تفسير سورة الزمر

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكية، إلاّ قوله سبحانه :( قل يا عبادي الّذين أسرفوا ) الآية. وهي أربعة آلاف وتسعمائة وثمانية أحرف، وألف ومائة واثنتان وسبعون كلمة، وخمس وسبعون آية
أخبرنا ابن المقرىء قال : أخبرنا ابن مطر قال : حدثنا ابن شريك قال : حدثنا ابن يونس قال : حدثنا أبو سليمان قال : حدثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامة عن أُبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :( من قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءه، وأعطاه ثواب الخائفين ).
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا ابن حمدان قال : حدثنا ابن ماهان قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد بن يزيد عن مروان أبي لبابة مولى عبد الرحمن بن زياد عن عائشة خ قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ كل ليلة ببني إسرائيل والزمر.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤)
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ.
قال الفراء: معناه هذا تنزيل الكتاب، وإن شئت رفعته لمن، مجازه: من الله تنزيل الكتاب، وإن شئت جعلته ابتداء وخبره ممّا بعده.
مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أيّ الطاعة الدِّينُ الْخالِصُ قال قتادة: شهادة ان لا إله إلّا الله.
قال أهل المعاني: لا يستحق الدين الخالص إلّا الله.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني الأصنام ما نَعْبُدُهُمْ مجازه قالوا ما نعدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى.
قال قتادة: وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خلقكم وخلق السماوات والأرض ونزل من السماء ماء؟
قالوا: الله.
فيقال لهم: فما يعني عبادتكم الأوثان؟
قالوا: لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى وتشفع لنا عند الله.
قال الكلبي: وجوابه في الأحقاف فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً «١» الآية.
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يوم القيامة فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي لدينه وحجته مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعموا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ.
قال قتادة: يعني يغشي هذا هذا ويغشي هذا هذا، نظيره قوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ».
وقال المؤرخ: يدخل هذا على هذا وهذا على هذا، نظيره قوله: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ «٣».
(١) سورة الأحقاف: ٢٨.
(٢) سورة الأعراف: ١٥٧.
(٣) سورة فاطر: ١٣.
221
قال مجاهد: يدور.
وقال الحسن وابن حيان والكلبي: ينقص من الليل فيزيد في النهار وينقص من النهار فيزيد في الليل، فما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل، ومنتهى النقصان تسع ساعات ومنتهى الزيادة خمسة عشر ساعة، وأصل التكوير اللف والجمع، ومنه كور العمامة.
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ وأنشأ وجعل لَكُمْ وقال بعض أهل المعاني: جعلنا لكم نزلا ورزقا.
مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ أصناف وأفراد، تفسيرها في سورة الأنعام يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ نطفة ثم علقة ثم مضغة، كما قال: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً «١».
وقال ابن زيد: معناه يخلقكم في بطون أمهاتكم من بعد الخلق الأول الذي خلقكم في ظهر آدم.
فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ يعني البطن والرحم والمشيمة ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عن عبادته إلى عبادة غيره إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ.
فإن قيل: كيف؟
قال: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وقد كفروا.
قلنا: معناه لا يرضى لعباده أن يكفروا به، وهذا كما يقول: لست أحب الإساءة وإن أحببت أن يسيء فلان فلانا فيعاقب.
وقال ابن عبّاس والسدي: معناه وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ المخلصين المؤمنين الْكُفْرَ، وهم الذين قال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ فيكون عاما في اللفظ خاصا في المعنى كقوله: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ «٢» وإنما يريد به بعض العباد دون البعض.
وَإِنْ تَشْكُرُوا تؤمنوا ربّكم وتطيعوه يَرْضَهُ لَكُمْ ويثيبكم عليه وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ مخلصا راجعا إليه مستغيثا به ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ أعطاه، ومنه قيل
(١) سورة نوح: ١٤. [.....]
(٢) سورة الإنسان: ٦.
222
للمال والعطاء: خول، والعبيد خول.
قال أبو النجم:
اعطي فلم يبخل ولم يبخل كوم الذرى من خول المخول «١»
نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ترك ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ في حال النصر وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً يعني الأوثان.
وقال السدي: يعني أندادا من الرجال، يطيعونهم في معاصي الله.
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٩ الى ١٩]
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩)
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ.
قرأ نافع وابن كثير ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة: (أمن) بتخفيف الميم.
وقرأ الآخرون بتشديده، فمن شدّده فله وجهان، أحدهما: تكون الميم في أم صلة ويكون معنى الكلام الاستفهام، وجوابه محذوف مجازه: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ كمن هو غير قانت، كقوله:
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ كمن لم يشرح الله صدره، أو تقول: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ كمن جعل لله أندادا.
والوجه الثاني: أن يكون بمعنى العطف على الاستفهام مجازه: فهذا خير أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ، فحذف لدلالة الكلام عليه ونحوها كثير.
ومن خفف فله وجهان.
أحدهما: أن يكون الألف في (أمن) بمعنى حرف النداء، تقديره: يا من هو قانت، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بياء فتقول: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل.
(١) جامع البيان للطبري: ٧/ ٣٦٢، لسان العرب: ١١/ ١١٦.
223
قال أوس بن حجر:
أبني لبينى لستم بيد ألا يد ليست لها عضد «١»
يعني يا بني ليتني.
وقال آخر:
أضمر بن ضمرة ماذا ذكرت من صرمة أخذت بالمغار «٢»
فيكون معنى الآية: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ، ويا من هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ إنك من أهل الجنّة، كما تقول: فلان لا يصلي ولا يصوم، فيا من تصلي وتصوم أبشر، فحذف لدلالة الكلام عليه.
والوجه الثاني: أن يكون الألف في (أمن) ألف استفهام، ومعنى الكلام: أهذا كالذي جعل لله أندادا، فاكتفى بما سبق إذ كان معنى الكلام مفهوما.
كقول الشاعر:
فاقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا «٣»
أراد لدفعناه.
وقال ابن عمر: القنوت قراءة القرآن وطول القيام.
وقال ابن عبّاس: الطاعة.
آناءَ اللَّيْلِ ساعاته ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ.
أخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان، أخبرنا محمّد بن خالد، أخبرنا داود بن سليمان، أخبرنا عبد بن حميد، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يعقوب بن عبد الله عن جعفر عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ: (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يحذر عذاب الآخرة).
وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ.
قال مقاتل: نزلت في عمار بن ياسر وأبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله المخزومي.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ يعني عمار وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يعني أبا حذيفة إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.
(١) تفسير الطبري: ٢٣/ ٢٣٩، وتاج العروس: ٧/ ٢٩٩ وفيه: يدا مخبولة العضد.
(٢) معجم ما استعجم: ٣/ ٩٩٦.
(٣) لسان العرب: ٣/ ٤٥٢، شرح الرضي: ٤/ ٣١٣، والبيت لامرئ القيس.
224
أخبرنا الحسين بن محمّد بن العدل حدثنا هارون بن محمّد بن هارون العطار حدثنا حازم ابن يحيى الحلواني حدثنا محمّد بن يحيى بن الطفيل حدثنا هشام بن يوسف حدثني محمّد بن إبراهيم اليماني قال: سمعت وهب بن منبه يقول: سمعت ابن عبّاس يقول: من أحب أن يهوّن الله تعالى الموقف عليه يوم القيامة، فليره الله في سواد الليل ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ..
قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يعني الجنّة، عن مقاتل.
وقال السدي: يعني العافية والصحة.
وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ فهاجروا فيها واعتزلوا الأوثان، قاله مجاهد.
وقال مقاتل: يعني أرض الجنّة.
إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.
قال قتادة: لا والله ما هنالك مكيال ولا ميزان.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه الدينوري بقراءتي عليه، حدثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق السني حدثنا إبراهيم بن محمّد بن الضحاك حدثنا نصر بن مرزوق حدثنا أسيد بن موسى حدثنا بكر بن حبيش عن ضرار بن عمرو عن زيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلم «تنصب الموازين يوم القيامة، فيؤتى بأهل الصلاة فيؤتون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصيام فيؤتون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصدقة فيؤتون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الحج فيؤتون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبا بغير حساب، قال الله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ حتّى يتمنى أهل العافية في الدّنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل» «١».
قال حدثنا أبو علي بن جش المقرئ قال: حدثنا أبو سهل [عن إسماعيل بن سيف] عن جعفر بن سليمان الضبعي عن سعد بن الطريف عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت مع علي بن أبي طالب إلي الحسن بن علي رضي الله عنهما نعوده فقال له علي: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟
قال: أصبحت بنعمة «٢» الله بارئا.
(١) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٤١.
(٢) في المصدر: بحمد.
225
قال: كذلك إن شاء الله.
ثم قال الحسن: أسندوني. فأسنده عليّ إلى صدره ثم قال: سمعت جدي رسول الله يقول: «يا بني أدّ الفرائض تكن من أعبد الناس، وعليك بالقنوع تكن أغنى الناس، يا بني إن في الجنّة شجرة يقال لها: شجرة البلوى، يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، يصبّ عليهم الأجر صبّا- ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية- إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ» «١».
حدثنا الحرث بن أبي اسامة حدثنا داود بن المخبر حدثنا عباد بن كثير عن أبي الزناد عن [.........] «٢» [عن أبي ذر عن النبي أنه] قال: «من سرّه أن يلحق بذوي الألباب والعقول فليصبر على الأذى والمكاره فذلك انه [.......] «٣» الجزع ومن جزع صيّره جزعه إلى النار، وما نال الفوز في القيامة إلّا الصابرون إن الله تعالى يقول: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ وقال الله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ «٤» » «٥».
