: كان من قوة العفريت حين وصف نفسه بالقوة: أنه كان يضع قدمه حيث ينال طرفه، فقال سليمان: أنا أحب أعجل من ذلك: ﴿قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب﴾ قيل: هو جبريل عليه السلام. وقيل هو سليمان نفسه.
وذهب ابن وهب: أنه الخضر.
وقيل: هو أصف بن برخيا.
وعن ابن عباس: أمين على فرج المرأة.
ثم قال: ﴿قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾، أي قال الإنسي الذي عنده علم من كتاب الله جلّ ذكره.
قال مجاهد: فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش تحت الأرض حتى خرج إليهم.
قال الزهري: دعا الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت: إيتني بعرشها. قال: فتمثل له بين يديه.
قال قتادة: كان اسمه يلجا.
وقال النخعي: هو جبريل ﷺ.
وقيل: هو سليمان نفسه. ودل على ذلك قوله: ﴿هذا مِن فَضْلِ رَبِّي﴾. ومعنى: ﴿قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾، أي قبل أن يصل إليك من كان منك على مد بصرك، أي قبل أن يأتيك أقصى ما ترى.
وقال وهب معناه: أنا آتيك به قبل أن تمتد عينك فلا ينتهي طرفك إلى مداه حتى آتيك فأمثله بين يديك فدعا فغاص العرش تحت الأرض ثم نبع إليه.
وقال وهب: توضأ آصف، وركع ركعتين، ودعا فنبع السرير من تحت الأرض، فقال سليمان: ﴿هذا مِن فَضْلِ رَبِّي﴾، أي هذا النصر من فضل ربي ليختبرني أشكر أم أكفر، ومن شكر فلنفسه يشكر، لأن النفع إليه يرجع، ومن
قال مالك: كانت باليمن وكان سليمان بالشام.
وروى ابن وهب عن ابن لهيعة قال: بلغني أن الذي قال لسليمان ﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ أنه الخضر.
قال الأعمش: قال الذي عنده علم من الكتاب لا إله إلا أنت رب كل شيء إيتني به. قال: فإذا هو بين يديه.
قوله تعالى ذكره: ﴿قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أتهتدي﴾.
أي قال سليمان لما أتي بالعرش وقدمت إليه بجندها: غيروا سريرها. قاله قتادة.
قال ابن عباس: زيد فيه ونقص منه. وقال الضحاك.
" ننظر أتهتدي " أي ألها عقل تهتدي به إلى عرشها، أم لا تهتدي إليه؟.
وقيل: المعنى ننظر أتهتدي لهذه العظمة التي أتت بسريرها مع عظمه وبعد موضعه، وأن الناس لا يتهيأ لهم حمل مثله، فتعلم أنه لا يأتي به إلا نبي من عند الله، فتدع الضلالة وترجع إلى الإيمان بهذه المعجزة التي رأتها من حمل سريرها من موضعه، وهي لا تشعر به ولا قومها، أم تكون من الذين يجهلون ذلك.
قال: ﴿فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾، أي فلما جاءت بلقيس سليمان أخرج لها العرش، وقال لها: أهكذا عرشك؟ فشبهته به وقالت: / ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾، ولم تقطع أنه هو، لأنها تركته خلفها وغلقت عليه الأبواب.
وقوله تعالى ﴿وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا﴾، هذا خبر من قول سليمان، أي قال سليمان: وأعطينا العلم بالله وبقدرته على ما يشاء جل ذكره من قبل هذه المرأة
وقيل: العلم هنا التوحيد.
قال: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله﴾، أي وصدها عبادتها الشمس من دون الله عن أن تعلم ما علمنا، وعن أن تسلم " فما " في موضع رفع بفعلها على هذا التقدير.
وقيل: المعنى: وصدها الله أو وصدها سليمان عما كانت تعبد. ثم حذفت " عن " فتعدى الفعل إلى " ما " في موضع نصب على هذا التقدير، ومثله في الحذف ما أنشد سيبويه:
نبئت عبد الله بالجو أصبحت | مواليها لئيماً صميمها |
والوقف لمن كسر " إن " ﴿مِن دُونِ الله﴾، ومن فتحها وقف على ﴿كَافِرِينَ﴾.
