تفسير سورة سورة الشورى من كتاب التيسير في أحاديث التفسير
.
لمؤلفه
المكي الناصري
.
المتوفي سنة 1415 هـ
والآن فلنوجز موضوعات الثمن الثاني من هذا الربع، وهو فاتحة ( سورة الشورى ) المكية :
ﰡ
إن الحديث في فاتحة هذه السورة يتناول بالذكر إثبات الوحي من الله إلى رسوله ﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم( ٣ ) ﴾، ويتناول استغفار الملائكة للمؤمنين في الأرض :﴿ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ﴾، ويتناول بيان الحكمة في نزول القرآن :﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ﴾،
ويتناول ضرورة التحاكم إلى الله، عند ظهور الاختلاف بين الناس :﴿ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ﴾.
وفيما بين هذه الموضوعات يزيد كتاب الله معتقدات الشرك تسفيها وتفنيدا، كما يزيد عقائد التوحيد بيانا وتأييدا :﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ( ١١ ) له مقاليد السماوات والأرض، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. إنه بكل شيء عليم( ١٢ ) ﴾.
الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعين في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يؤكد كتاب الله قاعدة أساسية من القواعد التي قام عليها الإسلام، ألا وهي أن الدين الذي بعث الله به الأنبياء والرسل جيلا بعد جيل إنما هو في جوهره دين واحد، متسم بطابع الوحدة والتسلسل عبر القرون، وذلك لأن منبع الدين ومصدر الوحي واحد أزلا وأبدا، وهو الله تعالى الذي خلق الكون وسن لتسييره السنن والنواميس الطبيعية المناسبة، وخلق الإنسان وسن لسلوكه السنن والنواميس الأخلاقية الملائمة، ﴿ ألا له الخلق والأمر ﴾( ٥٤ : ٧ )، وهذه القاعدة الأساسية من قواعد الإسلام هي التي تفسر ما فرضه الله على المسلم من الإيمان بالله وبجميع رسله وجميع كتبه دون تمييز ولا استثناء، حتى أن من كفر برسول واحد أرسله الله، أو كتاب منزل من عند الله، يعتبر في دين الإسلام كافرا غير مؤمن، فالمسلم يحترم النبوات والرسالات جميعا، والمسلم يؤمن بالكتب المنزلة كلها ما دامت محتفظة بنصها الأصلي، لا يستثنى من ذلك شيئا إلا ما أدخل على نصوصه ( تحريف ) أو ( تأويل سيئ )، مما قام به الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وبفضل هذه العقيدة الأساسية في الإسلام لا يحس المسلم بأي حقد أو عقدة نفسية نحو بقية الأنبياء والرسل، فضلا عن أن ينظر بعين النقص إلى مقامهم الرفيع عند الله، جملة أو تفصيلا.
وكما أكد كتاب الله في هذا السياق معنى الوحدة الاعتقادية والدينية، القائمة بين جميع الأنبياء والرسل، تبعا لوحدة الواحد الأحد، واهب النبوات والرسالات، الذي نبأهم وأرسلهم إلى خلقه، فإنه حض المؤمنين جميعا على حفظ تلك الوحدة الدينية التي تمسك بها الأنبياء والرسل، وأمرهم بصيانتها من عوامل الفرقة والاختلاف.
وهذا التوجيه القرآني- وإن كان موجها بالأصالة إلى المسلمين- فإنه يمكن أن يمتد أثره حتى إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بل إلى نفس المشركين العرب، ما داموا يدعون أنهم من بقايا ملة إبراهيم، فهؤلاء جميعا إذا أنصفوا وراجعوا أنفسهم، وعادوا إلى المنبع الأول والصافي للدين الحق، يلتقون جميعا في نقطة واحدة، ويجتمعون على كلمة سواء، وهي كلمة الإسلام، وذلك قوله تعالى :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾.
قال ابن كثير في تفسيره :﴿ يقول تعالى لهذه الأمة :{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك ﴾، فذكر أول الرسل بعد آدم عليه السلام، وهو نوح عليه السلام، وآخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر مَنْ بينَ ذلك من أولي العزم، وهم إبراهيم وموسى وعيسى، وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة، كما اشتملت آية الأحزاب عليهم في قوله تبارك وتعالى ( ٧ : ٣٣ ) :﴿ وإذا أخذنا من النبيئين ميثاقهم، ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ﴾ الآية. والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال عز وجل :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾( الأنبياء : ٢٥ ) وفي الحديث :( نحن معشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد )، أي : أن القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم، كقوله جل جلاله ( ٤٨ : ٥ ) :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾، انتهى ما قاله ابن كثير.