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمة قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي فعبدت غيره عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهذا حين دعى إلى دين آبائه، قاله أكثر المفسرين.
وقال أبو حمزة الثمالي والسبب هذه الآية منسوخة، إنما هذا قبل أن غفر ذنب رسول الله (عليه السلام) «٦».
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ.
أمر توبيخ وتهديد كقوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ «٧». وقيل: نسختها آية القتال قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وأزواجهم وخدمهم في الجنّة يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.
(١) المعجم الكبير: ٣/ ٩٣، تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٤٢، الدر المنثور: ٥/ ٣٢٣، مجمع الزوائد: ٢/ ٣٠٥.
(٢) كلام غير مقروء.
(٣) كلام غير مقروء.
(٤) سورة الرعد: ٢٣- ٢٤.
(٥) باختصار في تفسير نور الثقلين: ٢/ ٥٠١.
(٦) تفسير أبي حمزة الثمالي: ١٦٢.
(٧) سورة فصلت: ٤٠. [.....]
226
قال ابن عبّاس: إن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلا في الجنّة وأهلا، فمن عمل بطاعة الله تعالى كان له ذلك المنزل والأهل، ومن عمل بمعصية الله [أخذه] «١» الله تعالى إلى النار، وكان المنزل ميراثا لمن عمل بطاعة الله إلى ما كان له قبل ذلك وهو قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ «٢».
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ أطباق وسرادق مِنَ النَّارِ ودخانها وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ مهاد وفراش من نار، وإنما سمّي الأسفل ظلا، لأنها ظلل لمن تحتهم، نظيره قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ «٣» وقوله: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ «٤» وقوله: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «٥» وقوله: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ «٦» وقوله سبحانه وتعالى: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ «٧».
ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ الأوثان أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا رجعوا له إِلَى اللَّهِ إلى عبادة الله لَهُمُ الْبُشْرى في الدّنيا بالجنّة وفي العقبى فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أرشده وأهداه إلى الحق.
أخبرنا الحسين بن محمّد الدينوري حدثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق أخبرنا إبراهيم بن محمّد حدثنا يونس حدثنا ابن وهب أخبرنا يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن عبد الله بن زحر عن سعيد بن مسعود قال: قال أبو الدرداء: لولا ثلاث ما أحببت أن أعيش يوما واحدا:
الظما بالهواجر، والسجود في جوف الليل، ومجالسه أقوام ينتقون من خير الكلام كما ينتقي طيب التمر.
قال قتادة: أحسنه طاعة الله.
وقال السدي: أحسنه ما يرجون به فيعملون به.
أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.
عن ابن زيد في قوله: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ الآيتين: حدثني أبي: أن هاتين الآيتين
(١) هكذا في الأصل.
(٢) سورة المؤمنون: ١٠.
(٣) سورة الأعراف: ٤١.
(٤) سورة العنكبوت: ٥٥.
(٥) سورة الكهف: ٢٩.
(٦) سورة الواقعة: ٤٣.
(٧) سورة المرسلات: ٣٠.
227
نزلتا في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وهم زيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي «١».
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ [يريد أبا لهب وولده] «٢» أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ أي:
هو يكون من أهل النار، كرر الاستفهام كما كرر: أنكم أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ «٣».
ومثله كثير.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٠ الى ٢٨]
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ [غرف مبنية، قال ابن عباس: من زبرجد وياقوت] «٤».
حدثنا عبد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا [.........] «٥» حدثني طلحة حدثنا [حماد عن أبي هارون عن مالك بن أنس عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد] الخدري عن رسول الله (عليه السلام) قال: «إن أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، فقالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا
(١) تفسير الطبري: ٢٣/ ٢٤٦.
(٢) استدراك عن تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٤٤.
(٣) سورة المؤمنون: ٣٥.
(٤) عن المصدر السابق.
(٥) كلام غير مقروء.
228
المرسلين» «١».
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ نصب على المصدر: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي من السحاب ماءً فَسَلَكَهُ فادخله يَنابِيعَ عيونا فِي الْأَرْضِ قال:
[الشعبي والضحاك: كل ماء في الأرض فمن السماء نزل إنما ينزل] «٢» من السماء إلى الصخرة ثم يقسم منها العيون والركايا ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ ييبس فَتَراهُ بعد خضرته مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أي فتاتا منكسرا متفتتا إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ فتح الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ للإيمان فَهُوَ عَلى نُورٍ على دلالة مِنْ رَبِّهِ قال قتادة: النور كتاب الله منه تأخذ وإليه ننتهي «٣» ومجاز الآية أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ أي أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ كمن أقسى قلبه.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شيبة حدثنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن يزيد حدثنا الموصلي ببغداد حدثنا أبو فروة واسمه يزيد بن محمّد حدثني أبي عن أبيه حدثنا زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحرث عن عبد الله بن مسعود قال:
قال رسول الله (عليه السلام) :«أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ».
قلنا: يا رسول الله كيف انشراح صدره؟
قال: «إذا دخل النور لقلبه انشرح وانفتح».
قلنا: يا رسول الله فما علامة ذلك؟
قال: «الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت» [١٢٥] ».
وقال الثمالي: بلغنا أنها نزلت في عمّار بن ياسر «٥» وقال مقاتل: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يعني النبيّ صلّى الله عليه وسلم.
فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أبو جهل وذويه من الكفّار أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أخبرنا الحسن بن محمّد بن الحسين الحافظ أخبرنا أبو أحمد القاسم بن محمّد بن أحمد
(١) تفسير القرطبي: ١٣/ ٣٥٩، وبمعناه في صحيح البخاري: ٤/ ٨٨، وصحيح مسلم: ٨/ ١٤٥.
(٢) عن المصدر السابق. [.....]
(٣) فتح القدير: ٤/ ٤٥٨.
(٤) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٤٧.
(٥) انظر تفسير أبي حمزة: ٢٨٧، وقال القرطبي: المراد بمن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ هاهنا فيما ذكر المفسرون علي وحمزة.
229
ابن عبد ربه السراج الصوفي أخبرنا [......] «١» يونس بن يعقوب البزاز حدثنا الحسين بن الفضل بن السمح البصري ببغداد حدثنا جندل حدثنا أبو مالك الواسطي الحسيني حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي عن داود بن أبي هند عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «قال الله عزّ وجلّ: اطلبوا الحوائج من السمحاء فاني جعلت فيهم رحمتي ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي» [١٢٦] «٢».
أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن محمّد عن وهب حدثنا يوسف بن الصباح العطار حدثنا إبراهيم بن سليمان بن الحجاج حدثنا عمي محمّد بن الحجاج حدثنا يوسف بن ميسرة بن جبير عن أبي إدريس الحولاني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحبّ الرفق في الأمر كله ويحبّ كل قلب خاشع حليم رحيم يعلّم الناس الخير ويدعوا إلى طاعة الله ويبغض كل قلب قاس ينام الليل كله فلا يذكر الله تعالى ولا يدري يرد عليه روحه أم لا» [١٢٧] «٣».
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا ابن نصرويه حدثنا ابن وهب حدثنا إبراهيم بن بسطام حدثنا سعيد بن عامر حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلبه وما غضب الله تعالى على قوم إلّا نزع منهم الرحمة.
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً.
قال ابن مسعود: وابن عباس: قال الصحابة:
يا رسول الله لو حدثتنا، فنزلت اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضا في الحسن ويصدق بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف فيه «٤».
وقال قتادة: تشبه الآية الآية والكلمة الكلمة والحرف الحرف.
مَثانِيَ القرآن. قال المفسرون: يسمى القرآن مثاني لأنه تثنى فيه الأخبار والأحكام والحدود وثنى للتلاوة فلا يمل تَقْشَعِرُّ وتستنفر جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.
يعني إلى العمل بكتاب الله والتصديق به وقيل إلى بمعنى اللام.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا أحمد بن داود حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا خلف بن سلمة عنه حدثنا هشيم عن حصين عن عبد الله بن
(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٤٨.
(٣) كنز العمال: ٣/ ٣٩ ح ٥٣٧٠.
(٤) راجع تفسير الطبري: ٢٣/ ٢٤٩.
230
عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟
قالت: كانوا كما نعتهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم.
فقلت لها: إن ناسا اليوم إذا قريء عليهم القرآن؟
قالت: كما نعتهم: خر أحدهم مغشيا عليه.
فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وبه عن سلمة حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي: أن ابن عمر مرّ برجل من أهل العراق ساقط فقال: ما بال هذا؟
قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله تعالى سقط.
فقال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط.
وقال ابن عمر: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلم.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن الحسين بن [ديزيل] حدثنا أبو نعيم حدثنا عمران أو حمران بن عبد العزيز قال: ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه فهو صادق «١».
حدثنا الحسن بن محمّد حدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا صلت ابن مسعود الجحدري حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا أبو عمران الجوني قال: وعظ موسى (عليه السلام) قومه فشق رجل منهم قميصه فقيل لموسى قل لصاحب القميص لا يشق قميصه أيشرح لي عن قلبه.
أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البغوي حدثنا أحمد بن محمّد بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن سعيد بن عمر حدثنا سعدان بن نصر أبو علي حدثنا [نشابة [عن أبي غسان المدني محمّد بن مطرف عن زيد بن أسلم قال: قرأ أبي بن كعب عند النبي صلّى الله عليه وسلم فرقّوا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة» [١٢٨] «٢».
أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا محمّد بن عبد الله بن برزة وموسى بن محمّد بن علي بن
(١) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٤٩.
(٢) مسند الشهاب لابن سلامة: ١/ ٤٠٢، وكنز العمال: ٢/ ١٠٢ ح ٣٣٤١.
231
عبد الله قالا: حدثنا محمّد بن يحيى بن سليمان المروزي حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني أخبرنا الحسين بن محمّد وحدثنا موسى بن محمّد بن عليّ حدثنا محمّد بن عبدوس بن كامل حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا عبد العزيز بن محمّد عن يزيد بن الهاد عن محمّد بن إبراهيم التيمي عن أم كلثوم بنت العبّاس عن العبّاس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما تحاتت عن الشجر اليابسة ورقها» [١٢٩] «١».
أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا حمدان حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري حدثنا محمّد بن معونة حدثنا الليث بن سعد حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمّد بن إبراهيم التيمي عن أم كلثوم بنت العبّاس عن أبيها قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تعالى حرّمه الله تعالى على النار» [١٣٠].
ذلِكَ يعني أحسن الحديث هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وفيه ردّ على القدرية أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي شدته يوم القيامة.
قال مجاهد: يجر على وجهه في النار.
وقال عطاء: يرمى به في النار منكوسا، فأول شيء تمسه النار وجهه.
وقال مقاتل: هو أن الكافر يرمى به في النار مغلولة يداه إلى عنقه، وفي عنقه صخرة ضخمة مثل الجبل العظيم من الكبريت، فتشتعل النار في الحجر وهو معلق في عنقه، فحرّها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها من وجهه من أجل الأغلال التي في يده وعنقه، ومجاز الآية أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ كمن هو آمن من العذاب وهو كقوله أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ «٢» الآية.
قال المسيب: نزلت هذه الآية في أبي جهل.
وَقِيلَ أي: ويقول الخزنة لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي: وباله كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ العذاب والذل الّذي يستحيا منه فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على الحال غَيْرَ ذِي عِوَجٍ.
قال مجاهد: يعني غير ذي لبس.
(١) مجمع الزوائد: ١٠/ ٣١٠، وكنز العمال: ٣/ ١٤١ ح ٥٨٧٩، وفيهما: البالية ورقها.
(٢) سورة فصلت: ٤٠.
232
قال عثمان بن عفان: غير متضاد.
ابن عبّاس: غير مختلف.
السدي: غير مخلوق.
بكر بن عبد الله المزني غير ذي لحن.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الكفر والتكذيب به.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٩ الى ٣٩]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا.
قال الكسائي: نصب رَجُلًا، لأنه ترجمة للمثل وتفسير له، وإن شئت نصبته بنزع الخافض، مجازه ضرب الله مثلا لرجل أو في رجل.
فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ مختلفون متنازعون متشاحون فيه وكل واحد منهم يستخدمه بقدر نصيبه فيه يقال رجل شكس وشرس وضرس وضبس، إذا كان سيء الخلق مخالفا للناس.
وقال المؤرخ: مُتَشاكِسُونَ متماكسون يقال شاكسني فلان أي ماكسني.
وَرَجُلًا سَلَماً.
قرأ ابن عبّاس ومجاهد والحسن وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب سالما بالألف، واختاره أبو عبيد، قال: إنما اخترنا سالما لصحة التفسير فيه، وذلك أن السالم الخالص وهو ضد المشترك، وأما السلم فهو ضد المحارب، ولا موضع للحرب هاهنا.
وقرأ سعيد بن جبير: سِلْماً بكسر السين وسكون اللام.
233
وقرأ الآخرون: سَلَماً بفتح السين واللام من غير ألف، واختاره أبو حاتم وقال: هو الذي لا تنازع فيه.
لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا وهذا مثلا ضربه الله تعالى للكافر الذي يعبد آلهة شتى، والمؤمن لا يعبد إلّا الله الواحد، ثم قال عزّ من قائل الْحَمْدُ لِلَّهِ الشكر الكامل لله سبحانه دون كل معبود سواه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ إِنَّكَ يا محمّد مَيِّتٌ عن قليل وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ.
وقرأ ابن محيصن وابن أبي علية: إنك مايت وإنهم مايتون، بالألف فيهما.
قال الحسن والكسائي والفراء: (الميّت)، بالتشديد، من لم يمت سيموت، و (الميت)، بالتخفيف الذي فارقه الروح، لذلك لم يخفف هاهنا.
قال قتادة: نعيت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم نفسه، ونعيت إليكم أنفسكم.
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا ابن ماجة حدثنا الحسين بن أيوب حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت قال: نعي رجل إلى صلت بن أشيم أخا له فوافقه يأكل فقال: ادن فكل فقد نعى إليّ أخي منذ حين.
قال: [وكيف وأنا أول من أتاك بالخبر قال: إن الله تعالى نعاه إلىّ فقال] الله تعالى:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١».
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ المحق والمبطل والظالم والمظلوم.
أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا ابن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا ابن نمير حدثنا محمّد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن أنس عن الزبير بن العوام قال: لما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.
قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدّنيا مع خواصّ الذنوب؟
قال: «نعم ليكررن عليكم حتّى يؤدى إلى كل ذي حق حقه» [١٣١].
قال الزبير: والله إن الأمر لشديد «٢».
أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن الحسين بن [ديزيل] حدثنا آدم بن أبي أياس حدثنا ابن أبي ذنب حدثنا سعيد المقرئ عن أبي
(١) تفسير الطبري: ١٥/ ٢٥٤، والزيادة التي بين المعكوفتين منه.
(٢) مسند أحمد: ١/ ١٦٧، والمستدرك: ٢/ ٤٣٥.
234
هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من ماله أو عرضه فليتحلّلها اليوم منه قبل أن يؤخذ حين لا يكون درهم ولا دينار إن كان له عمل صالح أخذ بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه» [١٣٢] «١».
أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي حدثنا الفضل بن الفضل الكندي حدثنا أبو عبد الله محمّد ابن عبد الله بن محمّد بن النعمان حدثنا محمّد بن بكر بن أبي بكر البرجمي حدثنا محمّد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تدرون من مفلس أمتي؟».
قلنا: نعم من لا مال له.
قال: «لا، مفلس أمتي من يجاء به يوم القيامة قد ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا، فيؤخذ من حسناته فيوضع على حسنات الآخر، وإن فضل عليه فضل أخذ من سيئات الآخر فطرحت عليه ثم يؤخذ فيلقى في النار» [١٣٣].
وقال أبو العالية: هم أهل القبلة.
أخبرنا الحسين بن فنجويه حدثنا موسى بن محمّد بن علي بن عبد الله بن الحسن بن علوية حدثنا عبيد بن جناد العلوي الحلبي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم ابن عوف البكري قال: سمعت ابن عمر يقول: لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتابين ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد فما هذه الخصومة وكتابنا واحد؟ حتّى رأيت بعضنا يضرب وجه بعض بالسيف، فعرفت أنه فينا نزلت.
وروى خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري في هذه الآية قال: كنا نقول:
ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا.
أخبرنا الحسين بن فنجويه حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بن زيد: زعم ابن عون عن إبراهيم قال:
لما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قالوا: كيف نختصم ونحن اخوان؟ فلما قتل عثمان قالوا: هذه خصومتنا.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فزعم أن له ولدا وشريكا وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ بالقرآن
(١) مسند أحمد: ٢/ ٥٠٦، وصحيح البخاري: ٣/ ٩٩. [.....]
235
إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً منزل ومقام لِلْكافِرِينَ وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ.
قال السدي: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) يعني جبرائيل جاء بالقرآن (وَصَدَّقَ بِهِ) محمّد تلقاه بالقبول.
وقال ابن عبّاس: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) يعني رسول الله جاء بلا إله إلّا الله (وَصَدَّقَ بِهِ) هو أيضا رسول الله بلّغه إلى الخلق.
وقال علي بن أبي طالب وأبو العالية والكلبي: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) يعني رسول الله (وَصَدَّقَ بِهِ) أبو بكر.
وقال قتادة ومقاتل: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) رسول الله (وَصَدَّقَ بِهِ) هم المؤمنون واستدلا بقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.
وقال عطاء: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) الأنبياء (عليهم السلام) (وَصَدَّقَ بِهِ) الاتباع وحينئذ يكون (الَّذِي) بمعنى (الذين) على طريق الجنس كقوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً «١» ثم قال: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ «٢» وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «٣».
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا ابن فنجويه حدثنا طلحة بن محمّد بن جعفر وعبيد الله بن أحمد بن يعقوب قالا: حدثنا أبو بكر عن مجاهد حدثنا عبدان بن محمّد المروزي حدثنا عمار بن الحسن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع: أنّه كان يقرأ والذين جاؤ يعني الأنبياء (عليهم السلام) وصدقوا به الاتباع.
وقال الحسن: هو المؤمن صدّق به في الدّنيا وجاء به يوم القيامة.
يدل عليه ما أخبرنا ابن فنجويه حدثنا أبو علي بن حبش المقرئ أخبرنا يعني الظهراني أخبرنا يحيى بن الفضل الخرقي حدثنا وهيب بن عمرو أخبرنا هارون النحوي عن محمّد بن حجارة عن أبي صالح الكوفي وهو أبو صالح السمان أنه قرأ وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ مخففة، قال: هو المؤمن جاء به صادقا فصدّق به.
وقال مجاهد: هم أهل القرآن يجيؤون به يوم القيامة يقولون هذا الذي أعطيتمونا فعملنا بما فيه.
أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ.
(١) سورة البقرة: ١٧.
(٢) سورة البقرة: ١٧.
(٣) سورة العصر: ٢.
236
قرأ أبو جعفر ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: عباده بالجمع.
وقرأ الباقون: عَبْدَهُ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلم.
وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وذلك
أنهم خوّفوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم معرة الأوثان وقالوا: إنك تعيب آلهتنا وتذكرها بسوء، فو الله لتكفّ عن ذكرها أو لنخلينك أو يصيبك بسوء
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ شدة وبلاء هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ نعمة ورخاء هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ.
قرأ شيبة وأبو عمرو ويعقوب: بالتنوين فيهما، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم.
وقرأ الباقون: بالإضافة.
قال مقاتل: فسألهم النبي (عليه السلام) فسكتوا فأنزل الله سبحانه قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ إذا جاءكم بأس الله تعالى من المحق منّا ومن المبطل.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٠ الى ٥٢]
مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤)
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩)
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ ورقيب، وقيل:
موكّل عليهم في حملهم على الإيمان.
237
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها فيقبضها عند فناء أجلها وانقضاء مدتها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها كما يتوفى التي ماتت، فجعل النوم موتا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ عنده.
قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف. قضي بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء الموت رفع على مذهب ما لم يسم فاعله.
وقرأ الباقون بفتحها، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قالا: لقوله (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) فهو يقضي عليها.
قال المفسرون: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتعارف ما شاء الله تعالى منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك الله تعالى أرواح الأموات عنده وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها «١».
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وقت انقضاء مدة حياتها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا محمّد بن جعفر المطري حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا ابن فضل حدثنا عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها قال: يقبض أنفس الأموات والأحياء، فيمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء إلى أجل مسمّى لا يغلط.
وقال ابن عبّاس: في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه.
أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي حدثنا الفضل بن الفضل الكندي حدثنا إبراهيم بن سعد بن معدان حدثنا ابن كاسب حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة ان النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليضطجع على شقه الأيمن وليقل: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» [١٣٤] «٢».
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً من الشفاعة وَلا يَعْقِلُونَ يعني وإن كانوا لا يملكون شيئا من الشفاعة ولا يعقلون إنكم تعبدونهم أفتعبدونهم قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً فمن يشفع فبإذنه يشفع لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.
(١) جامع البيان للطبري: ٢٤/ ١٢.
(٢) المصنف لابن أبي شيبة: ٦/ ٢٤١، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٢٦٢.
238
قال ابن عبّاس ومجاهد ومقاتل: انقبض.
قتادة: كفرت واستكبرت.
الضحاك: نفرت.
الكسائي: انتفضت.
المؤرخ: أنكرت، وأصل الاشمئزاز النفور والازورار.
قال عمرو بن كلثوم:
إذا عضّ الثقاف بها اشمأزت وولتهم عشوزنة زبونا «١»
وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يعني الأوثان، وذلك حين ألقى الشيطان في أمنية رسول الله ﷺ عن قراءته سورة النجم: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يفرحون قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي يا فاطر السماوات والأرض عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان حدثنا عبيد الله بن ثابت حدثنا أبو سعيد الكندي حدثنا ابن فضيل حدثنا سالم بن أبي حفصة عن منذر الثوري قال:
كنت عند الربيع بن خيثم فدخل عليه رجل ممّن شهد قتل الحسين ممّن كان يقاتله فقال ابن خيثم يا معلقها. يعني الرءوس، ثم أدخل يده في حنكه تحت لسانه فقال: والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله ﷺ لقبّل أفواههم وأجلسهم في حجره، ثم قرأ قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أشركوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا ابن وهب حدثني محمد بن الوليد القرشي حدثنا محمّد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابن عمران الحوني قال: سمعت أنس بن مالك يحدّث عن رسول الله ﷺ قال: «يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا لو أن لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلّا أن تشرك بي» «٢».
وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ في الدّنيا أنه نازل بهم في الآخرة.
(١) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٦٤، لسان العرب: ١٣/ ٢٨٦.
(٢) صحيح البخاري: ٧/ ٢٠١.
239
قال السدي: ظنّوا أنها حسنات فبدت لهم سيئات.
قال سفيان: وقرأ هذه الآية: ويل لأهل الريا ويل لأهل الريا.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا الفرياني حدثني محمّد ابن عبد الله بن عماد حدثني عقبة بن سالم عن عكرمة بن عمار قال: جزع محمّد بن المنكدر عند الموت فقيل له: تجزع.
فقال: أخشى آية من كتاب الله تعالى وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فأنا أخشى ان يبدو لي من الله ما لم أحتسب.
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ أعطيناه نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ من الله بأني له أهل.
قال قتادة: على خير عندي.
بَلْ هِيَ يعني النعمة فِتْنَةٌ.
وقال الحسين بن الفضل: بل كلمته التي قالها فتنة.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: قارون إذ قال إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي.
فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ يعني كفار هذه الأمة سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٣ الى ٦٤]
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤)
240
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الآية.
اختلف المفسرون في المعنيّين بهذه الآية.
فقال بعضهم: عنى بها قوما من المشركين.
قال ابن عبّاس: نزلت في أهل مكة قالوا يزعم محمّد انه من عبد الأوثان وقتل النفس الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله الها آخر وقتلنا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أنبأني عبد الله بن حامد بن محمّد الأصفهاني أخبرني إبراهيم بن محمّد بن عبد الله البغدادي حدثنا أبو الحسن أحمد بن حمدان الجبلي حدثنا أبو إسماعيل حدثنا إسحاق بن سعيد أبو سلمة الدمشقي حدثنا أنس بن سفيان عن غالب بن عبد الله عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عبّاس قال: بعث رسول الله ﷺ إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: يا محمّد كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أنه من قتل أو شرك أو زنى يَلْقَ أَثاماً ويُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً، وأنا قد فعلت ذلك كله، فهل تجد لي رخصة؟ فأنزل الله تعالى إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً «١» الآية.
قال وحشي: هذا شرط شديد فلعلي لا أقدر على هذا، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «٢».
فقال وحشي: هذا شرط شديد فلعلي لا أقدر على هذا، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.
فقال وحشي: أراني بعد في شبهة فلا أدري يغفر لي أم لا، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
فقال وحشي: نعم هذه، فجاء فأسلم.
فقال المسلمون: هذه له خاصة أم للمسلمين عامة؟
وقال: «بل للمسلمين عامة» «٣».
وقال قتادة ذكر لنا أن ناسا أصابوا ذنوبا عظاما في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أشفقوا أن لن يتاب عليهم، فدعاهم الله بهذه الآية.
وقال ابن عمر: نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين، كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول: لا يقبل الله تعالى من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به، فنزلت على هؤلاء الآيات فكان
(١) سورة مريم: ٦٠.
(٢) سورة النساء: ٤٨.
(٣) المعجم الكبير: ١١/ ١٥٨، مجمع الزوائد: ١٠/ ٢١٥.
241
عمر بن الخطاب كاتبا فكتبها بيده، ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا أبو بكر بن خرجة حدثنا محمّد بن عبد الله بن سلمان الحضرمي حدثنا محمّد بن العلاء حدثنا يونس بن بكير حدثنا ابن إسحاق حدثنا نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لما اجتمعنا إلى الهجرة أبعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل وقلنا: الميعاد بيننا المناصف ميقات بني غفار، فمن حبس منكم لم يأبها فقد حبس فليمض صاحبه، فأصبحت عندها أنا وعياش وحبس عنا هشام وفتن فافتتن، فقدمنا المدينة فكنا نقول: هل يقبل الله من هؤلاء توبة قوم عرفوا الله ورسوله ثم رجعوا عن ذلك لما أصابهم من الدّنيا؟ فأنزل الله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إلى قوله أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ.
قال عمر: فكتبتها بيدي كتابا ثم بعثت بها إلى هشام.
قال هشام: فلما قدمت عليّ خرجت بها إلى ذي طوى فقلت اللهم فهمنيها، فعرفت أنها أنزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقتل هشام شهيدا بأجنادين في ولاية أبي بكر رضي الله عنه.
وقال بعضهم: نزلت في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار، فأعلمهم الله تعالى أنه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً لمن يشاء.
وروى مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر قال: كنا معشر أصحاب رسول الله نرى أو نقول: أنه ليس شيء من حسناتنا إلّا وهي مقبولة حتّى نزلت هذه الآية أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فلما نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقيل لنا:
الكبائر والفواحش.
قال: فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا: قد هلك، فنزلت هذه الآية، فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك، فكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له. وأراد بالإسراف ارتكاب الكبائر، والآية عامة للناس أجمعين لا تَقْنَطُوا.
قرأ أبو عمرو والأعمش ويحيى بن وثاب وعيسى والكسائي ويعقوب (لا تَقْنِطُوا) بكسر النون.