قال تعالى: ﴿قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح﴾، قال وهب بن منبه: أمر سليمان بالصرح فعملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضاً، ثم أرسل الماء تحته، ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه وعطفت عليه الطير، والجن، والإنس.
وقيل: إنه ألقى في الماء الحوت، فنظرت إلى ماء فيه حوت على ظهره سرير، ولم تر الزجاج لصفائه، فرفعت ثيابها، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان.
فقيل: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ﴾، أي من زجاج، والممرد: الأملس، ومنه الأمرد.
فقال لها: ادخلي الصرح ليريها ملكاً أعز من ملكها، وسلطاناً أعظم من سلطانها. ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾، لا تشك أنه ماء تخوضه، فقيل لها: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ﴾، فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وعابها في عبادة الشمس من دون الله، فقالت بقول الزنادقة، فوقع سليمان ساجداً إعظاماً لما قالت، وسجد معه الناس، وسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع، فلما رفع رأسه قال: ويحك ما قلت؟ فأنسيت ما قالت، فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين﴾، فحسن إسلامها.
وقال: إن سليمان لما عمل له الصرح سخر فيه دواب البحر: الحيتان والضفادع، فلما نظرت إلى الصرح، قالت: ما وجد ابن داود عذاباً يقتلني به إلا الغرق. فحسبته لجة وكشفت عن ساقيها، فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً. قال: فضن سليمان بساقيها عن الموسى، فأحدثت النورة لذلك السبب لسيلمان.
قال مجاهد: والصرح: بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير
قال: وكانت بلقيس هلباء شعراء قدمها كحافر حمار وأمها جنية.
وعن ابن عباس قال: سمعت الجن بشأن بلقيس فوقعوا فيها عند سليمان ليكرهوها إليه، وخافوا أن يتزوجها، فتظهره على أمورهم، وكانت تعلم ذلك لأن أحد / أبويها كان جنياً. فقالوا: أصلح الله الملك إن في عقلها شيئاً، ورجلها كحافر حمار، فلما قالوا له ذلك، أراد أن يرى عقلها، ويرى قدميها، فأمر بالصرح وأجرى تحته الماء وجعل فيه الضفادع والسمك، وأمر بعرشها فزيد فيه ونقص منه، فلما نظرت إليه جعلت تعرف وتنكر، وقالت في نفسها: من أين تخلص إلى عرشي، وهو تحت سبعة أبواب والحرس حوله؟ فلم تعرف ولم تنكر وقالت ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ فقيل لها ﴿ادخلي الصرح﴾، إلى القصر فظنته ماء، وكشفت عن ساقيها لتخوض
روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: " كان أحد أبوي صاحبة سبأ جنياً ".
ومعنى: ﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾، أي لما رأت الماء تحت الزجاج الأبيض، ودواب الماء تحته، ظنته لجة بحر وكشفت عن ساقيها لتخوض إلى سليمان.
قال مجاهد: لما كشفت عن ساقيها، فإذا هما شعراوان فقال سليمان: ألا شيء من يذهب هذا؟ قالوا: الموسى، قال الموسى له أثر، فأمر بالنورة، فصنعت، فكان أول من صنع النورة.
ومعن: " ممرد " أي مشيد.
﴿مِّن قَوارِيرَ﴾، أي من زجاج.
وقيل: الصرح: القصر.
وقيل الصحن: هو ساحة الدار.
وأصل الممرد: الأملس. ومنه: الأمرد، ومنه قولهم: شجرة مرداء: إذا سقط عنها ورقها.
وقيل: الممرد: الطويل. ومنه قيل لبعض الحصون: مارد. ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً﴾.
وقد تقدمت قصة صالح في مواضع، فأغنى عن إعادتها.
قوله تعالى ذكره: ﴿قَالَ ياقوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة﴾،
أي قال صالح لقومه: لم تستعجلون بعذاب الله قبل رحمته؟.
قال مجاهد: وقيل السيئة: العذاب، والسنة: العافية، وهذا يدل على أنه طلبوا منه أن يحل بهم العذاب الذي توعدهم به، واستعجلوه لوقوعه أنهم تكذيباً منهم للعذاب، ولما جاءهم به.
قوله: ﴿لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله﴾ أي هلا تسألون الله المغفرة من كفركم ليرحمكم.
قال تعالى: ﴿قَالُواْ اطيرنا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾،. أي قالت ثمود لصالح
قال قتادة: معناه: علمكم عند الله.
وقال الفراء: عند الله، ومعناه: أي في الوح المحفظ ما يصيبكم. مثل: قوله ﴿قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ﴾ [يس: ١٩]، أي ما يصيبكم من خير وشر لازم لكم في رقابكم.
وقوله: ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾، أي تختبرون، أي يختبركم ربكم برسالتي إليكم، فينظر طاعتكم له فيما بعثني به إليكم.
قال تعالى: ﴿وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾، أي كان في مدينة قوم صالح تسعة أنفس ﴿يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾، أي يكفرون بالله ولا يؤمنون به، وخص هؤلاء بالذكر، وقد علم أم جميعهم كافرون، لأنهم هم الذين سعوا في عقر الناقة، وتعاونوا عليها، وتحالفوا على قتل صالح من بين ثمود.
قال عطاء بن أبي رباح: بلغني عنهم أنهم / كانوا يقرضون الدراهم.
وقال الضحاك: كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة، وكانوا يفسدون، ويأمرون بالفساد، فجلسوا تحت صخرة عظيمة على نهر، فقلبها الله عليهم فقتلهم.
قال تعالى: ﴿قَالُواْ تَقَاسَمُواْ﴾، أي تحالفوا كأنه أمر بعضهم بعضاً أن يتحالفوا بالله، ويجوز أن يكون تقاسموا فعلاً ماضياً في معنى الحال والتقدير: قالوا: متقاسمين بالله، والمعنى: قال تسعة الرهط: تحالفوا بالله أيها القوم،
قال مجاهد: تحالفوا على إهلاكه فلم يصلوا إليه حتى هلكوا هم وقومهم أجمعون.
قال أبو إسحاق: قال التسعة الرهط الذين عقروا الناقة: هلم فلنقتل صالحاً، فإن كان صادقاً أي فيما يوعدنا به من العذاب بعد الثلاث عجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً كنا قد ألحقناه بناقته. فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة، فلما أبطأوا على أصحابهم، أتوا منزل صالح فوجدوهم متشادخين قد رضخوهم بالحجارة.
وقوله: ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾، أي نقول لوليه: وإنا لصاقون أنا ما شهدنا مهلك أهله.
أي مكر هؤلاء التسعة بسيرهم إلى صالح ليلاً ليقتلوه، وصالح لا يشعر بذلك. ﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً﴾ أي فأخذناهم بالعقوبة وهم لا يشعرون بمكر الله. فالمعنى: ومكروا مكراً بما عملوه، ومكرنا مكراً أي جازيناهم على مكرهم.
وقيل: مكر الله بهم هو: إعلامه لصالح ومن آمن به بهلاكهم، وأمره لهم بالخروج من بين أظهرهم، ففعلوا، وأخذ العذاب الكفار دون غيرهم.
وقيل: المكر من الله: أخذه من أخذ منهم على غرة وغفلة.
قال إبراهيم بن عرفة: المكر من المخلوقين هو إظهار غير ما في النفوس ليوقعوا الحملة، ويبلغوا ما يريدون، والمكر من الله إظهار النظرة وترك العقوبة عاجلاً حتى يأخذه على غرة. ألم تسمع إلى قوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٢] أي أطيل لهم المدة.
روي في خبر صالح مع قومه: " أنهم قالوا: زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه، ومن أهله قبل ثلاث. وكان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فخرجوا إلى كهف وقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ففرغنا منهم، فبعث الله عليهم صخرة من أهضب جبالهم فخشوا أن تشدخهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم في ذلك، فلا يدر قومهم أين هم؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم؟ فعذب الله هؤلاء هنا، وهؤلاء هنا، وأنجى صالحاً ومن معه.
قال: ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ﴾، أي فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر ثمود لنبيهم صالح كيف كان.
﴿أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾، أي أهلكناهم وقومهم أجمعين.
الأول: أن يقدر اللام معها ثم يحذفها فتكون " أن " في موضع نصب على حذف حرف الجر منها.
الثاني: أن تكون " أن " في موضع رفع بدل من عاقبة، وكيف خبر كان في الوجهين.
الثالث: أن تكون في موضع نصب على خبر كان: أي كيف كان عاقبة مكرهم، تدميرهم، وتكون " كيف " ظرفاً عمل فيه جملة الكلام بعده، كما تقول: اليوم كان زيد منطلقاً.
الرابع: أن تكون " أن " فيوضع رفع على إضمار مبتدأ للعاقبة والتقدير للعاقبة والتقدير هي إنا دمرناهم.
الخامس: ذكره الفراء: أن يجعل " أن " بدلاً من كيف، وهذا الوجه بعيد.
فأما من كسر " إنا " فإنه يجعل " كيف ": خبر كان و " عاقبة " اسم كان / ثم يستأنف فيكسر.
قال تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظلموا﴾، خاوية نصباً على الحال، ويجوز الرفع من خمسة أوجه:
الأول: أن ترفع " تلك " بالابتداء " وبيوتهم " بدل من تلك " وخاوية " خبر الابتداء.
الثالث: أن ترفع " خاوية " على إضمار مبتدأ: أي هي خاوية.
الرابع: أن تجعل " خاوية " بدلاً من بيوتهم كأنك قلت: فتلك خاوية.
الخامس: أن تقدر في بيوتهم الانفصال، فتجعل خاوية نعتاً للبيوت تقديره فتلك بيوت لهم خاوية.
والمعنى: فتلك مساكنهم خاوية منهم ليس فيها منهم أحد، قد أهلكوا بظلم أنفسهم. ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، أي إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك لعظة لمن يعلم.
وروي: أن بيوتهم هذه المذكورة: هي بوادي القرى: وهو موضع بين المدينة والشام معروف.
أي أنجينا من عذابنا، ونقمتنا التي حلت بثمود صالحاً والمؤمنين به، وكانوا يتقون العذاب والنقمة، فآمنوا خوفاً من ذلك، فكذلك ننجيك يا محمد، ومن آمن بك عند حلول عقوبتنا بمشركي قومك.
وروي: أن صالحاً ﷺ لما أحل الله تعالى ذكره بقومه ما أحل من العذاب، خرج هو والمؤمنين به إلى الشام فنزل رملة فلسطين.
قال: ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة﴾، أي واذكر لوطاً وإن
قال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾، أي فلم يكن جواب قوم لوط له لما نهاهم عن نكاح الرجال، إلا قول بعضهم لبعض: ﴿أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾، عما نفعله نحن من إتيان الذكران. قال ابن عباس: أي يتطهرون من إتيان النساء والرجال في أدبارهم. وقاله مجاهد.
قال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قَدَّرْنَاهَا﴾، يعني أنجاهم من العذاب. ﴿إِلاَّ امرأته قَدَّرْنَاهَا﴾، أي جعلناها بتقديرنا ﴿مِنَ الغابرين﴾، أي من الباقين في العذاب. ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً﴾، أي حجارة من السماء، أي
﴿ فساء مطر المنذرين ﴾ أي فساء المطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه على معصيتهم إياه.
قال: ﴿قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى﴾ أي قل يا محمد الحمد لله.
وقال الفراء معناه: قل يا لوط الحمد لله على هلاكهم. ﴿وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى﴾ والقول الأول أحسن لأن القرآن على النبي ﷺ نزل، فهو المخاطب والمعنى: قل يا محمد لله على نعمه وتوفيقه لكم. ﴿وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ﴾، أي وأمنه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط، وصالح، على عباده الذين اجتباهم لمحمد ﷺ فجعلهم له أصحاباً ووزراء على الذين الذي بثه بالدعاء إليه.
قال ابن عباس: ﴿على عِبَادِهِ الذين اصطفى﴾، أصحاب محمد عليه السلام وقاله الثوري.
وقيل: " خير " هنا ليست أفعل. والمعنى: الله ذو خير ما تشركون؟ وقيل: إنما أتى هذا لأنهم كانوا يعتقدون، ويظنون أن في عبادة الأصنام خيراً، وفي عبادة غيرها شراً، فخوطبوا على ما كانوا يظنون، ويعتقدون، لا على غير ذلك.
وقيل: المعنى الخير في هذا الذي تشركونه به في العبادة.
وحكى سيبويه: الشقاء أحب / إليك أم السعادة؟ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه.
وقيل: لفظ الاستفهام في هذا مجاز، ومعناه التبيين لهم أن الله خير لهم مما يشركون به من الأصنام، وهذا النص يدل على أن الدعاوى في الديانات لا تصح إلا ببرهان وحجة تدل على صحة ذلك، ولو كان الأمر على غير ذلك لم يطلب
والمعنى: عند الطبري: قل يا محمد للمشركين، الله الذي أنعم على أوليائه بالنعم التي قصها عليكم: ﴿خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ من أوثانكم التي لا تنفعكم، ولا تضركم، ولا تدفع عن أنفسها، ولا عن أوليائها شراً، ولا تجلب نفعاً.
قال تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾، أي أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السماوات والأرض فهو مردود على ما قبله على المعنى الذي تقدم ذكره. وفيه معنى التوبيخ، والتقريع لهم، وفيه أيضاً معنى التنبيه على قدرة الله، وعجز آلهتهم، وكذلك معنى ما بعده في قوله " أمن "، " أمن " هو كله مردود على الله ﴿خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٥٩]، وفيه من المعاني ما ذكرنا من التوبيخ، والتقريع، والتنبيه فافهمه كله.
وقال قتادة: هي النخل الحسان.
قال عكرمة: الحدائق: النخل، والبهجة: الزينة والحسن.
ثم قال: ﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا﴾، أي لم تكونوا قادرين على إنبات شجرها، لولا ما أنزل الله من الماء ﴿أإله مَّعَ الله﴾، أي أمعبود مع الله خلق ذلك؟ ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾، أي يعدلون عن الحق ويجورون على عمد منهم لذلك، ويجوز أن يكون المعنى: بل هو قوم يعدلون بالله الأوثان.
قال: ﴿أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً﴾، أي أعبادة ما تشركون خير أم عبادة من جعل الأرض قراراً أي تستقرون عليها لا تميد بكم. ﴿وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً﴾، أي وجعل بين أبنيتها أنهاراً. ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾، وهي الجبال. ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً﴾ أي بين الملح والحلو، لئلا يفسد أحدهما صاحبه.
﴿أإله مَّعَ الله﴾، أي أمعبود يعبد مع الله ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، أي
قال: ﴿أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السوء﴾، أي أعبادة ما تشركون خير أم عبادة من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء النازل به.
قال ابن جريج: السوء: الضر
ثم قال تعالى: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأرض﴾، أي سيتخلفكم بعد أمواتكم في الأرض ﴿أإله مَّعَ الله﴾، أي أمعبود مع الله ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾، أي قليلاً ما تذكرون عظمة الله، وقبيح ما تفعلون.
قال تعالى: ﴿أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر﴾، أي أعبادة أوثانكم خير، أم عبادة من يهديكم في ظلمات البر والبحر، إذا ضللتم فيهما الطريق، وخفيت عليكم السبيل فيهما. ﴿وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرَاً﴾ أي يرسلها حياة للأرض ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾، أي قدام الغيث الذي يحيي الأرض.
قال تعالى: ﴿أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ﴾، أي أعبادة أوثانكم خير أم عبادة من يبدأ الخلق من غير أصل، ثم يفنيه، ثم يعيده إذا شاء كهيئته ﴿وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾، أي بالبعث والنبات.
﴿أإله مَّعَ الله قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، أي إن زعمتم أن مع الله إلها غيره يفعل ذلك، فقل لهم يا محمد: هاتوا برهانكم على ذلك، ودليلكم عليه إن كنتم صادقين في دعواكم.
وقد وقعت أمن في السواد موصولة، وكان حقها أن تكون مفصولة، ولكن كتبت على لفظ الإدغام.
قوله تعالى ذكره: ﴿قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله﴾،
أي قل يا محمد لمن سألك عن الساعة متى هي: لا يعلم غيبها إلا الله.
وعن عائشة أنها قالت: " من زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم الله
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب﴾ ويقول:
﴿عالم الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ﴾.
ثم قال: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ / أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾، أي لا يدري أحد متى يبعث لقيام الساعة.
قال تعالى: ﴿بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة﴾، أي بل تكامل علمهم في الآخرة، أي يتكامل ذلك يوم القيامة، والماضي بمعنى المستقبل، فالمعنى: أنهم يتكامل علمهم بصحة الآخرة، إذا بعثوا وعاينوا الحقائق. ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ﴾ يعني في الدنيا لأنهم إذا بعثوا وعاينوا الحقائق يوم القيامة، رأوا كل ما وعدوا به معاينة.
وقيل المعنى: يتابع علمهم اليوم بعلم الآخرة. وفي: بمعنى الباء، ومن قرأه: إدرك على وزن إفعل: فمعناه: كمل في الآخرة كالأولى.
وعن ابن عباس: ﴿بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة﴾ أي غاب علمهم، وقال ابن زيد: ضل علمهم في الآخرة. أي بالآخرة: فليس لهم فيها علم هم منها عمون.
وقال قتادة: ﴿بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ﴾ أي لم يبلغ لهم فيها علم، وقال مجاهد: ﴿بَلِ ادارك﴾ معناه: إم إدارك.
وقوله: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا﴾، أي هؤلاء المشركون في شك من الآخرة لا يوقنون بها. ﴿بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ﴾، أي بل هم من العلم بقيامها عمون.
وقرأ ابن محيصن: بل بغير ألف أدارك بالاستفهام، وفيها أيضاً بعد. ومعنى الاستفهام هما: التوقيف، وتقديرها: أدرك علمهم في الدنيا حقيقة الآخرة لم يدرك.
وفي حرف أبي: " بل تدارك " أتى به على الأصل ولم يدغم التاء في الدال.
قال: ﴿وَقَالَ الذين كفروا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾، أي قال
﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي ما هذا الوعد إلا ما سطره الأولون من الأحاديث في كتبهم، والعامل في إذ فعل مضمر، والتقدير: أنبعث إذا كنا تراباً.
قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض﴾، أي قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به من أخبار الأمم قبلهم: سيروا في الأرض فانظروا آثار من كان قبلكم من المكذبين رسل الله مثل ما كذبتم أنتم، واعتبروا بهلاكهم، وقطع آثارهم، واحذروا أن يحل عليكم بتكذيبكم إياي مثل ما حل عليهم.
قال: ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾، أي لا تحزن يا محمد على إعراض هؤلاء المشركين عنك وكفرهم بما جئتهم به ﴿وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾، أي لا يضيق صدرك يا محمد عن مكرهم بك، فإن الله ناصرك عليهم، ومهلكهم قتلاً بالسيف.
ثم قال تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي يقول مشركو
قال: ﴿قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي قل يا محمد لهم: عسى أن يكون اقترب لكم ودنا بعض الذي تستعجلون من عذاب الله.
وقال ابن عباس: ردف لكم: اقترب لكم.
وقال مجاهد: أعجلكم. وعنه أيضاً: أزف لكم، وهو قوله الضحاك.
وقال أبو عبيدة: جاء بعدكم، وهو من ردفه: إذا جاء في إثره.
وقيل: تقدير الآية: قل يا محمد: عسى أن يكون بعض الذين تستعجلون ردف لكم لأنه ليس من الجائز أن يلي فعل فعلاً.
وقيل: إن بعد يكون إضمار القصة، أو الحديث وشبهه. و " بعض " مرفوع بردف، ودخلت اللام في ردف لكم حملاً على المعنى لأن معناه: اقترب لكم ودنا لكم.
وقيل: هي متعلقة بمصدر ردف.
ثم قال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس﴾. أي لذو فضل عليهم بتركه معاجلتهم بالعقوبة على / معصيتهم، وكفرهم به. ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ﴾، أي لا يشكرون نعمه عندهم، بل كثير منهم يشركون معه في العبادة ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ولا فضل له عندهم ولا إحسان. ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾، أي ما يضمرون فيها، ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾. أي وما يظهرون، فهو يعلم الخفي والظاهر.
أي وما من مكتوم وخفي أمر في السماء والأرض ﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ يعني في أم الكتاب الذي أثبت ربنا فيه كل ما هو كائن من لدن ابتداء الخلق إلى يوم القيامة.
أي يخبرهم بالحق في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، وفي غير ذلك، كاختلافهم في عيسى ونحوه.
أي وإن القرآن لبيان من الله ورحمة لمن صدق به وعمل بما فيه.
قال تعالى: ﴿إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ﴾، أي يحكم بين المختلفين من بني إسرائيل بحكمه، فينتقم من المبطل، ويجازي المحسن، وهو العزيز في انتقامه العليم بالمحق منهم والمبطل. ثم قال تعالى ذكره: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾، أي ثق به في جميع أمورك ﴿إِنَّكَ عَلَى الحق المبين﴾، أي الظاهر.