وذكر أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري في كتابه ( أحكام القرآن ) عند تفسيره لقوله تعالى :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ﴾ نبذة مهمة تلقي كثيرا من الأضواء على هذا الموضوع إذ قال :( إن آدم كان أول نبي بغير إشكال، غير أنه لم يكن معه إلا بنوه، ولم تفرض له الفرائض، ولا شرعت له المحارم، وإنما كان ما عنده تنبيها على بعض الأمور، واقتصار على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء )، ثم قال ابن العربي :( واستقر المدى إلى نوح، وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات، ووظف عليه الواجبات، وأوضح له الآداب في الديانات، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل، ويتناصر بالأنبياء صلوات الله عليهم، واحدا بعد واحد، وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل، ملتنا، على لسان أكرم الرسل، نبينا صلى الله عليه وسلم، فكان المعنى -أي معنى الآية- أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا، يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشرائع، وهي : التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، والتقرب إلى الله تعالى بصالح الأعمال، والتزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه، والصدق، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وتحريم الكفر والقتل والزنا، وتحريم الإذاية للخلق كيفما كانت، وتحريم الاعتداء على الحيوان كيفما كانت، وتحريم اقتحام الدناءات، وما يعود بخرم المروءات، فهذا كله شرع دينا واحدا، وملة متحدة، لم يختلف على ألسنة الأنبياء، وإن اختلفت أعدادهم، وذلك قوله تعالى :﴿ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾، أي : اجعلوه قائما، يريد : دائما مستمرا، محفوظا مستقرا، من غير خلاف فيه، ولا اضطراب عليه، فمن الخلق من وفى بذلك، ومنهم من نكث به، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) ( ١٠ : ٤٨ ) وختم ( ابن العربي ) تحليله لهذا الموضوع ) قائلا :( واختلفت الشرائع وراء هذا في معان، حسبما أراده الله، مما اقتضته المصلحة، وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم، والله أعلم ).
ثم مضى كتاب الله يبين السر في موقف العناد الذي يقفه المشركون من الرسول عليه السلام، وأنهم فوجئوا بما اختاره الله له من الرسالة دونهم جميعا :﴿ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه. الله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب( ١٣ ) ﴾.
وبينت الآيات الكريمة أن الفرقة التي آل إليها أمر أهل الملل والأديان إنما جاءت بعد العلم بالدين الواحد والملة المتحدة، وأن سبب الفرقة بين الملل ليس نابعا من أصل الدين الصحيح، وإنما هو ناشئ عن تأثير الأغراض والشهوات، التي سيطرت على أتباع الديانات، فالفرقة من صنع الناس لا من وحي الدين، ﴿ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ﴾، كما بينت الآيات الكريمة أن الشك الذي يوجد عند ( أهل الكتاب ) ممن عاصروا عهد الرسالة المحمدية، والحيرة التي تتجلى في مواقفهم المتناقضة من الإسلام، يعود الأمر فيهما إلى ما ورثوه عن أسلافهم في الدين، من خلافات واختلافات، أدت بهم إلى الشك في نفس الكتب التي أنزلت عليهم، نظرا لما أصابها من التحريف والتأويل والتدليس، ﴿ وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب( ١٤ ) ﴾.
ويخاطب الحق سبحانه وتعالى رسوله، محصنا له من أهواء المشركين، وأهل الكتاب المختلفين المتفرقين، داعيا إياه إلى التمسك بالدعوة، والقيام بحقها، والاستقامة عليها، مذكرا بجوهر الدعوة وأساسها المتين، ألا وهو الإيمان بالله وبكتبه، وإقامة العدل بين خلقه، ﴿ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم. الله ربنا وربكم ﴾، وهذا الخطاب موجه إلى كل مؤمن ومؤمنة، ولا سيما ولاة المسلمين وعلماءهم، وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ معناه أننا برآء من كل ما خالف دعوة الإسلام، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٤١ : ١٠ ) :﴿ أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ﴾.
وانتقلت الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن الساعة وموقف الذين يؤمنون بها، والذين يمارون فيها، ﴿ ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد( ١٨ ) ﴾، ووصفت ما ينتظر الظالمين من عذاب مقيم، وما ينتظر الصالحين من عباده من فضل كبير، وأكدت أن الرسول عليه السلام لا يقبل على أداء رسالته أي أجر، وإنما يريد أن تترك له حرية الدعوة إلى الله، حتى لا تتأزم العلاقات بينه وبين ذوي قرباه، ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا، إلا المودة في القربى ﴾.