وقرأ أشهب العقيلي: بضمه.
وقرأ الآخرون: بفتحه.
روى الأعمش عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود قال: دخل عبد الله بن مسعود المسجد فإذا قاص يقص وهو يذكر النار والأغلال، فجاء حتّى قام على رأسه وقال: يا مذكّر لم
242
تقنط الناس ثم قرأ قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الآية.
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا أبو حبش المقرئ حدثنا ابن فنجويه حدثنا عبد سلمة حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم: أن رجلا كان في الأمم الماضية يجتهد في العبادة فيشدد على نفسه ويقنّط الناس من رحمة الله ثم مات فقال: أي رب ما لي عندك؟
قال: النار.
قال: أي رب وأين عبادتي واجتهادي؟
فيقول: إنك كنت تقنط الناس من رحمتي في الدّنيا، فأنا اليوم أقنطك من رحمتي.
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً.
أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا حامد بن محمّد بن عبد الله حدثنا محمّد بن صالح الأشج حدثنا داود بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت بن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ولا يبالي» [١٣٥].
وفي مصحف عبد الله: (إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء).
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا محمّد بن المظفر حدثنا عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال: ما علمت أحدا من أهل العلم ولا من أصحاب محمّد ﷺ يقول لذنب: إن الله لا يغفر هذا.
أخبرنا عقيل بن محمّد بن أحمد: أن المعافا بن زكريا أخبرهم عن محمّد بن جرير حدثنا زكريا بن يحيى وهداد بن أبي زائدة حدثنا حجاج حدثنا ابن لهيعة عن أبي قنبل قال: سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول: حدثني أبو عبد الرحمن الجيلاني أنه سمع ثوبان مولى رسول الله ﷺ يقول: سمعت رسول الله (عليه السلام) :«يقول ما أحب أن لي الدّنيا وما فيها بهذه الآية قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» [١٣٦].
فقال رجل: يا رسول الله ومن أشرك؟
فسكت النبي (عليه السلام) ثم قال: «ألا ومن أشرك ألا ومن أشرك ألا ومن أشرك» [١٣٧] «١».
(١) مسند أحمد: ٥/ ٢٧٥.
243
وبإسناده عن محمّد بن جرير حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا يونس عن ابن سيرين قال: قال علي رضي الله عنه: ما في القرآن آية أوسع من قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية.
وبه عن ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن منصور عن الشعبي عن شتير بن شكل قال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكثر آية فرجا في القرآن يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الآية «١».
أخبرنا الحسين بن محمّد الحديثي حدثنا محمّد بن علي بن الحسن الصوفي حدثنا علي بن محمّد بن ماهان حدثنا سلمة بن شبيب قال: قريء على عبد الرزاق وأنا أسمع عن معمر عن الزهري قال: دخل عمر بن الخطاب على النبيّ ﷺ وهو يبكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عمر؟».
قال: يا رسول الله إن بالباب شابا قد أخرق فؤادي وهو يبكي.
فقال له رسول الله: «أدخله عليّ».
فدخل وهو يبكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شأنك يا شاب؟».
قال: يا رسول الله أبكاني ذنوب كثيرة وخفت من جبار غضبان عليّ.
قال: «أشركت بالله يا شاب؟».
قال: لا.
قال: «أقتلت نفسا بغير حقها؟».
قال: لا.
قال: «فإن الله يغفر لك ذنبك ولو مثل السماوات السبع والأرضين السبع والجبال الرواسي».
قال: يا رسول الله ذنب من ذنوبي أعظم من السماوات السبع ومن الأرضين السبع.
قال: «ذنبك أعظم أم العرش؟» قال: ذنبي.
قال: «ذنبك أعظم أم الكرسي؟».
قال: ذنبي.
قال: «ذنبك أعظم أم إلهك؟».
قال: بل الله أجلّ وأعظم.
(١) تفسير الطبري: ٢٤/ ٢٠.
244
فقال: «إن ربّنا لعظيم ولا يغفر الذنب العظيم إلّا الإله العظيم».
قال: «أخبرني عن ذنبك».
قال: إني مستحيي من وجهك يا رسول الله.
قال: «أخبرني ما ذنبك؟».
قال: إني كنت رجلا نباشا أنبش القبور منذ سبع سنين، حتّى ماتت جارية من بنات الأنصار فنبشت قبرها فأخرجتها من كفنها، ومضيت غير بعيد إذ غلبني الشيطان على نفسي، فرجعت فجامعتها ومضيت غير بعيد إذ قامت الجارية فقالت: الويل لك يا شاب من ديّان يوم الدين يوم يضع كرسيّه للقضاء، يأخذ للمظلوم من الظالم تركتني عريانة في عسكر الموتى ووقفتني جنبا بين يدي الله تعالى.
فقام رسول الله ﷺ وهو يضرب في قفاه ويقول: «يا فاسق أخرج ما أقربك من النار».
قال: فخرج الشاب تائبا إلى الله تعالى حتّى أتى عليه ما شاء الله ثم قال: يا إله محمّد وآدم وحواء إن كنت غفرت لي فاعلم محمدا وأصحابه وإلّا فأرسل نارا من السماء فأحرقني بها ونجني من عذاب الآخرة.
قال: فجاء جبرئيل وله جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب قال: السلام يقرؤك السلام. قال: «هو السلام وإليه يعود السلام».
قال: يقول: أنت خلقت خلقي؟.
قال: «لا، بل هو الذي خلقني».
قال: يقول: أنت ترزقهم؟
قال: «لا، بل هو يرزقني».
قال: أنت تتوب عليهم؟
قال: «لا، بل هو الذي يتوب عليّ».
قال: فتب على عبدي.
قال: فدعا النبيّ ﷺ الشاب فتاب عليه وقال: «أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» «١».
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ أي واقبلوا وارجعوا إليه بالطاعة. وَأَسْلِمُوا لَهُ واخضعوا له مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ.
(١) لم نجدها فيما بين أيدينا من مصادر العامة، فانظر: أمالي الشيخ الصدوق: ٩٨.
245
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الحافظ حدثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق السنّي حدثنا أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا كثير بن زيد عن الحرث بن أبي يزيد قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله تعالى الإنابة» [١٣٨] «١».
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ والقرآن كله حسن وانما معنى الآية ما قال الحسن: التزموا طاعته واجتنبوا معصيته، فإن الذي أنزل على ثلاثة أوجه: ذكر القبيح لنجتنبه، وذكر الأدون لئلا نرغب فيه، وذكر الحسن لنؤثره.
وكذلك قال السدي: الأحسن ما أمر الله به في الكتاب.
وقال ابن زيد (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني المحكمات وكلوا علم المتشابهات إلى عالمها.
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يعني لأن لا تقول كقوله: أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ «٢» وَأَنْ تَصُومُوا «٣» ونحوهما.
يا حَسْرَتى يا ندامتا وحزني، والتحسر الاغتمام على ما فات، سمّي بذلك لانحساره عن صاحبه بما يمنع عليه استدراكه وتلا في الأمر فيه، والألف في قوله: (يا حَسْرَتى) هي بالكناية للمتكلم وإنما أريد يا حسرتي على الاضافة، ولكن العرب تحوّل الياء التي هي كناية اسم المتكلم في الاستغاثة ألفا فتقول: يا ويلتا ويا ندامتا، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء، وربّما لحقوا بها الهاء.
أنشد الفراء:
يا مرحباه بحمار ناجية إذا أتى قربته للسانية «٤»
وربّما الحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة.
وكذلك قرأ أبو جعفر: يا حسرتاي.
عَلى ما فَرَّطْتُ قصّرت فِي جَنْبِ اللَّهِ قال الحسن: في طاعة الله. سعيد بن جبير:
في حق الله في أمر الله. قاله مجاهد.
قال أهل المعاني: هذا كما يقال هذا صغير في جنب ذلك الماضي، أي في أمره.
(١) مسند أحمد: ٣/ ٣٣٢. [.....]
(٢) سورة النحل: ١٥.
(٣) سورة البقرة: ١٨٤.
(٤) شرح الرضي على الكافية: ١/ ٤٢٠.
246
وقيل: في سبيل الله ودينه. والعرب تسمّي السبب والطريق الى الشيء جنبا تقول:
تجرعت في جنبك غصصا وبلاء، أي بسببك ولأجلك.
قال الشاعر:
أفي جنب بكر قطعتني ملامة لعمري لقد كانت ملامتها ثنى «١»
وقال في الجانب الذي يؤدي إلى رضى الله تعالى وثوابه، والعرب تسمّي الجانب جنبا.
قال الشاعر:
الناس جنب والأمير جنب «٢»
يعني الناس من جانب والأمير من جانب.
وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ المستهزئين بدين الله تعالى وكتابه ورسوله والمؤمنين.
قال قتادة: في هذه الآية لم يكفه ان ضيع طاعة الله تعالى، حتّى جعل يسخر بأهل طاعة الله.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه حدثنا هارون بن محمّد حدثنا محمّد بن عبد العزيز حدثنا سلمة حدثنا أبو الورد الوزان عن إسماعيل عن أبي صالح: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: كان رجل عالم في بني إسرائيل ترك علمه وأخذ في الفسق، أتاه إبليس فقال له: لك عمر طويل فتمتع من الدّنيا ثم تب.