المعنى: إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته، ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصم الله سمعه ﴿إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ﴾ أي إذا هم أدبروا معرضين عنه، فأما قراءة ابن كثير " ولا يسمع " بالياء " الصم " بالرفع، فمعناها: ليس يسمع الصم الدعاء في حال إعراضهم، وتوليتهم عنه.
قال: ﴿وَمَآ أَنتَ بِهَادِي العمي عَن ضَلالَتِهِمْ﴾، أي وما أنت يا محمد بهادي من أعماه الله جل ذكره عن الهدى فجعل على بصره غشاوة ﴿إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾، أي ما يقدر أن يفهم الحق أحد إلا من يصدق بآياتنا ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم﴾، أي إذا وجب على المختلفين من بني إسرائيل والمشركين من العرب وغيرهم، غضب من الله جل ذكره، إذا لم يكن في علم الله منهم راجع عن كفره، ولا تائب من ضلاله
وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وعاصم الجحدري وطلحة: ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ بفتح التاء وتسكين الكاف من كلمه إذا جرحه أي تسمهم.
قال مجاهد: وقع القول: حق القول.
وقال قتادة: وجب القول.
وقال ابن جريج: القول: العذاب.
وقال قتادة: القول: الغضب.
وخروج الدابة في قول جماعة من العلماء، إنما يكون حين لا يأمر الناس بمعروف، ولا ينهون عن منكر.
وقد قال الضحاك - في صفة الدجال: إنه وافر الشارب، لا لحية له رأسه كالقلة العظيمة طول وجهه ذراعان، وقامته في السماء ثمانون ذراعاً، وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعاً، ثيابه، وخفاه، وسيفه وسرجه، ولجامه: بالذهب والجوهر على رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر، في يده طبرزين هيئته هيئة المجوس، قوسه الفارسية، وكلامه بالفارسية، تطوى له
وروي أنه ترفع عند ذلك التوبة، وتخبر الكافر أنه كافر، والمؤمن أنه مؤمن.
وروي: أنه يجعل الله لها من الطول ما تشرف به على الناس
قال ابن عمر: تخرج الدابة من صدع في الصفا.
وروى حذيفة عن النبي ﷺ أنه قال: " تخرج الدابة من أعظم
روى أو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتختم أنف الكافر بخاتم، ثم إن أهل الدار يجتمعون فيقولون هنا يا مؤمن ويقول هنا يا كافر ".
وقد كثرت في ذلك الأخبار عن حذيفة وابن عمر كلها ترجع إلى معنى هذا الحديث.
وعن ابن عمر أنه قال: تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب، ورجلاها في الأرض ما خرجتا، فتمر بالإنسان يصلي فتقول: ما الصلاة من حاجتك فتخطمه، قال: وتخرج ومعها خاتم سليمان وعصا موسى. فأما الكافر فتختم بين عينيه بخاتم سليمان فيسود، وأما المؤمن فتمسح وجهه بعصا موسى فيبيض.
قال ابن عباس: هي والله تكلمهم وتكلمهم، تكلم المؤمن وتكلم الكافر.
قال ابن عباس: يوزعون: يدفعون.
قال مجاهد: يحبس أولهم على آخرهم.
وقال قتادة: لهم وزعة: ترد أولهم على آخرهم.
قال تعالى: ﴿حتى إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي﴾، أي جاء الأفواج واجتمعوا، قال لهم الله جل ذكره: ﴿أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي﴾، أي بحججي وأدلتي ﴿وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً﴾، أي ولم تعرفوها حق معرفتها أماذا ﴿كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيها من تصديق أو تكذيب. وقوله: ﴿وَلَمْ تُحِيطُواْ﴾، معطوف
وقد قيل إنه لا إضمار ألف في هذا، والمعنى: أنهم كذبوا وهم غير محيطين
قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الليل / لِيَسْكُنُواْ فِيهِ﴾، أي ألم ير هؤلاء المكذبون تصريف الله جل ذكره الليل، والنهار، وجعله الليل يسكنون فيه، أي يهدءون فيه لراحة أبدانهم من تعب التصرف والتقلب نهاراً.
ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، أي إن في تصرف الليل والنهار لعلامات ظاهرة لقوم يؤمنون بالله وقدرته.
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور﴾، أي واذكر يا محمد يوم نفخنا في الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل.
