تفسير سورة الصافات

الدر المنثور
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ

أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه ﴿ والصافات صفاً ﴾ قال : الملائكة ﴿ فالزاجرات زجراً ﴾ قال : الملائكة ﴿ فالتاليات ذكراً ﴾ قال : الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة رضي الله عنه، مثله.
وأخرج سعيد بن منصور عن مسروق رضي الله عنه قال : كان يقال في الصافات، والمرسلات، والنازعات هي الملائكة.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ والصافات صفاً، فالزاجرات زجراً ﴾ قال : هم الملائكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله ﴿ فالزاجرات زجراً ﴾ قال : ما زجر الله عنه في القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله ﴿ فالتاليات ذكراً ﴾ قال : الملائكة يجيئون بالكتاب، والقرآن، من عند الله إلى الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ والصافات صفاً ﴾ قال : الملائكة صفوف في السماء ﴿ فالزاجرات زجراً ﴾ قال : ما زجر الله عنه في القرآن ﴿ فالتاليات ذكراً ﴾ قال : ما يتلى في القرآن من أخبار الأمم السالفة ﴿ إن إلهكم لواحد ﴾ قال : وقع القسم على هذا.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ ورب المشارق ﴾ قال : المشارق ثلاثمائة وستون مشرقاً ﴿ والمغارب ﴾ ثلاثمائة وستون مغرباً في السنة قال « والمشرقان » مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، « والمغربان » مغرب الشتاء، ومغرب الصيف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال ﴿ المشارق ﴾ ثلاثمائة وستون مشرقاً ﴿ والمغارب ﴾ مثل ذلك، تطلع الشمس كل يوم من مشرق، وتغرب في مغرب.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ ورب المشارق ﴾ قال : عدد أيام السنة، كل يوم مطلع، ومغرب.
أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ « بزينة الكواكب » منونة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي بكر بن عياش قال : قال عاصم رضي الله عنه من قرأها « بزينة الكواكب » مضافاً، ولم ينون، فلم يجعلها زينة للسماء، وإنما جعل الزينة للكواكب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وحفظا ﴾ قال : جعلناها حفظاً ﴿ من كل شيطان مارد، لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ﴾ قال : منعوا بها. يعني بالنجوم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ ﴿ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ﴾ مخففة وقال : إنهم كانوا يتسمعون، ولكن لا يسمعون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ﴾ قال : الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ ويقذفون من كل جانب ﴾ قال : يرمون من كل مكان ﴿ دحوراً ﴾ قال : مطرودين ﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ قال : دائم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه ﴿ ويقذفون من كل جانب دحوراً ﴾ قال : قذفاً بالشهب ﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ قال : دائم.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ عذاب واصب ﴾ قال : دائم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ إلا من خطف الخطفة ﴾ يقول : إلا من استرق السمع من أصوات الملائكة ﴿ فأتبعه شهاب ﴾ يعني الكواكب.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا رمي الشهاب لم يخطىء من رمى به وتلا ﴿ فأتبعه شهاب ثاقب ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فأتبعه شهاب ثاقب ﴾ قال : إن الجني يجيء، فيسترق، فإذا سرق السمع، فرمي بالشهاب، قال للذي يليه : كان كذا وكذا...
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يزيد الرقاشي في قوله ﴿ شهاب ثاقب ﴾ قال : يثقب الشيطان حتى يخرج من الجانب الآخر، فذكر ذلك لأبي مجلز رضي الله عنه فقال : ليس ذاك، ولكن ثقوبه ضوءه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ شهاب ثاقب ﴾ قال : ضوءه إذا نقض، فأصاب الشيطان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال ﴿ الثاقب ﴾ المتوقد.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة والحسن في قوله ﴿ ثاقب ﴾ قالا : مضيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال ﴿ الثاقب ﴾ المحرق.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ أهم أشدّ خلقاً أم من خلقنا ﴾ قال : السموات، والأرض، والجبال.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ أم من خلقنا ﴾ قال : أم من عددنا عليك من خلق السموات والأرض قال الله تعالى ﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ﴾ [ غافر : ٥٧ ].
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه أنه قرأ « أهم أشدّ خلقاً أم من عددنا ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ أم من خلقنا ﴾ قال : من الأموات والملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ من طينٍ لازب ﴾ قال : ملتصق.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نافع بن الأزرق سأله قال له : أخبرني عن قوله ﴿ من طين لازب ﴾ قال : الملتزق قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت النابغة وهو يقول :
فلا تحسبون الخير لا شر بعده ولا تحسبون الشر ضربة لازب
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ من طين لازب ﴾ قال : اللزب الجيد.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن عكرمة رضي الله عنه ﴿ من طين لازب ﴾ قال : لازج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ من طين لازب ﴾ قال : اللازب، والحمأ، والطين واحد. كان أوله تراباً، ثم صار حمأ منتناً، ثم صار طيناً لازباً فخلق الله منه آدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ﴿ اللازب ﴾ الذي يلزق بعضه إلى بعض.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : اللازب الذي يلزق باليد.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ طين لازب ﴾ قال : لازم منتن.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ « بل عجبت ويسخرون » بالرفع.
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن شقيق بن سلمة عن شريح رضي الله عنه أنه كان يقرأ هذه الآية « بل عجبت ويسخرون » بالنصب، ويقول إن الله لا يعجب من الشيء، إنما يعجب من لا يعلم قال الأعمش : فذكرت ذلك لإِبراهيم النخعي رضي الله عنه، فقال : إن شريحاً كان معجباً برأيه، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه كان أعلم منه، كان يقرأها ﴿ بل عجبت ﴾.
323
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ ﴿ بل عجبت ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ بل عجبت ويسخرون ﴾ قال : عجبت من كتاب الله ووحيه ﴿ ويسخرون ﴾ بما جئت به.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ﴿ بل عجبت ﴾ قال النبي ﷺ :« عجبت بالقرآن حين أنزل، ويسخر منه ضلال بني آدم ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ بل عجبت ﴾ قال : عجب محمد ﷺ من هذا القرآن حين أعطيه، وسخر منه أهل الضلالة ﴿ ويسخرون ﴾ يعني أهل مكة ﴿ وإذا ذكروا لا يذكرون ﴾ أي لا ينتفعون، ولا يبصرون ﴿ وإذا رأوا آية يستسخرون ﴾ أي يسخرون منه ويستهزؤون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ يستسخرون ﴾ قال : يستهزؤون. وفي قوله ﴿ فإنما هي زجرة ﴾ قال : صيحة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فإنما هي زجرة واحدة ﴾ قال : نفخة واحدة، وهي النفخة الآخرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ هذا يوم الدين ﴾ قال : يدين الله فيه العباد بأعمالهم ﴿ هذا يوم الفصل ﴾ يعني يوم القيامة.
324
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ قال : تقول الملائكة للزبانية ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وابن منيع في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث من طريق النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ قال : أمثالهم الذين هم مثلهم، يجيء أصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر. أزواج في الجنة، وأزواج في النار.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ قال : أشباههم. وفي لفظ نظراءهم.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وعكرمة رضي الله عنهما، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ قال : أزواجهم في الأعمال وقرأ ﴿ وكنتم أزواجاً ثلاثة ﴾ [ الواقعة : ٧ ] الآية ﴿ فأصحاب الميمنة ﴾ [ الواقعة : ٨ ] زوج ﴿ وأصحاب المشئمة ﴾ [ الواقعة : ٩ ] زوج ﴿ والسابقون ﴾ [ الواقعة : ١٠ ] زوج.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ قال : أمثالهم. القتلة مع القتلة، والزناة مع الزناة، وأكلة الربا مع أكلة الربا.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ قال : أشباههم من الكفار مع الكفار ﴿ وما كانوا يعبدون من دون الله ﴾ قال : الأصنام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فاهدوهم إلى صراط الجحيم ﴾ قال : سوقوهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فاهدوهم ﴾ قال : دلوهم ﴿ إلى صراط الجحيم ﴾ قال : طريق النار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وقفوهم إنهم مسئولون ﴾ قال : احبسوهم إنهم محاسبون.
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً يوم القيامة لازماً به لا يفارقه، وإن دعا رجل رجلاً. ثم قرأ ﴿ وقفوهم إنهم مسئولون ﴾ ».
وأخرج ابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله ﴿ وقفوهم إنهم مسئولون ﴾ قال : يقفون يوم القيامة حتى يسألوا عن أعمالهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن زائدة رضي الله عنه قال : كان يقال أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة عن جلسائه.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ما لكم لا تناصرون ﴾ قال : لا تمانعون منا ﴿ بل هم اليوم مستسلمون ﴾ مسخرون ﴿ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ أقبل بعضهم يلوم بعضاً قال : الضعفاء للذين استكبروا ﴿ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ﴾ تقهروننا بالقدرة عليكم ﴿ قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ﴾ في علم الله ﴿ وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين ﴾ مشركين في علم الله ﴿ فحق علينا قول ربنا ﴾ فوجب علينا قضاء ربنا لأنا كنا أذلاء، وكنتم أعزة ﴿ فإنهم يومئذٍ ﴾ قال : كلهم ﴿ في العذاب مشتركون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ ما لكم لا تناصرون ﴾ قال : لا يدفع بعضكم بعضاً ﴿ بل هم اليوم مستسلمون ﴾ في عذاب الله ﴿ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ قال : الانس على الجن قالت الانس للجن ﴿ إنكم تأتوننا عن اليمين ﴾ قال : من قبل الخير أفتنهونا عنه. قالت الجن للانس ﴿ بل لم تكونوا مؤمنين، فحق علينا قول ربنا ﴾ قال : هذا قول الجن ﴿ فأغويناكم إنا كنا غاوين ﴾ هذا قول الشياطين لضلال بني آدم ﴿ ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ﴾ يعنون محمداً ﷺ ﴿ بل جاء بالحق وصدق المرسلين ﴾ أي صدق من كان قبله من المرسلين ﴿ إنكم لذائقوا العذاب الأليم، وما تجزون إلا ما كنتم تعملون، إلا عباد الله المخلصين ﴾ قال : هذه ثنية الله ﴿ أولئك لهم رزق معلوم ﴾ قال : الجنة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ قال : ذلك إذا بعثوا في النفخة الثانية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ كنتم تأتوننا عن اليمين ﴾ قال : كانوا يأتونهم عند كل خير ليصدوهم عنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ تأتوننا عن اليمين ﴾ قال : عن الحق الكفار تقوله للشياطين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ لم تكونوا مؤمنين ﴾ قال : لو كنتم مؤمنين منعتم منا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فأغويناكم ﴾ قال : الشياطين تقول ﴿ أغويناكم ﴾ في الدنيا ﴿ إنا كنا غاوين ﴾ ﴿ فإنهم يومئذ ﴾ ومن أغووا في الدنيا ﴿ في العذاب مشتركون ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴾ قال : كانوا إذا لم يشرك بالله يستنكفون ﴿ ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ﴾ لا يعقل قال : فحكى الله صدقه فقال ﴿ بل جاء بالحق وصدق المرسلين ﴾.
327
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه، وحسابه على الله. وأنزل الله في كتابه، وذكر قوماً استكبروا فقال ﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴾ وقال ﴿ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ﴾ [ الفتح : ٢٦ ] وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله. استكبر عنها المشركون يوم الحديبية. يوم كاتبهم رسول الله ﷺ على قضية الهدنة ».
وأخرج البخاري في تاريخه عن وهب بن منبه رضي الله عنه أنه قيل له : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال : بلى. ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، فمن جاء بأسنانه فتح له، ومن لا، لم يفتح له.
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد رضي الله عنه أنه كان يقرأ ﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ أولئك لهم رزق معلوم ﴾ قال : في الجنة.