روى البخاري في صحيحه وانفرد به، بسنده إلى عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى :﴿ إلا المودة في القربى ﴾، فقال سعيد بن جبير :( قربى آل محمد )، فقال ابن عباس :( عجلت. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيه قرابة، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )، ونبه الحافظ ابن كثير في تفسيره إلى أن هذه الآية مكية لا مدنية، وأن فاطمة الزهراء رضي الله عنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد غزوة بدر، من السنة الثانية من الهجرة، فهذه الآية نزلت قبل زواجها وولادتها، ثم تابع ابن كثير كلامه قائلا بالحرف الواحد :( والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كما رواه عنه البخاري، وختم ابن كثير كلامه قائلا :( ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخرا وحسبا ونسبا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية، الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنه أجمعين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:وانتقلت الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن الساعة وموقف الذين يؤمنون بها، والذين يمارون فيها، ﴿ ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد( ١٨ ) ﴾، ووصفت ما ينتظر الظالمين من عذاب مقيم، وما ينتظر الصالحين من عباده من فضل كبير، وأكدت أن الرسول عليه السلام لا يقبل على أداء رسالته أي أجر، وإنما يريد أن تترك له حرية الدعوة إلى الله، حتى لا تتأزم العلاقات بينه وبين ذوي قرباه، ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا، إلا المودة في القربى ﴾.
روى البخاري في صحيحه وانفرد به، بسنده إلى عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى :﴿ إلا المودة في القربى ﴾، فقال سعيد بن جبير :( قربى آل محمد )، فقال ابن عباس :( عجلت. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيه قرابة، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )، ونبه الحافظ ابن كثير في تفسيره إلى أن هذه الآية مكية لا مدنية، وأن فاطمة الزهراء رضي الله عنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد غزوة بدر، من السنة الثانية من الهجرة، فهذه الآية نزلت قبل زواجها وولادتها، ثم تابع ابن كثير كلامه قائلا بالحرف الواحد :( والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كما رواه عنه البخاري، وختم ابن كثير كلامه قائلا :( ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخرا وحسبا ونسبا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية، الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنه أجمعين ).
الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعين في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يقرر كتاب الله حقيقة كونية طالما غفلت عنها الأنظار، ألا وهي أن الحق سبحانه وتعالى منذ اقتضت مشيئته أن يتكفل برزق الإنسان اقتضت حكمته أن لا يرزقه إلا بحساب، وبقدر محدود، وأن لا يمنحه كل ما يطمع فيه، إذ إن أنانية الإنسان الجامحة، وميله إلى التبذير والإسراف، لا يحدهما شيء، فالإنسان كائن ضعيف تستهويه الملذات، وتغريه المغريات، ﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾( ٢٨ : ٤ )، وقلما يعرف التوازن والاعتدال في سلوكه ومطالبه، بل إنه متى استغنى طغى وبغى ﴿ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ﴾ ( ٦ : ٩٦ )، وفقد توازنه، ونسي ربه، واستغل عطاء الله الواسع في المزيد من المعاصي والسيئات، لا في المزيد من الحسنات والطاعات، والله تعالى حين يقدر رزق الإنسان ولا يبسطه له إلى أقصى الحدود إنما يتصرف في ملكه عن خبرة تامة بهذا الإنسان الذي خلقه من العدم، وعن علم محيط بخلجات نفسه، وهواجس حسه، ولأجل أن لا ينقلب الإنسان طاغيا باغيا مطلق العنان في هذا الكون بالمرة جعل الحق سبحانه وتعالى مقاليد رزق الإنسان بيده، واضطر الإنسان لأن يبقى معلقا بين الخوف والرجاء دائما، ذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء، إنه بعباده خبير بصير( ٢٧ ) ﴾.
وعلى ضوء هذه الآية الكريمة لا يستغرب أحد أن يسمع صيحات الخطر والإنذار، التي تطلقها المنظمات الدولية المختلفة، بقرب مجاعة عالمية قد تكتسح العالم، وتكون كارثة كبرى على البشرية، فالشعور بهذا الخطر قائم لا محالة بشكل أو آخر، ومن مقتضيات الحكمة الإلهية أن يكون شبح هذا الخطر ماثلا للأنظار، حتى يتذكر الإنسان - تحت تأثيره- رسالته الحقيقية في هذا الكون، ويعود إلى حظيرة الاعتدال والتوازن في مطالبه وشهواته قدر الإمكان، وكما قال تعالى في هذه الآية :﴿ ولكن ينزل بقدر ما يشاء ﴾، قال في آية سابقة عند الكلام على خلق الأرض :﴿ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ﴾، ثم عقب على ذلك فقال :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾( ١٢ : ٤١ ).