روى أبو هريرة: أن النبي ﷺ قال: " هو قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، يفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ويأمره الله فيديمها ويطولها فلا يفتر، وهو الذي ذكر الله في قوله:
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة﴾ فتكون الأرض كالسفينة المرنقة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها أو كالقنديل المعلق بالوتر ترجحه الأمواج فيميد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة، حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها، فترجع ويولي الناس مدبرين يوالي بعضهم بعضاً وهو الذي يقول:
﴿يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمراً عظيماً، فأخذهم لذلك من
قال رسول الله ﷺ: والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك، قال أبو هريرة: يا رسول الله فمن استثنى الله تعالى إذ يقول: ﴿فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله﴾ قال: أولئك الشهداء ".
وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ﴿أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه، ويجوز أن يكون العامل في " يوم ينطقون ". وقال مقاتل: إلا من شاء الله ": جبريل وإسرافيل، وميكائيل، وملك الموت صلى الله على جميعهم وسلم، ومعنى داخرين: صاغرين.
قال تعالى: ﴿وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾، أي وترى يا محمد الجبال يؤمئذ
قال ابن عباس: قائمة ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب﴾، أي تسير سيراً حثيثاً مثل سير السحاب ﴿صُنْعَ الله﴾ أي صنع الله ذلك صنعاً.
وقيل: المعنى: انظروا ﴿صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، أي أحكمه وأوثقه.
ومن نصب ﴿صُنْعَ الله﴾ على المصدر لم يقف على السحاب، لأن الجملة دلت على الفعل العامل، ومن نصبه على انظروا نع الله، جاز الوقف على السحاب.
قال تعالى. ﴿مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾، أي من جاء بالحسنة فله من ثواب الله ما هو خير من عمله، وله أفضل من ثواب عمله، لأن الله جل ذكره يعطي من الثواب فضلاً لا يستحقه العبد بعمله، زيادة منه وتفضلاً وإحساناً.
وقوله: ﴿وَمَن جَآءَ بالسيئة﴾، أي بالسيئات التي فيها الشرك ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾، ولم يذكر زيادة لأنه تعالى إنما يعذبهم على قدر كفرهم.
﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾، من نون " فزعاً " فمعناه: أنهم آمنون من كل فزع؛ فزع ذلك اليوم، وفزع ما يخافون العقوبة عليه من أعمالهم السالفة.
ومن لم ينون فمعناه: وهم من فزع ذلك اليوم آمنون.
ثم قال تعالى. ﴿وَمَن جَآءَ بالسيئة﴾، أي بالشرك / ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾.
قال ابن عباس: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة: الشرك.
وقال قتادة: الحسنة: الإخلاص، والسيئة: الشرك.
قال عكرمة: كل شيء في القرآن، السيئة: فهو الشرك
قال علي بن الحسين: أنا في بعض خلواتي حتى رفعت صوتي، أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. قال: فرد علي رجل: ما تقول يا عبد الله؟ قال: قلت: أقول ما تسمع،
قال ابن عباس: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾، أي فمنها وصل إليه الخير.
وقال ابن زيد: أعطاه الله بالواحدة: عشراً فهدأ خير منها.
قال: ﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة﴾، أي قل ذلك يا محمد.
البلدة: مكة، والذي حرمها نعت للرب: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين﴾، أي أمرني ربي بذلك ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن﴾، أي وأمرني ربي بتلاوة القرآن. ﴿فَمَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾، أي من آمن بي نفع نفسه لدفعه عنها العذاب في الدنيا والآخرة. ﴿وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ١٠٨] أي ومن كفر بي وجحد نبوتي، وما جئت
وقوله: ﴿فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ المنذرين﴾، أي إنما أنا ممن ينذر قومه عذاب الله وسخطه، وقد أنذرتكم ذلك. ﴿وَقُلِ الحمد للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾، أي وقل يا محمد لهؤلاء القائلين: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين: الحمد لله على نعمه علينا، وفقنا للإيمان، وللإسلام الذي أنتم عنه عمون ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي آيات عذابه فتعرفونها أي يريكم علامات عذابه فتعرفونها، يعني في أنفسكم، وفي السماء، والأرض، والرزق.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾، أي وما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون، ولكن يؤخرهم إلى أجل هم بالغوه.
ومن قرأ بالتاء فجعل المخاطبة للمشركين.