328
أخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : كل كأس ذكره الله في القرآن إنما عني به الخمر.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ بكأس من معين ﴾ قال : كأس من خمر لم تعصر والمعين هي الجارية ﴿ لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ﴾ قال : لا تذهب عقولهم، ولا تصدع رؤوسهم، ولا توجع بطونهم.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه ﴿ بكأس من معين ﴾ هو الجاري.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ بيضاء ﴾ قال : في قراءة عبدالله « صفراء ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ يطاف عليهم بكأس من معين ﴾ قال : الخمر ﴿ لا فيها غول ﴾ قال : ليس فيها صداع ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ قال : لا تذهب عقولهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : في الخمر أربع خصال : السكر، والصداع، والقيء، والبول. فنزه الله خمر الجنة عنها ﴿ لا فيها غول ﴾ لا تغول عقولهم من السكر ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ لا يقيئون عنها كما يقيء صاحب خمر الدنيا عنها، والقيء مستكره.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله ﴿ لا فيها غول ﴾ قال : ليس فيها نتن، ولا كراهية كخمر الدنيا قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت امرؤ القيس وهو يقول :
رب كاس شربت لا غول فيها وسقيت النديم منها مزاجا
قال أخبرني عن قوله ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ قال : لا يسكرون قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه وهو يقول :
ثم لا ينزفون عنها ولكن يذهب الهم عنهم والغليل
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ لا فيها غول ﴾ قال : هي الخمر، ليس فيها وجع بطن.
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ لا فيها غول ﴾ قال : وجع بطن ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ قال : لا تذهب عقولهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ بكأس من معين ﴾ قال : المعين الخمر ﴿ لا فيها غول ﴾ قال : وجع بطن ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ لا مكروه فيها ولا أذى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وعندهم قاصرات الطرف ﴾ يقول : عن غير أزواجهن ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : اللؤلؤ المكنون.
329
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ وعندهم قاصرات الطرف ﴾ يقول : عن غير أزواجهن قال : قصرن طرفهن على أزواجهن ﴿ عين ﴾ قال : حسان العيون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ عين ﴾ قال : العين العظام الاعين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : بياض البيضة ينزع عنها فوقها، وغشاؤها الذي يكون في العرف.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : كأنهن بطن البيض.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : بياض البيض حين ينزع قشره.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : هو السخاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : البيض في عشه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وعندهم قاصرات الطرف ﴾ قال : قصرن طرفهن على أزواجهن. فلا يردن غيرهم ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : البيض الذي لم تلوثه الأيدي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : محصون، لم تمرته الأيدي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله ﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ قال : البيض الذي يكنه الريش، مثل بيض النعام الذي أكنه الريش من الريح، فهو أبيض إلى الصفرة، فكانت تترقرق فذلك المكنون.
330
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ قال : أهل الجنة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إني كان لي قرين ﴾ قال : شيطان.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال : كان رجلان شريكين، وكان لهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها، فعمد أحدهما فاشترى بألف دينار أرضاً، فقال صاحبه : اللهم إن فلاناً اشترى بألف دينار أرضاً، وإني أشتري منك بألف دينار أرضاً في الجنة. فتصدق بألف دينار، ثم ابتنى صاحبه داراً بألف دينار، فقال هذا : اللهم إن فلاناً ابتنى داراً بألف دينار، وإني أشتري منك داراً في الجنة بألف دينار. فتصدق بألف دينار، ثم تزوج صاحبه امرأة، فانفق عليها ألف دينار فقال : اللهم إن فلاناً تزوج امرأة، فانفق عليها ألف دينار، وإن أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار. فتصدق بألف دينار، ثم اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار، وإني أشتري منك خدماً ومتاعاً بألف دينار. فتصدق بألف دينار.
ثم أصابته حاجة شديدة فقال : لو أتيت صاحبي هذا لعله ينالني معروف، فجلس على طريقه، فمر به في حشمه وأهله، فقام إليه الآخر، فنظر فعرفه فقال فلان... ؟! فقال : نعم. فقال : ما شأنك؟ فقال : أصابتني بعدك حاجة، فأتيتك لتصيبني بخير قال : فما فعل فقد اقتسمناه مالاً واحداً، فأخذت شطره. فقال : اشتريت داراً بألف دينار، ففعلت أنا كذلك، وفعلت أنا كذلك. فقص عليه القصة فقال : إنك لمن المصدقين بهذا، اذهب فوالله لا أعطيك شيئاً، فرده فقضى لهما أن توفيا، فنزلت فيهما ﴿ فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ حتى بلغ ﴿ أئنا لمدينون ﴾ قال : لمحاسبون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن فرات بن ثعلبة البهراني رضي الله عنه في قوله ﴿ إني كان لي قرين ﴾ قال : ذكر لي أن رجلين كان شريكين، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار، فكان أحدهما ليس له حرفة، والآخر له حرفة فقال : إنه ليس لك حرفة، فما أراني إلا مفارقك ومقاسمك، فقاسمه ثم فارقه. ثم إن أحد الرجلين اشترى داراً كانت لملك بألف دينار، فدعا صاحبه ثم قال : كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار؟ فقال : ما أحسنها! فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي قد ابتاع هذه الدار، وإني أسألك داراً من الجنة. فتصدق بألف دينار.
ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم تزوّج امرأة بألف دينار، فدعاه وصنع له طعاماً، فلما أتاه قال : إني تزوّجت هذه المرأة بألف دينار قال : ما أحسن هذا؟ فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي تزوّج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين.
331
فتصدق بألف دينار، ثم أنه مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم اشترى بستانين بألفي دينار، ثم دعاه فأراه وقال : إني قد ابتعت هذه البستانين بألفي دينار فقال : ما أحسن هذا؟ فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي قد ابتاع بستانين بألفي دينار، وإني أسألك بستانين في الجنة. فتصدق بألفي دينار.
ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما، فانطلق بهذا المتصدق، فأدخله داراً تعجبه، فإذا امرأة يضيء ما تحتها من حسنها، ثم أدخله البستانين وشيئاً الله به عليم فقال عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا. وكذا.. قال : فإنه ذلك، ولك هذا المنزل، والبستانان، والمرأة فقال ﴿ إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين ﴾ قيل له : فإنه في الجحيم قال ﴿ فهل أنتم مطلعون، فاطلع فرآه في سواء الجحيم ﴾ فقال عند ذلك ﴿ تالله إن كدت لتردين ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : كانا شريكين في بني إسرائيل. أحدهما مؤمن. والآخر كافر، فافترقا على ستة آلاف دينار، كل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار. ثم افترقا فمكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن ما صنعت في مالك، أضربت به شيئاً اتجرت به في شيء؟ قال له المؤمن : لا. فما صنعت أنت؟ قال : اشتريت به نخلاً، وأرضاً، وثماراً، وأنهاراً، بألف دينار فقال له المؤمن : أو فعلت؟ قال : نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل، فصلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه، ثم قال : اللهم إن فلاناً - يعني شريكه الكافر - اشترى أرضاً، ونخلاً، وثماراً، وأنهاراً، بألف دينار، ثم يموت ويتركها غداً. اللهم وإني اشتري منك بهذه الألف دينار أرضاً، ونخلاً، وثماراً، وأنهاراً، في الجنة. ثم أصبح فقسمها للمساكين.
ثم مكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت، أضربت به في شيء، اتجرت به؟ قال : لا. قال : فما صنعت أنت؟ قال : كانت ضيعتي قد اشتد على مؤنتها، فاشتريت رقيقاً بألف دينار، يقومون لي، ويعملون لي فيها. فقال المؤمن : أو فعلت؟ قال : نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل، صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ ألف دينار، فوضعها بين يديه ثم قال : اللهم إن فلاناً اشترى رقيقاً من رقيق الدنيا بألف دينار، يموت غداً فيتركهم، أو يموتون فيتركونه، اللهم وإني أشتري منك بهذه الألف دينار رقيقاً في الجنة. ثم أصبح فقسمها بين المساكين.
ثو مكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت في مالك، أضربت به في شيء، اتجرت به في شيء؟ قال : لا.
332
فما صنعت أنت؟ قال : كان أمري كله قد تم إلا شيئاً واحداً، فلانة مات عنها زوجها فأصدقتها ألف دينار، فجاءتني بها وبمثلها معها فقال له المؤمن : أو فعلت؟ قال له نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ الألف دينار الباقية، فوضعها بين يديه، وقال : اللهم إن فلاناً تزوّج زوجة من أزواج الدنيا بألف دينار، ويموت عنها فيتركها أو تموت فتتركه، اللهم وإني أخطب إليك بهذه الألف دينار حوراء عيناء في الجنة. ثم أصبح فقسمها بين المساكين، فبقي المؤمن ليس عنده شيء.
فلبس قميصاً من قطن، وكساء من صوف، ثم جعل يعمل ويحفر بقوته فقال رجل : يا عبد الله أتؤجر نفسك مشاهرة؛ شهراً بشهر، تقوم على دواب لي؟ قال : نعم. فكان صاحب الدواب يغدو كل يوم ينظر إلى دوابه، فإذا رأى منها دابة ضامرة أخذ برأسه فوجأ عنقه، ثم يقول له : سرقت شعير هذه البارحة. فلما رأى المؤمن الشدة قال : لآتين شريكي الكافر، فلأعملن في أرضه، يطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم، ويكسيني هذين الثوبين إذا بليا.
فانطلق يريده، فانتهى إلى بابه، وهم مُمْسٍ، فإذا قصر في السماء، وإذا حوله البوابون فقال لهم : استأذنوا لي صاحب هذا القصر، فإنكم إن فعلتم ذلك سره فقالوا له : انطلق فإن كنت صادقاً فنم في ناحية فإذا أصبحت فتعرض له. فانطلق المؤمن فألقى نصف كسائه تحته ونصفه فوقه ثم نام، فلما أصبح أتى شريكه، فتعرض له، فخرج شريكه وهو راكب، فلما رآه عرفه، فوقف فسلم عليه وصافحه، ثم قال له : ألم تأخذ من المال مثل ما أخذت فأين مالك؟ قال : لا تسألني عنه قال : فما جاء بك؟ قال : جئت أعمل في أرضك هذه، تطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم، وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا قال : لا ترى مني خيراً حتى تخبرني ما صنعت في مالك قال : أقرضته من الملأ الوفي قال : من؟ قال : الله ربي، وهو مصافحه، فانتزع يده ثم قال ﴿ أئنك لمن المصدقين، أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون ﴾ وتركه، فلما رآه المؤمن لا يلوي عليه رجع، وتركه يعيش المؤمن في شدة من الزمان، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان.
فإذا كان يوم القيامة، وأدخل الله المؤمن الجنة يمر فإذا هو بأرض، ونخل، وأنهار، وثمار، فيقول : لمن هذا؟ فيقال : هذا لك فيقول : أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ ثم يمر فإذا هو برقيق لا يحصى عددهم فيقول : لمن هذا؟ فيقال : هؤلاء لك فيقول : أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ ثم يمر فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة فيها حوراء عيناء فيقول : لمن هذه؟ فيقال : هذه لك فيقول : أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ ثم يذكر شريكه الكافر فيقول ﴿ إني كان لي قرين، يقول أئنك لمن المصدقين ﴾ فالجنة عالية، والنار هاوية، فيريه الله شريكه في وسط الجحيم، من بين أهل النار، فإذا رآه عرفه المؤمن فيقول ﴿ تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين، أفما نحن بميتين، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين، إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون ﴾ بمثل ما قدمت عليه قال : فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من الشدة فلا يذكر أشد عليه من الموت.