وبعد تقرير القرآن الكريم لهذه الحقيقة الكونية أتبعها كتاب الله بالتعقيب عليها، مبينا أن لطف الله بالإنسان، ورحمته إياه، لن يمسكهما عن خلقه كلما احتاجوا إليهما، وتوقفوا عليهما، إذ إن رحمته وسعت كل شيء، فقال تعالى :﴿ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد( ٢٨ ) ﴾، وفي سياق هذه الآية جاءت كلمة ( الغيث ) بالخصوص، بدلا من كلمة ( المطر ) التي أكثر استعمالا وشيوعا، إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى متكفل بأن يغيث عباده ويرحمهم بعد اليأس والقنوط، فينجدهم بإنزال المطر كلما بسطوا أكف الضراعة إليه، سائلين الغوث والنجدة من خالقهم ورازقهم على الدوام، على غرار قوله تعالى في سورة الروم :( ٤٩ : ٤٨ ) ﴿ فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين، فانظر إلى أثر رحمة الله ﴾.
وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ وهو الولي الحميد ﴾، إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى لا يتصرف لخلقه إلا بما ينفعهم دنيا وأخرى، فهو ( وليهم ) الحق، الذي يتولاهم بفضله وإحسانه، والذي يجب أن يتولوه بالسعي إلى مرضاته، والانقياد لأوامره، وهو سبحانه ( الحميد ) أي المحمود العاقبة في جميع ما يقدر ويفعله، لتوجيه خلقه ومصلحتهم.
ومضى كتاب الله يتحدث عن آيات الله الباهرة في كونه الفسيح، وفي الطليعة : خلق السماوات والأرض وما بثه سبحانه في العالم العلوي والعالم السفلي من كائنات وأحياء لا يحصيها عد، وقد مضى على الإنسان منذ ظهوره على سطح الأرض مئات الآلاف من السنين، وهو لا يزال عاجزا عن فهم هذا النظام العجيب، مشدوها أمام أسراره وعجائبه.
وبين كتاب الله أن الخالق الذي خلق هذه الكائنات والأحياء، وبثها ووزعها في السماوات والأرض قادر على أن يجمعها جميعا في صعيد واحد متى شاء، وفي ذلك مظهر آخر من مظاهر قدرته المبسوطة على كل شيء، ومظاهر علمه المحيط بكل شيء، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن -آياته خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من دابة، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير( ٢٩ ) ﴾، ولفظ ( دابة ) في هذه الآية حمله ابن كثير على ما يشمل الملائكة والجن والإنس وباقي الحيوانات، بخلاف لفظ ( دابة ) الوارد في قوله تعالى ( ٤٥ : ٣٥ ) :﴿ ما ترك على ظهرها من دابة ﴾، فإن معناه قاصر على ما يدب من الكائنات الحية فوق ظهر الأرض.
وقوله تعالى :﴿ وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ﴾، يشير إلى ما يأمر به الحق سبحانه وتعالى عند قيام الساعة من ( جمع المخلوقات ) كلها عند النشر والحشر والحساب في عرصات القيامة، وفقا لقوله تعالى فيما سبق من هذه السورة( ٧ ) :﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها، وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه، فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾، ولقوله تعالى في سورة التغابن ( ٩ ) :﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع : ذلك يوم التغابن ﴾، ولقوله تعالى في سورة الكهف ( ٩٩ ) :﴿ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾ ولقوله تعالى في سورة آل عمران ( ٩ ) :﴿ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد ﴾، ولقوله تعالى في سورة الواقعة ( ٥٠ ) :﴿ قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ﴾، ولا يصح حمل هذه الآية على ( رواد الفضاء ) كما ارتآه بعضهم، فإن ذلك تكلف لا تطاوعه هذه الآية ولا الآيات الأخرى التي تفسر معناها أوضح تفسير.
وتناولت آيات هذا الربع الحديث عن قدرة الله القاهرة في تحريك الرياح وتسكينها، وما لها من تأثير بالغ على نشاط الإنسان في عالم الملاحة البحرية، والحديث عن ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾، والحديث عن ﴿ الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( ٣٦ ) ﴾، والحديث عن ﴿ الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾، والحديث عن الخاسرين ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وتناولت آيات هذا الربع الحديث عن قدرة الله القاهرة في تحريك الرياح وتسكينها، وما لها من تأثير بالغ على نشاط الإنسان في عالم الملاحة البحرية، والحديث عن ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾، والحديث عن ﴿ الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( ٣٦ ) ﴾، والحديث عن ﴿ الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾، والحديث عن الخاسرين ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وتناولت آيات هذا الربع الحديث عن قدرة الله القاهرة في تحريك الرياح وتسكينها، وما لها من تأثير بالغ على نشاط الإنسان في عالم الملاحة البحرية، والحديث عن ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾، والحديث عن ﴿ الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( ٣٦ ) ﴾، والحديث عن ﴿ الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾، والحديث عن الخاسرين ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وتناولت آيات هذا الربع الحديث عن قدرة الله القاهرة في تحريك الرياح وتسكينها، وما لها من تأثير بالغ على نشاط الإنسان في عالم الملاحة البحرية، والحديث عن ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾، والحديث عن ﴿ الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( ٣٦ ) ﴾، والحديث عن ﴿ الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾، والحديث عن الخاسرين ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
كما تناولت الآيات ذكر ( الشورى ) بين المسلمين، ومن أجل ذلك أطلق على هذه السورة اسم ( سورة الشورى ) تنويها بها، فقال تعالى :﴿ والذين يجتنبون كبار الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون( ٣٧ ) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون( ٣٨ ) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون( ٣٩ ) ﴾، ففي هذه الآية الكريمة وصف الله المؤمنين حقا بالأوصاف الكاشفة عن حقيقتهم، وبالنعوت المنبثقة عن عقيدتهم، فهم قبل كل شيء مجتنبون للآثام والفواحش، بحيث لا يقربونها، ملتزمون للاعتدال والرضى في علاقاتهم، مالكون لأنفسهم عند الغضب، سالمون من الحقد على غيرهم، وهم لا يختلفون عن الاستجابة لأوامر الله والعمل بتوجيهاته في مختلف الشؤون، وهم قوامون بالصلاة التي هي عماد الدين، يؤدونها ويؤدون لها حقها، فتنعكس آثارها الظاهرة والباطنة في حياتهم اليومية، وهم كرماء الأيدي لا يبخلون بالإحسان والأنفاق مما رزقهم الله، في وجوه الخير وسبيل المعروف، وهم أعزاء النفوس، لا يتحملون من خصوم الحق أي ضيم أو هوان، بل ينتصفون منهم، وينتصرون للحق وبالحق عليهم، وهم إلى جانب هذا كله، وفي هذا الجو الأخلاقي السليم، والروحي الطاهر، يتشاورون فيما بينهم في شؤونهم العامة، بنفوس طاهرة، وقلوب صافية، ولا غرض لهم من الشورى إلا تحقيق أهداف الإسلام السامية، ولأمر ما أدمجت الآية الكريمة صفة ( التشاور بين المسلمين ) ضمن مجموعة متناسقة من الصفات الضرورية، التي لا غنى للإسلام عنها، والتي لا يتحقق مدلوله بدونها، ولم تأت بصفة ( الشورى ) وحدها مجردة عن بقية الصفات، ولا منفصلة عن بقية الشروط، لأن الشورى في نظر الإسلام لا توتي أكلها، ولا تؤدي الغرض منها، إلا إذا كانت تحيطها كافة الضمانات الدينية والأخلاقية والنفسية المطلوبة في أهل الشورى، فهذه الآية الكريمة تعطي للمسلمين التوجيه الكافي، وتضع أيديهم على الصفات الضرورية، والمؤهلات البارزة، المطلوبة فيمن يختارونه ليكون من أهل الشورى، ومما تجب ملاحظته في هذا المقام - ونحن في سورة الشورى المكية- أن الشورى في الإسلام كانت من عقائده الأساسية التي برز بها وهو لا يزال في نفس مكة، والإسلام إذ ذاك لم يتمكن بعد من إقامة دولته الأولى بالمدينة المنورة، فعقيدة الشورى وعقيدة التوحيد برزتا في الإسلام في وقت واحد، وهما من خصائص المجتمع الإسلامي ومميزات الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري عند تفسيره لهذه