ﰡ
قوله تعالى: ﴿لَنَا أعْمَالُنَا ولَكُمْ أعْمَالُكُمْ، لاَ حُجَّةَ بِيْنَنَا وبَيْنَكُمُ﴾:
قال ابن عباس: هذا مخاطبةٌ لليهود، يقول لهم: لنا ديننا ولكم دينكم. قال: ثم نُسِخَت بقوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ باللهِ ولاَ باليَوْمِ الآخِر﴾- الآية - وقاله مجاهد -.
وقيل: الآيةُ محكمةٌ غيرُ منسوخةٍ، ومعناها: أن الْحُجَجَ في صِحَّةِدين الله قد ظَهَرَت، وبراهينَ الإِيمان قد تَبَيَّنَت فلا حُجَّةَ بيننا وبَيْنَكُم، أي: الأمر الذي نحن عليه ظاهرُ الحقِّ والصَّواب، لا يحتاجُ إلى حُجَّة.
فقولُه تعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِه، ومَن كَانَيُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾.
روى الضَّحاكُ عن عبدِ الله بن عباسٍ أنه قال: هي منسوخةٌ بقوله في "سبحان": ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيد﴾ [الإِسراء: ١٨].
قال أبو محمد، وهذا من نسخ المكّي بالمكّي - على هذا القول -.
والذي يوجبُه النظر، وعليه أَكثرُ العلماء أَن الآيةَ محكمةٌ غيرُ منسوخةلأن الأشياءَ كُلَّها حُكْمُها على مَشيئَتِه، فمعنى الآية: نؤتيه مِنها إن شئنا.
فالآيتان محكمتانِ متساويتانِ في المعنى غير أن آية "سبحان" أَبْيَن.
وأيضاً فإنَّه خبرٌ، والخبرُ لا يُنْسَخ.
وقد قيل: إن معنى قول ابن عباس - في هذا و شبهِه، إذا صح - أنهناسخ [ومنسوخ -] أي، هو على صحته - أي: مثله في المعنى وإن لميكن مثله في اللفظ.
قوله تعالى: ﴿قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾:
أمر الله - جلّ ذكرُه - نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقولَ لقريش: لا أَسأَلُكُم على ماجِئْتُكُم به من الهدى أَجراً، لكن أجري على ذلك أن لا تؤذوني لقرابتي منكم(وتُصَدقوا بي) وتمنعوني، (ولم يفعلوا)، وفعلَ ذلك الأنصارُ.
قال ابنُ عباس: هي منسوخةٌ بقوله: ﴿قُلْ مَا سأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فَهُوَلَكُمْ، إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ﴾ [سبأ: ٤٧]، وهذا أيضاً - على هذا القول - من نسخالمكِّي بالمكِّي.
وقال الحسنُ: هي محكمةٌ. ومعناها:
لا أَسأَلُكُم على الإِيمان الذي جِئْتُكُم به أجراً، إلاّ أن تتقربوا إلى اللهبطاعته، والعمل بما يُرْضيه. وهذا لا ينسخ لأنه هو المرغوبُ منهم، وعليه قاتَلَهم.
قولُه تعالى: ﴿والّذِينَ إذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُون﴾:
قال ابن زيد: نَسَخَها الأَمرُ بالجهاد.
وقيل: الآيةُ محكمةٌ والانتصارُ من الظَّالِم محمودٌ حسن كان الظالمُ(مسلماً أو مشركاً). والنسخُ في هذا لا يَحْسُنُ لأنه خبر.
قولُه تعالى: ﴿إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾:
قال ابنُ وهب عن ابن زيد: إنها في المشركين، وإنها منسوخةٌ بقوله:﴿ادفَعْ بالّتِي هِيَ أَحْسَن﴾ [المؤمنون: ٩٦، وفصّلت: ٣٤].
وقيل: هي محكمةٌ. والانتقامُ من الظَّالِم حَسَنٌ. قال مالكٌ: لا أرى أَنْيَجْعَلَ مَن ظَلَمَه في حِلِّ، وقال في الرَّجُلِ يموت (عليهِ دَيْنٌ)، لا وفاءَ لهبه: أَرى أن يَجْعَلَه في حِلٍّ، وهُوَ أَفضَلُ عندي، فإن اللهَ يقول: ﴿الَّذِينَيَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَه﴾ [الزمر: ١٨]. وكان ابنُ المسيِّب لا يرى تحليلَه.