تفسير سورة الأحقاف

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

لَهُ ثواب أَوْ عقاب، ويطرحَ مِنْهُ اللغو الَّذِي لا ثواب فِيهِ ولا عقاب، كقولك: هلُمَّ، وتعال، واذهب، فذلك الاستنساخ.
وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ (٣١).
أضمر القول فيقال: أفلم، ومثله: «فَأَمَّا «١» الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ» «٢» معناه، فيقال: أكفرتم، والله أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الَّذِي أضمر.
وقوله «٣» : وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ (٣٤).
نترككم فِي النار كما نسيتم لقاء يومكم هَذَا، يَقُولُ: كما تركتم العمل للقاء يومكم هَذَا.
وقوله: فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥).
يَقُولُ: لا يراجعون الكلام بعد دخولهم النار.
[١٧٥/ ا]
ومن سورة الأحقاف
قوله عزَّ وجلَّ: أَرَأَيْتُمْ «٤» مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ثم قال: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا (٤) ولم يقل: خلقت، ولا خلقن لأنَّه إنَّما أراد الأصنام، فجعل فعلهم كفعل النَّاس وأشباههم لأن الأصنام تُكلّم وتُعبد وتعتاد «٥» وتعظم كما تعظم «٦» الأمراء وأشباههم، فذهب بها إلى مثل النَّاس.
وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه [بْن مَسْعُود] «٧» : مَن تعبدون من دون اللَّه، فجعلها (مَن)، فهذا تصريح بشبه النَّاس فِي الفعل وفي الاسم. وفي قراءة عَبْد اللَّه «٨» : أريتكم، وعامة ما فِي قراءته من قول اللَّه أريت،
(١) وردت فى ب، ح، ش «وأمّا»، تحريف.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٦.
(٣) سقط فى ب: «وقوله».
(٤) فى ش: أريتم.
(٥) سقط فى ش: وتعتاد.
(٦) سقط فى ح: كما تعظم.
(٧) الزيادة من ب.
(٨) فى ب: عند الله، هو تصحيف.
وأريتم فهي «١» فِي قراءة عَبْد اللَّه بالكاف، حَتَّى إن فِي قراءته: «أرَيتْك الَّذِي يُكذِّب بالدين» ».
وقوله: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ (٤).
قرأها العوامّ: «أثارة»، وقرأها بعضهم قَالَ: قَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن «٣» فيما أعلم «٤» و «أثْرةً» «٥» خفيفة. وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء «أثَره» «٦». والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم، أَوْ شيء مأثور من كتب الأولين.
فمن قَرَأَ «أثارة» فهو كالمصدر مثل قولك «٧» : السماحة، والشجاعة.
ومن قَرَأَ «أثَرة» فإنه بناه عَلَى الأثر، كما قيل: قَتَرة «٨».
ومن قَرَأَ «أَثْرة» كأن أراد «٩» مثل قوله: «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ» «١٠»، والرّجفة.
وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ (٥).
عنى «١١» ب (من) الأصنام، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ما لا يستجيب لَهُ»، فهذا مما ذكرت لَكَ فِي: من، وما.
وقوله: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (٩).
يَقُولُ: لم أكن أول من بُعث، قَدْ بعث قبلى أنبياء كثير «١٢».
وقوله: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (٩).
نزلت فِي أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وذلك أنهم شكوا إِلَيْه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر
(١) فى ا، ب وهى والتصحيح من ش.
(٢) سورة الماعون الآية ١.
(٣) فى ش قال: قرأها أبو عبد الرحمن، وفى ب وقرأها بعضهم قال: ولا أعلمه إلا أبا عبد الرحمن. [.....]
(٤) ضرب على: فيما أعلم فى ب.
(٥) فى ش أثرة.
(٦) فى (ا) أثرة بسكون الثاء فى الأولى والثانية، تحريف.
(٧) فى اقوله.
(٨) القترة: الغبرة.
(٩) فى ب، ش فكأنه أراد.
(١٠) سورة الصافات: ١٠.
(١١) فى (ب) يعنى.
(١٢) (ب) كثيرة.
50
بقتالهم، فقال النبي صلّى الله عليه: إني قَدْ رَأَيْت فِي منامي أني أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشَروا بذلك، ثُمَّ إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا للنبى صلّى الله عليه:
ما نرى تأويل ما قلت، وَقَدِ اشتد علينا الأذى؟ فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» أَخرُج إلى الموضع الَّذِي أُريته فِي منامي أم لا؟ ثُمَّ قَالَ لهم: إنَّما هُوَ شيء أُريته فِي منامي، وما أتبع إلا ما يوحى إليَّ. يَقُولُ: لم يوح إليَّ ما أخبرتكم بِهِ، ولو كَانَ وحيا لم يقل صلّى الله عليه: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ».
وقوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ (١٠).
شهد رَجُل من اليهود عَلَى مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام [١٧٥/ ب] من التصديق «١» بالنبي صلى الله عليه وأنَّه موصوف فِي التوراة، فآمن ذَلِكَ الرجل واستكبرتم.
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (١١).
لمّا أسلمت: مزينة، وجهينة، وأسلم، وغفَار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ، وأشجع وأسد: لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاة الْبَهْمِ. «٢»، فهذا تأويل قوله: «لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ».
وقوله: وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا (١٢).
وفي قراءة عَبْد اللَّه: مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنَصْبُه فِي قراءتنا عَلَى تأويل قراءة عَبْد اللَّه، أي هَذَا القرآن يصدق التوراة عربيًا مبينًا، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه يكون [نصبًا] «٣» من مصدق. عَلَى ما فسرت لَكَ، ويكون قطعا من الهاء فى بين يديه.
وقوله عز وجل: لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢).
البشرى: تكون رفعا ونصبًا، الرفع عَلَى: وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب عَلَى «٤» لتنذر الَّذِينَ ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت فِي موضعه بشرى أو بشارة نصبت،
(١) في ب، ح، ش للتصديق، وعبارة الأصول أقوم.
(٢) فى (ا) ما سبقونا إليه رعاة إليهم، وإليهم تحريف، وفى ش ما سبقونا إليه رعاة البهم، والتصويب عن ب والبهم:
أولاد الضأن والمعز والبقر، جمع بهمة بفتح وسكون.
(٣) زيادة من ب، ح، وفى ش يكون منصوبا.
(٤) سقط فى (ا) لفظ على.
51
ومثله فِي الكلام: أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قَالَ: وسقي اللَّه فلانًا، وجئت لأكرمك وزيارة لَكَ وقضاء لحقك، معناه: لأزورك وأقضي حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر.
وقوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً (١٥).
قرأها أهل الكوفة بالألف، وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون:
(حُسْنًا) «١» وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، ومعناهما واحد والله أعلم.
وقوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (١٥).
وفي قراءة عَبْد اللَّه: حتّى إِذَا استوى وبلغ أشده «٢» وبلغ أربعين سنة، والمعنى فِيهِ، كالمعنى فِي قراءتنا لأنَّه جائز فِي العربية أن تقول: لمَّا ولد لَكَ وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة، وَيُقَال: إن الأشدها هنا هُوَ الأربعون «٣».
وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد لَهُ فِي الأشد: ثلاث وثلاثون، وفي الاستواء: أربعون.
وسمعت أن الأشد فِي غير هذا الموضع: ثمانى عشرة. والأول أشبه بالصواب لأن الأربعين أقرب فِي النسق إلى ثلاث وثلاثين ومنها إلى ثماني عشرة ألا ترى أنك تَقُولُ: أخذت عامة المال أَوْ كلَّه، فيكون أحسن من أن تَقُولُ: أخذت «٤» أقلّ المال أَوْ كلّه. ومثله قوله: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ» «٥»، فبعض ذا قريب من بعض، فهذا سبيل كلام العرب [١٧٦/ ا]، والثاني يعنى ثمانى عشرة، [و] «٦» لو ضم إلى الأربعين كَانَ وجها.
وقوله: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ (١٥).
نزلت هَذِهِ الآية: فِي أَبِي بَكْر الصديق رحمه الله.
(١) جاء فى الاتحاف (٣٩١) : واختلف فى حسنا، فعاصم وحمزة والكسائي وخلف: إحسانا، وافقهم الأعمش، والباقون بضم الحاء وسكون السين بلا همز ولا ألف (وانظر الطبري ٢٦/ ١٠). [.....]
(٢) بلغ الرجل أشده إذا اكتهل (ابن سيده) ونقله اللسان.
(٣) وقال الزجاج هو من نحو سبع عشرة إلى الأربعين، وقال مرة هو ما بين الثلاثين والأربعين (اللسان:
شدد).
(٤) فى ش أخذ.
(٥) سورة المزمل الآية ٢٠.
(٦) فى ب: لو، سقط.
52
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «١» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس قال: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ «٢» » إِلَى آخِرِ الآيَةِ «٣».