الآية :( الشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا. ونقل عن بعض العقلاء أنه قال : ما أخطأت قط : إذا حزبني أمر شاورت قومي، ففعلت الذي يرون، فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:كما تناولت الآيات ذكر ( الشورى ) بين المسلمين، ومن أجل ذلك أطلق على هذه السورة اسم ( سورة الشورى ) تنويها بها، فقال تعالى :﴿ والذين يجتنبون كبار الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون( ٣٧ ) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون( ٣٨ ) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون( ٣٩ ) ﴾، ففي هذه الآية الكريمة وصف الله المؤمنين حقا بالأوصاف الكاشفة عن حقيقتهم، وبالنعوت المنبثقة عن عقيدتهم، فهم قبل كل شيء مجتنبون للآثام والفواحش، بحيث لا يقربونها، ملتزمون للاعتدال والرضى في علاقاتهم، مالكون لأنفسهم عند الغضب، سالمون من الحقد على غيرهم، وهم لا يختلفون عن الاستجابة لأوامر الله والعمل بتوجيهاته في مختلف الشؤون، وهم قوامون بالصلاة التي هي عماد الدين، يؤدونها ويؤدون لها حقها، فتنعكس آثارها الظاهرة والباطنة في حياتهم اليومية، وهم كرماء الأيدي لا يبخلون بالإحسان والأنفاق مما رزقهم الله، في وجوه الخير وسبيل المعروف، وهم أعزاء النفوس، لا يتحملون من خصوم الحق أي ضيم أو هوان، بل ينتصفون منهم، وينتصرون للحق وبالحق عليهم، وهم إلى جانب هذا كله، وفي هذا الجو الأخلاقي السليم، والروحي الطاهر، يتشاورون فيما بينهم في شؤونهم العامة، بنفوس طاهرة، وقلوب صافية، ولا غرض لهم من الشورى إلا تحقيق أهداف الإسلام السامية، ولأمر ما أدمجت الآية الكريمة صفة ( التشاور بين المسلمين ) ضمن مجموعة متناسقة من الصفات الضرورية، التي لا غنى للإسلام عنها، والتي لا يتحقق مدلوله بدونها، ولم تأت بصفة ( الشورى ) وحدها مجردة عن بقية الصفات، ولا منفصلة عن بقية الشروط، لأن الشورى في نظر الإسلام لا توتي أكلها، ولا تؤدي الغرض منها، إلا إذا كانت تحيطها كافة الضمانات الدينية والأخلاقية والنفسية المطلوبة في أهل الشورى، فهذه الآية الكريمة تعطي للمسلمين التوجيه الكافي، وتضع أيديهم على الصفات الضرورية، والمؤهلات البارزة، المطلوبة فيمن يختارونه ليكون من أهل الشورى، ومما تجب ملاحظته في هذا المقام - ونحن في سورة الشورى المكية- أن الشورى في الإسلام كانت من عقائده الأساسية التي برز بها وهو لا يزال في نفس مكة، والإسلام إذ ذاك لم يتمكن بعد من إقامة دولته الأولى بالمدينة المنورة، فعقيدة الشورى وعقيدة التوحيد برزتا في الإسلام في وقت واحد، وهما من خصائص المجتمع الإسلامي ومميزات الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري عند تفسيره لهذه الآية :( الشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا. ونقل عن بعض العقلاء أنه قال : ما أخطأت قط : إذا حزبني أمر شاورت قومي، ففعلت الذي يرون، فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:كما تناولت الآيات ذكر ( الشورى ) بين المسلمين، ومن أجل ذلك أطلق على هذه السورة اسم ( سورة الشورى ) تنويها بها، فقال تعالى :﴿ والذين يجتنبون كبار الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون( ٣٧ ) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون( ٣٨ ) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون( ٣٩ ) ﴾، ففي هذه الآية الكريمة وصف الله المؤمنين حقا بالأوصاف الكاشفة عن حقيقتهم، وبالنعوت المنبثقة عن عقيدتهم، فهم قبل كل شيء مجتنبون للآثام والفواحش، بحيث لا يقربونها، ملتزمون للاعتدال والرضى في علاقاتهم، مالكون لأنفسهم عند الغضب، سالمون من الحقد على غيرهم، وهم لا يختلفون عن الاستجابة لأوامر الله والعمل بتوجيهاته في مختلف الشؤون، وهم قوامون بالصلاة التي هي عماد الدين، يؤدونها ويؤدون لها حقها، فتنعكس آثارها الظاهرة والباطنة في حياتهم اليومية، وهم كرماء الأيدي لا يبخلون بالإحسان والأنفاق مما رزقهم الله، في وجوه الخير وسبيل المعروف، وهم أعزاء النفوس، لا يتحملون من خصوم الحق أي ضيم أو هوان، بل ينتصفون منهم، وينتصرون للحق وبالحق عليهم، وهم إلى جانب هذا كله، وفي هذا الجو الأخلاقي السليم، والروحي الطاهر، يتشاورون فيما بينهم في شؤونهم العامة، بنفوس طاهرة، وقلوب صافية، ولا غرض لهم من الشورى إلا تحقيق أهداف الإسلام السامية، ولأمر ما أدمجت الآية الكريمة صفة ( التشاور بين المسلمين ) ضمن مجموعة متناسقة من الصفات الضرورية، التي لا غنى للإسلام عنها، والتي لا يتحقق مدلوله