ﰡ
قوله عز وجل :﴿ عسق ﴾.
ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول : حم سق، ولا يجعل فيها عينا، ويقول : السين كل فرقة تكون، والقاف كل جماعة تكون.
قال الفراء :[ و ] رأيتها في بعض مصاحف ( عبد الله ) «حم سق » كما قال ابن عباس.
﴿ حم عسق ﴾ يقال : إنها أوحيت إلى كل نبي، كما أوحيت إلى محمد صلى الله عليه.
قال ابن عباس : وبها كان على بن أبي طالب يعلم الفتن. وقد قرأ بعضهم :«كذلك يوحَى »، لا يُسَمِّى فاعلَه، ثم ترفع الله العزيز الحكيم يرد الفعل إليه. كما قرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمى «وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ منَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادِهِمْ » ثم قال :( شركاؤهم ) أي زينه لهم شركاؤهم ومثله قول من قرأ :«يُسَبَّحُ له فيها بالغُدُوِّ والآصالِ » ثم تقول :( رجالٌ ) فترفع يريد : يسبِّح له رجال.
وقوله :﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾.
رفع بالاستئناف كقولك : رأيت الناس شقي وسعيد، ولو كان فريقاً في الجنة، وفريقا في السعير كان صوابا، والرفع أجود في العربية.
يقول : جعل لكل شيء من الأنعام زوجا ليَكثروا ولتكثروا.
وقوله :﴿ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ﴾ معنى فيه : أي به، والله أعلم.
ذُكِر : أن الأنصار جمعت للنبي صلى الله عليه وسلم - نفقة يستعين بها على ما ينوبه في أصحابه، فأتوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا : أن الله عز وجل قد هدانا بك، وأنت ابن اختنا فاستعِنْ بهذه النفقة على ما ينوبك، فلم يقبلها، وأنزل الله في ذلك : قل لهم لا أسألكم على الرسالة أجراً إلى المودة في قرابتي بكم.
وقال ابن عباس :﴿ لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ في قرابتي من قريش.
ليس بمردود على ﴿ يختم ﴾، فيكون مجزوما، هو مستأنف في موضع رفع، وإن لم تكن فيه واو في الكتاب، وَمثله مما حذفت منه الواو وَهو في موضع رفع قوله :﴿ وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ ﴾ وَقوله :﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾.
ذَكر العباد، ثم قال :﴿ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ﴾ كأنه خاطبهم، والعوام يقرءونها بالياء.
حدثنا الفراء قال : حدثني قيس عن رجل قد سماه عن بُكَيْر بن الأخنس عن أبيه قال : قرأت من الليل :﴿ ويعلم ما تفعلون ﴾ فلم أدر أأقول : يفعلون أم تفعلون ؟ فغدوت إِلى عبدالله بن مسعود لأسأله عن ذلك، فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن، رجلٌ ألمّ بامرأة في شبيبة، ثم تفرقا وَتابا، أيحل له أن يتزوجها ؟
قال، فقال عبد الله رافعا صوته :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ﴾.
قال الفراء : وَكذلك قرأها علقمة بن قيس ؛ وإبراهيم ؛ وَيحيى بن وَثاب ؛ وَذكر عن أبى عبد الرحمن السلمي : أنه قرأ كذلك بالتاء.
يكون الذين في موضع نصب بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا، وقد جاء في التنزيل :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾، والمعنى، والله أعلم : فأجابهم ربهم، إلاّ أنك إذا قلت : استجاب أدخلت اللام في المفعول به، وإذا قلت : أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم بمعنى : استجاب لهم، كما قال :﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ ﴾ المعنى، والله أعلم : وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، يُخْسرون ؛ ويكون الذين - في موضع رفع ؛ يجعل الفعل لهم أي : الذين آمنوا يستجيبون لله ؛ ويزيدهم الله على إِجابتهم والتصديق من فضله.