وقرأ يَحيى بْن وثاب، وذُكرت عنْ بعض أصحاب عَبْد اللَّه: «نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ» بالنون. وقراءة «٤» العوام: «يُتقبل «٥» عَنْهُمْ أحسن ما عملوا ويُتجاوز عنْ سيئاتهم» بالياء وضمها «٦»، ولو قرئت «تُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ [أحسن ما عملوا] «٧» وتُتجاوز» كان صوابا.
وقوله: وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي «٨» (١٦).
كقولك: وعدا صدقا، أضيف إلى نفسه، وما كَانَ من مصدر فِي معنى حقا فهو نصب معرفة كَانَ أَوْ نكرة، مثل قوله فِي يونس: «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» «٩».
وقوله: وَالَّذِي «١٠» قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما (١٧).
ذُكِرَ أَنَّهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ هَذَا القول قبل أن يسلم: (أُفٍّ لكما) قذرا لكما «١١» أتعدانني أن أخرج من القبر؟
واجتمعت القراء عَلَى (أخرج) بضم الألف لم يسم فاعله، وَلَوْ قرئت: أن أَخْرُجَ بفتح الألف كَانَ صوابًا.
وقوله: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ (١٧).
(١) الزيادة من ب.
(٢) لم تثبت (أحسن) سقط فى ح، ش.
(٣) فى ب: أولئك الذين نتقبل عنهم. إلى آخر الآية: أحسن.
(٤) فى ب: وقرأه.
(٥، ٦) لم يثبت فى ح.
(٧) التكملة من ب، ش.
(٨) لم يثبت (الذي) فى غير ب.
(٩) سورة يونس آية ٤.
(١٠) لم يثبت (الذي) فى ا. [.....]
(١١) الأف: الوسخ الذي حول الظفر، وقيل: الأفّ وسخ الأذن، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم استعمل ذلك عند كل شىء يضجر منه، ويتأذى به (اللسان: أفف).
53
ويقولان: «وَيْلَكَ آمِنْ». القول مضمر يعنى: أبابكر رحمه اللَّه وامرأته.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ «١» حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ (١٨).
لم تنزل فى عبد الرحمن بْن أَبِي بَكْر، ولكن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: ابعثوا [لي] «٢» جُدْعان بْن عَمْرو، وعثمان بْن عَمْرو- وهما من أجداده- حَتَّى أسألهما «٣» عما يقول محمد صلّى الله عليه- أحق أم باطل؟ فأنزل اللَّه: «أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ». يعنى: جدعان، وعثمان.
وقوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ (٢٠) قرأها الْأَعْمَش وعاصم ونافع الْمَدَنِيّ بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدني بالاستفهام:
«أَذْهَبْتُمْ» «٤»، والعرب تستفهم «٥» «٦» بالتوبيخ ولا تستفهم «٧» فيقولون: ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت «٨»، ويقولون: أذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب «٩».
وقوله: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ (٢١).
أحقاف الرمل، واحدها: حِقفٌ، والحِقفُ: الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.
وقوله: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (٢١).
قبله «١٠» ومن خلفه من بعده، وهى [١٧٦/ ب] فِي قراءة عَبْد اللَّه «من بين يديه ومن بعده».
وقوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ (٢٤).
(١) سقط لم يثبت فى (ا).
(٢) كذا فى (ا، ب) وفى ح، ش إلىّ.
(٣) فى ب أسلهما، تحريف.
(٤) فى ش أذهبتم، سقط.
(٥) فى ش تستفتح، تحريف.
(٦، ٧) ساقط فى ح.
(٨) سقطت فى ش: (وفعلت).
(٩) قرأ بالاستفهام الساقط أداته نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (الاتحاف ٣٩٢) وقرأ قتادة ومجاهد وابن وثاب وأبو جعفر والأعرج وابن كثير بهمزة بعدها مدة مطولة، وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان، وليّن الثانية هشام وابن كثير في رواية. (البحر المحيط ٨/ ٦٣).
(١٠) كذا فى النسخ والأرجح أنها محرفة عن: (قوله).
54
طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ، فقالوا: هَذَا الَّذِي وعدْتَنا، هَذَا والله الغيث والخير، قَالَ اللَّه قل لهم: بل هُوَ ما استعجلتم بِهِ من العذاب. وفي قراءة عَبْد اللَّه: قل [بل] «١» ما استعجلتم بِهِ هِيَ ريح فيها عذاب أليم. وهو، وَهي «٢» فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله: «مِنْ مَنى تُمْنَى» وَ «يُمْنى» «٣».
من قَالَ: «هُوَ». ذهب إلى العذاب، ومَن قَالَ: «هِيَ» ذهب إلى الريح.