بدونها، ولم تأت بصفة ( الشورى ) وحدها مجردة عن بقية الصفات، ولا منفصلة عن بقية الشروط، لأن الشورى في نظر الإسلام لا توتي أكلها، ولا تؤدي الغرض منها، إلا إذا كانت تحيطها كافة الضمانات الدينية والأخلاقية والنفسية المطلوبة في أهل الشورى، فهذه الآية الكريمة تعطي للمسلمين التوجيه الكافي، وتضع أيديهم على الصفات الضرورية، والمؤهلات البارزة، المطلوبة فيمن يختارونه ليكون من أهل الشورى، ومما تجب ملاحظته في هذا المقام - ونحن في سورة الشورى المكية- أن الشورى في الإسلام كانت من عقائده الأساسية التي برز بها وهو لا يزال في نفس مكة، والإسلام إذ ذاك لم يتمكن بعد من إقامة دولته الأولى بالمدينة المنورة، فعقيدة الشورى وعقيدة التوحيد برزتا في الإسلام في وقت واحد، وهما من خصائص المجتمع الإسلامي ومميزات الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري عند تفسيره لهذه الآية :( الشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا. ونقل عن بعض العقلاء أنه قال : ما أخطأت قط : إذا حزبني أمر شاورت قومي، ففعلت الذي يرون، فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وتناولت آيات هذا الربع الحديث عن قدرة الله القاهرة في تحريك الرياح وتسكينها، وما لها من تأثير بالغ على نشاط الإنسان في عالم الملاحة البحرية، والحديث عن ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾، والحديث عن ﴿ الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( ٣٦ ) ﴾، والحديث عن ﴿ الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾، والحديث عن الخاسرين ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
وفي ختام هذا الربع تناولت الآيات الكريمة موضوعا قوي الحساسية بالنسبة للنسل والذرية، وذلك قوله تعالى :﴿ يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور( ٤٩ ) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما. إنه عليم قدير( ٥٠ ) ﴾، وبديهي أن موضوع ( الذرية ) له علاقة وثيقة بموضوع ( الرزق ) الذي أشارت إليه أول آية في هذا الربع :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ﴾، فكما أن الله ينزل بقدر ما يشاء من الرزق، كذلك يهب من يشاء من الذرية أو لا يهب. قال ابن كثير في تفسيره تعليقا على مضمون هذه الآية :( فجعل الناس أربعة أقسام، منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعهم هذا وهذا، فبجعله عقيما لا نسل له ولا ولد، ﴿ إنه عليم ﴾ أي بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، ﴿ قدير ﴾، أي على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك )، ثم مضى ابن كثير يقول :( وهذا المقام شبيه بمقام آخر، حيث خلق الله الخلق على أربعة أقسام، فآدم عليه السلام مخلوق من تراب، لا من ذكر ولا أنثى، وحواء عليها السلام مخلوقة من ذكر بلا أنثى، وعيسى عليه السلام مخلوق من أنثى بلا ذكر، وسائر الخلق سوى عيسى عليه السلام مخلوقون من ذكر وأنثى، فهذا المقام في الآباء والمقام الأول في الأبناء، وكل منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:وفي ختام هذا الربع تناولت الآيات الكريمة موضوعا قوي الحساسية بالنسبة للنسل والذرية، وذلك قوله تعالى :﴿ يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور( ٤٩ ) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما. إنه عليم قدير( ٥٠ ) ﴾، وبديهي أن موضوع ( الذرية ) له علاقة وثيقة بموضوع ( الرزق ) الذي أشارت إليه أول آية في هذا الربع :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ﴾، فكما أن الله ينزل بقدر ما يشاء من الرزق، كذلك يهب من يشاء من الذرية أو لا يهب. قال ابن كثير في تفسيره تعليقا على مضمون هذه الآية :( فجعل الناس أربعة أقسام، منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعهم هذا وهذا، فبجعله عقيما لا نسل له ولا ولد، ﴿ إنه عليم ﴾ أي بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، ﴿ قدير ﴾، أي على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك )، ثم مضى ابن كثير يقول :( وهذا المقام شبيه بمقام آخر، حيث خلق الله الخلق على أربعة أقسام، فآدم عليه السلام مخلوق من تراب، لا من ذكر ولا أنثى، وحواء عليها السلام مخلوقة من ذكر بلا أنثى، وعيسى عليه السلام مخلوق من أنثى بلا ذكر، وسائر الخلق سوى عيسى عليه السلام مخلوقون من ذكر وأنثى، فهذا المقام في الآباء والمقام الأول في الأبناء، وكل منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير ).
الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعين في المصحف الكريم
يتحدث كتاب الله في مطلع هذا الربع عن مقامات الوحي الذي يتلقاه الأنبياء والرسل عن الله عز وجل، وقد ثبت في كتب السنة النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تلقى الوحي عن ربه من أربعة طرق :
الطريق الأول : أن يلقي الملك في روعه وقلبه ما يوحى إليه، من غير أن يرى الملك، كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ).
الطريق الثاني أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس، وكان هذا النوع هو أشد أنواع الوحي عليه، حتى أن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد.
الطريق الثالث : أن يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول.
الطريق الرابع : أن يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما يشاء الله أن يوحيه. قال ابن القيم في كتابه ( زاد المعاد ) :( وقد وقع هذا له مرتين، وورد ذكره في سورة النجم ).
وهذا الموضوع موضوع الوحي من الله إلى أنبيائه ورسله هو ما تضمنه قوله تعالى في هذا الربع :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، إنه علي حكيم( ٥١ ) ﴾،
فقوله تعالى :﴿ إلا وحيا ﴾ يندرج تحته الطريق الأول والطريق الثاني للوحي، كما عرفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى :﴿ أو من وراء حجاب ﴾، يندرج تحته ما أوحاه الله إلى موسى الكليم، بعد تكليمه وحجبه عن الرؤية، رغما عن سؤاله لها.
وقوله تعالى :﴿ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ﴾ يندرج تحته الطريق الثالث والطريق الرابع للوحي، كما وصفهما الرسول عليه السلام، وكما وقع لكثير من الأنبياء والرسل، حيث نزل عليهم بالوحي جبريل وغيره من الملائكة المقربين، بإذن الله العلي الحكيم.
وانتقل كتاب الله للحديث عن الوحي بالقرآن إلى الرسول عليه السلام، وعن مبلغ النعمة التي أنعم الله بها على نبيه، عندما اختاره لختم الرسالة من بين خلقه، فقال تعالى :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ﴾، ففي هذه الآية وصف للقرآن بأنه ( روح ) من عند الله، أنزله لإحياء نفوس الأشباح من البشر، الذين فقدوا مقومات الحياة، وفي هذه الآية وصف للقرآن بأنه ( نور ) من عند الله، أنزله لهداية الضالين الحيارى من مختلف الأمم والملل.
وكم كان هذا الوصف صادقا، وكم كانت هذه الحقيقة أمرا واقعيا، بالنسبة للبشرية جمعاء، فمنذ نزل القرآن ودخلت البشرية تحت رايته، عرفت من ألوان التقدم والازدهار والحضارة ما لم يسبق له مثيل في آلاف السنين التي سبقت نزول القرآن، ولا يزال موكب العلم والكشف عن حقائق الكون يواصل طريقه بإذن من الله، منذ فتح له القرآن السبيل، ومهد له الطريق.
وأكد كتاب الله مرة أخرى ما في اتباع رسالة خاتم الرسل من ضمانة حقيقية لصلاح الخلق ورشادهم، حيث أن هذا الرسول إنما يهدي الناس إلى النهج القويم الذي رسمه لهم، وارتضاه لسلوكهم، خالقهم وخالق الكون كله، وإذا كان الكون كله مطواعا وفي قبضة الله، لا يتخلف عن إرادته ورضاه، فيتبع النواميس والسنن التي رسمها له دون تردد ولا اعتراض، فأحر بالإنسان الذي كرمه الله بالعقل، وبالخلافة عنه في الأرض، وبحمل الأمانة التي أشفقت منها بقية المخلوقات، أن يكون أكثر طواعية للنواميس الخلقية، وأشد التزاما للتعاليم الإلهية، وذلك قوله تعالى :﴿ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور( ٥٣ ) ﴾.