فأخذ في الفسق، وكان عنده مال فأنفق ماله في الفجور، فأتاه مالك الموت في ألذّ ما كان.
فقال: من أنت؟
فقال: أنا ملك الموت جئت لأقبض روحك.
فقال: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، ذهب عمري في طاعة الشيطان وأسخطت ربّي.
فندم حين لم تنفعه الندامة، قال: فأنزل الله سبحانه وتعالى خبره في القرآن.
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً رجعة إلى الدّنيا فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وفي نصب قوله: (فَأَكُونَ) وجهان:
(١) الصحاح للجوهري: ٦/ ٢٢٩٤.
(٢) تفسير القرطبي: ٥/ ١٩٢، لسان العرب: ١/ ٢٧٨، وهو للأخفش.
247
أحدهما: على جواب لو.
والثاني: على الرد على موضع الكرّة، وتوجيه الكرّة في المعنى لو أنّ لي أن أكر.
كقول الشاعر: أنشده الفراء:
فمالك منها غير ذكرى وحسرة وتسأل عن ركبانها أين يمموا»
فنصب تسأل عطفا على موضع الذكرى، لأن معنى الكلام: فمالك منها إلّا أن يذكر، ومنه قول الله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا «٢» عطف يرسل على موضع الوحي في قوله تعالى: إِلَّا وَحْياً.
بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ.
قرأ العامة: بفتح الكاف والتاء.
وقرأت عائشة: بكسرها أجمع، ردتها إلى النفس.
وروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن فنجويه حدثنا عمر بن الخطاب حدثنا عبد الله بن الفضل أخبرنا سعيد بن نصير قال: سمعت إسحاق بن سلمة الرازي قال: سمعت أبا جعفر الرازي يذكر عن الربيع بن أنس أنبأني عبد الله بن حامد أخبرتنا سعيدة بنت حفص بن المهتدي ببخارى قالت: حدثنا صالح بن محمّد البغدادي حدثنا عبد الله بن يونس بن بكر حدثنا أبي حدثنا عيسى بن عبد الله بن ماهان أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت: سمعت رسول الله (عليه السلام) يقول: «بَلى قَدْ جاءَتْكِ آياتِي فَكَذَّبْتِ بِها وَاسْتَكْبَرْتِ وَكُنْتِ مِنَ الْكافِرِينَ» [١٣٩] «٣» على مخاطبة النفس.
قال المروزي: وهي رواية السريحي عن الكسائي.
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ فزعم أن له ولدا وشريكا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ.
قال الأخفش: تَرَى غير عاملة في قوله: (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) إنما ابتداء وخبر.
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ.
قرأ أهل الكوفة: بالألف على الجمع.
(١) جامع البيان الطبري: ٢٤/ ٢٧، تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٧٢، وهو للفراء.
(٢) سورة الشورى: ٥١.
(٣) معاني القرآن: ٦/ ١٨٧، الدر المنثور: ٥/ ٣٣٣.
248
وقرأ الباقون: بغير ألف على الواحد، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم والأخفش، لأن المفازة هاهنا الفوز، ومعنى الآية: بنجاتهم من العذاب بأعمالهم الحسنة.
لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ لا يصيبهم المكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أيّ مفاتيح خزائن السماوات والأرض، واحدها مقلاد مثل مفتاح ومفاتيح، ومقليد مثل منديل ومناديل وفيه لغة أخرى أقاليد.
واحدها إقليد، وقيل: هي فارسية معربة اكليل.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري بقرائتي عليه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي حدثنا عمر بن أحمد بن شنبه حدثنا إسماعيل بن سعيد الخدري حدثنا أغلب بن تميم عن مخلد أبي الهذيل عن عبد الرحمن أخيه قال ابن عيينة: عن عبد الله بن عمر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه انه سأل رسول الله ﷺ عن تفسير هذه الآية (مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
فقال: «يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك، تفسيرها: لا إله إلّا الله والله اكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، بيده الخير يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يا عثمان من قالها إذا أصبح أو أمسى عشر مرات أعطاه الله تعالى ست خصال: أما أولها: فيحرس من إبليس وجنده، والثانية: يحضره إثنا عشر ملكا، والثالثة: يعطى قنطاران من الجنّة، والرابعة: يرفع له درجة، والخامسة: يزوجه الله تعالى زوجة من الحور العين، والسادسة: يكون له من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل، وله أيضا من الأجر كمن حج أو اعتمر فقبلت حجته وعمرته، فإن مات من ليلته مات شهيدا» [١٤٠] «١».
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن العدل بقرائتي عليه حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن زكريا الجرجاني الفقيه حدثنا أحمد بن جعفر بن نصر الرازي حدثنا محمّد بن يزيد النوفلي حدثنا حماد بن محمّد المروزي حدثنا أبو عصمة نوح بن أبي مريم عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه قال: سألت النبيّ ﷺ عن تفسير المقاليد.
فقال: «يا عليّ سألت عظيما، المقاليد هو أن تقول عشرا إذا أصبحت وعشرا إذا أمسيت:
لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ والله أكبر سبحان الله والحمد لله واستغفر الله ولا حول ولا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ... ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ... يُحْيِي وَيُمِيتُ بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، من قالها عشرا إذا أصبح وعشرا إذا امسى أعطاه الله تعالى خصالا ستا أولهن:
(١) مجمع الزوائد: ١٠/ ١١٥.
249
يحرسه من إبليس وجنده فلا يكون لهم عليهم سلطان، والثانية: يعطى قنطارا في الجنّة أثقل في ميزانه من جبل أحد، والثالثة: يرفع الله له درجة لا ينالها إلّا الأبرار، والرابعة: يزوجه الله من الحور العين، والخامسة: يشهده إثنا عشر ألف ملك يكتبونها فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ يشهدون له بها يوم القيامة، والسادسة: كمن قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وكان كمن حج واعتمر فقبل الله حجة وعمرته، وإن مات من يومه أو ليلته أو شهره طبع بطابع الشهداء، فهذا تفسير المقاليد» [١٤١] «١».
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ وذلك حين دعا إلى دين آبائه. واختلف القرّاء في قوله: تَأْمُرُونِّي فقرأ أهل المدينة: بنون واحدة مخففة على الحذف والتحقيق.
وقرأ أهل الشام: بنونين على الأصل.
وقرأ الآخرون: بنون واحدة مشددة على الإدغام.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٥ الى ٧٥]
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤)
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الذي عملته قبل الشرك.
وقال أهل الإشارة: معناه لئن طالعت غيري في السر لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.
(١) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٧٥.
250
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ثم دلّه على التوحيد فقال عز من قائل: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ لله تعالى على نعمة الايمان وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ حين أشركوا به غيره، ثم خبر عن عظمته فقال وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ أيّ ملكه يَوْمَ الْقِيامَةِ بلا مانع ولا منازع ولا مدّع، وهي اليوم أيضا ملكه، ونظيره قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «١» ولِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «٢».
قال الأخفش: هذا كما يقال خراسان في قبض فلان، ليس أنها في كفّه وإنما معناه ملكه.
وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ للطي معان منها: الإدراج كطي القرطاس والثوب بيانه يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ، ومنه الإخفاء كما تقول: طويت فلانا عن الأعين، وأطو هذا الحديث عني أي استره.
ومنه: الإعراض يقال: طويت عن فلان أو أعرضت عنه.
ومنه: الافناء، تقول العرب: طويت فلانا بسيفي، أي أفنيته.
وقراءة العامة: مَطْوِيَّاتٌ بالرفع. وقرأ عيسى بن عمر: بالكسر ومحلها النصب على الحال والقطع، وإنما يذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار.
وقيل: هو معنى القوة، كقول الشاعر:
تلقاها عرابة باليمين «٣»
وقيل: اليمين بمعنى القسم، لأنه حلف أنه يطويها ويفنيها. وهو اختيار علي بن مهدي الطبري قال: معناه مضنيات بقسمه.
حكى لي أستاذنا أبو القاسم بن حبيب عنه ثم نزه نفسه، وقال تعالى: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ثم أتى ذاكر بعض ما ورد من الآثار في تفسير هذه الآية.
أخبرنا عبد الله بن حامد بقرائتي عليه حدثنا محمّد بن جعفر المطري حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا ابن فضيل حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول هكذا بيده.
فضحك النبي صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» «٤».
(١) سورة الفاتحة: ٤.
(٢) سورة غافر: ١٦.
(٣) الصحاح: ١/ ١٨٠، لسان العرب: ١/ ٥٩٣، وهي للشماخ.
(٤) مسند أحمد: ١/ ٤٢٩، وسنن الترمذي: ٥/ ٤٩ ح ٣٢٩١، بتفاوت يسير. [.....]
251
وأنبأني عبد الله بن حامد أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا العبّاس بن الفضل الاسقاطي حدثنا أحمد بن يونس حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبيد الله قال: جاء حبر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال: يا محمّد أو يا أبا القاسم إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، يهززهن فيقول: أنا الملك أنا الملك.
فضحك النبي صلّى الله عليه وسلم تعجبا ممّا قال الحبر تصديقا له، ثم قرأ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ «١».
أخبرنا أحمد بن محمّد بن يوسف القصري بها أخبرنا إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل ببغداد حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمّد بن صالح الواسطي عن سليمان بن محمّد عن عمر بن نافع عن أبيه قال: قال عبد الله بن عمر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائما على هذا المنبر- يعني منبر رسول الله (عليه السلام). وهو يحكي عن ربّه تبارك وتعالى فقال: «إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السماوات والأرضين السبع في قبضته- ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها- ثم يقول: أنا الله، أنا الرحمن، أنا الملك، أنا القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن، أنا المهيمن، أنا العزيز، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الذي بدأت الدّنيا ولم يك شيئا، أنا الذي أعدتها، أين الملوك أين الجبابرة» [١٤٢].
أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا عمر بن الخطاب حدثنا عبد الله بن الفضل حدثنا هدية ابن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ على المنبر (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فبسط رسول الله صلّى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «فيمجّد الله نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون».
قال: فرجف المنبر حتّى قلنا ليتحركنّ به، وقيل: ليخرنّ به «٢».
أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا عمر عن عبد الله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله حدثني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟
أين المتكبرون»
«٣».
(١) صحيح مسلم: ٨/ ١٢٥.
(٢) كتاب السنة لابن أبي عاصم: ٢٤١ ح ٥٤٥.
(٣) جامع البيان للطبري: ٢٤/ ٣٦.
252
أخبرنا عبد الله بن حامد إجازة أخبرنا محمّد بن الحسين حدثنا محمّد بن جعونة أخبرنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن ثوبان الكلاعي عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلّى الله عليه وسلم: أنه أتاه حبر من أحبار اليهود فقال: إني سائلك عن أشياء فخبّرني بها.
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «اسأل ذلك».
فقال الحبر: أرأيت قول الله تعالى في كتابه: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) فأين الخلق عند ذلك؟
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «هم أضياف الله تعالى فلن يعجزهم ما لديه».
فقال الحبر: فقوله سبحانه وتعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ فأين الخلق عند ذلك؟
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «هم فيها كالرقيم في الكتاب» [١٤٣] «١».
وقال ابن عبّاس: في هذه الآية كل ذلك يمينه، وليس في يده الأخرى شيء، وإنما يستعين بشماله المشغولة يمينه، وما السماوات والأرضون السبع في يدي الله تعالى إلّا كخردلة في يد أحدكم «٢».
أنبأني عقيل بن أحمد: أن المعافا بن زكريا أخبره عن محمّد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني ابن إسحاق عن محمّد عن سعيد قال: اتى رهط من اليهود النبي صلّى الله عليه وسلم وقالوا:
يا محمّد هذا الله خلق الخلق، فمن خلقه؟
فغضب النبي صلّى الله عليه وسلم حتّى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربّه فجاءه جبرئيل (عليه السلام) فسكنه وقال: اخفض عليك جناحك وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه، قال يقول الله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
فلما تلاها عليهم النبي صلّى الله عليه وسلم قالوا له: صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه؟
فغضب النبي صلّى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ثم ساورهم فجاءه جبرئيل فقال: مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية «٣».
وقال مجاهد: وكلتا يدي الرحمن يمين.
(١) جامع البيان للطبري: ١٣/ ٣٣٣.
(٢) تفسير الطبري: ٢٤/ ٣٢.
(٣) تفسير الدر المنثور: ٦/ ٤١٠.
253
أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أخبرنا بشير بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرنا عمرو بن أوس الثقفي:
أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من منابر النور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» [١٤٤] «١».
وقال الحسين بن الفضل والأخفش معنى الآية وَالْأَرْضُ جَمِيعاً... وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ أي مضبوطات مربوطات بِيَمِينِهِ، أي بقدرته وهي كلها في ملكه وقبضته، نحو قوله تعالى: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ «٢» أي وما كانت لكم قدرة، وليس الملك لليمين دون سائر الجسد والله أعلم.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ.
أخبرنا أبو محمّد الحسين بن أحمد المخلدي إملاء وقراءة أخبرنا عبد الله بن محمّد بن مسلم حدثنا أحمد بن محمّد بن أبي رجاء المصيصي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن أسلم العجلي عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الصور.
فقال: «قرن ينفخ فيه» [١٤٥] «٣».
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أيّ ماتوا وهي النفخة الثانية إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ اختلفوا في الذين استثناهم الله تعالى.
أخبرنا أبو علي الحسين بن محمّد بن محمّد الروذبادي حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد ابن عبد الرحيم الشروطي حدثنا عبدان بن عبد الله بن أحمد حدثنا محمّد بن مصفي حدثنا بقية عن محمّد عن عمرو بن محمّد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سأل جبرئيل عن هذه الآية فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ: «من أولئك الذين لم يشاء الله أن يصعقهم؟».
فقال: هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش «٤».
أخبرنا الحسين بن فنجويه بقرائتي عليه حدثنا أبو علي بن حبش المقرئ قال: قرأ عليّ
(١) مسند أحمد: ٢/ ١٦٠، والسنن الكبرى للبيهقي: ١٠/ ٨٧.
(٢) سورة النساء: ٣٦.
(٣) مسند أحمد: ٢/ ١٦٢، وسنن الدارمي: ٢/ ٣٢٥.
(٤) المستدرك: ٢/ ٢٥٣.
254
أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي وأنا أسمع حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمّد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سأل جبرئيل (عليهما السلام) عن هذه الآية وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ: «من الذين لم يشاء الله تعالى أن يصعقهم؟».
قال: هم الشهداء متقلدون حول عرشه تتلقاهم الملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت أزمتها الدرّ برحائل السندس والإستبرق نمارها ألين من الحرير، مدّ خطاها مدّ أبصار الرجال يسيرون في الجنّة يقولون عند طول البرهة: انطلقوا إلى ربنا لننظر كيف يقضي بين خلقه، فيضحك إليهم إلهي عزّ وجلّ، فإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه «١».
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الحسن بن يحيويه حدثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي سفيان قالا:
حدثنا محمّد بن يوسف الفربابي حدثنا سليمان بن حيان عن محمّد بن إسحاق عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: تلا رسول الله (عليه السلام) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين استثنى الله تعالى؟
قال: «هو جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت- قال: فيقول يا ملك الموت خذ نفس اسرافيل. فيقول: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: سبحانك ربّي وتعاليت ذا الجلال والإكرام بقي جبرئيل وميكائيل وملك الموت. فيقول: يا ملك الموت خذ نفس ميكائيل. فيأخذ نفس ميكائيل فيقع كالطود العظيم. فيقول: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: سبحانك ربّي تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام بقي جبرئيل وملك الموت.
فيقول: مت يا ملك الموت فيموت. فيقول: يا جبرئيل من بقي؟ فيقول: تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبرئيل الميت الفاني- قال-: فيقول: يا جبرئيل لا بدّ من موتك، فيقع ساجدا يخفق بجناحيه فيقول: سبحانك ربّي تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام»
.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم على الضرب من الضراب» [١٤٦] «٢».
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر حدثنا حاجب بن أحمد بن يرحم حدثنا محمّد بن حماد حدثنا محمّد بن الفضيل عن سليمان التيمي عن أبي نصرة عن جابر في قوله تعالى:
(١) الدر المنثور: ٥/ ٣٣٦.
(٢) جامع البيان للطبري: ٢٤/ ٣٨، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٢٨٠.
255
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قال: موسى ممّن استثنى الله تعالى، وذلك بأنه قد صعق مرة.
يدل عليه ما
أخبرنا عقيل بن أحمد: أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمّد بن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا محمّد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال يهودي بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر، قال: فرفع رجل من الأنصار يده فصك بها وجهه فقال: تقول هذا وفينا رسول الله.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فأكون أنا أول من يرفع رأسه، فإذا موسى أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممّن استثنى الله تعالى» [١٤٧] «١».
وقال كعب الأحبار: هم إثنا عشر، حملت العرش وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
الضحاك: هم رضوان والحور ومالك والزبانية.
قتادة: الله أعلم بثنياه «٢».
الحسن: (إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ) يعني الله وحده. وقيل: عقارب النار وحياتها، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أي في الصور أُخْرى مرة أخرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ من قبورهم يَنْظُرُونَ يعني ينظرون إلى البعث.
وقيل: ينتظرون أمر الله تعالى فيهم.
قالت العلماء: ووجه النفخ في الصور أنه علامة جعلها الله تعالى ليتصوّر بها العاقل وأخذ الأمر، ثم تجديد الخلق.
وَأَشْرَقَتِ وأضاءت الْأَرْضُ.
وقرأ عبيد بن عمير: (وَأُشْرِقَتِ) على لفظ ما لم يسم فاعله كأنها جعلت مضيئة.
بِنُورِ رَبِّها قال أكثر المفسرين: بضوء ربّها، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون في نوره إلّا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه «٣».
وقال الضحاك: بحكم ربّها.
(١) تفسير الطبري: ٢٤/ ٤٠.
(٢) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٨٠. [.....]
(٣) تفسير الطبري: ٢٤/ ٤٢.
256
وقال السدي: بعدل ربّها. ويقال: إن الله تعالى خلق في القيامة نورا يلبسه وجه الأرض فتشرق الأرض به، ويقال: ان الله يتجلى للملائكة فتشرق الأرض بنوره، وأراد بالأرض عرصات القيامة.
وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ.
قال ابن عبّاس: يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة.
وقال السدي: الذين استشهدوا في طاعة الله.
وقيل: هم الحفظة، يدل عليه قوله تعالى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ «١».
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا سوقا عنيفا يسحبون على وجوههم إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً أفواجا بعضها على أثر بعض، كل أمة على حدة.
وقال أبو عبيد والأخفش: يعني جماعات في تفرقة، واحدتها زمرة.
حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها السبعة وكانت قبل ذلك مغلقة.
واختلف القراء في قوله: (فُتِحَتْ) و (فُتِّحَتْ) فخففها أهل الكوفة، وشددهما الآخرون على التكثير.
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها توبيخا وتقريعا لهم أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ وجبت كَلِمَةُ الْعَذابِ وهي قوله تعالى:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ «٢».
عَلَى الْكافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ وحشر الذين اتَّقَوْا رَبَّهُمْ فأطاعوه ولم يشركوا به إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ركبانا حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ الواو فيه واو الحال ومجازه وقد فتحت أبوابها، فأدخل الواو هاهنا لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفها من الآية الأولى لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، ويقال:
زيدت الواو هاهنا، لأن أبواب الجنّة ثمانية وأبواب الجحيم سبعة، فزيدت الواو هاهنا فرقا بينهما.
حكى شيخنا عبد الله بن حامد عن أبي بكر بن عبدش أنها تسمى واو ثمانية.
قال: وذلك أن من عادة قريش أنهم يعدون العدد من الواحد إلى الثمانية، فإذا بلغوا
(١) سورة ق: ٢١.
(٢) سورة هود: ١١٩.
257
الثمانية زادوا فيها واوا فيقولون: خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، يدل عليه قول الله تعالى:
سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً «١» وقال سبحانه: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ «٢»، فلما بلغ الثامن من الأوصاف قال وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ «٣»، وقال سبحانه وتعالى: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ «٤»، وقال تعالى: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً «٥».
وقيل: زيادة الواو في صفة الجنّة علامة لزيادة رحمة الله على غضبه وعقوبته.
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ قال قتادة فإذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنّة والنار، فيقتص بعضهم من بعض، حتّى إذا هدءوا واطمئنوا قال لهم رضوان وأصحابه: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ.
أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمّد البيهقي أخبرنا أبو حاتم مكي بن عبدان التميمي حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر السليطي حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه: أنه سئل عن هذه الآية وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً الآية.
فقال: سيقودهم إلى أبواب الجنّة حتّى إذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان، فعمدوا إلى إحداهما فتطهروا فيها فجرت عليهم بنضرة النعيم، فلن تغير أجسادهم بعدها أبدا ولن تشعث أشعارهم بعدها أبدا كأنما دهنوا بالدهان، ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى، وتلقتهم الملائكة على أبواب الجنّة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ، ويلقى كل غلمان صاحبهم يطوفون به فعل الولدان بالحميم إذا جاء من الغيبة يقولون: ابشر قد أعدّ الله لك كذا وكذا وأعد لك كذا وكذا، وينطلق غلام من غلمانه يسعى إلى أزواجه من الحور العين فيقول: هذا فلان- باسمه في الدّنيا- قد قدم.
فيقلن: أنت رأيته؟
فيقول: نعم.
فيستخفهن الفرح حتّى يخرجن إلى أسكفة الباب ويجيء ويدخل، فإذا سرر موضونة، وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ، ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه، فإذا هو قد
(١) سورة الحاقة: ٧.
(٢) سورة التوبة: ١١٢.
(٣) سورة التوبة: ١١٢.
(٤) سورة الكهف: ٢٢.
(٥) سورة التحريم: ٥.
258
أسس على جندل اللؤلؤ بين أخضر وأحمر وأبيض وأصفر من كل لون، ثم يتكئ على أريكة من أرائكه، ثم يرفع طرفه إلى سقفه، فلولا أن الله تعالى قدر له لألمّ أن يذهب بصره، أنه مثل البرق فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «١» قال: فيناديهم الملائكة أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».
واختلف أهل العربية في جواب قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها.
فقال بعضهم: جوابه: (فُتِحَتْ) والواو فيه [مثبتة] مجازها حتّى إذا جاؤها فتحت أبوابها كقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً «٣» أي ضياء.
وقيل: جوابه: قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها والواو فيه ملغاة تقديره: حتّى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها.
كقول الشاعر:
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن إلّا توهم حالم بخيال «٤»
أراد فإذا ذلك لم يكن.
وقال بعضهم: جوابه مضمر ومعنى الكلام: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ، فدخلوها.
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ قال أبو عبيدة: جوابه محذوف مكفوف عن خبره، والعرب تفعل هذا لدلالة الكلام عليه.
قال الأخطل في آخر قصيدة له:
خلا أن حيا من قريش تفضلوا على الناس أو ان الأكارم نهشلا «٥»
وقال عبد مناف بن ربيع في آخر قصيدة:
حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة شلاء كما تطرد الجمالة الشردا «٦»
(١) سورة الأعراف: ٤٣.
(٢) سورة الأعراف: ٤٣.
(٣) سورة الأنبياء: ٤٨.
(٤) جامع البيان للطبري: ٢٤/ ٤٦، وفي اللسان: ٢/ ٥٥١، نسبه إلى ابن مقبل، وفيه:
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن إلّا كلمة حالم بخيال
(٥) تفسير الطبري: ٢٤/ ٤٧، وشرح الرضي على الكافية: ٤/ ٣٧٧.
(٦) المصدر السابق، ولسان العرب: ٣/ ٢٣٧. [.....]
259
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يعني أرض الجنّة، وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ «١».
نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ثواب المطيعين وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ محدقين محيطين مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ودخول (من) للتوكيد يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ متلذذين بذلك لا متعبدين به، لأن التكليف يزول في ذلك اليوم وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي بين أهل الجنّة والنار بالحق وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمّد البيهقي الفقيه أخبرنا مكي بن عبدان أخبرنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر حدثنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة في هذه الآية قال: فتح أول الخلق بالحمد وقال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «٢» وختم بالحمد فقال: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك حدثنا أبو طلحة أحمد بن محمّد بن عبد الكريم الفزاري حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الرحمن بن عثمان عن عبادة بن ميسرة عن محمّد بن المنكدر عن ابن عمر أن النبيّ ﷺ قرأ على المنبر آخر سورة الزمر فتحرك المنبر مرتين.
(١) سورة الأنبياء: ١٠٥.
(٢) سورة الأنعام: ١.
260
سورة المؤمن
قال الثمالي: إنما سميت بذلك من أجل حزقيل مؤمن آل فرعون مكية، وهي خمس وثمانون آية، وألف ومائة وتسع وتسعون كلمة، وأربعة ألف وتسع مائة وستون حرفا في فضل الحواميم:
أخبرنا الأستاذ أبو الحسين علي بن محمّد بن الحسن الجنازي قراءة عليه حدثنا أبو الشيخ الأصبهاني حدثنا محمّد بن أبي عصام حدثنا إبراهيم بن سليمان الحرّاني حدثنا عثمان المزني حدثنا عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحواميم ديباج القرآن» [١٤٨] «١».
أخبرنا أبو محمّد ابن الرومي أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن الجراح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عبّاس قال: لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن يعقوب القصري بها أخبرنا أبو علي الصفار ببغداد حدثنا سعدان بن نصر وأخبرنا أبو الحسين الخبازي أخبرنا الشدائي وهو أبو بكر أحمد بن نصر حدثنا ابن المنادي عن سعدان بن نصر: أن المعتمر بن سليمان الرقي حدثهم عن الخليل بن مرة مرسلا قال: كان النبي ﷺ يقول: «الحواميم سبع وأبواب جهنّم سبع: جهنم، والحطمة، ولظى، والسعير، وسقر، والهاوية، والجحيم، فتجيء كل حاء ميم منهن يوم القيامة على باب من هذه الأبواب فيقول: لا يدخل الباب من كان يؤمن بي ويقرأني» [١٤٩] «٢».
أخبرنا علي بن محمّد بن الحسن حدثنا أبو جعفر محمّد بن عبد الله بن بذرة حدثنا أبو علي أحمد ابن بشر المرثدي حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعيد بن إبراهيم قال: كنّ الحواميم يسمون العرائس.
(١) الجامع الصغير: ١/ ٥٩٤ ح ٣٨٥١.
(٢) الجامع الصغير: ١/ ٥٩٤ ح ٣٨٥٣.
261
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «لكل شيء ثمرة، وأن ثمرة القرآن ذوات حسم هن روضات حسان مخصبات متجاورات، فمن أحب أن يرتع في رياض الجنّة فليقرأ الحواميم» [١٥٠] «١».
وقال ابن مسعود: إذا وقعت في أل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب» [١٥١] «٢».
وقال ابن سيرين: رأى رجل في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن فقال لهن: لمن أنتن؟
قلن: لمن قرأ أل حم.
فأما فضائل هذه السورة خاصة.
فأخبرنا أبو عبد الله حدثنا ظفران حدثنا أبو محمّد بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمّد ابن الصباح وأخبرنا أبو الحسين الخبازي حدثنا ظفران حدثنا ابن أبي داود حدثنا محمّد بن عاصم وأخبرنا الخبازي حدثنا ابن حبش المقرئ حدثني أبو العبّاس محمّد بن موسى الدقاق حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا نشابة بن سوار حدثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد وعن عطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ قال: «من قرأ حم المؤمن لم تبق روح نبيّ ولا صدّيق ولا شهيد ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له» [١٥٢].

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٨٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١٥/ ٢٨٨.
262
Icon