وقوله: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ (٢٥).
قرأها الْأَعْمَش وَعاصم وَحمزة «لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» «٤».
قَالَ الفراء: وقرأها عليّ بْن أَبِي طالب، رحمه الله.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٥» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَسَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «لا تَرَى إلا مساكنهم».
[حدثنا محمد قال] «٦» حدثنا «٧» الفراء قال و «٨» حدثنى الكسائي عنْ قطر بْن خليفة عنْ مجاهد أَنَّهُ قَرَأَ: «فأصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم». قَالَ: وَقرأ الحسنُ: «فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم» وفيه قبح فِي العربية لان العرب إِذَا جعلت فِعل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه، فقالوا:
لم يقم إلا جاريُتَك، وما قام إِلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إِلا جاريتك، وذلك أن المتروك أحد، فأحد إِذَا كانت لمؤنث أَوْ مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن قام أحد منهن فاضرِبه، وَلا تقل: إن قامت إلا مستكرهَا، وَهو عَلَى ذَلِكَ جائز. قَالَ أنشدني المفضل:
ونارنا لم تر نارا مِثْلُها قَدْ عِلِمت ذاكَ معدً أكرما «٩»
فأنث فعل (مثل) لأنه للنار، وأجود الكلام أن تقول: مارئى إلا مثلها.
(١) سقط في ح، ش.
(٢) فى ب، ح، ش: وهى وهو.
(٣) سورة القيامة الآية ٣٧.
(٤) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب وخلف بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول، مساكنهم بالرفع نائب فاعل، وافقهم الأعمش، وعن الحسن بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع، وعن المطوعى يرى كعاصم مسكنهم بالتوحيد والرفع. والباقون بفتح التاء، مساكنهم بالنصب مفعولا به. [.....]
(٥، ٦) الزيادة من ب.
(٧، ٨) ساقط فى ح، ش.
(٩) انظر ابن عقيل ٢/ ١٠٧.
55
وقوله: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ (٢٦).
يقول: فى الذي لم نمكنكم فيه، و (إن). بمنزلة ما فِي الجحد.
وقوله: وَحاقَ بِهِمْ (٢٦).
وهو فِي كلام العرب: عَادَ عليهم، وَجاء فِي التفسير: أحاط بهم، ونزل بهم «١».
وقوله: وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨).
ويقرأ أَفَكُهُم، وأَفَكَهُم. «٢». فأمّا الإفك والَأفك فبمنزلة قولك: الحِذرُ وَالحذَر، والنِّجْس وَالنَّجَس. وأمَّا من قَالَ: أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم فِي موضع نصب يَقُولُ: ذَلِكَ صرفهم عَنِ الْإِيمَان «٣» وكذبهم، كما قَالَ عزَّ وجلَّ: «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» «٤» أي: يصرف عَنْهُ مَن صُرِف.
وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ «٥» بِقادِرٍ (٣٣).
دخلت الباء للم، والعرب تدخلها مَعَ الجحود إِذَا كانت رافعة لما قبلها، وَيدخلونها إِذَا وقع عليها فعل يحتاج «٦» إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم [١٧٧/ ا] وَما كنت بقائم، فإذا خلَّفْتَ «٧» الباء نصبت الَّذِي كانت فِيهِ «٨» بما يعمل «٩» فِيهِ من الفعل، ولو ألقيت الباء من قادر فِي هَذَا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قَالَ «١٠» وأنشدنى بعضهم:
(١) نقل اللسان عن الفراء فى قوله عز وجل: «وَحاقَ بِهِمْ» : فى كلام العرب: عاد عليهم ما استهزءوا به.
(٢) قرأ الجمهور: إفكهم، وابن عباس فى رواية بفتح الهمزة، وقرأ ابن عباس أيضا، وابن الزبير وأبو عياض وعكرمة ومجاهد أفكهم بثلاث فتحات أي صرفهم. وأبو عياض وعكرمة أيضا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير.
وابن الزبير أيضا، وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه آفكهم أي جعلهم يأفكون (البحر المحيط ٨/ ٦٦).
(٣) فى ح، ش عن الإسلام
(٤) سورة الذاريات: ٩.
(٥) «وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ» لم يثبت فى جميع النسخ، والتصويب من المصحف.
(٦) فى ش محتاج.
(٧) هكذا وردت فى (ب)، وفى (ا) جعلت، وفى ح أخلعت وفى ش خلعت.
(٨) سقط فى ش.
(٩) فى ب مما يعمل.
(١٠) لم تثبت فى ش.
Icon