أراد : وما بث في الأرض دون السماء، بذلك جاء في التفسير ؛ ومثله مما ثنى ومعناه واحد قوله :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُما الُّلؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ وإنما يخرج من الملح دون العذب.
فإن يهلِك أبو قابوسَ يَهلِك | ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرامُ |
ونُمسكَ بعده بذناب عَيْسٍ | أجبِّ الظهرِ ليس له سَنام |
قرأه يحيى بن وثاب «كبير » : وفسر عن ابن عباس : أن كبير الإثم هو الشرك ؛ فهذا موافق لمن قرأ : كبير [ الإثم ] بالتوحيد ؛ وقرأ العوام :﴿ كَبَائرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ﴾. فيجعلون كبائر كأنه شيء عام، وهو في الأصل واحد ؛ وكأني أستحبّ لمن قرأ : كبائر أن خفض الفواحش ؛ لتكون الكبائر مضافة إلى مجموع إذا كانت جمعاً ؛ قال : وما سمعت أحداً من القراء خفض الفواحش.
نزلت خاصة في أبى بكر الصديق ( رحمه الله )، وذلك : أن رجلا من الأنصار وقع به عند رسول الله فسبّه، فلم يردد عليه أبو بكر ؛ ولم يَنْهَ رسول الله صلى الله عليه الأنصاري ؛ فأقبل عليه أبو بكر فرد عليه، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - كالمغضب واتبعه أبو بكر فقال : يا رسول الله، ما صنعتَ بي أشدّ علي مما صنع بي : سبّني فلم تَنْهَهُ، ورددتُ عليه فقمت كالمغضب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان الملك يرد عليه إذا سكتَّ، فلما رددتَ عليه رجع الملك، فوثبتُ معه ؛ فنزلت هذه الآية. وفسرها شريك عن الأعمش عن إبراهيم في قوله :﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ﴾، قالوا : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم للفساق فيجترئوا عليهم.
قال بعضهم : يُخفونه من الذل الذي بهم، وقال بعضهم : نظروا إلى النار بقلوبهم، وَلم يروها بأعينهم لأنهم يحشرون عمياً.
وإنما ذكر قبلهم الإنسان مفرداً، والإنسان يكون واحداً، وفي معنى جمع فردّ الهاء والميم على التأويل، ومثل قوله :﴿ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾ يراد به : كل الناس، ولذلك جاز فيه الاستثناء وهو موحّد في اللفظ كقول الله ﴿ إنَّ الإنسانَ لَفي خُسْرٍ إلا الذين آمنوا ﴾، ومثله :﴿ وَكَمْ مِّنْ مَلَكٍ في السّماواتِ ﴾ ثم قال :﴿ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ ﴾ وإنما ذكر ملكا ؛ لأنه في تأويل جمع.
محضاً لا ذكور فيهن، ويهب لمن يشاء الذكور محضاً لا إناث فيهم، أو يزوجهم يقول : يجعل بعضهم بنين، ويجعل بعضهم بنات ذلك التزويج في هذا الموضع. والعرب تقول : له بنون شِطْرة إذا كان نصفهم ذكوراً، ونصفهم إناثاً، ومعنى هذا - والله أعلم - كمعنى ما في كتاب الله.
كما كان النبي صلى الله عليه يرى في منامه، ويُلْهمَهُ، أو من وراء حجاب، كما كلّم موسى من وراء حجاب، أو يرسل رسُولا ملكا [ من ملائكته ] فيوحي بإذنه، ويكلم النبي بما يشاء الله [ وذلك في قوله :«أو يرسلَُ رسولا » الرفع والنصب أجود.
قال الفراء : رفع نافع المدينيّ، ونصبت العوام ] ومن رفع «يرسل » قال :«فيوحى » مجزومة الياء.
يعني التنزيل، وقال بعضهم : أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يقول : جعلناه لاثنين ؛ لأن الفعل في كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تقول : إقبالك وَإِدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك.