تفسير سورة الصف

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الصف من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا نهانا عَن موالاتهم ومجاملتهم حثنا على معاداتهم ومقاتلتهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾: كما مر ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً ﴾: غضبا شديدا ﴿ عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾: نزلت في قولهم: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعلمناه، ثم انهزموا بأحد بعد نزول: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً ﴾: مصطفين ﴿ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾: رُصَّ ولُزِق بعضها ببعض بلا فُرْجة، وفي الآية دليل وجوب الوفاء ينذر اللجاج ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ﴾: بالمعصية أو الرمي بالأدرة ﴿ وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ ﴾: مالوا عن الطاعة ﴿ أَزَاغَ ﴾: أمال ﴿ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾: عن الهداية ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ في علمه ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: لم يقل يا قوم لعدم قرابته ﴿ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾: صلى الله عليه وسلم، سماه به لأنه مسمى به في الإنجيل أو لأنه أبلغ من محمد ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾: من الآيات ﴿ قَالُواْ هَـٰذَا ﴾: المأتى به أو عيسى ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَنْ ﴾: أي: لا ﴿ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ﴾: بتكذيب رسله ﴿ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾: في علمه ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ ﴾: اللام صلة للتأكيد، أي: أن يطفئوا ﴿ نُورَ ٱللَّهِ ﴾: أي: دينه ﴿ بِأَفْوَٰهِهِمْ ﴾: بالطعن فيه ﴿ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ * هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ ﴾: يغلبه ﴿ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾: خصهم لأن الاستيلاء قريب على الأقارب أشد عليهم، وحسدهم عليه أكثر، وأما إتمام نوره فكل الكفرة في كرامته سواء.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾: خبر بمعنى الأمر، أي: دوموا عليها ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: أي: من أهل العلم فافعلوه ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَ ﴾: لكم نعمة ﴿ أُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ ﴾: كفارس والروم ﴿ قَرِيبٌ ﴾: أو غنائم ﴿ وَبَشِّرِ ﴾: عطف على معنى: تؤمنون ﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: بما وعدتهم عاجلا وآجلا ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ ﴾: أي: دينه ﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ ﴾: أصفيائه الاثنا عشر المؤمنين به أولا: ﴿ مَنْ أَنَّصَارِيۤ ﴾: جندي متوجهاً ﴿ إِلَى ٱللَّهِ ﴾: أي: نصرته ﴿ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ﴾: حاصلة: قل لهم كما قال عيسى أو كونوا أنصاراً كما كان الحواريون حين قال لهم عيسى كذا، كقولك: ما رأيت رجلا كاليوم، أي: كرجل رأيت اليوم ﴿ فَآمَنَت ﴾: به ﴿ طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت ﴾: به ﴿ طَّآئِفَةٌ ﴾: فاقتتلا بعد رفعة ﴿ فَأَيَّدْنَا ﴾: قوّينا ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ ﴾: بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ﴾: غَالِبينَ.
Icon