333
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ أئنا لمدينون ﴾ قال : لمحاسبون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ هل أنتم مطلعون ﴾ يقول : مطلعون إليه حتى أنظر إليه في النار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ سواء الجحيم ﴾ قال : وسط الجحيم.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ في سواء الجحيم ﴾ قال : وسط الجحيم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الشاعر :
رماهم بسهم فاستوى في سوائها وكان قبولاً للهوى والطوارق
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله ﴿ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ﴾ قال : اطلع، ثم التفت إلى أصحابه، فقال : لقد رأيت جماجم القوم تغلي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : في الجنة كوى، فإذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع فازداد شكراً.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ هل أنتم مطلعون ﴾ قال : سأل ربه أن يطلعه، ﴿ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ﴾ يقول : في وسطها، فرأى جماجمهم تغلي فقال : فلان.. ! فلولا أن الله عرفه إياه لما عرفه. لقد تغير خبره وسبره. فعند ذلك قال ﴿ تالله إن كدت لتردين ﴾ يقول : لتهلكني لو أطعتك ﴿ ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ﴾ قال : في النار ﴿ أفما نحن بميتين ﴾ إلى قوله ﴿ الفوز العظيم ﴾ قال : هذا قول أهل الجنة يقول الله ﴿ لمثل هذا فليعمل العاملون ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : علموا أن كل نعيم بعد الموت يقطعه فقالوا ﴿ أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين ﴾ قيل : لا. قالوا ﴿ إن هذا لهو الفوز العظيم ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يقول الله تعالى لأهل الجنة :﴿ كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون ﴾ [ المرسلات : ٤٣ ] قال : قول الله ﴿ هنيئاً ﴾ أي لا تموتون فيها. فعندها قالوا ﴿ أفما نحن بميتين، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين، إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال : كنت أمشي مع رسول الله ﷺ يده في يدي، فرأى جنازة، فأسرع المشي حتى أتى القبر، ثم جثا على ركبتيه، فجعل يبكي حتى بل الثرى، ثم قال ﴿ لمثل هذا فليعمل العاملون ﴾.
334
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : لما ذكر الله شجرة الزقوم افتتن بها الظلمة فقال أبو جهل : يزعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، وانا والله ما نعلم الزقوم إلا التمر، والزبد، فتزقموا، فأنزل الله حين عجبوا أن يكون في النار شجر ﴿ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ﴾، أي غذيت بالنار، ومنها خلقت، ﴿ طلعها كأنه رؤوس الشياطين ﴾ قال : يشبهها بذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إنّا جعلناها فتنة للظالمين ﴾ قال : قول أبي جهل : إنما الزقوم التمر، والزبد أتزقمه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه في قوله ﴿ طلعها كأنه رؤوس الشياطين ﴾ قال : شعور الشياطين، قائمة إلى السماء.
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن المنذر عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه قال : بلغنا أن ابن آدم لا ينهش من شجرة الزقوم نهشة إلا نهشت منه مثلها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« مر أبو جهل برسول الله ﷺ وهو جالس، فلما نفد قال رسول الله ﷺ ﴿ أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ﴾ [ القيامة : ٣٤-٣٥ ] فسمع أبو جهل فقال : من توعد يا محمد؟ قال : إياك فقال : بم توعدني؟ فقال : أوعدك بالعزيز الكريم فقال أبو جهل : أليس أنا العزيز الكريم؟ فأنزل الله ﴿ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ ] إلى قوله ﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾ فلما بلغ أبا جهل ما نزل فيه، جمع أصحابه، فأخرج إليهم زبداً وتمراً فقال : تزقموا من هذا، فوالله ما يتوعدكم محمداً إلا بهذا، فأنزل الله ﴿ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ﴾ إلى قوله ﴿ ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم ﴾ فقال : في الشوب إنها تختلط باللبن، فتشوبه بها ﴿ فإن لهم ﴾ على ما يأكلون ﴿ لشوباً من حميم ﴾ ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الأرض لأفسدت على الناس معايشهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ثم إن لهم عليها لشوباً ﴾ قال : لمزجا.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله ﴿ ثم إن لهم عليهم لشوباً من حميم ﴾ قال : يختلط الحميم والغساق قال له : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الشاعر :
335
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ لشوباً من حميم ﴾ قال : يخلط طعامهم، ويشاب بالحميم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقبل هؤلاء وهؤلاء، أهل الجنة وأهل النار، وقرأ « ثم إن مقيلهم لإِلى الجحيم ».
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه « ثم إن مقيلهم لإِلى الجحيم ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم ﴾ قال : مزجاً ﴿ ثم إن مرجعهم لإِلى الجحيم ﴾ قال : فهم في عناء وعذاب بين نار وحميم. وتلا هذه الآية ﴿ يطوفون بينها وبين حميمٍ آن ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ].
336
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إنهم ألفوا آباءهم ﴾ قال : وجدوا آباءهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ إنهم ألفوا آباءهم ﴾ قال : وجدوا آباءهم ﴿ ضالين، فهم على آثارهم يهرعون ﴾ أي مسرعين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إنهم ألفوا آباءهم ضالين ﴾ قال : جاهلين ﴿ فهم على آثارهم يهرعون ﴾ قال : كهيئة الهرولة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ﴾ قال : كيف عذب الله قوم نوح، وقوم لوط، وقوم صالح، والأمم التي عذب الله.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ قال : الذين استخلصهم الله سبحانه وتعالى.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ﴾ قال : أجابه الله تعالى.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي ﷺ إذا صلى في بيتي، فمر بهذه الآية ﴿ ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ﴾ قال :« صدقت ربنا، أنت أقرب من دعي، وأقرب من يعطي، فنعم المدعي، ونعم المعطي، ونعم المسؤول، ونعم المولى، وأنت ربنا، ونعم النصير ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ﴾ قال : من غرق الطوفان.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ قال : فالناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ قال : أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ يقول : لم يبق إلا ذرية نوح عليه السلام ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ يقول : يذكر بخير.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي ﷺ في قوله ﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ قال : سام، وحام، ويافث.
وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ قال :« سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم ».
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والخطيب في تالي التلخيص عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« ولد نوح ثلاثة : سام، وحام، ويافث. فولد سام العرب، وفارس، والروم، والخير فيهم. وولد يافث يأجوج ومأجوج، والترك، والصقالبة، ولا خير فيهم. وأما ولد حام القبط، والبربر، والسودان ».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في قوله ﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ قال :« ولد نوح ثلاثة : فسام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم ».
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه. أن نوحاً عليه السلام اغتسل، فرأى ابنه ينظر إليه فقال : تنظر إلي وأنا أغتسل؟ حار الله لونك. فاسود فهو أبو السودان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ قال : لسان صدق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم.
338
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ قال : هو السلام كما قال ﴿ سلام على نوح في العالمين ﴾.
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عن الحسن رضي الله عنه ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ قال : الثناء الحسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإن من شيعته ﴾ قال : من أهل ذريته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن من شيعته لإِبراهيم ﴾ قال : من شيعة نوح إبراهيم. على منهاجه وسننه ﴿ إذ جاء ربه بقلب سليم ﴾ قال : ليس فيه شك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن من شيعته لإِبراهيم ﴾ قال : على دينه ﴿ إذ جاء ربه بقلب سليم ﴾ من الشرك ﴿ أئفكا آلهة دون الله تريدون، فما ظنكم برب العالمين ﴾ إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله ﴿ فنظر نظرة في النجوم ﴾ قال : رأى نجماً طالعاً فقال ﴿ إني سقيم ﴾ قال كايديني في النجوم قال : كلمة من كلام العرب، يقول الله عز دينه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فنظر نظرة في النجوم ﴾ قال : كلمة من كلام العرب، يقول إذا تفكر؛ نظر في النجوم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ فنظر نظرة في النجوم ﴾ قال : في السماء ﴿ فقال إني سقيم ﴾ قال : مطعون.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال : مريض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان رضي الله عنه في قوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال : مطعون.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال : مطعون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان رضي الله عنه في قوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال : طعين، وكانوا يفرون من المطعون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال : أرسل إليه ملكهم فقال : إن غدا عيدنا فاخرج قال : فنظر إلى نجم فقال : إن ذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي ﴿ فتولوا عنه مدبرين ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ فتولوا عنه مدبرين ﴾ قال : فنكصوا عنه منطلقين ﴿ فراغ ﴾ قال : فمال ﴿ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ﴾ يستنطقهم منطلقين ﴿ ما لكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضرباً باليمين ﴾ أي فاقبل عليهم فكسرهم ﴿ فأقبلوا إليه يزفون ﴾ قال : يسعون ﴿ قال أتعبدون ما تنحتون ﴾ من الأصنام ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ قال : خلقكم وخلق ما تعملون بأيديكم ﴿ فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين ﴾ قال : فما ناظرهم الله بعد ذلك حتى أهلكهم ﴿ وقال إني ذاهب إلى ربي ﴾ قال : ذاهب بعمله، وقلبه، ونيته.
339
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : خرج قوم إبراهيم عليه السلام إلى عيد لهم، وأرادوا إبراهيم عليه السلام على الخروج، فاضطجع على ظهره و ﴿ قال : إني سقيم ﴾ لا أستطيع الخروج، وجعل ينظر إلى السماء، فلما خرجوا أقبل على آلهتهم فكسرها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فأقبلوا إليه يزفون ﴾ قال : يجرون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ فأقبلوا إليه يزفون ﴾ قال : ينسلون. والزفيف النسلان.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ يزفون ﴾ قال : يسعون.
وأخرج البخاري في خلق أفعال العباد والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الله صانع كل صانع وصنعته. وتلا عند ذلك ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ ».
وأخرج ابن جرير عن السدي قال ﴿ قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم ﴾ قال : فحبسوه في بيت، وجمعوا له حطباً حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول : لئن عافاني الله لأجمعن حطباً لإِبراهيم، فلما جمعوا له، وأكثروا من الحطب حتى إن كانت الطير لتمر بها، فتحترق من شدة وهجها، فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان، فرفع إبراهيم عليه السلام رأسه إلى السماء فقالت السماء، والأرض، والجبال، والملائكة، إبراهيم يحرق فيك فقال : أنا أعلم به، وإن دعاكم فاغيثوه، وقال إبراهيم عليه السلام حين رفع رأسه إلى السماء : اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض ولد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل فناداها ﴿ يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ﴾ [ الأنبياء : ٦٩ ].
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ﴾ قال : حين هاجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ رب هب لي من الصالحين ﴾ قال : ولداً صالحاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : بولادة إسحق عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : بشر بإسحاق قال : ولم يثن الله بالحلم على أحد إلا على إبراهيم، وإسحاق عليهما السلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : هو إسماعيل عليه السلام قال : وبشره الله بنبوة إسحاق بعد ذلك.
340
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق الزهري عن القاسم رضي الله عنه في قوله ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : قال ابن عباس رضي الله عنهما هو إسحاق عليه السلام، وكان ذلك بمنى. وقال كعب رضي الله عنه : هو إسحاق عليه السلام، وكان ذلك ببيت المقدس.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : إسماعيل عليه السلام.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : هو إسحاق عليه السلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عبيد بن عمير رضي الله عنه في قوله ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ قال : هو إسحاق عليه السلام.
341
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ بلغ معه السعي ﴾ قال : العمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال : أدرك معه العمل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال : لما مشى مع أبيه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه ﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال : لما مشى، فأسر في نفسه حزناً في قراءة عبد الله ﴿ قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال : لما شب حتى أدرك سعيه، سعى إبراهيم في العمل ﴿ فلما أسلما ﴾ قال : سلما ما أمرا به ﴿ وتله للجبين ﴾ قال : وضع وجهي للأرض. ففعل، فلما أدخل يده ليذبحه ﴿ نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ﴾ فأمسك يده ورفع رأسه، فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه، فذبحه.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح إسحاق قال لأبيه : إذا ذبحتني فاعتزل لا أضطرب، فينتضح عليك دمي فشده، فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه، نودي من خلفه ﴿ أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ﴾.
وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال :« إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى به الجمرة القصوى، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع فساخ، فلما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق عليهما السلام قال لأبيه : يا أبت أوثقني لا أضطرب، فينتضح عليك دمي إذا ذبحتني فشده، فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه، نودي من خلفه ﴿ أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ﴾ ».
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وإن من شيعته لإِبراهيم ﴾ قال : من شيعة نوح على منهاجه وسننه ﴿ بلغ معه السعي ﴾ شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم في العمل ﴿ فلما أسلما ﴾ سلما ما أمرا به ﴿ وتله ﴾ وضع وجهه للأرض فقال : لا تذبحني وأنت تنظر، عسى أن ترحمني فلا تجهز علي، وإن أجزع فانكص فامتنع منك، ولكن أربط يدي إلى رقبتي، ثم ضع وجهي إلى الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه فلم تصل المدية حتى نودي ﴿ أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ﴾ فأمسك يده فذلك قوله ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ بكبش ﴿ عظيم ﴾ متقبل.
342
وزعم ابن عباس رضي الله عنهما أن الذبيح إسماعيل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« قال رسول الله ﷺ رؤيا الأنبياء وحي ».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : رؤيا الأنبياء وحي. ثم تلا هذه الآية ﴿ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق. إذا رأوا شيئاً فعلوه.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أمر إبراهيم عليه السلام بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه، فسبقه إبراهيم عليه السلام، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات ﴿ وتله للجبين ﴾ وعلى إسماعيل عليه السلام قميص أبيض فقال : يا أبت ليس لي ثوب تكفني فيه غيره، فاخلعه حتى تكفني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه ﴿ أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتفت فإذا كبش أبيض، أعين، أقرن، فذبحه.
وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال : المفدى إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق. وكذبت اليهود.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه من طريق الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا : الذي أراد إبراهيم عليه السلام، ذبحه إسماعيل عليه السلام.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش.
وأخرج ابن جرير والآمدي في مغازيه والخلعي في فوائده والحاكم وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق أيهما الذبيح؟ فقال معاوية : سقطتم على الخبير كنا عند رسول الله ﷺ فأتاه أعرابي فقال : يا رسول الله خلفت الكلأ يابساً، والماء عابساً، هلك العيال، وضاع المال، فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين.
343
فتبسم رسول الله ﷺ ولم ينكر عليه فقال القوم : من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ قال : إن عبد المطلب لما حفر زمزم، نذر لله إن سهل حفرها أن ينحر بعض ولده، فلما فرغ أسهم بينهم وكانوا عشرة، فخرج السهم على عبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : ارضِ ربك وافْدِ ابنك. ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل، وانا لنجد ذلك في كتاب الله، وذلك إن الله يقول حين فرغ من قصة المذبوح ﴿ وبشرناه بإسحاق ﴾ وقال ﴿ فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ [ هود : ٧١ ] بابن، وابن ابن، فلم يكن يأمر بذبح إسحاق وله فيه موعود بما وعده، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل.
وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال سألت خوات بن جبير رضي الله عنه عن ذبيح الله قال : إسماعيل عليه السلام لما بلغ سبع سنين رأى إبراهيم عليه السلام في النوم في منزله بالشام أن يذبحه، فركب إليه على البراق حتى جاءه، فوجده عند أمه، فأخذ بيديه، ومضى به لما أمر به، وجاء الشيطان في صورة رجل يعرفه، فذبح طرفي حلقه، فإذا هو نحر في نحاس، فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثاً بالحجر ولا تحز قال إبراهيم : إن هذا الأمر من الله، فرفع رأسه، فإذا هو بوعل واقف بين يديه فقال إبراهيم : قم يا بني قد نزل فداؤك، فذبحه هناك بمنى.
وأخرج الحاكم بسندٍ فيه الواقدي من طريق عطاء بن يسار رضي الله عنه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : الذبيح إسماعيل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد والحسن رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل.
وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال : رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخطب على منبر رسول الله ﷺ ويقول : إن الذي أمر بذبحه إسماعيل.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن محمد بن كعب رضي الله عنه، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أرسل إلى رجل كان يهودياً، فاسلم وحسن إسلامه، وكان من علمائهم فسأله : أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال : إسماعيل والله يا أمير المؤمنين، وإن اليهود لتعلم بذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب.
وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله ﷺ :
344
« قال نبي الله داود : يا رب أسمع الناس يقولون رب إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فاجعلني رابعاً قال : إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي، وإن إسحاق جاد لي بنفسه، وإن يعقوب غاب عنه يوسف، وتلك بلية لم تَنَلكَ ».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : قال موسى عليه السلام : يا رب يقولون يا رب إبراهيم وإسحاق، ويعقوب، لأي شيء يقولون ذلك؟ قال : لأن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني عليه، وإن إسحاق جاد لي بنفسه فهو على ما سواه أجود، وأما يعقوب فما ابتليت ببلاء إلا ازداد بي حسن الظن.
وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن داود سأل ربه مسألة فقال : اجعلني مثل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فأوحى الله إليه أني : ابتليت إبراهيم بالنار فصبر، وابتليت إسحاق بالذبح فصبر، وابتليت يعقوب فصبر ».
وأخرج الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« الذبيح إسحاق ».
وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة عن النبي ﷺ قال :« إسحاق ذبيح ».
وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن أبي الأحوص قال : فاخر أسماء بن خارجة عند ابن مسعود فقال : أنا ابن الأشياخ الكرام فقال ابن مسعود رضي الله عنه : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :« سئل النبي ﷺ من أكرم الناس؟ قال » يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله « ».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، أو شفاعتي، فاخترت شفاعتي، ورجوت أن تكون أعم لأمتي، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لعجلت دعوتي، إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له : يا ابا إسحاق سل تعطه قال : أما والله لا تعجلها قبل نزغات الشيطان، اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً قد أحسن، فاغفر له ».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن كعب رضي الله عنه. أنه قال لأبي هريرة : ألا أخبرك عن إسحاق؟ قال : بلى. قال : رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذه آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً، فتمثل الشيطان رجلاً يعرفونه، فاقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة، فقال : أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت : لبعض حاجته قال : لا والله قالت : فَلِمَ غدا؟ قال : ليذبحه قالت : لم يكن ليذبح ابنه! قال : بلى والله قالت سارة : فلم يذبحه؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك قالت : قد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك.
345
فخرج الشيطان، فأدرك إسحاق وهو يمشي على أثر أبيه قال : أين أصبح أبوك غادياً؟ قال : لبعض حاجته قال : لا والله بل غدا بك ليذبحك قال : ما كان أبي ليذبحني، قال : بلى قال : لِمَ؟ قال : زعم أن الله أمره بذلك قال إسحق : فوالله لئن أمره ليطيعنه.
فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم، فقال أين أصبحت غادياً بابنك؟ قال : لبعض حاجتي قال : لا والله ما غدوت به إلا لتذبحه. قال : ولِمَ أذبحه؟ قال : زعمت أن الله أمرك بذلك فقال : والله لئن كان الله أمرني لأفعلن. قال فتركه ويئس أن يطاع، فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه، وسلم إسحاق عافاه الله، وفداه بذبح عظيم. فقال : قم أي بني فإن الله قد عافاك، فأوحى الله إلى إسحاق : أني قد أعطيتك دعوة استجيب لك فيها قال : فإني أدعوك أن تستجيب لي. أيما عبد لقيك من الأوّلين والآخرين لا يشرك بك شيئاً، فادخله الجنة.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال : الذبيح إسحاق.
وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الذبيح إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحاق.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : الذبيح إسحاق.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام ذبح إسحاق، سار به من منزله إلى المنحر بمنى مسيرة شهر في غداة واحدة، فلما صرف عنه الذبح، وأمر بذبح الكبش، ذبحه ثم راح به، وراحا إلى منزله في عشية واحدة مسيرة شهر طويت له الأودية والجبال.
وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن يذبح إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مسروق رضي الله عنه قال : الذبيح إسحاق.
وأخرج ابن عساكر عن نوح بن حبيب قال : سمعت الشافعي يقول كلاماً ما سمعت قط أحسن منه، سمعته يقول : قال خليل الله إبراهيم لولده في وقت ما قص عليه ما رأى ماذا ترى؟ أي ماذا تشير به، ليستخرج بهذه اللفظة منه ذكر التفويض، والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر الله، لا لمواراته لدفع أمر الله تعالى، ﴿ يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ قال الشافعي رضي الله عنه : والتفويض هو الصبر، والتسليم هو الصبر، والانقياد هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح جميع ما ابتغاه بهذه اللفظة اليسيرة.
346
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال : أضجعه ووضع الشفرة، فاقلب جبريل الشفرة، فقال : يا أبت شدني فإني أخاف أن ينتضح عليك من دمي، ثم قال : يا أبت حلني فإني أخاف أن تشهد عليَّ الملائكة أني جزعت من أمر الله تعالى...
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : أتى إبراهيم في النوم فقيل له : أوف بنذرك الذي نذرت. إن الله رزقك غلاماً من سارة أن تذبحه. فقال : يا إسحاق انطلق فقرب قرباناً إلى الله، فأخذ سكيناً وحبلاً ثم انطلق به، حتى إذا ذهب به بين الجبال قال الغلام : يا أبت أين قربانك؟ ﴿ قال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ قال له إسحاق : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، وأكفف عني ثيابك حتى لا ينضح عليها من دمي شيء، فتراه سارة فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليَّ فإذا أتيت سارة، فاقرأ عليها السلام مني. فأقبل عليه إبراهيم بقلبه وهو يبكي، وإسحاق يبكي، ثم إنه جر السكين على حلقه، فلم تنحر، وضرب الله على حلق إسحاق صفيحة من نحاس، فلما رأى ذلك ضرب به على جبينه، وحز من قفاه. وذلك قول الله ﴿ فلما أسلما ﴾ يقول : سلما لله الأمر ﴿ وتله للجبين ﴾ فنودي يا إبراهيم ﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ بإسحاق، فالتفت فإذا هو بكبش، فأخذه وحل عن ابنه، وأكب عليه يقبله، وجعل يقول : اليوم يا بني وهبت لي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الله لما أمر إبراهيم بذبح ابنه قال له : يا بني خذ الشفرة فقال الشيطان : هذا أوان أصيب حاجتي من آل إبراهيم، فلقي إبراهيم متشبهاً بصديق له، فقال له : يا إبراهيم أين تعمد؟ قال : لحاجة قال : والله ما تذهب إلا لتذبح ابنك من أجل رؤيا رأيتها، والرؤيا تخطىء وتصيب، وليس في رؤيا رأيتها ما تذهب إسحاق، فلما رأى أنه لم يستفد من إبراهيم شيئاً؛ لقي إسحاق، فقال : أين تعمد يا إسحاق؟ قال : لحاجة إبراهيم قال : إن إبراهيم إنما يذهب بك ليذبحك فقال إسحاق : وما شأنه يذبحني، وهل رأيت أحداً يذبح ابنه؟ قال : يذبحك لله قال : فإن يذبحني لله أصبر والله لذلك أهل، فلما رأى أنه لم يستفد من إسحاق شيئاً جاء إلى سارة فقال : أين يذهب إسحاق؟ قالت : ذهب مع إبراهيم لحاجته فقال : إنما ذهب به ليذبحه فقالت : وهل رأيت أحداً يذبح ابنه؟ قال : يذبحه لله قالت : فإن ذبحه لله، فإن إبراهيم وإسحاق لله، والله لذلك أهل، فلما رأى أنه لم يستفد منهما شيئاً أتى الجمرة، فانتفخ حتى سد الوادي، ومع إبراهيم الملك فقال الملك : ارم يا إبراهيم، فرمى بسبع حصيات، يكبر في أثر كل حصاة، فأفرج له عن الطريق، ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثانية، فانتفخ حتى سد الوادي فقال له الملك : ارم يا إبراهيم، فرمى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، فافرج له عن الطريق، ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثالثة، فانتفخ حتى سد الوادي عليه فقال له الملك : ارم يا إبراهيم فرمى بسبع حصيات، يكبر في أثر كل حصاة، فأفرج له عن الطريق حتى أتى المنحر.
347
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما سميت تروية، وعرفة، لأن إبراهيم عليه السلام أتاه الوحي في منامه : أن يذبح ابنه، فرأى في نفسه أمن الله هذا، أم من الشيطان؟ فاصبح صائماً، فلما كان ليلة عرفة أتاه الوحي، فعرف أنه الحق من ربه، فسميت عرفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فلما أسلما ﴾ قال : أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله ﴿ وتله ﴾ أي كبه لفيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله ﴿ فلما أسلما ﴾ قال : اتفقا على أمر واحد ﴿ وتله للجبين ﴾ قال : أكبه للجبين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وتله للجبين ﴾ قال : أكبه على وجهه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وتله للجبين ﴾ قال : صرعه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : لما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه قال : يا أبتاه خذ بناصيتي، واجلس بين كتفي حتى لا أؤذيك إذا مسني حر السكين، ففعل، فانقلبت السكين قال : ما لك يا أبتاه؟ قال : انقلبت السكين قال : فاطعن بها طعناً قال : فتثنت قال : ما لك يا أبتاه؟ قال : تثنت، فعرف الصدق، ففداه الله بذبح عظيم، وهو إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وتله للجبين ﴾ قال : ساجداً.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح رضي الله عنه قال : لما أن وضع السكين على حلقه، انقلبت صارت نحاساً.
348
وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن حاضر قال : لما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق ترك أمه سارة في مسجد الخيف، وذهب بإسحاق معه، فلما بلغ حيث أراد أن يذبحه قال إبراهيم لمن كان معه : استأخروا مني، وأخذ بيد ابنه إسحاق، فعزله فقال : يا بني ﴿ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ﴾ قال له إسحاق : يا أبتِ ربي أمرك قال إبراهيم : نعم يا إسحاق. قال إسحاق :﴿ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما ﴾ لأمر الله ﴿ وتله ﴾ قال إسحاق لأبيه : يا أبتِ أوثقتني لأطيش بك نودي ﴿ يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ﴾ وهبط عليه الكبش من ثبير، وقد قيل : إنه ارتعى في الجنة أربعين سنة، فلما كشف عن إسحاق دعا ربه، ورغب إليه، وحمده، وأوحى إليه : أن أدع فإن دعاءك مستجاب، فقال : اللهم من خرج من الدنيا لا يشرك بك شيئاً فادخله الجنة. قال ابن خاضر : إن إبراهيم كان قال لربه : يا رب أي ولدي أذبح؟ فأوحى الرب إليه : أحبهما إليك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه : أن داود قال : يا رب إن الناس يقولون رب إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فاجعلني لهم رابعاً. فأوحى الله إليه : أن تلك بلية لم تصل إليك بعد. إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني، ووفى بجميع ما أمرته. وإن إسحاق جاد لي بنفسه. وإن يعقوب أخذت خاصته، غيبته عنه طول الدهر، فلم ييأس من روحي.
وأخرج سعد بن منصور وابن المنذر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : خرج إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، فتمثل له الشيطان في صورة رجل، فقال له : أين تذهب؟ فقال إبراهيم : عليه السلام ما لك ولذلك... ! اذهب في حاجتي قال : فإنك تزعم أنك تذهب بابنك فتذبحه قال : والله إن كان الله أمرني بذلك أني لحقيق أن أطيع ربي، ثم ذهب إلى ابنه وهو وراءه يمشي، فقال له : أين تذهب؟ قال : اذهب مع أبي فقال : إن أباك يزعم أن الله أمره بذبحك، فقال له مثل ما قال إبراهيم، ثم انطلق إبراهيم عليه السلام، حتى إذا كانوا على جبل قال لابنه ﴿ يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ ويا أبت أوثقني رباطاً، لا ينتضح عليك من دمي، فقام إليه إبراهيم بالشفرة، فبرك عليه، فجعل ما بين ليته إلى منحره نحاساً لا تحيك فيه الشفرة، ثم إن إبراهيم التفت وراء، فإذا هو بالكبش فقال له : أي بني قم فإن الله فداك، فذبح إبراهيم الكبش، وترك ابنه، ثم إن إبراهيم عليه السلام قال : يا بني إن الله قد أعطاك بصبرك اليوم، فسل ما شئت تعطى قال : فإني أسأل الله أن لا يلقاه له عبد مؤمن به، يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلا غفر له وأدخله الجنة.
349
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه في قوله ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : كبش أبيض، أعين، أقرن، قد ربط بسمرة في أصل ثبير.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً.
وأخرج البخاري في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال : هبط الكبش الذي فدى ابن إبراهيم من هذه الخيبة، على يسار الجمرة الوسطى.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الصخرة التي بمنى بأصل ثبير، هي التي ذبح عليها إبراهيم عليه السلام فدى ابنه إسحاق، هبط عليه من ثبير كبش أعين، أقرن، له ثغاء، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم، فتقبل منه، وكان مخزوناً في الجنة حتى فدى به إسحاق عليه السلام.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي في سننه عن امرأة من بني سليم قالت : أرسل رسول الله ﷺ إلى عثمان بن طلحة، فسألت عثمان لما دعاه النبي ﷺ قال :« قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت الكعبة، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلين ».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فدى الله إسماعيل عليه السلام بكبشين، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، أَعْيَنَيْنِ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : بكبش متقبل.
وأخرج البغوي عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال : كنت قاعداً بالمنحر مع رجل من قريش، فحدثني القرشي قال : حدثني أبي أن رسول الله ﷺ قال له :« إن الكبش الذي نزل على إبراهيم في هذا المكان ».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : خرج عليه كبش من الجنة، وقد رعاها قبل ذلك أربعين خريفاً، فأرسل إبراهيم عليه السلام ابنه، واتبع الكبش، فأخرجه إلى الجمرة الأولى، فرماه بسبع حصيات، فأفلته عنده، فجاء الجمرة الوسطى، فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات، فأخرجه عندها، ثم أخذه، فأتى به المنحر من منى، فذبحه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان اسم كبش إبراهيم؛ جرير.
350
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال له رجل : نذرت لأنحرن نفسي فقال ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ [ الأحزاب : ٢١ ] ثم تلا ﴿ وفديناه بذبحٍ عظيم ﴾ فأمره بكبش، فذبحه.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشاً، ثم تلا ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾.
وأخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه « لما فدى الله إسحاق من الذبح، أتاه جبريل عليه السلام، فقال : يا إسحاق إنه لم يصبر أحد من الأولين والآخرين، يشهد أن لا إله إلا الله فاغفر له. سبقني أخي إسحاق عليه السلام إلى الدعوة ».
351
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين ﴾ قال : إنما بشر به نبياً حين فداه الله من الذبح، ولم تكن البشارة بالنبوة حين مولده.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وبشرناه بإسحاق ﴾ قال : بشرى نبوة. بشر به مرتين، حين ولد. وحين نبىء.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال : قلت لابن المسيب ﴿ وفديناه بذبحٍ عظيم ﴾ هو إسحاق؟ قال معاذ الله.. ! ولكنه إسماعيل عليه السلام، فثوب بصبره إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وبشرناه بإسحاق نبياً ﴾ قال : بشر به بعد ذلك نبياً. بعدما كان هذا من أمره، لما جاد لله بنفسه ﴿ وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ﴾ أي مؤمن، وكافر. وفي قوله ﴿ ولقد مننا على موسى وهارون، ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ﴾ أي من آل فرعون ﴿ وآتيناهما الكتاب المستبين ﴾ قال : التوراة ﴿ وهديناهما الصراط المستقيم ﴾ قال : الإِسلام ﴿ وتركنا عليهما في الآخرين ﴾ قال : أبقى الله عليهما الثناء الحسن في الآخرين.
أخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإن إلياس لمن المرسلين... ﴾ الآيات. قال : إنما سمي بعلبك لعبادتهم البعل، وكان موضعهم البدء، فسمي بعلبك.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن إلياس ﴾ قال : إن الله تعالى بعث إلياس إلى بعلبك، وكانوا قوماً يعبدون الأصنام، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة، كل ملك على ناحية يأكلها، وكان الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ويقتدي برأيه، وهو على هدي من بين أصحابه، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام فقالوا له : ما يدعوك إلا إلى الضلالة والباطل، وجعلوا يقولون له : أعبد هذه الأوثان التي تعبد الملوك، وهم على ما نحن عليه؛ يأكلون، ويشربون، وهم في ملكهم يتقلبون، وما تنقص دنياهم من ربهم الذي تزعم أنه باطل، وما لنا عليهم من فضل.
فاسترجع إلياس، فقام شعر رأسه وجلده، فخرج عليه إلياس. قال الحسن رضي الله عنه : وإن الذي زين لذلك الملك امرأته، وكانت قبله تحت ملك جبار، وكان من الكنعانيين في طول، وجسم، وحسن، فمات زوجها، فاتخذت تمثالاً على صورة بعلها من الذهب، وجعلت له حدقتين من ياقوتتين، وتوجته بتاج مكلل بالدر والجوهر، ثم أقعدته على سرير، تدخل عليه فتدخنه، وتطيبه، وتسجد له، ثم تخرج عنه، فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه، وكانت فاجرة، قد قهرت زوجها، ووضعت البعل في ذلك البيت، وجعلت سبعين سادنا، فعبدوا البعل، فدعاهم إلياس إلى الله، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً.
فقال إلياس : اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، وعبادة غيرك، فغير ما بهم من نعمتك، فأوحى الله إليه : إني قد جعلت أرزاقهم بيدك. فقال : اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إلى الملك فتاه اليسع، فقال : قل له إن إلياس يقول لك أنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله، واتبعت هوى امرأتك، فاستعد للعذاب والبلاء، فانطلق اليسع، فبلغ رسالته للملك، فعصمه الله تعالى من شر الملك، وأمسك الله عنهم القطر، حتى هلكت الماشية، والدواب، وجهد الناس جهداً شديداً.
وخرج إلياس إلى ذروة جبل، فكان الله يأتيه برزقه، وفجر له عيناً معيناً لشرابه وطهوره، حتى أصاب الناس الجهد، فأرسل الملك إلى السبعين، فقال لهم : سلوا البعل أن يفرج ما بنا، فأخرجوا أصنامهم، فقربوا لها الذبائح، وعطفوا عليها، وجعلوا يدعون حتى طال ذلك بهم، فقال لهم الملك : إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء، فبعثوا في طلب إلياس، فأتى فقال : أتحبون أن يفرج عنكم؟ قالوا : نعم.
353
قال : فاخرجوا أوثانكم، فدعا إلياس عليه السلام ربه أن يفرج عنهم، فارتفعت سحابة مثل الترس. وهم ينظرون، ثم أرسل الله عليهم المطر، فأغاثهم، فتابوا ورجعوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن مسعود قال ﴿ إلياس ﴾ هو إدريس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : كان يقال أن ﴿ إلياس ﴾ هو إدريس عليه السلام.
وأخرج ابن عساكر عن كعب رضي الله عنه قال : أربعة أنبياء اليوم أحياء. اثنان في الدنيا. إلياس، والخضر. واثنان في السماء : عيسى، وإدريس.
وأخرج ابن عساكر عن ابن شوذب رضي الله عنه قال : الخضر عليه السلام من وفد فارس، وإلياس عليه السلام من بني إسرائيل، يلتقيان كل عام بالموسم.
وأخرج ابن عساكر عن وهب رضي الله عنه قال : دعا إلياس عليه السلام ربه أن يريحه من قومه، فقيل له : انظر يوم كذا وكذا... فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها، فجعل يتوقع ذلك اليوم، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس، لونه كلون النار، حتى وقف بين يديه، فوثب عليه، فانطلق به، فكان آخر العهد به، فكساه الله الريش، وكساه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار في الملائكة عليهم السلام.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه قال : إلياس عليه السلام موكل بالفيافي. والخضر عليه السلام بالجبال، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى، وإنهما يجتمعان كل عام بالموسم.
وأخرج الحاكم عن كعب رضي الله عنه قال : كان إلياس عليه السلام صاحب جبال وبرية، يخلو فيها يعبد ربه تعالى، وكان ضخم الرأس، خميص البطن، دقيق الساقين، في صدره شامة حمراء، وإنما رفعه الله تعالى إلى أرض الشام، لم يصعد به إلى السماء، وهو الذي سماه الله ذا النون.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ :« الخضر هو إلياس ».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل وضعفه عن أنس رضي الله عنه قال :« كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فنزلنا منزلاً، فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفورة، المثاب لها، فاشرفت على الوادي، فإذا طوله ثلثمائة ذراع وأكثر. فقال : من أنت؟ قلت : أنس خادم رسول الله ﷺ فقال : أين هو؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك قال : فأته وأقرئه مني السلام، وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام. فأتيت النبي ﷺ، فأخبرته، فجاء حتى عانقه، وقعدا يتحدثان فقال له : يا رسول الله إني آكل في كل سنة يوماً، وهذا يوم فطري، فكل أنت وأنا، فنزلت عليهما مائدة من السماء، وخبز، وحوت، وكرفس، فأكلا وأطعماني، وصليا العصر، ثم ودعني وودعه، ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإِسناد، وقال الذهبي : بل هو، موضوع، قبح الله من وضعه.
354
قال : وما كنت أحسب، ولا أجوِّز، أن الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحح هذا «.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ قال : صنماً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ قال : رباً.
وأخرج ابن أبي حاتم وإبراهيم الحربي في غريب الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه أبصر رجلاً يسوق بقرة، فقال : من بعل هذه؟ فدعاه فقال : ممن أنت؟ قال : من أهل اليمن. فقال : هي لغة ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ أي رباً.
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد رضي الله عنه؛ استام بناقة رجل من حمير فقال له : أنت صاحبها؟ قال : أنا بعلها، فقال ابن عباس ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ أتدعون رباً. ممن أنت؟ قال : من حمير.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : مر رجل يقول : من يعرف البقرة؟ فقال رجل : أنا بعلها فقال له ابن عباس رضي الله عنهما : تزعم أنك زوج البقرة؟ قال الرجل : أما سمعت قول الله ﴿ أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين ﴾ قال : تدعون بعلاً، وأنا ربكم فقال له ابن عباس رضي الله عنهما : صدقت.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ قال : رباً بلغة ازدة شنوأة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ قال : صنماً لهم، كانوا يعبدونه في بعلبك، وهي وراء دمشق، فكان بها البعل الذي يعبدونه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ قال : ربا باليمانية يقول الرجل للرجل : من بعل الثوب؟.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن سعد قال : سأل رجل ابن عباس رضي الله عنه عن قوله ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ فسكت عنه ابن عباس رضي الله عنهما، ثم سأله، فسكت عنه، فسمع رجلاً ينشد ضالة، فسمع آخر يقول : أنا بعلها. فقال ابن عباس : أين السائل؟ اسمع. ما يقول السائل. أنا بعلها. أنا ربها ﴿ أتدعون بعلاً ﴾ أتدعون ربا.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ سلام على إل ياسين ﴾ قال : هو إلياس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ »
سلام على ادراسين « وقال : هو مثل إلياس مثل عيسى، والمسيح، ومحمد، وأحمد، وإسرائيل، ويعقوب.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ سلام على إل ياسين ﴾ قال : نحن آل محمد ﴿ إل ياسين ﴾.
355
أخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه ﴿ إلا عجوزاً في الغابرين ﴾ يقول : إلا امرأته تخلفت، فمسخت حجراً، وكانت تسمى هيشفع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ إلا عجوزاً في الغابرين ﴾ قال : الهالكين ﴿ وإنكم لتمرون عليهم ﴾ قال : في أسفاركم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ﴾ قال : نعم. صباحاً ومساء، من أخذ من المدينة إلى الشام أخذ على سدوم قرية قوم لوط.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ﴾ قال ﴿ تمرون عليهم مصبحين ﴾ قال : على قرية قوم لوط ﴿ أفلا تعقلون ﴾ قال : أفلا تتفكرون أن يصيبكم ما أصابهم.
أخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاوس في قوله ﴿ وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون ﴾ قال : قيل ليونس عليه السلام إن قومك يأتيهم العذاب يوم كذا وكذا.. فلما كان يومئذ، خرج يونس عليه السلام، ففقده قومه، فخرجوا بالصغير، والكبير، والدواب، وكل شيء. ثم عزلوا الوالدة عن ولدها، والشاة عن ولدها، والناقة والبقرة عن ولدها، فسمعت لهم عجيجاً، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه، ثم صرف عنهم. فلما لم يصبهم العذاب، ذهب يونس عليه السلام مغاضباً، فركب في البحر في سفينة مع أناس، حتى إذا كانوا حيث شاء الله تعالى، ركدت السفينة، فلم تسر فقال صاحب السفينة : ما يمنعنا أن نسير إلا أن فيكم رجلاً مشؤوماً قال : فاقترعوا ليلقوا أحدهم، فخرجت القرعة على يونس، فقالوا : ما كنا لنفعل بك هذا. ثم اقترعوا أيضاً، فخرجت القرعة عليه ثلاثاً، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت قال طاوس : بلغني أنه لما نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم، نبتت عليه شجرة من يقطين واليقطين الدباء، فمكث حتى إذا رجعت إليه نفسه يبست الشجرة، فبكى يونس عليه السلام حزناً عليها، فأوحى الله إليه : أتبكي على هلاك شجرة ولا تبكي على هلاك مائة ألف؟.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل قريته، فردوا عليه ما جاءهم به، فامتنعوا منه، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه : إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا.. فأخرج من بين أظهرهم، فاعلم قومه الذي وعد الله من عذابه إياهم، فقالوا : ارمقوه فإن هو خرج من بين أظهركم فهو الله كائن ما وعدكم. فلما كانت الليلة التي وعدوا العذاب في صبيحتها، أدلج فرآه القوم، فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم، وفرقوا بين كل دابة وولدها. ثم عجوا إلى الله، وأنابوا واستقالوا، فأقالهم وانتظر يونس عليه الخبر عن القرية وأهلها. حتى مر مار فقال : ما فعل أهل القرية؟ قال : فعلوا أن نبيهم لما خرج من بين أظهرهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض، ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها، ثم عجوا إلى الله، وتابوا إليه فقبل منهم، وأخر عنهم العذاب. فقال يونس عليه السلام عند ذلك : لا أرجع إليهم كذاباً أبداً، ومضى على وجهه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن الحارث قال : لما خرج يونس عليه السلام مغاضباً أتى السفينة، فركبها فامتنعت أن تجري فقال أصحاب السفينة : ما هذا إلا لحدث أحدثتموه! فقال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نقترع، فمن وقعت عليه القرعة فالقوه في الماء، فاقترعوا، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام، ثم عادوا فوقعت القرعة عليه في الثالثة، فلما رأى يونس ذلك قال : هو أنا، فخرج فطرح نفسه في الماء، فإذا حوت قد رفع رأسه من الماء قدر ثلاثة أذرع، فذهب ليطرح نفسه، فاستقبله الحوت، فإذا هوى إليه ليأخذه، فتحول إلى الجانب الآخر، فإذا الحوت قد استقبله، فلما رأى يونس عليه السلام ذلك عرف أنه أمر من الله، فطرح نفسه، فأخذه الحوت قبل أن يمر على الماء، فأوحى الله إلى الحوت أن لا تهضم له عظماً، ولا تأكل له لحماً حتى آمر بأمري بكذا وكذا وكذا.
357
.. حتى ألزقه بالطين، فسمع تسبيح الأرض، فذلك حين نادى.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« لما ألقى يونس عليه سلام نفسه في البحر التقمه الحوت، هوى به حتى انتهى إلى مفجر من الأرض أو كلمة تشبهها، فسمع تسبيح الأرض ﴿ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] فأقبلت الدعوة تحوم العرش، فقالت الملائكة : يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً من بلاد غربة قال : وتدرون ما ذاكم؟ قالوا : لا يا ربنا قال : ذاك عبدي يونس قالوا : الذي كنا لا نزال نرفع له عملاً متقبلاً، ودعوة مجابة، قال : نعم. قالوا : يا ربنا ألا ترحم ما كان يصنع في الرخاء، وتنجيه عند البلاء. قال : بلى فأمر الحوت فحفظه ».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن لفظه حين لفظه في أصل يقطينة وهي الدباء، فلفظه وهو كهيئة الصبي، وكان يستظل بظلها، وهيأ الله له أرواة من الوحش، فكانت تروح عليه بكرة وعشية، فتفشخ رجليها، فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه.
وأخرج ابن إسحاق والبزار وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« لما أراد الله حبس يونس عليه السلام في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه، ولا تخدش له لحماً، ولا تكسر له عظماً، فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حساً فقال في نفسه : ما هذا... ! فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت : إن هذا تسبيح دواب الأرض، فسبح وهو في بطن الحوت، فقالوا : ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غربة قال : ذاك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم عمل صالح؟ قال : نعم. فشفعوا له عند ذلك، فأمره، فقذفه في الساحل كما قال الله ﴿ وهو سقيم ﴾ ».
358
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن يونس عليه السلام كان وعد قومه العذاب، وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا، فجأروا إلى الله، واستغفروه، فكف الله عنهم العذاب، وغدا يونس عليه السلام ينتظر العذاب، فلم ير شيئاً، وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل. فانطلق مغاضباً، حتى أتى قوماً في سفينة، فحملوه وعرفوه، فلما دخل السفينة ركدت، والسفن تسير يميناً وشمالاً فقال : ما بال سفينتكم؟! قالوا : ما ندري! قال : ولكني أدري أن فيها عبداً أبق من ربه، وأنها والله لا تسير حتى تلقوه، قالوا : أما أنت والله يا نبي الله فلا نلقيك. فقال لهم يونس عليه السلام : اقترعوا فمن قرع. فليقع، فاقترعوا فقرعهم يونس عليه السلام ثلاث مرات، فوقع وقد وكل به الحوت، فلما وقع ابتلعه، فأهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى ﴿ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] قال : ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، قال ﴿ فنبذ بالعراء وهو سقيم ﴾ قال كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، فكان يستظل بها ويصيب منها، فيبست فبكى عليها حين يبست، فأوحى الله إليه : أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟ فخرج فإذا هو بغلام يرعى غنماً فقال : ممن أنت يا غلام؟ قال : من قوم يونس قال : فإذا رجعت إليهم، فاقرئهم السلام وأخبرهم إنك لقيت يونس، فقال له الغلام : إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل، فمن يشهد لي قال : تشهد لك هذه الشجرة، وهذه البقعة. فقال الغلام ليونس : مرهما فقال لهما يونس عليه السلام : إذا جاء كما هذا الغلام فاشهدا له. قالتا : نعم. فرجع الغلام إلى قومه، وكان له إخوة، فكان في منعة، فأتى الملك فقال : إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام، فأمر به الملك أن يقتل فقال : إن له بينة، فأرسل معه، فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام : نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس؟ قالتا : نعم. فرجع القوم مذعورين يقولون : تشهد لك الشجرة والأرض! فأتوا الملك، فحدثوه بما رأوا، فتناول الملك يد الغلام، فأجلسه في مجلسه، وقال : أنت أحق بهذا المكان مني، وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً، وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوّة.
359
ولها أثقال لا يحملها إلا قليل. تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل، فقذفها من يده، وخرج هارباً منها. يقول الله لنبيه ﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾ قال : من المسهومين قال : اقترع فكان من المدحضين قال : من المسهومين.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن قتادة رضي الله عنه ﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾ قال : احتبست السفينة، فعلم القوم أنها احتبست من حدث أحدثوه، فتساهموا فقرع يونس عليه السلام، فرمى بنفسه، ﴿ فالتقمه الحوت وهو مليم ﴾ أي مسيء فيما صنع ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : كان كثير الصلاة في الرخاء فنجا، وكان يقال في الحكمة. إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، وإذا ما صرع وجد متكأ ﴿ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ يقول : لصارت له قبر إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه رضي الله عنه أنه جلس هو وطاوس ونحوهم من أهل ذلك الزمان، فذكروا أي أمر الله أسرع؟ فقال بعضهم : قول الله تعالى ﴿ كلمح البصر ﴾ [ النحل : ٧٧ ] وقال بعضهم : السرير حين أتى به سليمان. فقال ابن منبه : أسرع أمر الله أن يونس على حافة السفينة، إذ أوحى الله تعالى إلى نون في نيل مصر، فما خرَّ من حافتها إلا في جوفه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال ( التقمه حوت ) يقال له نجم، فجرى به في بحر الروم، ثم النيل، ثم فارس، ثم في دجلة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وهو مليم ﴾ مسيء.
وأخرج ابن الأنباري والطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله ﴿ وهو مليم ﴾ قال : المليم المسيء والمذنب قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول :
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيباً بماء فعادا بعد أبوالا
بريء من الآفات ليس لها بأهل ولكن المسيء هو المليم
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ وهو مليم ﴾ قال : مذنب.
وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : لولا أنه حلاله عمل صالح ﴿ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ قال : وفي الحكمة. إن العمل الصالح يرفع صاحبه.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : من المصلين قبل أن يدخل بطن الحوت.
360
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : ما كان إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت. فذكر ذلك لقتادة رضي الله عنه فقال : لا. إنما كان يعمل في الرخاء.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : من المصلين.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : العابدين الله قبل ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن أبي الحسن رضي الله عنه ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : لولا أنه كان له سلف من عبادة وتسبيح، تداركه الله به حين أصابه ما أصابه، نعمه في بطن الحوت أربعين من بين يوم وليلة، ثم أخرجه وتاب عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : نعلم والله أن التضرع في الرخاء استعداد لنزول البلاء، ويجد صاحبه متكأ إذا نزل به، وإن سالف السيئة تلحق صاحبها وإن قدمت.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه قال : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس عليه السلام كان عبداً صالحاً ذاكراً لله، فلما وقع في بطن الحوت قال الله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ وإن فرعون كان عبداً طاغياً، ناسياً لذكر الله، فلما أدركه الغرق قال :﴿ آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ﴾ [ يونس : ٩٠ ] فقيل له ﴿ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ﴾ [ يونس : ٩٠ ].
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : كان يكثر الصلاة في الرخاء، فلما حصل في بطن الحوت، ظن أنه الموت، فحرك رجليه، فإذا هي تتحرك، فسجد وقال : يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يسجد فيه أحد.
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن الشعبي قال : التقمه الحوت ضحى، ولفظه عشية، ما بات في بطنه.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مكث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوماً.
وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن ابن جريج قال : بقي يونس في بطن الحوت أربعين يوماً.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه قال : لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوماً.
361
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لبث يونس في بطن الحوت سبعة أيام، فطاف به البحار كلها، ثم نبذه على شاطىء دجلة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال ﴿ التقمه الحوت ﴾ يقال له نجم، وإنه لبث ثلاثاً في جوفه، وفي قوله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجا ﴿ للبث في بطنه ﴾ قال : لصار له بطن الحوت قبراً ﴿ إلى يوم يبعثون ﴾ قال : إلى يوم القيامة. وفي قوله ﴿ فنبذناه بالعراء ﴾ قال : شط دجلة. ونينوى على شط دجلة، مكث في بطنه أربعين يوماً يتردّد به في دجلة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ فنبذناه بالعراء ﴾ قال : ألقيناه بالساحل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال : انطلق يونس عليه السلام مغضباً، فركب مع قوم في سفينة، فوقفت السفينة لم تسر، فساهمهم، فتدلى في البحر، فجاء الحوت يبصبص بذنبه، فنودي الحوت أنا لم نجعل يونس لك رزقاً، إنما جعلناك له حرزاً ومسجداً.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما ذهب مغاضباً، فكان في بطن الحوت قال من بطن الحوت : إلهي من البيوت أخرجتني، ومن رؤوس الجبال أنزلتني، وفي البلاد سيرتني، وفي البحر قذفتني، وفي بطن الحوت سجنتني، فما تعرف مني عملاً صالحاً تروح به عني. قالت الملائكة عليهم السلام : ربنا صوت معروف من مكان غربة! فقال لهم الرب : ذاك عبدي يونس قال الله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ وكان في بطن الحوت أربعين يوماً، فنبذه الله ﴿ بالعراء وهو سقيم ﴾ وأنبت ﴿ عليه شجرة من يقطين ﴾ قال : اليقطين الدباء، فاستظل بظلها، وأكل من قرعها، وشرب من أصلها ما شاء الله. ثم إن الله تعالى أيبسها، وذهب ما كان فيها، فحزن يونس عليه السلام، فأوحى الله إليه : حزنت على شجرة أنبتها ثم أيبستها، ولم تحزن على قومك حين جاءهم العذاب، فصرف عنهم، ثم ذهبت مغاضباً.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن حميد بن هلال قال : كان يونس عليه السلام يدعو قومه، فيأبون عليه، فإذا خلا دعا الله لهم بالخير، وقد بعثوا عليه عيناً، فلما أعيوه، دعا الله عليهم، فأتاهم عينهم فقال : ما كنتم صانعين فاصنعوا، فقد أتاكم العذاب، فقد دعا عليكم، فانطلق ولا يشك أنه سيأتيهم العذاب، فخرجوا قد ولهوا البهائم عن أولادها، فخرجوا تائبين فرحمهم الله تعالى، وجاء يونس عليه السلام ينظر بأي شيء أهلكها، فإذا الأرض مسودة منهم بدون عذاب، وذاك حين ذهب مغاضباً، فركب مع قوم في سفينة، فجعلت السفينة لا تنفذ، ولا ترجع فقال بعضهم لبعض، ماذا إلا لذنب بعضكم؟ فاقترعوا أيكم نلقيه في الماء ونخلي وجهنا، فاقترعوا، فبقي سهم يونس عليه السلام في الشمال فقالوا : لا نفتدي من أصحابنا بنبي الله فقال يونس عليه السلام : ما يراد غيري، فاقذفوني ولا تنكسوني، ولكن صبوني على رجلي صباً، ففعلوا وجاء الحوت شاحباً فاه، فالتقمه فاتبعه حوت أكبر من ذلك ليلتقمهما، فسبقه فكان يونس في بطن الحوت حتى رق العظم، وذهب اللحم والبشر والشعر، وكان سقيماً فدعا بما دعا به، فنبذ بالعراء وهو سقيم، فأنبت الله ﴿ عليه شجرة من يقطين ﴾ فكان فيها غذاه حتى اشتد العظم، ونبت اللحم والشعر والبشر، فعاد كما كان، فبعث الله عليها ريحاً، فيبست فبكى عليها، فأوحى الله إليه يا يونس أتبكي على شجرة جعل الله لك فيها غذاء، ولا تبكي على قومك أن يهلكوا؟
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما بعث الله يونس عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى الله وعبادته، وأن يتركوا ما هم فيه، أتاهم فدعاهم، فأبوا عليه، فرجع إلى ربه فقال : رب إن قومي قد أبوا عليَّ وكذبوني قال : فارجع إليهم فإن هم آمنوا وصدقوا، وإلا فاخبرهم أن العذاب مصبحهم غدوة، فأتاهم فدعاهم، فأبوا عليه قال : فإن العذاب مصبحكم غدوة، ثم تولى عنهم فقال القوم بعضهم لبعض، والله ما جربنا عليه من كذب منذ كان فينا، فانظروا صاحبكم، فإن بات فيكم الليلة، ولم يخرج من قريتكم، ولم يبت فيها، فاعلموا أن العذاب مصبحكم، حتى إذا كان في جوف الليل، أخذ مخلاة فجعل فيها طعيماً له، ثم خرج فلما رأوه فرقوا بين كل والدة وولدها، من بهيمة أو إنسان، ثم عجوا إلى الله مؤمنين ومصدقين بيونس عليه السلام، وبما جاء به، فلما رأى الله ذلك منهم بعد ما كان قد غشيهم العذاب كما يغشى القبر بالثوب كشفه عنهم، ومكث ينظر ما أصابهم من العذاب، فلما أصبح رأى القوم يخرجون لم يصبهم شيء من العذاب قال : لا والله لا آتيهم وقد جربوا عليَّ كذبة، فخرج فذهب مغاضباً لربه، فوجد قوماً يركبون في سفينة، فركب معهم، فلما جنحت بهم السفينة، تكفت ووقفت فقال القوم : إن فيكم لرجلاً عظيم الذنب، فاستهموا لا تغرقوا جميعاً، فاستهم القوم فسهمهم يونس عليه السلام قال القوم : لا نلقي فيه نبي الله، اختلطت سهامكم، فأعيدوها فاسهموا، فسهمهم يونس فلما رأى يونس عليه السلام ذلك قال للقوم : فالقوني لا تغرقوا جميعاً، فألقوه فوكل الله تعالى به حوتاً، فالتقمه لا يكسر له عظماً، ولا يأكل له لحماً، فهبط به الحوت، إلى أسفل البحر، فلما جنه الليل، نادى في ظلمات ثلاث : ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر
362
﴿ أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] فأوحى الله إلى الحوت : أن ألقيه في البر، فارتفع الحوت، فألقاه في البر لا شعر له، ولا جلد، ولا ظفر، فلما طلعت عليه الشمس أذاه حرها، فدعا الله فأنبتت ﴿ عليه شجرة من يقطين ﴾ وهي الدباء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : لما ألقي يونس عليه السلام في بطن الحوت، طاف في البحور كلها سبعة أيام، ثم انتهى به إلى شط دجلة، فقذفه على شط دجلة، فأنبت الله ﴿ عليه شجرة من يقطين ﴾ قال من نبات البرية، فأرسله ﴿ إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾ قال : يزيدون بسبعين ألفاً، وقد كان أظلهم العذاب، ففرقوا بين كل ذات رحم ورحمها من الناس والبهائم، ثم عجوا إلى الله، فصرف عنهم العذاب، ومطرت السماء دماً.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد عن وهب قال : أمر الحوت أن لا يضره، ولا يكلمه. قال الله ﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال : من العابدين قبل ذلك، فذكر بعبادته، فلما خرج من البحر نام نومة، فأنبت الله ﴿ عليه شجرة من يقطين ﴾ وهي الدباء فأظلته، فبلغت في يومها، فرآها قد أظلته، ورأى خضرتها فأعجبته، ثم نام نومة فاستيقظ، فإذا هي قد يبست، فجعل يحزن عليها، فقيل أنت الذي لم تخلق، ولم تسق، ولم تنبت، تحزن عليها. وأنا الذي خلقت مائة ألف من الناس أو يزيدون، ثم رحمتهم، فشق عليك.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : طرح بالعراء، فأنبت الله عليه يقطينة، فقلنا يا أبا هريرة : ما اليقطينة؟ قال : شجرة الدباء. هيأ الله تعالى له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض، فتفشخ عليه، فترويه من لبنها كل عشية وبكرة. حتى نبت وقال ابن أبي الصلت قبل الإِسلام في ذلك بيتاً من شعر :
فأنبت يقطيناً عليه برحمة من الله لولا الله ألفى ضاحيا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ﴾ قال : القرع.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله ﴿ شجرة من يقطين ﴾ قال : القرع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : كنا نحدث أنها الدباء هذا القرع، الذي رأيتم أنبتها الله عليه يأكل منها.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ شجرة من يقطين ﴾ قال : القرع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله ﴿ شجرة من يقطين ﴾ قالا : هي الدباء.
363
وأخرج الديلمي عن الحسن بن علي رفعه « كلوا اليقطين، فلو علم الله تعالى شجرة أخف منها لأنبتها على يونس عليه السلام، وإذا اتخذ أحدكم مرقا فليكثر فيه من الدباء، فإنه يزيد في الدماغ، وفي العقل ».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه قال : أنبت الله شجرة من يقطين، وكان لا يتناول منها ورقة فيأخذها إلا أروته لبناً. أو قال : يشرب منها ما شاء حتى نبت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ﴾ قال : غير ذات أصل من الدباء، أو غيره من شجرة ليس لها ساق.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ﴾ قال : كل شيء نبت، ثم يموت من عامه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما بال البطيخ من القرع، هو كل شيء يذهب على وجه الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين، والذي يكون على وجه الأرض من البطيخ والقثاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه سئل عن اليقطين أهو القرع؟ قال : لا. ولكنها شجرة سماها الله اليقطين، أظلته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قي قوله ﴿ وأرسلناه ﴾ قبل أن يلتقمه الحوت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله ﴿ وأرسلناه ﴾ قالا بعثه الله تعالى قبل أن يصيبه ما أصابه، أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما كانت رسالة يونس عليه السلام بعدما نبذه الحوت، ثم تلا ﴿ فنبذناه بالعراء ﴾ إلى قوله ﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف ﴾.
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : سألت رسول الله ﷺ عن قول الله ﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾ قال : يزيدون عشرين ألفاً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ أو يزيدون ﴾ قال : يزيدون ثلاثين ألفاً.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ أو يزيدون ﴾ قال : يزيدون بضعة وثلاثين ألفاً.
364
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾ قال : كانوا مائة ألف، وبضعة وأربعين ألفاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ مائة ألف أو يزيدون ﴾ قال : يزيدون بسبعين ألفاً.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن نوف في قوله ﴿ مائة ألف أو يزيدون ﴾ قال : كانت زيادتهم سبعين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فآمنوا فمتعناهم إلى حين ﴾ قال : الموت.
365
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فاستفتهم ﴾ قال : فسلهم يعني مشركي قريش ﴿ ألربك البنات ولهم البنون ﴾ قال : لأنهم قالوا : لله البنات ولهم البنون، وقالوا : إن الملائكة أناث فقال ﴿ أم خلقنا الملائكة أناثاً وهم شاهدون ﴾ كذلك ﴿ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون، اصطفى البنات على البنين ﴾ فكيف يجعل لكم البنين، ولنفسه البنات ﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ إن هذا لحكم جائر ﴿ أفلا تذكرون، أم لكم سلطان مبين ﴾ أي عذر مبين ﴿ فائتوا بكتابكم ﴾ أي بعذركم ﴿ إن كنتم صادقين، وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ﴾ قال : زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى أنه هو وإبليس أخوان.
وأخرج آدم بن أبي اياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ﴾ قال : قال كفار قريش الملائكة بنات الله، فقال لهم أبو بكر الصديق : فمن أمهاتهم؟ فقالوا : بنات سروات الجن. فقال الله ﴿ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ﴾ يقول : إنها ستحضر الحساب، قال : والجنة الملائكة.
وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء من قريش : سليم، وخزاعة، وجهينة ﴿ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ﴾ قال : قالوا صاهر إلى كرام الجن الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه ﴿ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ﴾ قال : قالوا الملائكة بنات الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه في قوله ﴿ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ﴾ قال : قالوا صاهر إلى كرام الجن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه قال ﴿ الجنة ﴾ الملائكة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه قال : إنهم سموا الجن لأنهم كانوا على الجنان، والملائكة كلهم أجنة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ﴾ قال : في النار ﴿ سبحان الله عما يصفون ﴾ قال : عما يكذبون ﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ قال : هذه ثنيا الله من الجن والإِنس.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ فإنكم ﴾ يا معشر المشركين ﴿ وما تعبدون ﴾ يعني الآلهة ﴿ ما أنتم عليه بفاتنين ﴾ بمصلين ﴿ إلا من هو صال الجحيم ﴾ يقول : إلا من سبق في علمي أنه سيصلى الجحيم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ﴾ يقول : لا تضلون أنتم، ولا أضل منكم إلا من قضيت عليه أنه صال الجحيم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ ما أنتم عليه بفاتنين ﴾ قال : بمضلين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه ﴿ ما أنتم عليه بفاتنين ﴾ قال : بمضلين ﴿ إلا من هو صال الجحيم ﴾ إلا من قدر له أن يصلى الجحيم.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم التيمي وعمر بن عبد العزيز والضحاك، مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : لا يفتنون إلا من يصلى الجحيم، ولا يفتنون المؤمن، ولا يسلطون عليه.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس، ثم قرأ ﴿ ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال : يا بني إبليس إنكم لن تقدروا أن تفتنوا أحداً من عبادي، إلا من سيصلى الجحيم.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : لا يفتنون ﴿ إلا من هو صال الجحيم ﴾.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم ﴾ قال : الملائكة ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ قال الملائكة ﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾ قال : الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه، مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : ذاك قول جبريل عليه السلام.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم ﴾ قال : الملائكة. ما في السماء موضع إلا عليه ملك إما ساجد أو قائم حتى تقوم الساعة.
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ :« ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم، وذلك قول الملائكة عليهم السلام ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون ﴾ ».
وأخرج محمد بن نصر وابن عساكر عن العلاء بن سعد رضي الله عنه؛ أن رسول الله ﷺ قال يوماً لجلسائه :« اطت السماء، وحق لها أن تئط، ليس منها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد. ثم قرأ ﴿ وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ﴾ ».
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الايمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه، قائماً أو ساجداً. ثم قرأ ﴿ وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ﴾ قال : اطت السماء، وما تلام أن تئط، إن في السماء لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون. إن السماء اطت، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله ».
وأخرج ابن مردويه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله ﷺ فقال :« هل تسمعون ما أسمع؟ قلنا يا رسول الله ما تسمع؟! قال : اسمع اطيط السماء، وما تلام أن تئط. ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد ».
368
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : كانوا يصلون الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم ﴾ فتقدم الرجال، وتأخر النساء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن مالك رضي الله عنه قال : كان الناس يصلون متبددين، فأنزل الله ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ فأمرهم أن يصفوا.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : حدثت أنهم كانوا لا يصفون حتى نزلت ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن الوليد بن عبدالله بن أبي مغيث رضي الله عنه قال : كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزلت ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن الحسن رضي الله عنه قال :« كانت أول صلاة صلاها رسول الله ﷺ الظهر. فأتاه جبريل عليه السلام فقال ﴿ وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ﴾ فقام جبريل عليه السلام بين يديه، ورسول الله ﷺ خلفه، ثم صف النساء من خلفه، والنساء خلف الرجال، فصلى بهم الظهر أربعاً حتى إذا كان عند العصر، قام جبريل عليه السلام ففعل مثلها، ثم جاءه حين غربت الشمس، فصلى بهم ثلاثاً، يقرأ في الركعتين الأولتين يجهر فيهما، ولم يسمع في الثالثة. حتى إذا كان عند العشاء، وغاب الشفق، جاء جبريل عليه السلام فصلى بالناس أربع ركعات يجهر بالقراءة في ركعتين. حتى إذا أصبح ليلته؛ أتاه فصلى ركعتين يجهر فيهما ويطوّل القراءة ».
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة قال :« استووا. تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، أقيموا صفوفكم يريد الله بكم هدي الملائكة. ثم يتلو ﴿ وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ﴾ ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم. قال : يقيمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف ».
وأخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجداً، وجعلت لنا تربتها طهوراً إذا لم نجد الماء ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« اعتدلوا في صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من ورائي. قال أنس رضي الله عنه : لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه ».
369
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : لقد رأيت النبي ﷺ يقوّم الصفوف كما تقوّم القداح، فأبصر يوماً صدر رجل خارجاً من الصف فقال :« لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ».
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« أقيموا صفوفكم، لا يتخللكم الشيطان كأولاد الحذف. قيل يا رسول الله وما أولاد الحذف؟ قال : ضأن سود يكون بأرض اليمن ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان النبي ﷺ يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول :« استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« أقيموا صفوفكم فإن من حسن الصلاة إقامة الصف ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : إن رسول الله ﷺ خطبنا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال :« إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع النبي ﷺ يقول :« إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم، وسدوا الفرج، فإني أراكم من وراء ظهري ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« سوّوا صفوفكم، واحسنوا ركوعكم وسجودكم ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال : استووا تستوي قلوبكم، وتَراصُّوا تُرْحَمُوا.
وأخرج محمد بن نصر عن أبي صالح رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] إلى قوله ﴿ علم أن لن تحصوه ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] قال جبريل عليه السلام : أشق ذلك عليكم؟ قال : نعم. قال ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ قال : صفوف في السماء ﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾ أي المصلون هذا قول الملائكة يبينون مكانهم من العباد.
370
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ لو أن عندنا ذكراً من الأولين.. ﴾ قال : لما جاء المشركين من أهل مكة ذكر الأولين، وعلم الآخرين، كفروا بالكتاب ﴿ فسوف يعلمون ﴾.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن كانوا ليقولون.. ﴾ قال : قالت هذه الأمة ذلك قبل أن يبعث محمد ﷺ قول أهل الشرك من أهل مكة، فلما جاءهم ذكر الأولين، وعلم الآخرين، كفروا به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن كانوا ليقولون ﴾ قال : قالت هذه الأمة ذلك قبل أن يبعث محمد ﷺ، فلما جاءهم محمد ﷺ ﴿ كفروا به فسوف يعلمون ﴾ وفي قوله ﴿ ولقد سبقت كلمتنا.. ﴾ قال : كانت الأنبياء تقتل وهم منصورون، والمؤمنون يقتلون وهم منصورون، نصروا بالحجج في الدنيا والآخرة، ولم يقتل نبي قط، ولا قوم يدعون إلى الحق من المؤمنين، فتذهب تلك الأمة والقرن، حتى يبعث الله قرآناً ينتصر بهم منهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فتول عنهم حتى حين ﴾ قال : إلى الموت ﴿ وأبصرهم فسوف يبصرون ﴾ قال : ابصروا حين لم ينفعهم البصر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فتول عنهم حتى حين ﴾ قال : يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فتول عنهم حتى حين ﴾ قال : يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فتول عنهم حتى حين ﴾ قال : يوم بدر. وفي قوله ﴿ فإذا نزل بساحتهم ﴾ قال : بدارهم ﴿ فساء صباح المنذرين ﴾ قال : بئسما يصبحون.
وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالوا يا محمد أرنا العذاب الذي تخوّفنا به عجله لنا، فنزلت ﴿ أفبعذابنا يستعجلون ﴾.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال :« صبح رسول الله ﷺ خيبر وقد خرجوا بالمساحي، فلما نظروا إليه قالوا : محمد والخميس. فقال : الله أكبر خربت خيبر، إنا أنزلنا بساحة قوم ﴿ فساء صباح المنذرين ﴾ فأصبنا حمراً خارجة من القرية، فطبخناها فقال رسول الله ﷺ ؟ إن الله ورسوله ينهاكم عن الحمر الأهلية، فإنها رجس من عمل الشيطان ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وتول عنهم حتى حين ﴾ قال : قيل له أعرض عنهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله ﴿ وأبصر فسوف يبصرون ﴾ قال : يقول يوم القيامة، ما صنعوا من أمر الله، وكفرهم بالله ورسوله وكتابه، قال ﴿ أبصر ﴾ وأبصرهم واحد.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ سبحان ربك رب العزة ﴾ قال : يسبح نفسه إذ كذب عليه، وقيل عليه البهتان ﴿ عما يصفون ﴾ قال : عما يكذبون ﴿ وسلام على المرسلين ﴾ قال : قال رسول الله ﷺ :« إذا سلمتم عليَّ فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين ».
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي العوام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إذا سلمتم علي، فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين » قال أبو العوام رضي الله عنه : كان قتادة يذكر هذا الحديث إذا تلا هذه الآية ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ﴾.
وأخرج ابن سعد وابن مردويه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة، أن رسول الله ﷺ قال :« إذا سلمتم على المرسلين فسلموا عليَّ، فإنما أنا بشر من المرسلين ».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنا نعرف انصراف رسول الله ﷺ من الصلاة بقوله ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن مردويه عن أبي سعيد عن رسول الله ﷺ :« أنه كان إذا أراد أن يسلم من صلاته قال ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ﴾ ».
وأخرج الدارقطني في الافراد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ كان يقرأ هذه الآيات ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ﴾.
وأخرج الخطيب عن أبي سعيد الخدري قال :« كان رسول الله ﷺ يقول : بعد أن يسلم ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ﴾ ».
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم عن رسول الله ﷺ قال :« من قال دبر كل صلاة ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ﴾ ثلاث مرات، فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : قال رسول الله ﷺ :« من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ﴾ ».
وأخرج البغوي في تفسيره من وجه آخر متصل عن علي موقوفاً.
وأخرج حميد بن زنجويه في ترغيبه من طريق الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقرأ هذه الآية ثلاث مرات ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ﴾.
Icon